بحث قانوني هام في الاختصاص الدولي
طه السيد
بأقلام قضايا الحكومة
أقام مصري بفرنسا ومات بها عن تركة ذات عقار ومنقول بمصر وفرنسا، منها وقف بمصر نظارته لمصري مقيم بفرنسا، ويقيم بعض الورثة بفرنسا وبعضهم بمصر، قام نزاع بين الجميع على الوقف وعلى التركة، فأي المحاكم تختص بنظر هذا النزاع ؟ المحاكم المصرية أم المحاكم الفرنسية ؟
1 – الغرض من تحديد الاختصاص الدولي في هذا الموضوع هو معرفة المحكمة التي يكون حكمها ملزمًا للخصوم بما قضت به وإلا فاتت الفائدة من الحكم.
ولكي يكون الحكم ملزمًا لهم يجب أن يكون صادرًا من محكمة تابعة لدولة لها ولاية قضائية عليهم إما بسبب خضوعهم لسلطانها الإقليمي أو لسلطانها الشخصي وقت رفع الدعوى.
2 – لذلك لنتبين أي المحاكم هي المختصة بنظر موضوعنا – أي المحاكم المصرية أم الفرنسية ؟ – يجب أن نبحث أولاً عن الوقائع والأسباب التي تجعل الخصوم خاضعين لسلطان الدولة الإقليمي أو الشخصي، وبالتالي تجعل الحكم الذي يصدر من محاكمها ملزمًا لهم باعتبارها صاحبة الولاية القضائية عليهم.
3 – ولمعرفة هذه الوقائع والأسباب يجب أن نسترشد بقواعد القانون الدولي الخاص المعمول بها فعلاً في مصر وفي فرنسا باعتبارها جزءًا من قانون كل بلد منهما يعمل بها فيه ويحكم بها قضاؤه، وبالمبادئ العامة الدولية حيث يخلو القانون عن النص، وحيث لا تكون ثمة مبادئ ثابتة أقرتها المحاكم في موضوع البحث.
4 – النصوص المصرية:
نصوص القانون المصري في الاختصاص الدولي من الوجهة المدنية والشخصية هي:
المواد (13) و(14) من القانون المدني المختلط ولا نظير لها في القانون الأهلي.
Art. 13: (Tout sujet local pourra être cité devant les tribunaux du pays, à raison des obligations par lui contractées, même a l’étranger (C. C. F. 15).
Art 14: (Il en sera de même des étrangers qui se trouvent dans le pays. L’étranger qui l’aura quitié ne pourra être cité devant les nouveaux que dans les cas suivants:
1 – S’il s’agit d’obligation relative a des bien meubles ou immeubles existant dans le pays;
2 – S’il s’agit d’obligations dérivant de contrats stipulés ou devant être exécutée dans le pays, ou bien faits qui y aient é’é accomplis:
Sans préjudice de la compétence des tribunaux de commeice dans les cas déterminés par la loi et quelle que soit la résidence du défendeur. (C. C. F. 14).
والمادة (15) من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية:
(تحكم المحاكم المذكورة فيما يقع بين الأهالي من دعاوى الحقوق مدنية كانت أو تجارية إلخ..)
والمواد (34) مرافعات أهلي، و(35) مرافعات مختلط.
(34) أهلي: تكليف المدعى عليه بالحضور أمام المحكمة يكون في الأوجه الآتية:
أولاً: في مواد الحقوق الشخصية والمواد المتعلقة بالمنقولات يكلف بالحضور أمام المحكمة التي يكون محله داخلاً في دائرة اختصاصها، وإن لم يكن له محل بالقطر المصري فيكلف بالحضور أمام المحكمة التابعة لدائرتها جهة إقامته، وإذا كانت الدعوى على جملة أشخاص فيكلف الجميع بالحضور أمام المحكمة التي يكون في دائرتها محل أحدهم.
ثانيًا: في المواد المختصة بالعقار وفي المواد المتعلقة بوضع اليد يكلف المدعى عليه بالحضور أمام المحكمة الكائن في دائرتها العقار المتنازع فيه.
ثالثًا: دعاوى مدايني تركات المتوفين أمام المحكمة التابع لدائرتها محل فتح التركة قبل تقسيمها، وأما إذا سبق تقسيمها فتقام الدعوى أمام المحكمة التابع لدائرتها محل أحد الورثة.
والمواد (22) و(24) و(27) و(28) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية وهي:
22 – ترفع الدعوى في المحكمة التي في دائرتها محل إقامة المدعى عليه، فإن لم يكن له محل إقامة كالرحل، رفعت الدعوى أمام المحكمة التي في دائرتها محل إقامة المدعي.
23 – إذا لم يكن للمدعي ولا للمدعى عليه محل إقامة فالدعوى ترفع أمام المحكمة التي في دائرتها محل وجود المدعى عليه وقت الإعلان، فإن لم يكن للمدعى عليه محل وجود بالقطر المصري فالدعوى ترفع أمام المحكمة التي بدائرتها محل وجود المدعي وقت الإعلان.
27 – ترفع دعوى الوقف والاستحقاق فيه بجميع أسبابه ودعوى إثبات النظر عليه كذلك أو طلب عزل الناظر أو غير ذلك مما يتعلق بشؤون الوقف أمام المحكمة التي في دائرتها أعيان الوقف كلها أو بعضها الأكبر قيمة أو أمام المحكمة التي بدائرتها محل إقامة المدعى عليه.
28 – التصرف في الأوقاف – إقامة ناظر وضم ناظر إلى آخر واستبدال وإذن بعمارة أو تأجير أو استدانة أو بخصومة وغير ذلك من خصائص هيئة المحكمة التي تكون في دائرتها أعيان الوقف كلها أو بعضها الأكبر قيمة أو أمام المحكمة التي بدائرتها محل توطن الناظر، وتنص المادة (3) من قانون المجالس الحسبية الصادر في سنة 1925 على ما يأتي:
(تنظر المجالس الحسبية دون غيرها في المسائل والمنازعات المتعلقة بالمواد الآتية الخاصة بالمصريين وغيرهم من المتوطنين بالقطر المصري مسلمين كانوا أو غير مسلمين إلا إذا قضت القوانين أو المعاهدات بغير ذلك إلخ..)، والمواد (3) و(11) و(13) و(14) و(15) مدني فرنسي وغيرها من المواد التي سنشير إليها عند الاقتضاء.
5 – ولأجل تطبيق هذه النصوص وما يتفرع عنها يجب أن نحلل أولاً طبيعة النزاع في موضوعنا فنفصل كل صلة وعنصر من صلاته وعناصره القانونية وحده لنستطيع أن نجد لكل منها المبدأ الذي يناسب طبيعته والنص الذي يخضع له.
ويلاحظ مبدئيًا أن اختصاص المحاكم المصرية بالقضايا المتضمنة عنصرًا أجنبيًا هو أمر من الأمور التي يحكمها القانون المصري دون غيره من القوانين، فإذا نص القانون المصري على أن قضية متضمنة عنصرًا أجنبيًا تكون من اختصاص محكمة مصرية فيجب على هذه المحكمة أن تحكم فيها دون أن تتقيد بأي قانون أجنبي يحرمها الاختصاص في هذه القضية ولا بأية قاعدة من قواعد القانون الدولي الخاص بجعل مثل هذه القضية خارجة عن اختصاصها.
النزاع فيما يتعلق بالوقف
6 – قد يكون النزاع في الوقف متعلقًا بأصله أو بأمر يخرج عنه.
فإن كان النزاع بين الناظر والورثة متعلقًا بأصله وهو عقده الذي صدر من الواقف بجميع أجزائه ومشتملاته سواء كان من أعيانه أو صحته أو إنشائه أو شروطه التي تتعلق بصرفه أو النظر عليه – وبالجملة كل ما اشتمل عليه العقد – وهذه تعتبر في عرف القوانين المصرية من مسائل الأحوال الشخصية لا فرق بين إنشاء وشروط في النظر أو غيره في اعتبارها من قبيل تلك الأحوال – هذه المسائل نصت عليها المادة (27) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادرة في سنة 1910 وجعلتها من اختصاصها إذ تقضي بأن ترفع دعوى الوقف والاستحقاق فيه بجميع أسبابه، ودعوى إثبات النظر عليه كذلك أو طلب عزل الناظر أو غير ذلك مما يتعلق بشؤون الوقف أمام المحكمة التي في دائرتها أعيان الوقف كلها أو بعضها الأكبر قيمة أو أمام المحكمة التي بدائرتها محل إقامة المدعى عليه.
ونص في المادة (28) على أن التصرف في الأوقاف من إقامة ناظر وضم ناظر إلى آخر واستبدال وإذن بعمارة أو تأجير أو استدانة أو بخصومة وغير ذلك تكون من خصائص هيئة المحكمة التي تكون في دائرتها أعيان الوقف كلها أو بعضها الأكبر قيمة أمام المحكمة التي بدائرتها محل توطن الناظر.
7 – فكل هذه المسائل التي اعتنى الشارع ببيان المحكمة المختصة بها من حيث مركزها تدخل ضمن اختصاص المحاكم الشرعية بحسب نص لائحتها، ولا يغير وجود ناظر الوقف بفرنسا وإقامة بعض الورثة المدعى عليهم هناك من ذلك شيئًا، لأن تعيين محل توطن الناظر أو محل وجود الورثة المدعى عليهم لا يهمنا إلا إذا كان التوطن أو الوجود بمصر لتعيين أي المحاكم المصرية الشرعية هي التي يجب أن ترفع أمامها الدعوى ولأن الاختصاص في هذه المسائل متروك للمحاكم الدينية وهي المحاكم الشرعية في حالتنا هذه وهي المحاكم العامة في مسائل الوقف والأحوال الشخصية واختصاصها يشمل جميع المصريين بمصر وفي الخارج.
8 – نعم لم يرد في لائحة ترتيب المحاكم الشرعية نص خاص ببيان اختصاصها الدولي كالنص الوارد في المادة (3) من قانون المجالس الحسبية، ولكن القواعد العامة للقانون الدولي الخاص وعلى الخصوص القواعد المتبعة في مصر أمام الهيئات القضائية المصرية التي تعتبر أقرب إلى هذه المحاكم من غيرها وهي المجالس الحسبية تقضي بذلك.
فلا نزاع في أن المحاكم الشرعية تختص بناءً على جنسية المدعى عليه إذا كان مصريًا وذلك بصرف النظر عن محل إقامته أو توطنه أو محل وجوده، أي سواء كان له محل في مصر أم لا، لأن المادتين (22) و(23) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية نفسها تقضي برفع الدعوى أمام المحاكم الشرعية التابع لها محل إقامة المدعى عليه أو محل وجوده إذا لم يكن للمدعى عليه محل إقامة أو محل وجود بالقطر المصري.
ولأن هذه القاعدة مقررة في القانون المصري بالنسبة للمحاكم الأخرى من أهلية ومختلطة أو مجالس حسبية (13 م. م و15 ل ت 1 و3 مجالس حسبية).
ولأن القواعد العامة الدولية المتبعة في معظم البلاد تقضي باختصاص محاكم جنسية الخصوم فقررت محاكم فرنسا، وكذلك محاكم غيرها من البلاد التي تحذو حذوها عدم اختصاصها بدعاوى الأحوال الشخصية الخاصة بأجانب ولو كانوا موجودين أو مقيمين في بلادها.
(Les tribunaux francais sont, en principe, incompétents pour connaitre des contestations entre étrangers, lorsque ces contestations intéressent leur etat civil.
Les tribunaux francais peuvent seulement, dans des cas exceptionnels, et par une application partiiculière du principe, que les lois de police et de sùreté obligent ceux qui habitent ce territoire, ordonner des mesures urgentes et purement provisoires, afin de ne pas laisser sans protection les intérêts des mineurs étrangers résidant en France
(Petite Collection Dalloz (تعليق على المادة (14) م. ف
فإذا كان هذا النزاع – وهو يتعلق بأصل الوقف ويدخل في نطاق الأحوال الشخصية الخاصة بهؤلاء المصريين الذين يوجد بعضهم في مصر ويقيم بعضهم الآخر في الخارج – من المسائل التي لا تنظرها المحاكم الفرنسية وقلنا جدلاً بأن المحاكم الشرعية غير مختصة بنظرها كان ذلك معناه حرمان هؤلاء المصريين من حق التقاضي في هذه الأحوال في أي بلد كان وهذه نتيجة لا يمكن التسليم بها.
9 – فضلاً عن ذلك كله فإن أعيان الوقف القائم بشأنها النزاع موجودة بمصر وذلك وحده كافٍ لجعل المحاكم المصرية مختصة بنظر الموضوع، وسيأتي بيان ذلك بعد.
10 – لهذا نرى اختصاص المحاكم الشرعية المصرية، وتكون بذلك قاعدة اختصاص محكمة محل وجود المدعى عليه أو المحكمة التي بدائرتها توطن الناظر المنصوص عنها في المادتين (27) و(28) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية قاصرة على حالة وجود المدعى عليه أو توطن الناظر بمصر.
11 – بقي النزاع بين الناظر والورثة على أمر يخرج عن أصل الوقف.
بقي النزاع في ما عدا أصل الوقف أي في الأمور التي تتفرع عنه كأجرته وحسابه بين ناظره ومستحقة أو كغصب بعض أعيانه ونحو ذلك مما لا يكون منشؤه نفس عقد الوقف وتعتبر في نظر القانون المصري كباقي الأمور المدنية من اختصاص المحاكم الأهلية.
تنص المادة (15) من لائحة المحاكم الأهلية على اختصاص المحاكم الأهلية فيما يقع بين الأهالي من دعاوى الحقوق مدنية كانت أو تجارية، وفيما يتعلق باختصاص المحاكم المختلطة تقضي المادة التاسعة من لائحة ترتيبها، باختصاص هذه المحاكم دون غيرها بالفصل في المنازعات المدنية والتجارية بين الوطنيين والأجانب.
والمادة (13) م. م تقضي باختصاص المحاكم المصرية بالنسبة لكل مصري بسبب الالتزامات التي يرتبط بها ولو حصلت في الخارج
Art 13: Tout Sujet local pourra être cité devant les tribunaux du pays, à raison des obligation par lui contractées, même à l’étranger,
ويلاحظ أن لفظ العقد(obligations ceontractées) الوارد في هذه المادة لا يقتصر على العقود والمشارطات التي تصدر من المصري بل ينصرف إلى جميع أنواع الالتزامات obligations بالمعنى الصحيح الواسع سواء كان منشؤها عقدًا أو شبه عقد أو جنحة مدنية أو شبه جنحة أو كان سببها نص القانون مباشرةً.
هذا الاختصاص الذي للمحاكم المصرية طبقًا للمواد السابقة عامل شامل لكل نزاع فيه عنصر مصري وأساسه الجنسية المصرية والرابطة الموجودة بين المصري والدولة المصرية فيطلب كل مصري له دخل فيه أمام المحاكم المصرية باعتباره خاضعًا لحكم الدولة المصرية.
12 – وإذا كانت القاعدة الأساسية إقليمية القوانين فكل عمل يحصل في إقليم الدولة من أي شخص كان يعتبر مبدئيًا خاضعًا لحكم القانون الإقليمي العام لذلك كان واجبًا على الأشخاص سواء كانوا مصريين أو أجانب الذين لهم أموال في مصر والذين هم خارج مصر أن يخضعوا للقانون الإقليمي وهو القانون المصري في كل تصرفاتهم المتعلقة بتلك الأموال حتى ولو حصل التصرف خارج مصر إذ جميع التصرفات والاتفاقات والأعمال القانونية الخاصة بأموال في مصر تخضع لقانون موقع الشيء – فإذا حصلت وتم الاتفاق عليها خارج مصر فهي مع ذلك واقعة على أموال داخلة ضمن حدود مصر وتعتبر في آخر الأمر أنها تمت ونفذت داخل تلك الحدود.
13 – فضلاً عن ذلك فإن الوقفية التي هي مصدر كل هذه المنازعات القائمة لا بد أنها حصلت في مصر طبقًا لما نصت عليه المادة (137) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية المعدلة بالقانون رقم (23) لسنة 1920 التي تقضي بأن يمنع عند الإنكار سماع دعوى الوقف أو الإقرار به أو استبداله أو الإدخال أو الإخراج وغير ذلك من الشروط التي تشترط فيه إلا إذا وجد بذلك إشهاد ممن يملكه على يد حاكم شرعي بالقطر المصري أو مأذون من قبله كالمبين في المادة (360) من هذه اللائحة وكان مقيدًا بدفتر إحدى المحاكم الشرعية المصرية – وكذلك الحال في دعوى شرط لم يكن مدونًا بكتاب الوقف المسجل وفي دعوى مستحق لم يكن من الموقوف عليهم وقت الدعوى بمقتضى ما ذكر، ولا يعتبر الإشهاد السابق الذكر حجة على الغير إلا إذا كان هو أو ملخصه مسجلاً بسجل المحكمة التي بدائرتها العقار الموقوف طبقًا لأحكام المادة (374) من هذه اللائحة.
وبهذا النص أصبح من الواجب حصول الإشهاد في مصر فمن كان خارج مصر لا يتسنى له الإيقاف إلا بواسطة وكيل شرعي يقوم مقامه في الديار المصرية، وعليه فالقانون الذي يحكم الاختصاص في هذه العلائق التي تكون موضوع دعاوى الديون والالتزامات المذكورة هو القانون المصري لأنه من جهة قانون محل العقد ومن جهة أخرى قانون جنسية لخصوم ومن جهة ثالثة سيكون التنفيذ في مصر على أملاك الوقف ومنتجاته بها.
14 – ويقابل هذا الأساس من وجهة النظر الفرنسية عدم اختصاص المحاكم الفرنسية في موضوع بحثنا إذ أسباب الاختصاص في فرنسا في دعاوى الديون والالتزامات هي جنسية المدعي أو المدعى عليه أي كون أحدهما فرنسيًا (14 و15 م. ف)، وحصول الالتزام في فرنسا (مادة 14 م. ف).
Art. 14: L’étranger, même non résidant en France, pourra être cité devant les tribuneaux francais pour l’exécution des obligations par lui contractées en France avee un francais, il pourra être traduit devant les tribunaux de France pour les obligation par lui contractées en pays étranger envers des francais.
Art. 15: Un francais pourra être traduit devant un tribunal de France pour des obligations par lui contractées en pays étranger, même avee un étranger.
أما إذا لم يكن أحد الخصوم فرنسيًا فليس هناك نص في القانون الفرنسي يبين الحل في مثل هذه الحالة، وقد فسرت المحاكم الفرنسية سكوته بأنه دليل على عدم اختصاصها إلا في حالات خاصة ليست حالتنا منها ومن ذلك يتبين اختصاص المحاكم المصرية وحدها بنظر هذا النزاع.
15 – ويلاحظ أيضًا أن المحاكم المصرية تظل مختصة بفرض أن يكون أحد الخصوم فرنسيًا كأن تكون زوجة المتوفى مثلاً فرنسية برغم نص القانون الفرنسي على اختصاص المحاكم الفرنسية في هذه الحالة، ذلك لأن قانوننا المصري صريح في اختصاص محاكمنا ولأن حكم المحاكم الفرنسية يظل عاطلاً لأنه لا يمكن تنفيذه بمصر، ولأن اختصاص المحاكم المصرية كما ذكرنا من قبل في القضايا المتضمنة عنصرًا أجنبيًا هو أمر من الأمور التي يحكمها القانون المصري دون غيره من القوانين فإذا نص القانون المصري على أن قضية متضمنة عنصرًا أجنبيًا تكون من اختصاص محكمة مصرية فيجب على هذه المحاكم في هذه الحالة أن تحكم فيها دون أن تتقيد بأي قانون أجنبي يحرمها الاختصاص في هذه القضية ولا بأية قاعدة من قواعد القانون الدولي الخاص بجعل مثل هذه القضية خارجة عن اختصاصها.
النزاع في أمر الشركة
16 – تتكون التركة من عقار ومنقول بمصر وبفرنسا، لذلك يتعين البحث أولاً عن أي المحاكم تختص بنظر النزاع على الجزء الموجود منها بمصر عقارًا أو منقولاً، ثم عن أيها تختص بنظر النزاع على الجزء الآخر منها الموجود بفرنسا.
17 – الاختصاص فيما هو موجود من التركة بمصر.
قد يكون النزاع على الإدارة وقد يكون على حقوق عينية أو شخصية تتعلق بأموال التركة من عقار أو منقول، لذلك نبدأ ببيان جهات الاختصاص في نظر النزاع على إدارتها.
18 – جعل الاختصاص في مسائل إدارة أموال القصر والمحجور عليهم والغائبين للمجالس الحسبية، وذلك طبقًا للمادة (3) من قانون هذه المجالس.
والذي يهمنا معرفته هنا هو حدود اختصاص هذه المجالس من الوجهة الدولية، وقد بينتها المادة (3) من القانون المذكور فنصت على أن تنظر المجالس الحسبية دون غيرها في المسائل والمنازعات المتعلقة بالمواد الآتية الخاصة بالمصريين وغيرهم من المتوطنين بالقطر المصري مسلمين كانوا أو غير مسلمين إلا إذا قضت القوانين أو المعاهدات بغير ذلك: تعيين الأوصياء للقصر وللحمل المستكن والقامة المحجور عليهم والوكلاء للغائبين وتثبيت الأوصياء المختارين اللائقين للوصاية وتعيين المشرفين وعزل جميع المتولين المذكورين واستبدال غيرهم بهم أو قبول استقالتهم والحجر على عديمي الأهلية ورفع الحجر عنهم واستمرار الوصاية إلى ما بعد سن الحادية والعشرين إذا اقتضت الحال ومنع القاصر الذي بلغ الثامنة عشرة من التصرف وتعيين مأذون بالخصومة في حقوق القصر أو المحجور عليهم أو الغائبين، وذلك عند تضارب مصلحتهم مع مصلحة الأوصياء أو القامة أو الوكلاء.
مراقبة أعمال الأوصياء أو القامة أو الوكلاء والنظر في حساباتهم واتخاذ الاحتياطات المستعجلة لصيانة حقوق القصر أو عديمي الأهلية أو الغائبين.
سلب ما للأولياء الشرعيين من السلطة على أموال الأشخاص المشمولين برعايتهم أو الحد من حريتهم فيها في الأحوال المبينة في المادة الثامنة والعشرين من هذا القانون.
ومع ما للمجالس الحسبية في أثناء مراقبتها لإدارة الأوصياء أو القامة من الحق في التأكد عما إذا كانت المصاريف المخصصة لنفقة القاصر وتربيته أو لنفقة المحجور عليه قد استعملت فعلاً لهذا الغرض فليس لها حق التدخل في المسائل المتعلقة بالولاية على النفس لخروجها عن اختصاصها.
وبناءً على هذا النص تكون أسباب اختصاص المجالس الحسبية بنظر هذه الأمور الخاصة بالمصريين في جنسيتهم المصرية وهذا الاختصاص بالنسبة لهم شخصي يلحقهم حيثما كانوا سواء متوطنين بمصر أو مقيمين في الخارج.
نعم إن النص العربي لهذه المادة أو بعبارة أدق هذه الترجمة العربية للنص الفرنسي بوضعها الحالي (تنظر المجالس الحسبية دون غيرها في المسائل الآتية الخاصة بالمصريين وغيرهم من المتوطنين بالقطر المصري) ليست بالترجمة الدقيقة وقد يفهم خطأ منها أن اختصاص هذه المجالس بالنسبة للمصريين قاصر على حالة توطنهم هم أيضًا أسوة بالأجانب بمصر، والحقيقة أن شرط التوطن قاصر على الأجانب دون المصريين، وهذا المعنى ظاهر تمامًا في النص الفرنسي حيث يقول:
(Les egyptiens ainsi que toutes les personnes domiciliées et…
والترجمة الصحيحة لهذا النص الفرنسي أن (تنظر المجالس الحسبية دون غيرها في المواد الآتية الخاصة بالمصريين وكذلك بغيرهم من المتوطنين في القطر المصري)، فيتبين صراحةً من ذلك أن اختصاص المجالس الحسبية بالنسبة للمصريين عام مطلق وغير مقيد بشرط التوطن في مصر ويلحقهم ولو كانوا مقيمين في الخارج.
أما غير المصري أي الشخص الأجنبي المنظور في أمره فالعبرة في تحديد اختصاص المجالس الحسبية بالنسبة له هو موطنه، فإذا كان متوطنًا بمصر كان خاضعًا لاختصاص المجالس الحسبية من الوجهة الدولية إلا إذا كان أجنبيًا متمتعًا بالامتيازات طبقًا للقوانين والمعاهدات.
وسبب ذلك أن الأجانب لا سلطان للحكومة عليهم ما داموا غير متوطنين بمصر، كذلك لا سلطان لها عليهم ولو متوطنين بمصر ما داموا يتمتعون بالامتيازات.
أما المصريون فيلحقهم سلطان الحكومة الشخصي ولو متوطنين في الخارج.
19 – فوق هذا فإن القوانين الفرنسية وهي قوانين الدولة التي يقيم بها بعض الورثة تقضي بعدم اختصاص المحاكم الفرنسية بالنسبة لهؤلاء في هذه المادة.
(En principe, les tribunaux francais sont incompétents pour juger les contestations concernant uniqument des étrangers.
Exceptionellement, il y a des hypothèses ou les tribunaux francais doivent se déclarer competénts à l’égard des contestation entre les ètrangers ces hypothèses sont: les cas où la loi attribue compétence aux tribunaux francais à raison de la nature de l’instance, sans tenir compte de la nationalité des parties.
a) Il en est ainsi pour les actions relative à des immeubles située en France (L’art. 3 al. 2, C. civ F. et l’art. 59 paragraphe 3 C; pr. civ. Voulant qu’en pariel cas le tribunal du lieu de la situation des immeubles soit exclusivement compétent.
b) Pour celles qui concernent les successions ouvertes sur le territoire francais (art 59 paragraphe 6 C. pr. civ).
(al. 510, 511 Valery. Droit. International privé)
إذًا كقاعدة عامة تختص المحاكم الفرنسية بنظر النزاعات القاصرة على الأجانب وحدهم ولو مقيمين في فرنسا، ويستثنى من ذلك مسائل تخصهم ويتحتم على المحاكم الفرنسية نظرها، هذه المسائل هي التي نص عليها القانون الفرنسي صراحةً وجعل لمحاكمة حق الفصل فيها نظرًا لطبيعتها وبصرف النظر عن جنسية الخصوم، كالدعاوى المتعلقة بعقار موجود بفرنسا (المادة (3) فقرة 2 م. ف والمادة (59) مرافعات فرنسي) إذ تكون من اختصاص محكمة موقع العقار، وكذلك الدعاوى التي تتعلق بتركات تفتح في فرنسا (المادة (59) مرافعات فرنسي – وفاليري النبذة (510) و(511) شرح قانون الدولي الخاص).
واستثناءات أخرى تخرج عن نطاق بحثنا.
ويلاحظ أن الاستثناء الأول خاص بالدعاوى العينية ودعاوى الديون والالتزامات (وسيأتي حكمها بعد) المتعلقة بعقار موجود بفرنسا، وهذه الدعاوى تختلف عن النزاعات على الإدارة التي تدخل في نطاق الأحوال الشخصية التي يحكمها قانون جنسية المتخاصمين دون القاضي المحلي، ويقول في ذلك فاليري – مشيرًا إلى قانون الجنسية:
Elle règle aussi l’étendue des pouvoirs don’t sont investis les représentants de l’incapable, aussi bien lorsqu’il réside en France que lorsqu’il demeure dans un pays étranger. C’est encore là une conséquence du principe qui soumet la capacité de tout individu aux dispositions de sa loi nationale, Par suite, puisqu’il s’agit là d’une matière comprise entièrement dans le domain du statut personnel, il est faux de dire comme l’on a fait parfois, que l’aliénation des immeublel du pupille doit s’effecteur dans les formes prescrites par la loi francaise du moment que l’ordre public territorial francais n’est pas en jeu, ce sont les règle edictées par la loi étrangére qui doivent être suivies, dans la mesure où notre organisation judiciare le permet (Valery ali. 510, 511 etc… Droit international privé).
20 – أما الاستثناء الثاني فعن التركات التي تفتح في فرنسا بحكم من القانون الفرنسي وتركتنا لا تفتح إلا بمصر ولو أن منها عقارًا ومنقولاً بفرنسا.
إذ تقضي قواعد القانون الدولي والمعاهدات عادةً بتكليف السلطات المحلية إخطار القنصل إذا توفي أحد مواطنيه فيأمر بوضع أختام القنصلية على متروكات المتوفى، ويكون له مراقبة إدارة أملاكه وحفظها طبقًا لقانون بلاده، وهذا الحق أو الواجب تقتضيه القواعد العامة الدولية فيجوز للقنصل أن يقوم به حتى من غير معاهدة كما يقول فاليري.
(Souvent les législations étrangères attibuent, comme la nôtre, le pouvoire de prendre ces mesures aux consuls par la France le leur reconnaissent expressément. Mais, à mon avis même en l’absence de tout traité les consuls doivent pouvoir exercer cette attribution, car elle ne constitue pas un empiètement sur les prérogatives francaises, celles – ci ne jouissant à cet égard, ainsi que nous venons de le voir, que d’une compétence exceptionelle.
Il est à peine besoin d’ajouter que la loi à laquelle apprtient de désigner les personnes chargées de veiller aux intérêt des l’incapable doit déterminer les conditions qu’elles ont à présenter pour être appelées à jouer ce rôle, de même que les causes qui peuvent entrainer leur destitution.
Les obligations des personnes chargées des intérêts de l’incapable sont fixées par sa loi nationale puisque c’est elle qui préside à leur nomination.
ومن ذلك يتعين اختصاص المحاكم المصرية بنظر النزاع على إدارة هذه التركة وفتحها.
الاختصاص في النزاع العيني على أموال التركة بمصر
21 – تختص المحاكم المصرية دون غيرها بنظر جميع الدعاوى العينية العقارية كدعوى ملكية العقار أو حق الارتفاق عليه أو الانتفاع به وكدعاوى وضع اليد عليه أو رهنه كلما كان العقار الواقع بشأنه النزاع موجودًا بالقطر المصري، هذا الظرف وحده كافٍ لجعل محاكمنا المصرية مختصة دون غيرها بدون نظر إلى محل إقامة المدعي أو جنسيته كذلك وسواء اتحد الخصوم في الجنسية أو اختلفوا فيها لأن اتخاذ جنسية الخصوم – مدعين ومدعى عليهم – لا تهم إلا في حالة تعيين أي المحاكم المصرية الأهلية أو المختلطة هي التي يجب أن ترفع إليها الدعوى.
وهذه القاعدة مسلم به في القانون الدولي الخاص في جميع البلاد المتمدينة كفرنسا فتنص المادة الثالثة من القانون المدني الفرنسي على ما يأتي:
تنفذ قوانين الضبط والربط (البوليس) والنظام العام على جميع الأشخاص داخل الإقليم الفرنسي، وتخضع العقارات للقانون الفرنسي ولو كانت مملوكة لأجانب إلخ…
(Les lois de police et de sûreté obligent tous ceux qui habitent le territoire. Les immeubles, même ceux possédés par des étrangers, sont regis par la loi francaise, et…)
وفي إيطاليا المادة (10) مرافعات، وفي إنجلترا وغيرها (راجع دايس صـ 238 – وبيليه صـ 644)، وهذه القاعدة تسري أيضًا في مصر سواء أمام المحاكم المختلطة أو الأهلية كل منهما فيما يخصه.
فقد نصت المادة (9) من لائحة ترتيب المحاكم المختلطة على جعل الاختصاص بهذه المحاكم في جميع الدعاوى العينية العقارية سواء وقعت بين أشخاص مختلفي الجنسية أو بين أجانب متحديها، ولم تقصر هذا الاختصاص على الدعاوى العينية التي تنشأ بين أجانب أو أشخاص متوطنين أو موجودين في مصر.
وبمقتضى هذه المادة تكون المحاكم القنصلية غير مختصة بنظر هذه الدعاوى إذا حصلت بين أجانب من جنسية واحدة، فإذا كان القانون يحرم على المحاكم القنصلية الموجودة والقائمة بالقضاء في مصر الاختصاص في هذه الدعاوى فمن باب أولى يكون التحريم بالنسبة للمحاكم الفرنسية حيث محل إقامة المدعى عليهم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن القانون العثماني الصادر في 7 صفر سنة 1284 (10 يونية سنة 1867)، والذي كان يجري العمل بمقتضاه قبل وجود نص المادة (9) من لائحة ترتيب المحاكم المختلطة قد جعل الأجانب الذين لا يملكون عقارات في مصر في مستوى واحد مع الرعايا العثمانيين من حيث العقارات التي يملكونها هنا فأصبحوا بذلك خاضعين لجميع اللوائح المتعلقة بالضبط والربط وجميع اللوائح الخاصة بالمدن والبلديات والتي تحكم في الحال وفي المستقبل حق الانتفاع والتمتع بالعقارات وانتقال الملكية فيها.
وتنص مادته الثانية على وجوب خضوع هؤلاء الأجانب في كل المسائل المتعلقة بالملكية العقارية وكل الدعاوى العينية للمحاكم المدنية العثمانية سواء بصفة مدعين أو مدعى عليهم.
(pour toutes les questions relatives à la propriété fonciere et pour toutes les question réelles…)
ويلاحظ أن مصر وقت صدور هذا الفرمان كانت جزءًا من الإمبراطورية العثمانية ويسري على العقارات الواقعة فيها هذا القانون.
22 – أما فيما يتعلق بالاختصاص في الدعاوى العينية على عقارات التركة الموجودة بفرنسا فليس للمحاكم المصرية اختصاص أصلاً بنظرها لأن المحاكم الفرنسية تكون مختصة دون غيرها تطبيقًا لهذه القاعدة ولنص المادة (3) مدني فرنسي الصريح، ولعدم الفائدة من اختصاص المحاكم المصرية لأن حكمها لا يكون قابلاً للتنفيذ في فرنسا.
الاختصاص في الدعاوى العينية على المنقول الموجود بمصر
23 – تأخذ الدعاوى العينية المنقولة في كثير من البلاد الآن حكم الدعاوى العينية العقارية، فدعوى استرداد المنقول من مالكه ضد واضع اليد عليه ودعوى رهنه رهن حيازة أو الانتفاع به إلخ… كل هذه يجب أن ترفع في البلد الذي يوجد فيه المنقول وقت رفع الدعوى ولمحاكم هذا البلد أن تتخذ الإجراءات اللازمة لعدم نقه إلى بلد آخر قبل الفصل في الدعوى، وللمدعي المطالب به أن يطلب إليها ذلك كأن يطلب توقيع الحجز التحفظي على المنقول المتنازع عليه، وتقضي قوانين المرافعات المصرية من أهلية ومختلطة مادة (34) و(35) باختصاص المحاكم المصرية في دعاوى المنقول على الإطلاق كما في الدعاوى الشخصية على العموم
dans les questions personnelles et mobilières
وتجعل الاختصاص في ذلك لمحكمة المدعى عليه.
الاختصاص في الدعاوى العينية على المنقول الموجود بفرنسا
24 – وهذه القاعدة مسلم بها في فرنسا فيقضي القانون الفرنسي باختصاص المحاكم الفرنسية كلما كان المنقول موجودًا بفرنسا، وترفع فيما يتعلق بالاختصاص الداخلي أو المحلي أمام محكمة موطن المدعى عليه مسويًا القانون الفرنسي بينها وبين الدعاوى الشخصية – وقد طبقت المحاكم الفرنسية وقرر الشراح الفرنسيون هذه القاعدة.
كذلك نص عليها في المادة (105) من قانون المرافعات الإيطالي حيث سوت هذه المادة بين الدعاوى العينية العقارية والدعاوى العينية المنقولة من حيث اختصاص المحاكم الإيطالية دوليًا بها كلما كان العقار أو المنقول موجودًا بإيطاليا.
فإذا كانت المنقول في مصر أصبح داخلاً في ولاية مصر القضائية طبقًا لهذه القاعدة المقررة دوليًا ونصت عليها القوانين المصرية والفرنسية، وتكون بذلك قاعدة اختصاص محكمة المدعى عليه المنصوص عنها في قانون المرافعات المصري قاصرة على حالة توطن المدعى عليه بمصر، أما المنقول الموجود في فرنسا فالدعوى العينية بشأنه يجب أن ترفع إلى محاكم محل وجوده وفي المحاكم الفرنسية خصوصًا وأن الحكم الذي يصدر في مصر أو في فرنسا خلافًا لهذه القاعدة لا يمكن تنفيذه في البلد الذي يوجد فيه المنقول ما دامت محاكم هذا البلد تحكم باختصاصها في نظر النزاع دون البلد الآخر.
النزاع على الدعاوى الشخصية
25 – إذا كانت المحاكم المصرية مختصة بنظر الدعوى في الأحوال المتقدمة ومختصة كذلك بنظر دعاوى الديون والالتزامات إذا كان العقار أو المنقول موجودًا بمصر فهل تكون مختصة كذلك في الدعاوى الشخصية المتعلقة بإثبات الوراثة في تركة عقارية ودعوى الإيصاء والوصية لو كان موضوع الدعوى عقارًا أو منقولاً موجودًا بالخارج.
نحن نعلم بأنه ليس لأية محكمة مصرية أن تحكم في ملكية أي عقار خارج عن القطر المصري أو حقوق وضع اليد عليه أو الحق في التعويض الناشئ عن التعرض لواضع اليد على العقار المذكور ولو لم ينص على ذلك في القوانين المصرية لم تصدر بشأنه أحكام مصرية لأن ذلك أمر مقرر دوليًا ولأن القوانين الفرنسية تحرم علينا ذلك ولأننا لا نستطيع تنفيذ الحكم الخاص بالأقاليم الأجنبية اللهم إلا بالتعرض لسلطات الحكومة الفرنسية الكائن في إقليمها العقار…، ولكن ما الحكم بالنسبة لدعاوى الأحوال الشخصية كدعوى إثبات الوراثة في تركة عقارية ودعوى الإيصاء والوصية وغيرها المشار إليها ؟
أن المواد (26 – 29) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية تنص بالنسبة للاختصاص الداخلي على اختصاص محكمة الجهة التي فيها أعيان التركة العقارية أو بعضها الأكبر قيمة، فهل نطبق هذا النص في تحديد الاختصاص الدولي للمحاكم المصرية فنقول باختصاصها إذا كانت العقارات كلها أو بعضها الأكبر قيمة في فرنسا ؟
أن تقرير هذه القاعدة في الاختصاص الدولي يترتب عليه تنازل المحاكم الشرعية المصرية عن الاختصاص لمحكمة أجنبية بالنسبة لعقارات التركة الأقل قيمة الموجودة بمصر كما أنه يترتب عليه أن تختص المحاكم المصرية بالنسبة لعقارات التركة الأقل قيمة الموجودة في فرنسا، وبما أن خضوع العقار لاختصاص محاكم يعتبر في كل بلد من النظام العام – لذلك نرى أن تكون القاعدة في الاختصاص الدولي في هذه الحالة في أن تختص المحاكم في كل بلد يوجد به عقارات التركة بالحكم في دعوى إرث هذه العقارات وغيرها من الدعاوى الشخصية المبينة في المواد السابقة حتى لا يخضع عقار ما سواء في مصر أو في غيرها لاختصاص غير محاكم محل وجوده، نعم قد يترتب على ذلك تعدد دعاوى إثبات الوراثة بتعدد جهات العقار، ولكن ذلك لا يحول دون سريان هذه القاعدة تطبيقًا لمبدأ النفاذ وقياسًا على حالة اختصاص المحاكم المصرية كلما كان العقار بمصر وبصرف النظر عن جنسية المدعى عليه المصرية.
مجلة المحاماة – العدد السابع والثامن
السنة العاشرة – 1929 – 193
اترك تعليقاً