بحث قانوني فريد عن الحصانة الجنائية للدبلوماسيين
المبحث الأول
نطاق الحصانة الجنائية
لقد استقر العرف الدولي كما أسلفنا منذ القرن السابع عشر على عدم خضوع الدبلوماسيين للقضاء المحلى للدولة بشقيه الجنائي والمدني ولقد قرر القضاء الإنجليزي في سابقه in the republic Bolivie Exportation synacateltd أن المبعوث الدبلوماسي المعتمد من قبل دولة أجنبية لا يخضع لأحكام القضاء الإنجليزي ، ولقد سارت فرنسا على نفس النهج , وكل الدول الغربية الأخرى ثم تبع ذلك كافة دول العالم حيث اقر الفقه والاجتهاد الدوليين حصانة قضائية كاملة من المسائل الجنائية للدبلوماسيين حيث لا يجوز مطلقاً إخضاعهم لقضاء الدولة المعتمدين لديها مهما ارتكبوا من مخالفات معاقب عليها بموجب القانون الجنائي للدولة المعتمد لديها ,وذلك تطبيقاً وتأييداً للمبدأ القائل أن (فائدة احترام حصانات السفراء أكثر قيمة من فائدة العقاب على الجرائم . ولقد أيد الفقهاء هذا المبدأ واعتبروا إن المبعوث الدبلوماسي يبقى متمتعاً بحصانه قضائية حتى ولو ارتكب جريمة أو اشترك في مؤامرة ضد الدولة المعتمد لديها وذلك لأنه لو جاز للسلطات الإقليمية أن تتخذ ضد المبعوثين الدبلوماسيين في حالة وقوع جريمة من أحدهم أو الاشتباه في ارتكابه لها لو جاز أن تتخذ ضدهم إجراءات القبض والحبس والمحاكمة وما يتبع ذلك من توقيع عقوبات عليهم ، لأصبحوا تحت رحمة الحكومات المعتمدين لديها ولما أمكنهم أن يحتفظوا باستقلالهم في القيام بمهامهم ، فضلاً عن أن أسرار حكوماتهم تكون عرضة لان تنتهك بدعوى التحري عن الجرائم التي قد تنسب إليهم أو تقع في مقرهم وان محاكمتهم أمام القضاء الجنائي قد تكون وسيلة للتشهير بهم أو للانتقام من حماستهم ونشاطهم في الدفاع عن مصالح دولهم في اتجاه حكومة الدولة المعتمدين لديها . يتضح لنا مما تقدم الحكمة من وراء منح الدبلوماسيين حصانة قضائية مطلقة عن جميع الأعمال والتصرفات التي يقومون بها.
ويصبح بذلك المبعوث الدبلوماسي بمنأى عن الملاحقة أمام المحاكم المحلية للدولة المعتمد لديها .
وإذا كان من المسلم به دولياً هو إعفاء الدبلوماسيين من أي مساءلة جنائية إلا أن الفقهاء ومنذ عام 1584م قد أقروا مبدأ اتخاذ بعض تدابير الحيطة مثل الاستدعاء أو الإبعاد أو الطرد من الدولة المعتمد لديها ويقول د. أبو هيف فى كتابه ( القانون الدبلوماسى ) أنه لا يحق للدولة المعتمد لديها المبعوث الدبلوماسي أن تتخذ من هذه الإجراءات في حالة ارتكاب الجرائم إلا ما يلزم لتجنيبه المخاطر لمنع أذى أو تجنب خطر كإحاطة الدار التي يقيم فيها بالقوات اللازمة لمنع اتصاله بالخارج وذلك حتى يتثنى إبعاده لكن لا يحق لها إطلاقاً أياً كانت الجـريمة المنسوبة إليه أن تحاكمـه أمام محاكمها أو أن توقع عليه العقـوبة المقررة في قوانينها ، كما إن وضع الدبلـوماسي تحت الحراسة يجب ألا يمس كرامته وحرمته الذاتية.
ولقد اعتمدت و طبقت كل الدول تقريباً هذه المبادئ قد نصت كل الاتفاقيات الدبلوماسية على هـذه المبادئ واعتمدتها وطبقتها (راجـع في ذلك اتفاقية هافانا) والتي نصت في مادتها التاسعة عشر على مبدأ الحصانة الدبلوماسية المطلقة. ويضرب روسو مثلاً لذلك بحادثة قتل سفير فرنسا المشهورة والتي حدثت في 6 نوفمبر 1976م أثناء عودة سفيري النمسا وفرنسا من رحلة صيد في يوغسلافيا حيث قتل سفير النمسا في بلغراد السفير الفرنسي أوتو بحادثة عرضية غير مقصودة فاكتفت محاكم بلغراد بإدانة دولة النمسا في 12/يناير/1977م وهذه الحادثة تؤكد بوضوح مدى قوة تلك الحصانة الجنائية مهما كانت فداحة الجريمة.
المبحث الثاني
الإستثناءات الواردة على الحصانة الجنائية
لقد اتضح لنا من خلال ما تقدم أن المبعوثين الدبلوماسيين يتمتعون بحصانة جنائية تامة ولكن وعلى الرغم من ذلك فهنالك إستثناءات يخضع فيها الدبلوماسيين للقضاء المحلى للدولة المعتمدين لديها وتتمثل هذه الإستثناءات في الآتي:
1- الفعل المدني المرتبط بالفعل الجنائي:
ويكون ذلك في الحالات التي ينتج فيها عن فعل الدبلوماسي الجنائي ضرر مدني يتطلب جبره كما في حالة القتل أو الجرح الخطأ ففي هذه الأحوال ينعقد الاختصاص للقضاء المحلى للدولة كمثال لذلك إدانة دولة النمسا من قبل محكمة بلغراد في المثال السالف الذكر (في هذه الحالة لا يتصور بالطبع توقيع أي عقوبة جنائية وإنما ينحصر الأمر فقط في جبر الضرر مادياً إن أمكن ذلك.
2- الجرم المشهود في حالة تجارة المخدرات:
من المسلم به أن المبعوث الدبلوماسي يتمتع بحصانته الجنائية حتى في حالات الجرم المشهود إذ ليس أمام الدولة المعتمد لديها من خيار سوى أن تطلب من الدولة المعتمدة التنازل عن حصانة موظفيها الدبلوماسيين أو أن تطلب منها محاكمتهم أمام محاكمها إلا أنه يستثنى من ذلك الجرم المشهود في حالة تجارة المخدرات وهنالك عدة أمثله على ذلك منها توقيف السكرتير الثاني بسفارة غانا في بيروت في عام 1970م وكذلك تم في نفس العام توقيف موظف دبلوماسي تنزاني يعمل في موسكو أثناء مروره في بيروت وفى عام 1971م تم توقيف دبلوماسي كيني في بيروت أيضاً بناءً على نفس السبب وهو تجارة المخدرات .
3- جرائم الحرب :
لا يجوز الدفع بالحصانة القضائية بالنسبة لجرائم الحرب ، فالمبعوث الدبلوماسي يحاسب ويقاضى أمام المحاكم الوطنية عن أي جريمة حرب يرتكبها فالحصانة القضائية للمبعوث الدبلوماسي لا تنفى المسئولية الدولية فما أقره الفقه والاجتهاد بالنسبة لرؤساء الدول في هذا المجال ينطبق تلقائيا على المبعوثين الدبلوماسيين الذين يتهمون بارتكاب جرائم حرب وإذا كان قد اتضح لنا مما تقدم بأنه لا يحق للدولة المعتمد لديها المبعوث الدبلوماسي أن تستدعيه أو أن توجه إليه أي تهمة أو أن تخضعه لأي محاكمة أمام قضائها إلا انه يجوز للدولة المعتمدة ملاحقة الدبلوماسي الذي يرتكب جريمة على أرضها بمحاكمته أمام قضاء دولته باعتباره مسئولاً هو ودولته عن كافة الجرائم والمخالفات التي يرتكبها في إقليم الدولة المعتمد لديها.
وإذا تقاعست الدولة المعتمدة عن مقاضاته فإنه يجوز للدولة المعتمد لديها اتخاذ ما تراه مناسباً من المواقف السياسية والقانونية . وهذا أيضاً هو ما أكدته اتفاقية فيينا سنة 1961م عندما نصت في الفقرة الرابعة من المادة (31) على أن (تمتع الدبلوماسي بالحصانة القضائية في الدولة المعتمد لديها لا يقيه من قضاء الدولة المعتمدة) أي دولته.
اترك تعليقاً