بحث قانوني فريد عن جريمة النصب والتجارة الإلكترونية
يحمي القانون الجنائي حق الملكية سواء كان محله عقارا أو منقولا، وان كانت ملكية المنقولات تخطى بالنصيب الأوفر من رعاية التشريع الجنائي. والجرائم التي تقع اعتداء على ملكية المنقول تنقسم إلى طائفتين رئيسيتن أحدهما تضم جرائم تكون الغاية منها الاستيلاء على مال الغير والأخرى تشمل جرائم تكون غايتها إتلاف مال الغير، ويدخل ضمن الطائفة الأولى جرائم السرقة والنصب وخيانة الأمانة([1])،
. وسوف يقتصر البحث على طبيعة هذا المال وصلاحيته لأن يكون محل لجريمة النصب (الإحتيال) دون غيرها من الجرائم التي تقع على المال المتداول في التجارة الإلكترونية.
سوف نتناول جريمة النصب على الأموال المتداولة في التجارة في نقطتين :
1. تناول المشرع في دولة الإمارات العربية المتحدة جريمة النصب والإحتيال في المادة (399) من قانون العقوبات الاتحادي([1])، التي نصت على أنه:يعاقب بالحبس أو بالغرامة كل من توصل إلى الإستيلاء لنفسه أو لغيره على مال منقول أو سند أو توقيع هذا السند أو إلى الغائه او اتلافه او تعديله وذلك بالاستعانة بطريقة إحتياليه او باتخاذ اسم كاذب او صفة غير صحيحة متى كان من شأن ذلك خداع المجني عليه وحمله على التسليم، ويعاقب بالعقوبة ذاتها كل من قام بالتصرف في عقار أو منقول يعلم انه غير مملوك له او ليس له حق التصرف فيه أو تصرف في شيء من ذلك مع علمه بسبق تصرفه فيه أو التعاقد عليه وكان من شأنه الإضرار بغيره.
وإذا كان محل الجريمة مالا أو سندا للدولة أو لاحدى الجهات التي ورد ذكرها في المادة (5) عدا ذلك ظرفا مشددا.
ويعاقب على الشروع بالحبس مدة لا تجاوز سنتين أو بالغرامة التي لا تزيد على عشرين ألف درهم ويجوز عند الحكم على العائد بالحبس مدة سنة فأكثر أن يحكم بالمراقبة مدة لا تزيد على سنتين ولا تجاوز مدة العقوبة المحكوم بها.
· والإحتيال أو النصب هو الاستيلاء على الحيازة الكاملة لمال الغير بوسيلة يشوبها الخداع تسفر عن تسلم ذلك المال.
· الأرول الركن المادي : وهو وسيلة الإحتيال.
· والثاني : محل الجريمة أو موضوعها.
· والثالث : القصد الجنائي.
وفيما يلي نتحدث عن كل ركن من هذه الأركان الثلاثة بشيء قليل من التفصيل:
الركن المادي في جريمة الإحتيال أو النصب هو الوسيلة التي يلجأ إليها الجاني في سبيل تحقيق الغرض الذي يرمي إليه وهو الاستيلاء لنفسه أو لغيره على مال منقول أو سند أو توقيع على هذا السند أو إلغائه أو إتلافه أو تعديله وكذلك من وسائل الإحتيال التصرف في عقار أو منقول غير مملوك للجاني، فوسيلة الإحتيال إذن إما أن تكون بالاستعانة بطريقة إحتيالية أو بإتخاذ أسم كاذب أو صفة غير صحيحة، وإما أن تكون بالتصرف في عقار أو منقول.
1. الطريقة الإحتيالية أو اتخاذ إسم كاذب أو صفة غير صحيحة:
يشترط في الإستعانة بأي من هذه الوسائل أنه يكون من ششأن ذلك خداع المجني عليه وحمله على تسليم المال المنقول أو السند أو التوقيع عليه أو الغائه أو إتلافه أو تعديله.
أ الطريقة الإحتيالية:
من المسلم به فقهاً وقضاء أن الكذب المجرد لا يكفي لتوفر الطريقة الإحتيالية مهما كان منمقا مرتبا يوحى بتصديقه ومهما تكررت وتنوعت صيغتة، وقد قضت محكمة النقض بأن جريمة النصب لا تتحقق بمجرد الأقوال والإدعاءات الكاذية ولو كان قائلها قد بالغ في توكيد صحتها حتى تأثر بها المجني عليه، بل يجب ان يكون قد اصطحب بأعمال مادية أو مظاهر خارجية تحمل المجني عليه على الاعتقاد بصحته([2]).
ويتعين إذن حتى تتوفر الطريقة الإحتيالية أن يوجد إلى جوار الكذب ما يؤيده ويوحي بصدقه فتعمل الأكاذيب أثرها في استسلام المجني عليه وتحمله على التسليم والتخلي عن حيازة المال موضوع الجريمة([3]).
ويلاحظ أن المشرع لم يحدد في النص ما هية الطريقة الإحتيالية أو نوعها أو اسلوبها حتى تعتبر وسيلة من وسائل الإحتيال وهو في ذلك يتوسع في الأفعال التي تعتبر طرقا احتياليه بغرض الإستيلاء على مال الغير، شأنه في ذلك شأن القانون الايطالي (المادة 640 منه) والقانون السويسري (المادة 148) والقانون البولوني (المادة 264).
ومهما يكن من أمر الطريقة الإحتيالية ونوعها وأسلوبها، فإنه يجب ان يكون من شأنها خداع المجني عليه وحمله على التسليم. على أنه يجب أن تكون الطريقة الإحتيالية على درجة من الحبك الذي يسمح بخداع الشخص متوسط الذكاء، ومع ذلك فإنه من يتوسم فيه الجاني الطيبة والسذاجة يكون محلاً للحماية القانونية، غير انه يجب أن لا يكون المجني عليه من السذاجة والغفلة لدرجة أن يصدق كل ما يقال له أوي لقي إليه من أكاذيب مهما كانت فاضحة أو مكشوفة في كذبها.
ويجب أن توجه الطريقة الإحتيالية إلى المجني عليه ذاته لخداعه وغشه إبتغاء اغتيال ماله، وقد قضت محكمة النقض المصرية بأن الطرق الإحتيالية التي بينها القانون يجب توجيهها إلى خداع المجني عليه وغشه([4]).
والطرق الإحتيالية تكاد لا تدخل تحت حصر ولكن المهم فيها أن يكون من شأنها خداع المجني عليه وحمله على تسليم المال، فمن يزغم بقدرته على شفاء الأمراض أو يوهم الناس بقدرته على الإتصال بالجن وإمكان شفائهم أو الإرشاد عن مكان شيء مفقود أو استخراج كنز مدفون في باطن أرض منزل المجني عليه، فإن هذه الوقائع وامثالثها تعد نصبا واحتيالا.
ب. إتخاذ أسم كاذب أو صفة غير صحيحة:
كذلك من وسائل الإحتيال اتخاذ الجاني اسما كاذبا أو صفة غير صحيحة وهذه وسيلة مستقلة بذاتها من وسائل النصب والإحتيال وتكفي وحدها في تكوين الركن المادي في الجريمة دون حاجة لاستعمال طرق احتيالية، فيكفي لتكوين جريمة المصب أن يتسمى الجاني بإسم كاذب يتوصل به إلى تحقيق غرضه دون حاجة إلى الاستعانة على إتمام جريمته بأساليب احتالية اخرى([5])، كذلك الحكم النسبة لانتحال صفة غير صحيحة، فمن يدعي كذبا بأنه وكيل عن شخص اخر ويتمكن باتخاذ هذه الصفة يغر الصحيحة من الاستيلاء على مال المجني عليه لتوصيله إلى موكله المزعوم يعد مرتكبا لجريمة الإحتيال بإتخاذ صفة كاذبة ولو لم يكن هذا الإدعاء مقرونا بطرق إحتيالية([6]).
إلا أنه يشترط في الإلتجاء إلى هذه الوسيلة من وسائل الإحتيال أن يكون من شأنها خداع المجني عليه وحمله على التسليم، فمتى كانت الواقعة هي أن المتهم لم يتجاوز في فعلته اتخاذ اسم كاذب دون أن يعمل على تثبيت اعتقاد المجني عليه بصحة ما زعمه وأن المجني عليه اقتنع به لأول وهلة، فإن ذلك لا يكون من المتهم إلا مجرد كذب لا يتوافر معه المعنى المقصود قانونا من اتخاذ الاسم الكاذب في النصب، ذلك أن القانون وإن كان لا يقتضي أن يصحب اتخاذ الأسم الكاذب طرق احتيالية، إلا أنه يستلزم أن يحف به ظروف واعتبارات أخرى يكون من شأنها خداع المجني عليه وحمله على تصديق المتهم. وتقدير هذه الظروف والاعتبارات من شأن قاضي الموضوع([7])، كذلك إذا ادعى شخص بأنه مخبر من الشرطة واستولى بهذا الإدعاء على مبلغ من شخص آخر بدون أن يقترن إدعاءه بأفعال مادية اخرى من شأنها التأثير في المجني عليه، فإن مجرد هذا الإدعاء الكاذب لا يكفي لتكوين جريمة النصب، إذ ليس في مجرد اتخاذ ذلك الشخص لصفة المخبر في الشرطة ما يحمل المجني عليه على التسليم وإعطائه مالا([8]). وهذا يتفق مع ما نصت عليه المادة 399 عقوبات من أنه يجب أن يكون من شأن اتخاذ الإسم الكاذب أو الصفة غير الصحيحة خداع المجني عليه وحمله على تسليم المال، أي يجب أن يكون اتخاذ ذلك الإسم او تلك الصفة هو السبب الذي حمل المجني عليه على تسليم المال تحت إبهامه، فإذا كان الإسم الذي تسمى به الجاني أو الصفة التي ادعاها غير ذات اثر على المجني عليه ومع ذلك قام بتسليم المال إلى الجاني فلا تتوافر في هذه الحالة جريمة الإحتيال([9]).
ويستوي في الإسم الكاذب أو الصفة غير الصحيحة كوسيلة للاحتيال أن يكون شفاهة او يتخذه الجاني محررا، ويستوي ان يكون الإسم المنتحل خياليا أصلا او حقيقيا لشخص اخر غير الجاني غير ان التسمي بإسم الشهرة لا يعد إسما كاذبا.
أما الصفة غير الصحيحة فتكاد لا تقع تحت حصر، فقد تكون هذه الصفة درجة علمية وقد تكون مهنة أو عملا يزعم الجاني الاشتغال به كاتخاذ المتهم صفة تاجر وحصوله بناء على ذلك على بضاعة.
2. التصرف في مال ثابت او منقول:
أما الوسيلة الثانية من وسائل الإحتيال فهي التصرف في عقار او منقول غير مملوك للجاني وليس له حق التصرف فيه أو التصرف في شيء من ذلك مع علم الجاني بسبق تصرفه فيه أو التعاقد عليه. وهذه الوسيلة تقوم مستقلة بذاتها ويكفي مجرد توفرها لقيام الركن المادي في جريمة الإحتيال دون اشتراط تأييدها بأشياء اخرى خارجية([10])، فزعم الجاني بملكية المال أو أن له حق التصرف فيه أو التصرف فيه مع علمه بسبق تصرفه فيه، هو في ذاته كاف لتحقيق الركن المادي في جريمة النصب، ويشترط لتوفر هذه الوسيلة من وسائل الإحتيال أمران:
· الأول : التصرف في عقار أو منقول.
· والثاني: أن يكون هذا المال غير مملوك للجاني أو ليس له حق التصرف فيه أو سبق أن تصرف فيه.
أ. التصرف في عقار أو منقول:
يقصد بالتصرف هنا كل تصرف ناقل للملكية كالبيع والمقايضة والهبة أو كل تصرف يقرر على العقار حقا عينيا كحق الإرتقاق او الرهن([11])، أما التأجير فلا يعد تصرفا في جريمة النصب، ويستوي أن يكون محل التصرف عقارا أو منقولا، فإذا كان التصرف بالبيع مثلا واردا على عقار فإن المجني عليه هو المتصرف إليه الذي يسلم المال للجاني وتقوم وسلية الإحتيال في هذه الحالة دون أي شبهة.
أما إذا كان محل التصرف منقولا، فإن كان المنقول معينا بالنوع كصنف معين من الحبوب أو الثمار، فإن العقد يتم بمجرد تلاقي الإيجاب والقبول بغير توقف على تسليم المبيع، فإن كانت نية الجاني هي الإستيلاء على المال ولم ينصرف قصده إلى تسليم المنقول المعين بالنوع كان فعله هذا مكونا للركن المادي في جريمة الإحتيال، أما إذا كان نية الجاني هي تسليم المنقول فعلا ولم يكن منتويا اغتيال مال مجني عليه فلا يتوافر في حقه المنقول فعلا ولم يكن منتويا اغتيال مال مجني عليه فلا يتوافر في حقه الركن المادي في جريمة النصب حتى ولو عجز بعد هذا عن تسليم المبيع.
أما إذا كان محل التصرف معينا بالذات كسيارة أو دابة محددة بأوصافها، فإن جريمة الإحتيال تقوم بتمكين الجاني من الإستيلاء على مال المجني عليه، فمن يشاهد سيارة ويتوجه إلى الجاني معتقدا أنه مالكها يبغى شراءها منه، فيبدي هذا الأخير إستعداده لبيعها له مؤكدا أنها ملكة ويتفق معه على تسليمها إليه بعد تحرير عقد البيع وقبض الثمن، فإذا تم هذا واختفى الجاني قبل التسليم، عد مرتكبا لجريمة النصب.
ب. كون المال غير مملوك للجاني او ليس له حق التصرف فيه أو تصرف فيه مع علمه بسبق تصرفه فيه:
يشترط في المال محل التصرف أن يكون غير مملوك للجاني أو ليس له حق التصرف فيه فإن كان مملوكا له أو له حق التصرف فيه فلا جريمة، فالوكيل الذي يقوم بالتصرف في مال مملوك لموكله بناء على عقد وكالة يفوضه فيه بالبيع، لا يرتكب جريمة نصب حتى ولو ظهر بعد ذلك ان الوكالة كانت قد انتهت او انقضت ولم يكن الوكيل قد علم بذلك.
وكذلك يتوفر الركن المادي لجريمة النصب أو الإحتيال في حالة تصرف الجاني في المال مرتين، ويكون المجني عليه في هذه الحالة هو المشتري الثاني، أما المتصرف إليه الأول فليس هناك جريمة نصب وقعت في حقه.
على انه يشترط بداهة أن يجهل المجني عليه أن المال ليس في ملكية الجاني أو أنه ليس له حق التصرف فيه أو أنه قد سبق التصرف فيه وإلا فلا جريمة، وقد قضى بإنه إذا كا ن دفاع المتهم قوامه عدم توافر عنصر الإحتيال في الدعوى لان المجنى عليه حين تعاقد معه كان يعلم أنه غير مالك لما تعاقد معه عليه فإن الحكم إذ دانه في جريمة النصب على أساس أن التصرف في مال لا يملك المتهم فيه هو طريقة من طرق النصب قائم بذاته لا يشترط فيه وجود طرق احتيالية يكونه قاصر البيان في الاسباب التي بني عليها([12]).
يشترط أن يكون موضوع جريمة الإحتيال أو النصب مالا منقولا او عقارا مملوكا لغير الجاني أو ليس له حق في التصرف فيه أو تصرف فيه مع علمه بسبق تصرفه فيه.
ولا أهمية بقيمة المال – عقارا كان أو منقولا – في قيام جريمة الإحتيال، كذلك لا عبرة بكون المال له قيمة مادية أو مجرد قيمة أدبية كالخطابات والمذاكرات الخاصة([13]). ويستوي في المال موضوع الجريمة أن تكون حيازة المجني عليه له مشروعية أو غير مشروعة، فمن يتوصل بالإحتيال إلى الاستيلاء على مواد مخدرة من آخر يعد مرتكبا لجريمة النصب، إذا توافرت أركانها، وكذلك الحال فيمن يستولى على سلاح غير مرخص بحيازته(3).
ونشير هنا إلى أن الإستيلاء على المنفعة فقط بإحدى وسائل الإحتيال لا يكفي لقيام محل جريمة النصب، كمن يتوصل بطريق الحيلة إلى الركوب في وسائل المواصلات العامة بغير أجر تحت الزعم بأنه من رجال الشرطة مثلا.
والعبرة في ملكية المال المنقول أو العقار للجاني أو عدم ملكيته إياه هي بالحقيقة والواقع، فإذا كان المال مملوكا لمن استولى عليه فلا جريمة في الأمر حتى ولو كان يعتقد وقت استيلائه
على المال أنه مملوك لغيره، فإذا كان المال في ملك من يحتال لأخذه وهو يعلم بملكيته له وقد التجأ إلى هذه الوسيلة في سبيل الحصول عليه فلا جريمة يمكن اسنادها إليه([14]).
إلا إنه يشترط في الإستيلاء على المال بأي وسيلة من وسائل الإحتيال المشار اليها آنفا أن يكون من شأن ذلك الإضرار بالغير، أي أن يلحق بالمجنى عليه ضرر من استيلاء الجاني على ماله، لأنه ما لم يحصل أي ضرر فلا يكون هناك سلب لمال الغير. ويؤخذ من احكام محكمة النقض المصرية انها تشترط الضرر ولو كان محتملا، فقد قضت بأن مجرد الاستيلاء على نقود عن طريق التصرف في مال ثابت او منقول ليس ملكا للمتصرف ولا له حق التصرف فيه يعتبر نصبا معاقبا عليه، بغض النظر عما إذا كان الضرر الحاصل من هذا التصرف قد وقع فعلا على الطرف الاخر في العقد أو على صاحب الشيء الواقع فيه التصرف([15]).
كما قضت أيضا بأنه يكفي لتحقيق جريمة النصب أن يكون الضرر محتمل الوقوع([16]).
جريمة الإحتيال أو النصب جريمة عمدية تتطلب توفر القصد الجنائي العام والقصد الخاص. ويتوفر القصد الجنائي العام فيها بعلم الجاني بأن الأفعال التي يأتيها يعدها القانون وسائل احتيال ومن شأنها خداع المجني عليه وحمله على تسلم المال، أما القصد الخاص فيتمثل في انصراف نية الجاني إلى الإستيلاء على الحيازة الكاملة لمال المجني عليه.
فمن يتصرف في منقول أو عقار معتقدا أنه اصبح مملوكا له بطريق الميراث وهو لم يرثه بعد، لا تتوافر في حقه جريمة الإحتيال لتخلف القصد الجنائي العام. كذلك إذا لم يكن قصد الجاني منصرفا إلى تملك المال الذي تحصل عليه من حائزة بطريقة الحيلة انتفى قيام القصد الجنائي الخاص وانتفت بالتالي جريمة النصب، فمن يتوصل بوسائل الإحتيال إلى الحصول على منفعة مال من اخر لا يعد مرتكبا لجريمة النصب لأن العبرة هي نية الجاني في الاستيلاء على مال المجني عليه لا مجرد الحصول على منفعة هذا المال. ولا يمنع أن يكون الاستيلاء على المنفعة في هذه الحالة مكونا للجريمة المنصوص عليها في المادة 394 عقوبات إذا توافرت أركانها، إلا انه يشترط أن يتعاصر القصد الجنائي العام والخاص في جريمة الإحتيال مع وقت الاستيلاء على المنقول أو العقار. وقيام القصد الجنائي بشقيه عند الجاني مرده إلى وقائع الدعوى وما تستخلصه منها محكمة الموضوع، ولا عبرة في توفره بالباعث الذي دفع الجاني إلى ارتكاب الجريمة.
نصت الفقرة الثانية من المادة 299 عقوبات على ظرف مشدد في جريمة النصب وهو إذا ما كان محل الجريمة مالا او سندا للدولة أو لاحدى الجهات التي ورد ذكرها في المادة الخامسة عقوبات ومنها الوزارات والدوائر الحكومية والهيئات والمؤسسات العامة والجمعيات والمؤسسات ذات النفع العام، والحكمة من تشديد العقوبة في مثل هذه الأحوال هي الحفاظ على أموال تلك الجهات فضلا عما يتسم به عمل الجاني من جرأة وجسارة تتمثل في الاسيلاء لنفسه أو لغيره على مال للدولة بأحدى وسائل النصب والإحتيال.
جريمة النصب أو الإحتيال من الجنح التي يعاقب القانون على الشروع فيها، ويتوافر الشروع في هذه الجريمة إذا كا القى الجاني بوسيلة من وسائل الإحتيال للاستيلاء على مال المجني عليه فاكتشف هذا الأخير تلك الوسيلة ولم ينخدع ويسلمه المال أو لم يكتشف المجني عليه هذه الوسيلة ولكن الجريمة ضبطت وقت تسليم المال.
وغنى عن البيان أن الطريقة الإحتيالية هي من العناصر الأساسية الداخلة في تكوين الركن المادي لجريمة النصب، وبالتالي فإن استعمال الجاني اياها يعد شروعا في الجريمة اعتبارا بأنها من الأعمال التنفيذية([17])، أما الدجال الذي يؤثث مكانا على شكل عيادة طبية ويعين فيها ممرضا فإن اعماله هذه تعد أعمالا تحضيرية لجريمة النصب لا عقاب عليها([18]).
وقد قرر المشرع على الشروع في جريمة النصب عقوبة الحبس مدة لا تجاوز سنتين أو الغرامة التي لا تزيد على عشرين ألف درهم.
وفضلا عن حق القاضي في تشديد عقوبة النصب في حالة المتهم العائد والحكم عليه بالحبس مدة سنة فأكثر، فقد أجاز له المشرع أن يحكم بوضع الجاني تحت مراقبة الشرطة مدة لا تزيد على سنتين ولا تجاوز مدة العقوبة المحكوم بها، ويجب أن يبين في الحكم يوم بدء المراقبة.
ويصح الحكم بالمراقبة سواء أكانت الجريمة تامة أو مجرد شروع فيها لاطلاق النص([19])،
1. الرأي في وقوع جريمة النصب المعلوماتي :
أ. الأول : يرى أن جريمة النصب لا تقوم إلا إذا خدع شخصا مثله وأن يكون الشخص المخدوع مكلفا بمراقبة البيانات وغلى ذلك لا يتصور خداع الحاسب الآلي بوصفه آلة ومن ثم لا يطبق النص الجنائي الخاص بالنصب والإحتيال لافتقاده أحد العناصر اللازمة لتطبيقه([20]).
وهذا الإتجاه تتبناه تشريعات مصر والمانيا والدنمارك وفنلدا واليابان والنرويج والسويد ولكسمبرج وايطاليا([21]).
وهناك في الفقه المصري من يرى أن غش العدادات (كعد المياه والكهرباء) والأجهزة الحاسبة هو نوع من تجسيد الكذب الذي تتحقق به الطرق الإحتيالية ضمن السلوك الإجرامي في جريمة النصب([22])، ويتفق هذا الرأي مع رأي الفقه الفرنسي والفقه البلجيكي.
ب. الثاني: وتتبناه دول الانجلوساكسون ومنها بريطانيا واستراليا وكندا وهو اتجاه يوسع من النصوص المتعلقة بالعقاب على جريمة النصب([23]) ويمكن تطبيق هذه النصوص على النصب المعلوماتي. ولقد تدخل المشرع الإنجليزي عام 1983، واعتبر خداع الآلة بنية ارتكاب غش مالي هو من قبيل الإحتيال الذي يجب العقاب عليه جنائيا وبذلك تطبق نصوص تجريم النصب على ذلك الغش أو الإحتيال بطرق معلوماتية. ولقد سار على ذلك النهج القضاء الكندي والأسترالي.
ج. ثالثا: وتمثله الولايات المتحدة الأمريكية حيث تطبق النصوص المتعلقة بالغش في مجال البنوك والبريد والتلغراف والاتفاق الاجرامي لغرض الغش على حالات النصب المعلوماتي([24]).
بل أن بعض القوانين المحلي في بعض الولايات الأمريكية([25])، أصدرت قوانين في هذا الخصوص وأضفت تعريفا موسعا للأموال بأنه (كل شيء ينطوي على قيمة) ومن ثم يندرج تحت تعريف هذه الأموال المعنوية والبيانات المعالجة حيث تعاقب هذه القوانين على الإستخدام غير المسموح به للحاسب الآلي بغرض اقتراف افعال الغش أو الاستيلاء على أموال.
وعلى المستوى الفيدرالي فقد صدر قانون سنة 1984 يعاقب على “الولوج غير المشروع او المصطنع في الحاسب الآلي” ونص فيه على عقاب كل من ولج عمداً في حاسب آلي بدون أذن أو كان مسموحا بالولوج منه واستغل الفرصة التي سنحت له عن طريق هذه الولوج لاغراض لم يشملها الإذن وقام عمدا عن طريق هذه الوسيلة بإستعمال أو تعديل او اتلاف او افشاء معلومات مختزنة في الحاسب متى كان هذا الأخير يعمل باسم ولصالح الحكومة الأمريكية، وطالما أثرت هذه الأفعال على أداء وظيفته ولهذا يرى الفقه امكانية تطبيق هذا النص وبشروط محددة على النصب المعلوماتي.
2. الإستيلاء على مال الغير:
ووفقا لقضاء محكمة النقض الفرنيسة فإن التسليم في جريمة النصب المعلوماتي يستوي أن يكون ماديا أو ما يعادلة.
ومن ناحية أخرى يلزم ان تتوافر علاقة السببية في جريمة النصب بما فيها النصب المعلوماتي ما بين فعل التدليس وبين النتيجة المتمثلة في تسليم المال.
· وخلاصة القول:
أن النصب المعلوماتي إن كان محله الإستيلاء على النقود أو اي منقول مادي آخر له قيمة مادية فليس هناك مشكلة كان يتم التلاعب في البيانات الداخل أو المختزنة بالحاسب أو برامجه بواسطة شخص ماكر يستخرج الحاسب بإسمه أو باسم شركائه شيكات أو فواتير مبالغ غير مستحقة يستولي عليها الجاني أو يتقاسمها مع شركائه.
وإذا كان محل التسليم غير مادي وتحديدا في حالة النصب المعلوماتي فإن جانبا من الفقه الفرنسي يرى قيام الجريمة في حالة التدخل من البرمجة أو المعطيات المقدمة لجهاز الحاسب الآلي والتي تؤدي إلى الغاء رصيد مدين أو بالأحرى جعل الحساب دائنا بمبالغ غير مستحقة لأنه سواء قام الحاسب الالي بإحتجاز امر التحويل الخاص بشخص ما ثم زوره باسمه حتى يدفع قيمته في حسابه وسواء تم التلاعب في البرنامج بهدف دفع الفوائد في حسابه فإن تحويل الأموال من حساب لآخر يتم بالقيد كتابة بدون تسليم الأموال للجاني وفي كل هذه الفروض ورغم الطبيعة غير المادية للنقود الكتابية فإن الدفع يتم بواسطة القيد كتابة وهو ما يعادل التسليم المادي للأموال.
وجدير بالذكر أن المشرع الفرنسي قد نص في المادة (313/1) من قانون العقوبات الجديد على إستخدام لفظ “النقود والأموال” كحمل لجريمة النصب بعد أن تخلى عن لفظ “الأشياء” الوارد في المادة (405) من القانون القديم أي لا يشترط في المال بالضرورة أن يكون من الأموال المادية، كذلك تقوم جريمة النصب المعلوماتي وفقا للنص الفرنيس سالف الذكر متى كان محلها تقديم خدمة بناء على النشاط الإجرامي الصادر من الجاني. ولذلك فإن اختلاس الخدمات ليس سرقة حسب القانون الفرنسي انما هو استعمال طرق احتيالية للحصول على هذه الخدمة أي يعد نصيبا.
وإذا ما كانت جريمة النصب أو الإحتيال جريمة عمدية كما سبق البيان فإن صورة الركن المعنوي فيها هو القصد الجنائي العام ثم قصدا خاصا هو نية التملك. وفي جريمة النصب المعلوماتي يتحقق القصد العام إذا علم المتهم أنه يترتكب فعل تدليس من شأنه ايقاع المجني عليه في الغلط الذي يحمله على تسليم ماله فالجاني يستخدم اسلوبا للايهام بوجود إئتمان كاذب أو مشروع كاذب ويتوصل إلى الإستيلاء على مال الغير كله او بعضه متى وقع على فواتير الشراء باسم كاذب او استغل صفة كاذبة لتحويل اموال الغير من حساب إلى آخر عن طريق التلاعب في المعطيات أو البيانات المدخلة ويجب توافر علمه بهذه الوقائع ومع ذلك تتصرف إرادته اليها رغم علمه بأن فعله من الأمثال التدليسية.
أما عن القصد الجنائي الخاص وهو نية التملك فيقدم متى كان هدف الجاني من هذا الإحتيال هو الإستيلاء على مال مملوك لغيره علما بانه لا عبرة بالبواعث في ارتكاب جريمة النصب سواء كان الباعث نبيلا أم غير ذلك
ويتوافر القصد الخاص في جريمة النصب المعلوماتي متى قام الجاني باستخدام البطاقة – مثلا – وهو عالم أن رصيده ليس به ما يكفي أو أن بطاقته منتهية أو موقوفة ويستخدمها رغم ذلك في الحصول على سلع وخدمات وكذلك قيام سارق البطاقة أو تزويرها بإستعمالها في الحصول على سلع او خدمات مع علمه بأنه لا حق له في ذلك
3. حماية أموال التجارة الإلكترونية من خلال نصوص جريمة النصب:
بمطالعة النصوص التي تجرم النصب في القانون المصري (المادة 236) والتي تجرم الإحتيال في قانون العقوبات الإتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة (المادة 399) وكذلك قانون العقوبات الفرنسي الجديد (المادة 133 – 1) نجد أنه لا فارق فيما بينها فيما يتعلق بالأموال العامة ولكن نص القانون الأخير (الفرنسي) أكثر قدرة على حماية الأموال في نطاق التجارة الإلكترونية من نص قانون العقوبات المصري والإماراتي.
ولذلك لو قام احد المحامين بطلب استشارة من طبيب أو محامي عبر الإنترنت وأوهمه بسداد أتعابه من خلال بطاقة الإئتمان ولم يسددها فإنه يرتكب جريمة نصب حسب القانون الفرنيس دون القانون المصري او الإماراتي وذلك لأن قانون العقوبات الفرنسي يجعل الخدمات مساوية للمال الذي يمكن تسليمه في جريمة النصب بمعنى أن الخدمات قد تكون موضوعا للتسليم في جريمة النصب مثلها مثل المال تماما ولذلك فإن المشرع الفرنيس في النص الجديد الذي يعاقب على جريمة النصب تحدث عن تسليم المال والخدمات وليس الإشياء ولذلك فإن الفقه الفرنسي رأى في تخلي المشرع عن لفظ الأشياء أن التسليم قد يكون محله مالا معنويا إلى جانب المال المادي وكذلك تقوم جريمة النصب – بحسب القانون الفرنيس – وعلى خلاف القانونين المصري والإماراتي إن تمكن الجاني من الحصول على برنامج للكمبيوتر من شبكة الإنترنت أو سمع قطعة موسيقية أو اشترك في صحيفة عبر الشبكة وذلك عن طريق وسائل احتيالية ويعد المقابل في كل هذه الفروض عبارة عن المنفعة التي عادت عليه من الإستحواذ مع البرنامج المعلوماتي أو سماع القطعة الموسيقية أو الإشتراك في الجريدة عبر الإنترنت ولأن الإنتفاع بالخدمة وتسليمها بناء على طرق احتيالية في جريمة النصب يعادل سرقة المنافع – كما سبق البيان – في السرقة المعلوماتية ذلك أن الأموال المعنوية أو الخدمات او سرقة المنافة أو النقود الكتابية كلها نماذج لتطور المعلوماتية والهدف منها حماية قيم او كيانات ذات قيمة مالية لكنها ليست نقودا مادية يمكن قبضها باليد غير انها لها ذات القيمة ويمكن تحويلها إلى نقود مادية فيما بعد.
وقضى القضاء الفرنسي – بدوره – بأنه من الجائز استخدام نظم المعلومات في تحقيق جريمة النصب ولذلك فقد قضى بأن “استخدام الكمبيوتر في اصطناع ايصالات وطبعها نطرا لما له من إمكانيات في إجراء لحسابات يمثل الإيهام بوجود دين غير حقيقي تقع به جريمة النصب”
ويعقب الفقه الفرنسي على ذلك الحكم قائلا أن الجاني لا ينصب على الآله ولكن ينصب على الإنسان الذي يجلس خلف هذه الآله.
ومن ناحية أخرى تطبق أحكام جريمة النصب في القانون المصري وجريمة الإحتيال في قانون العقوبات الإتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة لو تمكن أحد من الحصول على مقابل مالي من المجني عليه والذي أوهمه – عن طريق شبكة الإنترنت – أنه طبيب معالج ودعم ذلك من إستخدام طرق احتيالية لتدعيم كذبه – ففي هذه الحالة يعاقب بجريمة النصب.
وخلاصة القول : أن الأموال المتداولة في نطاق التجارة الإلكترونية يمكن حمايتها بنصوص النصب أو الإحتيال إلا أن الحماية في القانون الفرنيس ذات فاعلية عن القانونين المصري والإماراتي لأن القانون الفرنسي يراعى طبيعة المال المعلوماتي.
اترك تعليقاً