بحث قانوني عن إجراءات تنفيذ الأحكام الجزائية و عوائقه

بحث قانوني عن إجراءات تنفيذ الأحكام الجزائية و عوائقه

الفصل الأول
إجراءات تنفيذ الأحكام الجزائية

الفصل الثاني
عوائق تنفيذ الأحكام الجزائية والفصل فيها

مقدمة

بارتكاب الفرد للجريمة يكون قد زعزع مركزه القانوني ووضع كل حقوقه في ميزان الخطر، وأعطى للدولة ما تتذرّع به اتجاهه للمساس بحريته، واتخاذ إجراءات ضده بداية من إجراءات الاستدلال والتحقيق والمحاكمة للوصول في النهاية إلى صدور حكم في الدعوى، هذا الأخير الذي يعد عنوانا للحقيقة لتأكيده للواقعة المرتكبة وإسنادها إلى مرتكبها، وتقرير جزاء له، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل يتعداه إلى تجسيد وتحقيق منطوقه على أرض الواقع بأن ينال المدان جزاءه وبذلك يقتص المجتمع حقه في العقاب وهذا ما يعرف بالتنفيذ العقابي (1) .
ولا شك أن تنفيذ الأحكام الجزائية – والمدنية على حد سواء – يشكل أسمى صور العدالة، إذ لا يجب أن ننظر إليه بأنه انتقام شرعي ضد شخص معين، وإنما باعتباره حسب ما أقرته المادة الأولى من قانون تنظيم السجون وإعادة تربية المساجين من أنه وسيلة للدفاع الاجتماعي، وهو يصون النظام العام ومصالح الدولة، ويحقق أمن الأشخاص وأموالهم، ويساعد الأفراد الجانحين على إعادة تربيتهم وتكييفهم بقصد إعادة إدراجهم في بيئتهم العائلية والمهنية والإجتماعية، هذا من جهة ومن جهة أخرى، يعكس تنفيذ الأحكام الصادرة عن الجهات القضائية مدى قوة الدولة ووجودها وبسط سيادتها باعتبارها تصدر باسم الشعب(2)، فمن زاوية مدى إمكانية تنفيذ الأحكام القضائية، نستطيع الحكم ما إن كانت دولة ما دولة قانون، تتمتع بنظام قضائي قوي، يضمن لكل ذي حق حقه ونيل كل مدان جزاءه ليس فقط بمجرد الحكم به وإنما بالتمكين بما قضى به من الناحية الفعلية والواقعية.
ولخطورة هذه المرحلة نظرا لمساسها بحريات الأفراد المضمونة دستوريا أخضعها المشرع إلى مجموعة من الإجراءات والقواعد، وأوجب الحرص كل الحرص على احترامها ومن جهة أخرى خول سلطة التنفيذ إلى هيئة قضائية مختصة دون غيرها ولم يتركها للأفراد، إذ لا يجوز للمحكوم عليه تنفيذ العقوبة بإرادته واختياره لأن الحكم الصادر بإدانته لا يخاطبه هو، وإنما ينصرف الأمر الذي ينطوي عليه إلى الأجهزة المنوط بها اقتضاء حق الدولة في العقاب، وهذا ما يميز التنفيذ العقابي عن تنفيذ الحكم الصادر عن القضاء المدني الذي لا يستلزم تمامه القوة الجبرية إلا بعد استنفاذ وسائل التنفيذ الاختياري.
وبالرغم من صدور الحكم وصيرورته واجب التنفيذ باستنفاذه طرق الطعن أو كان كذلك، إلا أنه قد يعترض تنفيذه عوائق تحول دون التمكن من تحقيق الهدف المبتغى منه، منها ما يتعلق بالعقوبة الواردة في الحكم القاضي بالإدانـة ذاتها كسقوطها بالتقـادم، أو انقضائها بالعفو، أو استغراقهـا بما

(1)عبد الحميد الشواربي: التنفيذ الجنائي في ضوء القضاء والفقه، منشأة المعارف الإسكندرية ص3.
(2)المادة 141 من دستور 1996.

يعرف بجب العقوبات. ومنها ما يتعلق بالمحكوم عليه كوفاته بعد صيرورة الحكم واجب التنفيذ، أو إصابته بمرض أو جنون يفقده الأهلية لأن يكون صالحا للتنفيذ، أو ينازع في أنه غير المحكوم عليه، ومتى قامت إحدى هذه العوائق، وجب على الهيئة المكلفة بالتنفيذ أن تشل يدها عن التنفيذ إن كان هذا العائق منهيا له، أو أنها تؤجل التنفيذ مؤقتا، ويكون هذا من تلقاء نفسها أو بطلب من المحكوم عليه الذي قد ينازع في التنفيذ، غير أنه قد يحدث أن تنكر النيابة الادعاءات التي يبديها المحكوم عليه، وتواصل التنفيذ رافضة بذلك طلبه فتنشأ منازعة بينهما، ولضمان درء ما قد يلحق بالمحكوم عليه حال التنفيذ عليه من ضرر سنّ المشرع مادة إشكالات التنفيذ أو ما سماه في المادة التاسعة من قانون تنظيم السجون بالنزاعات العارضة، فلو صحت لأثرت سلبا أو إيجابا إذ يترتب عن الحكم في النزاع أن يكون التنفيذ جائزا أو غير جائز يمكن الاستمرار فيه أو يجب وقفه.
وبناء على ما سبق تتجلى أهمية الموضوع من ناحيتين:

-الناحية النظرية: وتتمثل في ضرورة احترام الهيئة المكلفة بالتنفيذ إجراءات التنفيذ انطلاقا من تبليغ الأحكام الجزائية لصيرورتها قابلة للتنفيذ، والإجراءات المتعلقة بكيفية تنفيذ العقوبات المحكوم بها.

-الناحية العملية: وتتمثل في كيفية إعمال وتطبيق القواعد التي يتضمنها قانون الإجراءات الجزائية وقانون تنظيم السجون، والتي تمثل قيودا وضعت اتجاه السلطة المنوط بها التنفيذ لتلزم حدودها عند القيام بوظيفتها المخولة لها، وفي نفس الوقت تمثل الضمانات التي تتطلبها حرية الإنسان عند خضوعه للعقوبة احتراما لمبدأ شرعية التنفيذ العقابي.
وأهمية الموضوع هاته هي التي دفعتنا إلى البحث فيه، وخاصة وأن المشرع الجزائري لم ينظم مسألة تنفيذ الأحكام الجزائية من الناحية الإجرائية بشكل دقيق وواضح، كونه وزعها على قانون تنظيم السجون وإعادة تربية المساجين، وقانون الإجراءات الجزائية، وهذا الأخير تناولها في مواد مبعثرة ومتفرقة وأكثر من ذلك قليلة لم تلم بالموضوع بما فيه الكفاية، وهو الأمر الذي أدى إلى بروز مشاكل عديدة في الميدان العملي عند محاولة وضع القواعد القانونية قيد التطبيق وهذا لانعدام الانسجام بين النصوص القانونية، وكذا سكوت المشرع وعدم التطرق لبعض المسائل التي تثار عند التنفيذ، وهذا ما جعلنا نطرح التساؤلات التالية:
-ما هي الإجراءات الواجب اتباعها من طرف الهيئة القائمة بالتنفيذ من صدور الحكم القاضي بالإدانة إلى غاية بداية التنفيذ الفعلي للعقوبة المحكوم بها؟
-ما هي العوائق التي يمكن أن تحول دون تنفيذ الأحكام الجزائية رغم صيرورتها قابلة للتنفيذ ؟ وما هي الضمانات الممنوحة للمحكوم عليه أو للغير لدرء تنفيذ غير قانوني ؟
ولمعالجة الموضوع على ضوء الأسئلة المطروحة ستقتصر دراستنا على تنفيذ الأحكام الجزائية من الناحية الإجرائية والتي تختص بها النيابة العامة، دون الخوض في التنفيذ المادي أو ما يعرف بتطبيق الأحكام الجزائية الذي هو من صميم صلاحيات قاضي تطبيق العقوبات، ولا في نظام إدارة المؤسسات العقابية وإخضاع المحكوم عليه لنوع من المعاملة العقابية. وسنتّبع في ذلك أسلوب المنهج التحليلي الذي يقوم على أساس دراسة النصوص القانونية التي تحكم إجراءات وقواعد التنفيذ وعوائقه والآراء الفقهية التي قيلت، والأحكام القضائية التي صدرت في هذا المجال وذلك من أجل بيان أوجه القصور التي يجب تداركها واقتراح القواعد التي تكفل التنفيـذ الأمثــل القانوني وبناء عليه ستكون دراستنا وفقا للخطة المبينة على النحو التالي:

-الفصل الأول: إجراءات تنفيذ الأحكام الجزائية.
المبحث الأول: القواعد العامة لتنفيذ الأحكام الجزائية.
المطلب-1-: الأحكام الجزائية الواجبة التنفيذ.
المطلب-2-: الهيئة المكلفة بالتنفيذ.
المطلب-3-: مقدمات التنفيذ.

المبحث الثاني: القواعد الخاصة لتنفيذ الأحكام الجزائية.
المطلب-1-: تنفيذ العقوبات الأصلية.
المطلب-2-: تنفيذ العقوبات التبعية.
المطلب-3-: تنفيذ العقوبات التكميلية.

-الفصل الثاني: عوائق تنفيذ الأحكام الجزائية والفصل فيها.
المبحث الأول: عوائق تنفيذ الأحكام الجزائية.
المطلب-1-: عوائق متعلقة بالعقوبة.
المطلب-2-: عوائق متعلقة بالمحكوم عليه.
المبحث الثاني: الفصل في عوائق التنفيذ.
المطلب-1-: رفع النزاع أمام القضاء.
المطلب-2-: أثر رفع النزاع والحكم فيه.
الخاتمة.

الفصل الأول :إجراءات تنفيذ الأحكام الجزائية

الأحكام الجزائية هي الأحكام الفاصلة في الدعوى العمومية التي حركتها النيابة العامة، والتي بموجبها توقع الجهات القضائية العقوبات المقررة قانونا للجرائم المرتكبة، إذ لا عقوبة بدون حكم بالإدانة، وبذلك تؤصل إلزامية القاعدة القانونية. وينصرف مفهومها إلى الأحكام التي تصدر عن المحكمة درجة أولى، أو عن محكمة الجنايات، وإلى القرارات الجزائية التي تصدر عن الغرفة الجزائية (الجنح، المخالفات، الأحداث) بالمجلس القضائي كدرجة استئناف.
والأحكام الجزائية تبقى مجرد حبر على ورق لا طائل يرجى منها إذا لم تجسد على أرض الواقع عن طريق تنفيذها من جهة وتنفيذ العقوبات التي تتضمنها من جهة أخرى، وهذا ما يدعم سلطة القانون و يضفي الفعالية المتوخاة من القانون الجزائي ويؤكد مصداقية العدالة لدى المتقاضين، وعليه إرتأينا تقسيم هذا الفصل إلى مبحثين نتناول في الأول القواعد العامة لتنفيذ الأحكام الجزائية من خلال تبيان الأحكام الجزائية الواجبة التنفيذ والهيئة المكلفة بذلك ومختلف الإجراءات التي تقوم بها مصلحة تنفيذ العقوبات تحت إشراف النيابة العامة لوضع الأحكام الجزائية قيد التنفيذ، ونخصص المبحث الثاني للقواعد الخاصة والإجراءات التي وضعها المشرع لتنفيذ العقوبات بمختلف أنواعها من عقوبات أصلية وعقوبات تبعية وعقوبات تكميلية.

المبحث الأول: القواعد العامة لتنفيذ الأحكام الجزائية

نتناول في هذا المبحث الأحكام الجزائية التي تكون سندا للتنفيذ مبينين أنواعها ومتى تكون واجبة التنفيذ في مطلب أول، ثم الهيئة المكلفة بالتنفيذ في مطلب ثاني، وأخيرا مقدمات التنفيذ في مطلب ثالث.

المطلب الأول: الأحكام الجزائية الواجبة التنفيذ

تختلف الأحكام الجزائية الصادرة عن الجهات القضائية سواء كانت المحكمة بمختلف أقسامها (المخالفات، الجنح، الأحداث) أو المجلس القضائي (الغرفة الجزائية، غرفة الأحداث، محكمة الجنايات) من حيث صدورها بالنسبة للمتهم (حضورية، غيابية، حضورية اعتبارية) ومدى قابليتها للطعن بالمعارضة. وكذا تختلف من حيث كونها فاصلة في الموضوع أو سابقة على ذلك، ومن حيث قابليتها للطعن فيها (ابتدائية، نهائية، وباته). ولمعرفة الأحكام الواجبة التنفيذ كان لزاما علينا التطرق أولا إلى هذه الأنواع المختلفة

الفرع الأول: أنواع الأحكام الجزائية

أولا: من حيث حضور المتهم وغيابه:
تنقسم إلى أحكام حضورية وغيابية، وحضورية اعتبارية كذا الأحكام الغيابية بالتكرار(1)
*فالحكم الحضوري: هو الحكم الذي يكون فيه المتهم ماثلا بشخصه أمام القاضي عند النطق بالحكم الجزائي، سواء في نفس جلسة المحاكمة أو بعد المداولة، وفي حالة تخلف المتهم ساعة النطق بالحكم رغم حضوره جلسة المرافعات وتم استجوابه، فيصدرالحكم حضوري غير وجاهي، وهو ما يستشف من استقراء المادة 355/3 من قانون الإجراءات الجزائية.
*الحكم الحضوري اعتباري: اعتبر القانون بعض الأحكام التي تصدر- في الحقيقة والواقع- في غيبة المتهم أحكاما حضورية بهدف درأ التسويف في نظر الدعوى، والتقليل من مساوئ المعارضة. فكأن هذه الأحكام مبناها حيلة قانونية مصدرها مخالفة القانون للواقع (2) وتكون كذلك في الأحوال التالية:
-إذا تخلف المتهم عن حضور جلسة المحاكمة دون عذر مقبول رغم تبليغه بالتكليف بالحضور شخصيا (المادة 345 ق.إ.ج) (3).

(1)ع.حاجي: محاضرة حول تبليغ الأحكام والقرارات الجزائية: الإيام الدراسية حول تنفيذ العقوبات من 28 إلى30 جويلية 2002، 418 ق.ا.ج
(2)د.جلال ثروت: نظم الإجراءات الجزائية، دار الجامعة الجديدة للنشر 1997 ص 595.
(3)قرار المحكمة العليا الصادر بتاريخ 13 فبراير 1990 في الطعن رقم 61392 غرفة الجنح والمخالفات المجلة القضائية العدد 3 لسنة 1992 ص 227.
-إذا ما كان المتهم في إحدى الحالات التي أوردتها المادة 347 ق.إ.ج ورغم أن الحكم يصدر حضوريا حسب نص المادة إلا أنه وجب تبليغه طبقا لنص المادة 418/2 ق.إ.ج.
-إذا حضر وكيل عنه في الأحوال التي يجيزها القانون(1).
-في الأحوال المنصوص عليها في المادة 350 ق.إ.ج.
*الحكم الغيابي: هو الحكم الذي يصدر في غيبة المتهم وتبين أنه لا يوجد بالملف ما يفيد ويثبت أن المتهم قد توصل بالتكليف بالحضور أو علم بذلك.
وتتجلى أهمية التفرقة بين الحكم الحضوري والحكم الغيابي من حيث قبوله الطعن فيه بالمعارضة، إذ الحكم الغيابي قابل للطعن بالمعارضة خلال 10 أيام من تاريخ التبليغ في حين الحكم الحضوري قابل للطعن فيه بالإستئناف دون المعارضة. أما التفرقة بين الحكم الحضوري والحكم حضوري اعتباري أو غير وجاهي فتظهر أهميتها في كون الأخير تسري مواعيد استئنافه من تاريخ تبليغه للمحكوم عليه بإحدى الطرق المنصوص عليها في الفقرة 2 من المادة 418 ق.إ.ج بخلاف الحكم الحضوري الذي تسري مواعيده من يوم النطق به.

ثانيا: الأحكام الفاصلة في الموضوع والسابقة على الفصل فيه:
الأحكام الفاصلة في الموضوع هي التي تقضي في التهمة المنسوبة إلى المتهم بالإدانة سواء كان بالحبس أو الغرامة أو كلاهما معا، مع وقف التنفيذ أو نافذة، بعقوبة الإعدام أو السجن أو الحبس، أو بالبراءة، وكذا الأحكام التي تقضي بانقضاء الدعوى العمومية (2)، والحكم باعتبار المعارضة كأن لم تكن والذي يكون في حالة عدم حضور المتهم الجلسة التي تنظر فيها معارضته التي سجلها بعد تبليغه بحكم غيابي صادر ضده (413/3 ق.إ.ج).
أما الأحكام السابقة على الفصل في الموضوع فلا تفصل في موضوع التهمة المنسوبة للمتهم سواء كانت قد أنهت الخصومة كالحكم بعدم الاختصاص أو لم تنهها، وفي هذه الحالة يميز الفقه بين أربعة أنواع من الأحكام:
-الحكم التحضيري: الذي يهدف إلى اتخاذ إجراء لازم لتحضير نظر الدعوى دون أن يشف عن اتجاه رأي المحكمة، ودون أن تولد أية حقوق لأحد أطرافه، ولا تتقيد به المحكمة فلها العدول عنه إذا رأت مقتض لذلك، ومن أمثلته الحكم بإجراء تحقيق تكميلي(3).

(1)المادة 348 ق.إ.ج تجيز مثول المتهم بواسطة محاميه إذا كانت المرافعة لا تنصب إلا على الحقوق المدنية فيكون هنا الحكم حضوري اعتباري بالنسبة للمتهم.
(2)المادة 6 ق.إ.ج تنص” تنقضي الدعوى العمومية الرامية إلى تطبيق العقوبة بوفاة المتهم، وبالتقادم، والعفو الشامل وبإلغاء قانون العقوبات، وبصدور حكم حائز لقوة الشيء المقضي.
(3) المادة 356 من قانون 01-08 المؤرخ في 26 يونيو 2001 المعدل لـ قانون الإجراءات الجزائية.
-الحكم الوقتي: هو الذي يفصل في طلب وقتي ويكون الغرض منه الأمر بإجراء تحفظي أو تحديد مركز الخصوم بالنسبة لموضوع النزاع تحديدا مؤقتا إلى أن يتم الفصل في الخصومة بحكم يصدر في موضوعها (1) ومثاله الحكم بالإفراج المؤقت عن المتهم المحبوس رهن الحبس المؤقت.
-الحكم التمهيدي: الذي يصدر باتخاذ إجراءات معينة يتوقف عليها مباشرة الحكم في الموضوع، ويشف عن اتجاه رأي المحكمة في الموضوع كالحكم بانتداب طبيب شرعي لتحديد سبب الوفاة ومقارنته بما اعترف به المتهم.
-الحكم القطعي: يفصل في موضوع مسألة أولية ومن أمثلته الحكم بعدم الإختصاص.

ثالثا: الأحكام الإبتدائية والنهائية والباتة:
الحكم الإبتدائي هو الحكم الصادر من محكمة أول درجة سواء كان من قسم الجنح أو المخالفات أو الأحداث وتكون قابلة للطعن فيها بالإستئناف، أما الحكم النهائي فيصدر من جهة الإستئناف الغرفة الجزائية بالمجلس القضائي أو الحكم الصادر من محكمة الجنايات، وقد يكون حكما صادرا من الدرجة الأولى واكتسب صفة النهائية لفوات مواعيد الطعن العادية وعدم ممارستها أو أنه صدر من الدرجة الأولى قسم المخالفات في حدود ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 416 ق.إ.ج وهذا النوع من الأحكام يجوز حجية الشيء المقضي فيه.إذا كان فاصلا في الموضوع كما سبق وأن ذكرناه، بحيث لا يجوز متابعة المحكوم عليه مرة أخرى على نفس الوقائع المحكوم بها عليه، والحكم البات هو الحكم الذي استنفذ طرق الطعن العادية وغير العادية إما بممارستها أو فوات أجلها فلا يجوز فقط حجية الشيء المقضي فيه وإنما قوة الشيء المقضي فيه.

الفرع الثاني : التنفيذ لا يكون إلا عندما يصبح الحكم باتا

تنص المادة 8 من الأمر 72-02 المتعلق بتنظيم السجون وإعادة تربية المساجين على أنه ” لا تنفذ الأحكام الجزائية ما لم تكتسب الدرجة النهائية …” بمعنى أن المشرع حصر الأحكام الجزائية الواجبة التنفيذ في الأحكام النهائية فقط، غير أن الحكم النهائي غير كاف ليكون قابلا للتنفيذ، لأن الحكم يصبح نهائيا بانقضاء ميعاد المعارضة والإستئناف دون رفعهما أو الحكم فيهما إذا رفعا، أو صدر الحكم كذك، فرغم أنه فصل في النقطة محل النزاع وبصدوره يصبح القاضي متخل عن القضية ولا يجوز عرض نفس القضية عليه لمعالجتها مرة أخرى وإلا حكم بسبق الفصل، إلا أنه لا يكون قابلا للتنفيذ لأنه مازال يقبل الطعن بالنقض وهذا الأخير يوقف التنفيذ حتى في خلال ميعاد رفعه ولو لم يرفع طبقا للمادة 499 من ق.إ.ج، وبذلك نرى أن المشرع قد أخطأ ولم يوفق في إستعماله لفظ “النهائية” وكان الأجدر به أن يستعمل لفظ “بات” لأن الحكم البات هو الحكم الذي استنفذ كل طرق الطعن العادية وغير العادية ويحوز قوة الشيء المقضي فيه هذا من جهـة ومن جهة أخرى نجد بعض الأحكـام تنفذ

(1) د. جلال ثروت: المرجع السابق ص 621.
مباشرة بعد صدورها دون انتظار انقضاء مواعيد الاستئناف وحتى ولو استأنف أحد أطراف الدعوى العمومية (النيابة،الطرف المدني، وحتى المتهم). كما هو الحال في نص المادة 365 ق.إ.ج وكذا المادة 499/2،3 ق.إ.ج عندما يقضي الحكم بالبراءة أو الإعفاء من العقوبة أو الحكم بالحبس مع إيقاف التنفيذ أو بالغرامة، أو الحكم بعقوبة الحبس مدتها أقل أو تساوي مدة الحبس المؤقت التي قضاها المحكوم عليه. ففي هذه الحالات ينفذ الحكم الجزائي مباشرة بعد صدور الحكم ويخلى سبيل المتهم الموقوف بموجب صحيفة الجلسة التي يحررها أمين ضبط الجلسة، ويؤشر عليها وكيل الجمهورية وهذا استثناء بنص صريح من القاعدة العامة الواردة في المادة 425 ق.إ.ج التي مفادها أن تنفيذ الحكم يوقف أثناء مهل الاستئناف وأثناء دعوى الاستئناف، وبمعنى آخر استثناء من أن الحكم لا ينفذ إلا إذا كان باتا.
وبناء على ما سبق يمكن القول أنه كان على المشرع الجزائري في هذا المجال أن ينص على: ” لا تنفذ الأحكام الجزائية ما لم تكن باتة مالم ينص القانون على خلاف ذلك “.
ومن جهة ثالثة عبارة الأحكام الجزائية جاءت بصفة عامة دون تحديد أي نوع منها تكون قابلة للتنفيذ، والأحكام الجزائية كما سبق أن تطرقنا له آنفا أنواع، والأحكام المعنية بنص المادة 8 من الأمر 72-02 هي الأحكام الفاصلة في الموضوع والتي تقضي بالإدانة وتقرير الجزاء، وكون الجزاء ينصرف إما إلى العقوبة وإما إلى التدابير، هذه الأخيرة قد تكون تدابير أمن هدفها الوقاية ومواجهة الخطورة الإجرامية لدى الأشخاص وتطبق حتى قبل ارتكاب الجريمة. ومن خصائصها أنها متجردة من الايلام وغير محددة المدة تدوم بدوام الخطورة الإجرامية وتزول بانقضائها، ويمكن مراجعتها باستمرار أثناء تنفيدها بقصد ملاءمة التدبير لتطور حالة الخطورة الإجرامية التي يواجهها الجاني. وقد تكون التدابير تلك المتعلقة بمراقبة وحماية الأحداث والمنصوص عليها في المادة 444 ق.إ.ج وهي الأخرى قابلة للتعديل والمراجعة في كل وقت من طرف قاضي الأحداث طبقا للمادة 482 ق.إ.ج فلا تكون نهائية. وعليه سنستبعد من دراستنا الأحكام القاضية بالتدابير، ونخصصها فقط للأحكام الجزائية القاضية بعقوبة.

المطلب الثاني : الهيئة المكلفة بالتنفيذ

تنص المادة 29 ق.إ.ج : ” تباشر النيابة العامة الدعوى العمومية … كما تتولى العمل على تنفيذ أحكام القضاء… ” وتنص المادة 8/2 من الأمر 72-02 على أنه: ” تختص النيابة العامة دون سواها بملاحقة تنفيذ الأحكام الجزائية، وإنّ الملاحقات الرامية لتحصيل الغرامات أو مصادرة الأموال يقوم بها على وجه الترتيب قابض الضرائب أو سلطة أملاك الدولة بطلب من النيابة العامة “.
يستشف من استقراء هذه المادة أن حق تنفيذ الأحكام الجزائية يعود للنيابة العامة فيما يخص العقوبة السالبة للحرية والمقيدة لها، في حين الغرامات ومصادرة الأموال تعود لقابض الضرائب وسلطة أملاك الدولة على وجه الترتيب وبطلب من النيابة العامة، وعليه سنتطرق في الفرع الأول للنيابة العامة، وللهيئات الأخرى في فرع ثاني.

الفرع الأول: النيـابة العامـة

حق تنفيذ الأحكام الجزائية من صلاحيات النيابة العامة المكلفة برعاية الحق العام عن طريق تحريك ومباشرة الدعوى العمومية ضد كل شخص يقترف فعلا مجرما قانونا وتقديمه للمحاكمة، ويكون من اختصاص وكيل الجمهورية لدى المحكمة تنفيذ الأحكام الجزائية الصادرة عن المحاكم. ويتكفل النائب العام بملاحقة تنفيذ القرارات الصادرة عن الغرفة الجزائية بالمجلس وأحكام محكمة الجنايات وهذا لا يمنع النائب العام من تنفيذ الأحكام الصادرة عن المحاكم كون النيابة العامة وحدة لا تتجزأ طبقا للمبادئ الأساسية التي تحكمها. وتقوم النيابة من أجل تنفيذ الأحكام الجزائية بتوجيه أوامرها مباشرة إلى القوة العمومية، طبقا لما تقضي به المادة 8 من الأمر 72/02. وهذا لتذليل العقبات المادية التي يمكن أن تعترض التنفيذ.
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع الجزائري أحدث منصب قاضي تطبيق الأحكام الجزائية الذي ينحصر دوره في متابعة تنفيذ الأحكام الجزائية، وتشخيص العقوبات وأنواع العلاج، ويبدأ دوره من لحظة إتمام النيابة إجراءات التنفيذ بدخول المحكوم عليه المؤسسة العقابية وإعطاء له رقم السجن بموجب مستخرج حكم أو قرار نهائي.
وتباشر النيابة العامة إجراءات التنفيذ عن طريق مصلحة تدعى مصلحة تنفيذ العقوبات توجد على مستوى المحكمة وكذا المجلس القضائي وتعتبر من أهم المصالح التي تنطلق منها إجراءات التنفيذ والتي سنتعرض لها في المطلب الموالي.

الفرع الثاني :الهيئـات الأخـرى

خرج المشرع الجزائري عن القاعدة العامة التي أوردها في نص المادة السالفة الذكر والتي مفادها أن النيابة العامة مختصة دون سواها بملاحقة تنفيذ الأحكام الجزائية، وخول الملاحقات الرامية لتحصيل الغرامات ومصادرة الأموال لهيئات أخرى، مع تقييد ذلك بطلب من النيابة العامة. وعليه تختص مديرية الضرائب ممثلة في قابض الضرائب في تحصيل الغرامات، أما مصادرة الأموال فخولها لمديرية أملاك الدولة، ويبقى الأمر غامض بالنسبة لإدارة الجمارك، ذلك أنه طبقا للمادة 597 من قانون الإجراءات الجزائية والمادة 293 من قانون الجمارك فإن إدارة الجمارك هي المكلفة بتحصيل الغرامات الجمركية. وسبب الغموض يرجع إلى الطبيعة القانونية للغرامة الجمـركية التي سكت عنها المشرع في التعديل الأخير لقانون الجمارك (1) فلو اعتبرناها غرامة جزائية فإن المادة الثامنة من الأمر 72/02 ناقصة إذ يجب إدراج إدارة الجمارك في نص المادة الثامنة إلى جانب إدارة الضرائب ومديرية أملاك الدولة، أما إذ اعتبرناها تعويضا مدينا فلا يطرح إشكال.

(1) سنتطرف لهذه المسألة في المطلب الخاص بتنفيذ العقوبات المالية.

المطلب الثالث : مقدمات التنفيذ

كون الأحكام الجزائية القاضية بالعقوبات لها أثر بالغ على حياة وحرية الشخص وذمته المالية، وجب على النيابة العامة باعتبارها الهيئة المكلفة بالتنفيذ، أخذ كل الحيطة والحذر والحرص لتفادي أي خطأ في التنفيذ، ويكون ذلك بإسناد مهام مصلحة تنفيذ العقوبات لأمناء ضبط مؤهلين قانونا، ولهم دراية كافية بإجراءات التنفيذ، والحرص على مسك هذه الهيئة كل السجلات الضرورية لحسن سير عمل المصلحة من حيث الفعالية والسرعة.
ولتنفيذ الأحكام الجزائية يقوم أمين الضبط المكلف بهذه المصلحة بتبليغها حتى تكتسب الدرجة النهائية والباتة ثم يشرع في تحرير الوثائق وكل هذا تحت إشراف النيابة العامة.

الفرع الأول : التبليغ

عقب كل جلسة يتلقى أمين الضبط الملفات المحكوم فيها بعد تحييثها وطبعها وإمضائها من طرف القاضي، أين يقوم بتسجيلها في سجل تنفيذ العقوبات (حسب الحالة: جنح، مخالفات، أحداث)، والذي يكون مطابقا لسجل الفهرس، ويسجل فيه كل الأحكام الصادرة مهما كان نوعها، وبعدها يفصل بين الملفات المحكوم فيها غيابيا، حضوريا.

أولا -الأحكام الحضورية:
إذا كانت إبتدائية تنفذ مباشرة بعد انقضاء ميعاد الاستئناف دون أن يقع استئنافها، أما إذا كانت نهائية (أحوال المادة 416/2 من ق.إ.ج) أو صدرت من الدرجة الثانية تنفذ بعد فوات ميعاد الطعن دون رفعه ودون حاجة لتبليغها لأن الغاية من تبليغها انتفت بصدورها حضوريا.

ثانيا-الأحكام الغيابية:
إذا صدر الحكم غيابيا أو حضوريا اعتباريا أو في غير مواجهة المتهم فلا يجوز تنفيذه إلا بعد تبليغه للمحكوم عليه، وهنا يقوم أمين الضبط بإجراءات التبليغ بداية:
1-استدعاء المحكوم عليهم غيابيا للحضور إلى المصلحة لتبليغهم شخصيا بالحكم، لكن غالبا هذه الإجراء غير مجدي ولم يعد يعمل به على مستوى المحاكم.
2-تحرير محضر التبليغ على نسختين تحفظ واحدة بالملف وترسل الثانية إلى الجهات الأمنية (الدرك، الشرطة) للتبليغ إذا كان المتهم المدان يسكن في دائرة اختصاص المحكمة أو المجلس القضائي مصدر الحكم، وإلا ترسل إلى نيابات الجمهورية حسب الإختصاص لأجل التبليغ، ويجب أن يتضمن المحضر الهوية الكاملة للمعني، وطبيعة الجريمة، والنصوص القانونية المعاقب عليها ومنطوق الحكم مع التنويه فيما إذا كان الحكم غيابي أو حضوري اعتباري كون هذا الأخير لا يقبل الطعن فيه بالمعارضة، وإنما يسري من تاريخ التبليغ ميعاد الإستئناف، في حين الحكم الغيابي يسري ميعاد المعارضة من تاريخ التبليغ، وإذا لم يعارض في الآجال المحددة قانونا فتسري بعد ذلك مهلة 10 أيام للإستئناف دون حاجة لتبليغ جديد، ويؤشر على محضر التبليغ وكيل الجمهورية ويوقعه أمين الضبط المحرر.

لكن وفي كثير من الحالات نلاحظ رجوع ملفات التبليغ بعدم الإنجاز، وهذا راجع لعدم العثور على المعني بالأمر بسبب تغيير عنوان إقامته إلى مكان مجهول، أولعدم وجوده بالإقليم الذي كان يقيم فيه، وهنا تقوم النيابة العامة واعتمادا على المعلومات القليلة الواردة في نتائج الأبحاث السلبية لإعادة التبليغ من جديد باستعمال كل الوسائل القانونية قصد الوصول إلى المعني بالتبليغ، وإذا باءت بالفشل تلجأ النيابة للإجراء الموالي.
3-التبليغ عن طريق التعليق (1)، وتلجأ إليه النيابة لضمان تنفيذ الأحكام الغيابية وعدم تركها تتراكم، مما يؤدي ذلك إلى أن تكون عرضة للسقوط لتقادم العقوبة المحكوم بها، ويكون التعليق على لوح الإعلانات ببلدية إقامة المحكوم عليه، ولوح إعلانات الجهة القضائية المصدرة للحكم، وإذا كان الحكم صادرا عن محكمة الجنايات فيعلق إضافة إلى ذلك على باب آخر محل إقامة له، وعلى باب مقر المجلس الشعبي البلدي الذي ارتكبت الجناية بدائرتها، ويجب نشر مستخرج من الحكم في أقصر مهلة بإحدى الجرائد اليومية الوطنية (2)، وبعد انقضاء مهلة 15 يوما من تاريخ التعليق (3) يقوم المكلف بالمصلحة بمباشرة التنفيذ، وتجدر الإشارة إلى أنه ولتفادي التأخير في تنفيذ الأحكام وضعت وزارة العدل كإجراء تنظيمي مذكرة تحدد آجال ذلك صدرت في 27/08/1996 تحت رقم 96/17 لم تلغها مراسلة السيد وزير العدل المؤرخة في 29/10/2000 تحـت رقم 06/00 وهذه الآجال هي:
-بالنسبة للأحكام الحضورية فور إنتهاء أجل الإستئناف.
-بالنسبة للأحكام الغيابية، حضوري إعتباري، حضوري غير وجاهي: 4 أشهر من تاريخ النطق بالحكم.
4- لجوء النيابة العامة إلى تطبيق أحكام المادة 637 ق.إ.ج في حالة عدم التوصل إلى تبليغ المحكوم عليه، بأن تخطر كاتب المحكمة الكائن بدائرتها محل ميلاد المعني أو القاضي المكلف بمصلحة صحيفة السوابق القضائية المركزية، بأوامر القبض وبالأحكام الصادرة بعقوبات مقيدة للحرية حضورية كانت أو غيابية، والتي لم يجر تنفيذها، وتحفظ هذه الإخطارات بملف صحيفة السوابق القضائة ليعاد إرسالها ومعها كافة الإيضاحات الموصلة إلى تنفيذ الأوامر والأحكام إلى السلطات القضائية التي أصدرتها وذلك كلما طلب أصحاب الشأن نسخة من القسيمة رقم 3، وبالتالي يكون هذا الإخطار وسيلة لتبليغ الأحكام الغيابية.

(1) المواد 412، 418، 439 من ق.إ.ج والمادة 22 من ق.إ.م.
(2) المادة 321 من القانون 01-08 المؤرخ في 26 يونيو 2001 المعدل لقانون الإجراءات الجزائية.
(3) المادة 624-2 من ق.إ.ج.

أما المحكوم عليه المقيم بالخارج يبلغ عن طريق وزارة العدل ووزارة الشؤون الخارجية.
وتثير مسألة تبليغ الأحكام الغيابية للمحكومم عليه منذ صدور قانون 08/01/1991 الذي ينظم مهنة المحضر والذي خوله مهام تبليغ الأحكام الصادرة عن الجهات القضائية عدة إشكالات: فهل أن تبليغ الطرف المدني للمحكوم عليه الشق المدني للحكم الجزائي يعتبر تبليغا قانونيا للحكم ككل ؟ باعتبار أن الدعوى المدنية مرتبطة بالدعوى الجزائية، ومن ثم لا يجوز تجزئتها. وهل أن هذا التبليغ يسقط حق المحكوم عليه في المعارضة بفوات مهلة 10 أيام من تاريخ تبليغ الشق المدني دون المعارضة فيه ؟ وخاصة وأن سريان ميعاد المعارضة يكون من تاريخ التبليغ، والتبليغ من الصلاحيات المخولة للنيابة العامة.
وهل يمكن للطرف المدني الحصول على الصيغة التنفيذية للحكم الجزائي في شقه المدني بفوات مواعيد المعارضة والاستئناف اعتبارا من تاريخ تبليغ الطرف المدني للمحكوم عليه دون ممارستهما ؟ ونحن نعلم أن المعارضة الصادرة عن المتهم تلغي الحكم الصادر غيابيا حتى بالنسبة لما قضى به في شأن طلب المدعي المدني طبق للفقرة الأولى من المادة 413 من ق.إ.ج. لذلك نرى ضرورة تدخل المشرع وحسم الأمر.

الفرع الثاني : مباشرة التنفيذ

بعد صيرورة الحكم باتا تشرع مصلحة تنفيذ العقوبات بوضع الأحكام الجزائية قيد التنفيذ وذلك بإعداد الوثائق المتمثلة في صورة الحكم النهائي، البطاقة رقم 1 وملخص معد لمصلحة الضرائب مع الأخذ بعين الاعتبار نوع العقوبة ما إن كانت سالبة للحرية أو غرامة أو كليهما معا.

أولا: البطاقة رقم1:
حددت المادة 624 ق.إ.ج وقت إنشاء البطاقة رقم1 (1) وقبل الشروع في إعدادها ينبغي على أمين الضبط التأكد من الحالات التي لا يجوز تحرير هذه البطاقة في حالة توافرها وهي المنصوص عليها في المادة 618 ق.إ.ج إذ يجب أن تتجاوز الغرامة 400 دج والحبس يجب أن يتجاوز مدة عشرة أيام. وفي غير هاته الحالتين تحرر البطاقة رقم1 في جميع الأحوال التي أشارت إليها المادة 618 ق.إ.ج.
-إذا كانت العقوبة المحكوم بها هي غرامة نافذة أو موقوفة تحرر البطاقة رقم 1 في نسختين الأولى ترسل للمجلس القضائي دائرة اختصاص مكان ولادة المعني لتحفظ بمصلحة السوابق القضائية، والنسخة الثانية ترسل لوزارة العدل.

(1) بمجرد صيرورة الحكم نهائيا إذا صدر حضوريا، وبعد مرور 15 يوما من تبليغه إذا كان غيابيا، وبمجرد صدوره إذا كان غيابيا صادر عن محكمة الجنايات.
-إذا كانت العقوبة المقررة هي الحبس النافذ أو الموقوف مع أو بدون غرامة فيحرر البطاقة رقم 1 في 3 نسخ، نسخة ترسل إلى النائب العام لدائرة إختصاص مكان ولادة المعني(619 ق.إ.ج) و النسخة الثانية فتوجه إلى وزارة الداخلية (629 ق.إ.ج) أما النسخة الأخيرة ترسل لوزارة العدل (1).
-إذا كان الشخص مولودا بالخارج ترسل البطاقة رقم –1- إلى وزارة العدل –بغير مراعاة لجنسيتهم (620 ق.إ.ج) – مصلحة الصحيفة السوابق المركزية.
وبعد تحرير البطاقة رقم 1 يسجلها في سجل إرسال بطـاقات السوابـق القضـائية رقم 1 ويرسلها للجهة المعنية. وعند وصولها يقوم أمين الضبط بمصلحة السوابق القضائية بالتحقق من أن الشخص المحكوم عليه مولود فعلا بدائرة إختصاص المجلس، وذلك بالرجـوع لسجل الحالة المدنية الموجود على مستوى المجلس فإن وجد اسمه مسجلا رتب القسيمة في صحيفـة السوابق العدلية حسب التسلسل الأبجدي. وإذا وجد له عدة قسائم وضعها الكاتب في حـافظـة ورقمها وفق التسلسل الزمني، أما إذا لم يجد إسم المعني بالأمر في سجل الحالة المدنية يؤشـر على البطاقة بعدم وجود شهادة ميلاد و يحيلها للنائب العام الذي بدوره يرسلها لزميله بالجهة المصدرة للحكم والمحررة للبطاقة للتأكد من مكان ميلاد المحكوم عليه.

ثانيا: صورة الحكم النهائي:
ويعد فقط بالنسبة للأحكام الحائزة لقوة الشيء المقضي فيه و القاضية بالحبس النافذ والسجن، وبعد التبليغ إذا كان الحكم غيابيا، ويعتبر سند إيداع بموجبه يودع المتهم مباشرة في المؤسسة العقابية ويقوم أمين الضبط بملئ مطبوعة صورة الحكم مبينا فيه بدقة الهوية الكاملة للمحكوم عليه خاصة أن النموذج المحدد من طرف الوزارة لم يترك فراغا كافيا لكتابة الهوية الكاملة ويرفق هذه الوثيقة بإرسالية وكيل الجمهورية المؤشر عليها وترسل إلى الشرطة أو الدرك للتنفيذ. بعد أن يسجلها في سجل ملخص الأحكام النهائية للحبس المتواجد على مستوى المصلحة.

ثالثا: ملخص معد لمصلحة الضرائب:
يحرر أمين الضبط ملخص معد لمصلحة الضرائب يدون فيه ما حكم به من غرامات بالإضافة إلى المصاريف القضائية التي حددها قانون المالية حسب كل حكم. ويسجلها في سجل ” ملخص الأحكام النهائية المرسلة لمديرية الضرائب ” ثم يدرج مجموع هذه الملخصات في جدول يسمى ” حافظة إرسال الأحكام النهائية لمصلحة الضرائب ” (2)، وترسل مرفقة بمراسلة من السيد وكيل الجمهورية أو النائب العام عن طريق البريد المضمن للنائب العام الذي يدخل في دائرة إختصاصه مكان إقامة المحكوم عليهم، وهو بدوره يوجهها إلى المدير الولائي للضرائب الذي يعمل على تحصيلها. لكن بصدور التعليمة رقم 3663عن المديرية العامة للضرائب بتاريخ 10 يوليو2000 والتي

(1)وفي الحالتين تضاف نسخة أخرى تحفظ بمقر المحكمة إذا كان المحكوم عليه مولود في دائرة اختصاصها وكان لهذه المحكمة مصلحة السوابق القضائية.
(2)حدد المذكرة الوزارية رقم 2049/00 المؤرخة في 19/09/2000 شكل هذه الحافظة.
جاءت تجسيدا لتوصيات اللجنة الوزارية المشتركة ما بين وزارتي المالية والعدل بخصوص تحصيل الغرامات والعقوبات المالية، أصبحت هذه الملخصات تسلم لمراسل الإدارة الجبائية المعتمد على مستوى كل مجلس قضائي، حيث أصبحت ملخصات الأحكام النهائية على مستوى المحاكم ترسل للمجلس القضائي التابعة لدائرة اختصاصه.
غير أنه في حالة مباشرة التنفيذ بتحرير المطبوعات السالف ذكرها دون تبليغ شخصي للمحكوم عليه غيابيا، حضوري غير وجاهي، حضوري اعتباري، ثم تقدم المعني وسجل معارضة أو استئنافا، يجب على المكلف بمصلحة تنفيذ العقوبات تحرير شهادة إلغاء ملخص الضرائب، وشهادة إلغاء الصحيفة رقم1 ويرسلهما إلى الجهات التي وجهت إليها مطبوعات تنفيذ الحكم سابقا.
وتجدر الإشارة إلى أنه يجب على أمين الضبط أن ينتبه عند مباشرة التنفيذ إلى بعض الأحكام الجزائية خاصة:
-الحكم باعتبار المعارضة كأن لم تكن: هنا يعود لمحتويات الحكم السابق الذي لم تقبل فيه المعارضة، وبالتالي يصبح هو الواجب التنفيذ، ويقوم بإعداد المطبوعات السالف ذكرها حسب كل حالة.
-الحكم بالإدانة مع الإعفاء من العقاب: فهو واجب التنفيذ فيما يخص ملخص الضرائب المتعلق بالمصاريف القضائية.
-الحكم بالإدانة في جنح ومخالفات الأحداث: ينبغي الإشارة إلى المسؤول المدني عند تحرير ملخص الضرائب ثم يجب الانتباه إلى الطلبات التي ترد من إدارة الضرائب المتعلقة بتنفيذ الإكراه البدني التي يجب رفضها كونها تتعارض مع المادة 600/3 ق.إ.ج.
-الأحكام بالبراءة وبانقضاء الدعوى العمومية: يكتفي أمين الضبط بتسجيل المنطوق في سجل تنفيذ العقوبات فقط دون تحرير أية وثيقة.
-الحكم بالإدانة مع وقف التنفيذ: إذا كانت العقوبة المقيدة للحرية هي المشمولة بوقف التنفيذ يحرر أمين الضبط البطاقة رقم 1 في 3 نسخ وتوجه للجهات السالف ذكرها مع العلم أنها لا تسجل في البطاقة رقم 3 التي يطلبها المحكوم عليه طبقا للمادة 632 ق.إ.ج، أما إذا كانت الغرامة هي المشمولة بوقف التنفيذ فإن ملخص الحكم النهائي المعد لمديرية الضرائب تسجل فيه فقط المصاريف القضائية دون الإشارة إلى الغرامة المشمولة بوقف التنفيذ، طبعا مع تحرير البطاقة رقم 1 سواء كانت مقترنة بالحبس النافذ أو مع وقف التنفيذ.

المبحث الثاني: القواعد الخاصة لتنفيذ الأحكام الجزئية

إن مجرد تناول الإجراءات التي تقوم بها الهيئة القائمة بالتنفيذ لأجل وضع الأحكام الجزائية قيد التنفيذ يجعل من دراستنا هذه جافة وغير كافية، لأن الهدف المرتجى من هذه الإجراءات كلها هو الوصول إلى تحقيق ما يتضمنه الحكم من عقوبات في الحياة الواقعية، لذلك كان لزاما علينا التطرق إلى الإجراءات والقواعد الخاصة التي تحكم تنفيذ العقوبات، هذه الأخيرة اختلف الفقهاء في تصنيفها باختلاف المعيار المعتمد في ذلك، فقد يكون بالنظر لجسامة العقوبة فنكون أمام عقوبات الجنايات، الجنح والمخالفات، أو بالنظر إلى موضوعها ونوع الحق الذي تمسه العقوبة فتقسم إلى عقوبات بدنية، الماسة بالحرية، الماسة بالاعتبار، والعقوبات المالية، وقد يكون تقسيمها بالاعتماد على الاختلاف بين العقوبات من حيث كفايتها وهو ما أخذ به المشرع الجزائري وصنفها في الباب الأول من الكتاب الأول من قانون العقوبات إلى عقوبات أصلية، تبعية، تكميلية، وهو التقسيم الذي سنعتمده في دراسة هذا المبحث مع العلم أنه سنتناول القواعد التي تحكم تنفيذها، بعد تقديم تعريف موجز لها دون الخوض في كيفية تطبيقها داخل المؤسسات العقابية بالنسبة للعقوبات السالبة للحرية.

المطلب الأول : تنفيذ العقوبات الأصلية

تتمثل العقوبات الأصلية من خلال نص المادة 5 ق.ع في الإعدام، السجن المؤبد والسجن المؤقت و الحبس والغرامة وحيث أن عقوبات السجن المؤبد والمؤقت والحبس هي عقوبات من طبيعة واحدة تقوم على سلب حرية المحكوم عليه، فسندرجها تحت فرع واحد بعنوان العقوبات السالبة الحرية. أما عقوبتي الإعدام والغرامة فسنخصص لكل واحدة فرع مستقل.

الفرع الأول : تنفيذ عقوبة الإعدام

أولا: ماهيتها:
يقصد بعقوبة الإعدام إنهاء حياة المحكوم عليه واستئصاله من المجتمع، فهي بهذه الصفة تأتي على رأس كل العقوبات، وتعتبر من أقدم العقوبات التي عرفتها الأنظمة العقابية، وأكثرها إثارة للجدل لحد الساعة حول الإبقاء عليها أو إلغائها، إذ يرى جانب من الفقه ضرورة إلغائها، كونها تتعارض مع الغرض من العقوبة التي تهدف إلى الإصلاح والتهذيب باستئصال أسباب الخطورة الإجرامية لدى الجاني. وتحت تأثير هذا التيار لجأت أغلب التشريعات في بداية الأمر إلى تقليص مجال تطبيقها ثم إلى إلغائها. في حين يرى جانب آخر من الفقه ضرورة الإبقاء عليها، كونها تحقق نوع من الردع العام الذي يحول دون ارتكاب الجريمة، وعموما لا يتسع المجال هنا لعرض أسانيد كل اتجاه بشأن عقوبة الإعدام، فقط نشير إلى أن هناك عوامل قد تساعد على تضييق تطبيق عقوبة الإعـدام أهمـها منـح

ظروف التخفيف وخاصة وأن المحكمة التي تنطق بها هي محكمة الجنايات يدخل في تشكيلتها قضاة شعبيون لهم صوت تداولي وكذا حق رئيس الجمهورية في منح العفو واستبدال عقوبة الإعدام بغيرها.
ونحن نرى على ضرورة الإبقاء على عقوبة الإعدام لا إلغائها كونها واجبة، لأن الشريعة الإسلامية نصت عليها فمن واجب التشريع الجزائري احترام ما أتت به الشريعة الإسلامية باعتبار الجزائر دولة إسلامية. ومن جهة أخرى فهي ضرورية لأنها تقلل من معدل الجريمة، كونها تبعث الرعب في نفسية المجرم الذي يقدم على ارتكاب الجريمة، وهو يعلم أن الإعدام أكيد الوقوع حتى لو كان النطق بها قليل الإحتمال، ولو نطق بها فلا يتم تنفيذها نتيجة تدخل عفو رئيس الجمهورية. وأن إلغاءها يعني فتح الباب أمام المجرم لارتكاب أخطر الجرائم وأبشعها، وهو يعلم علم اليقين أنه لن يواجه حكما بالإعدام، وكأنما نقول له ” قتل فلن تقتل” وبالرغم من عدم تنفيذها (1) منذ سنة 1992 إلا أن هذا لا يمنع من التطرق إلى إجراءات تنفيذها.

ثانيا: إجراءات تنفيذها:
يخضع تنفيذ عقوبات الإعدام نظرا لخطورتها إلى عدة إجراءات تتعلق بتاريخ التنفيذ، ومكانه وطريقته يجب احترامها.

1- تاريخ التنفيذ:
لاتنفذ عقوبة الإعدام مباشرة بعد صيرورة الحكم القاضي بها باتا (كون المحكوم عليه يسجل طعنا بالنقض بمجرد الحكم عليه بالإعدام) بل تنفذ بعد رفض رئيس الجمهورية طلب العفو، إذ يجب رفع ملف القضية إليه لطلب العفو حتى لو لم يطلبه المحكوم عليه لأنه يعد إجراء جوهري لابد من القيام به تلقائيا قبل تنفيذ عقوبة الإعدام، وهذا ما نصت عليه المادة 197 من الأمر 72-02 بقولها : “لا يمكن تنفيذ عقوبة الإعدام إلا بعد رفض طلب العفو”
غير أن الفصل في طلب العفو قد يأخذ وقتا طويلا، مما يزيد في معاناة المحكوم عليه الذي يعد الدقائق والثواني في انتظار لحظة موته، وحتى لو رفض طلب العفو بالنسبة للمرأة الحامل المحكوم عليها بالإعدام، فإنه لا يمكن تنفيذ الإعدام في حقها إلا عند بلوغ مولودها 24 شهرا، أين يكون المولود قد أخذ حقه من الرضاع، وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى أن الجزائر قد صادقت بموجب المرسوم الرئاسي رقم 03/242 الصادر بتاريخ 08/07/2003(2)على الميثاق الإفريقي لحقوق الطفل ورفاهيته المعتمد بأديس بابا في يوليو سنة 1990 والذي ينص في مادته الثلاثين على أنه :« تتعهد الدول الأطراف في هذا الميثاق بأن تكفل معاملة خاصة للنساء الحوامل والأمهات المرضعات وللأطفال الصغار الذين يتهمون أو يدانون بسبب ارتكاب مخالفات للقانون الجنائي وتتعهد بوجه خاص خطر إصدار حكم بالإعدام ضد أولئك الأمهات…». كما منع المشرع الجزائري تنفيذها أيام الأعياد الوطنية والدينية ولا يوم الجمعة أو خلال شهر رمضان.

(1)لعدم جواب رئيس الجمهورية على طلبات العفو عن عقوبة الإعدام المرفوعة إليه بالرفض (سكوته) وإما باستبدالها بعقوبة السجن المؤبد.
(2)منشور في الجريدة الرسمية العدد 41 لسنة 09 يوليو 2003.

2 – مكان التنفيذ:
ينقل المحكوم عليه بالإعدام إلى إحدى المؤسسات التي خصصها القانون لتنفيذ هذه الأحكام والمحددة بالمادة الأولى من القرار المؤرخ في 23 فبراير 1972. وتعمل النيابة العامة على إجراء النقل بواسطة القوة العمومية بعد أخذ رأي وزير العدل. وعند وصوله يوضع في النظام الانفرادي ليلا ونهارا (المادة 196/2 من أمر 72-02). وطبقا للمادة الأولى من المرسوم 72-38 المتعلق بتنفيذ حكم الإعدام فإن عقوبة الإعدام تنفذ في البلدية التي يكون قد نقل إليها المحكوم عليه طبق للمادة 196 من أمر 72-02 وبالرجوع إلى هذه الأخيرة نجدها تنص على أن النقل يكون إلى إحدى مؤسسات السجن المحدد من طرف وزير العدل بموجب المادة 1 من القرار المؤرخ في 23 فبراير 1972. ويفهم من ذلك أن التنفيذ يكون بالمؤسسة العقابية التي نقل إليها المحكوم عليه وليس بالبلدية كما ورد خطأ في المادة السالفة الذكر. ولم ينص المشرع الجزائري بعد تنفيذ عقوبة الإعدام ما إن كانت الجثة تسلم لذوي المحكوم عليه لدفنها أو تدفنها الدولة، كما فعل المشرع المصري الذي أوجب تسليمها لهم في حالة طلبها شرط أن يكون الدفن بغير إحتفال.

3 – طريقة التنفيذ:
اشتركت التشريعات الجنائية الحديثة وحرصت على أن يكون تنفيذ عقوبة الإعدام بأقل الوسائل إيلاما، واختلفت في وسائل التنفيذ، فنص بعضها على أن يكون التنفيذ بقطع الرأس كما هو الحال في فرنسا (1) والبعض الآخر نص على الخنق بالغاز كما أخذ التشريع المصري بتنفيذ الإعدام شنقا، أما المشرع الجزائري وطبقا للمادة 198 من الأمر 72-02 فإن عقوبة الإعدام تنفذ على المحكوم عليه رميا بالرصاص ويكون التنفيذ من غير حضور الجمهور إلا من نصت عليهم المادة 4 من المرسوم 72-38 وهم رئيس الجهة القضائية مصدرة الحكم، ممثل النيابة العامة التي طلبت الحكم بها، موظف من وزارة الداخلية، محامي المحكوم عليه، رئيس المؤسسة العقابية، وأمين الضبط، رجل الدين وطبيب. وإذا تعدد المحكوم عليهم بعقوبة الإعدام لا يخرج الأمر عن حالتين: فقد يقضي بإعدامهم في حكم واحد وفي هذه الحالة ينفذ الإعدام في الواحد منهم تلوى الآخر بحسب ترتيبه بالحكم. أما إذا قضي بإعدامهم في أحكام قضائية مختلفة، فيتم التنفيذ وفقا لأقدمية الأحكام، ويحضر في الحالتين على المحكوم عليهم الآخرين حضور عملية التنفيذ (المادة 3 فقرة 2،3 من المرسوم 72-38).
وبعد تنفيذ عقوبة الإعدام وفقا للإجراءات السالف ذكرها يقوم أمين الضبط بتحرير محضر التنفيذ الذي يوقعه طبقا للمادة 5 من أمر 72-38 القاضيان الحاضران وهما رئيس الجهة القضائية وممثل النيابة ثم يرفق المحضر بأصل الحكم القاضي بالإعدام، والذي يؤشر أسفله بما يفيد تنفيذه ويوقع عليه ويضمنه مكان التنفيذ واليوم والساعة التي تم فيهـا. وبذلك يكون إثباتـا مماثـلا للمحضر

(1) ألغيت عقوبة الإعدام بفرنسا. بموجب قانون 21 تشرين الأول 1981.

نفسه، وقد منع المشرع الجزائري من نشر أي وثيقة متعلقة بالتنفيذ، باستثناء محضر التنفيذ والبلاغ الصادر من وزارة العدل. وأخيرا يقوم أمين الضبط بسحب البطاقة رقم 1 من سجل السوابق القضائية وإتلافها (628/1 ق.ا.ج).

الفرع الثاني : تنفيذ العقوبات السالبة للحرية

أولا: تعريفها:
يقصد بالعقوبات السالبة للحرية تلك التي تتضمن حرمان المحكوم عليه من حقه في التنقل والحركة وذلك عن طريق إيداعه في إحدى المؤسسات العقابية طوال المدة المحكوم بها عليه(1). ويعرف التشريع الجزائري نوعين من العقوبات السالبة للحرية، السجن بنوعيه (المؤبد والمؤقت) والحبس كعقوبة مشتركة بين الجنح والمخالفات (المادة 5 ق.ع) ولم يأخذ بعقوبة الأشغال الشاقة (2) نظرا للانتقادات الموجهة إليها كونها قاسية ترهق كاهل المحكوم عليه الذي يستخدم في أشق الأعمال. ومن ناحية أخرى تنطوي على عدم المساواة لأن المحكوم عليهم يختلفون ضعفا وقوة في قدرتهم على تحمل الأعمال.
ويعرف السجن بأنه سلب حرية المحكوم عليه طيلة حياته إذا كان مؤبدا، أو لمدة تتراوح بين خمس سنوات و عشرين سنة كحد أقصى إذا كان مؤقتا، وهو عقوبة جنائية تكون متبوعة بعقوبات تبعية أو تكميلية. مع العلم أنه يمكن الحكم في جناية بعقوبة الحبس دون السجن، وهذا في حالة الاستفادة من ظروف التخفيف أو من عذر قانوني كصغر السن.
في حين يعرف الحبس بأنه عقوبة مقررة في مادة الجنح والمخالفات، يقوم على سلب حرية المحكوم عليه لمدة تتراوح بين شهرين كحد أدنى و خمس سنوات كحد أقصى في الجنح ما لم يقرر القانون حدودا أخرى (3). ولمدة تتراوح من يوم واحد على الأقل إلى شهرين على الأكثر في المخالفات كقاعدة عامة. وتتماثل عقوبة الحبس مع عقوبة السجن المؤقت في جوهرها فهي إيلام مقصود يتمثل في سلب حرية المحكوم عليه لمدة محددة يعينها الحكم، ولكنها مع ذلك تختلف عنها من حيث الشدة والنتائج القانونية التي ترتب على كل منهما، فالحبس عقوبة جنائية تنطق بها محكمة الجنايات ضمن إجراءات خاصـة تختلف عن عقوبة الحبس التي تنطق بها الجهات القضائية المختصة بالنظر في الجنح والمخالفات(4).

(1)د/مأمون محمد سلامة: قانون العقوبات القسم العام 1990 دار الفكر العربي القاهرة 1990 ص 642.
(2)أخذ بها التشريع المصري وعرفها في المادة 14 ق.إ جنائية ” تشغيل المحكوم عليه في أشق الأعمال التي تعينها الحكومة مدة حياته إذا كانت العقوبة مؤبدة أو المدة المحكوم بها عليه إن كانت مؤقته”.
(3)المادة 295/2، 126 من ق.ع، في حالة العود تكون مدة الحبس ضعف المدة القصوى الأصلية أي 10 سنوات.
(4)حول النتائج القانونية المختلفة بين السجن والحبس راجع د/عبد الله سليمان/ شرح قانون العقوبات الجزائري القسم العام الجزء الثاني الجزاء الجنائي/ ديوان المطبوعات الجامعية ص 447 وما يليها.

ثانيا: إجراءات تنفيذها:
يختلف تنفيذ الأحكام الجزائية القاضية بعقوبات سالبة للحرية باختلاف الوضعية التي يكون فيها المحكوم عليه بين ما إذا كان موقوفا رهن الحبس المؤقت، وما إذا كان حرا طليقا أثناء المحاكمة، ولم تقرر المحكمة إيداعه بالجلسة. أو إذا كان حاضرا طبقا لنص المادة 358 من ق.إ.ج أو إذا كان غائبا وصدر الحكم ضده غيابيا أو اعتباري حضوري مع الأمر بالقبض، أو بدونه أين تتخذ النيابة إجراءات قانونية لتنفيذ هذه الأحكام. وعليه سنعالج إجراءات التنفيذ في حالة الموقوفين ثم غير الموقوفين.
1 – تنفيذ العقوبات السالبة للحرية يالنسبة للمحكوم عليه الموقوف:
الموقوف أمام المحكمة هو المتهم الذي أحيل أمامها عن طريق إجراءات التلبس الصادر عن السيد وكيل الجمهورية طبقا للمادتين 59، 338 ق.ا.ج، أو بموجب أمر إحالة صادر عن السيد قاضي التحقيق الذي كان قد أصدر مذكرة إيداع رهن الحبس المؤقت ضده خلال فترة التحقيق، أو بموجب قرار إحالة صادر عن غرفة الإتهام، بعد إعادة تكييف الوقائع من جناية إلى جنحة وكان المتهم موقوف رهن الحبس المؤقت أو بموجب قرار إحالة على محكمة الجنايات صادر عن غرفة الاتهام ونفذ في حقه الأمر بالقبض الجسدي، حيث يستخرج من المؤسسة العقابية بموجب وثيقة استخراج – مؤشر عليها من طرف النيابة- عن طريق الشرطة أو الدرك، ويساق إلى المحكمة يوم الجلسة في وضعية موقوف، وبعد الاستجواب والمرافعات والمداولة، إذا كانت الجهة الناظرة في الدعوى الغرفة الجزائية بالمجلس أو محكمة الجنايات، وصدور الحكم الجزائي القاضي بعقوبة سالبة للحرية ونافذة، يعاد المحكوم عليه إلى المؤسسة العقابية بواسطة القوة العمومية مصحوبا بصحيفة الجلسة، وهي وثيقة رسمية تتضمن أسماء وألقاب المحكوم عليهم ورقم القضية، طبيعة الجنحة ومنطوق الحكم، ويؤشر عليها أمين ضبط الجلسة ووكيل الجمهورية أو النائب العام حسب الجهة المصدرة للحكم. وتستند عليها المؤسسة العقابية لاستقبال الموقوف المحكوم عليه لتطبيق العقوبة بمجرد صيرورة الحكم باتا، أين يقوم أمين الضبط المكلف بمصلحة تنفيذ العقوبات بإعداد المطبوعات اللازمة، ويرسل صورة حكم أو قرار نهائي للمؤسسة العقابية التي يتواجد بها المحكوم عليه بدلا من الضبطية القضائية، وهنا تُطرح تساؤلات حول تاريخ بدء العقوبة السالبة للحرية، ومصير مدة الحبس المؤقت التي قضاها المحكوم عليه قبل صيرورة الحكم الصادر ضده باتا، هذا ما سنحاول توضيحه فيما يلي:

أ/نقطة انطلاق العقوبة السالبة للحرية:
إذا كان الحبس المؤقت يبدأ من ساعة وصول المحكوم عليه إلى المؤسسة العقابية والتي يجب أن تذكر في مذكرة الإيداع التي تكون قد صدرت طبقا للمادة 118 أو 117/2 ق.إ.ج، فإن نقطة انطلاق أو بدء العقوبـة السالبـة للحرية يكـون بتاريـخ اكتساب الحكـم القاضـي بهـا قوة الشيء المقضي فيه لأنه حتى لو كان نهائيا وسجل المحكوم عليه طعنا بالنقض فإنه يبقى في إطار الحبس المؤقت طبقا للفقرة الأخيرة من المادة 499 ق.إ.ج، وما نصت عليه المادة 12 الفقرة الأولى من أمر 72-02 من أن بدء العقوبة يحسب بمذكرة الإيداع في الحبس والتي يذكر فيها ساعة وصول المحكوم عليه إلى السجن فتتعلق بالمحكوم عليهم غير الموقوفين رهن الحبس المؤقت.
ولسائل أن يتساءل أنه إذا كان من المهم تحديد نقطة انطلاق العقوبة السالبة للحرية بالنسبة للحبس والسجن المؤقت لتحديد تاريخ انقضائها، وخروج المحكوم عليه من المؤسسة العقابية، فما الفائدة من تحديدها بالنسبة للسجن المؤبد ؟.
ولنا أن نجيب بالقول أنه يجب أكثر من ذلك تحديدها بالنسبة لعقوبة الإعدام، لأن التشريع الجزائري كغيره من التشريعات المقارنة قد أخذ بنظام العفو عن العقوبة سواء الكلي أو الجزئي الذي يقلص العقوبة –حتى الإعدام- إلى حد تصبح فيه مؤقتة، وبالتالي يصبح الخروج من السجن الذي كان مستحيلا، أملا مرجوا للمحكوم عليه خاصة إذا تقدم بطلب الإفراج المشروط .
ونصت المادة 13 من نفس الأمر على ضرورة مسك المؤسسة العقابية لسجـل يدعــى ” سجل الحبس ” الذي يسجل فيه كل شخص دخل المؤسسة العقابية سواء بموجب حكم نهائي أو أمر إيداع، إذ لا يجوز لأي موظف بالمؤسسة العقابية حبس أي شخص دون أن يكون مصحوبا بأوامر إيداع قانونية أو مستخرج حكم أو قرار نهائي. يتضمن عقوبة وذلك تحت طائلة المتابعة الجزائية بتهمة الحجر التحكمي طبقا للمادة 14 من أمر 72-02، والمنصوص والمعاقب عليها في المادة 110 ق.ع.
-غير أن السؤال الذي يطرح في هذا المقام هو كيف تحدد نقطة انطلاق مدة العقوبة بالنسبة للأشخاص المحبوسين –نتيجة جريمة أخرى- بموجب حكم جزائي سابق ؟
بالقراءة الحرفية لنص المادة 12/3 من أمر 72-02 نقول أنه يبدأ حساب العقوبة من يوم حبس المحكوم عليه بموجب أمر إيداع لأجل الجريمة التي أدت إلى الحكم عليه كون المحكوم عليه المتابع بجريمة أخرى يوضع رهن الحبس المؤقت سواء طبقا للمادة 118 أو 117/2 ق.إ.ج، ولكن المشرع الجزائري قد أخذ بمبدأ تعدد الجرائم ودمج العقوبات الذي يقف عائقا أمام تنفيذ الحكم الجزائي وهو ما سنتطرق إليه في الفصل الثاني، وهذا لا يمنعنا من القول مبدئيا أنه في حالة تعدد العقوبات يكون المحكوم عليه ملزما بتنفيذ العقوبتين شرط أن تكون الأفعال التي حوكم عليها في الأول قد صدر فيها حكم نهائي وبات وعلى هذا الأساس تكون نقطة انطلاق العقوبة الثانية من تاريخ انتهاء العقوبة الأولى.
وتحسب مدة العقوبة المقررة بالسنين من تاريخ حبس المحكوم عليه إلى التاريخ المماثل له من السنة الأخيرة، أما إذا كانت بالشهور فتحسب بعددها بغض النظر عن عدد أيام الشهر وتحسب عقوبة اليوم ب 24 ساعة، والشهر ب 30 يوما، والسنة ب 12 شهرا.

ب/خصم مدة الحبس المؤقت:
يرى الفقهاء أنه من العدل خصم مدة الحبس المؤقت من العقوبة المحكوم بها، لأن الحبس المؤقت يترتب عليه تقييد الحرية كالعقوبات المقيدة للحرية، كما أنه في حالة الحكم بالإدانــة، فالحبس المؤقت يعد تنفيذا معجلا للعقوبة. ومن العدل أن ينتفع بإنقاص العقوبة المحكوم عليـه الـذي

استوفى جزاءه مقدما (1)، وعليه أخذ المشرع الجزائري بخصم مدة الحبس المؤقت (2) في المادة 12 من أمر 72-02 حيث تحسب هذه المدة ابتداء من حبس المحكوم عليه بموجب أمر من العدالة لأجل الجريمة التي حكم عليه من أجلها، واكتفى المشرع بذلك دون إيضاحات أخرى بالرغم من ما تثيره هذه المسألة من إشكالات تتعلق ب:
-التوقيف للنظر الذي تمارسه الضبطية القضائية في إطار صلاحياتها عند مباشرة التحريات والمنصوص عليه في المادة 51 ق.إ.ج، والذي تصل مدته إلى 12 يوما كأقصى حد في الجرائم الموصوفة بأفعال إرهابية أو تخريبية بتطبيق المادة 12 السالفة الذكر نجده لا يخضع لفكرة خصمه من العقوبة كونه لا يعد حبسا مؤقتا ولا يستند إلى أي أمر، غير أننا نرى أنه لا يوجد مانع من النص على خصمه من العقوبة المحكوم بها وخاصة وأنه يقيد حرية المحكوم عليه ويمارسه ضابط الشرطة القضائية الملزم باطلاع وكيل الجمهورية فورا ( 51 ق.إ.ج)
-طبقا للمادة 12 من أمر 72-02 يجب خصم مدة الحبس المؤقت من العقوبة حتى لو لم يستمر المحكوم عليه في الحبس المؤقت لحين صدور الحكم كما لو صدر أمر بالإفراج عنه مؤقتا، كما يجب خصمها إذا أعيد حبسه بعد الإفراج عنه إفراجا مؤقتا أو أعيد السير في الدعوى بعد صدور أمر بأن لاجه للمتابعة لظهور أدلة جديدة (3).
-هل يجوز خصم الحبس المؤقت في القضايا المحكوم فيها بانقضاء الدعوى العمومية أو بالبراءة، أو المحكوم فيها بعقوبة أقل من مدة الحبس المؤقت من العقوبات السالبة للحرية المحكوم بها في قضايا أخرى ؟ فقد يحدث أن يتهم الشخص بعدة جرائم تحبس مؤقتا من أجل واحدة منها ثم يصدر في هذه الجريمة أمر بالبراءة مثلا، بينما يحكم عليه بعقوبات سالبة للحرية عن باقي الجرائم.
ذهب فريق من الفقه إلى اشتراط الارتباط بين الواقعة التي أوجبت الحبس المؤقت والواقعة التي انبنى عليها الحكم بالعقوبة. في حين ذهب فريق آخر إلى اشتراط لخصم مدة الحبس المؤقت من العقوبة المحكوم بها أن يكون متعلقا بالواقعة التي انبنى عليها الحكم بالعقوبة وهو الرأي الذي أخذ به المشرع الجزائري في المادة 12 من أمر 72-02.
وتجدر الإشارة إلى أن الخصم يطبق على كل العقوبات المقيدة للحرية ولا يطبق على العقوبات المالية، وبالتبعية الإكراه البدني باعتباره تنفيذ لعقوبة مالية بخلاف التشريع المصري الذي يأخذ بخصم مدة الحبس المؤقت من مقدار الغرامة فتستنزل مائة قرش من الغرامة المحكوم بها عن كل يوم قضاه المحكوم عيه بالحبس المؤقت (4).

(1)جندي عبد المالك/ الموسوعة الجنائية الجزء الثاني، دار إحياء التراث العربي ص 704.
(2)لا تطبق هذه القاعدة في جريمة الهروب المنصوص عليها في المادة 188 ق.ع.
(3)جندي عبد المالك/ المرجع السابق ص 707.
(4)المادة 23 ق عقوبات مصري، 509 من قانون الإجراءات الجنائية المصري.

2 – تنفيذ العقوبات السالبة للحرية بالنسبة للمحكوم عليه غير الموقوف:

أ/تنفيذ الأحكام الحضورية:
بعد أن يصبح الحكم باتا يحرر أمين الضبط المكلف بمصلحة تنفيذ العقوبات صورة الحكم (قرار) نهائي –كما سبق الإشارة إليه- وترسل للشرطة أو الدرك مرفقة بإرسالية وكليل الجمهورية تحمل عبارة ” لتقديم المعني من أجل التنفيذ “وبعد تقديم المحكوم عليه أمام وكيل الجمهورية، يتأكد هذا الأخير من هويته الكاملة والتي يجب أن تكون مطابقة للحكم المراد تنفيذه، ثم يطالع وكيل الجمهورية مراسيم العفو التالية على تاريخ صيرورة الحكم باتا وقابلا للتنفيذ إن وجدت، ويتأكد من أن المرسوم يتناول كذلك المحكوم عليهم غير المحبوسين، وإلا صرف النظر. فإذا إستفاد المحكوم عليه من المرسوم أشرّ وكيل الجمهورية بذلك على هامش مستخرج الحكم ثم حفظه وأطلق سراح المطلوب، وإذا لم يكن قابلا للاستفادة أشر على هامش مستخرج الحكم بعبارة ” صالح للإيداع “.

ب/تنفيذ الأحكام الغيابية:
تنفيذ الحكم القاضي بالحبس النافذ والصادر غيابيا، حضوريا اعتباريا، حضوريا غير وجاهي من دون تبليغ شخصي للمعني امتثالا للمذكرة الوزارية السالف ذكرها التي حددت أربعة أشهر على الأكثر من تاريخ النطق بالحكم كأجل للتنفيذ بالرغم من بقاء الحكم قابلا للمعارضة والاستئناف. هذا التنفيذ ينطوي على مخاطر كثيرة قد تؤدي إلى حبس الناس تعسفا خلافا لما تقضي به المادة 412 ق.إ.ج وهذا من جراء قيام بعض النيابات عند إلقاء القبض على المعني في دائرة اختصاصها بتحويله مباشرة بعد التأكد من هويته إلى النيابة التي أصدرت صورة الحكم بغض النظر عن المسافة التي تبعد بينهما دون أن تستعمل وسائل الاتصال للتشاور معها وبعد وصوله بعد طول فترة يسجل المعارضة في الحكم الغيابي ويطلق سراحه، في حين نيابات أخرى لا تحول المعني عند القبض عليه بل تلجأ إلى التأشير على هامش صورة الحكم وإيداع المعني مباشرة في المؤسسة العقابية المحلية.
وللحفاظ على حقوق وحريات الأفراد وجب على المكلف بمصلحة تنفيذ العقوبات أن يشير في صورة الحكم المعد عند التنفيذ بالأحمر بعبارة ” غير مبلغ شخصيا ” ثم عند إرفاق هذه الصورة بمراسلة النيابة الموجهة سواء إلى الضبطية أو النيابات الأخـرى الحــرص على ألا تحمل هذه المراسلة عبارة ” للتنفيذ ” بل يجب أن تحمل مراسلة النيابة الجملة التالية “تبليغ المعني بالحكم الصادر ضده وإنذاره بأن له أجل 10 أيام للتقدم أمام المحكمة التي أصدرت الحكم لأجل تسجيل معارضة أو استئناف حسب الحالة وإلا صار الحكم نهائيا وينفذ عليه وفي حالة عدم العثور عليه تحرير محضر بحث بدون جدوى ترجعون إليه عند الحاجة ” (1).

(1) جباري عبد المجيد وكيل الجمهورية المساعد لدى محكمة عنابة دروس ملقاة على طلبة شهادة الكفاءة المهنية للمحاماة بجامعة باجي مختار عنابة (غير منشورة).

أ/الحكم بالحبس النافذ مع أمر إيداع في الجلسة:
-جرت العادة في الميدان أن يحرر القاضي أمر الإيداع قبل النطق بالحكم، وينبه شرطة الجلسة بأخذ الحيطة والحذر من هروب المتهم من قاعة الجلسات. فبمجرد النطق بالحكم القاضي بالإدانة بالحبس النافذ مع أمر إيداع في الجلسة طبقا للمادة 358 من ق.إ.ج، ينفذ الأمر مباشرة بأن تقتاد الشرطة المحكوم عليه مرفقا بأمر إيداع في الجلسة بعد أن يؤشر عليه وكيل الجمهورية بأنه صالح للإيداع إلى المؤسسة العقابية، وله أن يسجل بكتابة ضبطها الطعن في الحكم إن كان يقبل ذلك (الاستئناف أو الطعن بالنقض) ولا يفرج عنه رغم ذلك.

ب/الحكم بالحبس النافذ مع أمر بالقبض:
مباشرة بعد النطق بالحكم يوقع القاضي الذي ترأس الجلسة على الأمر بالقبض يحال على مصلحة أوامر القبض والإحضار أين يقيده أمين الضبط في سجل أوامر القبض. ويرسل نسخا منه مع إرساليات النيابة العامة إلى: المديرية العامة للأمن الوطني، القيادة العامة للدرك الوطني، الشرطة والدرك. وإذا كان المتهم مقيم خارج اختصاص الجهة المصدرة للحكم فيرسل الأمر بالقبض للنيابة المختصة للتنفيذ.
وفي حالة ما إذا ألقي القبض على المتهم يقدم أمام وكيل الجمهورية الذي يتأكد من هويته على محضر سماع، ثم يحرر أمين الضبط المكلف بالمصلحة السالف ذكرها اخطار بالكف عن البحث يوقع من طرف وكيل الجمهورية يرسل للجهات المعنية. وهنا نميز بين حالتين:
-إذا كان الحكم غيابي: يؤشر وكيل الجمهورية على هامش الأمر بالقبض بأنه صالح للإيداع ويعلمه بأن له مهلة 10 أيام للمعارضة، فله أن يسجل معارضته أمام أمين الضبط المكلف بمصلحة المعارضات والاستئنافات (1)، أو يسجلها أمام أمين الضبط القضائي بالمؤسسة العقابية، حينئذ يقوم وكيل الجمهورية بجدولة قضيته في أول جلسة للجنح وخلال أجل أقصاه ثمانية أيام من تاريخ تسجيله للمعارضة (358/5 ق.إ.ج).
-إذا كان الحكم حضوري اعتباري، أو حضوري غير وجاهي: فإن وكيل الجمهورية يبلغ المحكوم عليه بأجل الاستئناف ويؤشر على الأمر بالقبض بأنه صالح للإيداع. ويقوم بالإسراع في إعداد الملف وإرساله إلى السيد النائب العام في أقرب وقت ممكن لحسن سير العدالة وليس مراعاة لآجال معينة، فلا توجد أية آجال خاصة عدا الأجل الوارد في المادة 423/2 ق.ا.ج وهو شهر على الأكثر من تاريخ تسجيل الاستئناف، طبعا إذا ما سجل المحكوم عليه استئنافا سواء أمام المحكمة أو في المؤسسة العقابية التي أودع فيها.

(1) صحيح أن المعارضة تلغي الحكم المعارض فيه لكن الأمر بالقبض يظل واجب النفاذ فوكيل الجمهورية ينفذ في هذه الحالة الأمر بالقبض.

الفرع الثالث: تنفيذ عقوبة الغرامة

نص المشرع الجزائري على الغرامة كعقوبة مالية أصلية في مواد المخالفات والجنح في المادة 5 من ق.ع، ورغم أنه لم ينص عليها في مواد الجنايات ضمن العقوبات الأصلية إلا أنه أوردها في بعض المواد: 161 ق.ع وما يليها والمتعلقة بجنايات متعهدي تموين الجيش. وتعرف بأنها إلزام المحكوم عليه بأن يدفع إلى خزينة الدولة المبلغ المقدر في الحكم، وهي بذلك تشبه الغرامة المدنية (1) من ناحية أن مقدارها معين بمقتضى القانون ويحكم بها لصالح خزينة الدولة إلا أنها تختلف عنها في كون الغرامة المدنية ليست بعقوبة، لأن الأفعال التي تستوجب الحكم بها لا تشكل جريمة كما أنها لا تنفذ عن طريق الإكراه البدني.
ومن جهة أخرى تشبه التعويضات من حيث أن الغاية منها هو إصلاح الضرر الذي لحق بالمجتمع من جراء تصرف المحكوم عليه، غير أنها تختلف عنها في كون قيمتها مقدرة في النص القانوني بصرف النظر عن أهمية الضرر الذي حدث بخلاف التعويضات التي تقدر بحسب ما لحق المضرور من ضرر.
غير أنه وإن كنا قد جزمنا أن عقوبة الغرامة تختلف عن الغرامة المدنية والتعويضات، إلا أننا لا نستطيع جزم ذلك فيما يتعلق بالغرامة الجمركية ويرجع سبب ذلك إلى اختلاف الفقه والقضاء في تحديد الطبيعة القانونية للغرامة الجمركية حول ما إذا كانت عقوبة جزائية أو تعويض مدني، ولا يسعنا المجال هنا لذكر أسانيد كل اتجاه (2)، فقط نشير إلى أن المشرع الجزائري اعتبرها قبل تعديل قانون الجمارك بموجب القانون رقم 98/10(3) في المادة 259/4 منه تعويضات مدنية، لكنه وبعد صدورالقانون 98/10 وإلغاء الفقرة 4 من المادة 259 عدل عن حكمه والتزم الصمت، ومع ذلك اعتبرالقضاء بأن الغرامة الجمركية تتسم بصفتين، صفة العقوبة وصفة التعويض عن الضرر اللاحق بالخزينة العامة (4)

إجراءات تنفيذها:
لا تكون الأحكام الجزائية الصادرة بالغرامة قابلة للتنفيذ إلا إذا حازت قوة الشيء المقضي فيه وهو ما نصت عليه المادة 597/2 ق.إ.ج، والمادة 8/1 من الأمر 72-02 (5) وتتولى إدارة الضرائب تحصيل الغرامات بمجرد تلقيها جداول الإرسال المتضمنة لملخصات الأحكام النهائية والمدونة فيها الغرامات المحكـوم بها والمصاريف القضائيـة كما سبق الإشارة إليـه في المبحث الأول. حيث تقوم

(1)ومثال الغرامة المدنية ما نصت عليه المادة 565 ق.إ.ج بقولها: « كل قرار برفض طلب رد قاضي يقضي فيه بإدانة الطالب بغرامة مدنية من ألفين إلى خمسين ألف دج وذلك بغير إخلال بالعقوبات المستحقة في حالة ما إذا قدم طلب عن سوء نية بقصد إهانة القاضي».
(2)للاطلاع أنظر د/أحسن بوسقيعة، المنازعات الجمركية الطبعة الثانية، النخلة 2001، ص 324.
(3)القانون رقم 98/10 المؤرخ في 22 غشت 1998 المعدل والمتمم للقانون 79-07 المؤرخ في 21 يوليو 79.
(4)قرار 03/01/1993 في الملف رقم 85084 عن غرفة الجنح والمخالفات، المجلة القضائية العدد 3 لسنة 1994، ص265.
(5) بخلاف التشريع المصري الذي نص في المادة 463 من ق.إ.ج على أن الأحكام الصادرة بالغرامة تكون واجبة النفاذ حتى مع حصول استئنافها، بمعنى أن الاستئناف لا يوقف التنفيذ.
بتوجيه تنبيه بالوفاء للمحكوم عليه طبق لما نصت عليه المادة 604 ق.إ.ج. وللمحكوم عليه أن يدفع المبلغ المحدد في التنبيه بالوفاء اختيارا، وبذلك يتخلص من التزامه وإذا رفض ذلك لمدة تزيد على عشرة أيام فتباشر ضده إجراءات تنفيذ الإكراه البدني.
لكن وباستقراء المادة 597/2 ق.إ.ج التي تنص على أنه ” ويعتبر مستخرج الحكم بالعقوبة سندا يسوغ بمقتضاه متابعة استخلاص الأداء بكافة الطرق القانونية من مال المحكوم عليه “. وعبارة كافة الطرق القانونية عبارة شاملة يدخل ضمنها طرق التنفيذ المدنية الجبرية ومنها التنفيذ على ممتلكات المحكوم عليه بطريق حجز ما للمدين لدى الغير م 355 ق.إ.م الحجز على المنقول المادة 369 ق.إ.م الحجز العقاري 379 ق.إ.م، فالغرامة تعتبر من يوم الحكم بها دينا في ذمة المحكوم عليه (1) اتجاه الخزينة العمومية فنرى أنه يجوز تحصيله بكافة الطرق القانونية.
ونظرا للمشاكل التي تعترض إدارة الضرائب في تحصيل الغرامات بسبب كثرة الأحكام القاضية بالغرامة الخاصة في مواد المخالفات، ولعدم وصول الاستدعاءات لأصحابها وللإسراع في تنفيذ الأحكام الجزائية وتفادي سقوط الغرامات بالتقادم فإن إدارة الضرائب تلجأ للإكراه البدني كطريق لضمان تنفيذ هذه الأحكام وهو ما سنتناوله في الفقرة الموالية.

الإكراه البدنــي:
نص عليه المشرع الجزائري في المواد 597 إلى 611 ق.إ.ج مبينا أهم أحكامه من تحديد مدته وحالات تطبيقه ووسائله وتوقيف تنفيذه.
أجاز المشرع الجزائري تنفيذ الغرامة والمبالغ المستحقة للخزينة العمومية عن طريق الإكراه البدني إذا لم يدفعها المحكوم عليه اختيارا، ويكون التنفيذ بالإكراه البدني جوازيا وهو ما يستشف من نص المادة 599 ق.إ.ج ويتم بحبس المحكوم عليه المدين للخزينة العمومية أو للطرف المدني في مؤسسة عقابية وهو بهذا يكون:
-طريق غير مباشر للتنفيذ ووسيلة ضغط على المحكوم عليه واختبار قدرته على الدفع، من شأنه حمل ذوي اليسر من المحكوم عليهم الذين يخفون أموالهم على إظهارها، ودفع ما عليهم، وهو ما يفهم من نص المادة 599/2 ق.إ.ج التي تقضي بأن الإكراه البدني لا يسقط بأي حال من الأحوال الالتزام الذي يجوز أن تتخذ بشأنه متابعات لاحقة بطرق التنفيذ العادية.
-هو حبس مؤقت فلولاه لكان المعسر المحكوم عليه في مأمن من العقاب على جريمة معاقب عليها بالغرامة فقط وبهذه الصفة يكون طريق من طرق تنفيذ الغرامة عند عدم دفعها.

مدتــه:
طبقا للمادة 600 ق.إ.ج تحديد مدة الإكراه البدني إلزامي بقوة القانون فالقاضي ملزم بتحديدها وإذا سهى عن ذلك فلا يؤثر على سلامة الحكم أو القرار(2) ويجـوز لكل ذي مصلحـة الحق في رفع

(1)د/مأمون محمد سلامة: المرجع السابق ص 668.
(2) قرار المحكمة العليا الصادر بتاريخ 12/01/1988 في الملف 44231 المجلة القضائية 1990 العدد 4 ص 248.
الأمر إلى الجهة القضائية المختصة الفاصلة في الموضوع لتستكمل حكمها طبق للمادة 371 ق.إ.ج، غير أنه ليس للقاضي أن يعفي منه المحكوم عليه أو يفيده بظروف التخفيف أو التشديد. ويكون تحديدها طبقا للمادة 602 ق.إ.ج على أساس مجموع المبالغ المالية المحكوم بها على أن لا يتجاوز حدها الأقصى في المخالفات شهرين وفي مواد الجنايات والجنح لا تتجاوز سنتين.
وما يلاحظ على هذا التحديد الذي وضع بموجب الأمر 66 – 155 الصادر في 8 يونيو 1966 أنه لم يعد يتماشى مع قيمة الدينار الجزائري من جهة، ومع الغرامات المالية المنصوص عليها في قانون العقوبات والتي عرفت معظمها تعديلات آخرها كانت بموجب قانون 01-03 المؤرخ في 26 يوليو2001 حيث يمكن أن يصل الحد الأقصى للغرامة مبلغ 2000.000 دج (المادة 119 ق.ع)، 2.500.000 دج (144 مكرر 1 ق.ع) ونصت بعض القوانين الخاصة كالقانون البحري على غرامة جنحة اختلاس حطام ذي طابع تاريخي تصل 5.000.000 دج (المادة 490-3 منه) فمن اللاعدل ومن غير المعقول أن تكون مدة الإكراه البدني لحكم قضى بالغرامة الواردة في المادة 144 مكرر 1 مثلا نفسها بالنسبة للحكم القاضي بغرامة 8 آلاف دينار جزائري. فيجدر بالمشرع الجزائري أخد ذلك بعين الاعتبار وإعادة النظر في تحديد مدة الإكراه البدني.

الأشخاص المطبق عليهم:
كقاعدة عامة يطبق على المحكوم عليه نهائيا فاعلا أصليا، كان أو شريكا في جناية أو جنحة أو مخالفة من القانون العام يدان من أجلها ويحكم عليه علاوة على العقوبات الأصلية بالغرامة المالية المصاريف القضائية والتعويضات المدنية، ويطبق عليه أيضا إذا كان محكوم عليه من أجل متابعات على أساس تشريعات خاصة كالتشريع الضريبي، والتشريع الجمركي طبقا للمادة 293/3 من قانون الجمارك المعدل والمتمم بالقانون 98-10 والتي تنص على أنه: ” يمكن تنفيذ الأحكام والقرارات المتضمنة حكما بالإدانة والصادرة عن مخالفة جمركية بالإكراه البدني طبق لأحكام ق.إ.ج” غير أنه واستثناء من القاعدة العامة لا يجوز للقاضي الحكم بالإكراه البدني وتطبيقه في بعض الجرائم و على بعض الأشخاص وهذا في حالات حصرية حددتها المادة 600/2 ق.إ.ج:
-قضايا الجرائم السياسية.
-الحكم بعقوبة الإعدام أو السجن المؤبد.
-إذا كان عمر الفاعل يوم ارتكاب الجريمة يقل عن 18 سنة وهذا ما يجعل تنفيذ الغرامة الصادرة ضد الحدث صعب لأنها تصدر تحت ضمان المسؤول المدني.
-إذا ما بلغ المحكوم عليه الخامسة والستين من عمره.
-ضد المدين لصالح زوجه…
-ضد الزوج وزوجته في آن واحد.
والحكم بالإكراه البدني في حالة من هذه الحالات يكون وجها جديا من أوجه الطعن بالنقض.
وباعتبار الإكراه البدني يكون عن طريق الحبس فلا يجوز مباشرته إلا ضد مرتكب الجريمة الذي ثبتت مسؤوليته عن الجريمة واستوجب العقوبة المقررة، وعملا بمبدأ شخصية العقوبة فإن الإكراه البدني لا يطبق على المسؤول المدني، وورثة المحكوم عليه المكره بدنيا، أضف إلى ذلك عدم جواز تطبيقه بالنسبة للمحكوم عليه بغرامة مدنية كالشهود طبقا للمادة 97 ق.إ.ج، وكذا الشخص الإعتباري المحكوم عليه بغرامة كالنشرية وفقا للمادة 144 مكرر 1 ق.ع.

إجراءات تنفيــذه:
-عند استنفاذ طرق التنفيذ العادية ولم يكن للمحكوم عليه أموال كافية لتغطية الدين من الغرامة والمبالغ المستحقة الأخرى، تقوم مصلحة الضرائب أو إدارة الجمارك أو الطرف المدني بتقديم طلب الحبس إلى السيد وكيل الجمهورية هذا الأخير وحسب وضعية المحكوم عليه يقوم:
-إذا كان المحكوم عليه حرا: يصدر أمرا بالقبض إلى القوة العمومية هذه الأخيرة تقوم باقتياده إلى وكيل الجمهورية الذي يتأكد من هويته ويؤشر على الأمر بأنه صالح للإيداع ثم يقتاد إلى المؤسسة العقابية لقضاء مدة الإكراه البدني.
-إذا كان محبوسا: يوجه وكيل الجمهورية أمرا إلى المشرف رئيس المؤسسة إعادة التربية بإبقائه فيها طبقا للمادة 605 ق.إ.ج (1) .
غير أنه يمكن وقف تنفيذ الإكراه البدني في الحالات التالية:
أ/إذا أثبت المحكوم عليه عسره الحالي بتقديم شهادة فقر مسلمة من رئيس المجلس الشعبي البلدي، أو شهادة الإعفاء من الضرائب يسلمها له قابض الضرائب التابع له (2)، لكن ماذا عن إدارة الجمارك التي يجوز لها طلب تنفيذ الإكراه البدني بالنسبة للغرامة الجمركية ؟ وخاصة وأن المادة 299 من قانون الجمارك تضمنت تطبيق الإكراه البدني المسبق حيث نصت على أنه: ” يحبس كل شخص حكم عليه لارتكابه عمل التهريب إلى أن يدفع قيمة العقوبات المالية الصادرة ضده وذلك بغض النظر عن كل استئناف أو طعن بالنقض … “.
وإثبات المحكوم عليه عسره لا يمنع وكيل الجمهورية أن يجري بحثا اجتماعيا عليه للتأكده من عسره المالي أو يسره حتى يتسنى له أخذ القرار الملائم بالإكراه البدني أو وقف تنفيذه، غير أنه لا يجوز وقف تنفيذ الإكراه البدني بالنسبة للأشخاص الذين حكم عليهم بسبب جنحة أو جناية اقتصادية (3).
ب/تدارك المحكوم عليه بدفع مبلغ ديونه من أصل ومصاريف قضائية، وفي هذه الحالة يتم الإفراج عنه من قبل وكيل الجمهورية بعد التحقق من آداء الديون طبقا للمادة 609 ق.إ.ج.
ج/دفع مبلغ من أصل الدين والمصاريف القضائية غير أن المشرع لم يحدد نسبة هذا المبلغ بالمقارنة مع المبلغ الأصلي، وهو ما يستشف من المادة 610 ق.إ.ج. ويجوز مباشرة الإكراه البدني من جديد على المحكوم عليه إذا لم يسدد المبلغ المتبقي من الدين وذلك بالنسبة لمقدار هذا المبلغ، ولم يحدد المشرع أيضا المهلة التي يجب أن يسدد فيـها المحكوم عليه ما تبقى له من أصل ومصاريف قضائية،
والأرجح أن تحدد المهلة عند الإفراج عنه طبقا للمادة 609 ق.إ.ج.

(1) لكن ماهو جاري به العمل في الميدان هو أن كل من وكيل الجمهورية والضبطية القضائية (شرطة، درك) يمنحان أجلا للمحكوم عليه لتنفيذ ما عليه من دين لتفادي تنفيذ الإكراه البدني.
(2)،(3) المادة 603 ق.إ.ج.
ولا يجوز مباشرة الإكراه البدني (1) من أجل أحكام لاحقة لتنفيذه ما لم تكن هذه الأحكام تستلزم بسبب مجموع مبالغها مدة إكراه أطول من المدة التي تم تنفيذها على المحكوم عليه، وهنا يتعين إسقاط مدة الحبس الأول من الإكراه الجديد (المادة 611 ق.إ.ج).
ولعل ما يعطل إجراءات التحصيل الجبرية هذه – الإكراه البدني- هو إجبار مديرية الضرائب في حالة طلب الإكراه البدني توجيه طلبها إلى الجهة القضائية مصدرة الحكم الجزائي القاضي بعقوبة الغرامة بينما المصالح المختصة بالتحصيل هي تلك المتواجدة في محل إقامة المحكوم عليه على الرغم من أن هذا الإجراء يبطل مفعوله بمجرد دفع الغرامة.
وما يمكن اقتراحه في مجال تنفيذ الغرامة ما يلي:
1)خصم مدة الحبس المؤقت من الغرامة: إذا كان القانون يجيز تنفيذ الغرامة بطريق الإكراه البدني على نحو ما بيناه أعلاه بحبس المحكوم عليه، فلماذا لا نجيز بخصم مدة الحبس المؤقت التي قضاها المحكوم عليه من عقوبة الغرامة المحكوم بها منفردة، أو مع عقوبة سالبة للحرية مشمولة بوقف التنفيذ، أو لم تستنفذ كل مدة الحبس المؤقت إذا كانت نافذة، بمعنى أنه متى جاز تحويل الغرامة إلى الحبس، وكان الحبس المؤقت يخصم من العقوبات السالبة للحرية، فمن باب أولى أن يخصم الحبس المؤقت من الغرامة وينفذ الإكراه البدني فقط للمدة المتبقية بعد خصم الحبس المؤقت(2).وعليه حبذا لو أخذ المشرع الجزائري بهذه القاعدة ونص على استنزال مبلغ محدد عن كل يوم قضاه المحكوم عليه في الحبس المؤقت، ويكون تحديد هذا المبلغ بالنظر إلى تحديد مدة الإكراه البدني بالنسبة لمبلغ الغرامة.
2)استبدال الإكراه البدني بالعمل للمنفعة العامة: حقيقة أن الإكراه البدني وسيلة فعالة لإجبار المحكوم عليهم بأداء العقوبات المالية، إلا أن مساوءه أكثر من إيجابياته، إذ يشجع المكرهين بدنيا على الانحراف باختلاطهم في المؤسسات العقابية مع المحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحرية، وأنه يدفعهم إلى اتباع وسائل غير مشروعة كالسرقة للحصول على أموال لتسديد ديونهم لتفادي تنفيذ الإكراه البدني عليهم. ومن جهة أخرى يجعل إدارة المؤسسة العقابية تصرف مبالغ مالية كبيرة للتكفل بطعامهم ونومهم وعلاجهم، فلا يعقل أن تصرف عليهم أموال لأنهم لم يستطيعوا الوفاء بديونهم، لهذه الأسباب وغيرها نقترح استبدال الإكراه البدني بالتشغيل للمنفعة العامة، وهذا تماشيا مع التوصيات التي قدمها السيد رئيس الجمهورية في خطابه بمناسبة افتتاح السنة القضائية 2003/2004 بالمحكمة العليا يوم 22/12/2003 والتي من بينها استبدال عقوبة الحبس قصير المدة والتي تقل عن 3 سنوات بالشغل لصالح المنفعة العامة فلما لا نطبق ذلك أيضا على الإكراه البدني وخاصة وأن المدة الأقصى له هي سنتان.

(1) لم يعد يطبق الإكراه البدني في المواد المدنية كون الجزائر صادقت بموجب المرسوم الرئاسي رقم 89/167 بتاريخ 16/05/1989 على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية المعد من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة وتم التوقيع عليه من قبل ممثلي الدول الأطراف في 16/12/1966 والذي أصبح ساري المفعول في 23/03/1976 حيث نص في المادة 11 منه :” لا يجوز سجن أي إنسان على أساس عدم قدرته على الوفاء بإلتزام تعاقدي”.
(2) أخذ المشرع المصري بهذه القاعدة في المادة 509 قانون إجراءات جنائية.

المطلب الثاني: تنفيذ العقوبات التبعية

حصر المشرع الجزائري العقوبات التبعية في الحجر القانوني والحرمان من الحقوق الوطنية، وربطها بصدور الحكم على الجاني يقضي بعقوبة جنائية طبق للمادة 6 من ق.ع. أي يكون الحكم بالإعدام أو السجن المؤبد أو المؤقت. فالعبرة في تطبيق العقوبات التبعية هي بالعقوبة المحكوم بها، لا بوصف الجريمة، وبالرغم من أن هذه العقوبات تطبق بقوة القانون ولا تحتاج إلى إيرادها في الحكم والنطق بها، إلا أنه ارتأينا التطرق إلى كيفية تنفيذها.

الفرع الأول: تنفيذ عقوبة الحجر القانوني

عرفت المادة 7 ق.ع الحجر القانوني بأنه حرمان المحكوم عليه أثناء تنفيذ العقوبة الأصلية من مباشرة حقوقه المالية، وتدار أمواله طبقا للأوضاع المقررة في الحجر القضائي (1).
وتنفذ عقوبة الحجر القانوني بالتوازي مع تنفيذ العقوبة الأصلية فتبدأ ببداية تنفيذ العقوبة الأصلية وتنتهي بانقضائها، وأثناء هذه الفترة يحرم عليه ممارسة حقوقه المالية والقيام بالتصرفات القانونية كإبرام العقود (بيع، هبة، وصية..إلخ)، فإن مارسها فلا يعتد بها القانون واعتبرها باطلة، وهذا ما أكدته المحكمة العليا في إحدى قراراتها (2) حيث نقضت قرار المجلس الذي رفض دعوى المحكوم عليه بعقوبة جنائية الرامية إلى إبطال البيع الذي أنجزه أثناء تنفيذ العقوبة الجنائية.

الفرع الثاني: الحرمان من الحقوق الوطنية

عددت المادة 8 ق.ع الحقوق الوطنية التي يحرم منها المحكوم عليه بعقوبة جنائية ويتعلق الأمر بالعزل من الوظائف والمناصب السامية في الحزب أو الدولة، والحرمان من الحقوق السياسية، وعدم الأهلية لتولي مهام محلف أو خبير أو وصي أو ناظر، والحرمان من الوظائف المتصلة بالتعليم، والحرمان من الحق في حمل الأسلحة.
وتنفيذ مثل هذه العقوبات لا يحتاج إلى إجراءات مادية وإنما تطبق بقوة القانون، وعلى سبيل المثال عقوبة الحرمان من حق الانتخابات فتطبق بتطهير القوائم الانتخابية عن طريق قيام رئيس أمناء الضبط على مستوى كل مجلس قضائي بتقييد جميع المحكوم عليهم بالإدانة وعقابهم بعقوبة جنائية بعد انتهاء كل دورة جنائية في جدول يرسل للسيد النائب العام، الذي يؤشر عليه ويرسله بدوره للجهات المختصة هي المجالس الشعبية البلدية مكان إقامة المحكوم عليهم باعتبار القوائم الانتخابية تعد بالنظر لمكان الإقامة، أين يقوم المسؤول على ذلك بحذف أسمائهم من القوائم الانتخابية.

(1) المواد 101 إلى 107 من قانون 48/11 المؤرخ في 09/06/1984 المتضمن قانون الأسرة.
(2) قرار 29/06/1986 في الملف رقم 43476 الغرفة المدنية المجلة القضائية العدد الأول 1993، ص 14.
وبالنسبة للحرمان من حق الترشح وعدم الأهلية لتولي مهام محلف أو خبير أو وصي أو ناظر والحرمان من تولي الوظائف المتصلة بالتعليم، فكل هذه الوظائف تتطلب للتسجيل فيها تقديم ملف للالتحاق بالوظيفة يتضمن بالخصوص صحيفة السوابق القضائية رقم 3، وكذا للإدارات التي سيلتحق بها أن تطلب صحيفة السوابق القضائية رقم 2. وطالما هذه الصحيفة مسجلة فيها العقوبة الجنائية باعتبارها نسخة ثانية طبق الأصل للقسيمة رقم1 التي يحررها أمين الضبط المكلف بمصلحة تنفيذ العقوبات، فإن ملفه سيرفض ويقصى من الترشح للوظيفة المتقدم إليها.
وإذا كان المشرع الجزائري قد حدد مدة الحجر القانوني وذلك بالتوازي مع تنفيذ العقوبة الأصلية فالأمر يختلف بالنسبة للحرمان من الحقوق الوطنية من حيث المدة، كون المشرع لم يحدد أجلا لتطبيق هذه العقوبة كما كان عليه الحال قبل صدور قانون 82-04 المؤرخ في 13 فبراير 1982 المعدل والمتمم لقانون العقوبات، حيث حددت الفقرة الأخيرة من المادة الثامنة قبل إلغائها بموجب القانون المذكور أعلاه مدة تطبيق الحرمان من الحقوق الوطنية في مواد الجنايات ب 10 سنوات ابتداء من تاريخ الإفراج عن المحكوم عليه. وأمام هذا الفراغ يثور التساؤل حول مدة الحرمان من الحقوق الوطنية، فهل أراد المشرع إلغاء المدة المؤقتة لتحل محلها المدة المؤبدة وتطبق العقوبة مدى الحياة ؟، أم أنه أراد بإلغائه هذا حصر العقوبة في مرحلة تنفيذ العقوبة الأصلية؟ كما هو الحال بالنسبة للحجر القانوني، أم أن هذه الفقرة لم يطلها التعديل وسقطت سهوا ؟
بالنسبة للاحتمال الأول مستبعد كون المشرع نص على هذه العقوبات كعقوبة تكميلية في مواد الجنح وحدد مدتها بخمس سنوات (المادة 14 ق.ع)، ومن جهة أخرى فإن القضاء الفرنسي قضى بأن عدم تحديد مدة عقوبة الحرمان من الحقوق الوطنية يجعلها عقوبة مؤبدة وهي عقوبة غير شرعية (1) . كما أن الاحتمال الثاني يفرغ عقوبة الحرمان من الحقوق الوطنية من محتواها إذ ما الفائدة التي ترجى منها إذا كان تنفيذها محصورا في المدة التي يكون فيها المحكوم عليه في المؤسسة العقابية.
إذا يبقى الاحتمال الأخير وهو الأقرب للصواب وذلك لعدة اعتبارات منها طبيعة العقوبة التي يجب أن تكون محددة المدة، وضرورة الأخذ بالتفسير الأصلح للمتهم في حالة غموض النص أو وجود فراغ، علاوة على كون الحجر القانوني وهو العقوبة التبعية الأخرى محددة المدة. كما أن المشرع تدارك الأمر وحدد في الأمر رقم 95-11 المتمم والمعدل لقانون العقوبات مدة العقوبات التبعية المقررة في الجنايات الإرهابية بسنتين إلى عشر سنوات (2).
وعليه يتعين على المشرع سد الفراغ القانوني الذي أحدثه بموجب القانون 82-04 السالف الذكر و تحديده مدة العقوبات التبعية المتعلقة بالحرمان من الحقوق الوطنية وجعلها تبدأ من تاريخ الإفراج عن المحكوم عليه.

(1) Bulletin n° 90.1995 -3-1 Crim. عن د/بوسقيعة أحسن: المرجع السابق ص 230
(2) المادة 87 مكرر9 من الأمر 95-11 المؤرخ في 25/02/1995 المعدل والمتمم لقانون العقوبات.

المطلب الثالث : تنفيذ العقوبات التكميلية

ترتبط العقوبات التكميلية بالعقوبات الأصلية، إذ لا يحكم بها مستقلة عن عقوبة أصلية ولا تلحق بها تلقائيا كما تلحق العقوبات التبعية بالعقوبات الجنائية، بل يجب أن ينطق بها القاضي للقول بوجودها، وقد أوردها المشرع في المادة 9 ق.ع وهي: تحديد الإقامة، المنع من الإقامة، الحرمان من مباشرة بعض الحقوق، المصادرة الجزئية للأموال، حل الشخص الاعتباري ونشر الحكم. وعرف كل عقوبة على حدى في المواد من 11 إلى 18 من نفس القانون.
وعليه سنتناول إجراءات تنفيذ كل عقوبة على حدى في فرع مستقل، ولتفادي التكرار لن نتطرق لعقوبة الحرمان من مباشرة بعض الحقوق كونها نفسها العقوبة المنصوص عليها في المادة 8 ق.ع كعقوبة تبعية والتي سبق الإشارة إليها في المطلب السابق، فقط نشير إلى أنها محددة المدة حيث لا تتجاوز خمس سنوات.

الفرع الأول : المنع من الإقامة وتحديد الإقامة

ارتأينا دراستهما تحت فرع واحد نظرا لتشابههما الكبير من حيث طبيعتهما وإجراءات تنفيذهما فكلاهما عقوبة تكميلية نص عليهما المشرع الجزائري في المادة 12 ق.ع ويختلفان في مضمونهما وعليه سنطرق لتعريفهما ثم إلى إجراءات التنفيذ.

أولا: تعريفهما:
يعرف المنع من الإقامة بأنه الحظر على المحكوم عليه أن يتواجد في بعض الأماكن مؤقتا، وتكون المدة القصوى لهذا الحظر خمس سنوات في الجنح و عشر سنوات في الجنايات ما لم ينص القانون على خلاف ذلك (12 ق.ع). ولا يبدأ سريان الحظر إلا من يوم الإفراج عن المحكوم عليه وبعد تبليغه بقرار المنع من الإقامة، وكونها عقوبة تكميلية فالأصل فيها أنه لا يحكم بها مستقلة عن عقوبة أصلية (1) غير أن المشرع خرج عن هذه القاعدة في المادة 92 ق.ع وأجاز الحكم بالمنع من الإقامة على الجاني الذي إستفاد من عذر فهل تعتبر هنا عقوبة أصلية رغم عدم ورودها في باب العقوبات الأصلية ؟ هذا من جهة ومن جهة أخرى فقد يطبق المنع من الإقامة بقوة القانون دون حاجة للنص عليه في الحكم القاضي بالإدانة كما هو الحال في المادة 613 فقرة 2،3 ق.إ.ج حيث تنص الفقرة 2 : ” ويخضع المحكوم عليه الذي تقادمت عقوبته بقوة القانون طيلة مدة حياته لحظر الإقامة في نطاق إقليم الولاية التي يقيم بها المجني عليه في الجناية أو ورثته المباشرون “، كما نصت الفقرة 3 : ” كما يخضع المحكوم عليه بعقوبة مؤبدة إذا تقادمت عقوبته بقوة القانون لحظر الإقامة مـدة خمس سنوات اعتبارا من تاريخ اكتمال مدة التقادم ” فهـل يمكن اعتبارها في هذه الحالة تدبير

(1) الفقرة الأخيرة من المادة 4 من قانون العقوبات
وقائي باعتبار أن تدابير الأمن هدفها وقائي، والحكمة من سن المنع من الإقامة هنا هو منع وتفادي العود وأن المادة الأولى من المرسوم 75-156 (1) نصت على أن «قرار الحظر من الإقامة يتخذه وزيـر الداخليـة بناء على الحكـم القضائـي الذي أمـر بالتدبير» مع العلم أنها لم ترد في باب تدابير الأمن ؟
ومن جهة ثالثة هل يمكن اعتبارها عقوبة تبعية كونها تطبق بقوة القانون ولأنها واردة في المادة 613 من ق.إ.ج المتعلقة بتقادم الأحكام الصادرة من محكمة الجنايات مع أنها لم يرد ذكرها في باب العقوبات التبعية ؟ أمام هذه التساؤلات نرى أنه على المشرع التدخل وحسم الأمر في ذلك.
وتعرف عقوبة تحديد الإقامة بأنها إلزام المحكوم عليه بالإقامة في منطقة يعنيها قرار تحديد الإقامة لمدة لا تفوق 5 سنوات بدء من يوم انقضاء العقوبة الأصلية أو الإفراج عن المحكوم عليه (المادة 11 ق.ع) والمتصفح لقانون العقوبات يجد أن المشرع لم يحدد نوعية الجرائم التي يجوز فيها الحكم بتحديد الإقامة كما أنه لم يتضمن أي نص يشير إلى هذه العقوبة وهذا ما جعل الحكم بها نادر جدا إن لم نقل لم يحدث.

ثانيا: إجراءات تنفيذها:
حددها الأمر رقم 75-80 المؤرخ في 15 ديسمبر 1975 المتعلق بتنفيذ الأحكام القضائية الخاصة بحظر وتحديد الإقامة وكذا المراسيم التطبيقية له وهي المرسوم رقم 75-155 المتعلق بتحديد الإقامة، والمرسوم رقم 75-156 المتعلق بحظر الإقامة. وبناء عليهما سنتناول إجراءات تنفيذ عقوبة الحظر من الإقامة كنموذج لتشابههما مع إجراءات تحديد الإقامة ويمكن تلخيصها فيما يلي:
1-إخطار وزير الداخلية: فبمجرد أن يكون الحكم القضائي الذي أمر بالمنع من الإقامة واجب التنفيذ يبلغ إلى وزير الداخلية بسعي من نيابة الجهة القضائية المصدرة له وإذا كان المحكوم عليه بالحظر من الإقامة محبوسا يقوم رئيس المؤسسة العقابية في الحين أو قبل الإفراج على المحكوم عليه بستة أشهر بتكوين ملف المنع من الإقامة (2) ويرسل إلى وزير الداخلية.كما أن وزير العدل يشعر وزير الداخلية بكل استبدال وتخفيض عقوبة وبكل إفراج مشروط إستفاد به مسجون حكم عليه بعقوبة حظر الإقامة التكميلية.
ويعرض وزير الداخلية الملف على اللجنة الاستشارية التي حددت المادة 6 من نفس المرسوم أعضاءها، وتقترح قائمة الأماكن التي يمكن منع الإقامة فيها على المحكوم عليه وتدابير المراقبة والحراسة التي سيخضع لها طيلة مدة الحظر، وتدابير المساعدة التي يمكن أن يستفيد منها، وبناء على هذه الاقتراحات يتخذ وزير الداخلية قرار الحظر من الإقامة.

(1) المرسوم 75-156 المؤرخ في 15/12/1975 المتعلق بحظر الإقامة.
(2) حددت المادة 3 من الأمر 75-156 المؤرخ في 15/12/1975 الوثائق التي يتضمنها الملف.
2- تبليغ القرار: يبلغ وزير الداخلية نسخة من القرار إلى الوالي الذي يعد بطاقة التعريف القانونية والدفتر الخاص بتحقيق الشخصية (1) للمحكوم عليه وهنا نميز بين حالتين :
-إذا كان المحكوم عليه محبوسا يرسل الوالي الوثائق لمدير المؤسسة العقابية الذي يبلغه قرار الحظر ويسلمه الدفتر الخاص بتحقيق الشخصية وبطاقة التعريف عند الإفراج عنه، أما في حالة ما إذا أفرج عنه قبل تبليغه بقرار وزير الداخلية فعليه إبلاغ مدير المؤسسة العقابية بالمكان الذي ينوي الاستقرار فيه، وهنا يقوم مدير المؤسسة بإرسال كافة الوثائق المتعلقة بالمحكوم عليه للوالي الذي يقع في دائرة اختصاصه المكان الذي ينوي المفرج عنه الإقامة فيه، ويحيطه علما بأنه حكم عليه بحظر الإقامة غير أنه لم يبلغ بعد بالقرار، وعلى الوالي إشعار وزير الداخلية. وفي حالة عدم اتخاذ هذا القرار خلال شهرين من استلام الوثائق يسلم للمحكوم عليه وثائقه الخاصة المرسلة إليه. وهنا يطرح التساؤل حول مهلة الشهرين المشار إليها ما إذا كانت المهلة مسقطة لعقوبة الحظر من الإقامة ؟.
-إذا كان المتهم غير محبوس كأن لم يتعرض لعقوبة سالبة للحرية أو كان الحكم مشمولا بوقف التنفيذ، أو أن الحبس المؤقت استغرق العقوبة السالبة للحرية (2) ، أو أن وزير الداخلية اتخذ القرار في مهلة الشهرين بالنسبة للمحكوم عليه المفرج عنه قبل اتخاذ قرار الحظر من الإقامة، فإن تبليغ قرار الحظر من الإقامة وتسليم الدفتر الخاص بتحقيق الشخصية يكون بسعي من الوالي وبواسطة مصالح الشرطة أو الدرك الوطني (المادة 17 من المرسوم 75-156).

3 – مدة ونقطة انطلاق عقوبة المنع من الإقامة: طبقا للمادة 12 ق.ع فإن المدة القصوى للمنع من الإقامة هي خمس سنوات في الجنح و عشر سنوات في الجنايات، ويؤخذ بعين الاعتبار في تحديدها طبيعة الجريمة لا طبيعة العقوبة، غير أنه واستثناء لا يملك القاضي سلطة تقريـر المنع من الإقامة أو تحديد مدتها في الحالة التي تكون فيها هذه العقوبة إجراء بديل لعقوبة أصلية (المادة 613/2،3 من ق.إ.ج) فتكون عقوبة المنع من الإقامة مؤبدة إذا تقادمت العقوبة الجنائية، وتكون خمس سنوات إذا كانت العقوبة مؤبدة وحصل استبدالها أو تخفيضها وأفرج عن المحكوم عليه ما لم يأمر قرار الإعفاء بخلاف ذلك (3).

وفيما يتعلق بنقطة انطلاق عقوبة المنع من الإقامة فتختلف حسب الحالات:
أ/ من تاريخ الإفراج عن المحكوم عليه (7 من الأمر75/80) وبلغ له قرار الحظر، وإذا لم يبلغ له فتخصم المدة الجارية بين تاريخ الإفراج وتاريخ التبليغ من مدة حظر الإقامة ما لم ينص قرار الحظر على خلاف ذلك.
ب/ من تاريخ تبليغ قرار الحظر إذا لم يكن محبوسا (المادة 10 من الأمر 75-80 ).
ج/ من تاريخ اكتمال مدة التقادم طبقا للمادة 613/3 ق.إ.ج، ويفهم من استقراء نص هذه المادة أنه إذا

(1)حددت المادة 12 من الأمر 75-156 المعلومات الواردة فيه.
(2)المادة 10 من الأمر 75-80.
(3) المادة 1 من الأمر 75-80.

تجاوزت المدة بين تاريخ اكتمال التقادم وتاريخ إلقاء القبض على المحكوم عليه خمس سنوات فإن عقوبة الحظر من الإقامة تسقط.
وتجدر الإشارة إلى أنه يجوز إرجاء أو إيقاف قرار حظر الإقامة بمقتضى قرار صادر عن وزير الداخلية، والمدة التي يستفيد منها المحكوم عليه تحسب في مدة الحظر عدا في حالة وقف القرار عند الحكم على المحظور إقامته أثناء فترة المنع من الإقامة لارتكابه جريمة أخرى أو عند العدول عن الإفراج المشروط (المادة 8 من الأمر 75-80).
4 – الآثار المترتبة على المنع من الإقامة: يخضع المحكوم عليه بالحظر من الإقامة لثلاث التزامات هي:
1-عدم الوجود في الأماكن الوارد ذكرها في قرار الحظر من الإقامة، وقد تحدد هذه الأماكن بقوة القانون (613/2 ق.إ.ج) وقد تخضع للسلطة التقديرية لوزير الداخلية بناء على اقتراح اللجنة الاستشارية، ويلتزم المحظور من الإقامة بعدم دخول الأماكن التي منعت عليه.
2-تدابير الحراسة والمراقبة: وتتمثل في اتصاله دوريا بمصالح الشرطة أو الدرك للتأشير على الدفتر الخاص بتحقيق الشخصية، إذ هذه المصالح ملزمة بمسك سجل خاص بحظر الإقامة وفي حالة ضياع الدفتر على المحظور الإقامة التصريح بذلك في ظرف 48 ساعة. واستثناء يمكن له الإقامة، في منطقة محظورة في حالة الاستعجال بعد حصوله على إذن من الوالي لمدة لا تتجاوز الشهر، وما زاد يمنح الإذن وزير الداخلية، بشرط أن يبلغ وزير الداخلية والوالي الموجود بالمكان الذي يسمح لمحظور الإقامة التوجه إليه.
3-تدابير المساعدة : ولم يحددها المشرع كما فعل بالنسبة لتدابير الحراسة والمراقبة، ومع ذلك يمكن القول أنها كل التدابير التي من شأنها مساعدة المحظور من الإقامة في إعادة إدماجه في المجتمع كإيجاد عمل لكسب رزقه.
وفي حالة مخالفة الشخص لقرار الحظر من الإقامة سواء بالظهور في الأماكن المحظورة أو مخالفة تدابير الحراسة والمراقبة يتعرض لجزاءات سالبة للحرية تصل إلى ثلاث سنوات وغرامة مالية.
وتخضع عقوبة تحديد الإقامة لنفس إجراءات تنفيذ عقوبة الحظر من الإقامة فقط المحدد إقامته يلتزم بأن لا يغادر المكان المعين في قرار تحديد الإقامة الصادر عن وزير الداخلية إلا في حالة الاستعجال، وحصوله على إذن من الوالي بالانتقال لمدة لا تتجاوز خمسة عشر يوما، و ما زاد يكون الإذن من صلاحيات وزير الداخلية، ويخضع المحدد إقامته لنفس الجزاءات المقررة للمحظور إقامته إذا خالف أحكام القرار (15 من الأمر 75-80).

الفرع الثاني :المصادرة

أولا: مفهومها وأنواعها:
المصادرة هي عقوبة تكميلية مالية عينية تنصب على مال معين نص عليها المشرع الجزائري في المادة 9 ق.ع، تعرف بأنها نزع ملكية مال من صاحبه جبرا عنه وإضافته إلى ملك الدولة دون مقابل وبذلك تختلف عن الغرامة التي تنصب على ذمة المحكوم عليه المالية (1) وتسدد نقدا. والأصل في المصادرة أنها جوازية –باعتبارها عقوبة تكميلية- غير أنه قد تكون إلزامية في الجرائم التي حددها القانون (2) وهي نوعان:

*مصادرة عامة: تنصب على جميع ممتلكات المحكوم عليه، عرفتها التشريعات الجنائية القديمة أين يلجأ الحاكم إلى التنكيل بخصومه، ونظرا إلى خطورتها لجأت الكثير من الدول إلى إلغائها (3).أما التشريع الجزائري فتمسك بها في حالة الحكم الغيابي لجناية، حيث أنه بمجرد تخلف المتهم عن الحضور توضع كل أمواله تحت الحراسة. وعند الحكم بتأييد وضع هذه الأموال تحت الحراسة تصادر فيما بعد من طرف مديرية أملاك الدولة، ومع أن هذا الإجراء يعد ضمان لعدم هروب المتهم إلا أنه يلحق ضررا بعائلة المحكوم عليه، فيحرمهم من الإرث ومن وسائل العيش. وهذا ما يتناقض مع مبدأ شخصية العقوبة، لذلك نص المشرع على تقرير إعانات لزوجة المتهم وأولاده وأصوله طبقا للمادة 225 من ق.إ.ج لحين صدور الحكم، ومن جهة أخرى حدد الأموال التي لا يجوز مصادرتها طبقا للمادة 15 ق.ع. كما نص على جواز مصادرة ممتلكات المحكوم عليه بعقوبة جنائية تطبيقا لأحكام الأمر رقم 96-11 المؤرخ في 25 فبراير 1995 المتعلق بالجرائم الموصوفة بأفعال إرهابية أو تخريبية المادة 87 مكرر 9 فقرة 2 منه.

*مصادرة جزئية: وهي تلك التي عناها المشرع الجزائري في المادة 9 ق.ع واعتبرها عقوبة تكميلية تكون في الجنايات أما في الجنح والمخالفات فلا يحكم بها إلا بنص خاص.
ويمكن أن تقع المصادرة على:
-جسم الجريمة كالأموال التي استعملت لإرشاء موظف (المادة 133 من ق.ع).
-الأشياء المتحصل من الجريمة كثمن المخدرات في جريمة الإتجار في المواد المخدرة.
-الأسلحة أو الآلات التي استعملت في الجريمة، وتنصرف إلى أي شيء يكون الجاني قد استعمله أو اتخذه وسيلة له في ارتكاب الجريمة كالأسلحة و الآلات المستعلمـة في تنفيـذ الجريمة أو تسهيلها،

(1)د/ مأمون محمد سلامة المرجع السابق ص 682.
(2)الجنايات والجنح ضد أمن الدولة م 93، الرشوة 133، لعب القمار 165-168 من ق.ع، المادة 501، 502 من القانون البحري، المادة 246 من قانون الصحة.
(3)الدستور المصري لسنة 1936 حظر المصادرة العامة في المادة 71 منه.
والأشيـاء المعدة فعلا لارتكاب الجريمة إلا أنها نفذت فعلا بوسائل أخرى (1) ،وكذلك الأشياء التي أعدت لإتمام الجريمة غير أنها أوقفت عند حد الشروع، ولا يشترط أن تكون الأشياء مضبوطة فعلا قبل صدور الحكم لأن نص المادة 15 ق.ع وردت فيه عبارة: ” الأشياء التي استعملت …” دون أن يذكر عبارة «الأشياء المضبوطة» فالنص لم يقيد المحكمة بوجوب أن تكون الأشياء موضوع المصادرة قد ضبطت فعلا قبل صدور الحكم (2).
وتجدر الإشارة إلى أنه قد تكون المصادرة تدبير أمن طبقا للمادتين 20، 25 ق.ع إذا كانت صناعة الأشياء المضبوطة أو استعمالها أو حملها أو حيازتها أو بيعها تعتبر في حد ذاتها جريمة (3) ويجوز الحكم بها حتى لو حصل المتهم على حكم يقضي ببراءته أو بأن لا وجه للمتابعة. لأن المصادرة كعقوبة تنصب على أشياء في حوزة المحكوم عليه دون أن تكون محظورة في حد ذاتها وهذا حتى يتحقق معنى الإيلام والزجر اللذان هما من صفات العقوبة.

ثانيا: إجراءات تنفيذهـا:
يترتب على الحكم البات بالمصادرة انتقال الأشياء موضوع المصادرة إلى ملكية الدولة إذ يعتبر الحكم سند الملكية للدولة، ولهذا فإن المصادرة كعقوبة غير قابلة للسقوط بالتقادم المسقط للعقوبة حتى لو سقطت الأحكام الأصلية الصادرة في الدعوى العمومية (4).
وإدارة أملاك الدولة هي التي تقوم بالملاحقات الرامية إلى تحصيلها بطلب من النيابة طبقا للمادة 8 من الأمر 72-02 ،حيث يقوم أمين الضبط لدى المحكمة أو المجلس حسب الحالة (حكم،قرار) والمكلف بمصلحة المحجوزات بإعداد قائمة الأموال التي حكم بمصادرتها وتسلم لمصالح أملاك الدولة بموجب محضر تسليم، وتقوم هذه الأخيرة بتصنيفها وبيعها وفقا للقواعد العامة (أي بالمزاد العلني).
وبالنسبة للأموال المحظورة – التي حكم بمصادرتها كتدبير احترازي- فإنه يتم إتلافها بالحرق بحضور السيد وكيل الجمهورية، وضابط الشرطة المركزية لمحافظة المخدرات، ورئيس أمناء الضبط ويحرر محضر إتلاف بذلك.أما الأموال محل المصادرة ذات الطابع العسكري من أسلحة وألبسة ووثائق عسكرية تسلم مباشرة للدرك الوطني بموجب محضر تسليم.ويمكن للجهة القضائية أن تتصرف في الأموال المصادرة بأي وجه من وجوه المنفعة لأجهزتها واستعمالها، كأجهزة الإعلام الآلي والأدوات المكتبية تستعملها في تسيير مصالحها وهو ما لاحظناه أثناء تربصاتنا الميدانية .

(1)قرار المحكمة العليا بتاريخ 02/02/1988 في الملف رقم 53149 عن الغرفة الجنائية، المجلة القضائية لسنة 1991 العدد 2 ص197.
(2)بخلاف ذلك نص قانون العقوبات المصري في المادة 3/1 على أن الأشياء التي تكون محل مصادرة هي التي تكون قد ضبطت.
(3)المادتين 204، 213 من ق.ع المتعلقة بأختام الدولة، الدمغات، الطوابع، العلامات المقلدة، المادة 246 من قانون الصحة المتعلقة بالمخدرات.
(4) د/ محمود سلامة المرجع السابق ص 687.

الفرع الثالث : حل الشخص الاعتباري

بغض النظر عن الجدل الفقهي حول مدى قيام المسؤولية الجزائية من عدمها عند الشخص المعنوي، فإن قانون العقوبات الجزائري لم يقر صراحة بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي مع أنه لم يستبعدها صراحة إذ نص في المادة 9 البند 5 على حل الشخص المعنوي كعقوبة تكميلية يجوز للقضاة الحكم بها في الجنايات والجنح، وعرفتها المادة 17 من نفس القانون بأنها منع الشخص الاعتباري من الاستمرار في ممارسة نشاطه حتى لو كان تحت إسم آخر أو مع مديرين أو أعضاء مجلس إدارة أو مسيرين آخرين، ويترتب على ذلك تصفية أمواله مع المحافظة على حقوق الغير حسن النية، والمقصود هنا هو حل الشخص الاعتباري ذاته وليـس إدارته أو احدى هيئاته التنفيذية.
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع الجزائري وتماشيا مع ما ذهبت إليه التشريعات المقارنة، كرس المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في بعض القوانين الخاصة منها الأمر 96/22 المؤرخ في 09/07/1996 المتعلق بقمع مخالفة التشريع والتنظيم الخاصين بالصرف وحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج في المادة 5 منه، كما نص عليها في المادة 5 مكرر من مشروع تعديل قانون العقوبات.
ومع ورود حل الشخص الاعتباري من ضمن العقوبات التكميلية التي لا يجوز الحكم بها إلا إذا نص القانون صراحة عليها كجزاء لجريمة معينة، وبالرجوع لقانون العقوبات والقوانين المتممة له لا نجد أثرا لحل الشخص المعنوي كعقوبة لجناية أو جنحة، وأمام هذا الوضع فإن المشرع الجزائري لم يحدد الخطوات والإجراءات الواجب اتباعها لتنفيذ هذه العقوبة كما لم يذكر الإجراءات الواجب إتباعها من طرف الأشخاص الطبيعيون الذين يديرون الشخص المعنوي أو عقوبات محددة تطبق عند الامتناع عن تنفيذ الحكم بالحل.عدا ما جاء في المادة 147 ق.ع التي تجرم التقليل من شأن الأحكام القضائية.

الفرع الرابع : نشر الحكم

نص المشرع على نشر الحكم كعقوبة تكميلية في المادة 9، 18 ق.ع بالقول: ” للمحكمة عند القضاء بالإدانة أن تأمر في الحالات التي يحددها القانون بنشر الحكم بأكمله أو مستخرج منه في جريدة أو أكثر يعينها، أو بتعليقه في الأماكن التي يبينها وذلك كله على نفقة المحكوم عليه على ألا تجاوز مع ذلك مصاريف النشر المبلغ الذي يحدده الحكم لهذا الغرض ، ولا أن تجاوز مدة التعليق شهرا واحدا “.ويستفاد من استقراء المادة أن الحكم الذي يمكن نشره هو حكم الإدانة دون سواه، فلا ينشر حكم بالبراءة أو بانقضاء الدعوى العمومية لأي سبب كان. وليس كل حكم بالإدانة وإنما حصره في الحالات التي ينص عليها صراحة القانون، والنشر في هذه الحالات قد يكون وجوبيا كما في المادة 174 ق.ع عند الإدانة بجنحتي المضاربة غير المشروعة المنصوص والمعاقب عليها فـي المادتيـن
172،173 ق.ع ونرى أن الهدف من وجوب نشر الحكم وتعليقه في هذه الحالة هو من جهة إرشاد الجمهور إلى التجار الذين يغشونه، ومن جهة أخرى يصيب التاجر في ماله عن طريق إلزامه بدفع مصاريف النشر والتعليق وأكثر من ذلك في تجارته وسمعته وامتناع الناس عن معاملته.
وقد يكون نشر الحكم جوازيا كما في المادة 250 ق.ع عند الإدانة بإحدى جرائم انتحال الوظائف والألقاب أو الأسماء أو إساءة استعمالها. وكذا المادة 300/1 المتعلقة بالوشاية الكاذبة والمادة 144 ق.ع عند الإدانة بجريمة إهانة الموظف أو التعدي عليه.
ونشر الحكم قد يكون بنشر نصه كاملا أو قد يكتفي بملخص (مستخرج منه) ويكون النشر في جريدة أو أكثر يعينها الحكم في حد ذاته، وقد يتم النشر بتعليقه في بعض الأماكن التي يبينها الحكم والغاية من ذلك هو التشهير بالمحكوم عليه وتنبيه الجمهور إلى خطورته.
ولم يحدد المشرع طريقة تنفيذ الحكم بالنشر، وترك ذلك للنيابة العامة باعتبارها المكلفة بتنفيذ الأحكام الجزائية، والتي تقوم بإرسال نسخة من الحكم أو مستخرج منه. حسب منطوق الحكم. إلى الجريدة أو الجرائد التي عينها الحكم للنشر، أو تقوم بتعليقه في الأماكن المحددة فيه.
ونرى أن المشرع لو يوفق عندما حدد مصاريف النشر بأن لا تتجاوز المبلغ الذي يحدده الحكم لهذا الغرض، في حين أن المبلغ تحدده الجهة القائمة بالنشر وليس للقاضي أن يتنبأ بالمصاريف اللازمة للنشر، ولا أن يلزم الجهة القائمة بالنشر بأن تتنازل عن مبالغ النشر إلى المبلغ الذي حدده في الحكم المراد نشره، وطالما الحال كذلك نرى أن تحديد مبالغ النشر، يكون باستصدار أمر تقدير مصاريف النشر ويكون لاحقا على صدور الحكم القاضي بالنشر وهذا بعد عرض نسخة من الحكم أو مستخرج منه على الجهة القائمة بالنشر لتحديد مبالغ النشر، (نشر مستخرج من الحكم لا يتطلب مبالغ كنشر نسخة كاملة منه). ويلزم المحكوم عليه بسدادها مع ما حكم عليه من غرامات ومصاريف قضائية، ولم يحدد كذلك المشرع إجراءات تعليق الحكم واكتفى بالقول أن يكون التعليق في الأماكن التي يحددها القانون وغالبا ما تكون : مقر المجلس الشعبي البلدي بمكان إقامة المحكوم عليه، منزله، وإذا كان تاجرا واجهة محله التجاري أو شركته (مقرها الرئيسي مع فروعها إن كانت لها فروع)، على أن لا تتجاوز مدة التعليق شهرا واحدا.

قائمة المراجع

أولا: الكتب

1- د/ عبد الله سليمان: شرح قانون العقوبات الجزائري القسم العام الجزء الثاني الجزاء الجنائي ديوان المطبوعات الجامعية عام 1995.
2- أحمد عبد الظاهر الطيب: إشكالات التنفيذ في المواد الجنائية، الطبعة الرابعة، مطبعة أبناء وهبة حسان القاهرة عام 1994.
3- د/ إبراهيم حامد طنطاوي إشكالات التنفيذ في المواد الجنائية، دار النهضة العربية القاهرة عام 2002.
4- د/ بوسقيعة أحسن: الوجيز في القانون الجنائي العام، الطبعة الأولى الديوان الوطني للأشغال التربوية عام 2002.
5- د/ بوسقيعة أحسن: المنازعات الجمركية، تصنيف الجرائم ومعاينتها -المتابعة والجزاء-الطبعة الثانية، دار النشر النخلة، عام 2001.
6- عبد الحميد الشواربي: التنفيذ الجنائي في ضوء الفقه والقضاء، منشأة المعارف الإسكندرية.
7- د/ جلال ثروت: نظم الإجراءات الجنائية، دار الجامعة الجديدة للنشر 1997.
8- جندي عبد المالك: الموسوعة الجنائية الجزء الثاني، دار إحياء التراث العربي.
9- جيلالي بغدادي: الإجتهاد القضائي في المواد الجزائية، الجزء الأول، الطبعة الأولى، الديوان الوطني للأشغال التربوية 2002.
10- د/ مأمون محمد سلامة: قانون العقوبات، القسم العام، الطبعة الثالثة، دار الفكر العربي القاهرة 1990
11- د/ محمد كبيش: الإشكالات في تنفيذ الأحكام الجنائية، دار الفكر العربي 1990.
12- محمد حسني عبد اللطيف: النطرية العامة لإشكالات التنفيذ في الأحكام الجنائية الطبعة الأولى، عالم الكتب، القاهرة.
13- منير حلمي خليفة: تنفيذ الأحكام الجنائية ومشكلاته العملية، المكتبة القانونية بباب الخلق 1994.

ثانيا : النصوص القانونية:

1- دستور 28 نوفمبر 1996 وزارة العدل الديوان الوطني للأشغال التربوية عام 2001.
2- أمر رقم 66-155 المؤرخ في 8 يونيو 1966 المتصمن قانون الإجراءات الجزائية المعدل والمتمم وزارة العدل، الطبعة الثالثة، الديوان الوطني للأشغال التربوية 2001.
3- أمر رقم 66-156 المؤرخ في 8 يونيو 1966، المتضمن قانون العقوبات المعدل والمتمم، وزارة العدل، الطبعة الثالثة الديوان الوطني للأشغال التربوية 2001.
4- أمر رقم 72-02 المؤرخ في 10 فبراير 1972 المتضمن قانون تنظيم السجون وإعادة تربية المساجين.
5- قانون رقم 79-07 المعدل والمتمم للقانون رقم 98-10 المتصمن قانون الجمارك.
6- أمر رقم 75-80 المؤرخ في 15/12/1975 المتعلق بتنفيذ الأحكام القضائية الخاصة بحظر وتحديد الإقامة، الجريدة الرسمية العدد 102 الصادرة بتاريخ 23/12/1975..
7- المرسوم رقم 75-155 المتعلق بتحديد الإقامة.
8- المرسوم رقم 75-156 المتعلق بخطر الإقامة.
9- المرسوم رقم 72-38 المؤرخ في 10 فبراير 1972 المتعلق بتنفيذ حكم الإعدام.

ثالثا : المجلات القضائية:
-المجلة القضائية للمحكمة العليا : لسنة 1989 العدد 01.
-المجلة القضائية للمحكمة العليا : لسنة 1990 العدد 04.
-المجلة القضائية للمحكمة العليا: لسنة 1991 العدد 02، 03.
-المجلة القضائية للمحكمة العليا: لسنة 1992 العدد 03.
-المجلة القضائية للمحكمة العليا: لسنة 1994 العدد 03.
-المجلة القضائية للمحكمة العليا: لسنة 1996 العدد 02.
-المجلة القضائية للمحكمة العليا: لسنة 1998 العدد 03.
-المجلة القضائية للمحكمة العليا: لسنة 1999 العدد 01.
-المجلة القضائية للمحكمة العليا: لسنة 2001 العدد 01.
-الإجتهاد القضائي للغرفة الجنائية، عدد خاص 2003.

رابعا : وثائق أخرى:

1- الأيام الدراسية حول تنفيذ العقوبات من 28 إلى 30 جويلية 2002 الديوان الوطني للأشغال التربوية ديسمبر 2002.
2- المشروع التمهيدي لقانون تنظيم السجون وإعادة الإدماج الإجتماعي للمحبوسين.
3- المذكرة الوزارية رقم 2049/00 المؤرخة في 19/09/2000 الصادرة عن مديرية الشؤون الجزائية وإجراءات العفو بوزارة العدل.
4- المذكرة رقم 17/96 الصادرة في 27/08/1996 المحددة لآجال تنفيذ الأحكام.
5- تعليمة رقم 3663/00 الصادرة عن المديرية العامة للضرائب يوم 10 يوليو 2000.
6- السيد جباري عبد الحميد، وكيل جمهورية مساعد بمحكمة عنابة، محاضرات ملقاة على طلبة شهادة الكفاءة المهنية للمحاماة بجامعة باجي مختار عنابة (غير منشورة).

شارك المقالة

2 تعليق

  1. ممكن تعطيني خاتمة أنواع و اتار وتنفيذ أحكام جزائية

  2. علي البلوشي

    25 أغسطس، 2019 at 2:01 م

    ممكن ارسال تقسيمة الفصل الثاني والخاصة بفروع المطالب في المبحثين
    عوائق تنفيذ الاحكام الجزائية والفصل فيها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.