بحث كامل حول النفقات العامة
مقدمة :
إزدادت أهمية دراسة نظرية النفقات العامة في المدة الأخيرة مع تعاظم دور الدولة وتوسع سلطتها وزيادة تدخلها في الحياة الإقتاصدية وترجع اهمية هاته النفقات العامة إلى كونها الأداة التي تستخدمها الدولة من خلال سياستها الإقتصادية في تحقيق أهدافها النهائية التي تسعى إليها فهي تعكس كافة جوانب الانشطة العامة وكيفية تمويلها ولذلك نرى أن نظرية النفقات العامة قد شهدت تطورا يساير التطور الذي لحق بدور الدولة لهذا سنتناول فيما يلي دراسة النفقات العامة من حيث ماهيتها من خلال المبحث الاول ومصادرها في المبحث الثاني لنأتي على القواعد التي يخضع لها الإنفاق العام بالمبحث الثالث لنختتم دراستنا هاته بالمبحث الرابع الذي سنتناول فيه حدود الإنفاق العام .
المبحث الأول : ماهية النفقة العامة :
تعريف النفقة العامة :
تعرف النفقات العامة بانها تلك المبالغ المالية التي تقوم بصرفها السلطة العمومية ( الحكومة والجماعات المحلية )
أو أنها تلكل المبالغ النقدية التي يقوم بإنفاقها الأشخاص العموميون بقصد تحقيق منفعة عامة
كما يمكن تعريفها بانها إستخدام مبلغ نقدي من قبل هيئة عامة بهدف إشباع حاجة عامة ووفقا لهذا التعريف يمكن إعتبار النفقة العامة
أنها ذات أركان أو أسس ثلاثة أساسية هي
– ملبغ نقدي
–
– يقوم بإنفاقه شخص عام
–
– الغرض منه تحقيق نفع عام
المطلب الثاني
شكل النفقة العامة :
تكون النفقة العامة في شكل مبلغ مالي أو نقدي حيث تقوم الدولة بدورها في الانفاق العام باستخدام مبلغ نقدي ثمنا لما تحتاجه من منتجات سلع و خدمات من اجل تسير المرافق العامة وثمنا لرؤوس الاموال الإنتاجية التي تحتاجها للقيام بالمشاريع الاستثمارية التي تتولاها ولمنح المساعدات والإعانات الإقتصادية منها والإجتماعية والثقافية وغيرها .
ومما لا شك فيه أن إستخدام الدولة للنقود هو امر طبيعي ويتماشى مع الوضع القائم في ظل إقتصاد نقدي تقوم عليه جميع المبادلات والمعاملات ومن ثم تصبح النقود هي وسيلة الدول للإنفاق شأنها في ذلك شأن بقية الأفراد .
وبالرغم من ان الإنفاق العام قد ظل لفترة طويلة من الزمن يتم في صورة عينية – كقيام الدولة بمصادرة جزء من ممتكلتا الأفراد أو الاستلاء جبرا على ما تجتاجه من اموال ومنتجات دون تعويض أصحابها تعويضا عادلا أو إرغام الأفراد على العمل من غير اجر إلا ان هذا الوضع قد زال بعد إنتهاء مرحلة إقتصاد المقايضة أو كما يسمى بالتبادل العيني .
وإستنادا على ذلك لا نعتبر الوسائل الغير نقدية التي تقوم الدولة بدفعها للحصول على ما تحتاجه من منتجات او منح المساعدات من باب النفقات العامة كما لا تعتبر نفقات عامة المزايا العينية مثل السكن المجاني أو النقدية كالإعفاء من الضرائب أو الشرفية كمنح الاوسمة والالقاب التي تقدمها الدول لبعض القائمين بخدمات عامة أو لغيرهم من الأفراد ولا يقلل من ذلك أنه وفي بعض الاحيان الاستثنائية التي قد يتعذر على الدولة تماما الحصول على إحتياجاتها عن طريق الإنفاق النقدي مثل اوقات الحرب والأزمات الحادة قد تعد بعض الوسائل الغير نقدية من قبيل النفقات العامة إلا ان ذلك استثناء لا يجب تعميمه .
ويعتبر الإنفاق النقدي من أفضل طرق الإنفاق العام التي تقوم به الدولة وهذا راجع لعدة أسباب يمكن أو نوجزها فيما يلي :
1- إن إستعمال الدولة للنقود في عملية الإنفاق يسهل ما يتطلبه النظام المالي الحديث من ترسيخ مبدأ الرقابة بصورها المتعددة على النفقات العامة ضمانا لحسن إستخدامها وفقا للأحكام والقواعد التي تحقق إشباع حاجات الأفراد العامة أظف إلى ذلك أن الرقابة على الإنفاق العيني يشكل صعوبة كبيرة نظرا لصعوبة تقييم هذا النوع من الإنفاق
2- أن نظام الإنفاق العيني بما قد يتبعه من منح بعض المزايا العينية يؤدي إلى الإخلال بمبدا المساواة والعدالة بين الأفراد في الإستفادة من نفقات الدولة وفي توزيع الاعباء والتكاليف العامة بين الأفراد
3- أن إنتشار مبادئ الديمقراطية أدى إلى عدم إكراه الأفراد على تأدية أعمالهم عن طريق العمل بدون أجر لتعارض ذلك مع حرية الإنسان وكرامته
4- أن الإنفاق العيني يثير العديد من الإشكالات الإدارية والتنظيمية ويؤدي إلى سوء في التدقيق وقد يؤدي إلى الإنحياز نحو بعض الأفراد وإعطائهم مزايا عينية دون غير هم .
ونتيجة للأسباب والعوامل السالف ذكرها فإن النفقات العامة دائما تأخذ صورة نقدية
ولا يخفى على احد ان الإنفاق العام في صورته النقدية قد ادرى إلى إزدياد حجم النفقات العامة وبتالي إزدياد حجم الضرائب ( كمصدر أساسي للإيرادات العامة ) وغيرها من الأعباء العامة مع توزيع يتم بعدالة نسبية لهذه الأعباء كل حسب مقدرته التكليفية .
المطلب الثالث :
تقسيمات النفقة العامة :
في السابق وفي ظل الدولة الحارسة لم يكن تقسيم النفقات العامة موضوعا يثير شغف الباحثين الاقتصادين حيث كانت النفقات العامة محدودة وموجهة لتقديم خدمات معينة تقوم بها الدولة فكانت النفقات من طبيعة واحدة إلا انه ومع تطور دور الدولة وتحولها من خانة الدولة الحارسة إلى خانة الدولة المتدخلة إزدادت أهمية تقسييم النفقات العامة نظرا لتنوع وتزايد النفقات العامة واختلاف آثارها
ومن ثم ظهرت الحاجة لتقسيم وتبويب هذه النفقات إلى أقسام متميزة مع ضرورة أن يكون معيار التقسيم قائما على مبادئ واضحة ومنطقية .
وترجع اهمية تحديد هذه التقسيمات إلى كونها تخدم اغراض متعددة من أبرزها
تسهيل صياغة وإعداد البرامج حيث ان حسابات الدولة مرتبطة ببرامج معينة تتولى الأجهزة والهيئات العامة تسييرها فيجب ترتيب تلك الحسابات بطريقة يسهل معها صياغة وإعداد هاته البرامج .
تحقيق الكفاءة والفعالية في تنفيذ الميزانية وهذا أمر بديهي حيث ان كفائة تنفيذ الخطة المالية للدولة يتطلب ضرورة تقسيم الميزانية حتى يمكن قياس كفاءة تنفيذ كل البرامج .
خدمة اهداف المحاسبة المراجعة المراقبة والإعتماد .
تسهيل دراسة الآثار المختلفة للأنشطة العامة المختلفة ومعرفة تطورها حيث ان تقسيم النفقات العامة يسهل التعرف على تكلفة كل نشاط وتطورات تلك التكلفة وأهميتها النسبية بالمقارنة بالأنشطة الاخرى .
تمكين البرلمان والرأي العام من إجراء رقابة فعالة على الدور المالي للدولة يجعل الحكومة تقوم بإنفاق المبالغ المالية في السبل التي قررتها وليس في اوجه اخرى .
ومن بين هذه تقسيمات النفقات العامة نذكر ما يلي :
نفقات التسيير ونفقات الاستثمار
نفقات حقيقية وتحويلية
نفقات عادية ونفقات غير عادية
نفقات وطنية وأخرى محلية
الباب الثاني : مصادر النفقة العامة :
لا يمكننا أن نعتبر المبالغ النقدية التي تنفق لأداء خدمة معينة من باب النفقة العامة إلا إذا صدرت من شخص عام ويقصد بالشخص العام الدولة وأقسامها السياسية وجماعاتها المحلية بما في ذلك الهيئات والمؤسسات العامة ذات الشخصية المعنوية أو قد تكون أشخاص عامة محلية كالمجاس والمحافضات والمدن في الدول الموحدة .
وعلى هذا الأساس فإن النفقات التي ينفقها أشخاص خاصة طبيعية او معنوية لا تعتبر نفقات عامة حتى ولو كانت تستهدف تحقيق منفعة عامة . على سبيل المثال قام مجمع ما بشراء شركة ما ثم تبرع بها للدولة فإن هذا الإنفاق لا يعد إنفاقا عاما وهذا راجع إلى ان الأموال التي قام بإنفاقها تعد أمولا خاصة وليست عامة وبالرغم من عمومية الهدف من ثم يعد من باب الإنفاق الخاص .
ولكن هل يعني ذلك أن كافة المبالغ المالية التي تنفقها الدولة تعتبر نفقات عامة ؟
من المتفق عليه أن كافة المبالغ المالية أو النقدية التي تنفقها الدولة بمناسبة ممارستها وقيامها بنشطاتها ومهامها العامة وبموجب السطلة والسيادة الآمرة تعد نفقات عامة . أما النفقات التي تنفقها الدولة أثناء قيامها بنشاط إقتصادي مماثل
للنشاط الذي يباشره الأفراد مثل المشاريع الإنتاجية فقد ثار خلاف نظري حول طبيعتها .
وقد إستند الفكر المالي في سبيل تحديد طبيعة هذا الإنفاق إلى معيارين أساسين احدهما قانوني والآخر ظيفي .
المطلب الأول :
المعيار القانوني ( المعنوي ) :
وهو المعيار الكلاسيكي ويتكز على الطبيعة القانونية للشخص المنفق بمعنى ىخر أن النفقطة الأساسية هي الشخص القائم بالإنفاق أيا كانت طبيعة هذا الإنفاق .
فإذا كان من أشخاص القانون العام فإن النفقة تعد نفقة عامة أيا كان الغرض منها أما إذا كان المنفق من أشخاص القانون الخاص فإن النفقة تعتبر نفقة خاصة بغرض ما تهدف إليه من أغراض وعليه فيعتبر الإنفاق إنفاقا عاما إذا قام به شخص خاضع لقواعد القانون العام كالدولة وفروعها السياسية وجماعاتها المحلية بما يتوفر لديه من سيادة وسلطة آمرة .
وبذلك لا نعتبر النفقات عامة تلك النفقات التي يقوم بها شخص من أشخاص القانون
الخاص المعنوية او الطبيعية حتى إذا كان الغرض منها تحقيق منفعة عامة على سبيل المثال قام شخص ما ببناء مدرسة وتبرع بها للدولة كما ذكرنا سالفا فبالرغم من كون الهدف هو تحقيق المنفعة العامة إلا ان الإنفاق قد صدر من شخص خاص والأموال خرجت من ذمة شخص خاص وليس عام وبتالي لا يعد الإنفاق هنا إنفاق عام .
ويستند انصار هذا المعيار إلى اختلاف طبيعة النشاط الذي يقوم به أشخاص القانون العام عن ذلك الذي يباشره أشخاص القانون الخاص .
إذ ان نشاط القانون العام يهدف أساسا إلى تحقيق المنفعة العامة والمصلحة العامة ويعتمد في ذلك على سلطته وسيادته المخولة له من طرف القانون والمتمثلة في سلطة إصدار القوانين والقرارات الإدارية .
بينما يهدف أشخاص القانون الخاص إلى تحقيق مصلحة خاصة والربح أساس في المرتبة الاولى ويعتمد في سبيل تحقيق ذلك على التعاقد والتبادل .
ويعود الاختلاف بين نشاط الأشخاص العامة ونشاط الأشخاص الخاصة إلى طبيعة الدولة الحارسة التي كان يقتصر نشاطها على القيام بالخدمات الأساسية مثل الامن والدفاع والعدالة وتسير بعض المرافق العامة وبطبيعة الحال فإن هذه الخدمات تحقق نفعا عاما تهدف له الدولة بموجب ما تتمتع به من صلاحيات وسيادة على إقليمها
وفي ظل هذا الدور للدولة ظل المعيار القانوني لتحديد طبيعة النفقة بين عامة وخاصة ثابتا لمدة طويلة إذ انه يجسد ويعكس الوضع السائد في تلك الفترة ومع تطور دور الدولة وتوسعه وازدياد تدخلها في جوانب الحياة الإقتصادية تغيرت صفتها من دولة حارسة إلى دولة متدخلة ثم إلى دولة منتجة حيث امتد دورها ليشمل
كثيرا من الاعمال التي تدخل في دائرة اختصاص نشاط الأشخاص الخاصة مثل انشطة الإنتاج والتوزيع والإستثمار …… إلخ
ومن ثم فإنه إذ كان المعيار القانوني قد توافق مع فكرة إعتبار نشاط الدولة كدولة حارسة فقط فإن هذا المعيار لم يعد يتلاءم وحده في تحديد طبيعة النفقة العامة من الخاصة ولذلك استنتج بعض الإقتصاديين إلى إقتراح معيار آخر يتناسب مع
توسع نشاط الدولة باعتبارها دولة منتجة تقوم بنفس انشطة الأفراد ويعتمد على الوجهة الوظيفية والاقتصادية للشخص الذي تصدر عنه النفقة العامة .
المطلب الثاني
المعيار الوظيفي :
ويرتكز هذا المعيار أساس على الطابع الظيفي والإقتصادي لللشخص القانوني المنفق وليس على الشكل القانوني لصاحب النفقة .
من هنا لا يمكننا إعتبار جميع النفقات الصادرة عن الأشخاص العامة نفقات عامة ما عدا تلك الانشطة والمهام التي تقوم بها الدولة . أما النفقات التي تقوم بها الدولة أو الأشخاص العامة وثماثل النفقات التي يقوم بها الأشخاص الخاصة فانها تعتبر نفقات خاصة . وعلى العكس من ذلك فتعتبر النفقات التي تقوم بها الأشخاص الخاصة المفوضين من قبل الدولة في استخدام سطلتها نفقات عامة بشرط ان تكون هذه النفقات العامة نتيجة لإستخدام هذا السلطة
فإذا قاموا بهذه النفقات باعتبراهم سلطة عامة أي مزودة بالأدوات التي يمنحها التشريع الاداري لأشخاص القانون العام . فتعتبر النفقات هنا نفقات عامة أما إذا قاموا بتسير هذه الاموال وانفقوها على طريقة الأفراد العاديين فان النفقة تعد نفقة خاصة .
وبناء على ما تقدم واستنادا للمعيار الوظيفي نستنتج أن النفقات العامة قد لا تصدر من طرف أشخاص القانون العام فقط بل قد تصدر كذلك من أشخاص القانون الخاص .
وفي حقيقة الامر إن الاخذ بهذا المعيار يعني تجاهل التطور الذي لحق بمالية الدولة . وقد ينزع للمالية العامة جزءا معتبرا منها ألا وهي النفقات العامة التي تؤديها الدولة حرصا منها على تلبية الحاجيات العامة التي تتزايد على نحو مستمر بالتوازي مع تطور دور الدولة .
ومن خلال كل ما ذكرناه فإنه يجب التوسع في تعريف النفقة العامة بحيث تشمل كافة النفقات التي تقوم بها الدولة أو مؤسساتها العامة الوطنية منها والمحلية بغض النظر عن صفة السيادة أو السلطة الآمرة أو طبيعة الوظيفة التي يصدر عنها الإنفاق العام لما في ذلك من مواكبة لتطور دور الدولة وتوسعه
المطلب الثالث :
هدف النفقة العامة :
يجب أن يكون الهدف من النفقة العامة هو إشباع الحاجات العامة ومن ثم تحقيق المنفعة العامة أو المصلحة العامة . وبتالي لا يمكننا إعتبار مبلغ نقدي كنفقة عامة تم صرفه لإشباع حاجة خاصة أو تحقيق منفعة خاصة تعود على الأفراد .
والسبب في ذلك يرجع لضرورة سيادة مبدا المساواة والعدل داخل المجتمع . إذ أن جميع الافراد يتساوون في تحمل الاعباء العامة كالضرائب ومن ثم فيجب أن يكونوا على قدم المساواة كذلك في الإستفادة من النفقات العامة للدولة .إذ ان تحمل الأعباء العامة والنفقات العامة هما وجهان لعملة واحدة .
ومنه لا يعقل ان نجعل النفقة لغرض منفعة او مصلحة خاصة بفئة معينة حتى لا يتم الدوس على مبدا العدالة والمساواة في تحمل الأعباء العامة .
وإذا كان هذا ما يمكن أن نراه بسيطا وبديهيا فإن الصعوبة تكمن في تقدير وتحديد الحاجة العامة بصورة موضوعية .
في الحقيقة إن عملية تحديد الحاجة العامة تركتز أساسا على معيار سياسي أكثر منه إقتصادي أو إجتماعي إذ ان السلطات السياسية في الدولة هي التي تتولى عادة تقرير ما إذا كانت حاجة ما تعتبر حاجة عامة او لا وهي تستند في ذلك إلى قواعد ومحددات معينة .
وهي في طريقها لتحديد نوعية الحاجة تخضع لرقابة تشريعية وتنفيذية وأحيانا قضائية لضمان عدم إساءة إستعمال هذا الحق . وتتمثل الرقابة التشريعية في حق البرلمان في إعطاء الحكومة رخصة الحصول على الاعتماد المالي الذي تطلبه . وتنص أحيانا بعض الدساتير على عدم السماح بإقرار نفعة عامة لمنفعة فردية أو إعتماد أنواع معينة من النفقات كصرف الإعانات لجمعات او احزاب سياسية أو دينية أو اقتصار حق اقتراح النفقات العامة على الحكومة دون اعضاء البرلمان . وتسمح أغلبية الدساتير لنواب البرلمان بالتقديم بالأسئلة والاستجوابات الموجهة للوزراء وتحريك المسؤولية السياسية ضدهم لإذا كان إنفاق الاموال العامة قد تم بهدف تحقيق أغراض شخصية .
وتتمثل الرقابة من جانب الهيئة التنفيذية في حق إلغاء الاعتمادات المالية التي تقررها الهيئات التشريعية المحلية في بعض البلدان إذا رأت أنها تتظمن خروجا على قاعدة تحقيق النفقات العامة لمنفعة عامة .
كما يحق للسطلة التشريعية أن تراقب عمليات إنفاق الإعتمادات المالية التي أقرتها للحكومة وهذا من خلال طلبها لهذه الاخيرة تقديم وثيقة تسمى بقانون ضبط الميزانية الذي يتم بمقتضاه ملاحضة تنفيذ قانون المالية السنوي ويمكن عندها مقارنة مدى تطابق ماتم إنجازه مع التقديرات المصنفة في قانون المالية السنوي وسناخذ هذه النقطة بالتفصيل في بحث الميزانية العامة .
المبحث الثالث : قواعد الإنفاق العام :
يتم تحديد النفقات العام للدولة وفق أسس ومبادئ مححدة يجب عدم تجاوزها وهذا في سبيل تحقيق الهدف المرجو منها وهو إشباع الحاجات العامة
وما يجب أن نشير إليه أن هذه القواعد الضابطة تتأثر بشكل كبير بالنهج السياسي والإقتصادي والإجتماعي للدولة بمعنى آخر أنه كلما تراجع دور الدولة فيما يخص التدخل في الانشطة الإقتصادية المختلفة وتقمصت دور الدولة الحارسة فإن النفقات العامة تتحدد بالحجم اللازم والضروري للقيام بدروها المتعلق بتسيير المرافق العمومية وبعض الانشطة التي يعجز الأفراد عن القيام بها وهو ما اطلق عليه حياد المالية العامة أو حياد النفقة العامة حيث لم تعد الدولة تستخدم في تحقيق أي من الأغراض الاقتصادية والاجتماعية كما تتبعنا في الفصل التمهيدي .
ولقد ساد هذا الوضع خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وترتب على ذلك أن قل حجم النفقات العامة للدولة .
ولقد تغير الوضع بعد تدخل الدولة بشكل كبير في الحياة الاقتصادية في بداية القرن العشرين مما ادى إلى زيادة وتنوع النفقات العامة على نحو إستلزم استحداث قواعد ومبادئ لتسيير النفقات العامة في سبيل تحقيق أهداف السياسة الإقتصادية .
ولا يمكننا أن نتجاهل هيمنة فكرة الخصخصة في المدة الاخيرة على المستوى العالمي والتي مست ميادينا شتى خاصة الدوائر الإقتصادية منها والتي في حالة استفحال تطبيقها وانتشار استخدامها كاداة مساعدة في تحقيق النجاعة الاقتصادية في قطاع معين فإنه قد يدفع السلطات العمومية إلى الرجوع إلى العمل تحت غطاء الدولة الحارسة التي يقتصر دورها على القيام بتسيير المصالح العمومية والضرورية وما قد يحدثه ذلك من إنعكاسات على النفقات العامة وسنتطرق فيمايلي إلى دراسة القواعد الضابطة للنفقات العامة ( المبحث الاول ) وحدود هذه النفقات ( المبحث الثاني ) وظاهرة تزايد النفقات العامة وما قام به فانجر من دراسة وتحليل في هذا الإطار (المبحث الثالث )
المطلب الأول
قواعد النفقات العامة :
حتى تتمكن النفقات من تحقيق الآثار والاهداف المنتظرة منها في تلبية مثلة للحاجات العامة فإن ذلك يتطلب تحقيق أكبر حجم ممكن من المنفعة مستعملة في ذلك أداه الاقتصاد في النفقات مع الأخذ في الحسبان أهمية وضرورة وجود طرق ومناهج للرقابة التي تظمن توجيه النفقات نحو الابواب ذات المصلحة الشاملة لأفراد الشعب دون تبذيرها في غير تلك المصلحة .
وإذا تم احترام هذه القواعد بشل دقيق فذلك سيقودنا إلى حالة من الإنفاق الرشيد او على أمثلية النفقات العامة الحاملة لقيمة مضافة هامة للإقتصاد الوطني .
قاعدة المنفعة :
يقصد بقاعدة المنفعة أن يكون الهدف من النفقات العامة دائما في ذهن القائمين به هو تحقيق أكبر منفعة ممكنة وتعتبر هذه القاعدة قديمة في الفكر الإقتصادي ومحل إجماع بين أغلب منظري المالية العامة .
وقاعدة المنفعة أمر بديهي إذ لا يمكن تبرير النفقة العامة إلا بحجم الفوائد المترتبة عليها وبذلك فإن قيام الدولة بالنفقات العامة في ميدان معين دون الحصول على منفعة تعود على الافراد منها معناه أن هذه النفقات العامة لا مبرر لها .
والمقصود بتحقيق الفائدة أو المصلحة العامة ألا يتم تخصيص النفقة العامة لمصالح ذاتية لبعض الأفراد او لبعض شرائح المجتمع على حساب اخرى لما يتمتعون به من نفوذ سياسي أو اقتصادي او إجتماعي . كما يقصد أيضا أن يتم الإلمام بالاحتياجات الإجمالية الحقيقة للمصالح العمومية لتقدير احتياجات كل مصلحة أو مرفق وكل باب من أبواب النفقات على ضوء احتياجات كل المصالح .
كما يجب أن توزع إعتمادات النفقات بحيث تكون المنفعة المترتبة على النفقة الحدية في كل وجه من اوجه الإنفاق مساوية للمنفعة المترتبة على النفقة الحدية في الأوجه الاخرى وان تكون المنفعة المترتبة على النفقة الحدية في كافة أوجه الإنفاق مساوية للمنفعة المترتبة على النفقة الحدية للدخل المتبقى في يد الأفراد بعد الدفع للتكاليف العامة كاضرائب من جهة اخرى وهذا يعد تطبيقا لقاعدة توازم المستهلك .
وفكرة المنفعة العامة وتحديدها تثير إشكالية وضع قاعدة دقيقة في تحديد مقدارها خاصة إذا اخذنا بعين الإعتبار الآثار المتعددة للنفقات اقتصادية وغير اقتصادية ظاهرة وغير ظاهرة مباشرة وغير مباشرة مما يتعذر معه قياسها على وجه الدقة وإن كان من الممكن الارتكاز على عاملين أساسين :
العامل الاول : حجم الدخل النسبي أي نصيب كل فرد من الدخل الوطني
العامل الثاني : طريقة توزيع الدخل الوطني على الأفراد
ومما هو جدير بالذكر أنه كلما زاد مقدار الدخل النسبي وقل التباين بين دخول الافراد كلما ادى ذلك إلى تحقيق رفاهية الأفراد وينبغي لتحقيق أقصى منفعة إجتماعية أن تتجه سياسة الدولة في الحصول على إيراداتها وفي إنفاقها نحو العمل على زيادة الدخل الوطني وتقليل الفوارق بين دخول الأفراد وزيادة الدخل الوطني يكون بالعمل على تحسين الإنتاج بزيادة القوى الإنتاجية . من جهة وتنظيم الإنتاج من جهة اخرى أما تقليل الفوارق بين دخول الأفراد فيكون بنقل القدرة الشرائية من الاشخاص الذين تقل عندهم منفعتها الحدية إلى الأشخاص الذين تزادا لديهم تلك المنفعة أي من جانب أصحاب الدخول المرتفعة إلى أصحاب الدخول المنخفضة وتقليل التباين بين دخل نفس الأشخاص محدودي الدخل في الأوقات المختلفة لكي يتحقق الإستقرار للمجتمع بمختلف شرائحه
وبصفة عامة فإن الحكم على مدى توفر المنفعة العامة في النفقة العامة يمكن ان يتم على أساس اعتبارات علمية معينة على ان تأخذ بعين الإعتبار درجة النمو الاقتصادي لكل دولة على حدى .
قاعدة الاقتصاد في النفقة :
ترتبط هذه القاعدة بموضوع المنفعة حيث ان هذه الاخيرة بديهيا تأخذ الزيادة كلما نقصة النفقات إلى أقل حجم ممكن لذا وجب على السلطات العمومية الاحتياط من التبذير لما قد يسببه ذلك من ضياع لأموال ضخمة دون ان تولد أية قيمة مضافة أو تحمل أية منفعة إلى جانب كل هذا فإن عدم الإقتصاد السلطات المالية للمبالغ المالية الموضوعة تحت تصرفها في إطار الميزانية العامة للدولة يدفع إلى بروز مظاهر سلبية في المجتمع من بينها اندثار ثقة الشعب في مؤسسات الدولة واتساع رقعة التهرب والغش الضريبي .
بمعنى آخر تهدف قاعدة الاقتصاد في النفقة الى استخدام أقل حجم من النفقة العامة لأداء نفس الخدمة أو الخدمات .
ويمكن تعديد مظاهر التبذير وعدم الانضباط المالي في كل دول العالم خاصة البلدن السائرة في طريق النمو نتيجة نقص أو غياب رقابة سياسية فعالة و تأخذ هذه المظاهر صورة على سبيل المثال اقتناء أدوات ولوازم للحكومة فوق ما تحتاج إليه فعلا استئجار المباني والسيارات بدلا من شرائها ….. إلخ
لهذا يعد أمر تقييد النفقات العامة في جميع القطاعات بناء على مبادئ معينة على رأسها التقييد بالاحتياجات الحقيقية الفعلية بشكل يجعل الدولة لا تتحمل إلا النفقات العامة الضرورية بحجم امثل لتحقيق المصلحة العمومية لجميع الافراد شعب.
كما يجب التذكير في هذا المقام بالدور الحيوي الذي يمكن أن تؤديه وسائل الإعلام والرقابة في خلق رقابة فعالة على عمليات صرف النفقات العامة التي تقوم بها الحكومة بشكل يجعل النفقات العامة تحقق الأهداف التي رصدتها لها السياسة المالية ومنها تجسد أهداف السياسة الإقتصادية ككل .
والرقابة على طريقة صرف النفقات العامة يمكن أن تمارسها ثلاث جهات هي الإدارة الهيئات السياسية وجهات أخرى مستقلة ومتخصصة وبذلك تأخذ الرقابة أشكالا ثلاثة
1- الرقابة الإدارية :
وهي الرقابة التي تتولاها وزارة المالية على باقي المصالح الحكومية بواسطة المراقبين والموظفين المحاسبين العاملين في مختلف الوزارات والمصالح والهيئات وتتمثل مهمتهم في عدم السماح بصرف أي مبالغ إلا إذا وردت في المزانية العامة وفي حدود الاعتماد المقرر له فالرقابة الإدارية هنا رقابة سابقة على الإنفاق .
وفي الحقيقة أن هذا النوع من الرقابة لا يكون فعالا فيما يخص ترشيد النفقات إذ هي راقبة من الإدارة على نفسها وفقا للقواعد والمبادئ التي تضعها بنفسها ومن ثم فلا تمثل أي ضغط لحجم القيام بالنفقات نفسها حيث عادة لا تميل الإدارة إلى تقييد حريتها .
2- الراقبة السياسية ( البرلمانية ) :
وهي الراقبة التي تمارسها السلطة التشريعية ودور البرلمان هنا لا يقتصر على الرقابة في تنفيذ الاعتمامادت المقررة في المزانية العامة للدولة بل يتوسع أيضا ليشمل حجم الإنفاق العام وتخصيصه .
ويرجع ذلك إلى حق البرلمان في السؤال والإستجواب والتحقيق وسحب الثقة من الوزير أو الوزارة كلها وحق طلب البيانات والوثائق عن مسار التنفيذ وحق فحص الحسابات الختامية وإقرارها وتظهر هذه الرقابة بصورة واضحة عند اعتماد الميزانية وعند اعتماد الحساب الختامي .
وهذا النوع من الرقابة على الرغم من أهميته قد يكون قليل الفعالية خاصة في الدول النامية حيث يلجأ البرلمان إلى مناصرة الإدارة حتى ولو كانت خاطئة .
3- الرقابة المحاسبية المستقلة :
وهي التي تقوم بها أجهزة متخصصة مهمتها الأساسية الرقابة على النفقات العامة بصورة خاصة وتتولى التأكد من ان جميع عمليات صرف الاعتمادات قد تمت بشكل قانوني وفيما نص عليه قانون المالية والقواعد المالية السارية وقد تكون هذه الرقابة سابقة لعملية صرف النفقات أو لاحقة عليها .
ويتولى هذا النوع من الراقبة في الجزائر مجلس المحاسبة ومن المفروض أن يكون هذا النوع من الراقبة أكثر فعالية نظرا لتخصص القائمين به وتوفر إمكانيات المتابعة والتحليل وإمكانية ممارسة الرقابة السابقة واللاحقة وحق تحديد المخالفات والاخطاء المادية وإبداء الراي في الأساليب التي يتعين اتخاذها لتصحيح المسار .
المبحث الرابع : حدود الإنفاق العام :
يتضمن هذا العنصر مشكلة بالغة الاهمية تتمثل في تحديد النسبة التي تقتطع من الدخل الوطني لتوجيهها إلى وعاء النفقات العامة بحيث لا يمكن للدولة ان تتجاوزها والسؤال الذي يطرح نفسه من خلال هذا المنظور هل توجد حدود لا يمكن تجاوزها عند وضع الاعتمادات والمبالغ المالية المهيأة للنفقات العامة وهل هناك حجم او سقف أمثل للنفقات العامة ؟
لقد استقر الفكر التقليدي لفترة من الزمن على تحديد نسبة معينة تقدر ب 10 أو 15 بالمئة من الدخل الوطني توجهه للنفقات العامة ولا يمكن تجاوزها .
في الحقيقة أن هذا الفكر أصبح غير مهما في الوقت الحالي نظرا لجمود هذا الراي من جهة وتجاهله للعديد من الظروف الاقتصادية والمالية والتي تميز الإقتصاد الوطني لدول معينة والتي تختلف من فترة لأخرى في الدولة ذاتها من جهة اخرى .
فالعوامل الإيديولوجية السائدة في دولة معينة تعني أنه إذا كان السائد في دولة ما الإيديولوجية الفردية فإن حجم النفقات العامة وتنوعها يقل بالنسبة إلى الدخل الوطني وسبب ذلك ان دور الدولة في ظل هذه الإيديولوجية يقتصر على أدائها بوظائفها التقليدية وبالانشطة التي يعرف عنها النشاط الخاص ( الدولة الحارسة ) أما عدا ذلك من أنشطة فمخصص لحرية الأفراد .
أما في ظل الإيدولوجية التدخلية يتمثل دور الدولة في التدخل في العديد من الشؤون الاقتصادية التي كان من الممكن أن يقوم بها النشاط الخاص كاستغلال بعض المشاريع الإنتاجية ومحارية الآثار الضارة للدورات لاقتصادية والعمل على استقرار العملة المحلية وتقديم الخدمات المجانية … إلخ ويترتب على ذلك ارتفاع حجم النفقات العامة لمواجهة الزيادة في الأنشطة التي تقوم بها الدولة بالإضافة إلى زيادة تنوعها .
وأخيرا في ظل الإيدولوجية الجماعية حيث تقوم الدولة بمعظم الأنشطة الاقتصادية وتملك المجموعة أدوات الانتاج بالإضافة إلى قيامها بدورها التقليدي فإن حجم نفقات الدولة العامة يزيد بشكل كبير وترتفع نسبتها إلى الحد الذي تكاد تتطابق فيه مع الدخل الوطني ذاته . وتتعدد انواع هذه النفقات بقدر احتياجات الأفراد بالإضافة إلى حاجات الدولة لذاتها وكانت هذه الفكرة مهيمنة لدى الدول المنتجة ذات النمط الإشتراكي قبل إنهيارها .
كما تؤثر العوامل والظروف الاقتصادية التي يمر بها الاقتصاد الوطني في حجم النفقات العامة وحدودها حيث ان هناك علاقة حتمية بين النفقات العامة و بين مستوى العام للنشاط الاقتصادي الذي يظهر من خلاله حالة التشغيل الداخلي الوطني والمستوى العام للأسعار ومدى تأثر كل منهما بمستوى الطلب الفعلي . ومنه على مستوى الإقتصاد العام في جملته ومن ثم يمكن ان يتحدد حجم النفقات العامة بالنسبة التي تحقق الاستقرار الاقتصادي المرتكز على توازن الإنتاج مع الطلب الكلي .
ويظهر ذلك جليا في اقتصاديات الدول الليبرالية ففي أوقات الكساد تزدادا النفقات العامة وذلك لخلق زيادة في الطلب الكلي الفعلي والوصول بالاقتصاد الوطني الى مستوى التشغيل الكامل لليد العاملة .
ويحدث العكس في أوقات الإزدهار حيث تقل النفقات العامة لتجنب الزيادة التضخمية في الأسعار وتدهور قيمة النقود بسبب وصول الاقتصاد الى مستوى التشغيل الكامل .
أما لدى اقتصاديات الدول النامية التي تنعت بعدم المرونة في الجهاز الانتاجي بسبب عدم استجابة بعض عوامل الإنتاج للزيادة في الطلب يتحتم ألا تزيد النفقات العامة عن مستوى معين وإلا ترتب على ذلك بدء ظهور ارتفاع تضخمي في الأسعار وتدهور قيمة النقود ويمكن ملاحضة هذا الارتفاع والتدهور حتى قبل وصول الاقتصاد الي مستوى التشغيل الكامل الخاص ببعض عناصر الانتاج كالعمل غير التقني والموارد الطبيعية المتاحة مما قد يعرض اقتصاديات هذه الدول للخطر لذلك من المنطقي أنه عند القيام بالنفقات العامة سواء في الدول المتقدمة أو المتخلفة يستلزم رسم سياسة مالية واقتصادية معينة بالتوافق مع درجة تقدم كل دولة .
ويقصد بالعوامل المالية موارد الدولة وإمكانياتها للزيادة وإلا أن هذا لا يتم بصورة مطلقة بل يخضع لشروط معينة وإلا كانت النتئج الاقتصادية سلبية ومخالفة للأهداف المرسومة .
فزيادة الضرائب أو إنشاء ضرائب جديدة باعتبارها مصدرا هاما للإيرادات العامة يخضع لدراسات واسعة من جهة بالإضافة إلى ما يحتاج إليه من فترة زمنية يتقبل فيها المكلفون بها هذه التغيرات من جهة اخرى وإلا ترتب على ذلك آثار سلبية كالتهرب والغش الضريبي ونفس الشيئ يمكن قوله بالنسبة لمصارد الإيرادات الاخرى كالإصدار النقدي أو القروض .
المطلب الأول
الأساب الظاهرية لتزايد النفقات العامة :
قد ترجع الاساب المؤدية إلى إرتفاع النفقات العامة إلى ثلاثة عوامل رئيسية هي
– تدهور قيمة العملة
–
– إختلاف طرق المحاسبة المالية
–
– زيادة مساحة أقليم الدولة وعدد سكانها
وسنتعرض لكل هذه الأسباب فيما ياتي :
1- تدهور قيمة العمالة :
يقصد بتدخور قيمة العملة تدني قدرتها الشرائية مما يؤدي إلى نقص مقدار السلع والخدمات التي يمكن الحصول عليها بنفس الحجم من الوحدات النقدية عن المقدرا الذي كان يمكن الحصول عليه من قبل وهي الظاهرة التي يمكن أن تشرح إرتفاع أسعار السلع والخدمات .
وما يمكننا ملاحضته بصفة عامة أن قيمة النقود تأخذ في الإنخفاض بصفة مستمرة وإن كانت نسبة التدهور تختلف من دولة لأخرى ويترتب على تدهور قيمة النقود الزيادة في النفقات العامة لمواجهة هذا التدهور فالدولة تدفع عددا من الوحدات أكبر مما كانت تدفعه من ذي قبل للحصول على نفس مقدار السلع والخدمات . فالزيادة هنا في رقم النفقات العامة زيادة ظاهرية إذ لا يترتب عليها أي زيادة في المنفعة الحقيقة أو زيادة في أعباء التكاليف العامة على الأفراد .
وبعد تدهور قيمة النقود السبب الأساسي للزيادة في النفقات العامة في العصر الحديث .
2- إختلاف طرق المحاسبة المالية :
( إختلاف طرق إعداد الميزانية العامة )
كان المتبع فيما مضى أن تخصص بعض الإيرادات التي كانت تقوم بتحصيلها بعض الإدارات والمصالح لتغطية نفقاتها مباشرة . ومن ثم لم تكن تظهر نفقاتها أو إيراداتها في الميزانية العامة للدولة مما كان يجعل النفقات العامة الواردة في الميزانية أقل من قيمتها الحقيقية .
ومع إتباع مبدا وحدة أو عمومية الميزانية العامة الذي يقضي بضرورة ظهور كافة فقات الدولة وإيراداتها دون تخصيص في الميزانية العامة ظهرت نفقات عامة كانت تنفق من قبل ولم تكن نظهر في الميزانية ومن ثم فإن الزيادة في النفقات العامة في هذه الحالة تعد الزيادة ظاهرية استدعت تغيير طرق المحاسبة المالية في الميزانية الحديثة .
3- زيادة مساحة إقليم الدولة وعدد سكانها
قد تكون الزيادة ظاهرية في النفقات العامة مردها زيادة مساحة إقليم الدولة أو عدد سكانها . ومثال على ذلكقيام دولة ما باحتلال دولة اخرى او إسترداد جزء من أقاليمها ويترتب على هذه الزيادة بطبيعة الحال زيادة في حجم النفقات العامة إلا انها زيادة ظاهرية نظرا لعدم حدوث زيادة في النفع العام او الزيادة في الاعباء العامة الملقاة على السكان دون مقابل فعلي .
ومن الواضح أن متوسط نصيب الفرد من النفقات العامة في هذه الحالة إذا تأثر بالزيادة فإن الزيادة هنا تكون زيادة حقيقة أما إذا تزايد الغنفاق تحت تأثير التوسع الحاصل في مساحة الدولة أو زيادة عدد السكان دون ان يمس السكان الأصلين ففي هذه الحالة تكون الزيادة في الغنفاق العام مجرد زيادة ظاهرية .
ويعد السبب الأول المتمثل في تدهور قيمة العملة من اكبر أسباب الزيادة الظاهرية في النفقات العامة خاصة بعد أن اتزمت كافة إقتصاديات الدول المتقدمة والمتخلفة على السواء بمبدأ وحدة أو عمومية الميزانية زيادة على ذلك فإن حدوث زيادة في المساحة أو عدد السكان يشكل عبئا إضافيا على الدولة المعنية بهذا الامر وذلك لانها تواجه هذه الزيادة عن طريق زيادة نسبة الضرائب على المواطنين .
المطلب الثاني
الأسباب الحقيقية لزيادة النفقات العامة :
يقصد بالزيادة الحقيقة للنفقات العامة زيادة المنفعة العامة الحقيقة المترتبة عن هذه النفقات بالإضافة إلى زيادة ثقل الأعباء العامة بنسبة ما . وترتبط الزيادة في عبئ التكاليف غالبا بزيادة تدخل الدولة في الحياة الإقتصادية والإجتماعية للمواطنين
وترجع الزيادة الحقيقة في النفقات العامة لأسباب عديدة إيديولوجية إقتصادية إجتماعية إدارية مالية أو حتى سياسية وسنتطرق إلى كل سبب من هذه الأسباب على التوالي
1- الأسباب الإديولوجية :
ونعني بها الأسباب التي ترتبط بالتطور التاريخي للدور الدولة في الحياة الإقتصادية والاجتماعية من الدولة الحارسة إلى الدولة المتدخلة .
فمباشرة بعد الحرب العالمية الثانية هيمنت أفكار مؤيدة لتدخل الدولة مما ادى إلى زيادة تدخل الدولة على مستوى الدول الليبرالية على وجه التحديد في الحياة الإقتصادية واضطلاعها بالعديد من الشؤون الاقتصادية التي كانت تعتبر من باب النشاط الخاص مما ترتب عليه زيادة في حجم النفقات العامة زيادة مطلقة بالنسبة الى الدخل الوطني في ذات الوقت .
ولم يكن الحال مختلفا عن الدول الإشتراكية قبل إنهيارها حيث كانت الإيديولوجية الجماعية سائدة وتقود الدولة بكافية العمليات الإنتاجية مما يترتب عليه زيادة في النفقات العامة إلى درجة تساويها مع الدخل الوطني
2- الأسباب الإقتصادية :
من أهم الأسباب الإقتصادية زيادة الدخل الوطني والتوسع في إنجاز المشاريع العامة والدورة الاقتصادية والمنافسة الاقتصادية .
فزيادة الدخل الوطني يمكن الدولة من زيادة ماتقتطعه من هذا الدخل في صورة تكاليف واعباء عامة من ضرائب ورسوم وغيرها بغض النظر عن تزايد وتنوع الضرائب المفروضة او إرتفاع معدلاتها وما يجب الاشارة اليه ان ويادة الايرادات العامة يشجع الدولة على زيادة حجم نفقاتها في الاوجه المختلفة كذلك التوسع في إنجاز المشاريع العامة الاقتصادية يؤدي الى زيادة النفقات العامة والهدف من انجازها :
اما الحصول على موارد للخزينة العمومية او التنمية الاقتصادية ومكافحة سياسات الاحتكار وبصفة عامة توجيه الشان الاقتصادي وجهة محددة حسب الابديولوجية السائدة في الدولة
ومن ناحية اخرى فان الكساد بكل اثاره السلبية يلزم الدولة بتقرير زيادة في النفقات العامة وهذا للرفع من مستوى الطلب الكلي الفعلي الى المستوى الذي يسمح بتحقيق التشغيل الكامل لليد العاملة بالتناسب مع حجم الطاقة الانتاجية للاقتصاد الوطني
واخيرا فان المنافسة الاقتصادية الدولية مهما كانت اسبابها تؤدي الى زيادة النفقات العامة اما في صورة اعانات اقتصادية للمشاريع الوطنية لتشجيعها على التصدير ومنافسة المشاريع الاجنبية في الاسواق العالمية واما في صورة اعانات للانتاج لتمكين المشاريع الوطنية من المواجهة والصمود من ناحية الجودة في وجه المنافسة الاجنبية داخل الاسواق الوطنية
3- الأسباب الإجتماعية :
مع الزيادة المسجلة للنمو الديموغرافي وتركز السكان في المدن والمراكز الصناعية تزايد حجم النفقات العامة لتغطية الطلب الحاصل على الخدمات التعليمية الصحية والثقافية او خدمات النقل والمواصلات الماء الغاز الكهرباء والامن العمومي ويرجع هذا الى انا حاجات سكان المدن اكبر واعقد من حاجات سكن القرى والمداشر الريف
الى جانب كل ذلك زيادة نمو الوعي الاجتماعي كنتيجة حتمية لانتشار التعليم ومن ثم ازدياد وعي المواطنين بحقوقهم فاصبحوا يطالبون الدولة بالقيام بوظاف لم تعرف من قبل كتامين الافراد ضد البطالة الفقر المرض العجز والشيخوخة وغيرها وقد ترتب على ذلك زيادة النفقات العامة بصورة عامة
4- الأسباب الإدارية:
يؤدي سوء التنظيم الاداري وعدم متابعته لتطور المجتمع الاقتصادي والاجتماعي وتطور وظائف الدولة والارتفاع في عدد الموظفين وزيادتهم على حاجة العمل والاسراف في ملحقات الوظائف العمومية اثاث مكتبات….الخ الى زيادة الانفاق العام بشكل ملحوظ بل واكثر من ذلك يمثل عبئا اضافيا على موارد الدولة
والزيادة في هدا الاطار وان كانت حقيقة الا انها غير منتجة انتاجا مباشرا وبمفهوم اخر فهي وبالرغم من اعتبارها تؤدي الى زيادة حجم الاعباء العامة على الافراد لا تؤدي الى ارتفاع في القيمة الحقيقية للمنفعة العمومية
5-الأسباب المالية:
تتمثل هذه الأسباب في عنصرين أساسين:
اولا:
سهولة الإقتراض في العصر الحديث مما أدى الى كثرة لجوء الدولة الى القروض العامة للحصول على ماتحتاج إليه لتغطية أي عجز في ايرادا تها مما يؤدي الى زيادة حجم النفقات العامة لان خدمة الدين تستلزم دفع الاقساط والفوائد
ثانيا:
وجود فائض في الايرادات العامة غير مخصص لغرض معين مما يدفع الى تشجيع الحكومة على انفاقةه سواء في اوجه انفاق ضرورية أو غير ضرورية و وتتجلى خطورة ذلك في الفترات التي تحتم فيها السياسة الرشيدة على السلطة التنفيذية العمل على خفض نفقاتها لانه من الصعب مطالبة الدولة بتخفيض كثير من أبواب التفقات العامة .
6-الأسباب السياسية :
يمكن نسب زيادة النفقات العامة الي تطور الإديولوجية السياسية سواء داخليا نتجية إنتشار المبادئ الديمقراطية والعادلة الإجتماعية ونمو مسؤولية الدولة أو في الخراج نتيجة شعور الدولة بواجب التضامن الدولي .
أ – إنتشار المبادئ الديمقراطية :
يترتب على انتشار مثل هذه المبادئ والعدالة الاجتمعاية زيادة اهتمام الدولة بالطبقات محدودة الدخل والمحرومة والتكفل بالكثير من خدماتها أضف إلى ذلك أن النظام الحربي يدفع الحزب الحاكم الي التوسع في المشاريع الاجتماعية إرضاء للناخبين وإلى الإكثار من تعيين الموظفين لانصاره مما يترتب عليه زيادة في النفقات العامة .
ولكن إذا كان لهذه النفقات فائدتها في رفع المستوى الصحي والقفافي والإقتصادي فإنه يؤاخذ على النظم الديمقراطية ذلك التبذير في بعض النفقات حيث تحاول بعض الاحزاب إرضاء ناخبيها ومكافأة أنصارها .
ب – نمو المسؤولية الدولية :
نتج عن إنتشار المبادئ الديمقراطية تغير النظرة إلى الدولة فهي ليست سوى سطلة ىمرة لا يملك المواطنون إلا الخضوع لها وإنما هي مجموعة من المرافق العمومية الموجهة لخدمة الصالح العام ولهذا تقررت مسؤوليتها فإذا أحدث نشاطها ضرر لأحد أفرادها فليس هناك ما يمنع لمقاضاتها لتعويضه عما لحق به من ضرر فيشارك المجتمع بذلك في تحمل عبئ المخاطر المترتبة عن سير المرافق العامة وقد ساعد على نمو مسؤولية الدولة ضغط الرأي العام ومؤلفات رجال القانون .
جـ – نفقات الدولة في الخارج :
ومن جهة أخرى أدى نمو العلاقات الدولية إلي إزدياد النفقات العامة بسبب إزدياد التمثيل الدبلوماسي لإزدايد الدول المستقلة وارتفعت بالتالي النفقات المرصودة لتدعيمه كذلك إزدادت نفقات الدول في المنظمات الدولية المتخصصة وغير المتخصصة ومنضمات إقليمية متعددة كالأمم المتحدة والهيئات التابعة لها كاليونسكو واليونسيف وكذلك بسبب ما تقتضيه العلاقات الدولية من واجبات تلزم الدول القيام بها من تقديم مساعدات ومنح مادية وتقنية للدول الاجنبية أو لرعاياها وهذا لتحقيق أهداف إقتصادية أو سياسية أو وطنية .
د – النفقات العسكرية :
وأخيرا تحتل النفقات العسكرية جزءا هاما في التزياد المطرد للنفقات العامة ويرجع ذلك إلى التقدم التكنولوجي السريع في هذا الميدان مما يدفع الدولة لإنفاق مبالغ طائلة لتزويدها بأحدث الأساليب والمخترعات العسكرية بهدف حماية منشآتها ومواطنيها وأراضيها من خطر الغزو الخارجي .
أضف إلى ذلك ما تستلزمه الحروب من تمويلات مالية ضخمة ليس فقط أثناء الحروب بل وأيضا في أعقابها . كدفع التعويضات والإعانات والمعاشات لضحايا الحرب من المحاربين القدامى وأسر الشهداء وكذلك نفقات إعادة التعمير ما دمترته الحرب ودفع أقساط فوائد الديون التي عقدتها الدولة أثناء الحرب لتمويل نفقاتها الحربية .
وزيادة مثل هذه النفقات الهامة تتضح أكثر لو اطلعنا على حجم الموارد العالمية المخصصة للنفقات العسكرية . فعلى سبيل المثال تذهب تقديرات النفقات العسكرية لسنه 1988 من 850 إلى 1000 مليار دولار أمريكي أي حوالي 5 بالمئة من الناتج الداخلي الخام العالمي .
الحاتمة :
وأيا كانت الأسباب التي تؤدي إلى زيادة في النفقات العامة فمن الضروري أن تكون الإيرادات العامة على درجة من المرونة تسمح بتغطية هذه الزيادة في النفقات .
اترك تعليقاً