بحث قانوني مميز حول مفهوم النيابة العامة
مــدخــــل عـــــام
من الوجهة التاريخية ، يرى أغلب الباحثين الفرنسيين أن نشأة جهاز النيابة العامة كان مع بداية القرن الرابع عشر ، وبالضبط في سنة 1303 وذلك حينما كلف الملك فليب لوبون Philipelepon بعض الأشخاص بالقيام بمهام وكلاء الملك ، ويساهم نواب عامين للملك لدى المحكمة العليا ونواب للملك لدى المحاكم الدنيا ، وقد تمثلت مهمتهم أساسا في تمثيل الملك أمام هذه المحاكم .
وأثناء الثورة الفرنسية ، تم إلغاء جهاز النيابة العامة باعتبارها مؤسسة تخدم مصالح الملكية المستبدة .
غير أن رجال الثورة الفرنسية سرعان ما اقتنعوا بأنه باستطاعة جهاز النيابة العامة أن يخدم العدالة بشكل أفضل ، وهكذا صدر المشرع اختصاصات النيابة العامة في المادة الجنائية على وجه الخصوص حيث تم إحداث وظيفة المدعي العام L’accusateur public أمام المحاكم التي أحدثتها تلك الثورة .
وقد عرف مرسوم قانون مؤرخ في 16-4-1990 جهاز النيابة العامة كالآتي : جهاز يتكون من أعضاء ينتمون إلى السلطة التنفيذية يعملون بجانب المحاكم .
ومن الملاحظ أن الإصلاح القضائي الفرنسي الصادر في 22 دجنبر 1958 قد ظل وفيا لهذا التصور انطلاقا من تبعية النيابة العامة لوزير العدل .
إن نظام النيابة العامة كما هو مطبق أمام المحاكم المغربية حاليا ليس وليد تقاليد قضائية مغربية صرفة ، فهو من ضمن التراث القانوني الذي حملته لنا فرنسا باعتبارها دولة حامية للمغرب ابتداء من معاهدة فاس المبرمة في 30 مارس 1912 .
ففي عهد الحماية كان القضاء الأهلي المتمثل في القضـــــــــــــــاء الشرعي والقضاء المخزني والقضاء العرفي والقضاء العبري يخضع للرقابة المباشرة إما لمندوب الحكومــــــــــة Le commissaire du gouvernement وإما للمراقـب المدنـــــي Le contrôleur civil، وقد كان هذا أن الجهازان يلعبان دورا يقترب أحيانا من دور النيابة العامة ، وبخصوص القضاء الفرنسي ، فقد كانت به نيابة عامة على مستوى جميع درجاته بالشكل السائر أمام قضاء الدولة الحامية نفسه ، نقصد محاكم الصلح والمحاكم الابتدائية ومحكمة الاستئناف بالرباط .
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي عمل على إحداث جهاز للنيابة العامة بالمجلس الأعلى عندما تم تأسيس هذا الأخير بظهيـــــــر 27 شتنبر 1957 ، وذلك ما تم تكريسه في التنظيم القضائي المغربي الحالي الصادر في 15 يوليوز 1974 .
أولا : تعريف النيابة العامة :
يطلق مصطلح النيابة العامة في النظام القضائي المغربي على فئة من رجال القضاء ، يوحدهم جميعا السلك القضائي ويشملهم النظام الأساسي لرجال القضاء – الظهير الشريف بمثابة قانون الصــــــادر فــــــي 11 يوليوز1974- ويقوم بمهام النيابة العامة قضاة بمختلف درجات المحاكم ، كما جاء في تأليفها وتنظيمها في الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 338.74.1 المؤرخ في 15 يوليوز 1974 المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة ( الفصول 2 و 6 و 10 ) .
وبالنسبة للجلسات التي تعقدها هيئة الحكم في القضايا الجنائية ، يعد حضور القاضي الممثل للنيابة العامة بها دائما ، دون مشاركته في التداول وإصدار الأحكام ، عنصرا أساسيا في تشكيلها ، وضروريا لصحة انعقادها ( الفصول 4 و 7 و 11 من نفس القانون المشار إليه أعلاه .
وهكذا يمثل وكيل الملك شخصيا أو بواسطة نوابه النيابة العامة في دائرة نفوذ المحكمة الابتدائية المعين بها ويمارس الدعوى العمومية تحت مراقبة الوكيل العام إما تلقائيا أو بناء على شكاية شخص متضرر كما يمارس وكيل الملك سلطته على نوابه ، وله أثناء أداء مهامه الحق في تسخير القوة العمومية مباشرة .
وهكذا يتضح أن الأصل في مهام النيابة العامة أنها تقوم وبمساعدة الشرطة القضائية التي تعمل تحت إشرافها، بالتثبت من وقوع الجرائم وجمع الأدلة عنها والبحث عن مرتكبيها ، ثم إقامة الدعوى العمومية ضد من يكشف البحث عن ض
لوعه في ارتكاب الجريمة كفاعل أصلي أو شريك أو مساعد ، لتطبق عليه العقوبة المقررة في القانون الجنائي . ومن تم فإن النيابة العامة تنوب عن المجتمع في الدفاع عن حقه في حياة آمنة ، وحماية جميع أفراده من كل فعل يمس بحقهم في الحياة وبحقوقهم المادية والمعنوية ، وذلك عوض إسناد هذه المهمة الخطيرة إلى المجتمع نفسه كما كان سائدا في العهود الغابرة .
ولذلك فيجب على وكيل الملك أن يخبر الوكيل العام للملك بالجنايات التي تبلغ إلى علمه وكذا بمختلف الأحداث والجرائم الخطيرة أو التي من شأنها أن تخل بالأمن العام .
وقد عرف المشرع المصري 3 النيابة العامة بأنها شعبة من شعب السلطة القضائية ، وهي النائبة عن المجتمع والممثلة له وتتولى تمثيل المصالح العامة ، وتسعى في تحقيق موجبات القانون ( المادة الأولى ) ، وتختص أساسا – دون غيرها – بتحريك الدعوى الجنائية ، وذلك بإجراء التحقيق بنفسها أو بمن تنتدبه لذلك من مأموري الضبط القضائي أو بطلب ندب قاض للتحقيق أو بتكليف المتهم بالحضور أمام المحكمة الجنائية المختصة لمحاكمته ( المادة الثانية ) ، وتباشر النيابة العامة الدعوى الجنائية ، بمتابعة سيرها أمام المحاكم حتى يصدر فيها حكم بات ، وتقوم بأداء وظيفة النيابة العامة لدى محكمة النقض نيابة عامة مستقلة تشكل طبقا لأحكام القانون السلطة القضائية . ولهذه النيابة – بناءا على طلب المحكمة – حضور مداولات الدوائر المدنية والتجارية والأحوال الشخصية دون أن يكون لممثلها صوت معدود فــــــــي المـــــــــداولات ( المادة الثالثة ) ، وهكذا يتضح أن المشرع المصري وسع من الصلاحيات المسندة إلى النيابة العامة وجعلها تنهض بكافة الاختصاصات الأخرى التي تنص عليها مختلف القوانين أو تقتضيها وظيفتها الإدارية .
ثانيا : مهام النيابة العامة
إن غاية الحياة السياسية هي ضمان حقوق الإنسان الفرد ومعاملته كماهية حرة واعتباره على الدوام كغاية .
وعلى هذا فمتى رأى أي شخص نفس أنه متضرر من فعل أو قول غيره له بأن سلب ماله أو عنفه أو اعتدى على عرضه أو ما شابه ذلك ، فإن من حقه اللجوء إلى السيد وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية المتواجد بدائرة نفوذها ، أو يمكنه أن يتقدم إلى الضابطة القضائية من شرطة أو درك تابعة لمراقبة وكيل الملك بالمحكمة المذكورة ، فيسجل شكاية ضد المشتكى به ، مهما كان المشتكـــى به نظرا لأن القانون ينــــــص علــى أن ” كل الناس سواسية ” أمام القانون ، ولهم الحق في التمتع بحماية متكافئة من دون أية تفرقة و ذلك ما أكده الدستور المغربي المراجع سنة 1996 مادته التاسعة .
وعلى هذا فعلى وكيل الملك كما تنص الفقرة الأولى من المادة 40 من قانون المسطرة الجنائية رقم 01/22 أن ” يتلقى المحاضر والشكايات والوشايات ويتخذ بشأنها ما يراه ملائما ” بأن يباشر ما ذكر شخصيا أو بواسطة نوابه الذين يزاولون أعمالهم تحت سلطته .
ولذلك يجب على أعضاء النيابة العامة بذل العناية الواجبة فيما يعرض عليهم من القضايا ، واحترام حرية المواطنين فيما يتخذون من إجراءات ، والحرص على إنزال حكم القانون صحيحا عليها وحسن وزن الأموال ، ومراعاة ملاءمة التصرف للوقائع والأدلة القائمة في الأوراق ، رعاية لجلال الأمانة التي يشرفون بحملها ، كما يجب عليهم التزام الحياد والنزاهة ، في كل ما يصدر عنهم بمناسبة النهوض برسالتهم في تمثيل المصالح العامة ، وحماية الشرعية وتأكيد سيادة القانون .
وعليه فإنه يجب على أعضاء النيابة العامة أن يتوخوا الوصول إلى الحقيقة في شأن المحاضر و الشكايات والوشايات التي يتلقونها وان يتخذوا الإجراءات الكاشفة عنها ولو كانت في مصلحة المتهم ، إذا أن مهمة النيابة العامة ليست البحث عن تحقيق الإدانة ، وإنما حماية القانون والشرعية ، وتحقيق حسن إدارة العدالة .
فمتى حصلت القناعة لوكيل الملك بأن المشتكى به أو المشتكى بهم بأنهم ارتكبوا مخالفات للقانون الجنائي ، فإنه يصدر أمره بتقديمهم ومتابعتهم ، فيعمل على إحالتهم على هيئات التحقيق أو إلى هيئات الحكم المختصة .
كما أنه إذا ما تبين للنيابة العامة من خلال إجراءات البحث التي تقوم بها إما مباشرة أو بواسطة الضابطة القضائية أن المشتكى به لم يقم بأي فعل مخالف للقانون الجنائي فإن وكيل الملك يأمر بحفظ ذلك المحضر أو تلك الشكاية بمقرر يمكن دائما التراجع عنه .
إن إصلاح قانون المسطرة الجنائية كان أمرا منتظرا وواردا منذ أزيد من ربع قرن ، وظل مصدر اهتمام وانشغال ومطالبة جميع الحقوقيين ومختلف الأوساط السياسية والقانونية والقضائية منذ 25 سنة خلت .
ثالثا : النيابة العامة في قانون المسطرة الجنائية الجديد :
تضمن قانون المسطرة الجنائية الجديد الإشارة إلى اختصاص وكيل الملك في المواد من المادة 39 إلى 47 المقابلة للفصول من 37 إلى 45 من قانون المسطرة الجنائية الحالي ، فعدلت المادة 39 الموازية للفصل 37 الحالي المتعلقة بمجال اختصاص وكيل الملك من حيث الصياغة مع الأخذ بعين الاعتبار الفصل الرابع من ظهير الإجراءات الانتقالية .
وتم توسيع مجال اختصاص النيابة العامة أثناء صياغة المادة 40 الموازية للفصل 38 الحالي في حالة القيام بإجراءات البحث والتحري عن الجرائم وذلك عن طريق منحها إمكانية اتخاذ أي إجراء تحفظي تراه ملائما لحماية الحيازة وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه ، إذا تعلق الأمر بانتزاع حيازة بعد تنفيذ أي حكم .
لوكيل الملك أيضا طبقا لهذه المستجدات إصدار الأوامر الدولية بإلقاء القبض وإرجاع الحالة وإرجاع المحجوزات وسحب جواز السفر وإغلاق الحدود كلما تعلق الأمر بجنحة معاقب عليها بسنتين حبسا أو أكثر ، وإذا كان هذا الإجراء الأخير يحد من حرية التنقل التي ضمنها الدستور والتي لا يحد من مداها إلا القانون ، فإنه لا ينبغي أن يستغل هذا الحق للفرار من وجه العدالة وإلحاق الضرر بالضحايا ، لهذا ورغبة من قانون المسطرة الجنائية الجديد في تجاوز الصعوبة القانونية التي كان يطرحها عدم وجود نص قانوني يخول للنيابة العامة إجراء إغلاق الحدود وسحب جواز السفر في الحالة التي تبقى فيها الاستدعاءات المتكررة الموجهة بشأنها إلى الجناة غير ذات جدوى ، أو عندما لايمكن وضع هؤلاء تحت الحراسة النظرية نظرا لطبيعة القضية التي تتطلب وقتا، و لإتمام البحث والقيام بالمواجهات والتحريات اللازمة ، عمل على مد النيابة العامة بآلية تمكنها من ملاحقة الفارين بأن منح لها الحق في إغلاق الحدود وسحب جواز السفر والذي من شأنه أن يقطع الطريق أمام المشتبه فيهم سيئي النية ويمكن الضحايا من حقوقهم في أقرب الآجال .
وبمقتضى المادة 41 من قانون المسطرة الجنائية الجديد أصبح من حق المتضرر أو المشتكى به قبل إقامة الدعوى العمومية وكلما تعلق الأمر بجريمة معاقب عليها بسنتين حبسا أو أقل أو بغرامة مالية لا يتجاوز حدها الأقصى 5000 درهم ، أن يطلب من وكيل الملك تضمين الصلح الحاصل بينهما في محضر وفق الشكليات المحددة في الفقرة الثانية من هذه المادة على أن يحيله على رئيس المحكمة الابتدائية أو من ينوب عنه للتصديق عليه بمقتضى أمر قضائي – لا يقبل أي طعن – يتضمن ما اتفق عليه الطرفان أداء غرامة لا تتجاوز نصف الحد الأقصى للغرامة المقررة قانونا مع تحديد أجل لتنفيذ الصلح .
أما المواد 42 ، 43 ، و 44 الموازية للفصول 39 ، 40 و 41 الحالي فقد عدلت من حيث الصياغة فقط .
وصيغت المادة 45 الموازية للفصل 42 الحالي المتعلقة بتسيير وكيل الملك لإعمال ضباط الشرطة القضائية وأعوانها في دائرة نفوذ محكمته وتنقيطهم مع حذف الفقرة الأخيرة من الفصل 42 الحالي المضافة للمادة 36 من المشروع وإضافة الفقرتين الأخيرتين المتعلقتين بمنح وكيل الملك صلاحية زيارة أماكن الحراسة النظرية ومراقبة سجلاتها وتحرير تقرير بمناسبة كل زيارة وإشعار الوكيل العام بملاحظاته ، وذلك في إطار تعزيز المراقبة القبلية لعمل ضباط الشرطة القضائية أثناء مرحلة البحث التمهيدي .
أما المادة 46 الموازية للفصل 43 المتعلقة بالحالات التي يتولى فيها نواب الملك القيام بمهام وكيل الملك ، فقد عدلت من حيث الصياغة فقط ، وحذف الفصل 44 و 45 الحاليين المتعلقين بمحاكم السدد والصلح لملاءمة الوضع مع التنظيم القضائي الحالي .
وتعرضت المادة 47 من قانون المسطرة الجنائية الجديد المقابلة للفصل 76 من القانون الحالي لإجراء استنطاق المشتبه فيه من طرف وكيل الملك في حالة التلبس بجنحة طبقا للمادة 56 مع الاستعانة بترجمان عند الاقتضاء أو إصدار أمر بالإيداع في السجن إذا كانت الجنحة يعاقب عليها بالحبس مع مراعاة مقتضيات المادة 74 .
وفي غير حالة التلبس تطبق المقتضيات أعلاه في حق المشتبه فيه الذي اعترف بجريمة معاقب عليها بالحبس أو ظهرت معالم أو أدلة قوية عند ارتكابه لها مع عدم تركيزه على الضمانات المحددة في الفقرة الأخيرة من هذه المادة ويلتزم وكيل الملك في هذه الحالة بتعليل قراره 1 .
وبعد هذه النظرة الموجزة عن التطور التاريخي لمؤسسة النيابة العامـــة ومفهومها والمهام المسندة لها ، سنتناول بالدراسة والتحليل المهام الجديدة المسندة للنيابة العامة (الفصل الأول) ثم دعم دور النيابة في مكافحة ظاهرة الجريمة (الفصل الثاني) مقتصرين في ذلك على المواد من 39 إلى 47 من قانون المسطرة الجنائيـــــــــة الجديــــــــد ( الظهير الشريف رقم 1.02.255 الصادر في 25 رجب 1423 الموافق 3 أكتوبر 2002 بتنفيذ القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية )2 .
الفصل الأول : المهام الجديدة المسندة للنيابة العامة :
اتجه المشرع نحو إعطاء النيابة العامة دورا جديدا يرمي إلى القضاء الفوري على آثار الجريمة والحفاظ على الوضعيات التي كانت قارة قبل ارتكابها ، كما أوجد لها دورا فعالا يرمي إلى وضع حد للنزاع الاجتماعي وأعطاها المبادرة للقيام بالصلح بين طرفي النزاع .
ونستعرض فيما يأتي أهم الأدوار المسندة إلى النيابة العامة التي جاء بها قانون المسطرة الجنائية 1 ، وذلك في المباحث التالية :
المبحـــــث الأول : مسطرة الصلح بين الخصوم .
المبحث الثانـــي : إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه في جرائم الاعتداءات على الحيازة .
المبحث الثالـــــث : رد الأشياء المحجوزة لمن له الحق فيها .
المبحث الرابـــــع : إيقاف سير الدعوى .
المبحث الخامــس : السند التنفيذي للنيابة العامة في المخالفات .
المبحث الأول : مسطرة الصلح بين الخصوم
في ظل قانون المسطرة الجنائية الجديد يمكن للمتضرر أو المشتكى به قبل إقامة الدعوى العمومية ، وكلما تعلق الأمر بجريمة يعاقب عليها بسنتين حبسا أو أقل أو بغرامة لا يتجاوز حدها الأقصى 5.000 درهم أن يطلب من وكيل الملك تضمين الصلح الحاصل بينهما في محضر إذا ما وافق عليه وتراضى الطرفين ، ويحال هذا المحضر على رئيس المحكمة الابتدائية ليصادق عليه بحضور النيابة العامة والطرفين أو دفاعهما بغرفة المشورة بمقتضى أمر قضائي لا يقبل أي طعن ….
وهكذا يتضح بأن المشرع المغربي أعطى للنيابة العامة دورا هاما بخصوص الصلح لرأب الصدع الاجتماعي ووضع حد للنزاعات التي تكون قد نشبت بين طرفي الخصومة ، خاصة وأن الصلح عرفته الأمم منذ غابر الأزمان ، ولقد اعتمده سكان المغرب منذ قرون عديدة قبل الفتح الإسلامي على عاداتهم وأعرافهم لتنظيم حياتهم الاجتماعية وعلى نفس المنوال سار المسلمون منذ الفتوحات الإسلامية ، ولقد تعامل بنفس الطريقة القضاء المغربي إلى جانب الفقهاء والعلماء حيث ساهم في وضع قواعد الصلح وشروطه وأركانه ورسخ صحيته المطلقة بعد إبرامه ، ولم يكن يسمح للمتصالحين بالرجوع عن الصلح المبرم بينهما على وجه صحيح ، وهذا ما نجد له أمثلة كثيرة في الأحكام الصادرة عن قضاة مختلف المحاكم الشرعية .
وعلى هذا المنوال ذهبت القوانين المغربية – المعاصرة – فأوجبت أو أجازت اللجوء إلى الصلح كثيرة ومتنوعة سواء تعلق الأمر بقوانين الشكل أو قوانين الموضوع أو تلك التي لها صبغة مختلفة ، وكان لابد من إعطاء هذا الدور للنيابة العامة وذلك ما تم بالنسبة لقانون المسطرة الجنائية “الجديد ” كما سبق الذكر مما يدل على أن المشرع أخذ بعين الاعتبار الوضعية الحالية والمستقبلية لجهاز القضاء مما يعني أنه تبنى خيار نظام الإجراءات الجنائية المختلط السائد في أغلب التشريعات القائم على تكليف النيابة العامة بإجراءات مختلفة منها الصالح ، ولمحاولة إجراء مقارنة بين القانون المغربي وباقي التشريعات المقارنة بخصوص هذه النقطة نعرض مقتضيات القانون الفرنسي ( أولا ) والقانون البلجيكي( ثانيا) والقانون الأمريكي (ثالثا) والقانون المغربي ( رابعا) .
اولا:القانون الفرنسي :
لقد نص الفصل 41 –1 من قانون المسطرة الجنائية على أنه ” يمكن لوكيل الجمهورية قبل اتخاذ قراره بشأن الدعوى العمومية وباتفاق الأطراف أن يقرر اللجوء إلى الوساطة إذا ظهر له أن هذا الإجراء من شأنه أن يؤمن التعويض عن الضرر اللاحق بالضحية وأن يضع حدا للاضطراب الناتج عن الجريمة وأن يساهم في إعادة إدماج مرتكب الجريمة ” .
وجاء في الفصل 15-1 أنه عندما يقرر وكيل الجمهورية الالتجاء إلى الوساطة طبقا للمقتضيات المقررة في الفصل 41-1 يعين لهذه الغاية شخصا ذاتيا أو معنويا للقيام بهذه المهمة كما هو مسطر في الفصول اللاحقة.
وجاء في الفصل 15 –2 أنه على ” الشخص الذاتي أو المعنوي الذي يجد في نفسه القدرة للقيام بمهام الوساطة في دائرة نفوذ المحكمة الابتدائية أو محكمة الاستئناف يقدم طلبا بهذا الشأن لوكيل الجمهورية أو للوكيل العام ” .
كما جاء في الفصل 15-3 أن ” الطلب المقدم من قبل جمعية يتضمن بالأساس :
– نسخة من الجريدة الرسمية التي نشر فيها إعلان الجمعية .
– نظير من النظام الأساسي والتنظيم الداخلي إن وجد .
– تقرير يتضمن شروط إدارة الجمعية وعند الاقتضاء:
+ تنظيم شروط نشاط اللجان المحلية وكذا علاقتها بالجمعية.
+ تحديد الأسماء العائلية والشخصية ، تاريخ ومحل الازديــــاد الجنسية ، المهنة ومحل سكن أعضاء مجلس الإدارة ومكتب الجمعية وعند الاقتضاء الممثلين المحليين .
+ الوثائق المحلية التي يجب أن تتضمن حساب آخر عملية مالية ، ميزانية العمليات المالية الجارية والحساب الختامي .
فيما اشترط الفصل 15 – 4 أنه :
يجب أن تتوفر في الوسيط الشروط التالية :
– عدم ممارسة أي مهنة ذات طابع قضائي .
– أن لا يكون قد حكم عليه بعقوبة ما ، أو فقد أهلية على البطاقة رقم 2 من السجل العدلي .
– تقديم ضمانات الأهلية ، الاستقامة والنزاهة .
كما جاء في الفصل 15 – 5 :
يلتزم الوسيط بكتمان السر المهني ، المعلومات التي تصل إلى علمه بمناسبة قيامه بمهمته لا يمكن أن تكون محل أي إفشاء .
وأضاف الفصل 15 – 6 :
بعد استنفاد جميع الإجراءات التي يراها ضرورية لمنح الأهلية للوسيط ، يقوم وكيل الجمهورية أو الوكيل العام بتقديم طلب الأهلية للجمعية العامة للقضاة في مقر النيابة العامة لدى المحاكم الابتدائية أو محاكم الاستئناف ، التي تصوت بأغلبية أعضائها الحاضرين.
ثانيا : القانون البلجيكي :
جاء في الفصل 216 مكرر مرتين من قانون التحقيق الجنائي البلجيكي أنـــــــــه :
” يمكن لوكيل الملك ، بدون المساس بالسلطات التي يمنحها لــه الفصل 216 مكرر ، استدعاء مرتكب الجريمة ، واقتراح تعويض أو إصلاح الضرر الذي أحدثه الفعل الإجرامي وإقامة الدليل على ذلك ، وذلك في حالة ما إذا كان الفعل المرتكب لا يشكل جريمة يعاقب عليها القانون بأكثر من سنتين حبسا كعقوبة أصلية “.
ثالثا : القانون الأمريكي
الوسيط في القانون الأمريكي شخص محايد لا يملك أية سلطة لإلزام الطرفين وإجبارهما على أي شيء ويقوم بعقد جلسات مع أطراف النزاع ، قد تكون جلسات مشتركة تجمع جميع الأطراف ومحاميهم وقد تكون جلسات منفردة مع كل طرف على حدة.
وتنقسم الوساطة في القانون الأمريكي إلى :
وساطة قضائية : أي أن القضاء هو الذي يحيل على وسطاء معينين ضمن قائمة الوسطاء المعتمدين لدى المحاكم .
وساطة اتفاقية : وهي التي يلجأ فيها الطرفان مباشرة إلى الوسيط المتفق عليه إما في عقد سابق أو في عقد لاحق بعد نشوب النزاع .
وساطة تشريعية : عندما يكون هناك تشريع ينص على إحالة الطرفين على الوساطة قبل المرور إلى مرحلة المحاكمة .
رابعا : القانون المصري :
تنص المادة 18 مكرر (أ) :
أنه للمجني عليه – ولوكيله الخاص في الجنح المنصوص عليها في المواد 241 ( فقرتان أولى وثانية ) ،242 ( فقرات أولى وثانية وثالثة ) ، 244 (فقرة أولى ) 265 ، 321 مكرر ، 323 ، 323 مكرر ، 323 مكرر أولا 324 مكرر ، 341 ، 342 ، 358 ، 360 ، 361 ، (فقرتان أولى وثانية ) 329 من قانون العقوبات وفي الأحوال الأخرى التي ينص عليها القانون أن يطلب إلى النيابة العامة أو المحكمة بحسب الأحوال إثبات صلحه مع المتهم ، ويترتب على الصلح انقضاء الدعوى الجنائية ولو كانت مرفوعة بطريقة الادعاء المباشر ، ولا أثر للصلح على حقوق المضرور من الجريمة .
ومن خلال استعراض القوانين المذكورة يتبين بأنه وردت في القانون الفرنسي كلمة ” الوساطة ” وفي القانون البلجيكي كلمة ” إصلاح الضرر ” وفي القانون الأمريكي أيضا كلمة ” الوساطة ” أما في القانون المصري فلقد وردت كلمة الصلح وهي نفس المفردة التي تبناها المشرع المغربي .
وربما أن هذه اللفظة أكثر إيفادا للمعنى المقصود وسندنا في ذلك أن المشرع راعى خصوصية الشريعة الإسلامية باعتبارها السباقة لاستعمال هذا المصطلح . لقد جاء في القرآن الكريم : لا خير في كثير من نجواهم الا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نوتيه أجرا عظيما وقوله أيضا : (( وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فاصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا إن الله يحب المقسطين إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخـــويكم… ) .
وقد ورد في السنة النبوية أن النبي محمد( ص) قال : ” الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلال وأحل حراما ” ، ولقد أبرم عدة اتفاقيات ومعاهدات تقضي بالصلح مع خصومه أو بين طرفي الخصومة لفض النزاع بينهما ، ومن المعلوم أن النبي (ص) أول قاضي في الإسلام وإذا كان المشرع قد انتقى لفظة ” الصلح ” للاعتبارات المذكورة و ترجيحها على ألفاظ أخرى منها ” السدد” الذي ورد في المشروع فإن لفظة السدد لم تكن في محلها لأنه قد يقصد بها الرشاد و الصواب و الاستقامة ، أما الصلح فيقصد به السلم و التنازل عن بعض الحقوق المتنازع عليها .
وهكذا و بمقتضى المادة 41 من قانون المسطرة الجنائية ، و كما سبق الذكر أصبح من حق المتضرر أو المشتكى به قبل إقامة الدعوى العمومية وكلما تعلق الأمر بجريمة معاقب عليها بسنتين حبسا أو أقل أو بغرامة مالية لا يتجاوز حدها الأقصـى 5.000,00 درهم ،أن يطلب من وكيل الملك تضمين الصلح الحاصل بينهما في محضر وفق الشكليات المحددة في الفقرة التالية من هذه المادة على أن يحيله على رئيس المحكمة الابتدائية أو من ينوب عنه للتصديق عليه بمقتضى أمر قضائي لا يقبل أي طعن – يتضمن ما اتفق عليه الطرفان أداء غرامة لا تتجاوز نصف الحد الأقصى للغرامة المقررة قانونا مع تحديد أجل تنفيذ الصلح.
ولاشك أن مثل هذه الإجراءات من شأنها أن تقطع الطريـــــــــــق أمام المشتبه فيهم سيئي النية ويمكن الضحايا من حقوقهم فـــــي أقــــرب الآجال.
المبحث الثاني : إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه في حالة الاعتداء على الحيازة .
يستعمل القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية مصطلح الرد بينما يستعمل العمل القضائي هذا المصطلح أحيانا ، ومصطلح إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه أحيانا أخرى ، وقد تضمن قانون المسطرة الجنائية الجديد أحكاما خاصة بالرد وخصص إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه بأحكام أخرى .
والاستعمالان المذكوران مردهما أن للرد مفهومين ، مفهوم واسع يستهدف إعادة الحالة إلى الوضع الذي كانت عليه قبل وقوع الجريمة ، وإزالة آثارها ، كإعادة المالك إلى العقار الذي نزع منه قسرا ، أو إبطال العقود المزورة وما ترتب عنها من نتائج ، ومفهوم ضيق يقتصر على رد الأشياء التي وضعت بين يدي العدالة بمناسبة ارتكاب جريمة إلى أصحاب الحــــق فيه .
وقد أعطى القضاء المغربي للرد مفهومه الواسع المشار إليه ، بجعله يستهدف إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه قبل وقوع الجريمة ، مع إعمال أحكامه على العقار وتأكيد مبدأ عدم ضرورة تقديم طلب للحكم به :
– ” يسوغ للمحكمة وهي تبث في انتزاع الحيازة من يد الغير بالقوة أن تأمر برد الأمور إلى نصابها قبل الجريمة ، وهي بعملها هذا لم تتجاوز اختصاصها بالفصل في الأصل أو الاستحقاق ، وإنما اتخذت تدبيرا يحمي الحيازة ، ويضع حدا للحالة المترتبة عن الجريمة ، وبذلك تكون المحكمة عللت حكمها وبنته على أساس سليم ” .
– في شأن وسيلة النقض الأولى المتخذة من الحكم بشيء غير مطلوب ، ذلك أنه يتضح من شكاية السيد عبد القادر بن أحمد ، انه لم يطلب التخلي ورفع اليد عن العقار المدعى فيه ، ومع ذلك فإن محكمة الدرجة الأولى قد حكمت بالإفراغ حكما أيدته الدرجة الثانية ، وعليه يكون الحكم المطعون فيه قد حكم بشيء غير مطلوب ، مما يتعين معه نقضه ، لكن حيث أن العارضين كانا متابعين أمام المحكمة بجريمة الترامي على ملك الغير ، وأن المحكمة بعد أن ثبتت لديها الإدانة ، وحكمت عليهما جنائيا كان من حقها أن ترد الأمور إلى نصابها وأن تعيد الحالة إلى ما كانت عليه قبل الجريمة ، وهذا من باب الرد ، الذي يجوز للمحكمة أن تأمر به ولو لم يطلبه صاحب الأمر ، مما تكون معه الوسيلة على غير أساس ” .
– ” حيث إنه إذا كان من النظام العام أن يبقي كل حائز لمتاع عقاري على حيازته وأن يرد الأشياء إلى الحالة التي كانت عليها قبل وقوع الجريمة إلى أن يصدر قرار مخالف من المحكمة المختصة في الملف فقد كان يسوغ للمحكمة الزجرية بعد أن ثبت لديها انتزاع الحيازة من يد الغير بالقوة أن تأمر برد الأمور إلى نصابها السابق للجريمة “
بعد هذا التقديم ، نشير أن قانون المسطرة الجنائية الجديد منح النيابة العامة بسلطة إضافية تمكنها من إرجاع الأشخاص المعتدى عليهم إلى العقارات التي انتزعت منهم بفعل اعتداء جرمي ، وتلافي استمرار هذا الوضع في انتظار صدور حكم قد تطول إجراءاته ، ويقع هذا الإجراء تحت مراقبة القضاء الذي له أن يقره أو يلغيه أو يعدله.
إذ أكدت المادة 40 من قانون المسطرة الجنائية الجديد أنه يجوز لوكيل الملك ، إذا تعلق الأمر بانتزاع حيازة بعد تنفيذ حكم ، أن يأمر باتخاذ أي إجراء تحفظي يرى ملائما لحماية الحيازة وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه على أن يعرض هذا الأمر على المحكمة أو هيئة التحقيق التي رفعت إليه القضية أو التي سترفع إليها خلال ثلاثة أيام على الأكثر لتأييده أو تعديله أو إلغائه .
كما يجوز لوكيل الملك في حالة عدم وجود منازعة جدية أن يأمر برد الأشياء التي ضبطت أثناء البحث لمن له الحق فيها ، مالم تكن لازمة لسير الدعوى أو خطيرة أو قابلة للمصادرة .
لذلك يجوز للنيابة العامة ، متى قامت دلائل كافية على جدية الاتهام في جرائم الاعتداءات على الحيازة ، أن تأمر باتخاذ أي إجراء تحفظي تراه ملائما لحماية الحيازة وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه ، ويقع هذا الإجراء تحت مراقبة القضاء الذي له أن يقره أو يلغيه أو يعدله ، وهو يشكل ضمانة أكيدة ، وبديهي أن يحرص المشرع على بسط مراقبة القضاء حماية للمشروعية والقانون .
وتجدر الإشارة إلى أنه بتفحص قانون المسطرة الجنائية الحالي ، نلاحظ انه لا يحتوي على نص صريح يخول للنيابة العامة سلطة إرجاع الأطراف إلى الحالة التي كانوا عليها قبل الاعتداء على الحيازة ، فإذا حدث أن تم الهجوم على مسكن شخصي أو تم تجريده بمقتضى فعل جرمي ، من حيازة عقار أو منقول ، فإن النيابة العامة تكتفي بإثارة المتابعة وعرض الأشخاص على القضاء للبت في النازلة ، وقد يطول أمد المسطرة ويبقى خلالها الضحية الذي انتزعت منه الحيازة مشردا وتظل الحيازة بيد المعتدي ، الشيء الذي يؤدي إلى عدم تفهم المتضرر لدور العدالة في هذه الحالة ويضحى يميل إلى الاعتقاد بعدم وجودها لأنها لم تحسم في مشكلته في الوقت المناسب.
وهذا ما جعل المشرع يمنح للنيابة العامة في قانون المسطرة الجنائية الجديد حق الأمر بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه ، على أن يتم عرض الأمر على المحكمة المختصة خلال ثلاثة أيام على الأكثر لتأييده أو تعديله أو إلغائه .
ومما لوحظ على نص المادة 40 بخصوص إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه في جرائم الاعتداء على الحيازة ، أنه يستحسن ضمانا لكافة الحقوق أن يتم النص على ضرورة إشعار الأطراف بذلك أي بإحالة الأمر على الجهة المختصة خلال ثلاثة أيام على الأكثر لتأييده أو تعديله أو إلغائه 3 ، إن المشرع قد أغفل مرة أخرى استدعاء الأطراف ، أو المعنيين بأمر تلك الأشياء ، والذين أحاطهم المشرع بضمانات المواجهة الحضورية عند حجز تلك الأشياء من طرف الضابطة القضية ، فكيف لايتم إشعارهم إذا تعلــــــــــــق الأمــــــــــر بإجـــــراء تقوم بــــــه النيابــــــــة العامــــــة ( المــواد 57 – 59 – 63 – 79 ) .
المبحث الثالث : رد الأشياء المحجوزة لمن له الحق فيها:
كثيرا ما تتضرر ضحايا الجرائم من تحفظ السلطات عن متحصلات الجريمة في انتظار البت النهائي في القضايا ، الشيء الذي يستغرق في العادة وقتا طويلا رغم أن تلك الأشياء ليست محل أي نزاع في شأن الملكية ، وأنها مجرد منقولات سلبت من أصحابها الشرعيين بمقتضى أفعال جرمية ( سرقات أو اختلاسات أو نصب أو خيانة أمانة أو غيرها من الجرائم ) .
وهي بالإضافة إلى ذلك تملأ ردهات المحاكم ، وتثير صعوبة أخرى في حراستها والمحافظة عليها من التلف أو الإتلاف أو تدني القيمة من جراء التآكل بالإضافة إلى ما تفرض من مسؤوليات على عاتق كتابة الضبط على مستوى حراستها والمحافظة عليها ، ولهذا الغرض فإن المشرع نحا نحو تحسين مر دودية العدالة الجنائية وتخفيف وطأة الجرم على الضحايا حين أباح للنيابة العامة أن تقوم بتسليم الأشياء التي ضبطت أثناء البحث لمن له الحق فيها مالم تكن ملازمة لسير الدعوى أو محلا للمصادرة ولا توجد منازعة بشأنها.
جاء في المادة 40 من قانون المسطرة الجنائية أنه ” يجوز في حالة عدم وجود منازعة جدية أن يأمر برد الأشياء التي ضبطت أثناء البحث لمن له الحق فيها ، مالم تكن لازمة لسير الدعوى أو خطيرة أو قابلة للمصادرة ” .
ويلاحظ أن المشرع قد اقتصر على مجرد ” المنازعة ” لكي لا تأمر النيابة العامة بالرد ، وهو تعبير عام ومطلق قد يجعل من كل منازعة لأجل المنازعة ذريعة لعدم الرد ، مع أن المقصود هو المنازعة الجدية ، حتى تتحقق الغاية التي أرادها المشرع .
ويلاحظ بأن المشرع قد استعمل عبارة ” مالم تكن لازمة لسير الدعوى ” وهي عبارة عامة جدا قد يؤدي التوسع في تفسيرها إلى هضم بعض الحقوق ، وكان يفضل استعمال عبارة ” مالم تكن لازمـــــة لإظهار الحقيقة ” كما فعل المشرع الفرنسي في المادة 481 من قانون المسطرة الجنائية .
ولقد أحسن المشرع فعلا عندما حذف لفظة ” ومحلا للمصادرة ” التي كانت واردة في المشروع فاستبدلها بلفظة ” أو قابلة للمصادرة ” susceptible de confiscation كما فعل المشرع الفرنسي في المادة المشار إليها . ويمكن إثارة ملاحظة أخرى وهي ” أن المشرع قد أغفل مرة أخرى استدعاء الأطراف أو المعنيين بأمر تلك الأشياء والذين أحاطهم المشرع بضمانات المواجهة والحضورية عند حجز تلك الأشياء من طرف الضابطة القضائية ، فكيف لايتم إشعارهم إذا تعلق الأمر بإجراء تقوم به النيابة العامة.
وأيضا ” عن الفترة الزمنية التي يمكن خلالها للنيابة العامة أن تمارس حق الأمر برد الأشياء ، فالملاحظ بأن بداية اختصاص النيابة العامة هو انطلاق البحث ، ونهايته هو إحالة الملف على قضاء التحقيق أو قضاء الحكم ، وهو ما تسمح بتقريره المبادئ العامة والمقتضيات القانونية لإن الجهتين القضائيتين المذكورتين يمكنهما في كل وقت وحتى أثناء إجراءات التحقيق وأمام المحكمة وقبل الحكم في الجوهر ، وحتى بعد صدور أمر بعدم المتابعة ، أو صدور حكم بالبراءة ، الأمر بإرجاع الأشياء المحجوزة إلى أصحاب الحق فيها .
والملاحظ في هذا الإطار أن قانون المسطرة الجنائية لم يعط للنيابة العام حق طلب رد الأشياء المحجوزة كما فعل القانون الفرنسي الذي سلبها هذا الحق بعد نسخ قانون التحقيق الجنائي ودخول قانون المسطرة الجنائية حيز التطبيق ( المادتين 373 و 283 قبل إلغائه ) .
أما إذا انتهت المسطرة دون أن يحال الملف على قضاء التحقيق أو قضاء الحكم ، بأن تكون النيابة العامة قد قررت حفظ الشكاية لوفاة المتهم أو لغير ذلك من الأسباب ، فإنها تبقى مختصة للأمر بالرد ، وفي حالة المنازعة يرى الفقه والقضاء إمكانية عرض النزاع على المحكمة المدنية التي يقاضي الطرف المدني النيابة العامة أمامها.
المبحث الرابع : إيقاف سير الدعوى العمومية :
إن بعض النزاعات التي تقع بين الإفراد وتعرض على المحاكم ، خاصة عندما تكتسي طابعا عائليا ، يكون من شأن التمادي فيها التأثير على الروابط والعلاقات الإنسانية القائمة بين طرفي النزاع خاصة حين يكون الضرر الاجتماعي ليس بالأهمية البالغة .
ورغبة في الحفاظ على هذه الروابط التي يؤدي الحكم فيها إلى أضرار لا تتحقق معها المصلحة العامة ، فقد أحدث المشرع آلية جديدة نصت عليها المادة 372 ، وبمقتضاها يمكن للمحكمة في حال وقوع تنازل أو صلح أثناء سريان الدعوى أو إذا اقتضت المصلحة ذلك أن تأمر بإيقاف سير الدعوى العمومية وذلك بناء على ملتمس تقدمه النيابة العامة ، مع إمكانية استئناف النظر بطلب من النيابة العامة أيضا مالم تكن الدعوى قد انقضت بأحد أسباب السقوط كالتقادم وغيره ، وتدعم هذه الإمكانية الأخيرة الغاية المتوخاة من هذا الاستثناء وهي الحفاظ على النسيج الاجتماعي وتكون بمثابة رادع لأطراف النزاع ، فمتى عادوا إلى نفس الأفعال يمكن استئناف النظر من جديد في الدعوى الجنائية.
لقد نصت المادة 372 المذكورة أعلاه على أنه ” إذا كان الأمر يتعلق بمتابعة من أجل جنحة من الجنح المنصوص عليها في المادة 41 من هذا القانون ، فإنه يمكن للمحكمة المعروضة عليها القضية بناء على ملتمس تقدمه النيابة العامة في حالة تنازل الطرف المتضرر من الفعل الجرمي عن شكايته ، أن توقف سير إجراءات الدعوى العمومية ، مالم تكن قد بتت فيها بحكم نهائي “.
وأضافت هذه المادة أنه ” يمكن مواصلة النظر في الدعوى العمومية بطلب من النيابة العامة ، إذا ظهرت عناصر جديدة تمس الدعوى العمومية ، مالم تكن قد سقطت بالتقادم أو بسبب آخر “.
وبذلك يتضح جليا أن المشرع قد وضع آلية جديدة تتوخى الحفاظ على الروابط الاجتماعية ووضع حد لتناسل الخلافات الاجتماعية.
المبحث الخامس : السند التنفيذي للنيابة العامة في المخالفات
لقد تم نقل اختصاص البت في المخالفات ( المعاقب عليها بغرامة تقل عن 1200 درهم ) والتي لا يعاقب عنها بعقوبات سالبة للحرية ولا يظهر فيها مطالب بالحق المدني ، إلى قاضي النيابة العامة ، ذلك أن هذا القاضي يقترح على المخالف غرامة جزافية بمقتضى سند قابل للتنفيذ ( بدل تقديم ملتمس للقاضي ) ، وهذا السند يقع تبليغه للمتهم بواسطة رسالة مضمونة الوصل مع الإشعار بالإستيلام أو بأية وسيلة أخرى من وسائل التبليغ يشار فيها إلى حق التعرض خلال عشرة أيام من التوصل ، ويتم التعرض في شكل تصريح يضمن في رسالة التبليغ التي يعاد توجيهها لكتابة الضبط بالبريد المضمون ، وفي هذه الحالة فإن رسالة التبليغ نفسها تحدد تاريخ النظر في التعرض الذي يعين داخل أجل لايقل عن شهرين من تاريخ التبليغ ، وتعتبر بذلك استدعاء للمتهم المتعرض لحضور الجلسة.
” ولتفادي الإجراءات والمجهودات المضاعفة ، وتوخيا للسرعة حرص المشرع في المواد من 375 إلى 382 على نقل هذا الاختصاص للنيابة العامة التي بدل أن تحرر ملتمسا ، تقترح على المخالف أداء غرامة جزافية تبلغ نصف الحد الأقصى للغرامة المقررة قانونا ويتم تبليغه للمخالف الذي له الحق في التعرض في نفس رسالة التبليغ التي يحدد فيها مسبقا تاريخ البث في التعرض من طرف المحكمة ، ولمن شأن اقتراح أداء نصف الحد الأقصى للغرامة أن يشجع المخالفين على عدم الطعن بالتعرض ، وهذا الإجراء الجديد ليس فيه ما يمس بحقوق الدفاع أو يعاكس المبادئ القائمة عليها الإجراءات الجنائية سيما وأنه شبيه إلى حد ما بالمسطرة التصالحية التي يجريها الأعوان المكلفون بضبط مخالف السير في إطار الظهير الشريف الصــــــادر بتاريـخ 19 / 03 / 1953 كما تم تعديله والمرسوم الصادر بتاريـــــــــــخ 24 / 10 / 1994 .
هذه المسطرة التي انتهجتها بعض التشريعات وحققت نتائج ملموسة أذكر منها على سبيل المثال المشرع المصري الذي أدخل تعديلات على قانون الإجراءات الجنائية وقانون العقوبات بمقتضى القانون رقم 174 سنة 1997 الذي أباح بمقتضاه في المادة 325 للنيابة العامة في الجنح والمخالفات غير المعاقب عليها بالحبس أو الغرامة التي يزيد حدها الأدنى على خمسمائة جنيه إصدار الأمر بأدائها “.
وللإفادة سنعمل على المقارنة بين قانون المسطرة الجنائية المغربي ( أولا ) ثم القانون الفرنسي ( ثانيا ) وبعد ذلك قانون الإجراءات الجنائية المغربي ( ثالثا ) .
أولا : قانون المسطرة الجنائية المغربي :
لقد جاء في المادة 375 من قانون المسطرة الجنائية ” يجوز للنيابة العامة ، في سائر الأحوال التي ترتكب فيها مخالفة يعاقب عليها القانون بغرامة مالية فقط ويكون ارتكابها مثبتا في محضر أو تقرير ولا يظهر فيها ، متضرر أو ضحية ، أن تقترح على المخالف بمقتضى سند قابل للتنفيذ أداء غرامة جزافية تبلغ نصف الحد الأقصى للغرامة المنصوص عليها قانونا “.
كما أضافت المادة 376 من قانون المسطرة الجنائية ” يجب أن يحمل السند القابل للتنفيذ الصادر عن النيابة العامة في المخالفات تاريخ صدوره وإمضاء قاضي النيابة العامة وأن يتضمن :
1) الاسم الشخصي والاسم العائلي والمهنة ومحل السكنى وإن أمكن رقم بطاقة الهوية ونوعها لمرتكب المخالفة وللمسؤول عن الحقوق المدنية إن اقتضى الحال .
2) بيان المخالفة ومحل وتاريخ ارتكابها ووسائل إثباتها .
3) النصوص المطبقة في القضية .
4) بيان مبلغ الغرامة مع الإشارة إلى أدائها بصندوق كتابة الضبط بأية محكمة ابتدائية “.
ولقد جاء في المادة 377 من قانون المسطرة الجنائية ” يبلغ السند القابل للتنفيذ الصادر عن النيابة العامة في المخالفة إلى مرتكبها ، وعند الاقتضاء ، إلى المسؤول عن الحقوق المدنية برسالة مضمونة مع الإشعار بالاستلام أو بأية وسيلة أخرى من وسائل التبليغ المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 325 أعلاه .
تتضمن رسالة التبليغ إشعار المعني بالأمر بأن يؤدي مبلغ الغرامة ، وإلا فإن القضية ستحال على جلسة يحدد تاريخها في السند القابل للتنفيذ ويعتبر الإشعار بمثابة استدعاء لهذه الجلسة .
يمكن لمرتكب المخالفة ، وعند الاقتضاء ، للمسؤول عن الحقوق المدنية ، أن يعبرا عن عدم رغبتهما في الأداء داخل أجل عشرة أيام من التوصل ، وذلك بمجرد تصريح يضمن في نفس الرسالة التي يعاد إرسالها في هذه الحالة إلى وكيل الملك بواسطة البريد المضمون مع إشعار بالاستلام .
أما المادة 378 من قانون المسطرة الجنائية الجديد فتنص على أنه ” يبتدئ الأجل المذكور المحدد في عشرة أيام من يوم التبليغ أو من يوم رفض التوصل به ” .
ولقد جاء في المادة 379 من نفس القانون أنه ” يمكن للمعني بالأمر بمجرد التوصل برسالة التبليغ بالسند القابل أن يسدد ما بذمته بعد الإدلاء بها بصندوق كتابة الضبط بأية محكمة ابتدائية ، وتقوم هذه الأخيرة بإشعار النيابة العامة مصدرة السند القابل للتنفيذ داخل أجل أسبوع من تاريخ الأداء ” .
ولقد جاء في المادة 380 من هذا القانون أنه ” في حالة التعبير عن الرغبة في الأداء داخل الأجل المحدد في المادة 378 أعلاه ، يصبح السند القابل للتنفيذ نهائيا ، ويسلم كاتب الضبط ملخصا منه للجهة المكلفة بتنفيذ الغرامات ” .
أما المادة 381 فقد جاء فيها أنه ” في حالة تعبير المعني بالأمر عن عدم رغبته في الأداء داخل الأجل المنصوص عليه في المادة 378 أعلاه ، يحيل وكيل الملك القضية على المحكمة التي تبت فيها وفق القواعد العامة .
إذا قررت المحكمة الإدانة ، فلا يمكن أن تقل الغرامة المحكوم بها عن ثلثي الحد الأقصى للغرامة المقرر قانونا للمخالفة ” .
و أخيرا أكدت المادة 382 أنه ” يكون الأمر القضائي الصادر في الحالة المذكورة في المادة السابقة غير قابل للتعرض ولا للاستئناف ، ولايمكن الطعن فيه بالنقض إلا وفق الشروط المنصوص عليها في المادة 415 .
يعتبر الأمر الصادر وفقا للمادة السابقة بعد أن يصبح مكتسبا لقوة الشيء المقضى به بمثابة حكم بالعقوبة ويدخل في تحديد العود إلى الجريمة ” .
ثانيا : القانون الفرنسي :
لقد جاء في مواد القانون الفرنســـــــي رقم 72 – 5 بتاريـــــــــــخ 13 – 1 – 1972 خاصة الفصول :
الفصل 524 : كل مخالفة شرطة حتى لو ارتكبت في حالة العود يمكن أن تخضع إلى المسطرة المبسطة المنصوص عليها في هذا الباب لا تطبق هذه المسطرة :
1 ) إذا كانت المخالفة منصوص عليها في قانون الشغل .
2) إذا كان المتهم الذي ارتكب مخالفة من الدرجة الخامسة لم يبلغ الثانية عشر من عمره يوم ارتكاب المخالفة .
لاتتبع هذه المسطرة كذلك إذا استدعت الضحية المتضررة من المخالفة المتهم للمثول قبل أن يصدر الأمر المنصوص عليه في الفصل 525 .
الفصل 525 : النيابة العامة التي تختار المسطرة المبسطة تبلغ ملف المتابعة إلى قاضي المحكمة الضبطية ( Tribunal de police ) وكذا ملتمساتها يبت القاضي دون مرافعة قبلية بواسطة أمـــر جنائـــــــــــي ” ordonnance pénale ” يتضمن أما الحفظ أو المعاقبة بغرامة أحيانا عقوبة أو عقوبات تكميلية .
إذا ارتأى القاضي ضرورة في إنجاز مرافعة ، أو في إصدار عقوبات أخرى غير الغرامة يحيل الملف على النيابة العامة لكي تجري المتابعة حسب المسطرة العادية .
الفصل 526 : يتضمن ” الأمر ” l’ordonnance ” الاسم الشخصي والعائلي تاريخ ومكان ازدياد وسكنى المتهم ، التكييف القانوني تاريخ ومكان اقتراف المخالفة ، النصوص القانونية والمطبقة ، وفي حالة الحكم مبلغ الغرامة ومدة الإكراه البدني .
لا يلزم القاضي بتبرير الأمر الجنائي “ordonnance pénal”
الفصل 527 : يمكن النيابة العامة ، داخل أجل 10 أيام من صدور الأمر الجنائي أن تعارض في تنفيذه بواسطة تصريح لكتابة ضبط المحكمة .
إذا انتهى الأجل المنصوص عليها في البند السابق ، ولم تبدي النيابة العامة تعرضا ، يبلغ الأمر الجنائي إلى المتهم بواسطة البريد المضمون مع وصل بالتسلم وتنفذ حسب القواعد المنصوص عليها في هذا القانون الخاصة بتنفيذ أحكام الشرطة .
يمكن للمتهم داخل أجل 30 يوما ابتداء من تاريخ إرسال الطي أن يشكل تعرضا ضد تنفيذ هذا الأمر .
وفي حالة عدم أداء الغرامة وعدم التعرض ، يتعين أداء الغرامة والرسوم الثابتة للمسطرة حالا ، لكن حتى لو توصل المتهم برسالة التبليغ ، يشكل التعارض مقبولا حتى انتهاء أجل 30 يوم ابتداء من التاريخ الذي يعلم فيه المتهم من جهة بالعقوبة أما بواسطة قرار التنفيذ أو أية وسيلة أخرى ، ومن جهة أخرى بالأجل وبطرق التعارض التي يتوفر عليها .
يوقف محاسب الخزينة استخلاص الغرامة حين التوصل بإشعار التعرض ضد الأمر الجنائي من كتابة الضبط .
الفصل 528 : في حالة التعرض سواء من طرف النيابة العامة أو من طرف المتهم تحال القضية علـــــــــــى المحكمــــــــة الضبطــــــــية tribunal de police) ) حسب المسطرة العادية إذا صدر الحكم غيابيا ، بناس على تعرض المتهم ، فإنه لا يقبل الطعن بالتعرض مجددا .
الفصل 528 – 1 ، الأمر الجنائي الذي لا يقع عنه تعرض ، له نفس قيمة ونفس نتائج حكم حائر لقوة الشيء المقضى ، لكن لا يتوفر على سلطة الشيء المقضي تجاه الدعوى المدنية لاصلاح الضرر المترتب عن المخالفة .
الفصل 528 – 2 : ” قانون 72 – 5 بتاريخ 3 / 1 / 1972 ” لا تلغي مقتضيات هذا الباب حق الطرف المتضرر في ذكر اسم مرتكب المخالفة أمام المحكمة الضبطية ” tribunal de police ” حسب الشروط المنصوص عليها في هذا القانون .
عندما بتحقق الإجراء المنصوص عليه في الفقرة السابقة بعد صدور الأمر الجنائي تبث المحكمة الضبطية ” Tribunal de police ” بخصوص الدعوى العمومية والتعويضات المدنية إذا صدر ضد الأمر الجنائي تعارضا داخل الآجال المنصوص عليها في الفصل 527 وعلى الأكثر عند افتتاح المرافقات .
– بخصوص التعويضات المدنية إذا لم يصدر تعرض أو إذا صرح المتهم ، على الأكثر عند افتتاح المرافعات ، بالتخلي عن تعرضه أو عن حقه في التعرض أو إذا نتج عن الأمر الجنائي أداء تلقائي للغرامة .
ثالثا : القانون المصري :
نصت المادة 323 من القانون المصري أنه للنيابة العامة في مواد الجنح التي لا يوجب القانون الحكم فيها بعقوبة الحبس أو بالغرامة التي لا يزيد حجها الأدنى على ألف جنيه إذا رأت أن الجريمة بحسب ظروفها تكفي فيها التي لا تتجاوز الألف جنيه فضلا عن العقوبات التكميلية والتضمينات وما يجب رده والمصاريف ، أن تطلب من قاضي المحكمة الجزئية التي من اختصاصها نظر الدعوى أن يوقع العقوبة على العقوبة على المتهم بأمر يصدر بناء على محضر جمع الاستدلالات أو أدلة الإثبات الأخرى بغير إجراء تحقيق أو سماع مرافعة .
المادة 324 : لا يقضي في الأمر الجنائي بغير الغرامة والعقوبة التكميلية والتضمينات وما يجب رده والمصاريف ، ويجوز أن يقضي فيه بالبراءة أو برفض الدعوى المدنية أو بوقف تنفيذ العقوبة .
المادة 325 : يرفض القاضي إصدار الأمر إذا رأى :
أولا : انه لايمكن الفصل في الدعوى بحالتها التي هي عليها أو بدون تحقيق ، أو مرافعة .
ثانيا : أن الواقعة نظرا لسوابق المتهم ، أو لأي سبب آخر ، يستوجب توقيع عقوبة أشد من الغرامة التي جوز صدور الأمر بها ويصدر القاضي قراره بالرفض بتأثيره على الطلب الكتابي المقدم له ، ولا يجوز الطعن في هذا القرار.
ويترتب على قرار الفرض وجوب السير في الدعوى بالطرق العادية.
و أكدت المادة 325 مكرر على أنه لكل عضو نيابة ، من درجة وكيل النائب العام على الأقل بالمحكمة التي من اختصاصها نظر الدعوى إصدار الأمر الجنائي في الجنح التي لا يوجب القانون الحكم فيها بالحبس أو الغرامة التي يزيد حدها الأدنى عن خمسمائة جنيه فضلا عن العقوبات التكميلية والتضمينات وما يجب رده والمصاريف ، ويكن إصدار الأمر الجنائي وجوبيا وفي المخالفات التي لا يرى حفظها ولا يجوز أن يؤمر بغير الغرامة التي لا تزيد على خمسمائة جنيه والعقوبات التكميلية والتضمينات وما يجب رده والمصاريف .
وللمحامي العام ورئيس النيابة ، حسب الأحوال ، أن يلغي الأمر لخطأ في تطبيق القانون في ظرف عشرة أيام من تاريخ صدوره ، ويترتب على ذلك اعتبار الأمر كأن لم يكن ووجوب السير في الدعوى بالطرق العاديـــــــة .
أما المادة 326 فأوضحت أنه يجب أن يعين في الأمر فضلا عما قضى به اسم المتهم والواقعة التي عوقب من أجلها ومادة القانون التي طبقت .
ويعلن الأمر إلى المتهم والمدعي بالحقوق المدنية على النموذج الذي يقرره وزير العدل ، ويجوز أن يكون الإعلان بواسطة أحد رجال السلطة العامة .
فيما أكدت المادة 327 أنه للنيابة العامة أن تعلن عدم قبولها للأمر الجنائي الصادر من القاضي ولباقي الخصوم أن يعلنوا عدم قبولهم للأمر الصادر من القاضي أو من وكيل النائب العام ويكون ذلك بتقرير من قلم كتاب المحكمة فيظرف ثلاثة أيام من تاريخ صدور الأمر بالنسبة للنيابة العامة ومن تاريخ إعلانه بالنسبة لباقي الخصوم ويترتب على هذا التقرير سقوط الأمر واعتباره كان لم يكن .
ويحدد الكاتب اليوم الذي تنظر فيه الدعوى أمام المحكمة ، مع مراعاة المواعيد المقررة في المادة (233) .
وينبه على المقرر بالحضور في هذا الميعاد ، ويكلف باقي الخصوم والشهود بالحضور في الميعاد المنصوص عليه في المادة (400).
أما إذا لم يحصل اعتراض على الأمر بالطريقة المتقدمة يصبح نهائيا واجب التنفيذ .
ولا يكون لما قضى به الأمر في موضوع الدعوى الجنائية حجية أمام المحاكم المدنية .
المادة 328 : إذا حضر الخصم الذي لم يقبل الأمر الجنائي في الجلسة المحددة ، تنظر الدعوى في مواجهته وفق الإجراءات العادية .
وللمحكمة أن تحكم في حدود العقوبة المقررة بعقوبة اشد من الغرامة التي قضى بها الأمر الجنائي .
أما إذا لم يحضر تعود للأمر قوته ، ويصبح نهائيا واجب التنفيذ .
و تنص المادة 329 على أنه إذا تعدد المتهمون وصدر ضدهم أمر جنائي وقرروا عدم قبوله ، وحضر بعضهم في اليوم المحدد لنظر الدعوى ولم يحضر البعض الآخر تنظر الدعوى بالدعوى بالطرق المعتادة بالنسبة لمن حضر ، ويصبح الأمر نهائيا بالنسبة لمن لم يحضر .
و أخيرا أكدت المادة 330 على أنه إذا ادعى المتهم عند التنفيذ عليه أن حقه في عدم قبول الأمر لا يزال قائما لعدم إعلانه بالأمر أو لغير ذلك من الأسباب أو أن مانعا قهريا منعه من الحضور في الجلسة المحددة لنظر الدعوى ، وإذا حصل أشكال آخر في التنفيذ ، يقدم الأشكال إلى القاضي الذي أصدر الأمر ، ليفصل فيه بغير مرافعة ، الا إذا رأى عدم إمكان الفصل فيه بحالته أو بدون تحقيق أو مرافعة ويحدد يوما لنظر في الأشكال وفقا للإجراءات العادية ، ويكلف المتهم وباقي الخصوم في اليوم المذكور ، فإذا قبل الإشكال تجري المحاكمة وفقا للمادة ( 328 ) .
ومن خلال ماذكر يتبين أن المشرع المغربي ساير التشريعات المذكورة حيث أجاز للنيابة العامة متى ارتكبت مخالفات يعاقب عليها القانون أن تقترح على المخالف بمقتضى سند قابل للتنفيذ أداء غرامة جزافية ( المواد 375 وما بعدها ) .
ولا ريب أن المشرع المغربي أراد بذلك التخفيف عن هيئة القضاء نظرا لكثرة مثل هذه الملفات التي تتكاثر عليه يوما بعد آخر ، وبالتالي توفر السرعة في البت في مثل هذه القضايا ، خاصة وأن العقوبة لا تتجاوز غرامة جزافية .
الفصل الثاني : دعم دور النيابة العامة في مكافحة ظاهرة الجريمة
فضلا عن الأدوار التقليدية لجهاز النيابة العامة ، أسندت لها بمقتضى قانون المسطرة الجنائية الجديد مهاما جديدة الهدف منها حسب رأي واضعي هذا القانون إما الإسراع بالمحاكمة الجنائية واختزالها من الناحية الوقتية في قاض النيابة العامة ، أو محو آثار الجريمة فيما يتعلق بضحاياها والحفاظ على الوضع قارا عما كان عليه قبل ارتكابها للحفاظ سلامة النسيج الاجتماعي .
هذا وخولت كذلك لجهاز النيابة العامة صلاحيات أخرى لفائدة العدالة الجنائية الهدف منها دعم دور النيابة العامة في مكافحة ظاهرة الجريمة ، وهكذا سنتطرق في مبحثين رئيسيين لهذا الدور ، حيث سنتطرق في مبحث أول إلى سحب جواز السفر وإغلاق الحدود ، على أن نتطرق في مبحث ثان إلى مسألة إصدار الأوامر الدولية بإلقاء القبض .
المبحث الأول : سحب جواز السفر وإغلاق الحدود :
في إطار المستجدات التي أعطيت للنيابة العامة يمكن لوكيل الملك في حالة القيام بإجراءات البحث والتحري عن الجرائم سحب جواز السفر وإغلاق الحدود كلما تعلق الأمر بجنحة معاقب عليها بسنتين حبسا أو أكثر .
لقد جاء في المادة 40 من قانون المسطرة الجنائية أنــــــه ” يحق ” لوكيل الملك كلما تعلق الأمر بجنحة يعاقب عليها بسنتين حبسا أو أكثر – إذا اقتضى ذلك ضرورة البحث التمهيدي – سحب جواز سفر الشخص المشتبه فيه وإغلاق الحدود في حقه لمدة لا تتجاوز شهرا واحدا ، ويمكن تمديد الأجل إلى غاية انتهاء البحث التمهيدي إذا كان الشخص المعني بالأمر هو المتسبب في تأخير إتمامه ..
” وينتهي مفعول إجراء إغلاق الحدود وسحب جواز السفر في كل الأحوال ، بإحالة القضية على هيئة الحكم أو التحقيق أو باتخاذ قرار بحفظ القضية ، ويوضع حد لإغلاق الحدود ، ويرد جواز السفر إلى المعني بالأمر فور انتهاء مفعول الإجرائين ” .
وخلال تعليقه على هذه المادة يقول الأستاذ مصطفى مداح الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء : ” .. ولا ينازع أحد في أن هذا الإجراء يحد من حرية التنقل الذي يضمنه الدستور والذي لا يحد من مداه الا بمقتضى قانوني ، لكن لاينفي أن يستغل هذا الحق للفرار من وجه العدالة والحاق الضرر بالضحايا .
وباستقراء القضايا الرائجة سواء أمام المحاكم أو الضابطة القضائية نقف على عدة قضايا يلتجئ الضالعون فيها إلى الفرار خارج الوطن فيصعب ملاحقتهم ، وللتصدي لهذه الظاهرة كانت النيابات العامة فيما مضى تلتجئ إلى إغلاق الحدود خاصة بالنسبة للجرائم التي تعتبر من الخطورة بمكان عند عدم الامتثال للاستدعاءات المتكررة أو عندما لايمكن وضع هؤلاء رهن الحراسة النظرية نظرا لطبيعة القضية التي تتطلب وقتا لإتمام الأبحاث والقيام بالمواجهات والتحريات اللازمة ، غير أن هذا المسلك منتقد لعدم وجود نص صريح الأمر الذي أدى إلى التخلي عن هذا الإجراء وأصبحت النيابات العامة والحالة هذه مكتوفة الأيدي ، وإن كانت بدافع إنصاف الضحايا تلتجئ إلى مطالبة الشرطة القضائية بنشر مذكرة بحث تؤدى نسبيا وفي حدود نفس النتيجة إغلاق الحدود بالنسبة للفارين من وجه العدالة .
ورغبة من قانون المسطرة الجنائية الجديد في ضبط هذه الإشكالية ومد النيابة العامة بآلية تمكنها من ملاحقة الفارين ، منح الحق في إغلاق الحدود وسحب جواز السفر للنيابة العامة لمدة شهر واحد يمكن تمديده لغاية انتهاء البحث إذا كان الشخص المعني به هو المتسبب في تأخير إتمام البحث وينتهي الإجراء في كل الأحوال بإحالة القضية على هيئة الحكم أو التحقيق أو اتخاذ قرار بحفظ القضيـــة ( المادتان 40 و 49 ) .
المبحث الثاني : إصدار أوامر دولية بإلقاء القبض :
أعطى المشرع الحق للنيابة العامة الصلاحية لإصدار أوامر دولية بإلقاء القبض لتطبيق مسطرة تسليم المجرمين ، ولقد كانت هذه النقطة تشكل عائقا أمام النيابة العامة يحول دون أدائها لدورها كاملا في محاربة الجريمة إذا غادر مرتكبوها التراب الوطني .
وفي القضايا الجنحية التي لايمكن عرضها على قاضي التحقيق لإصدار مثل هذا الأمر فإن الجناة والمشتبه فيهم يظلون بمنأى عن يد القضاء المغربي بسبب عدم إمكانية نشر الأوامر بإلقاء القبض التي تصدرها النيابة العامة في حقهم على الصعيد الدولي نظرا لعدم وجود نص صريح يمنحها حق إصدار هذه الأوامر .
وهكذا جاء في المادة 40/3 من قانون المسطرة الجنائيــــة أنه يحق لوكيل الملك ، لضرورة تطبيق مسطرة تسليم المجرمين إصدار أوامر دولية بالبحث وإلقاء القبض “.
وما ذهب إليه المشرع المغربي في إعطاء هذه المهمة للنيابة العامة يرجع بالإضافة إلى ما ذكر إلى انتشار الجريمة المنظمة – أيضا – ” والإجرام الذي يتجاوز الحدود ، وتعدد مرتكبيها واختلاف جنسيتهم ” مما ” يتطلب معه المزيد من التعاون القضائي الدولي لمحاربة هذه الظاهـــرة فتضمين قانون المسطرة الجنائية الجديد لآليات القانونية المذكورة من شأنها مواجهة أنواع من الجرائم ، وهذه المسطرة تدخل في إطار التعاون القضائي مع الدول الأجنبية .
ولابد في هذه الحالة من تقدير دواعي الأمر بإلقاء القبض عنـــد إصداره ، من حيث مدى توفر الدلائل الكافية على الاتهام وحالة المتهم من ناحية الذكورة والأنوثة والسن ، ومركز المتهم في مجتمعه ، وكذلك خطورة الجريمة المسندة إليه .
ويجب أن يعامل كل متهم يقبض عليه أو تقيد حريته بأي قيد بما يحفظ عليه كرامة الإنسان ، ولا يجوز إيذاؤه بدنيا أو معنويا كما لا يجوز حجزه في غير الأماكن الخاضعة للقوانين الصادرة بتنظيم السحب .
المبحث الثالث : الأمر بالتقاط المكالمات والمراسلات :
تشكل شبكة الهاتف مرتعا لحياة الأفراد الخاصة ، فهي بمثابة المنطقة الظل التي لا ينبغي لأي كان الاطلاع على أسرارها أو خباياها .
لذلك بات الدور الجديد للنيابة العامة والقاضي بالتقاط المكالمات وكافة المراسلات وتسجيلها مهزوزا مطاطا لمساسه بحقوق الأفراد وحرياتهم الشخصية ، كما أنه بتكريس هذا المبدأ ، لا محالة سينبش في سلطة النيابة العامة كخصم شريف ونبيل ، فلا يعقل أن تتحول من سلطة تهدف إصلاح المجتمع وتهذيبه ، أن ترتكب جرائم بدعوى الحفاظ على أمن المجتمع ، لأن ” التجسس ” على الحياة الخاصة للأفراد جريمة في نظر القانون .
فهذا المقتضى يعتبر إجراء خطيرا وماسا بالحقوق الأساسية ، لمخالفته لروح الدستور الذي يؤكد حرمة المراسلات ، وهو ما تنص عنه الفصول التالية :
• الفصل التاسع : ” يضمن الدستور لجميع المواطنين .
– ………………………………………….. ……………..
– حرية الرأي وحرية التعبير بجميع أشكاله وحرية الاجتماع .
– ………………………………………….. ……………..
• والفصل الحادي عشر : الذي جاء فيه مايلي :
” لا تنتهك سرية المراسلات ”
و نشير أن هذا الإجراء أثار جملة من النقاشات و التساؤلات حول مدى دستوريته لمساسه بحريات الأفراد ، و يرى البعض أنه كان حري بالمشرع أن يقننه تقنينا دقيقا ويحدد مدى تطبيقه كحصره في بعض الجرائم وخلال فترة معينة ولأسباب واضحة ، حيث يمكن اللجوء إلى الالتقاط في حالة الخطر الذي يصيب أشخاصا ما اختطفوا من طرف عصابة إجرامية إما لدوافع مالية أو سياسية وفي قضايا التهريب والمخدرات والسلاح والجرائم الماسة بأفراد الأسرة الملكية ، مع إحاطة هذا الإجراء بضمانات قانونية ، ورقابة قضائية ، وذلك بتقييد النيابة العامة بتعليل موقفها هذا تعليلا كافيا ، وضرورة الحصول على إذن من القضاء ، خصوصا أن معظم الفقه على الصعيد الدولي لم يعترض على مبدأ التنصت الهاتفي بقبوله في حدود معقولة ومنظمة ، كما أشرنا إلى ذلك .
فباطلاعنا على التشريعات المقارنة – التشريع الفرنسي مثلا – نلاحظ أنه لم يصدر أي قانون في هذا الصدد إلا بعد أن طرحت أمام القضاء الفرنسي عدة نوازل في الموضوع ، بلورت في شكل اجتهادات قضائية .
و هكذا أصدرت محكمة النقض الفرنسية قرارا في هذا الشأن بتاريخ 04 يناير 1974 ، جاء فيه :
” أنه طالما كان التنصت الهاتفي الحاصل لم يكن لضبط محادثات هاتفية ، بل لتحديد مصدره وهوية النداءات فهو مقبول كوسيلة إثبات في الدعوى ” .
إن المهام الجديدة التي أعطاها المشرع للنيابة العامة لاشك أنها ستساهم في تقليص نسبة ظاهرة الإجرام وبالتالي تساعد النيابة العامة على إلقاء القبض على المجرمين في أسرع وقت خاصة أولئك الذين يحاولون بسوء نية التهرب من الاستجابة للحضور أمام النيابة العامة أو الضابطة القضية متى كلفت باستدعائهم أو إحضارهم للمثول أمام القضاء .
وإن كانت بعض الإجراءات السالفة الذكر تمس بحقوق الإنسان إذا ما نظرنا إليها من زاوية إلا أنه بالنظر إليها من زاوية أخرى فإننا نرى أن ذلك يعتبر إجراء استثنائيا وقتيا يهدف إلى الحفاظ على مصالح الضحايا والمجتمع بصفة عامة .
اترك تعليقاً