دروس قانونية عن الإلتزام بالتبصير أو الإلتزام بالإعلام
مـقـدمــة
لقد تجلى مع مرور الوقت قصور النظرية التقليدية القائمة على فكرة سلطان الإرادة في كثير من جوانبها، ومنها عدم صحة المبدأ على إطلاقه في تفسير القوة الملزمة للعقد في ضوء القيود التشريعية العديدة التي تضعها الدولة حماية لجمهور المستهلكية، فكثير من تلك القوانين والقواعد إنما عملت -رغم أنها قوانين تدخلية ومقيدة- على حماية إرادة طائفة من المتعاقدين على نحو يؤكد ضرورة أن يكون رضاء المتعاقد أكثر حرية، لكن ورغم الإمتداد لنظرية عيوب الإرادة من غلط وتدليس وإكراه فقد إقتصرت فقط على تصحيح الأوضاع ظاهرة الخلل، و التي تتوافر فيها الشروط المنصوص عليها في النصوص القانونية، وبالتالي لم تصل إلى حماية الثقة التي يقتضيها الضمير في المعاملات المختلفة، وتجلى قصور مثل هذه الوسائل التقليدية مع تطور معطيات الحياة المتعلقة بما يسمى النظام العام الإقتصادي الحديث وهي جميعا تدور في فلك فلسفة أساسية هي حماية المستهلك.
ويعتبر الإلتزام بالتبصير أو بالإدلاء بالمعلومات والبيانات المتعلقة بالعقد من الموضوعات الحديثة التي خصها رجال القانون الوضعي بأهمية خاصة متأثرين في ذلك بالقضاء الفرنسي، الذي أثر بشكل مباشر في المشرع الفرنسي الشيء الذي جعله لا يتردد في الأخذ بهذا الإتجاه في مجموعة من النصوص القانونية المنظمة للعقود الخاصة.
أما في المغرب فإن الفقه لم يحاول وضع نظرية عامة للإلتزام بالتبصير كإلتزام مستقل بذاته عن القواعد التقليدية المعول عليها في العقود رغم أهمية هذا المبدأ على المستوى العملي، وما قد يوفره من حماية للطرف الضعيف في العقد بسبب عجز نظرية عيوب الإرادة عن تحقيق الحماية المطلوبة للتراضي، لاسيما بعد ظهور أنواع جديدة من العقود من قبل تلك التي لا تخول لجميع الأطراف مناقشة شروط العقد كما هو الشأن بالنسبة لعقود الإذعان.
وقد عرف الفقه الفرنسي، الإلتزام بالتبصير بأنه الحالة التي يفرض فيها القانون على المهني أن يشعر المتعاقد الآخر بجوهر محل العقد ومكوناته ويجد هذا الإلتزام أساسه في إنعدام التوازن في المعرفة بين المتعاقدين سواء بسبب إنعدام المساواة في الإختصاص العلمي أو الكفاءة، كما هو الأمر مثلا بالنسبة للعلاقة التعاقدية بين المهني والمستهلك، ذلك أن التطور الذي تعرفه الصناعة من الناحية التقنية، خولت للمهني حنكة وتجربة لم يتسن للطرف المستهلك إدراكها وبلوغها، وهذا ما جعل جل التشريعات تفكر بجدية في إقرار مقتضيات تمدد بمقتضاها إلتزامات جديدة إلى الواجبات الملقاة على المهني، المتمثلة أساسا في الإلتزام بالتبصير أو بمعنى آخر الإلتزام بتوجيه إرادة المستهلك نحو الإختيار الواعي، وهي حماية تهدف إلى صيانة رضى هذا الأخير عن طريق إفتراض قرينة الجهل لديه، مما يخوله الحق في التنوير والتبصير.
لكن يجب ألا يفهم مما سلف أن الإلتزام بالتبصير واجب على عاتق المهني بمفرده بل هناك قواعد خاصة تخرج عن القواعد العامة تمدد هذا الإلتزام إلى الطرف المذعن كما هو الشأن مثلا بالنسبة للمؤمن له الذي يتحتم عليه الإدلاء بجميع البيانات والظروف التي من شأنها تخويل المؤمن صورة حقيقية وشاملة عن الخطر المراد تأمينه.
في غياب نص صريح للإلتزام بالتبصير في التشريع المغربي، فما هي الأسس القانونية للإلتزام بالتبصير المعتمدة في التشريع المغربي؟ وهل غياب هذا النص يحول هذا الإلتزام من إلتزام قانوني إلى خانة-الإلتزامات الأخلاقية-، وما هي الوسائل الكفيلة لمنح هذا الإلتزام قوة قانونية، وما هي الجزاءات المترتبة عن الإخلال بهذا الإلتزام.
يعتبر الالتزام بالتبصير أو بالإعلام (الإفضاء) أو بالإدلاء بالمعلومات والبيانات المتعلقة بالعقد من الموضوعات الحديثة التي خصها رجال القانون الوضعي بأهمية خاصة متأثرين في ذلك بالقضاء الفرنسي، الذي أثر بشكل مباشر في المشرع الفرنسي الشيء الذي جعله لا يتردد في الأخذ بهذا الاتجاه في مجموعة من النصوص القانونية المنظمة للعقود الخاصة.
فحيث لم تصل الشروط الموضوعة لحماية صحة الرضا في القانون المدني إلى حماية الثقة التي يقتضيها الضمير في المعاملات المختلفة، وتجلى قصور مثل هذه الوسائل التقليدية مع تطور معطيات الحياة المتعلقة بما يسمى النظام العام الاقتصادي الحديث وهي جميعا تدور في فلك فلسفة أساسية هي حماية المستهلك ، فغالبية الدول لجأت الى اصدار قوانين خاصة لحماية المستهلك و التي اشترطت و قننت التزام البائع او المهني بتبصير المشتري او المستهلك حول طبيعة السلعة سعياً إلى مزيد من حماية المتعاملين العاديين، و التي ترقى في بعض القوانين و في حالات إلى صور خاصة هى الإلتزام بالتحذير أحياناً، وبالنصيحة أحياناً أخرى، وصولاً إلى الإلتزام بالإمتناع عن التعاقد فى بعض الحالات التى يكون التعاقد فيها ضاراً بالمستهلك أو لا يحقق مصالحه على نحو أفضل.
ويتمثل الالتزام بإعلام المتعاقد من الالتزامات التي كثر الحديث عنها في الآونة الأخيرة وكأنها جزء لا يتجزأ من الواجبات الملقاة على عاتق أحد أطراف العقد (المهني) ، أو هما معا.
إن للإخلال بالالتزام بالتبصير تأثير على إرادة الدائن، حيث يكون رضاؤه معيبا، فيرغب في وضع حد للعقد، بل قد يلحق بالدائن أضرارا بليغة فيرغب في مطالبة المدين بالتعويض عن هذه الأضرار.
إن الالتزام بالتبصير هو وسيلة وقائية لحماية الرضا، كي لا يقع لا في غلط أو تدليس أو غير ذلك من عيوب الإرادة.
وقد عرف الفقه الفرنسي، الإلتزام بالتبصير بأنه الحالة التي يفرض فيها القانون على المهني أن يشعر المتعاقد الآخر بجوهر محل العقد ومكوناته ويجد هذا الإلتزام أساسه في إنعدام التوازن في المعرفة بين المتعاقدين سواء بسبب إنعدام المساواة في الإختصاص العلمي أو الكفاءة، كما هو الأمر مثلا بالنسبة للعلاقة التعاقدية بين المهني والمستهلك، ذلك أن التطور الذي تعرفه الصناعة من الناحية التقنية، خولت للمهني حنكة وتجربة لم يتسن للطرف المستهلك إدراكها وبلوغها، وهذا ما جعل جل التشريعات تفكر بجدية في إقرار مقتضيات تمدد بمقتضاها إلتزامات جديدة إلى الواجبات الملقاة على المهني، المتمثلة أساسا في الإلتزام بالتبصير أو بمعنى آخر الإلتزام بتوجيه إرادة المستهلك نحو الإختيار الواعي، وهي حماية تهدف إلى صيانة رضى هذا الأخير عن طريق إفتراض قرينة الجهل لديه، مما يخوله الحق في التنوير والتبصير.
لكن يجب ألا يفهم مما سلف أن الإلتزام بالتبصير واجب على عاتق المهني بمفرده بل هناك قواعد خاصة تخرج عن القواعد العامة تمدد هذا الإلتزام إلى الطرف المذعن كما هو الشأن مثلا بالنسبة للمؤمن له الذي يتحتم عليه الإدلاء بجميع البيانات والظروف التي من شأنها تخويل المؤمن صورة حقيقية وشاملة عن الخطر المراد تأمينه.
في غياب نص صريح للإلتزام بالتبصير في التشريع الأردني ، فما هي الأسس القانونية للإلتزام بالتبصير المعتمدة في التشريع الأردني ؟ وهل غياب هذا النص يحول هذا الإلتزام من إلتزام قانوني إلى خانة-الإلتزامات الأخلاقية-، وللإجابة على هذه الأسئلة وأسئلة أخرى فسنبين الأساس القانوني للإلتزام بالتبصير وأهم صوره.
الأسس القانونية للإلتزام بالتبصير في العقود.
في غياب نص قانوني عام وصريح يبين أحكام الإلتزام بالإعلام في القانون الأردني ، ويحدد جزاء الإخلال به، فإنه يمكن الإستناد إلى النظرية العامة للعقود في القانون المدني ، ومن ثم يمكن القول أن الإلتزام بالإعلام يرتكز في وجوده القانوني على عدة أنظمة قانونية بالأساس في عيوب الرضاء، والمسؤولية التقصيرية وضمان العيوب الخفية، والإستحقاق، وبمعنى آخر، يمكن أن يترتب على إهمال الإدلاء بمعلومات معينة إما عيبا في الرضاء، أو خطأ تقصيريا، أو عيبا خفيا، أو حتى إستحقاقا.
فالنظرية العامة تعد إذن الأساس العام للإلتزام بالإعلام، ولكن المقصود هنا هو الإلتزام بالإعلام الذي له إنعكاسات على رضاء المتعاقد، أو ما يسميه بعض الفقه بالإلتزام قبل التعاقدي بالإعلام ،ولإنعدام عدم كفاية النظرية العامة في تحديد مغزى الإلتزام بالإعلام، سعى المشرع إلى تكملتها بمقتضى قوانين لاحقة خاصة .
الإلتزام بالتبصير وفقا لأحكام القانون المدني.
أولا: عيوب الرضاء.
قد يشوب إرادة المتعاقد عيب يؤثر في الرضاء، فتتجه الإرادة الموجودة إلى التعاقد وهي على غير بينة من حقيقة الأمر، ويقصد بعيوب الرضاء أمور تلحق إرادة أحد المتعاقدين أو كليهما، فتفسد الرضاء دون أن تجهز عليه، فرضاء المتعاقد هنا موجود. كل ما في الأمر أن إرادته لا تكون سليمة، ولم تصدر عن بينة وإختيار. ولا يحول هذا دون وجود التصرف، إنما يكون لمن عيبت إرادته أن يطلب إبطال هذا التصرف، أي يكون التصرف قابلا للإبطال.
إن عيوب الرضاء التي يمكن إعتمادها لتوقيع الجزاء على من أخل بالإلتزام بالإعلام تكمن بالخصوص في الغلط و الغبن او التغرير لأنهما يرتبطان بهذا الإلتزام إرتباطا وثيقا، فالإلتزام بالتبصير يهدف إلى تقديم معلومات من أجل أن يكون الرضاء مستنيرا، ومن هذه الزاوية يظهر وكأنه نوع من الوقاية من العيوب، لأنه يعكس حاجة ملحة فيما يتعلق بنوعية الرضاء، كما أنه يضع قيودا ضمنية على مبدأ سلطان الإرادة، وذلك وفقا لأحكام المواد 143 الى 156 من القانون المدني الأردني و يشار هنا الى نص المادة 144 من القانون المدني و التي نصت يعتبر السكوت عمدا عن واقعة او ملابسة تغريرا اذا ثبت ان المغرور ما كان ليبرم العقد لو علم بتلك الواقعة او هذه الملابسه.
ثانيا : ضمان العيوب الخفية والإستحقاق
1- ضمان العيوب الخفية ( المواد 512 الى 521 من القانون المدني )
البائع ملزم بتبصير المشتري بشأن العيوب الخفية لكي يبعد المسؤولية عنه، ومن ثم يمكن القول أن الإلتزام بالتبصير المعاقب عليه على أساس ضمان العيوب الخفية له إنعكاس على رضاء المتعاقد الآخر، ويضاف إلى ذلك أن البيانات الواجب الإدلاء بها هنا، لكي تكون ذات جدوى، ولكي ترفع عن العيب طابعه الخفي يجب الإدلاء بها قبل إبرام العقد، وهذا ما كرسته المادة 513 من القانون المدني، فالمشرع أوضح من خلال هذه المادة أن العيب لكي يكون مشمولا بالضمان يجب أن يكون مؤثرا، بمعنى يجب أن يصل حد من الجسامة، بحيث لو علم المشتري لما أقدم على الشراء أصلا، وأنه كان سيتفاوض وفقا لشروط أخرى، فالعيب المؤثر إذن ينقص من قيمة الشيء نقصا ملموسا أو يجعل الشيء غير صالح للإستعمال فيما أعد له، لذلك يمكن القول إن المشرع يقصد من كل هذا أن يتم الإدلاء بالمعلومات المتعلقة بالعيب المؤثر قبل إبرام العقد، فالمشتري بالطبع، لو علم مبدئيا بعدم صلاحية الشيء للإستعمال فيما أعد له لما أقدم على شرائه.
وبشيء من الإمعان يتضح أن نطاق الالتزام بضمان العيوب الخفية أضيق من نطاق الإلتزام بالإعلام، ذلك أن الإلتزام الأول يقتصر على الحالات التي يعتري فيها الشيء عيبا خفيا وقديما يؤثر على أدائه لوظيفته، بينما نطاق الإلتزام الثاني أوسع من ذلك، إذ يمتد ليشمل كافة الحالات التي يتسم فيها المبيع ببعض الخطورة بسبب حدته أو طبيعته أو كونه دقيقا في تركيبه أو صعبا في إستعماله، فالنقص في البيانات المتعلقة بكيفية إستخدام المبيع، أو التحذير من مخاطره، أو حتى عدم ملاءمته لأغراض المشتري يشكل خرقا للإلتزام بالإعلام يستحق عنه المدين الجزاء، فالخطورة الكامنة في الشيء لا تمثل عيبا خفيا، ولكن تشكل إحدى البيانات التي يجب الإفضاء بها إلى الطرف الآخر على أساس الإلتزام بالإعلام، يدل هذا الإختلاف في النطاق على أن الدعوى الناشئة عن الإلتزام بضمان العيوب الخفية قاصرة عن إستيعاب الدعوى الناشئة عن الإخلال بالإلتزام بالتبصير.
2- ضمان الإستحقاق المواد 503 الى 511 من القانون المدني.
ويسري نفس الحكم إذا كانت العين مثقلة بحقوق إرتفاق غير ظاهرة أو بحقوق أخرى لم يصرح بها عند البيع”.
يمكن إستنتاج أن الإلتزام بالإعلام الذي يقع تحت الجزاء على أساس ضمان الإستحقاق ينعكس بدون شك على رضاء المتعاقد.
يشمل ضمان الإستحقاق إذا الضمان الواجب للمشتري ضد الإرتفاقات والتكاليف غير الظاهرة والحقوق غير المصرح بها وكل ما يمكن أن يشوش عليه الإنتفاع الهادئ بالشيء المبيع، وهكذا يتضح أن ضمان الحقوق والتكاليف غير المصرح بها يمكن أن يشكل أساسا لتطبيق الإلتزام بالإعلام الذي له تأثير على رضاء المتعاقد، فالبائع عليه الإلتزام بالإعلام الذي له تأثير على رضاء المتعاقد، فالبائع عليه إلتزام حقيقي يتجلى في إطلاع المشتري المحتمل بالتكاليف والإرتفاقات التي تثقل الشيء المبيع، فلا شك أن هذه المعلومات لها تأثير على رضاء المشتري، ولكن إلزام البائع بأن يضمن للمشتري الإستحقاق الذي يقع على كل المبيع أو جزء منه أو التكاليف التي تثقل هذا المبيع، إذا لم يصرح بها، سيلتزم جهل المشتري بخطر الإستحقاق، فعلمه به يمنعه من الإستفادة من مقتضيات الضمان، ولكن هذا القول لا يؤخذ على إطلاقه، إذ ليس من الضروري دائما أن يكون المشتري غير عالم وقت البيع بالإستحقاق الجزئي للإستفادة من الضمان فقد يكون عالما به ولكنه يعتقد أن البائع سيدرأه عنه، كما لو كان المبيع مرهونا للوفاء بدين معين، وأكد له البائع بأنه سيقوم بالوفاء بالدين ويشطب على الرهن.
ثالثا: المادة 202 من القانون المدني كأساس للإلتزام بالتبصير.
حيث نصت المادة 202- 1- يجب تنفيذ العقد طبقا لما اشتمل عليه وبطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية.
ومبدأ حسن النية يتطلب من المدين القيام بكل ما يساعد الدائن في الإنتفاع التام بعمله القانوني، كما أن الدائن بدوره يجب عليه، وفقا لنفس المبدأ، أن يسهل على المدين تنفيذ إلتزاماته، ويتعين على كل منهما أن يعبر على أكثر قدر من التعاون والعناية وكذلك المساعدة خلال مرحلة تنفيذ العقد.
وبعبارة أوضح، إن الإلتزام بالتعاون يفرض على كل طرف تنبيه الطرف الآخر-أثناء تنفيذ العقد- إلى كل الوقائع التي تقتضي مصلحته الإلمام بها من أجل تنفيذ العقد، ويسود هذا التعاون طيلة فترة تنفيذ العقد، وخاصة بالنسبة للعقود المتراخية التنفيذ.
اترك تعليقاً