دستورية قانون سن الحضانة
قضية رقم 125 لسنة 27 قضائية المحكمة الدستورية العليا ”دستورية“
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد الموافق الرابع من مايو سنة 2008، الموافق الثامن والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة 1429ه .
برئاسة السيد المستشار / ماهر عبد الواحد رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: ماهر البحيرى ومحمد عبد القادر عبد الله وماهر سامى يوسف والسيد عبد المنعم حشيش ومحمد خيرى طه وسعيد مرعى عمرو.
وحضور السيد المستشار الدكتور/ حمدان حسن فهمى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 125 لسنة 27 قضائية “دستورية”
المقامة من
السيد/ صلاح مصطفى حافظ
ضد
1- السيد رئيس الجمهورية
2- السيد رئيس مجلس الوزراء
3- السيد رئيس مجلس الشعب
4- السيد وزير العدل
5- السيدة/ عزة محمد عبد السميع
الإجراءات
بتاريخ السادس والعشرين من مايو سنة 2005 أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طلباً للحكم بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (20) من القانون رقم 25 لسنة 1929 المعدل بالقانونين رقمي 100 لسنة 1985 و 4 لسنة 2005.
أودعت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة. وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
المحكمة
بعد الإطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – حسبما تبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- تتحصل في أن المدعى كان قد أقام الدعوى رقم 463 لسنة 2003 شرعي جزئي أشمون ضد المدعى عليها الخامسة؛ ابتغاء الحكم بضم ابنه إليه لبلوغه أقصى سن الحضانة وبجلسة 16/2/2004 حكمت المحكمة بإجابته إلى طلبه. فطعنت المدعى عليها على هذا الحكم بالاستئناف رقم 427 لسنة 2004 شرعي مستأنف شبين الكوم. وأثناء نظر الاستئناف ، صدر القانون رقم 4 لسنة 2005 بتعديل نص الفقرة الأولى من المادة (20) من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985 ورفع سن الحضانة إلى الخامسة عشر بالنسبة لكل من الصغير والصغيرة على السواء. دفع المدعى بعدم دستورية ذلك النص الجديد. وبعد أن قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت له برفع الدعوى الدستورية أقام المدعى الدعوى الماثلة.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة، وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها، وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، ذلك بأن يكون الحكم الصادر في الدعوى الدستورية لازماً للفصل في الدعوى الموضوعية، وإلا كانت غير مقبولة. لما كان ذلك، وكان النص المطعون عليه، قد أضحى واجب التطبيق على الدعوى الموضوعية، اعمالاً للأثر الناقل للاستئناف، والذي مؤداه إعادة طرح الموضوع من جديد على المحكمة لتقول كلمتها فيه على ضوء النص المطعون فيه الذي أضحى واجب التطبيق اعتباراً من اليوم التالي لتاريخ نشره في 7/3/2005 ومن ثم تصبح للمدعى مصلحة في الطعن بعدم الدستورية.
وحيث إن الفقرة الأولى من المادة (20) من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1921 معدلة بالقانون رقم 4 لسنة 2005 تنص على أن “ينتهي حق حضانة النساء ببلوغ الصغير أو الصغيرة سن الخامسة عشره، ويخير القاضي الصغير أو الصغيرة بعد بلوغ هذه السن في البقاء في يد الحاضنة دون أجر حضانة، وذلك حتى يبلغ الصغير سن الرشد وحتى تتزوج الصغيرة.” . ولما كانت الخصومة الموضوعية تدور حول حضانة صغير ذكر. فإن نطاق الدعوى الماثلة ينحصر في هذا النص في مجال تطبيقه بالنسبة للصغير دون الصغيرة.
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون عليه مخالفته أحكام الشريعة الإسلامية ومن ثم المادة الثانية من الدستور إذ بالغ في تدليل الصغير دون نظر إلى مصلحته وما يحتاجه تكوينه مسقطاً حق الآباء فى ممارسة سلطاتهم وولايتهم عليه. فضلاً عن مخالفة المادة التاسعة من الدستور لما يؤدى إليه من تفسخ الأسرة وانهيارها بجعل زمام الأمر فى يد المرأة والصغير، ومناقضاً كذلك لمبدأ المساواة حيث استبعد الرجال بصورة تحكمية لصالح النساء.
وحيث إن مؤدى نص المادة الثانية من الدستور – بعد تعديلها- أنه لا يجوز لنص تشريعي أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها ودلالتها فهذه الأحكام وحدها هي التي لا يجوز الاجتهاد فيها إذ تمثل من الشريعة الإسلامية مبادئها الكلية وأصولها الثابتة التي لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً. ومن غير المتصور بالتالي أن يتغير مفهومها تبعاً لتغير الزمان والمكان. وعلى خلاف هذا، تأتى الأحكام الظنية سواء في ثبوتها أم دلالتها أم فيهما معاً. فهذه الأحكام هي التي تنحصر فيها دائرة الاجتهاد، ولا تمتد إلى سواها، حيث تتغير بتغير الزمان والمكان لضمان مرونتها وحيويتها، وعلى أن يكون هذا الاجتهاد واقعاً في إطار الأصول الكلية للشريعة الإسلامية بما لا يجاوزها، متوخياً تحقيق المقاصد العامة للشريعة بما يقوم عليه من صون الدين والنفس والعقل والعرض والمال.
ولئن جاز القول بأن الاجتهاد في الأحكام الظنية حق لأهل الاجتهاد فأولى أن يكون هذا الحق ثابتاً لولى الأمر يستعين عليه في كل مسألة بخصوصها، وبما يناسبها بأهل النظر فى الشئون العامة. وأية قاعدة قانونية تصدر في هذا الإطار لا تحمل في ذاتها ما يعصمها من العدول عنها وإبدالها بقاعدة جديدة لا تصادم حكماً شرعياً قطعياً، وتكون في مضمونها أرفق بالعباد، وأحفل بشئونهم، وأكفل لمصالحهم.
وحيث إن الحضانة – في أصل شرعها- هي ولاية للتربية غايتها الاهتمام بالصغير وضمان رعايته، والقيام على شئونه فى الفترة الأولى من حياته، والأصل فيها هو مصلحة الصغير. وحين يقرر ولى الأمر حدود هذه المصلحة معرفاً بأبعادها، فذلك لأن الشريعة الإسلامية فى مبادئها الكلية- القطعية في ثبوتها ودلالتها- لا تقيم لسن الحضانة تخوماً لا يجوز تجاوزها، ومن ثم تعين أن يتحدد مداها بما يكون لازماً للقيام على مصلحة الصغير ودفع المضرة عنه، بإعتبار أن مدار الحضانة على نفع المحضون، وأن رعايته مقدمة على أية مصلحة لغيره. وقد دل الفقهاء باختلافهم فى زمن الحضانة، على أن مصلحة الصغير هى مدار أحكامها، وأنها من المسائل الاجتهادية التى تتباين الآراء حولها. ومؤدى ذلك أنه يتعين ألا يكون سن الحضانة محدداً بقاعدة جامدة صارمة لا تأخذ فى اعتبارها تغير الزمان والمكان، بل يتسم بقدر من المرونة التى تسعها فى أحكامها الفرعية المستجيبة دوماً للتطور، وهى مرونة ينافيها أن يتقيد المشرع بآراء بذاتها لا يريم عنها. أو أن يقعد بإجتهاده عند لحظة زمنية معينة تكون المصالح المعتبرة شرعاً قد جاوزتها.
وإذا كان لولى الأمر الاجتهاد فى الأحكام الظنية بمراعاة المصلحة الحقيقية التى يقوم برهانها من الأدلة الشرعية، فإن مانحاه النص التشريعى المطعون فيه من تعديل فى تحديد السن التى تنتهى بها حضانة الصغير، ورفعه إلى خمس عشره سنة، دون تمييز بين ذكر أو أنثى، وإعطاء الصغير – عند بلوغه هذه السن- حق الاختيار لايعدو أن يكون تقريراً لأحكام عملية فى دائرة الاجتهاد، أملتها التغيرات التى طرأت على المجتمع والأسرة، بألايصادم الشريعة الإسلامية فى أصولها الثابتة ومبادئها الكلية- وهو فى ذلك لم يصدر عن نظرة تحكمية بل غايته رفع الحرج وفق أسس موضوعية قدر معها أن مصلحة المحضون تقتضى عدم ترويعه بانتزاعه من حاضنته، بما يخل بأمنه وإطمئنانه ويهدد استقراره؛
اتساقاً مع المستجدات الاجتماعية والثقافية وبما لا يخرج عن دائرة الإجتهاد- وإن كان له أن يخرج- أخذاً فى الاعتبار أن الصغير فى هذه السن، قد أضحى أكثر تمييزاً وقدرة على تقدير الأصلح له، لما كان ذلك، وكان المقرر أن وجود الصغير فى يد حاضنته سواء قبل بلوغ السن الإلزامية للحضانة أو بعد بلوغها – حين يختار الصغير البقاء معها- لا يغل يد والده عنه، ولا يحد من ولايته الشرعية عليه. وكان النص المطعون عليه- سواء فيما يتعلق بتحديد سن الحضانة أم فى وجوب تخيير الصغير عندما يبلغ الخامسة عشرة من عمره- قد صدر مستلهماً مقاصد الشريعة الكلية، غير مناقض لمقوماتها الأساسية، واقعاً فى نطاق توجهاتها العامة التى تحض على الاجتهاد فى غير أحكامها القطعية فى ثبوتها ودلالتها. إذ كان ذلك فإن قالة مخالفة هذا النص للمادة الثانية من الدستور لا يكون لها محل.
وحيث إن الحق فى تكوين الأسرة لا ينفصل بالضرورة عن الحق فى صونها، بما يكفل تنشئة اطفالها وتقويمهم وتحمل مسئولياتهم صحياً وتعليماً وتربوياً. وكان دستور جمهورية مصر العربية قد نص فى المواد 9و 10و 11و12 على أن الأسرة أساس المجتمع، وأن قوامها الدين والأخلاق والوطنية. وأن الطابع الأصيل للأسرة المصرية – وما تتمثل فيه من قيم وتقاليد- هو ما ينبغى الحفاظ عليه، وتوكيده وتنميته فى العلائق داخل مجتمعها، وأن الأمومة والطفولة قاعدة لبنيان الأسرة، ورعايتها ضرورة تقدمها. لما كان ذلك وكان المقرر أن كل قاعدة قانونية لا تحمل ما يعصمها من العدول عنها وإبدالها بقاعدة جديدة، تكفل فى مضمونها المصالح الحقيقية التى يتعين أن تشرع الأحكام لتحقيقها، وكان الأصل فى سلطة المشرع فى مجال تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية وجوهر هذه السلطة التقديرية يتمثل فى المفاضلة التى يجريها المشرع بين البدائل المختلفة لاختيار ما يقرر أنه أنسب لمصلحة الجماعة وأكثرها ملاءمة للوفاء بمتطلباتها، محققاً لما يهدف إليه من التنظيم الذى يشرع له.
فإذا كان قد قدر أنه بما أورده فى النص المطعون عليه يهدف من رفع سن الحضانة، وإعطاء الصغير الحق فى الاختيار عند بلوغ هذه السن، إلى تحقيق المصالح المشروعه للمحضون. وبما يتلاءم مع ما طرأ على المجتمع من تغير وتطور فى ظروفه وثقافته، دون أن يضيق على الناس أو يرهقهم، فإنه -وقد التزم الضوابط الدستورية فى هذا الشأن- لا يكون قد خالف المادة التاسعة من الدستور أو غيرها من النصوص المنظمه للحق فى تكوين الأسرة وصيانتها.وحيث إنه إذا كان الأصل فى كل تنظيم تشريعى، أن يكون منطوياً على تقسيم أو تمييز من خلال الأعباء التى يلقيها على البعض أو عن طريق المزايا أو الحقوق التى يكفلها لفئة دون غيرها. إلا أن مناط دستورية هذا التنظيم ألا تنفصل نصوصه عن أهدافها ، ليكون اتصال الأغراض التى توخى تحقيقها بالوسائل التى لجأ إليها منطقياً، وليس واهنا أو واهماً أو منتحلاً، بما يخل بالأسس التى يقوم عليها التمييز المبرر دستورياً.
متى كان ذلك وكان النص المطعون عليه- على ما سلف البيان- قد جاء محققاً لما رآه المشرع أكفل لتحقيق المصالح المشروعة التى قصد حمايتها – فى ضوء مقاصد الشريعة- ومدارها مصلحة المحضون، وليس الحاضن أو الحاضنة، فإنه لا يكون قد تبنى تمييزاً تحكمياً لأحد الطرفين دون الآخر، كما أن الاختلاف بين النصوص المتعاقبة التى تنظم موضوعاً واحداً لا يعد إخلالاً بمبدأ المساواه إنما هو تعبير عن تغيير الدافع عبر مراحل زمنية مختلفة. إذ كان ذلك وكان بقاء الصغير فى حضانة الأم لا يمنع من ممارسة الأب حقه فى الولاية الشرعية، ولا يحد منها. فإن النص بذلك لا يكون قد خالف المادة 40 من الدستور.
وحيث إن النص المطعون عليه لم يخالف حكما آخر من أحكام الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى. وبمصادرة الكفالة. وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
اترك تعليقاً