دستورية منع عضو السلك الدبلوماسي من الزواج بغير مصرية
قضية رقم 151 لسنة 27 قضائية المحكمة الدستورية العليا “دستورية”
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد الرابع عشر من أكتوبر سنة 2012م، الموافق الثامن والعشرين من ذى القعدة سنة 1433ه.
برئاسة السيد المستشار / ماهر البحيرى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين :- عدلي محمود منصور وأنور رشاد العاصي وعبد الوهاب عبد الرازق ومحمد عبد العزيز الشناوي وماهر سامي يوسف وبولس فهمي إسكندر. نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور / محمد عماد النجار رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم151 لسنة 27 قضائية” دستورية “.
المقامة من
السيد / أمين محسن أمين خليفة
ضد
1. السيد وزير الخارجية
2. السيد رئيس مجلس الوزراء
الإجراءات
بتاريخ الثلاثين من يونيو سنة 2005، أقام المدعى هذه الدعوى بإيداع صحيفتها قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طلباً للحكم بعدم دستورية نصى المادتين ( 5 بند 2 و 79 ) من قانون نظام السلك الدبلوماسي والقنصلي الصادر بالقانون رقم 45 لسنة 1982، فيما تضمناه من منع عضو السلك الدبلوماسي من الزواج بغير مصري الجنسية، واعتباره مستقيلاً من وظيفته إن فعل.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة بدفاعها، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها .
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى إبان عمله سكرتيراً ثالثاً بوزارة الخارجية تزوج بتاريخ 8/5/2000 بسيدة فرنسية الجنسية بموجب وثيقة زواج صادرة من بلدية مدينة لارنكا بقبرص، وإذ أُخطرت وزارة الخارجية بهذا الزواج، صدر قرار وزير الخارجية رقم 3058 فى الخامس عشر من سبتمبر سنة 2001، باعتبار المدعى مستقيلاً منذ زواجه، فتظلم من هذا القرار، ورُفض تظلمه، فأقام الدعوى رقم 4616 لسنة 56 قضائية أمام محكمة القضاء الإدارى، طلباً للحكم بوقف تنفيذ القرار المذكور، وفى الموضوع بإلغائه مع ما يترتب على ذلك من آثار، وأثناء نظر الدعوى دفع المدعى بعدم دستورية نصى المادتين ( 5/2) و (79) من قانون نظام السلك الدبلوماسي والقنصلي الصادر بالقانون رقم 45 لسنة 1982 فقضت محكمة القضاء الإدارى بقبول الدعوى شكلاً ورفضها موضوعاً، وإذ لم يرتض المدعى هذا الحكم فطعن عليه أمام المحكمة الإدارية العليا بالطعنين رقمى 11153، 11315 لسنة 50 قضائية إدارية عليا، طلباً للحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجدداً بإلغاء القرار الصادر باعتباره مستقيلاً، مع تمسكه بالدفع بعدم الدستورية، وإذ قدرت تلك المحكمة جدية هذا الدفع، وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن المادة رقم (5) من قانون نظام السلك الدبلوماسى والقنصلى الصادر بالقانون رقم 45 لسنة 1982 قد نصت على أنه” يشترط فيمن يعين فى إحدى وظائف السلك1- ……… 2- ألا يكون متزوجاً من غير مصرى الجنسية أو ممن هم من أبوين أحدهما أو كلاهما غير مصرى ومع ذلك يجوز بقرار من رئيس الجمهورية بناء على إقتراح وزير الخارجية الإعفاء من هذا الشرط إذا كان متزوجا ممن ينتمى إلى جنسية إحدى الدول العربية أو ممن اكتسب جنسية جمهورية مصر العربية” ، وتنص المادة (79) من القانون ذاته على أنه ” مع مراعاة البند (2) من المادة (5) من هذا القانون يعتبر مستقيلاً من وظيفته من يتزوج بغير مصرى الجنسية أو ممن هو من أبوين أحدهما أو كلاهما غير مصرى، ومع ذلك يجوز بناء على طلب عضو السلك نقله إلى وظيفة أخرى معادلة لوظيفته فى الجهاز الإدارى للدولة أو الهيئات أو الوحدات الاقتصادية التابعة للقطاع العام إذا طلب ذلك قبل الزواج من غير المصرى أو ممن هو من أبوين أحدهما أو كلاهما غير مصرى. ومع ذلك يجوز بقرار من رئيس الجمهورية، بناء على اقتراح وزير الخارجية، الإعفاء من هذا الحكم إذا تزوج ممن ينتمى إلى جنسية إحدى الدول العربية”.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة فى الدعوى الدستورية، وهى شرط لقبولها ، مناطها – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم فى المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع، ويتحدد هذا المفهوم باجتماع شرطين، أولهما: أن يقيم المدعى الدليل على أن ضرراً واقعياً قد لحق به، وليس ضرراً متوهماً أو نظرياً أو مجهلاً، ثانيهما: أن يكون مرد الأمر فى هذا الضرر عائداً إلى النص التشريعى المطعون عليه.
متى كان ما تقدم، وكانت رحى النزاع الموضوعى تدور حول طلب إلغاء قرار وزير الخارجية رقم 3058 لسنة 2001 باعتبار المدعى مستقيلاً منذ تاريخ زواجه بغير مصرية الجنسية، فإن الفصل فى دستورية ما نصت عليه المادة رقم (5) بند (2) من قانون نظام السلك الدبلوماسى والقنصلى الصادر بالقانون رقم 45 لسنة 1982 من اشتراط عدم زواج من يعين فى إحدى وظائف السلك من غير مصرى الجنسية، وما نصت عليه المادة (79) من القانون ذاته من اعتبار عضو السلك مستقيلاً من وظيفته إن لم يلتزم بذلك الشرط، إنما يرتب إنعكاساً على الدعوى الموضوعية، ويوفر مصلحة شخصية مباشرة للمدعى فى الدعوى الدستورية الماثلة، فى حدود هذا النطاق دون غيره من الأحكام التى وردت فى هذين النصين.
وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ أن هذه الرقابة إنما تستهدف – أصلاً وعلى ماجرى عليه قضاء هذه المحكمة – صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، وأن نصوص هذا الدستور تمثل دائما القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين إلتزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. وحيث إنه بالبناء على ما تقدم، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النصين المطعون عليهما – محددان نطاقاً على النحو المتقدم – من خلال أحكام الإعلان الدستورى الصادر بتاريخ 30 مارس لسنة 2011، بإعتباره الوثيقة الدستورية التى تحكم البلاد خلال الفترة الانتقالية، وإلى أن يتم الإنتهاء من إعداد الدستور الجديد وإقراره.
وحيث إن المدعى ينعى على النصين المطعون عليهما الإخلال بمبدأ المساواة بين عضو السلك الدبلوماسى والقنصلى وبين غيره ممن يمثلون الدولة فى الخارج ويشاطرونه القوامة على حماية المصالح القومية من خطر تسرب أسرارها إلى غير المصريين عند الزواج بهم، معدداً من رأى أنهم يماثلونه فى مركزه القانونى، وهم الوزراء – وقد خص منهم وزيرا الخارجية والدفاع- وممثلى السلطة التشريعية، والملحقين الإداريين والفنيين بالبعثات الدبلوماسية، والدبلوماسيين المتزوجين ممن لا يحمل أحد أبويهم الجنسية المصرية، والدبلوماسيين المأذون لهم بالزواج ممن ينتمى إلى جنسية إحدى الدول العربية، كما ينعى على النصين المطعون عليهما إهدار الحق فى الزواج، وتكوين أسرة، بما يتناقض مع كافة الإتفاقيات الدولية التى إنضمت إليها، وصدقت عليها مصر، فى شأن حق اختيار الزوج لزوجه، فضلاً عن مجافاة النصين المطعون عليهما لنهج التشريعات المقارنة التى تجيز زواج الدبلوماسى ممن يختار دون اعتداد بجنسيته، بالإضافة إلى أن النصين المطعون عليهما قد نالا من الحق فى العمل، وتقلد الوظائف العامة، ولم يتساندا إلى أية اعتبارات موضوعية تسوغ أحكامهما المعطلة لهذين الحقين اللصيقين بالحرية الشخصية، وذلك كله بالمخالفة لنصوص المواد (9 و13 و 14 و 40 و 45) من دستور سنة 1971.
وحيث إن الإعلان الدستورى الصادر فى 30 مارس سنة 2011 إنتظم مبادئ المساواة ( المادة 7) والحرية الشخصية ( المادة وحق العمل ( المادة 5)، فإن هذه المحكمة تبسط رقابتها على ما ينعاه المدعى من خلال هذه النصوص.
وحيث إن المقرر فى قضاء المحكمة الدستورية العليا ” أن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون لا يعنى أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت فى مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، وأنه كلما كان القانون مغايراً بين أوضاع أو مراكز أو أشخاص لا تتحد واقعاً فيما بينها، وكان تقديره فى ذلك قائما على أسس موضوعية، مستهلماً أهدافاً مشروعة، فإن ما تضمنه القانون من تمييز يكون مبرراً ولا ينال من شرعيته الدستورية. متى كان ذلك، وكان النصان المطعون عليهما – بنطاقهما المحدد سلفاً- قد سنا قواعد لا تقيم فى مجال سريانها تمييزاً بين المخاطبين بها من أعضاء السلك الدبلوماسى والقنصلى، واستهدفا مصلحة مشروعة تمثلت – وعلى ما ورد بالمذكرة الإيضاحية للقانون فى ” إضفاء مزيد من ضمانات الأمن حيث يجب البعد بالعاملين فى المجال الدبلوماسى والقنصلى عن أى شبهات قد تتعلق بالجنسية”، وكان ما اشترطه النصان المطعون عليهما من حمل زوج الدبلوماسى الجنسية المصرية ينسجم مع الغاية المستهدفة من اشتراطه، ويعد مظهراً من مظاهر سيادة الدولة، واختصاصاً مانعاً يتعلق بالمجال المحفوظ لها، وكانت الطبيعة الخاصة للعمل الدبلوماسى وما تقتضيه من تمثيل العضو دولته وحماية مصالحها ومصالح رعاياها، وتدعيم علاقتها الدبلوماسية مع الدولة المعتمد لديها، تعد ضابطاً موضوعياً لإشتراط عدم زواج عضو السلك إلا ممن يكون مصرى الجنسية كأحد شروط التعيين والاستمرار فى العمل الدبلوماسى،
بما يرتب اعتباره فى مركز قانونى خاص يغاير المركز القانونى للوزراء وأعضاء السلطة التشريعية، وغيرهم من العاملين بالحقل الدبلوماسى، الأمر الذى أدى إلى إفراد أداة تشريعية مستقلة لتنظيم أوضاع كل فئة من الفئات الثلاث المذكورة، مراعاة للتمايز بين طبيعة عمل واختصاصات كل منها، فتكفلت الوثيقة الدستورية بتحديد اختصاصات الوزراء، والتزاماتهم، بينما نيط بقوانين مجلسى الشعب والشورى ومباشرة الحقوق السياسية تحديد شروط انتخاب أعضاء السلطة التشريعية وتعيين عدد منهم بالمجلسين، وبيان اختصاصاتهم وحصاناتهم، على نحو يغاير فى إجماله وتفصيله الأوضاع المقررة لأعضاء السلك الدبلوماسى والقنصلى، كما أنه لا تماثل بين المركز القانونى لأعضاء هذا السلك وفئة الملحقين الإداريين والفنيين ممن يعملون ضمن البعثة الدبلوماسية، ويتمتعون بالحصانة الدبلوماسية فى الحدود المبينة بإتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية، ذلك أن الملحقين الإداريين ليسوا أعضاء فى السلك الدبلوماسى والقنصلى، ويخضعون لنظام العاملين المدنيين فى الدولة، بينما يتبع الملحقون الفنيون الجهات المنتدبين منها،
وتجرى عليهم فى التعيين وسائر أوضاعهم الوظيفية الأحكام التى تجرى على زملائهم فى الجهات التى يتبعونها أصلاً، كذلك فلا محل للاحتجاج بتماثل المركز القانونى لعضو السلك الدبلوماسى والقنصلى المعين وفق الشروط التى حددها النصان المطعون عليهما، وقرينه بالسلك ذاته المعين طبقاً لأحكام القانون رقم 166 لسنة 1954، والذى قصر اشتراط الجنسية المصرية للتعيين والاستمرار فى وظائف السلك على زوج العضو دون أبويه، ذلك أنه قد أضحى غير منتج فى الدعوى الدستورية الماثلة، لخروج جنسية أبوى الزوج عن نطاق الدعوى، فضلاً عن أنه لا تماثل بين المركز القانونى لعضو السلك الذى يتزوج بأجنبى من غير الدول العربية ونظيره الذى يتزوج بمن يحمل جنسية إحدى الدول العربية، ذلك أن المادة رقم (1) فى فقرتها الثانية من الإعلان الدستورى المحتكم إليه نصت على أن ” الشعب المصرى جزء من الأمة العربية يعمل على تحقيق وحدتها الشاملة” وهو ما التزمه عجز نص المادة (5) بند (2) من قانون نظام السلك الدبلوماسى والقنصلى، بإجازته تعيين عضو السلك إذا كان متزوجاً ممن ينتمى إلى جنسية إحدى الدول العربية وفق الضوابط المبينة به، الأمر الذى جرى به أيضا حكم الفقرة الأخيرة من نص المادة (79) من القانون المار ذكره فى شأن إعفاء عضو السلك من الاستقالة الاعتبارية إذا تزوج ممن ينتمى إلى جنسية إحدى الدول العربية. متى كان ما تقدم، فإن النعى على النصين المطعون عليهما – محددان نطاقا على النحو المبين آنفاً – بمخالفتهما مبدأ المساواة، يكون منتحلاً .
وحيث إن المقرر فى قضاء المحكمة الدستورية العليا أن الدساتير المصرية المتعاقبة أقامت من الدين والأخلاق والوطنية – بمثلها وفضائلها ومكارمها- إطاراً للأسرة ، يؤكد طابعها الأصيل، ويعكس ملامحها، فلا تنفصل – فى تراثها وتقاليدها ومناحى سلوكها – عن دورها الاجتماعى، ولا تتراجع عن القيم العليا للدين، بل تنهل منها تأسيساً بها.
والتزامها بالخلق القويم، لا ينعزل عن وجدانها، بل يمتد إلى أعماقها، ويحيطها ليهيمن على طرائقها فى الحياة، وليس التعبير عن الوطنية – فى محتواها الحق- رنيناً مجرداً عن المضمون، بل انتماء مطلقاً لآمال المواطنين، وانحيازاً صارماً لطموحاتهم يقدم مصالحهم – فى مجموعها – على ما سواها. والوطنية التى ينبغى أن تتحلى الأسرة بها، تفقد مقوماتها، إذا لم يوفر المشرع لأفرادها مناخاً ملائماً، يعزز قوة الوطن ولا يضعفها أو ينحيها، ووحدة الأسرة هى الضمان الأولى والمبدئى، لإشرابهم غريزة القتال والنضال، ليكون لأمتهم هيبتها ومكانتها، فلا تنكص على عقبيها، وجلاً أو تفريطاً.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان اشتراط عدم زواج عضو السلك الدبلوماسى والقنصلى بغير مصرى الجنسية، قد تغيا التأكيد على وطنية أسرة عضو السلك بصورة قطعية، لا تداخلها مظنة ولا ريبة، والإيقان من هويتها المصرية الخالصة غير المشوبة، وتوفير مناخ العمل الملائم للعضو حال تمثيل بلاده فى الدول المعتمد لديها، وتمكينه من المحافظة على أسرار وظيفته ما وسعه الأمر، مباعداً بذلك بينه وحرج ولاء زوجه لجنسيته غير المصرية،
كما وأن المشرع قد راعى فيما قرره بشأن جنسية زوج عضو السلك الدبلوماسى والقنصلى، أن يخص بالمزايا والحصانات المقررة لأفراد أسرة عضو السلك المقيمون معه، من يحملون الجنسية المصرية دون غيرهم، كذلك استصحب المشرع بشرط جنسية زوج العضو مبدأ حمل عضو السلك الدبلوماسى والقنصلى لجنسية الدولة التى يمثلها – المنصوص عليه فى المادة الثامنة من اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية- إلى غايته، باشتراطه تمتع زوج الدبلوماسى بالجنسية المصرية أيضا، تقديراً لكون الزوج المصرى لعضو السلك أقدر من الزوج الأجنبى على الوفاء بواجبات تمليها أعراف دبلوماسية مستقرة يتصدرها حسن تمثيل الأسرة المصرية ، بقيمها الراسخة، وتقاليدها الأصيلة،
والتعبير بصدق لدى الدولة المعتمد لديها العضو عن حضارة وثقافة الشعب المصرى بكافة فئاته وطوائفه. ولاينال مما تقدم، ما نعاه المدعى على النصين المطعون عليهما، بمخالفتهما للإتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، والتى تم التصديق عليها بقوانين مصرية، والتى تكفل حق اختيار الزوج، وكذلك التشريعات المقارنة التى لا تقيم تمييزاً بين الدبلوماسى وغيره فى مجال الحق فى اختيار الزوج، ذلك أن الإتفاقيات المشار إليها، وإن صح القول بإنطوائها على عديد من القيم التى التزمتها الدول الديمقراطية والتى تظاهرها هذه المحكمة وترسيها، باعتبارها تراثاً إنسانياً ذات طابع حضارى، يتعين التأكيد عليه والإعلاء من شأنه لا سيما ما اتصل منها بالحقوق والحريات الأساسية، إلا أنه لا يعزب عن النظر أن هذه الاتفاقيات الدولية،
وإن تم التصديق عليها من السلطة المختصة، تظل فى مدارج التشريع نصوصاً قانونية، لا تطاول المبادئ المنصوص عليها فى الوثائق الدستورية، ويغدو – من ثم- الإدعاء بعدم التزام النصين المطعون عليهما – حدود النصوص الواردة بتلك الإتفاقيات الدولية غير مجد لإستنهاض ولاية المحكمة الدستورية العليا لتبسط رقابتها القضائية عليها. كما وأن المحاجة بمخالفة النصين المذكورين لنهج تشريعات مقارنة- وصولاً لوصمهما بعدم الدستورية – يضحى إقحاماً لتلك التشريعات فى غير موضعه، واستئناساً بها، لا طائل منه. متى كان ما تقدم كله، فإن النصين المطعون عليهما – محددان نطاقاً على ما سلف بيانه – لا يكونان قد خرجا على أوامر ونواهى المشرع الدستورى فى شأن حق الزواج، واختيار الزوج، ويكون النعى عليهما – فى هذا الخصوص – خليقاً بالالتفات عنه.
وحيث إنه لما كانت المادة (5) من الإعلان الدستورى الصادر فى 30 مارس سنة 2011 تنص على أن ” يقوم الاقتصاد فى جمهورية مصر العربية على تنمية النشاط الاقتصادى والعدالة الاجتماعية وكفالة الأشكال المختلفة للملكية والحفاظ على حقوق العمال .
وكان المقرر فى قضاء المحكمة الدستورية العليا أن يكون لكل وظيفة حقوقها وواجباتها، فلا تقابل مزاياها بغير مسئولياتها، ولا يكون وضعها وترتيبها منفصلاً عن متطلباتها، ومؤدى ما تقدم، أن لكل وظيفة تبعاتها، فلا يشغلها إلا من يستحقها، على ضوء طبيعة الأعمال التى تدخل فيها، والغايات التى تصبو إلى تحقيقها. وأن الأصل فى سلطة المشرع فى موضوع تنظيم الحقوق، أنها سلطة تقديرية مالم يقيدها الدستور بضوابط محددة تعتبر تخوماً لها، لايجوز إقتحامها، أو تخطيها، ويتمثل جوهر هذه السلطة فى المفاضلة بين البدائل المختلفة التى تتزاحم فيما بينها، وفق تقديره على تنظيم موضوع محدد، فلا يختار من بينها إلا ما يكون منها عنده أكثر من غيره لتحقيق الأغراض التى يتوخاها.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان المشرع حال مباشرته سلطته التقديرية فى تحديد شروط شغل وظيفة عضو السلك الدبلوماسى والقنصلى والاستمرارفيها، إتخذ من حمل زوج العضو الجنسية المصرية، خياراً أنسب لتحقيق الأغراض التى يتطلع إليها من العمل الدبلوماسى والقنصلى، وجاء خياره منتصفاً لتوزان دقيق بين مصلحة العضو فى العمل وتقلد الوظائف العامة من ناحية، ومصلحة الجماعة الوطنية فى أمنها والتمسك بثوابت هويتها من ناحية أخرى، وانحاز من خلال شرط جنسية زوج عضو السلك لبديل يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالطبيعة الخاصة للعمل الدبلوماسى والقنصلى، وينعكس بالضرورة على الغايات المرجوة منه، فلم يكن إقرار هذا الشرط إجراءً تحكمياً، أو عملاً تسلطياً، وإنما كان تقديراً لضرورة أوجبته.
متى كان ذلك وكان النص على اعتبار عضو السلك الدبلوماسى والقنصلى مستقيلاً إذا تزوج بغير مصرى الجنسية قد تقرر لأغراض بعينها تقتضيها المصلحة العامة، صوناً للوظيفة الدبلوماسية، وتوكيداً لما ينبغى أن يتوافر من الثقة فى القائمين عليها، وتلك جميعها مصالح مشروعة يعتبر معها هذا التنظيم القانونى مرتبطاً بها ومحققاً لها، الأمر الذى يكون معه النعى على النصين المطعون عليهما بمصادرة الحق فى العمل وتقلد الوظائف العامة، لا أساس له، متعيناً رفضه.
وحيث إن النصين المطعون عليهما – بالنطاق السالف تحديده – لا يخالفان أى نص من نصوص الإعلان الدستورى الصادر فى 30 مارس سنة 2011.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة ، وألزمت المدعى المصروفات، ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة .
اترك تعليقاً