قضية رقم 152 لسنة 27 قضائية المحكمة الدستورية العليا “دستورية”
مبادئ الحكم: الجزاء الجنائي – تفريد العقوبة – مبدأ المساواة – الجزاء الجنائي
نص الحكم
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 13 مايو سنة 2007 م، الموافق 26 من ربيع الآخر سنة 1428 هـ
برئاسة السيد المستشار/ ماهر البحيري
نائب رئيس المحكمة
والسادة المستشارين/ الدكتور حنفي علي جبالي وإلهام نجيب نوار وماهر سامي يوسف ومحمد خيري طه وسعيد مرعي عمرو والدكتور عادل عمر شريف
أعضاء
وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما
رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن
أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 152 لسنة 27 قضائية “دستورية”.
المقامة من
السيد/ …، بصفته وليا طبيعيا على كريمته القاصر …
ضد
1- السيد/ رئيس الجمهورية
2- السيد/ رئيس مجلس الشعب
3- السيد/ رئيس مجلس الوزراء
4- السيد/ المستشار وزير العدل
5- السيد/ المستشار النائب العام
الإجراءات
بتاريخ الثلاثين من يونيه سنة 2005، أودع المدعي قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة، طالبا الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (112) من قانون الطفل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1996.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم أصليا بعدم قبول الدعوى، واحتياطيا برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق تتحصل في أن النيابة العامة في قضيتها رقم 2152 لسنة 2004 جنايات أحداث الجيزة، والمقيدة برقم 3773 لسنة 2004 كلى شمال الجيزة، أسندت إلى كريمة المدعي أنها بتاريخ 29/11/2003 بدائرة قسم العياط محافظة الجيزة، حال كونها طفلة أتمت السادسة عشرة من عمرها ولم تبلغ الثامنة عشرة قتلت عمدا مع سبق الإصرار نجلتها “…”، وكان ذلك بأن بيتت النية وعقدت العزم على قتلها،
وأعدت لذلك جوهرا ساما (مبيدا حشريا) ووضعته داخل زجاجة شراب المجني عليها وقدمته لها مما نجم عنه وفاتها، وطلبت عقابها بالمواد (230، 231، 233) من قانون العقوبات والمواد (2، 95/1، 112/1، 2) من قانون الطفل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1996، وأحالتها إلى محكمة جنح أحداث الجيزة التي نظرت الدعوى وقضت فيها بجلسة 6/3/2005 حضوريا بمعاقبة المتهمة بالسجن لمدة خمس عشرة سنة مع النفاذ، طعن المدعي “بصفته” في الدعوى الماثلة على هذا الحكم بالاستئناف رقم 6895 لسنة 2005 جنح مستأنف أحداث شمال الجيزة، وأثناء نظره دفع بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (112) من القانون رقم 12 لسنة 1996، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع، وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقام المدعي الدعوى الماثلة.
وحيث إن المادة (112) من قانون الطفل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1996 تنص على أن “لا يحكم بالإعدام ولا بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة على المتهم الذي زاد سنه على ست عشرة سنة ميلادية، ولم يبلغ الثامنة عشرة سنة ميلادية كاملة وقت ارتكاب الجريمة.
وفي هذه الحالة إذا ارتكب المتهم جريمة عقوبتها الإعدام يحكم عليه بالسجن لمدة لا تقل عن عشر سنوات، وإذا كانت الجريمة عقوبتها الأشغال الشاقة المؤبدة يحكم عليه بالسجن الذي لا تقل مدته عن سبع سنوات، وإذا كانت الجريمة عقوبتها الأشغال الشاقة المؤقتة يحكم عليه بالسجن.
ولا تخل الأحكام السابقة بسلطة المحكمة في تطبيق أحكام المادة (17) من قانون العقوبات في الحدود المسموح بتطبيقها قانونا على الجريمة التي وقعت من المتهم”.
وحيث إن المقرر وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة أن المصلحة في الدعوى الدستورية وهي شرط لقبولها مناطها ارتباطها بصلة منطقية بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازما للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع. وكان النزاع الموضوعي يدور حول إتهام الحدث وحدها بارتكاب جناية قتل عمد بالسم وإحالتها لمحكمة جنح الأحداث لمحاكمتها وفقا لمواد الاتهام سالفة البيان ومنها نص المادة (112/1،2) من قانون الطفل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1996، وكان المدعي بصفته يرمي من وراء دفعه بعدم الدستورية رفع قيد الحد الأدنى للعقوبة المقررة بهذا النص وهو السجن مدة لا تقل عن عشر سنوات، فإن نطاق الدعوى الماثلة في ضوء مصلحته يتحدد فيما تضمنته الفقرة الثانية من المادة (112) سالفة البيان من تقرير حد أدنى للعقوبة التي استبدلها المشرع بعقوبة الإعدام وهي السجن مدة لا تقل عن عشر سنوات.
وحيث إن المدعي ينعى على النص سالف البيان محددا نطاقه على النحو المتقدم الإخلال بسلطة القاضي في تفريد العقوبة ومجافاته لمبدأ معقولية الجزاء، فضلا عن إهدار مبدأ المساواة وتعارضه مع مبدأ خضوع الدولة للقانون.
وحيث إن البين من أحكام قانون الطفل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1996 أن الباب الثامن منه قد خصص لبيان المعاملة الجنائية للأطفال والتي تسري على من لا يجاوز الثامنة عشرة وقت ارتكاب الجريمة أو عند وجوده في إحدى حالات التعرض للانحراف فقرر امتناع المسئولية الجنائية للطفل دون السابعة، وبالنسبة لمن تجاوزها ولم يبلغ الخامسة عشرة فلا يوقع عليه سوى تدابير احترازية معينة، واستبعد تطبيق بعض العقوبات على من بلغ الخامسة عشرة ولم يتجاوز السادسة عشرة، كما منع تطبيق عقوبات معينة على من بلغ السادسة عشرة ولم يتجاوز الثامنة عشرة، وخول المحكمة المختصة إعمال المادة السابعة عشرة من قانون العقوبات بالنزول بالعقوبة على النحو الوارد بها، وأوجب ندب محام للدفاع عن الطفل إن كان متهما بجناية، وأجاز ذلك إن كان متهما في جنحة. وقد جاءت هذه الأحكام استرشادا بمضمون ما حوته المواثيق الدولية المعنية بالأطفال ومن بينها الإعلان العالمي لحقوق الطفل، واتفاقية حقوق الطفل، والإعلان العالمي لبناء الطفل وحمايته ونمائه.
واستهدفت أحكام القانون المشار إليه على ما أفصحت عنه مذكرته الإيضاحية أن يتضمن بابا للمعاملة الجنائية للطفل يرسم أبعادها ويحدد نطاقها ويضع ضوابطها الموضوعية والإجرائية مستهدفا بها في جميع الأحوال وقاية الطفل من خطر الانحراف والجناح وإصلاح سلوكه وتقويمه والبعد عن شبهات الإجرام ومظناته، وإدراكا لحقيقة ثابتة هي أن الطفل لا يطرق باب الإجرام لشر متأصل في نفسه وإنما الغالب أن يكون ضحية الظروف الاجتماعية ولبيئته التي تحيط به، لذلك أخذ المشرع بنظرية الخطورة الاجتماعية، وهي نظرية علمية معروفة تنبه إلى مختلف العوامل الداخلية والخارجية التي تؤثر على الطفل وقد تؤدي إلى وقوعه في الجريمة، فيتعين أن يعامل الطفل بأساليب الإصلاح والوقاية بدلا من أن يعامل بالأساليب الجنائية التي تتضمن معنى الإيلام والعقاب.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق هو إطلاقها، باعتبار أن جوهرها تلك المفاضلة التي يجريها بين البدائل المختلفة التي تتصل بالموضوع محل التنظيم التشريعي، موازنا بينها، مرجحا ما يراه أنسبها لفحواه، وأحراها بتحقيق الأغراض التي يتوخاها، وأكفلها لأكثر المصالح ثقلا في مجال إنفاذها، وليس ثمة قيد على مباشرة المشرع لسلطته هذه إلا ضوابط محددة يفرضها الدستور، تعتبر تخوما لها لا يجوز تجاوزها.
كما أن الرقابة على دستورية القوانين التي خولها الدستور للمحكمة الدستورية العليا تقف عند حد مقابلة النص المطعون فيه بنصوص الدستور الشكلية أو الموضوعية لبيان أوجه مخالفتها لها أو اتفاقها معها، مقيدة في ذلك بالضوابط التي فرضها الدستور على سلطة المشرع، ولا تمتد هذه الرقابة إلى بحث ملاءمة إصدار التشريع أو الباعث عليه.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة جرى على أن المساواة المنصوص عليها في المادة (40) من الدستور ليست مساواة حسابية، إذ يملك المشرع بسلطته التقديرية ولمقتضيات الصالح العام وضع شروط موضوعية تتحدد بها المراكز القانونية التي يتساوى بها الأفراد أمام القانون بحيث إذا توافرت هذه الشروط في طائفة من الأفراد وجب إعمال المساواة بينهم لتماثل مراكزهم القانونية، فإذا انتفى مناط التسوية بينهم بأن توافرت الشروط في بعضهم دون البعض الآخر كان لمن توافرت فيهم الشروط دون سواهم أن يمارسوا الحقوق التي كفلها القانون لهم.
وحيث إنه من المقرر أيضا أن الجزاء الجنائي لا يكون مخالفا للدستور إلا إذا اختل التعادل بصورة ظاهرة بين مداه وطبيعة الجريمة التي تعلق بها، وأن مناط مشروعية العقوبة من ناحية دستوريتها هو ذلك التفريد الذي يجريه القاضي للعقوبة وفقا لظروف الجريمة والجرم فيتدرج بها تخفيفا وتشديدا في الحدود المقررة قانونا، وذلك جوهر الوظيفة القضائية إعمالا للمبادئ التي أرستها هذه المحكمة من أن المتهمين لا تجوز معاملتهم بوصفهم نمطا ثابتا أو باعتبار أن صورة واحدة تجمعهم لتصبهم في قالبها.
وحيث إنه بالبناء على ما تقدم فإن المشرع إذ استبدل بعقوبة الإعدام، بالنسبة للحدث الذي بلغ السادسة عشر حتى الثامنة عشرة عقوبة السجن لمدة لا تقل عن عشر سنوات فإنه يكون بسلطته التقديرية قد أجرى مفاضلة بين البدائل المختلفة لتحقيق الأغراض التي يتوخاها في المرحلة العمرية ما بين الخامسة عشرة والثامنة عشرة والتي كان يطلق عليها إجمالا مرحلة المراهقة، إلا أنه قسمها إلى مرحلتين حيث يبدأ الإجرام في مستهلها ثم يزداد حجما وأثرا كلما تقدم عمر المراهق، وقد رأى المشرع أن تقويم اعوجاج كل من الفئتين يحتاج إلى نوع مختلف من المعالجة فكان التدرج في العقاب بين الفئتين. وهو بذلك لا يعد شكلا من أشكال التمييز غير المبرر سيما وأن إعمال أحكام المادة (17) عقوبات على الفئة الثانية قد يؤدي إلى النزول بالعقوبة إلى حد التساوي بالعقوبة الموقعة على ذات الفعل المرتكب بين أصحاب الفئة الأولى، الأمر الذي يضحى به النص الطعين بمنأى عن شبهة الخروج على مبدأ المساواة المنصوص عليه في المادة (40) من الدستور، فضلا عن عدم مخالفته لمبدأ تفريد العقوبة وخضوع الدولة للقانون، ولا يخالف أي حكم آخر من أحكام الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى وبمصادرة الكفالة وألزمت المدعي “بصفته” المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
اترك تعليقاً