دعوى الاستحقاق الفرعية:
هذه هى الصورة الثالثة من صور منازعات التنفيذ بالنسبة للحجز العقاري. والمفروض في هذه الصورة أن يثير شخص من الغير منازعة قضائية برفع دعوى لتثبيت ملكيته إلى العقار الجاري نزع ملكيته وبالتالي بطلان إجراءات التنفيذ المتخذة على ذلك العقار لأن من شروط التنفيذ الصحيح أن ينصب على مال مملوك للمدين فإن كان المال (عقاراً كان أم منقولاً) غير مملوك للمدين وقع التنفيذ على غير محل وبطلت إجراءاته لتخلف محلها.
على أنه يتصور في بعض الحالات أن يوعز المدين إلى بعض أقاربه أو أصحابه برفع مثل هذه الدعوى بغية إيقاف إجراءات التنفيذ: حتى يتسنى له أن يلتقط أنفاسه وأن يدبر من المال ما يسدد به الدين ويدرأ بذلك عن عقاره ما يهدده من نزع الملكية.
ولذلك فإن المدين الذى يستنفد طريق المنازعة الأول وهو الاعتراضات على قائمة الشروط وعندما يستنفذ طلبات التأجيل وطلبات الإيقاف – لن يجد سبيلاً أخر يلجأ إليه للمنازعة في التنفيذ العقاري – إلا بتحريض شخص من الغير لرفع دعوى استحقاق فرعية – لعلها تؤدى إلى وقف التنفيذ.
وقد سميت الدعوى بهذا الاسم وهو (دعوى الاستحقاق) لأن موضوعها هو الادعاء باستحقاق (أي بملكية) رافع الدعوى إلى العقار موضع التنفيذ.
وسميت (فرعية) لأنها ترفع أثناء سير إجراءات التنفيذ وقبل تمام البيع فهي إذن متفرعة من الإجراءات الجارية أما إذا رفعت بعد تمام الإجراءات فلا تسمى فرعية – وإنما تعتبر دعوى استحقاق أصلية فلا توقف التنفيذ مع أنها قد تكون دعوى جدية وقد يحكم فيها في النهاية لمصلحة رافعها بما يسفر عن حقيقة لا شك فيها هى أن العقار الذى تم التنفيذ عليه ليس مملوكاً للمدين المنفذ ضده – ومع ذلك فإن الهدف الأساسي من دعوى الاستحقاق الفرعية وهو إيقاف التنفيذ لا يتحقق في هذه الحالة لأن رفع دعوى الاستحقاق بعد تمام التنفيذ لا يؤثر على التنفيذ إذ لا يمكن إيقاف أمر تم وأصبح أمراً مقضياً.
كذلك لو رفعت دعوى الاستحقاق قبل البدء في إجراءات التنفيذ فإنها لا تكون فرعية بل تكون دعوى استحقاق أصلية. على أنه إذا اتخذت إجراءات تنفيذية على العقار قبل الحم في دعوى استحقاق فإنه يجوز التحدي بهذه الدعوى والاحتجاج بها على الدائن مباشر الإجراءات وطلب إيقاف الإجراءات إلى أن يفصل نهائياً في دعوى الاستحقاق – وقد يتم ذلك عن طريق الاعتراض على قائمة الشروط أو من طريق تقديم طلب بالإيقاف أمام قاضى التنفيذ.
وعلى ضوء ما تقدم يمكن أن نقرر أن دعوى الاستحقاق الفرعية هى منازعة موضوعية في التنفيذ العقاري ولذلك يختص بها قاضى التنفيذ مهما كانت قيمتها لأن قاضى التنفيذ مختص بكافة المنازعات التنفيذية بما فيها المنازعات الموضوعية.
ومن المقرر كذلك – ( في تقنين المرافعات الحالي) – أن هذه الدعوى إنما ترفع من الغير الذى يدعى ملكية العقار المنفذ عليه ولذلك لا يجوز رفعها من أطراف التنفيذ (وأمامهم الاعتراضات على قائمة الشروط إذا شاءوا) وترفع الدعوى بطلبين موضوعيين أولهما: الملكية (أي الاستحقاق) وثانيهما: نتيجة للأول وهو إبطال إجراءات نزع الملكية المتخذة على العقار لوقوعها على مال غير مملوك للمدين. وتشتمل الدعوى على شق مستعجل هو طلب إيقاف إجراءات التنفيذ المتخذة على العقار إلى أن يفصل الدعوى (دعوى الاستحقاق).
الخصوم في الدعوى:
أولاً- المدعى في هذه الدعوى:
لا يرفع دعوى الاستحقاق الفرعية إلا من (الغير) فلا يجوز رفعها من شخص يعتبر طرفاً في الإجراءات، لأن مثل هذا الشخص كان يجب أن يتقدم بمنازعته في الميعاد المحدد للاعتراضات وبالطريق المقرر لتقديم الاعتراضات، حتى لو كان اعتراضه مؤسساً على أنه يملك العقار الذى يجرى التنفيذ عليه كله أو بعضه. فإذا لم يتقدم باعتراضه في الميعاد وبالطريق المقرر قانوناً، سقط حقه في الاعتراض.
وقد كانت هذه المسألة محل خلاف في ظل القانون الملغى وقيل بأنه يجوز ويتصور رفع الدعوى من شخص معتبر طرفاً من أطراف التنفيذ كالحائز مثلاً إذا وقع التنفيذ على عقار مملوك له شخصياً، ولكن المشرع عدل صياغة النصوص ليقضى على هذا الخلاف ويقصر الحق في رفع هذه الدعوى على الغير أي من لا يعتبر طرفاً من أطراف التنفيذ، ولهذا قررت المادة 454 من قانون المرافعات الجديد أنه يجوز “للغير” رفع دعوى الاستحقاق الفرعية، وقد ورد في المذكرة الإيضاحية أن المقصود بذلك هو قصر الحق في رفع دعوى الاستحقاق الفرعية على الغير، دون أطراف التنفيذ، فلا يجوز لغير الغير رفعها.
ثانياً- المدعى عليهم في دعوى الاستحقاق:
أما بالنسبة للمدعى عليهم في دعوى الاستحقاق الفرعية فقد أوجب المشرع في هذه الدعوى اختصام أشخاص معينين وهم:
الدائن الذى يباشر إجراءات التنفيذ.
المدين أو الحائز أو الكفيل العيني.
أول الدائنين المقيدين.
وقد خرج المشرع في ذلك على القاعدة العامة التي تقرر أن للمدعى في أية دعوى الحرية التامة في أن يختصم من يشاء ويغفل اختصام من يشاء، إلا أن لهذه القاعدة استثناءات يوجب فيها القانون في بعض دعاوى معينة اختصام أشخاص معينين كدعوى الشفعة مثلاً، ومن هذه الاستثناءات دعوى الاستحقاق الفرعية.
واختصام المدين هنا أمر طبيعي لأن إجراءات التنفيذ تتخذ على أساس أنه هو مالك العقار.
ولما كان رافع دعوى الاستحقاق يدعى ملكية العقار لنفسه، فإنه يجب بداهة أن يختصم المدين لأنه غريمه في الملكية.
وما يصدق على المدين يصدق على الحائز أو الكفيل العيني في حالة اتخاذ إجراءات نزع الملكية ضدهما.
وأما اختصام الدائن مباشر الإجراءات فهو أيضاً إجراء طبيعي لأن مدعى الاستحقاق يطلب إلغاء الإجراءات التي اتخذها ذلك الدائن.
ويبقى بعد ذلك اختصام أول دائن من الدائنين أصحاب الحقوق المقيدة على العقار، أي المرتهنين ومن في حكمهم – فقد قدر المشرع أن اختصام هؤلاء الدائنين واجب نظراً لأن دعوى الاستحقاق تتعارض مع حقوقهم ومصالحهم، ولكن لم يشأ المشرع أن يثقل كأهل مدعى الاستحقاق باختصام هؤلاء الدائنين جميعاً، واكتفى بأول واحد منهم على اعتبار أنه يمثلهم لأن ما تتأثر به مصالحهم تتأثر به مصلحته، ولأنه إذا نجح في دفاعه ضد مدعى الاستحقاق عاد ذلك بالفائدة عليهم جميعاً.
أما الجزاء على عدم اختصام هؤلاء الأشخاص.
فهو من الأمور المختلف عليها لعدم وجود نص في القانون عليه، ولذلك رأى البعض أن الدعوى في هذه الحالة تكون غير مقبولة، ولكن هذا الرأي مرجوح إذ لا يوجد سبب يبرر عدم القبول، ولذلك قيل بأن الدعوى تكون مقبولة وصحيحة ولكن الحكم فيها لا يكون حجة على من لم يختصم، وذلك تطبيقاً لقاعدة نسبية الأحكام.
واتجه رأى أخر إلى أنها لا تعتبر دعوى استحقاق فرعية منتجة لأثرها في مجال التنفيذ – وهو وقف البيع – بل تتمخض عن دعوى ملكية عادية، وهذا الرأي أساسه القياس على دعوى استرداد المنقولات المحجوزة وما يقرره المشرع فيها من وجوب اختصام أشخاص معينين (وهم المدين والحاجز والحاجزين المتدخلين) وقد رتب المشرع على عدم اختصامهم أن تلك الدعوى لا تنتج، في مجال التنفيذ، أثرها المقصود وهو وقف البيع (مادة 394) – فكذلك دعوى الاستحقاق.
وهذا هو الرأي الأصوب.
إجراءات رفع الدعوى:
إلى جانب ما اشترطه المشرع من اختصام أشخاص معينين في دعوى الاستحقاق الفرعية، فقد أوجب اتخاذ إجراءات معينة سنعرض لها حالا.
وترفع هذه الدعوى بالإجراءات المعتادة لرفع الدعاوى طبقاً لما ورد في قانون المرافعات الجديد – أي بصحيفة تودع في قلم كتاب المحكمة التي ترفع أمامها الدعوى – وهى في حالتنا محكمة التنفيذ، وتقيد هذه الدعوى ثم تعلم للخصوم في المواعيد التي حددها القانون وأنظر المادة 63 وما بعدها.
وفضلاً عن الإجراءات والشروط المعتادة في رفع الدعاوى بصفة عامة يوجب القانون في دعوى الاستحقاق الفرعية التزام أمور معينة (أولاها): أن تشمل صحيفتها على بيان المستندات المؤيدة للادعاء بالملكية أو على بيان دقيق بأدلة الملكية أو وقائع الحيازة التي يستند إليها المدعى في دعواه (وثانيهما): إيداع كفالة أو أمانة في خزينة المحكمة تمثل قيمة المبلغ الذى يقدره قلم الكتاب للوفاء بمصاريف الدعوى (مقابل أتعاب المحاماة والمصاريف اللازمة لإعادة الإجراءات عند الاقتضاء) (أي عند رفض الدعوى).
والجزاء:
على عدم مراعاة هذين الإجراءين أو أحدهما هو أن الدعوى لا تنتج أثرها المقصود – وهو وقف البيع.
ميعادها:
وفيما عدا هذه البيانات التي يتطلبها القانون في صحيفة الدعوى وإيداع الكفالة التي يشترطها – فإن المشرع لم يحدد ميعاداً لرفعها فيجوز رفعها في أي وقت حتى بعد انتهاء الميعاد المحدد لتقديم الاعتراضات على قائمة شروط البيع ولكن يجب بالضرورة رفعها أثناء الإجراءات وإلى ما قبل جلسة البيع وإلا فإنها لا تعتبر دعوى استحقاق فرعية بل تكون دعوى ملكية عادية.
أثر دعوى الاستحقاق الفرعية:
إذا توافرت في الدعوى شروطها السابق بيانها – (وهى اختصام الأشخاص المعينين الذين أوجب القانون اختصامهم – وتوافر البيانات التي اشترط اشتمال صحيفتها عليها – وإيداع الكفالة المطلوبة) – فإنه يترتب عليها أثر هام هو وقف البيع وجوباً.
ولكن هذا الأثر لا يترتب بقوة القانون بمجرد رفعها بل لابد من صدور حكم به، ويصدر الحكم بالإيقاف من محكمة التنفيذ، وهى المحكمة المختصة التي أوجب القانون رفع الدعوى إليها.
ويجب على المحكمة أن تقضى بالإيقاف متى تحققت من توافر الشروط السابق بياناتها وهى:
تضمن صحيفتها بيان أدلة الملكية ومستنداتها.
إيداع الكفالة المطلوبة.
واختصام من ويوجب القانون اختصامهم.
فالحكم بالإيقاف وجوبي مت توافرت هذه الشروط الشكلية وليس متروكاً لتقدي قاضى التنفيذ.
ويصدر الحكم بالإيقاف في أول جلسة تنظر فيها الدعوى (مادة 455) – أما إذا حلت جلسة البيع قبل الجلسة المحددة لنظر دعوى الاستحقاق أو قبل أن يصدر حكم الإيقاف، فأنه يجور لرافع الدعوى أن يتقدم بطلب الإيقاف إلى قاضى التنفيذ قبل جلسة البيع بثلاثة أيام على الأقل.
ومع أن المشرع قد جعل الحكم بالإيقاف وجوبياً – إلا أنه يقرر أن الحكم الصادر بإيقاف البيع أو المضي فيه لا يقبل الطعن بأي طريق (مادة 456).
إلا أنه توجد حالة خاصة نصت عليها المادة 457 ومؤداها أنه إذا كانت دعوى الاستحقاق الفرعية لا تتناول إلا جزءا من العقارات المحجوزة فإن البيع لا يوقف بالنسبة إلى باقيها – ولكن قاضى التنفيذ يجوز له مع ذلك أن يأمر بإيقاف البيع بالنسبة إلى كل الأعيان إذا دعت إلى ذلك أسباب قوية، وتعتقد أنه يمكن الطعن في الحكم الصادر بإيقاف البيع بالنسبة لكل الأعيان – وذلك لأن نص المادة (456) الذى يقرر عدم جواز الطعن – لا ينصرف إلى هذه الحالة التي ورد بها نص مادة تالية وهى المادة (457).
المحكمة المختصة بالدعوى – والطعن في الحكم:
يختص قائد التنفيذ بدعوى الاستحقاق الفرعية مهما كانت قيمتها، وهذا الاختصاص قاصر على قاضى التنفيذ، ووجه الاستثناء فيه أن قاضى التنفيذ وهو قاضى جزئي يختص بالدعوى حتى ولو كانت قيمتها تتجاوز نصاب اختصاص المحكمة الجزئية وهو 500 جنيهاً (وفى الغالب تكون قيمة دعوى الاستحقاق أكثر من ذلك).
ولكن الحكم في دعوى الاستحقاق يكون قابلاً للطعن فيه بطريق الاستئناف، مع التفرقة بين حالتين: (1) أن تكون قيمة الدعوى في حدود 500 جنيهاً فيرفع الاستئناف إلى المحكمة الابتدائية. (2) أن تتجاوز قيمتها هذا المبلغ فيرفع الاستئناف إلى محكمة الاستئناف العليا (المختصة).
وفى حالة رفض دعوى الاستحقاق يجوز شمول الحكم بالنفاذ المعجل – بما يفيد الاستمرار في إجراءات التنفيذ التي أوقفت بسبب رفع الدعوى – وذلك على تقدير أن الحكم صادر في منازعة متعلقة بالتنفيذ لمصلحة طالب التنفيذ (المادة 290/5) – ويجوز للقاضي في هذه الحالة اشتراط كفالة للمضي في التنفيذ.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً