الاستعجال – تدابير ضرورية
مرفق بتعليق عن أمر على عريضة صادر عن المحكمة الإدارية بالبويرة
بتاريخ 28/02/2015 أصدررئيس المحكمة الإدارية بالبويرة أمرا على عرضية يقضي بأمر رئيس البلدية بتسليم المدعي نسخة من مداولة صادرة عن هذه البلدية٠
هذا الأمر له طابع متميز من أنه صدر عن رئيس الحكمة الإدارية بمفرده بموجب أمر على ذيل العريضة و دون اتباع الأشكال و القواعد المطبقة في المواد الاستعجالية الإدارية لا سيما دون تبليغ العرضية للمدعى عليه و دون عقد جلسة.
الطلب الذي فصل فيه هذا الأمر يرمي إلى إلزام البلدية بتسليم المدعي نسخة من وثيقة إدارية ( مداولة) فهذا الطلب تحكمه المادة 921 الفقرة 1 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية التي تعالج مادة الاستعجال الاداري و بالأحرى تعالج أحد أنواع الاستعجال و هو الاستعجال- تدابير ضرورية .
قبل التعليق على هذا الأمر سنعرض الإجراءات و القواعد التي تحكم هذا النوع من الاستعجال الاداري.
مباشرة دعوى الاستعجال- تدابير ضرورية
خلافا لقانون الإجراءات المدنية القديم فإن قانون الإجراءات المدنية و الإدارية الجديد نظم بنوع من التدقيق الاستعجال في المواد الادارية. هذا القانون ميز بين خمسة انزواع من الاستعجال : الاستعجال الفوري، الاستعجال في مادة إثبات الحالة ، الاستعجال في مادة تدابير التحقيق، الاستعجال في مادة التسبيق المالي و أخيرا الاستعجال في المادة الجبائية.
سنقتصر في هذه الدراسة على نوع من أنواع الاستعجال الفوري ألا و هو الاستعجال التحفظي أو ما يسمى كذلك الاستعجال – تدابير ضرورية المنصوص عليه في المادة 921 الفقرة 1 من ق.إ.م.إ. التي هذا نصها ” في حالة الاستعجال القصوى يجوز لقاضي الاستعجال،أن يأمر بكل التدابير الضرورية الأخرى دون عرقلة تنفيذ أي قرار إداري ، بموجب أمر على عريضة و لو في غياب القرار الإداري المطعون فيه “. هذا النص هو نفسه النص الذي ورد في المادة 171 مكرر الفقرة 2 البند 3 من قانون الإجراءات المدنية القديم مع بعض الترتيبات.
المادة 921 الفقرة 1 من ق.إ.م.إ. تجيز إذا قاضي الاستعجال و في حالة الاستعجال القصوى و دون عرقلة تنفيذ أي قرار إداري الأمر ” بكل التدابير الضرورية ” و بالأحرى ” بكل التدابير الضرورية الأخرى” أي الغير المشار إليها في المادتين 919 و 920 من نفس القانون. أغلبية الطلبات المقدمة على أساس هذا النص ترمي إما للحصول على تبليغ قرارات أو وثائق إدارية و إما الحصول على طرد شاغلي بدون سند لأملاك عمومية .و مع ذلك فإن المادة قد تجد تطبيقات أخرى متنوعة و ذلك بالنظر إلى الطابع الواسع للمصطلحات المستعملة في النص القانوني.
شروط اللجوء للاستعجال- تدابير ضرورية
1- قبول دعوى الاستعجال – تدابير ضرورية
الاستعجال- تدابير ضرورية هو طعن مستقل غير موجه ضد قرار إداري فقبوله لا يشترط إثبات وجود دعوى مطروحة في الموضوع كما لا يشترط تقديم قرار إداري. يجب على المدعي الذي يرفع طلبه على أساس المادة 921 الفقرة 1 من ق.إ.م,إ. أن يشير صراحة إلى هذا النص في عريضته و إلا اعتبر طلبه كأنه طعن في الموضوع و يفصل فيه حينئذ على هذا الأساس.
حسب عبارات المادة 921 الفقرة 1 من ق.إم,إ.لا يجوز لقاضي الاستعجال المرفوع له الطلب ” عرقلة تنفيذ أي قرار إداري”. فإذا كان طلب المدعي يرمي إلى عرقلة تنفيذ قرار إداري فإنه يكون طلب غير مقبول و عدم القبول هذا يعد من النظام العام يقضي به القاضي من تلقاء نفسه.هذا لا يعني أنه لا يجوز طلب وقف تنفيذ قرار إداري و لكن يجب فقط أن يقدم هذا الطلب في إطار النصوص الأخرى التي تحكم القضاء الاستعجالي الإداري أي المادتين 919 و 920 من ق.إم,إ .
كما هو الشأن في كل الدعاوى يجب أن تكون للمدعي مصلحة في رفع دعواه ويجب كذلك للمدعي تحديد هوية المدعى عليه. في المنازعات الإدارية، إذا استحال تحديد هوية الشخص أو الأشخاص اللذين احتلوا بالقوة ملكية عمومية ( مثلا المضربون الذين احتلوا مقر عملهم) و استحال للإدارة تحديد هوية المحتلين فإن القضاء الإداري يجيز رفع الدعوى دون تحديد هوية المدعى عليهم و لكن على شرط أن تقدم الإدارية المدعية محضرا صادرا عن محضر قضائي يعاين فيه رفض المحتلين الكشف عن هويتهم أو إذا تبين من الظروف أنه كان من المستحيل التعرف على هذه الهوية.
2- شروط تدخل قاضي الاستعجال – تدابير ضرورية
الاستعجال المؤسس على المادة 921 الفقرة 1 من ق.إم,إ. يستوجب توفر ثلاثة شروط : الاستعجال القصوى ، ضرورة التدبير و غياب منازعة جدية.الشرط الأول و الثاني منصوص عليهما صراحة في المادة 921 الفقرة 1 من ق.إم,إ. و إما الشرط الثالث فإنه من خلق القضاء.
أ- الاستعجال القصوى
لا يجوز للقاضي الاستجابة لطلب مؤسس على نص المادة 921 الفقرة 1من ق.إم,إ. دون مراقبة ما إذا كان شرط الاستعجال القصوى متوفر في هذا الطلب. تطبيقا للأحكام العامة للمادة 923 من ق.إم,إ.فإنه يرجع للمدعي إثبات توفر عنصر الاستعجال في التدبير الملتمس اتخاذه.عدم التسبيب الكافي أو التسبيب السطحي لعنصر الاستعجال قد يترتب عليهما رفض الطلب.
النص يشترط ” الاستعجال القصوى” و ليس فقط ” الاستعجال”. أراد هنا المشرع الجزائري حصر حالات الاستجابة إلى الطلبات الرامية إلى استصدار الأوامر التي تصدر بعنوان المادة 921 الفقرة من ق.إم,إ. على الحالات التي يكون فيها الاستعجال استثنائي بمعنى أنه يجب أن تكون الحالة المرفوعة للقاضي من شأنها أن تلحق ضررا خطيرا و وشيكا للمصلحة العامة أو لوضعية المدعي أو للمصالح التي يدافع عليها.عند تقديره للاستعجال القصوى فإن القاضي لا يقتصر على الأخذ بعين الاعتبار وسائل و حجج المدعي فقط و لكن يجب عليه كذلك الاطلاع و تقدير تلك التي يقدمها المدعى عليه و الرامية إلى استبعاد توفر عنصر الاستعجال .عنصر الاستعجال يؤخذ إذا في شموليته أي بأخذ بعين الاعتبار وضعية المدعي و وضعية المدعى عليه على حد سواء. فمثلا إذا قدم طلب طرد شاغل ملكية عمومية فإن القاضي سيقدر مصلحة المدعي في إخلاء الملكية العامة ( للمصلحة العامة) و مصلحة المدعي عليه في البقاء بالأمكنة ( في مصلحته الخاصة).
الأمثلة للحالات التي يكون فيها عنصر الاستعجال القصوى متوفر هي عديدة و متنوعة و مثال ذلك
– إخلاء شاغلي الأملاك العمومية بدون سند في حالة ما إذا كان الملك العمومي يتمثل في بناية آلية للانهيار أو ببناية تستوجب إجراء عليها أشغال أمنية.
– إخلاء مستأجر انتهت مدة الإيجار المتفق عليها لتسليم العين المؤجرة للمستأجر الجديد.
– طرد شاغل دون سند لمرفق عام إداري الذي يعيق السير الحسن و العادي لهذا المرفق أو إذا كانت الإدارة بحاجة ماسة للبناية أو المحل المشغولين لاستغلالهما كمرفق عام أو للمصلحة العامة.
– طرد العون العمومي شاغل مسكن وظيفي بعد انتهاء علاقة العمل التي كانت سببا في شغله لهذا المسكن. و لكن إذا كان سبب طلب الإخلاء هو عدم شرعية شغل المسكن الوظيفي الذي منح للعون دون إثبات الاستعجال فإن قاضي الاستعجال يكون غير مختصا فيجب حينئذ تقديم الطلب إلى الغرفة العادية.
– نزع منشأة وضعت أو أنجزت على الملكية العمومية سببت في عرقلة حركة المرور.
– تبليغ القرارات و الوثائق و الملفات الإدارية إذا كان هذا التبليغ ضروري للحفاظ على حقوق المدعي أمام الجهات القضائية الإدارية و كان بغرض تقديم طعن قضائي ( مثلا طلب تبليغ الملف الإداري الذي اتخذ على أساسه مدير الهيئة الإدارية قرار تسريح المدعي – تبليغ الملف الإداري الذي اتخذ على أساسه الوالي قرار رفض فتح عيادة طبية – تبليغ الملف الإداري الذي اتخذ على أساسه قرار التوجيه المدرسي لاين المدعي).
– وقف أشغال قامت بها مؤسسة خاصة من شأنها إلحاق أضرار بالملكية العمومية أو وقف أشغال قامت بها الإدارية من شأنها الأضرار بالبنايات المجاورة.
– أمر مالك القطعة الأرضية التي انتزعت للمنفعة العمومية بعدم التعرض لأشغال إنجاز طريق وطني الجارية على هذه القطعة .
– أمر الإدارية بإجراء أشغال تدعيم مسكن مهدد بانهيار بعض أجزائه بسبب تواجد منشأة عمومية بقربه.
– إلزام المتعاقد مع الادارة بتنفيذ التزاماته التعاقدية . مثلا إلزامه بإرجاع ماكينات الأشغال العمومية التي حولها من الورشة إلى مكان آخر.
ب- ضرورة التدبير
يجب أن يكون التدبير الملتمس اتخاذه من القاضي الاستعجالي ضروري بالنسبة للمدعي. يجب أن يكون لهذا التدبير فائدة عملية و إلا لا يمكن اللجوء إلى قاضي الاستعجال.عادة فإن القاضي لا يميز بين عنصر الاستعجال و عنصر الضرورة . فالقاضي حينما يصدر أمره فإنه كثيرا ما يكتفي بعبارة : ” إن التدبير الملتمس اتخاذه يتسم بالطابع الاستعجالي و الضروري “. في مادة تبليغ القرارات و الوثائق الدارية فإن عنصر الضرورة أو الفائدة يكون متوفرا إذا كان هذا التبليغ ضروري للسماح للمدعي برفع دعواه أمام الجهة القضائية الإدارية. يجب أن تكون القرارات أو الوثائق الإدارية الملتمس تبليغها محل دعوى إدارية لاحقة فلو كان الغرض منها اللجوء إلى القضاء المدني فإن طلب التبليغ يكون غير مقبولا.
كون طلب التبليغ يرمي إلى تمكين المدعي من مباشرة طعن أمام المحكمة الإدارية فإن هذا الطلب يجب أن يقدم أمام قاضي الاستعجال قبل رفع أي دعوى. إذا قدم الطعن أمام قاضي الموضوع فإن عنصر الضرورة أو الفائدة ينتفي لأنه في هذه الحالة يجوز للقاضي العادي المطروح أمامه الطعن أمر الإدارة بتبليغ أي مستند مفيد لحل النزاع و هذا في إطار صلاحياته العامة.
إذا رفع الطلب الاستعجالي من طرف الإدارة فإن عنصر الضرورة ينتج من فقدان هذه الإدارة للسلطة المقررة للشخص العمومي في إلزام الخواص. إذا طلبت الإدارة من القاضي اتخاذ تدبير لا يمكن لها اتخاذه من تلقاء نفسها فإن عنصر الضرورة يكون مبدئيا قائما و بالعكس فإن شرط الضرورة ينتفي إذا كان باستطاعة الإدارة إلزام الشخص بتنفيذ التدبير دون حاجة إلى اللجوء للقضاء. يتعلق الأمر هما بالقاعدة القضائية المعروفة التي تمنع الإدارة من اللجوء إلى القاضي الإداري لطلب اتخاذ تدبير يمكنها اتخاذه تلقائيا دون حاجة لاستصدار حكم من القاضي الاداري .ففي مجال التعمير و البناء مثلا فإن القانون أجاز رؤساء البلديات باتخاذ قرار هدم البنايات المنجزة فوضويا فلو طلبت البلدية من القاضي الاسعجالي بداعي توفر عنصر الاستعجال الأمر بهدم هذا النوع من البنايات فإن الدعوى تكون غير مقبولة لانعدام الضرورة كون بإمكان البلدية اتخاذ قرار الهدم دون اللجوء للقضاء.
دائما في مجال التعمير و البناء فإذا اشتكى شخص من مضايقات ناتجة عن بناية منجزة على أساس رخصة بناء تم وقف تنفيذها فإنه يمكنه اللجوء إلى قاضي الاستعجال – تدابير ضرورية لطلب أمر رئيس البلدية باتخاذ التدابير التي يمليها قانون التعمير لجعل حد لهذه الأشغال.ضرورة التدبير تظهر هنا بالنظر إلى الفائدة العملية التي يجنيها المعني من إقرار احترام قواعد البناء و التعمير.
ج- غياب منازعة جدية
في ظل قانون الاجراءات المدنية القديم فإن النص الذي كان يحكم الاستعجال- تدابير ضرورية أي نص المادة 171 مكرر- 3 كان يمنع على قاضي الاستعجال ” المساس بأصل الحق “. نظريا فإن هذا النص كان يمنع على قاضي الاستعجال تقدير قانونية القرارات الإدارية و تأسيس أمره على اعتبارات تدخل في اختصاص قاضي الموضوع و مع ذلك فإن القضاء أدخل بعض المرونة على هذا المبدأ إذ أجاز قاضي الاستعجال الخوض في أمور قد تمس بالموضوع و قبول طلب يمس بالأصل و لكن على شرك أن لا يصطدم ذلك بمنازعة جدية و مثال ذلك الأمر بطرد شاغل محل ما دام طلب الطرد لم يثر منازعة جدية.
قانون الإجراءات المدنية و الإدارية الجديد لم يبقي على مبدأ ” عدم المساس بأصل الحق” و من ثمة فإنه لا يجوز نظريا لقاضي الاستعجال فرض هذا الشرط على المدعي. و مع ذلك و في انتظار موقف مجلس الدولة من المسألة نعتقد أن إلغاء شرط ” عدم المساس بأصل الحق” سيترتب عليه لا محالة منح قاضي الاستعجال سلطة الفصل في مسائل قد لا تدخل في اختصاصه بل تدخل في اختصاص قاضي الموضوع كونها تستوجب مناقشة جدية و معمقة للوسائل و الدفوع المثارة في الدعوى.الأكيد أن قاضي الاستعجال في ظل نص المادة 921 الفقرة 1 من ق.إ.م.إ. يتمتع بسلطات واسعة كونه لم يصبح مقيدا بقاعدة ” عدم المساس بأصل الحق”.
الحكم في الطلب
الطلب المقدم في إطار المادة 921 الفقرة من ق.إم,إ. يخضع للقواعد الإجرائية السارية على كل أنواع الاستعجال.و لكن ما يميز التشريع الجديد أن قانون الاجرءات المدنية و الإدارية ينص في المادة 917 أنه ” يفصل في مادة الاستعجال بالتشكيلة الجماعية المنوط بها البت في دعوى الموضوع “. من جهة أخرى لا يوجد أي نص يمنح لرئيس المحكمة الإدارية اختصاص في المواد الاستعجالية و هذا خلافا للتشريع القديم الذي اسند لرئيس الغرفة الإدارية وحده سلطة النظر و الفصل في القضايا الاستعجالية ( المادة 171 مكرر ق.إ.م.).فهل يعني ذلك أن الطلبات الرامية إلى استصدار تدابير ضرورية يجب أن تقدم و يفصل فيها دون استثناء من طرف التشكيلة الجماعية للمحكمة الإدارية ؟ أهمية الأمر موضوع هذا التعليق يكمن في أنه اتخذ من طرف رئيس المحكمة و ليس من طرف التشكيلة الجماعية و هذا رغم عدم وجود أي نص يجيز ذلك.
لا شك أن اللجوء إلى قاضي فرد هو ضروري لضمان الفصل السريع في الدعاوى الاستعجالية. اللجوء إلى التشكيلة الجماعية للفصل في الطلبات القضائية يكون مصدر لتمديد الخصومات. لذلك فإن إرادة معالجة القضايا لا سيما القضايا الاستعجالية بسرعة و في آجال قصيرة هو الذي جعل معظم التشريعات تلجأ إلى القضاء الفردي في القضايا الاستعجالية. و قد نتساءل عن الدافع الذي ترك المشرع الجزائري يتراجع عن القاضي الفرد في المنازعات الاستعجالية الإدارية و تكريسه لقاعدة التشكيلة الجماعية في هذا النوع من المنازعات. قد يكون المقصود هو حمل الجهة القضائية على الفصل في القضايا الاستعجالية بنوع من الجدية و التمعن و لكن في اعتقادنا فإن مساوئ قاعدة إسناد القضايا الاستعجالية للتشكيلة الجماعية عوضا من إسنادها لقاضي فرد تفوق بكثير محاسنه. كان بإمكان المشرع التخفيف من مساوئ قاعدة قاضي الفرد مثلا بمنح قاضي الاستعجال صلاحية إحالة القضية المطروحة أمامه الى التشكيلة الجماعية إن اعتبر أن هذه القضية تثير إشكالات أو صعوبات خاصة.
الأمر محل هذا التعليق حاول الاجتهاد في هذا المجال و ذلك حينما فصل في طلب تبليغ وثيقة من طرف البلدية – و هو طلب يدخل في تعريف الاستعجال- تدابير ضرورية – لا بالتشكيلة الجماعية و لكن بالتشكيلة الفردية.و لكن هذا الأمر و كما سنرى ذلك لم يشرح الأسباب و الحجج القانونية التي ارتكز عليها لمنح رئيس المحكمة الإدارية سلطة الفصل في الطلب مقام التشكيلة الجماعية دون تحقيق و دون عقد جلسة.
الإجراءات التي تضمنتها النصوص التي تحكم الاستعجال الإداري و الواردة في قانون الاجرءات المدنية و الإدارية لا تتضمن إجراءات استثنائية بالنسبة لطريقة النظر و الفصل في قضايا الاستعجال المرفوعة في إطار المادة 921 الفقرة 1 من ق.إم,إ. بالعكس فإن المادة 917 أقرت مبدأ التشكيلة الجماعية و إما المادة 923 فإنها كرست قاعدة وجاهية الخصومة الاستعجالية.هذا و أن إجراء إحالة الملف إلى محافظ الدولة المنصوص عليه في المادة 897 يكون مبدئيا واجب التطبيق حتى في القضايا الاستعجالية ما دام لا يوجد نص صريح يلغي هذا الإجراء. التطبيق الحرفي لهذه النصوص سيؤثر على السرعة في الفصل علما أن فائدة اللجوء إلى القضاء الاستعجالي هو بالذات محاولة الحصول على قرار قضائي في اقرب الآجال.
رغم الفراغ القانوني فإننا نعتقد أن اللجوء إلى رئيس المحكمة الإدارية عوضا من التشكيلة الجماعية لا يعارض روح قانون الإجراءات المدنية و الإدارية و لكن فقط بالنسبة لبعض المواد الاستعجالية كمادة الاستعجال – إثبات حالة النصوص عليها في المادة 939 من ق.إ.م.إ. و التي ينحصر فيها دور القاضي الاستعجالي على تعيين خبير أو محضر قضائي لمعاينة وقائع مادية محضة .هذا النعي مؤسس على كون المادة 310 و ما يليها من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية التي نظمت إجراءات الأوامر على العرائض وردت في الباب الأول من هذا القانون المعنون ” الأحكام المشتركة لجميع الجهات القضائي”. فهذه الأحكام تطبق مبدئيا أمام الجهات القضائية الإدارية .لا يمكن في نظرنا توسيع مجال تدخل رئيس الجهة القضائية الإدارية بصفة فردية إلى المواد الاستعجالية الأخرى و هذا لسبب بسيط و هو أن قاعدة الفصل في القضايا الاستعجالية بالتشكيلة الجماعية هي قاعدة عامة لا يجوز استبعاده إلا إذا وجد نصا صريحا.
لذلك نعتقد أن الأمر على عريضة الصادر عن رئيس المحكمة الإدارية بالبويرة و القاضي بإلزام البلدية بتبليغ وثيقة إدارية للمدعي الكل دون اتباع الإجراءات المقررة قانونا لا سيما غياب الوجاهية و عدم عقد جلسة و عدم إحالة الملف لمحافظ الدولة يثير ملاحظات .
التعليق عل الأمر على عريضة
1- الوقائع
بتاريخ 11/02/2015 قدم المدعين و عددهم 13 إلى رئيس المحكمة الإدارية بالبويرة طلب التمسوا فيه أمر رئيس بلدية البويرة بتسليمهم نسخة من مداولة المجلس الشعبي البلدي التي تتضمن قائمة المرحلين خلال سنة 1994 المستفيدين من القطع الأرضية الواقعة بتجزئة 212 بحي أولاد بوشية البويرة .
المدعون برروا طلبهم بكونهم مستفيدين بقطع أرضية رفضت البلدية تسوية وضعيتها و أن الوكالة الولائية للتسيير و التنظيم العقاريين الحضريين لولاية البويرة التي حلت محل البلدية في مجال التصرف في عقارات البلدية اشترطت منهم إحضار نسخة من المداولة ليتسنى لها دراسة طلب التسوية.
رئيس المحكمة الإدارية استجاب لهذا الطلب و سبب أمره كما يلي :
” بعد الاطلاع على العريضية المقيدة بتاريخ 11/02،/2015 الحاملة لرقم 45/2015
حيث أنه من المقرر قانونا و طبقا للمادة 939 من ق.إ.م.إ. أعلاه أنه يجوز للقاضي الاستعجالي ما لم يطلب منه أكثر من إثبات حالة الوقائع بموجب أمر على عريضة و لو في غياب قرار إداري مسبق أن يعين خبيرا ليقوم بدون تأخير بإثبات حالة الوقائع التي من شأنها أن تؤدي إلى نزاع أمام الجهة القضائية.
حيث أن الطلب يجد أساسه في نص المادة 939 من قانون الاجراءت المدنية و الإدارية بعد ثبوت قيام مصلحة الطالبين بناءا على الوثائق المرفقة بعريضة طلبهم مما يتعين الاستجابة لهم.
لهذه الأسباب
نأمر رئيس المجلس الشعبي البلدي لبلدية البويرة بتسليم المدعين في الطلب نسخة من مداولة….”.
2- التعليق
موضوع طلب المدعين يرمي إلى إلزام البلدية بتبليغهم بنسخة من مداولة .الأمر يتعلق إذا بطلب اتخاذ تدبير ضروري فلو قدم هذا الطلب على شكل عريضة مرفوعة أمام قاضي الاستعجال فإن النص الذي كان يجب تطبيقه هو النص الذي سبق شرحه أي المادة 921 الفقرة 1 من ق.إم,إ. الذي يحكم مادة الاستعجال – تدابير ضرورية.
الأمر محل التعليق استجاب للطلب ارتكازا على أحكام نص المادة 939 من ق.إم,إ. فيما أن هذا النص يتعلق بمادة إثبات الحالة. هذا النوع من الاستعجال أي الاستعجال- إثبات حالة له قواعده و إجراءاته الخاصة لا علاقة لها مع الطلبات الرامية إلى إلزام الادارات بتبليغ قراراتها أو وثائقها الإدارية.الاستعجال المنصوص عليه في المادة 939 موضوعه ” إثبات حالة الوقائع ” .و مثال ذلك تعيين خبير أو محضر قضائي لوصف حالة طريق في المكان الذي وقع فيه حادث مرور أو وصف حالة بناية تضررت من تسربات المياه بداخلها أو وصف حالة مركبة بعد تعرضها لاصطدام …
الاستعجال – إثبات الحالة و خلافا للاستعجال – تدابير ضرورية لا يستوجب توفر عنصر الاستعجال و هذا هو الفرق الأساسي بين المادتين. قبول طلب إثبات حالة يستلزم فقط إثبات فائدة التدبير المطالب به .
كون الطلب المرفوع إلى رئيس المحكمة عن طريق عريضة كان يرمي إلى إلزام البلدية بتسليم نسخة من مداولة أي طلب يخضع للمادة 921 الفقرة 1 فإن تقديمه أمام رئيس المحكمة الإدارية على شكل عريضة و ليس أمام قاضي الاستعجال في شكل عريضة افتتاح دعوى يكون غير مقبولا. و حتى في افتراض أن هذا الطلب قدم على شكل عريضة استعجالية فإنه يبقى طلبا غير مقبولا لأنه و كما سبق شرحه كان على المدعين إثبات توفر عنصر الاستعجال القصوى في الطلب الملتمس اتخاذه و من جهة أخرى كان عليهم عرض الأسباب التي تجعل التدبير المطالب به أي تبليغ المداولة تدبير له فائدة و أن هذه المداولة ضرورية لتقديم طعن أمام الجهة القضائية الإدارية.
براهيمي محمد
محامي لدى المجلس
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً