بحث حول دعوى بطلان براءة الاختراع فى القانون المغربى
في قانون حماية الملكية الصناعية
د محمد الهيني قاض لدى ابتدائية بولمان
مواكبة من المشرع المغربي لما تقتضيه الظروف الدولية الراهنة المتمثلة في عولمة الاقتصاد و تحرير التجارة الدولية دأب في السنين الأخيرة على تحسين وتحديث المنظومة القانونية و القضائية الوطنية ، ومن خلال هذا المبتغى صدر أخيرا قانون 97/17 المتعلق بحماية الملكية الصناعية و التجارية ، الذي روعي فيه جعله مطابقا لمقتضيات نصوص الاتفاقية حول جوانب حقوق الملكية الفكرية المتصلة بالتجارة1 الذي يوجب على كل الدول الأعضاء فيه مراجعة تشريعاتها الوطنية المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية بصفة عامة بتضمينها لمقتضيات الاتفاقية المذكورة .
كما هدف هذا القانون وضع حد للازدواجية التي كانت سائدة في التطبيق من خلال ظهير 23 يونيو 1916 في منطقة الحماية الفرنسية و ظهير 4 أكتوبر 1938 في منطقة الحماية الإسبانية ، وأيضا وضع تشريع وطني فعال يضمن حماية ناجعة مؤطرة للاستعمار الوطني و الأجنبي على السواء وذلك كله مع مراعاة الواقع الاقتصادي و الاجتماعي للمغرب .2
فالابتكار و المنافسة المشروعة قرينان للتقدم الاقتصادي لأي مجتمع ، ولا ريب أن من عوامل الازدهار و النمو الاقتصادي للدولة وجود نظام قانوني قوي و متكامل يكفل الحماية للمبتكرين على اختراعاتهم وحماية المشروعات المتنافسة من خطر التقليد أو السطو على عناصر الملكية الفكرية بوجه عام. 3
من هذا المنطلق فإن حماية حق المخترع على اختراعه يترتب عنه صدور براءة اختراع يتم بمقتضاه تسليم سند ملكية صناعية من الهيئة المكلفة بالملكية الصناعية و التي يطلق عليها بمقتضى المرسوم الصادر بتاريخ 7 يونيو 2004 الصادر بتنفيذ قانون حماية الملكية الصناعية ، المكتب المغربي للملكية الصناعية و التجارية (الفصل1 ).
ويخول السند المذكور صاحبه أو ذوي حقوقه حقا استئتاريا لاستغلال الاختراع بكافة أنواع التصرفات القانونية وذلك للإفادة منه ماليا بالطرق و الوسائل يراها صاحب البراءة صالحة لذلك .
وتمتد مدة الحماية سنة من تاريخ إيداع طلب البراءة إذا تعلق الأمر ببراءة أصليه ، في حين أن شهادات الإضافة التي هي سندات تبعية لاختراع يكون غرضها مرتبط على الأقل بطلب واحد لبراءة أصلية ، وتسلم الشهادات المذكورة لمدة تبتدأ من تاريخ إيداع طلبها وتنتهي بانتهاء البراءة الأصلية المرتبطة بها .
ومهمة المكتب المغربي للملكية الصناعية و التجارية تنحصر حسب المادة 47 من قانون حماية الملكية الصناعية في تلقي طلبات البراءات وتسليم سند ملكيتها
و التي لم يرفق طلبها دون فحص سابق لها مع تحميل الطالبين تبعات ذلك و من غير أي ضمان سواء فيما يتعلق بحقيقة الاختراع أو بأمانة الوصف أو دقته أو بقيمة الاختراع .
فالمكتـــــــــــب لا يقوم بإجراء فحص تقني أو فني على البراءة من حيث التوفر على الشروط الموضوعة للاختراع 3 من جدة 4 و نشاط إبداعي5 و تطبيق صناعي 6 وانما يبقى نطاق رقابته في حدود الرقابة الشكلية الظاهرة وغير المعقمة لمواصفات الاختراع وبيان مميزات الاختراع التقنية ، ولعدم شموله لما ينافى النظام العام أو الآداب العامة أو تضمنه لتصاريح مغرضة تمس حقوق الغير أو نتيجة عدم قابليتها لاستصدار البراءة أو لعدم اندراجه أصلا في مفهوم الاختراع ( المواد 23 إلى 25 )
ويمتاز هذا النظام أي نظام الفحص الشكلي لطلبات براءة الاختراع الذي أخذ به التشريع المغربي بالبساطة من جهة وقلة التكاليف من جهة أخرى ، ذلك أنه لا يتطلب إجراء دراسات تقنية وفنية لفحص الاختراع للتأكد من صلاحيته ، وهذا ما يتلاءم مع الواقع المغربي لكون العاملين بالمكتب لا تتوفر لهم الوسائل البشرية و العلمية للقيام بمثل هذا الفحص.
لكن ما يؤخذ على هذا النظام أن البراءة الصادرة طبقا له تكون غير محصنة من الاعتداء على حقوق الغير أو حقوق العامة لعدم التوفر على الشروط الموضوعة للاختراع و لارتباط ذلك بالنظام العام.
ولقد كان من نتائج الفحص الشكلي لبراءة الاختراع الاعتراف لمن له المصلحة برفع دعوى بطلان البراءة أمام القضاء للتعرض على تسجيلها لإشاعة الثقة في وضعية هذه الحقوق بالتخلص من مختلف الشوائب التي رافقت مسطرة إيداعها ولدراسة النظام القانوني لدعوى بطلان براءة الاختراع إرتأينا تقسيم الموضوع إلى مبحثين على الشكل التالي :
المبحث الأول : شروط دعوى بطلان براءة الاختراع.
المبحث الثاني : آثار الحكم ببطلان براءة الاختراع .
المبحث الأول : شروط دعوى بطلان براءة الاختراع.
إن دعوى بطلان براءة الاختراع هي الوسيلة القانونية المقدمة إلى القضاء من طرف من له المصلحة للتصريح ببطلان براءة الاختراع بناءا على أحد الأسباب المحددة في المادة 85 من قانون حماية الملكية الصناعية .
فالدعوى ليست طعنا موجه ضد قرار مدير المكتب المغربي للملكية الصناعية بتسجيل سند الملكية المدعى بطلانه و إنما طعن في السند موضوع البراءة ومدى أحقية في الحماية .
فدعوى بطلان البراءة حتى تقبل قانونا وتنتج آثارها القانونية لا بد من توفر شروط شكلية ( المطلب الأول وأخرى موضوعية المطلب الثاني )
المطلب الأول الشروط الشكلية للدعوى:
يقصد بشروط الدعوى الشكلية ما يتطلبه القانون من مقتضيات لوجد حق الدعوى لقبولها و الفصل في موضوعها ، وقد حددها الفصل الأول من قانون المسطرة المدنية بقولة ” لا يصح التقاضي إلا ممن له الصفة و الأهلية و المصلحة لاثبات حقوقه “.
وإذا كان عنصر الأهلية لا يثير أدنى إشكال لخضوعه للقواعد العامة الواردة في مدونة الأسرة الجديدة ، فإننا سنتوقف عند عنصر المصلحة باعتباره جوهر الشروط الشكلية في دعوى البطلان و لاتصاله أيضا بعنصر الصفة .
وإذا كانت هذه هي الشروط الشكلية للدعوى في القواعد العامة ، فإن هناك شروطا خاصة شكلية لا تقل أهمية عن الأولى وتتمثل في عنصري الاختصاص القضائي و ميعاد رفع الدعوى.
الفقرة الأولى : المحكمة المختصة .
اختصاص المحكمة هو صلاحيتها للبث في نزاع ما عرض عليها وعدم اختصاصها هو عدم هذه الصلاحية للبث في النزاع المعروض عليها .
واختصاص المحاكم يطرح إشكالا حينما يتسرب إلى الدعوى عنصرا أجنبيا إما من حيث الموضوع أو أشخاص الدعوى ، مما يبرر مناقشة نطاق اختصاص القضاء الوطني في دعوى بطلان البراءة ، وما هي المحكمة المختصة نوعيا ومحليا للنظر في مثل هذه الدعاوى .
1) نطاق اختصاص القضاء الوطني في دعوى بطلان البراءة.
طبقا لمبدأ إقليمية القوانين لا يمكن نظر دعوى بطلان براءة الاختراع إلا من طرف القضاء الوطني الذي له وحده صلاحية إبطال تسجيلات سندات ملكية براءة الاختراع المسجلة بالمكتب المغربي للملكية الصناعية و التجارية .
و بالمقابل يمنع على قضاء أي دولة أجنبية النظر في دعوى بطلان براءة الاختراع مسجلة بالمغرب ، وهذا ما تقضي به اتفاقية بر وكسيل الصادرة بتاريخ 27 شتنبر 1968، ذلك أنها تلزم في (فصلها 16 ) على القاضي التصريح تلقائيا بعدم الاختصاص بالنظر في دعوى أصلية ببطلان براءة مسجلة بالخارج .
وهذا المبدأ معمول به في جميع التشريعات المقارنة دون حاجة إلى وجود نص خاص يقرره لأنه يندرج ضمن المبادئ العامة للقانون الذي يعترف بسيادة الدول التشريعية و القضائية و الإدارية .
وللحصول على حماية براءة الاختراع في دولة أجنبية يجب لتمديد الحماية تسجيلها بالمصالح المختصة لدى هذه الدول على عكس العلامات التجارية التي تتمتع بالحماية بمجرد تسجيلها لدى المكتب الدولي ببرن بسويسرا وفق الإجراءات المنصوص عليها في اتفاقية مدريد الدولية لسنة 1893 6.
و من المفيد الإشارة إلى أن الحكم ببطلان سند ملكية براءة الاختراع في دولة معينة لا ينتج أثره إلا داخل حدودها طبقا لمبدأ استقلال البراءات7 و لمبدأ نسبية الأحكام الوطنية على الصعيد الدولي .
ولا يمكن الخروج عن مبدأ إقليمية القوانين إلا بوجود اتفاقية دولية تنظم قواعد الاختصاص الدولي للنظر في دعوى بطلان الاختراع ، كاتفاقية بر وكسيل التي سمحت للقاضي الوطني بالتصريح بصفة تبعية ببطلان براءة اختراع مسجلة بالخارج دون أن يتمتع هذا القرار بالحجة المطلقة .
وفي فرنسا يجوز للقضاء الفرنسي التصريح ببطلان سند ملكية براءة اختراع مسلمة على الصعيد الدولي طبقا لاتفاقية واشنطن أو مسلمة على الصعيد الأوروبي طبقا لاتفاقية ميونيخ 1973، على أن مسطرة الطعن تخضع للقانون الفرنسي أما أسباب الطعن فتخضع للاتفاقية المذكورة لكن مع ذلك تبقى أثار الطعن منحصرة فقط في حدود الدولة الفرنسية 8 .
2) الاختصاص النوعي .
يعني الاختصاص النوعي اختصاص كل طبقته من طبقات المحاكم داخل الجهة القضائية الواحدة.
وقد نصت المادة 15 من قانون 97 – 17 على أنه يكون للمحاكم التجارية وحدها الاختصاص للبث في المنازعات المترتبة على تطبيق القانون باستثناء القرارات الإدارية المنصوص عليها فيه “.
وعليه فإن نظر دعوى بطلان براءة الاختراع يكون من اختصاص المحاكم التجارية ، وهذا الاختصاص مطلق9 لا تشاركها فيه أية محكمة أخرى أو هيئة تحكيمية لتعلق مادة الملكية الصناعية بالنظام العام طبقا لما نصت ( المادة 306 من ق م م ) من أنه لا يجوز إجراء التحكيم في المسائل التي تمس النظام العام
وفي هذا الإطار تنص المادة 25 من نفس القانون على أنه ” لا يجوز إثارة الدفوعات التي يستمدها المدعى عليه من بطلان سند الملكية الصناعية أو من المسائل المتعلقة بملكية السند المذكور أمام المحكمة الجنحية ” مما يستفاد منه أنه لا يجوز للمحكمة الجنحية النظر في دعوى بطلان سند الملكية الصناعية ، وكل ما تملكه هو إيقاف البث لحين نظر المحكمة التجارية في هذا الموضوع.
و من المهم الإشارة إلى أن قانون الملكية الفكرية الفرنسي خول الاختصاص للمحاكم الابتدائية الكبرى وليس للمحاكم التجارية أمر النظر في هذه الدعوى (الفصلين L615-17، 25 – 613 L ) وذلك نظرا للطابع التقني لمادة الملكية الصناعية
3) الاختصاص المحلي .
يقصد بالاختصاص المحلي اختصاص كل محكمة داخل الجهة القضائية الواحدة على المستوى المكاني أو الترابي .
وقد حددت المادة 204 من قانون حماية الملكية الصناعية المحكمة المختصة
في المحكمة المختصة التابع لها موطن المدعى عليه الحقيقي أو المختار أو المحكمة التابع لها مقر وكليه أو المحكمة التابع لها المكان الذي يوجد به مقر الهيئة المكلفة بالملكية الصناعية إذا كان موطن هذا الأخير في الخارج .
الفقرة الثانية : المصلحة في الدعوى
تنص المادة 86 من قانون 97 – 17 على أنه ” يجوز لكل شخص أن يقيم دعوى البطلان إذا كانت له مصلحة في ذلك ، يجوز للنيابة العامة أن تتدخل في كل دعوى ترمي إلى إعلان بطلان براءة ما ، وأن تقدم طلبات للتصريح ببطلان البراءة المطلق ، يجوز لها كذلك أن تقيم مباشرة دعوى أصلية للتصريح بالبطلان ” .
و المصلحة هي ركن أساسي وجوهري في الدعوى فهي مناط الدعوى حتى قيل أنه لا دعوى بدون مصلحة .
و المصلحة تعني الحاجة إلى الحماية القضائية ، ذلك أن القضاء سلطة
من سلطات الدولة لا يباشر وظيفة في الحماية القضائية إلا إذا كانت هناك حاجة
إلى هذه الحماية .
وهذا يؤدي إلى تصفية الدعاوى المرفوعة أمام القضاء حتى لا تشغل المحاكم بالفصل في دعاوى لا حاجة إلى الفصل فيها .
و المصلحة حتى يعتد بها يجب أن تكون قانونية ( الجانب القانوني للدعوى )
و أن تكون قائمة و حالة ( الجانب الواقعي أو المادي للدعوى ) و أن تكون شخصية فالمصلحة الشخصية تعني شرط الصفة في الدعوى وهما يلتقيان ويتحدان فيما بينها9
فدعوى بطلان البراءة يمكن أن يقيمها كل شخص سواء بصفة أصلية عن طريق مقال افتتاحي للدعوى أو بصفة فرعية عن طريق مقال مضاد، ولا يمكن إقامتها عن طريق دفع مقابل كما يرى بعض الفقه/ لأنه في دعوى التزييف الجنائية يمكن إثارة فقط الدفع ببطلان سند ملكية البراءة لإيقاف الدعوى الجنحية وشتان بين الدفع و الدعوى .
يهدف من وراء هذه الدعوى صاحب المصلحة إلى حماية حقوقه التي تضررت أو قد تتضرر من جراء اختراع سلمت إلى المخترع دون استيفاء الشروط القانونية بشأنها و من بين هؤلاء الأشخاص :
• المالك الحقيقي الذي عليه اثباث ملكية للاختراع مادام أن التسجيل قرينة على الملكية
• المنافس الذي يسعى إلى إبطال سند ملكية الاختراع للاستفادة من تقنيته أو لتطويرها بغية الحفاظ على استغلالها.
• المرخص له أو المفوت له لابطال عقد الترخيص أو التفويت لاستغلال الاختراع .
ولا يقتصر حق إقامة هذه الدعوى على الخواص وحدهم فقط ، بل يحق للنيابة العامة باعتبارها ممثلة المجتمع و الساهرة على مصالحه إقامة هذه الدعوى
أ و التدخل فيها “حتى لا تستمر البراءة الباطلة منتجة لآثار قانونية لمصلحة صاحبها وتمنحه احتكارا استثماريا على حساب مصلحة الاقتصاد الوطني ” .
و لايمكن إقامة هذه الدعوى من طرف جمعيات حماية المستهلك أو النقابات المهنية لعدم الاعتراف لهما قانونا بالصفة في رفعها.
و دعوى التصريح ببطلان البراءة ترفع في مواجهة من صدرت باسمه البراءة أي من سلم له سند ملكية البراءة ، فهي دعوى تستهدف إبطال سند ملكية البراءة لا إبطال طلب تسجيل البراءة .
ويتحثم إدخال مدير المكتب المغربي للملكية الصناعية و التجارية تحت طائلة عدم قبول الدعوى ، كما يحق للمرخص له أو المفوت له التدخل فيها قصد الحصول على التعويض لجبر الأضرار الحاقة به .
وتبقى للمحكمة الصلاحية التقديرية للرقابة على وجود المصلحة في الدعوى .
الفقرة الثالثة : ميعاد رفع الدعوى
لم يحدد القانون أجلا لرفع دعوى بطلان براءة الاختراع ، مما يتعين معه القول أنه يمكن قبول الدعوى طالما ظلت البراءة قائمة و منتجة لأثارها القانونية ومسجلة بالمكتب المغربي للملكية الصناعية و مادامت لم تنته بانتهاء مدتها القانونية أو لم يسقط الحق فيها بسبب عدم أداء الرسوم المستحقة، ولا مجال لتطبيق قواعد التقادم المدني أو التجاري على هذه الدعوى ، لأن عدم ربطها بأجل كان الهدف منه إتاحة الفرصة للخصوص للطعن في سند ملكية البراءة مادامت مسجلة و لم تنته أمد حمايتها .
وقد قضت المحكمة الإدارية العليا في مصر” أن دعوى إبطال البراءة تنطوي على منازعة في وجود الاختراع أو ملكيته و أن أثر عدم تقيدها بميعاد الطعن بالإلغاء.
فتعلق الدعوى بالنظام العام يجعلها من الدعاوى التي لا تخضع للتقادم ، لأنه بمضي مدة الحماية أي عشرون سنة يصير سند الملكية كأن لم يكن ويصبح الاختراع مال عام مباح للكافة حق التصرف فيه بدون معارض .
المطلب الثاني : الشروط الموضوعية للدعوى .
يقصد بالشروط الموضوعية مؤيدات الطعن ببطلان البراءة وهي التي تعرضت لها المادة 85 من قانون حماية الملكية الصناعية وحددتها في الحالات الأربع التالية .
أ – إذا كان الاختراع غير قابل لاستصدار البراءة وفق لاحكام المواد 22 إلى 28 من هذا القانون .
ب – إذا لم يتناول الوصف الاختراع بصورة تكفي لتمكين رجل المهنة
من إنجازه.
ج – إذا كان موضوع الاختراع يتجاوز حدود الطلب .
د – إذا كانت المطالب لا تحده نطاق الحماية المطلوبة .
وفي رأينا أن الصيغة التي وردت بها هذه المادة تفيد أن مؤيدات الطعن بالبطلان جاءت على سبيل الحصر ، ومن تم لا يجوز الطعن لغير أحد هذه الأسباب.
وهذا ما أكدته محكمة النقض الفرنسية في القرار المبدئي الصادر عنها بتاريخ 02 يونيو 1992 12 .
الفقرة الأولى : البطلان بسبب عدم قابلية الاختراع لاستصدار البراءة .
فدعوى بطلان البراءة يمكن أن نؤسس على عدم قابلية الاختراع لاستصدار البراءة إما لكونه لايعد اختراعا حسب المادة 23 وهي1) الاكتشافات و النظريات العلمية و مناهج الرياضيات 2) الإبداعات التجميلية 3) الخطط و المبادئ و المناهج المتبعة في مزاولة نشاط فكري في مجال الألعاب أو في مجال الأنشطة الاقتصادية وكذا برامج الحاسوب 4) كيفيات تقديم المعلومات .
وإما لعدم التوفر على شروط الاختراع من جدة ونشاط إبداعي وتطبيق صناعي ( المادة 22 ) وإما لعدم القابلية لاستصدار البراءة 1 – الاختراعات التي يكون نشرها أو استعمالها مخالفا للنظام أو الآداب العامة 2 – المستنبطات النباتية التي خصها القانون بتنظيم خاص لمقتضى ظهير
و من المهم الإشارة إلى أنه بالنسبة لهاتين الحالتين قد أقر القانون عليهما رقابة إدارية في إطار سلطة الفحص المخولة للمكتب بالإضافة إلى الرقابة القضائية .
الفقرة الثانية : البطلان بسبب عيوب البراءة .
وتتحقق حالات البطلان بسبب عيوب البراءة إما لعدم كفاية الوصف (أولا)
أو لتجاوز موضوع الاختراع حدود الطلب ( ثانيا ) أو أخيرا لعدم تحديد المطالب لحدود الحماية (ثالثا ) .
أولا : عدم كفاية الوصف
وتحقق هذه الحالة حينما تكون البراءة قد سلمت عن اختراع لم يتم وصفه بصورة جلية وواضحة وكافية لتمكين رجل المهنة من تنفيذه أو إنجازه ، مما يعني أن الاختراع يفتقد إلى عنصر التطبيق الصناعي ، وهذا عنصر ومعطى أساسي لوجود الاختراع ، فتكون معه البراءة الصادرة قائمة على أساس غير قانوني مما يحق معه المطالبة بالتصريح ببطلانها .
ثانيا : تجاوز موضوع الاختراع حدود الطلب
يكون موضوع الاختراع في هذه الحالة المسلمة عنه البراءة لا يتطابق مع ما طلب استصدار البراءة عنه ، أي بين موضوع الاختراع ذاته ونطاق طلب براءة الاختراع ، فينتج عنه طلب براءة يتجاوز موضوع الاختراع مما يؤدي إلى توفير الحماية لاختراع لم تطلب عنه البراءة ، مما يصح معه اعتماد هذا السبب للطعن ببطلان البراءة.
ويمثل الفقه على هذه الحالة بقضية عرضت على القضاء الفرنسي تتعلق بطلب رسم ملكية براءة عن جهاز طبخ (Appareil de cuisson) فيحين أن الرسوم
و التعاليق المرفقة بها تتحدث عن جهاز قلي البطاطس friteuse قرار محكمة النقض الفرنسية الصادر بتاريخ 15 نونبر 1994 .
ثالثا : عدم تحديد المطالب لحدود الحماية.
تنص المادة 35 من قانون حماية الملكية الصناعية على أنه ” يحدد في المطالب الغرض من الحماية المطلوبة مع بيان مميزات الاختراع التقنية ، ولا يمكن أن ينبني الطلب ما عدا في حالة الضرورة القصوى على مجرد إحالات على الوصف أو الرسوم للتعبير عن مميزات الاختراع التقنية .
فعدم تحديد المطالب لحدود الحماية التي يرغب طالب البراءة في الحصول عليها بغرض الاستئثار بعناصرها وذلك باستغلالها تجاريا يجعل البراءة الصادرة معيبة وقابلة للطعن بالبطلان لافتقادها لأحد مقومات الحماية الذي هو نطـــاق
و موضوع الاختراع .
وفي خاتمة هذا المبحث نؤكد أن اثباث توافر أسباب الطعن في البراءة يقع على عاتق المدعي طبقا للقواعد العمة للاثباث ، وتعتمد المحكمة في نظرها للدعوى على مختلف وسائل التحقيق وتحتل الخبرة مكانة مهمة وأساسية لتعلق غالبية أسباب الطعن بأمور وتقنية وفنية دقيقة .
فإذا كانت هذه هي الشروط الشكلية و الموضوعية للدعوى، فما هي إذن أثار الحكم ببطلان براءة الاختراع ( المبحث الثاني ) .
المبحث الثاني : آثار الحكم ببطلان براءة الاختراع
يترتب عن الحكم ببطلان البراءة إعدامها من الناحية القانونية بأثر رجعي
( المطلب الأول ) فضلا عن ذلك فإن للبطلان حجية مطلقة في مواجهة الكافة
( المطلب الثاني )
المطلب الأول : الأثر رجعي للحكم بالبطلان
يترتب عن صدور حكم ببطلان براءة الاختراع حائز لقوة الشيء المقضي به أن تصبح البراءة كأن لم تكن بالنسبة للماضي و المستقبل على السواء ، ويصبح معه الاختراع موضوع البراءة من الأموال المباحة للكافة ، مع ” الأخد بعين الاعتبار أن المدعي في دعوى إبطال البراءة يسترد اختراعه موضوع البراءة إذا كان هو صاحبه الحقيقي ويمكنه الاستئثار به إذا قام بتسجيله حسب أصول ”
ومن نتائج الحكم ببطلان البراءة أن أفعال التزييف التي قد يكون أجراها الغير قبل الحكم لا تعتبر أفعال تزييف ، على أن ذلك لا يمس بقدسية الأحكام السابقة الصادرة في الموضوع ، فمثلا لا يمكن لشخص أدين من أجل التزييف أن يطالب بإرجاع الأموال أو الآلات التي صودرت منه.
فضلا عن ذلك فإن عقد الترخيص باستغلال البراءة وغيرها من أنواع التصرفات القانونية تصبح باطلة لانعدام المحل لا فرق بين من هو حسن النية أم سيئها ، مع حفظ حق المتضرر في المطالبة بالتعويض استنادا لأحكام المسؤولية التقصيرية .
غير أنه من المفيد الإشارة إلى أنه عندما لا تتعلق أسباب البطلان إلا بجزء
من البراءة يصرح بالبطلان في شكل تحديد مطابق للمطالب ( المادة85/2 ).
ويترتب عن التصريح ببطلان براءة الاختراع الأصلية بطلان شهادات الإضافة غير أن بطلان البراءة الأصلية لا يشمل شهادات الإضافة إذا كانت التحسينات الواردة فيها تشكل اختراعا في حد ذاته .
وبطلان براءة الاختراع يترتب عنه عدم جواز إيداع طلب براءة مرة أخرى في شأن نفس الاختراع ، ولهذه العلة أوجب المشرع على كتابة ضبط المحكمة الصادر عنها الحكم بالبطلان أن توجه داخل خمسة عشر يوما من صدور الحكم إلى الهيئة المكلفة بالملكية الصناعية نسخة كاملة بدون صائر لأجل تقييدها بالسجل الوطني للبراءات حتى يتسنى للعموم لإطلاع عليها .
المطلب الثاني :الأثر المطلق لحجية الحكم بالبطلان
إذا كان الأصل العام يقتضي أن للأحكام حجية نسبية ، فإن المشرع المغربي خالف هذا النظر ومنح للأحكام القاضية ببطلان البراءة حجية مطلقة ( م 86 )
في مواجهة الكافة .
و من آثار هذه الحجية المطلقة إبطال البراءة بصفة كلية أو جزئية حسب منطوق الحكم ، ويحق ليس فقط لطالب البطلان الاحتجاج به ، وإنما يحق لكل ذي مصلحة الاحتجاج به ، فالحكم بالبطلان يعيد الأمور إلى نصابها ألا وهو بإباحة الاستغلال للكافة .
وهذه القاعدة تقتضيها طائع الأمور لأن الباطل عدم و العدم لا ينتج أثر
ولايمكن أن يتقلب صحيحا مهما مر الزمان .
وإذا كان للحكم بالبطلان حجية مطلقة في مواجهة الجميع حتى ولو لم يكن طرفا فيه ، فإن الحكم القاضي برفض طلب التصريح بالبطلان له حجية نسبية في مواجهة أطرافه شرط اتحاد الموضوع و السبب في الدعوى ، ولا تحصن البراءة من الطعن من طرف كل ذي مصلحة في حالة اختلاف أطراف أو موضوع أو سبب الدعوى ، وليس في هذا أي تعارض مع حجية الأحكام ، ومن ثم يجوز لكل من له مصلحة رفع دعوى بطلان البراءة بالاستناد على نفس السبب الذي من أجله رفض الطلب الأول أو من أجل سبب أخر ، بل يحق لنفس المدعي رفع الدعوى من جديد بناءا على أسباب جديدة .
فإذا كان من المنطق أن يستفيد شخص من حكم لم يكن طرفا فيه ، فإنه ليس
من المنطق و العدل أن يضار بخطأ شخص آخرلا علاقة له به متحملا وزره وتقصيره فلهذا السبب منح الحكم بالبطلان الحجية المطلقة ، فيها لم ينل الحكم برفض طلب التصريح بالبطلان مثل هذه الحجية .
وختاما يمكن القول أن الرقابة القضائية من خلال دعوى بطلان براءة الاختراع على تسجيلات سندات الملكية الممسوكة من لدن السلطة الإدارية يساهم في إشاعة جو الثقة و الاطمئنان لهذه التقيدات و بالتالي شيوع الثقة في وضعية هذه الحقوق بتخليصها من مختلف الشوائب التي علقت بها المسطرة الإدارية ، لأن المكتب المغربي للملكية الصناعية و التجارية لا يقوم إلى بالفحص الشكلي للطلبات المقدمة إليه .
ولقد وفق المشرع المغربي في إضفاء فعالية أكبر على دور القضاء في مسطرة بطلان البراءة سواء من حيث توسيعه نطاق الأشخاص الذين يحق لهم رفع الدعوى إلى كل من لهم مصلحة ، واعطائه للنيابة العامة دورا رياديا في هذه المسطرة سواء كمدعية أو كمتدخلة على اعتبار أنها الجهة الوحيدة الأمينة قانونا على المصالح الاقتصادية و الاجتماعية للدولة .
يضاف إلى ذلك التوسع في أسباب الطعن لتشمل مختلف الحالات الشكلية و الموضوعية التي تعيب سند ملكية البراءة وتخول طلب التصريح ببطلانها.
هذا فضلا عن الأثر الرجعي للحكم ببطلان البراءة الذي يؤدي إلى هدم البراءة بأثر رجعي وإعدامها من الناحية القانونية تصحيحا للوضع الفاسد الذي كان سائدا من قبل ، والاعتراف أيضا بالحجة المطلقة لهذا الحكم في مواجهة الكافة بغية استقرار الأوضاع القانونية مادام أن ما بني على باطل فهو باطل ، وأن ما هو باطل لا يصير صحيحا بمرور الزمن .
وما يزيد من الثقة في الرقابة بالإضافة إلى كونها حامية للشرعية كونها تتميز عن الرقابة الإدارية بأنها رقابة مزدوجة شكلية و موضوعية تتوفر فيها كل مقومات الحياة النزاهة ، وتتم في مسطرة علنية وتواجهيه تتوفر فيها كل الضمانات القانونية وتحترم فيها حقوق الدفاع.
وما يؤكد هذا النظر كون اتفاقية جوانب حقوق الملكية الفكرية المتصلة بالتجارة أكدت على ضرورة تبني الدول المصادقة عليها للرقابة القضائية لإضفاء الفعالية على النظام القانوني لبراءات الاختراع وذلك لاتصال نظام حقوق الملكية الصناعية و التجارية بقواعد النظام العام بشقيه الحمائي و التوجيهي بغية حماية هذه الحقوق ، لأن في حماية حقوق الملكية الصناعية حماية للاقتصاد الوطني وللمنافسة الشريفة وفي الأخير وبشكل غير مباشر حماية للمستهلك
اترك تعليقاً