مقال قانوني بعنوان دفاعاً عن المشروعية لا دفاعاً عن معروف
د.نوفان العجارمة
لقد أدلى عدد من رجال القانون برأيهم حول قرار عطوفة النائب العام والقاضي بإحالة قضية الكازينو مجددا إلى مجلس النواب وفقا لأحكام المادة(56) من الدستور.وقد كانوا إلى حد كبير معارضين لهذا القرار على الرغم من عدم اطلاعهم على الملف التحقيقي وما أسفر عنه من أدالة قد تكون جديدة .
وأنا أشاطر الزملاء الأفاضل الرأي من حيث النتيجة التي انتهوا إليها(لاسيما معالي الأخ الفاضل الدكتور إبراهيم العموش) والمتمثلة بعد مشروعية هذا الإجراء، ولكن لأسباب قانونية خالصة لا علاقة لها بواقع هذه القضية و التي تتمثل بما يلي :
1. أن القرار الصادر عن مجلس النواب (في ظل الدستور قبل التعديل) والمتمثل بمنع محاكمة دولة الدكتور معروف البخيت واتهام وزير السياحة الأسبق فقط، هو قرار قضائي، استنفد المجلس ولايته بمجرد إصداره لهذا القرار، لا يجوز الرجوع فيه أو تعديله أو سحبه على غرار ما هو معمول به بشان القرارات الإدارية .
2. مجلس النواب(في ظل الدستور قبل التعديل) كان يقوم مقام النيابة العامة، وقد قام بإجراء تحقيق جنائي متكامل انتهى التحقيق بتصويت مجلس النواب على منع محاكمة رئيس الوزراء الأسبق(وعدد من وزراء حكومته) و اتهام وزير السياحة الأسبق فقط. وقد انتخب مجلس النواب لجنة من بين أعضائه تولت إعداد لائحة الاتهام وقامت بتوقيعه وإرساله إلى المحكمة الخاصة المختصة (المجلس العالي ) وقد تضمنت لائحة الاتهام توجيه تهم(من بينها التزوير) إلى وزير السياحة الأسبق دون غيره.
3. لا تملك النيابة العامة (أو مجلس النواب سابقا) التعديل في قرارات الظن أو الاتهام إذا تم أرسلها إلى المحكمة المختصة، فالأمر يخرج من ولاية النيابة العامة وبدخل ضمن ولاية محكمة الموضوع.
4. عندما تم تحويل الاتهام المُعد من قبل مجلس النواب إلى المحكمة المختصة في حينه(المجلس العالي) دخل التعديل الدستوري إلى حيز النفاذ، لذلك قرر المجلس العالي (باعتباره محكمة)عدم اختصاصه بنظر هذا الموضوع ، لان الاختصاص أصبح ينعقد إلى المحاكم النظامية وفقا لأحكام المادة (55) من الدستور. وكان يتعين على المجلس العالي الموقر (باعتباره محكمة خاصة) أن يحيل هذا الموضوع مباشرة إلى محكمة بداية جزاء عمان صاحبة الولاية والاختصاص وفقا للتعديل الدستوري الجديد، ولكن المجلس العالي قام بإعادة الأوراق إلى مصدرها (وهو مجلس النواب) بموجب قراراه رقم 3 لسنة 2011 .
5. كان يتعين على مجلس النواب الموقر أن يحيل هذا الموضوع مباشرة إلى محكمة بداية جزاء عمان الموقرة، للنظر في الموضوع وفقا لقرار الاتهام الذي وقع من قبل المجلس في ظل نص دستوري كان يعطي المجلس هذا الحق، ولا يجوز من الناحية القانونية(الدستور وقانون أصول المحكمات الجزائية) أن يرسل الملف إلى النيابة العامة للتحقيق مجددا ؟؟
6. الأصل أن تغيير احد أفرار النيابة العامة لا يبطل التحقيق وكل منهم يكمل عمل الآخر ولا يوجد ما يمنع من استبدال عضو النيابة العامة بزميل آخر أثناء نظر الدعوى الجزائية ، لأن أعضاء النيابة ينوب بعضهم عن بعض، استنادا لمبدأ وحدة النيابة العامة وعدم تجزئينها، فإذا باشر عضو النيابة العامة عملا صحيحا يعتبر صادر عن النيابة العامة بمجموعها،وطالما قررت النيابة العامة (مجلس النواب) قرارا سليما ، وخرج الموضوع من ولايتها ، ودخل في ولاية القضاء، فلا تملك النيابة العامة أن تفتح التحقيق مجددا، كون دعوى الحق العام أصبحت بيد محكمة الموضوع، وأصبح القضاء هو صاحبة الكلمة الفصل في هذه الدعوى.
7. مما يؤكد قانونية وقطعية قرار الاتهام الذي صدر عن مجلس النواب ، أن مجلس النواب – بعد عودة الملف إليه من المجلس العالي- لم يصوت مجددا لغايات إحالة الملف إلى النيابة العامة وفقا لمتطلبات المادة (56) من الدستور بعد تعديلها، لان المجلس استنفد ولايته باتخاذ القرار بقضية الكازينو.
8. لا يوجد تدرج تبعي أو تسلسل إداري ما بين (مجلس النواب باعتباره نيابة عامة خاصة قبل التعديل) و ما بين جهاز النيابة العامة، حتى يقال أن من حق النيابة العامة أن تعقب على قرار مجلس النواب باعتباره نيابة عامة أخرى، فكل منهم كان يستمد صلاحية من القانون مباشرة، بل أن الإعمال التي صدرت عن مجلس النواب باعتباره نيابة عامة، صدرت استنادا إلى أحكام الدستور، والذي له الصدارة على كافة التشريعات المعمول به في الدولة .
9. أن القول بان من حق النيابة العامة أن تفتح التحقيق في موضوع تم إقفال التحقيق بشأنه، فيه مخالفة لأحكام المادة (37) من الدستور المعدل لسنة 2011 والتي نصت على العمل بالتعديل الدستوري اعتبارا من تاريخ نشره في الجريد الرسمية في1/10/2011. فأحكام الدستور المعدل تسري اعتبارا عن هذا التاريخ، وذلك إعمالا لمبدأ الأثر الفوري للقاعدة القانونية، فإذا لم يرد نص في الدستور المعدل يبين مدى تأثير هذا التعديل على محاكمة الوزراء في ظل النص الدستوري القديم ،عندها ينبغي تفسير النصوص على ضوء الأثر المباشر للقاعدة القانونية، وحيث إن النص الدستوري المعدل تضمن تعديلا يتعلق بمحاكمة الوزراء ، فيسري اثر هذا التعديل اعتبارا من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية، ولا يمتد أثره ليشمل الحالات التي سبقت هذا التاريخ ، بما في ذلك التحقيق الذي اجري من قبل مجلس النواب ، فهذا التحقيق اكتمل قبل نفاذ التعديل الدستوري المذكور .
10. إذا صح القول أن سبب تحويل الموضوع إلى مجلس النواب مجددا هو قضية التزوير ، اعتقد (وأنا اطلعت شخصيا على ملف التحقيق النيابي) أن هذا الأمر ليس بجديد فقد أشار التحقيق البرلماني إلى هذه الواقعة وقد كانت تحت سمع وبصر مجلس النواب الكريم عند اتخاذه قرار منع لمحاكمة، ومما يؤكد ذلك ما ورد في مقدمة القرار الصادر عن المحكمة الخاصة (المجلس العالي) في قراراها رقم 3/ 2011 ، والذي أشار بوضح إلى جناية التزوير، وعليه، فلا يوجد ثمة أدلة جديدة تؤيد التهمة بحق المشتكى عليه الذي منعت محاكمته؟؟
11. وتجدر الملاحظة بان على مجلس النواب- من الناحية الموضوعية- اتخاذ قرار بأغلبية الثلثين إذا ما رغب اتهام الدكتور البخيت (كما كان النص الدستوري قبل التعديل)، ولا تكفي (أغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب) الواردة في المادة (56) من الدستور ، فلو صوت المجلس بأغلبية الأعضاء ، فان قراره سليم من الناحية الدستورية الإجرائية، لكن هذا القرار لا يكفي من الناحية الموضوعية أمام القضاء، لان المشرع شدد في شروط الملاحقة، ولابد من تطبيق النص الأصلح للمتهم في هذه الحالة (وهو النص القديم) وتقول محكمة التمييز الموقرة بهذا الخصوص – بمفهوم المخالفة- في الدعوى رقم 44/ 1967 ((إذا عدل القانون الجديد حق الملاحقة وشروط التجريم بصورة أكثر مراعاة للمشتكى عليه وقعت في ظل القانون القديم، فتطبق أحكام القانون الجديد عملا بالمادة الرابعة من قانون العقوبات. )).
وعليه، نجد بأن إعادة موضوع قضية الكازينو إلى مجلس النواب مجددا لا سند له من القانون، للأسباب والاعتبارات التي سبق بيانها، واعتقد أن من المناسب و الملائم استطلاع رأي المجلس العالي لتفسير الدستور ، حتى لا نكرس عرفاً مخالفاً للدستور .
وأخيرا، لا يسعني إلا أن اردد قول أمير الشعراء (شوقي ) في مسرحية مجنون ليلي حيث يقول:
ألأني أنا شِيعيٌّ وليلى أمويَّهْ ؟ ….. اختلاف الرأي لا يُفْـسدُ للود قضيّهْ
ودمتم ودام الوطن وقائده ودستوره بألف خير ،،،
المحامي الدكتور نوفان العجارمة
أستاذ القانون الإداري و الدستوري المشارك
كلية الحقوق – الجامعة الأردنية
اترك تعليقاً