الخبراء في المحاكم بين هدف تحقيق العدالة ومشكلة إطالة التقاضي
تعتبر الخبرة القضائية من الوسائل المساعدة للقضاء، ولا يمكن للمحكمة الاستغناء عنها بأي حال من الاحوال وتعرف الخبرة القضائية بأنها اجراء للتحقيق يعهد به القاضي الى شخص مختص «خبير» يتم اسناد مهمة الخبرة له في المسائل الفنية التي لا تستطيع المحكمة ان تدلي بدلوها فيها، إلا بالاستعانة بأهل الخبرة وفي مثل هذه الحالة تصدر حكما تمهيديا قبل الفصل في الموضوع ثم تندب خبيرا متخصصا وفقا لنوع القضية.
ورغم اهمية الخبراء في تحقيق العدالة ومساعدة القضاء إلا ان العديد من القضايا يتم تأجيلها لأشهر وربما سنوات طلبا لتقرير الخبرة، فهناك قضية اجلت للخبرة لمدة ثلاث سنوات ثم قامت هيئة المحكمة بالحكم فيها دون الاستناد لتقرير الخبرة التي ربما لم تكن في حاجة اليه الا انه كان سببا في تأخير اصدار الحكم طيلة هذه المدة فقد تحولت الخبرة لدى البعض الى وسيلة للتخلص من الدعوى كحل تسهيلي او تأجيل اصدار الاحكام فكثيرا ما يضيع الوقت في مناقشات حول مضمون الحكم وكيفية اداء الخبير لمأموريته على الرغم من وجود بعض التشريعات التي تستلزم ان يكون هناك اجتماعات دورية بين القاضي والخبير لمناقشة سير المأمورية المكلف بها الخبير ومناقشة اي مشكلات تجابهه او اي اعتراضات للأطراف صاحبة الدعوى وبذلك اصبح دور الخبراء مسار جدل وتساؤل.
هل يسعون لتحقيق العدالة ام يعملون على تعطيل اصدار الاحكام واطالة أمد التقاضي؟ «البيان» التقت الاطراف صاحبة العلاقة للوقوف على طبيعة هذا الدور، حيث يقول الخبير القضائي ماهر سيد حمدون الى مصلحة الخبير تكمن في سرعة الانتهاء من التقرير في القضية المكلف بها حرصا منه على الفوز بغيرها من القضايا ولكن هناك الكثير من المشاكل التي تعترض عمل الخبير على رأسها الاطراف صاحبة النزاع التي تحول في كثير من الاوقات دون اتمام اجراءات عمل الخبير هي نظرة المحكمة الى الخبير فهي تعتقد ان الخبير طبقا لقانون الاثبات يرسل خطابا الى الجهات المعنية ويعقد جلسة مشتركة للطرفين لتقديم المستندات دون ان تدرك ان كتابة تقرير عن قضية مالية يحتاج الى دراسة مطولة لمعرفة نوع الفوائد وما اذا كانت بسيطة او مركبة وفقا لمدة زمنية قد تصل الى عشرات السنين اضافة الى ضرورة الاطلاع على دفاتر الشركات المتنازعة وغيرها من الاجراءات المعقدة التي يقوم بها الخبير.
ويضيف: ان الامر لا يتوقف عند حد الاتهام بالتأخير في كتابه التقرير وانما هناك اسباب اخرى ذات اهمية قصوى تدفع الخبير الى التأخير ألا وهي عملية تقدير اتعاب الخبير فلا يوجد اساس لتقدير تلك الاتعاب فعلى سبيل المثال نجد بعض القضايا التي تحتاج الى دراسة حسابية معقدة لمدة سبعة عشر عاما وتأخذ من الخبير ما يزيد على ستة اشهر لدراستها ولا تزيد اتعابه فيها على خمسة آلاف درهم فكيف للخبير ان يعمل كل هذه المدة بهذا المبلغ وهنا تنتهز بعض الاطراف المتنازعة الفرصة لعرض الاموال على الخبير مقابل اخفاء بعض الحقائق او التعديل في كتابة التقرير فلا شك ان ضعف الاتعاب يدفع البعض من ذوي النفوس الضعيفة للموافقة على هذه العروض مع العلم ان مهنة الخبراء مثل باقي المهن بها الصالح والطالح ولكن يجب ان نعلم ان غياب التقدير الصحيح من قبل المحكمة لاتعاب الخبير هي الدافع الرئيسي لارتكاب هذه المخالفات لذا لابد من تشكيل لجنة من وزارة العدل تقوم على وضع اسس ومعايير ثابتة لتقدير اتعاب الخبير وفقا للمجهود الذي يبذل في اعداد التقرير حتى يتم تلافي هذه الاخطاء. قضايا الشريك النائم اما الخبير القضائي عادل صوان فيقول ان هناك عدة اسباب تؤدي الى تأخير تقرير الخبرة مثل ضعف الدعوى المقدمة وهنا يجد الخبير نفسه غير قادر على القيام بالشروع في الدور الخاص به كذلك هناك بعض الاسباب التي تتعلق بالخبير نفسه نتيجة لعدم تمكنه من العمل لضعف قدراته وغياب عنصر الخبرة اضافة الى الاسباب المتعلقة بالمحكمة من خلال عملية تقدير الاتعاب فهناك احدى القضايا التي استغرق دراستها عدة اشهر وقدرت المحكمة اتعابها بـ 250 درهما وعندها لا يجد الخبير مفرا سوى التنازل عن تلك الاتعاب التي لا تتناسب نهائيا مع مجهوداته كذلك من اسباب التأخير اصرار الموكل على حضوره او حضور محاميه مع الخبير اثناء قيامه بكافة الاجراءات حيث يعترض على الاسئلة التي يوجهها الخبير الى من لديهم معلومات حول القضية بحجة ان تلك الاسئلة غير قانونية وليست من اختصاص الخبير مع العلم انها مفتاح الطريق للحصول على الحقائق والمعلومات المهمة، وبذلك نجد ان هناك عدة اطراف مختلفة تقف حائلا دون سرعة انجاز التقرير.
ويستطرد صوان قائلا: ان القضاة لا يعون المشاكل التي تعترض عمل الخبير ولا يعلمون ان تقرير الخبير امانة على كاهله مثلما هو امانة على عاتق القاضي فالخبير يتحرى الدقة والامانة والموضوعية والمصداقية لدورها في اثبات العدالة وتحقيقها ومن بين القضايا العائمة التي اصبحت متراكمة امام المحكمة والخبراء وتحتاج الى جهد ومتابعة وليس بها تقدير لاتعاب الخبير قضية «الشريك النائم» فهناك الكثير من القضايا المتداولة الآن نتيجة لغياب متابعة الشريك المواطن لاعماله ولا شك ان كتابة التقرير في مثل هذه الحالات تحتاج الى دراسة العملية الحسابية للشركات لسنوات طويلة لمعرفة ما كان يحدث، كما يتطلب الامر اجراء المعاينات وعمليات الجرد والاطلاع على الاصول الرسمية لذا لابد ان يكون هناك تقرير صحيح يتناسب مع الجهود التي يبذلها الخبير ولا يأتي ذلك إلا من خلال تشكيل لجنة من وزارة العدل تشمل عددا من الخبراء لتقدير الاتعاب وخاصة ان لكل دعوى متطلباتها الخاصة فهناك العديد من القضايا المتشابكة بين عدة اطراف وتحتاج الى وقت طويل واجراءات معقدة يقوم بها الخبير ولا يتم فيها التقدير الصحيح للاتعاب.
تعطيل الاجراءات اما الخبير القضائي المهندس احمد نور يقول انه وفقا للمادة 69 من قانون الاثبات في المعاملات المدنية والتجارية (قانون اتحادي رقم 10 لسنة 1992) وعند الاقتضاء ان تقوم المحكمة بندب خبير او اكثر من بين الخبراء المقيدين في جدول الخبراء وذلك للاستثناء برأيه في المسائل التي يستلزمها الفصل في الدعوى وحسن نقاط الاختلاف والنزاع القائم بين الاطراف او اتفق الخصوم على اختيار خبير او اكثر وأقرت المحكمة اتفاقهم وتحدد اجلا للخبير يودع فيه تقريره ويجب ان يراعي الخبير في اعماله اجراءات دعوة جميع الخصوم وفق الآجال القانونية المحددة وسماع اقوالهم وشهودهم وقبول ما يقدموه من مستندات وإجراء للمعاينات وغيرها من الاجراءات حتى انتهاء جميع اعمال الخبرة المطلوبة وتنظيم تقريره وتقديم الاصل للمحكمة وصورة لكل طرف من الخصوم. واذا لم يقدم الخبير تقريره وفقا للاجل المحدد وجب عليه ان يقدم مذكرة للمحكمة يبين فيها ما قام به من اعمال والاسباب التي حالت دون اتمام مأموريته واذا ما وجدت المحكمة في مذكرة الخبير ما يبرر تأخيره منحته اجلا آخر لانجاز مهمته واذا لم تجد ما يبرر هذا التأخير فقد توقع عليه غرامة مالية قد تعزله وتعين مكانه خبيرا آخر وقد يتعرض للجزاءات التأديبية ايضا اي ان هناك ضوابط كثيرة حددها القانون لعمل الخبير.
ورغم اهمية الخبرة في تحقيق العدالة وكشف وجه الحق والعدل في كثير من القضايا المنظورة امام القضاء الا ان للمحكمة الحق في الاستعانة بهذا التقرير او رفضه مع ابداء الاسباب. ويضيف: ان خبراء الجدوى المسجلين لدى وزارة العدل في كافة التحصصات المختلفة قد تم اختيارهم بواسطة لجنة وزارية عليا ووفق اشتراطات ومتطلبات محددة بعد التأكد من المؤهلات والخبرة وحسن السير والسلوك اضافة الى تأديته للقسم القانوني في الالتزام بآداء ما يكلف به من مهام بكل امانة ودون انحياز لاي طرف كما يخضع جميع هؤلاء الخبراء للمتابعة والاشراف وفي كل عام يقوم الخبير بتقديم كشف بالقضايا التي اسندت اليه يوضح فيه القضايا التي انتهى منها والتي لم ينته منها ويذكر سبب ذلك اما فيما يثار من ان التأخير في الفصل بالكثير من القضايا سببه احالتها للخبرة فإننا نقول ان هناك تأخيرا في اجراءات الخبرة ما يطيل امد النزاع فنجد ان الدعوى منذ تاريخ رفعها ونظرها امام المحكمة تأخذ وقتا كبيرا في نظر ادعاءات ومذكرات بدفاع الخصوم ويتعذر على المحكمة اصدار حكمها قبل ان تندب خبيرا لتوضيح وحسم بعض نقاط الخلاف وهذا الندب يتطلب بعض الوقت من صدور الحكم التمهيدي وسداد أمانة ومصروفات الخبرة ومن ثم اختيار وتسمية الخبير وحضور الأخير للاطلاع على ملف الدعوى ومستنداتها ومن ثم عودة الاطراف الخصوم واخطارهم وفق المادة القانونية لبدء الاجتماع وسماع اقوالهم وشهودهم ومن ثم البدء باستكمال ومباشرة الاعمال المطلوبة ووفق المهمة المحددة بقرار الحكم التمهيدي، وهذا الوقت المستغرق لا يكون الخبير مسئولاً عنه فهناك حالات لا يحضر فيها الخصوم فور دعوة الخبير لهم وهناك تأخير يحدث بسبب عدم تقديم المستندات وبيانات مهمة تساعده في عمله وهناك تأخير ينتج عن طول المهمة ذاتها والاجراءات المطلوبة لاتمامها ومراجعة بعض الجهات الرسمية وغير الرسمية وهناك من لا يتجاوب من هذه المؤسسات مع الخبير اي ان هناك اسبابا كثيرة للتأخير منها ما هو حاصل قبل ندب الخبير وبعد قرار التكليف ومنها ما هو من قبل الخصوم والجهات الرسمية وهذه التأخيرات لا يسأل عنها الخبير اما اذا كان هناك تعطيل او تأخير من الخبير نفسه فإنه يتعرض للمساءلة وتوقيع الجزاء والغرامة المالية عليه من قبل المحكمة التي انتدبته وتشرف على عمله.
ويؤكد نور انه فيما يتعلق بالتجاوزات او الانحياز من بعض الخبراء لاي طرف من الخصوم فإن ذلك لو حدث فإنه يكون استثناء لان ذلك يعتبر اخلالاً بشرف المهنة والقسم وكذلك لوجود الصالح والطالح بالمهنة مثل باقي المهن. الضمير اساس العمل ومن جهة ثانية تقول المحامية سميرة قرقاش ان للخبراء دور هام في اثبات وتأكيد العدالة واطلاع القاضي على الكثير من الجوانب الفنية المتخصصة في القضايا موضوع النزاع، ولكن لا يوجد بالقانون مادة تنص على الزام الخبير بالانتهاء من تقريره المكلف به في وقت محدود وانما الامر متروك لهيئة المحكمة فهي صاحبة القرار في تحديد المدة الزمنية اللازمة للخبير ولا يحق في ان تمنحه فسحة اخرى من الوقت اذا تقدم بطلب مدة اضافية ولا الحق في ان ترفض ذلك اي ان هيئة المحكمة هي صاحبة القرار في التعامل مع الخبير مع العلم ان للخبير دور هاماً في القضايا الفنية والاحصائية الحسابية الدقيقة فلا يمكن البت فيها دون الاطلاع على تقرير الخبير وهنا لا تجد المحكمة مفر من اعفاء المهلة اللازمة التي يطلبها الخبير لاستيفاء تقريره ولكن يمكن القول ان الضمير الانساني لمن يعملون في مجال تحقيق العدالة هو الاساس الذي يعمل من خلاله الانسان فمثلما يسعى القاضي الى تأكيد العدالة من وحي ضميره الشخصي بعيداً عن اي جوانب اخرى يقوم بذلك الدور المحامي والخبير فكلاهما يؤدي واجبه النابع من ضميره الانساني قبل واجبه الوظيفي على العكس من ذلك اذ غاب الضمير فلا يجد الانسان غضاضة في التلاعب ومحاولة الالتفاف على هيئة المحكمة لتعطيل اصدار الاحكام واطالة امد التقاضي كذلك من حق المحمة معاقبة الخبير اذ تعمد الخطأ فأن الفقرة الثانية للمادة 86 تنص بأن للمحكمة ان تأمر بتغريم الخبير الذي لم يقدم تقريره في الموعد الذي ضربته له ولها ان تمنحه أجلاً آخر في تنفيذ مهمته او ان تستبدل به خبيرا آخر مع الزامه بردها قد يكون في حوزته من الامانة بقلم الكتاب وكذلك بغير اخلال بالجزاءات التعويضية اذا كان لها الحل.
المحكمة هي الخبير الاعلى اما المستشار احمد شوقي رئيس محكمة الامور المستعجلة بمحاكم دبي فيقول ان للخبير دور هام واساسي في بعض القضايا التي تحتاج الى خبرة معينة كالخبرة في مجال الكمبيوتر والمقاولات وفحص السيارات والمواد الغذائية والادوية التي يثار بشأنها نزاعات كما ان لهم دور حيوي في الاعمال المصرفية وفحص المستندات المالية كذلك عندما ترفع الدعوى لندب خبير لاثبات حالة عقار او آلات ميكانيكية او غيرها، وبالتالي لا يمكن ان نتجاهل دور الخبير كمعادن للقضاء ولكن المحكمة دائما غير ملزمة بإيجابة الخصوم الى طلبهم في ندب خبير طالما وجدت في اوراق الدعوى ومستنداتها ما يكفي لتكوين عقيدتها للفصل في موضوعها.
ويضيف المستشار شوقي: ان القانون قد نظم عمل الخبراء حيث يوجد بالمحاكم جدول لتصنيف الخبراء يتم مراجعته دوريا ويتم توزيع القضايا على الخبراء بالدور وفقا للجدول المعد لذلك وتقوم المحكمة دائماً بتحديد جلسة ليقدم فيها الخبير تقريره واذا احتاج الامر لاستيضاح بعض الامور في تقرير الخبير تستدعيه المحكمة وتناقشه للوقوف على ما هو غامض في تقريره. وفي الغالب يلتزم الخبير بالجلسة التي تحددها المحكمة إلا انه في بعض الاحيان يطلب من المحكمة امهاله فسحة اضافية من الوقت لكي يحصل على مستندات معينة اونتيجة لتأخير الخصوم في التعاون معه او اجراء بحوث وفحوصات خاصة للحصول على نتائج قد تستغرق وقتاً من الزمن وفي هذه الحالة تمهله المحكمة فرصة لاجرائها وبعدها يقدم تقريره وتعطي المحكمة اجلا للخصوم للتعقيب على التقرير ان كان لهم ثمة تعقيب وبعد ذلك غالبا ما تكون القضية جاهزة للفصل في موضوعها، ويضيف: انه في حالة تأخر الخبير في تقديم التقرير المنوط به دون عذر تلجأ المحكمة الى اتخاذ الاجراءات التي نص عليها القانون منها ندب خبير آخر ووقف الخبير المتخاذل عن عمله وللمحكمة السلطة التامة في تقرير اعمال الخبير فلها ان تأخذ به كليا ولها ان تطرحه جانبا مثلما لا يحق في الاخذ بأي تقرير يقدمه لها احد الخصوم فدائما المحكمة هي الخبير الاعلى وصاحبة الفصل في الدعوى وعقيدتها هي الاساس في ذلك. كتب رمضان العباسي:
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً