موقف الطبيب والمسئول عندما يختلف القانون الوضعي مع الشريعة الإسلامية للدكتور / محمد عبد الجواد محمد وكيل بجامعة القاهرة جمهورية مصر العربية
المقدمة :
1 – الأصل ألا يختلف القانون مع الشريعة الإسلامية :
لو أراد الله أن تسير الحضارة الإسلامية في مسارها الصحيح ، منذ بدء الإسلام إلى أيامنا هذه ، لما كنا في حاجة إلى البحث عما تفعل ( عندما يختلف القانون الوضعي مع الشريعة الإسلامية ) ، ولظلت الشريعة الإسلامية هي القانون الذي يحكم جميع أمورنا الدينية والدنيوية . ولكنها سنة الله في هذا الكون ، منذ بدء خلقه وإلى أن تقوم الساعة ، المتمثلة في قوله تعالى : ( إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) . فلما حاد المسلمون عن صراط الشريعة الإسلامية تخلى الله تعالى عن نصرهم ، واستولى المستعمرون على دولهم العديدة كلها ، من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب ، إلا دولة واحدة ، هي المملكة العربية السعودية فقد حماها الله من الاحتلال ، حفاظا لكرامة بيته الحرام ، ومسجد رسوله ، r .
ويعتقد الكثيرون أن احتلال الدول الإسلامية هو السبب الوحيد في استبدال القوانين الوضعية الأجنبية بالشريعة الإسلامية ، ولكن الواقع ، والذي حدث فعلا ، والثابت تاريخيا أن الخلافة العثمانية برقعتها الواسعة التي كانت
تشمل دول الشرق الأوسط كلها ،وهي التي أحلت القوانين الفرنسية محل الشريعة الإسلامية ، تقليدا للدول الأوروبية المتحضرة منذ سنة 1840 ، ثم تبعتها مصر ، التي كانت مستقلة تشريعيا عنها ، في سنة 1875 بالقوانين المختلطة وفي سنة 1883 بالقوانين الأهلية .
كما أن الثابت تاريخيا أيضا أن المستعمرين الأوروبيين أحلوا قوانينهم محل الشريعة الإسلامية في ثلاثة بلاد إسلامية . حيث فرض الإنجليز في الهند القانون الإنجليزي منذ احتلالها في القرن الثامن عشر ، وفرضوه أيضا في السودان منذ سنة 1899 . كما فرض الإيطاليون القانون الإيطالي في ليبيا منذ سنة 1911 إلا أن البلاد الإسلامية المستعمرة كلها احتفظت بأحكام الشريعة الإسلامية في فرع واحد من فروع القانون ، وهو الأحوال
الشخصية . ولم يحدث قط أن حاول المستعمرون الخروج على الأحكام الشرعية القرآنية في ميدان الأحوال الشخصية ، كما حدث في بعض الدول الإسلامية بعد استقلالها ، مع الأسف الشديد ! وها نحن الآن في بدء صحوة تشريعية إسلامية حقيقية . فقد أصدرت بعض البلاد الإسلامية مجموعات قوانين إسلامية كاملة في فروع القانون المختلفة ، كما حدث في الجمهورية العربية اليمنية والسودان . وعدلت بعضها بعض قوانينها بما يتفق مع
الشريعة الإسلامية ، كما حدث في ليبيا والكويت والأردن . وبدأ بعض ثالث في وضع مشروعات قوانين إسلامية كما يحدث في مصر ، ومجلس التعاون لدول الخليج العربية .
ولعل الله يوفق مجامع الفقه الإسلامي في مصر ، والسعودية ، والأردن إلى التعاون التام في العمل على وضع مشروعات قوانين إسلامية ، في فروع القانون المختلفة ـ لتكون أنموذجا ، معدا وجاهزا ، للدول الإسلامية ، وبخاصة أن الكثير منها لا تملك الوسائل العلمية الكفيلة بإعداد هذه المشروعات .
وسنصل بعون الله ، إلى أن تعود البلاد الإسلامية إلى الصراط المستقيم ، صراط الشريعة الإسلامية الذي أصلها إلى قمة المجد ، في وقت كان العالم أجمع ، بجميع حضاراته القديمة العريقة ، يغط في نوم عميق من الجهل والتأخر
.
ولا يعني قولنا هذا أننا نرى أن تعزل الدول الإسلامية نفسها عن التقدم العلمي والحضاري في العالم من حولها . بل إن الواجب الديني يحتم عليها أن تأخذ بجميع الأسباب العلمية والحضارية المعاصرة ، لتلحق بالركب الراكض ، بعد أن تخلفت عنه قرونا طويلة . لا سيما وقد أصبح العالم ، كله بكرته الأرضية ، رقعة ضيقة بعد هذه القفزة المذهلة في العلوم والمخترعات ووسائل الاتصال والمواصلات .حتى ضاقت الأرض بما رحبت على إنسان القرن العشرين ، فغزا الفضاء ، ووصل إلى القمر . وكان من فضل الله علينا أن بعض العلماء من المسلمين والعرب قد ساهموا بجهد متواضع في هذا التقدم العلمي ، مما يثبت أننا على المستوى الفردي، قادرون على الوصول إلى هذه النتائج العظيمة ، وأنه لو أقيمت لدولنا الوسائل التي أتيحت للدول الأخرى لساهمنا مثلها في الوصول إلى النتائج التي وصلوا إليها .
وكان من الطبيعي ، وقد استبدلت البلاد الإسلامية للقوانين الوضعية الأجنبية بالشريعة الإسلامية ، أن تختلف بعض الأحكام ، بل أن تتناقض ، في مواضع كثيرة ، فمع أن جميع القوانين الوضعية الحديثة ، في جميع بلاد العالم ، قد نشأت على أساس القوانين القديمة ، الموغلة في القدم ، كالقانون الروماني مثلا ، وأن هذه القوانين القديمة نشأت في بدايتها دينية محضة واستغلالا لعاطفة الناس الدينية، كما هو الحال بالنسبة للقوانين الفرعونية ، والقوانين اليونانية مثلا ، أو دينية أصلا كالقوانين اليهودية ،والقوانين المسيحية ، إلا أن استغلال الدين المسيحي ، في العصور الوسطى ، في نظام الحكم والقوانين ، قد أدى إلى الثورة ضد
الدين ورجاله والملوك مما حدا بالثورة الفرنسية في عام 1789 إلى أن يكون أحد مبادئها الفصل بين الدين والدولة . وقد طبق المبدأ في جميع البلاد الغربية ، في ظاهر الأمر على الأقل ، وجاءت قوانين هذه الدول ، في معظم أحكامها ، غير متأثرة بالمباديء الدينية . وقامت الدول الإسلامية بنقل هذه القوانين ، أو ترجمتها ترجمة
حرفية كما حدث في مصر سنة 1883 بالنسبة لمجموعات القوانين الأهلية. فأجاز القانون المدني الربا تحت اسم (الفائدة) . ولم يجرم القانون الجنائي إلا بعض صور الزنى .
2 – صور اختلاف القانون مع الشريعة الإسلامية :
لو عددنا الحالات التي يختلف فيها القانون الوضعي ، في مجموعه مع الشريعة الإسلامية ، لوجدناها قليلة العدد . وقد تقتصر في القانون المدني ، والاقتصاد على مسألة الربا بلغة القرآن الكريم ،والفوائد بلغة القانون المدني ، والاقتصاد . وإن كانت الصور التي يشملها الربا كثيرة العدد ، أما في ميدان القانون الجنائي فالحدود الشرعية كالقتل ، والزنى ، والسرقة ، والحرابة ،والخمر ، هي موضع التناقض الواضح ، وليس الاختلاف فقط بين القانون الوضعي والشريعة الإسلامية.
ولعل قلة عدد هذه الحالات هو الذي حدا بالبعض ، ومعظمهم من القانونيين للأسف الشديد إلى القول بل الصياح ، على صفحات الصحف بأن قوانينا لا تختلف مع الشريعة الإسلامية . والبعض يصدر هذا الحكم المطلق دون استثناء ، ولكن بعضا آخر يضيف ، على استحياء عبارة ” إلا في مواضع قليلة ” . ولو تدبر الإخوة الزملاء الأمر بعناية وعمق ، لوجدوا معنا ، أن هذه الحالات القليلة إنما تصيب القيم الدينية والخلقية في الصميم . فإذا أمكن القول بأن موضوع الربا قد يحتمل بعض الاختلاف في صوره ، وتحريم بعض المعاملات بسببه ،وإجازة البعض الآخر ، فهل يمكن مجرد تصور تحريم بعض سور الزنى وإجازة البعض الآخر ، كما تفعل القوانين الجنائية الوضعية .
بل هل هناك ما هو أدعى للأسى والأسف ، بل السخرية في نفس الوقت ، من أن يبدأ نص المادة 273 من
قانون العقوبات المصري بقوله : ” لا تجوز محاكمة الزانية إلا بناء على دعوى زوجها . إلا أنه إذا زنى الزوج في المسكن المقيم فيه مع زوجته كالمبين في المادة 277 لا تسمع دعواه عليها ” ؟!! فلا يكتفي القانون بالإجازة الضمنية ، لجميع صور الزنى ، عدا الاغتصاب (المادة 267 ـ 269 )، بل يهدر جريمة زنى الزوجة بجريمة زنى الزوج ، الزوج في صورة وحيدة هي ” الزنى في المسكن المقيم فيه مع زوجته ” . وهذه صورة فريدة . بل مأساة دينية وإنسانية أن تمحى الجريمة بجريمة مماثلة ! .
وإذا كانت الحدود الشرعية قد وضعت ، مع شدة قسوتها ، للردع والتخويف ، فإن القانون الوضعي يهدر جريمة الزنى بجريمة مماثلة ويسلب حق الله في إقامة الحدود ، ليضعه في يد زوج ديوث ، فيطفيء النار بما يزيدها اشتعالا . وإلي في تطبيق حديث رسول الله ، r : ” ادرأوا الحدود بالشبهات ” ما يخفف من قسوة الحدود ،
إن لم يجعلها نظرية ، في معظم الحالات ، أكثر منها تطبيقية ؟ وأليس في ذلك ما يرضى الباكين و المتباكين ، على الإنسانية المهددة ” بقسوة ووحشية ” العقوبات الإسلامية في الوقت الذي انحدرت فيه البشرية ، في موضوع العلاقات الجنسية ، إلى مستوى لا ترضاه البهائم بفضل تطبيق قوانين العقوبات الوضعية التي تقتصر على تحريم القليل من صور الزنى واللواطة ! ، وتجيز معظم صورها ، حتى سمحت بعض القوانين بزواج
الرجل من الرجل ! وكون الشواذ جنسيا جمعيات ونقابات ونوادي ، تنادي بحقوقهم !! .
والذي يعنينا في هذا البحث الموجز ، وهو أحد موضوعات الرؤية الإسلامية لبعض الممارسات الطبية ، هو مواضع الاختلاف بين القانون الوضعي والشريعة الإسلامية ، في الميدان الطبي بصفة خاصة .
وقبل الفقرة الأخيرة في الميدان العلمي والحضاري ، على مدى السنوات الثلاثين الأخيرة ، التي وصلت فيها البشرية إلى أكثر مما وصلت إليه في تاريخها مند وجودها ، كان الاختلاف بين القانون الوضعي والشريعة الإسلامية ، في الميدان الطبي محصورا في بعض الحالات المحدودة العدد كالإجهاض ،وما يسمى بقتل الرحمة ، اللتين لا تجيزهما الشريعة الإسلامية بحال ما وبعض الحالات التي هي موضع خلاف بين فقهاء الشريعة الإسلامية كالتداوي بالخمر والمخدرات ، ومنع الحمل وتنظيم النسل .
ولكننا الآن أصبحنا نسبح في خضم لا ساحل له من المشاكل الطبية الحديثة التي تواجه الطب الإسلامي،كالتلقيح الصناعي وأطفال الأنابيب ، وما نشأ وينشأ عن ذلك من مشاكل ليست طبية فقط ، ولكنها أيضا قانونية واجتماعية . وكزرع الأعضاء وما نتج عنه من نزعها من الجسد بعد موت المخ وقبل موت الخلايا ، وتقسم الموت إلى ثلاثة أقسام . وكبنوك اللبن وبيع لبن الأمهات وعدم جواز ذلك طبقا للرأي الراجح في الفقه الإسلامي ، وجوازه طبقا للرأي المرجوح فيه .
3 – القاعدة الشرعية العامة : لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق “
: ومقتضى هذه القاعدة أن الطبيب وكل مسؤول من المسلمين ملتزمون شرعا بعدم مخالفة الأحكام الشرعية الثابتة ـ يستوي في ذلك الحكام ،ومنهم القضاة ، والمحكومون . ولكن المحكمة الدستورية العليا في مصر ، وضعت مبدأ يقضي بأن نص المادة الثانية من الدستور الدائم موجه إلى المشرع لا القاضي . وهذا مبدأ قد
يقره القانون الوضعي ،ونحن نشك في ذلك ، ولكن الشريعة الإسلامية لا تقره بحال من الأحوال . لأن خطاب الشارع ، وهو الله تعالى ، موجه للمكلفين جميعا ، يستوي في ذلك الحكام والقضاة وكل مسلم مكلف .
ودور الطبيب المسلم في الميدان الطبي محدد ومعروف ، ولكن المسئول قد يكون طبيبا أو غير طبيب . ففي المسائل الطبية يعتبر الصيدلي مسؤولا ، وكذلك كل من يقوم بعمل يتعلق بهذه المسائل ، أيا كان نوعه ، كالتمريض و غيره من العمل في معامل التحليل وما أشبه .
4 – أجهزة الإنعاش وتحديد لحظة الموت :
كان الحكم الشرعي إلى وقت ابتكار وسائل الإنعاش والعلاج المركز ، مستقرا على أن الشريعة الإسلامية لا تجيز قتل الرحمة بحال ما ، وتسوي بينه وبين القتل العمد . ولكن بعد اختراع هذه الأجهزة وما كان لها من أثر في إطالة حياة المريض مرض الموت وأصبحت الحاجة ماسة إلى تحديد لحظة حدوث الموت . وكان ذلك
في أمريكا في سنة 1950 ، بسبب المنازعات بين الورثة . وجاء نجاح الدكتور كرستيان برنارد في سنة 1967 في نقل قلب وزرعه في مريض آخر فأضاف مشكلة توجب تحديد لحظة الموت . وذلك لأن نجاح هذه العملية يقتضي نزع القلب بعد موت المخ وقبل توقف الدورة الدموية .وكان القضاء الأمريكي طبق معيار الدورة الدموية إلى سنة 1952 ، حيث طبق معا موت المخ في دعوة خاصة بشخص كان قلبه لا يزال يدق ، لأنه كان يدفع الدم من الأنف . وأصبح المبدأ أن ” موت المخ يعني موت الشخص ولو كان جسمه لا يزال حيا ” .
ويقول القانونيون الأمريكيون إنه من الناحية الطبية ليس هناك لحظة محددة مؤكدة للموت . بل إن هناك تدرجا من الموت الإكلينيكي ، إلى موت المخ ، إلى الموت البيولوجي ، إلى موت الخلايا . فالموت الإكلينيكي يحدث
عندما يتوقف التنفس والدورة الدموية .وما لم تستعمل أجهزة الإنعاش بسرعة ، فإن موت المخ سيتبع الموت الإكلينيكي ، وغالبا ما يتبع ذلك حالا موت الخلايا أولا ، في خلال مدة تتراوح بين ثلاث وست دقائق . وعندما تموت جميع وظائف المخ ، فإن الموت البيولوجي أو الدم يتم . وبعد الموت البيولوجي وموت المخ ، فإن موت الخلايا يبدأ في الأجهزة المختلفة من الجسم في فترات مختلفة . فالقلب والكليتان ، مثلا تظل حية
لفترات قصيرة ، وبذلك يمكن نزعها خلال هذه الفترات، واستعمالها في عمليات زرع الأعضاء .
فيمكن القول ، والحال هذه ، أنه ما بين بداية فترة الموت الإكلينيكي وخلال فترة موت المخ ، وفترة الموت البيولوجي إلى موت الخلايا ، تكون أمام ” الحي الميت ” إذا جاز لنا استعمال هذا التعبير ،وسمح لنا الإخوة
الأطباء بذلك . والأمر أولا وأخيرا لهم ، ونحن في انتظار قرارهم . كما يمكن القول أيضا بأنه بعد أن كان الوضع مستقرا من حيث الحكم الشرعي ، بأن الشريعة الإسلامية لا تقر بحال من الأحوال ، ما يسمى ” قتل الرحمة ” ، أصبح الأمر بعد وجود أجهزة الإنعاش يتطلب البحث في تحديد لحظة الموت ، وبأي أنواع معايير الموت نأخذ ،
لما يترتب على ذلك من آثار خطيرة من الناحية الشرعية ،والقانونية والطبية ، فمن الناحية الشرعية تحدد لحظة الموت عدد الورثة الشرعيين مثلا ومن الناحية القانونية تحدد هذه اللحظة نهاية وكالة الميت لغيره ونهاية حقه في المعاش ، وسريان القوانين التي تصدر قبل موته . ومن الناحية الطبية ، متى يجوز نزع بعض أعضائه لتزرع في غيره
.
وتقتضينا موضوعية البحث ، والأمانة العلمية ، أن ننقل عن المراجع القانونية الأمريكية أنه في سنة 1957 ، أجاز البابا بيوس الثاني عشر فصل أجهزة التنفس عن المرضى الذين يكونون في غيبوبة مستمرة . وهذا هو ما توصل إليه بعض فقهاء الشريعة الإسلامية عندنا في الوقت الحاضر .
5 – زرع الأعضاء :
مسألة نزع الأعضاء من جسم شخص حي أو ميت ، ومدى جوازها أو عدمه من وجهة النظر الشرعية بحث كثيرا في المجامع الفقهية ودور الإفتاء في بعض البلاد الإسلامية . أما من الناحية القانونية فمدى علمنا أن دولة الكويت قد أصدرت القانون رق 7 سنة 1983 المنظم لعمليات زراعة الكلى للمرضى . ونتمنى لو أصدرت الدولة قانونا عاما يشمل الأعضاء الأخرى الممكن زرعها كالقلب ، والرئة وقرنية العين وغيره مما يرى الأطباء إمكان زرعها . وقد ذكرنا أن نقل هذه الأعضاء لا يفيد إلا إذا نزعت حية في الفترة ما بين موت المخ . والموت البيولوجي . ومن الممكن أن يتم ذلك في حالة الموت الطبيعي دون استعمال أجهزة الإنعاش ولكن الفرصة تكون أوسع عند استعمال هذه الأجهزة وحيث يظل الجسد حيا ما دامت هذه الأجهزة متصلة به . ولذلك فإن نزع هذه الأعضاء يثير أمام الطبيب المسؤول مشكلتين رئيسيتين :
أولهما : كيفية الحصول على العضو المنزوع .
ثانيها : في أي مرحلة من مراحل الموت يتم نزع العضو ؟ ومن
حيث كيفية الحصول على العضو المنزوع ، فإن ذلك يتم بإحدى الطرق الآتية :
1 – أن يتبرع شخص رشيد بعضو من أعضائه لشخص آخر . أو لأي محتاج ، على ألا يكون في ذلك خطر على حياته . وهذه حالة واضحة الحكم وللطبيب إجراؤها بنزع العضو من المتبرع ، وزرعه في المريض .
2 – أن يوصي شخص بعضو أو أعضاء بعد وفاته ،والحكم في هذه الحالة مشابه لحكم الحالة السابقة .
3 – أن يأذن أهل الميت بنزع عضو أو أعضاء من جثته وتأخذ هذه الحالة نفس حكم الحالتين السابقتين من حيث النزع والزرع .
4 – بالنسبة للجثث المجهولة وسواء من حيث عدم معرفة شخصية أصحابها ، أو عدم الاستدلال على أقارب للميت . فالمصلحة العامة ، المتمثلة في إنقاذ حياة مريض تجيز للطبيب المسؤول نزع الأعضاء وزرعها .
من الواضح أنه في الحالة الأولى التي يتم فيها نزع العضو في حياة الشخص المتبرع ، لا يثور أي شك في
جواز عملية نزع العضو . أما في الحالات الثلاث الأخرى فيكون الطبيب المسؤول أمام الخلاف في تحديد لحظة الموت ، بالموضوع السابق ذكره .
6 – القانون الكويتي المنظم لعمليات زراعة الكلى للمرضى :
أصدر المشرع الكويتي القانون رقم 7 لسنة 1983 المنظم لعمليات زراعة الكلى للمرضى . وهو يشتمل على سبع مواد ، تنص الأولى منها على أنه : ” لا يجوز إجراء عمليات زراعة الكلى للمرضى إلا بهدف تحقيق مصلحة علاجية راجحة لهم ، تقتضيها المحافظة على حياتهم ، وفق الشروط والإجراءات المنصوص عليها في هذا القانون ” .
وحددت المادة الثانية من القانون مصدر الحصول الوحيد على الكلى من ” الكلى التي يتبرع بها أصحابها حال حياتهم أو يوصون بها بعد وفاتهم ” .
وحذف مجلس الأمة الفقرة الخاصة بالحصول على ” كلى الموتى في الحوادث ” . ولعل ذلك يرجع إلى ما تثيره هذه الطريقة من مشاكل عند ” الحصول على الموافقة على استئصال الكلية من أقرب الأفراد الموجودين من أسرة المتوفي ” كما كان يتطلب النص المحذوف .
وقد ذكرنا أن نزع الأعضاء لزرعها يتطلب أن يتم النزع في فترة محددة وقصيرة ، إلا في حالات استعمال أجهزة الإنعاش ،ومحاولة الحصول على إذن أحد الأقارب ، قد تستغرق وقتا يتم فيه موت الخلايا ، فيصبح العضو المراد نزعه لا فائدة فيه . وتضع المادة الثالثة من القانون لجواز عملية نزع الكلى وهما : ” إقرار كتاب من المتبرع أو الموصي ” ، وألا يقل سنه عن ثماني عشرة سنة ميلادية . وسن الرشد في القانون الكويتي إحدى وعشرون سنة ميلادية كاملة ، طبقا لنص الفقرة الثانية من المادة 96 من القانون المدني : ولكن سن الرشد في الشريعة الإسلامية مرتبط بالبلوغ . والرأي الراجح أنه من الخامسة عشرة سنة .
وتنص المادة الرابعة من القانون على أن : ” تتم إجراءات عمليات زراعة الكلى في المراكز الطبية التي تخصصها وزارة الصحة العامة لهذا الغرض ،ووفق الإجراءات والشروط التي سيصدر بها قرار من زير الصحة ” .
وتحدد المادة الخامسة من القانون العقوبة المقررة لمخالفة القانون بقولها : “مع عدم الإخلال بأية عقوبة اشد ، تنص عليها القوانين الأخرى ، يعاقب كل مخالف لأحكام هذا القانون والقرارات المنفذة له بالحبس مادة لا
تتجاوز ثلاث سنوات وبغرامة لا تزيد على ثلاثة آلاف دينار كويتي أو بإحدى هاتين العقوبتين ” .
ويبدو أن اقتصار القانون على عمليات زراعة الكلى ، إنما يعود إلى أن هذه العمليات قد أصبحت مألوفة وكثيرة في بلادنا . ولكن الواقع أيضا ، أن كثيرا من عمليات زرع الأعضاء الأخرى كزرع قرنية العين ، وترقيع الجلد ، يتم
إجراؤها في البلاد العربية . وقد تمنينا أن يصدر المشرع الكويتي قانونا عاما بزراعة الأعضاء ، لا سيما والفتوى رقم 132/79 ، التي اعتمدت عليها الفتوى رقم 87 / 81 الصادر بناء عليها القانون رقم 7 لسنة 1983 ، تنص بصفة عامة ، على : ” جواز نقل الأعضاء سواء من الميت أو من الحي ” .
7 ـ خاتمة :
الطبيب ، ككل مسلم ، ملتزم شرعا بأحكام الشريعة الإسلامية ، وإذا ما اختلفت أحكام القانون الوضعي مع أحكام الشريعة الإسلامية ، فعلى الطبيب المسلم اتباع أحكام الشريعة بقدر استطاعته . والواقع أن ميدان العمل الطبي ، وحرية الطبيب فيه ، يسمحان له بمراعاة أحكام الشريعة الإسلامية بسهولة ومرونة أكثر من
غيره ، كرجال القانون والاقتصاديين مثلا ، الذين تلزمهم القوانين الوضعية بمخالفة أحكام الشريعة في ميدان القانون الجنائي ،والتعامل بالربا . أما في الميدان الطبي فلا توجد قوانين وضعية تخالف أحكام الشريعة الإسلامية . ولم يصدر في أي بلد إسلاميقانون يبيح الإجهاض مثلا . والمشاكل الطبية المعاصرة التي نشأت بسبب التقدم المذهل في الطب الحديث كالتلقيح الصناعي وأطفال الأنابيب ،وزرع الأعضاء لم تصدر بشأنها
قوانين وضعية ، فيما عدا القانون الكويتي المنظم لعمليات زراعة الكلى للمرضى . وعلى ذلك فالأمر متروك فيها لضمير الطبيب المسلم وتدينه . وقد قامت مجامع الفقه الإسلامي في مصر ، والمملكة العربية السعودية والكويت . والأردن بواجبها نحو الفتوى في بعض هذه المسائل، وإن كنا نرجو تعاونا أكبر بينها ، والبدء في وضع
مشروعات قوانين تحكم هذه المسائل ، طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية ، لتكون تحت نظر المشرعين في البلاد الإسلامية . لا سيما وقد بدأت عمليات التلقيح الصناعي وأطفال الأنابيب تنتشر في البلاد الإسلامية ، والله أعلم كيف تتم ، مع أن الشريعة الإسلامية تنتشر في البلاد الإسلامية ،و الله أعلم كيف تتم ، مع أن الشريعة الإسلامية لا تجيز من صورها المتعددة ! إلا صورة واحدة فقط ، هي التي يتم فيها التلقيح بين زوج وزوجته . فهل نضمن أن جميع الأطباء الذين يمارسون هذه العمليات يعرفون ذلك ؟ ولذا فصدور القوانين التي تنظم عمليات التلقيح الصناعي وأطفال الأنابيب وعمليات زرع الأعضاء ، وما أشبه أصبح أكثر من ضرورة ملحة .
والله الهادي إلى سواء السبيل .
اترك تعليقاً