دور الطب الشرعي في تأكيد الوفاة
التأكد من الوفاة يقع على عاتق طبيب الإسعاف أو الطبيب الشرعي و لكن الواجب الإنساني يفرض على المحقق التشخيص السريع للوفاة في مسرح الحادث انه أول من يصل إليه حتى إذا ما كان المصاب على قيد الحياة يقدم له الإسعافات الأولية و ينقله فورا إلى اقرب مستشفى .
المطلب الأول:تعريف الوفاة
قال الله تعالى في كتابه العزيز ( كل نفس ذائقة الموت ) صدق الله العظيم، الوفاة هي نهاية الحياة الدنيا لكل حي بخروج الروح من الجسد و مفارقة الروح للجسد تتم بموت الدماغ الكلي و النهائي . و لكن ليتم لنا دراسة الوفاة و دلائلها الطبية لابد من تعريف الحياة، فمظاهر الحياة مجموعة من الأفعال الحيوية تعمل جميعا معا في حفظ كيان جسم الإنسان و استمرار هذه الأفعال الحيوية يعتمد على سلامة ثلاثة أجهزة رئيسية تسمى الأجهزة الحيوية و هي : ـ
أ ـ الجهاز الدوري ( القلب ) .
ب ـ الجهاز التنفسي ( الرئتين ) .
ج ـ الجهاز العصبي ( المخ ) .
فإذا توقف عمل احد هذه الأجهزة اختل عمل الجهازين الآخرين ثم يتوقف عن العمل فتنهار الحياة و ينتهي الأمر بالموت ، فهل الموت يا ترى يكون بتوقف وظائف أجهزة الحياة كالقلب أو التنفس أو المخ ، أو يكون بموت الخلايا و الذي يتأخر بعض الوقت عن أجهزة الحياة، مما سبق نجد أن الوفاة نوعان هما :
الموت الجسدي ( الوفاة الاكلينكية)
يقصد بها موت الأعضاء الوظيفية أي توقف الوظائف الحيوية للقلب والرئتين والدماغ فترة من الزمن تكفي لحدوث تغيرات في الجسم تمنع العودة إلى الحياة وتقدر هذه الفترة بحــوالي 01 / 03 دقائق ، أي إن توقف القلب والتنفس وانعدام الفعالية الكهربائية للدماغ لم يعد كافيا للقول بحدوث الوفاة وإنما يحدث الموت عندما لا نستطيع إعادة الأجهزة للعمل بشكل تلقائي أي عندما يصبح الشخص غير قابل للإنعاش نتيجة موت الخلايا والأنسجة.
الوفاة الجزيئية (الموت الخلوي)
يقصد به موت الخلايا والأنسجة بعد فترة زمنية من الوفاة الاكلينكية تسمى فترة الحياة الجزيئية، وتعرف بأنها حياة الخلايا والأنسجة لفترة زمنية بعد الوفاة الاكلينكية وتختلف هذه الفترة تبعا لقدرة كل نسيج على تحمل توقف وصول الدم إليها حيث يستمر عمل الخلايا والأنسجة طوال هذه الفترة كما كانت عليه قبل الوفاة الاكلينكية فمثلا خلايا المخ تظل حية لمدة 05 دقائق فقط بعد توقف الوظائف الحيوية والعضلات تستمر لمدة (02الى 03 ساعات).
الأهمية الطبية الشرعية الجنائية للحياة الجزيئية
تكمن في :
ـ تحديد وقت الوفاة التقريبي .
ـ نقل أو زرع الأعضاء من شخص حي إلى أخر متوفى مثل القرنية الكلى و القلب وما يصاحب ذلك من مشاكل طبية شرعية معقدة مثل انتهاك حرمة الميت و سرقة أعضائه أو التمثيل بالجثة أو القتل الطبي.
يجب أن ينتبه المحقق ومن بصحبته من الأطباء إلى أن الأشـــخاص قد يكونوا أحياء عند وصولهم إلى مسرح الحادث، حيث انه من الثابت إن هناك بعــض الحالات التي تتشابه مع الوفاة يصعب كشفها اكلنيكيا (يسميها البعض الوفاة الظاهرية ) .
و يحدث ذلك في الحالات الآتية :
ـ حالات الغرق ـ حالات الصدمة و الهستيريةـ:
أشخاص توقفت حركاتهم التنفسية و دقاتهم القلبية ثم عادوا إلى الحياة بعد فترة من الوقت بفضل وسائل الإنعاش الحديثة أو من تلقاء أنفسهم ، أشخاص دفنوا ثم اتضح أنهم كانوا أحياء عن طريق تغير أماكن دفنهم بالقبر .
المطلب الثاني:تشخيص الوفاة الجسدية بمسرح الحادث
يمكن للمحقق أن يعتمد على العلامات الآتية في تشخيص الوفاة بمسرح الحادث :
علامات توقف الدورة الدموية والقلب
ـ عدم الإحساس بالنبض عند وضع طرف أصابع اليد على شريان اليد أو الرقبة أو على القلب مباشرة .
ـ عدم سماع دقات القلب عند وضع الأذن على منتصف الصدر الأيسر ( مكان القلب )
ـ عدم احتقان طرف الأصبع عند الضغط عليه أو ربط خيط حوله .
ـ بهاتة لون الوجه أو الجلد عامة ( الجلد يكون احمر في حالات الوفاة من التسمم السيانيد و أول أكسيد الكربون و الوفاة من البرد).
ويمكن للطبيب التأكد من توقف القلب عن طريق سماع دقات القلب بالسماعة الطبية وظهور مخطط القلب الكهربائي مسطحا، و يجب عليه التأكد من أن توقف القلب التام ومستمر ( 05 إلى 10 ) دقائق على الأقل لان هذه المدة كافية لموت الدماغ، حيث أن التوقف الوقتي أو الضعف الشديد للقلب يمكن أن يحدث في بعض حالات الموت الظاهري.
علامات توقف التنفس
ا ـ.
ب ـ عدم الإحساس بحركة هواء الزفير عند تقريب ظهر اليد أو حلمة الأذن من فتحتي الأنف والفم.
أما الطبيب فيمكنه التأكد من ذلك بواسطة السماعة.
علامات توقف الجهاز العصبي و نشاط الدماغ
ا ـ فقدان الحس .
ب ـ اختفاء الأفعال المنعكسة بالعين: مثل اتساع حدقة العينين وعدم تأثرهما بالضوء (تستجيب العينان بالضيق عند تسليط مصدر ضوئي عليهما أثناء الحياة).
ج ـ الارتخاء الأولي للعضلات: حيث ترتخي جميع العضلات بعد توقف نشاط الدماغ وحدوث الوفاة نتيجة فقد مرونة الجلد والعضلات ويمكن معرفة ذلك عن طريق سهولة ثني أو فرد الأطراف.
ويعتمد الطبيب على ظهور مخطط المخ الكهربائي مسطحا لمدة ( 30 ) دقيقة حيث يكون دليلا على موت الدماغ النهائي .
التغيرات الرمية
مثل برودة الجسم والرسوب الدموي والتيبس الرمي تعتبر علامات أكيدة لحدوث الوفاة.
المطلب الثالث:القضايا الطبية الشرعية المعاصرة التي تتعلق بالوفاة
نتيجة تطور التقنية الطبية في السنوات الأخيرة أصبح موضوع الموت و الحياة امرأ يكتنفه الغموض قد أدى ذلك إلى خلق مشاكل و قضايا طبية شرعية معقدة تتعلق بتعيين موعد حدوث الوفاة ، فيما يلي أهم تلك المشاكل الأسس التي يستند إليها الطبيب الشرعي و المحقق الجنائي عند التعامل مع هذه القضايا :
مشاكل وقضايا تتعلق بنقل الأعضاء من شخص متوفى لزراعتها في شخص أخر حي
بغرض زرع الأعضاء يجب أن يستند الطبيب إلى أمرين هما:
ا ـ أن يكون الشخص متوفى دماغيا على أساس أن توقف القلب و الرئتين يمكن استعادتهما للعمل بجهاز القلب و الرئة الاصطناعيين ، وبناء على ذلك فالطبيب الذي يعتمد على التشخيص السريع للموت بتوقف القلب والتنفس فقط لأخذ احد أعضاء المتوفى قد يرتكب جريمة قتل تسمى القتل الطبي واو الإكلينيكي حيث إن الشخص قد يكون على قيد الحياة و يحتمل إنقاذه.
ب ـ أن يكون هناك وصية من المتوفى أو موافقة من أهله وورثته بنقل احد الأعضاء منه، والطبيب الذي يأخذ احد أعضاء المتوفى بدون وصية أو موافقة أهله يكون قد ارتكب جريمة انتهك حرمة الميت وسرقة أعضائه.
أي إن عمليات زرع الأعضاء قد تتحول من مجرد تبرع إلى تجارة غير قانونية فقد بدأت عمليات النقل بوازع إنساني و الآن تحولت إلى عمليات سطو على الجسد تمارسها عصابات متخصصة معظمها من الأطباء و العلماء و سلعة تخضع لمؤشرات السوق العالمي و أسعارها تحددها منظمات و مافيا دولية يعمل فيها علماء و أطباء و خاصة في دول العالم الثالث كما يحدث الآن في الهند أو ما طالعتنا به الصحف عن عصابة سيريلانكية و لبنانية لبيــــع جثث السيريلانكيين في السوق السوداء بلبنان لقاء مبالغ تتراوح بين 200 إلى 800 دولار أمريكي ليتم تشريحها وبيع أعضائها إلى المستشفيات بدا من الكلى وانتهاء بالعين، أو مــا حـدث لأطفال الصومال بايطاليا.
و لذلك فمن الواجب على الدول إصدار تشريعات صارمة للحد من التلاعب بجسد الإنـسان بعد مماته و تحديد مراكز متخصصة تتبع الدولة لنقل الأعضاء .
مشاكل و قضايا تتعلق بتهوين الموت
يقصد به التعجيل في وفاة المرضى الميئس من شفائهم أو أولئك الذين يعانون مـن ألام مبرحة لا ينفع فيها العلاج بحجة التخفيف من ألامهم وتجنبهم عذاب النزع الطـويل ، و يتم ذلك إما:
ا ـ بنزع أجهزة الإنعاش أو وقف وسائل الحياة ( كالتغذية ) .
ب ـ أو بإعطاء المريض دواء ساما .
ج ـ أو مساعدته على قتل نفسه .
في الحقيقة يجب على الطبيب الاستمرار في إنعاش أي مريض لفترة مــن الزمن تكفي لحــدوث تغيرات في الجسم تمنع العودة إلى الحياة ليقرر بعدها نزع أجهـزة الإنعاش ولكن تهوين المـوت وجدت دوما بين الأطباء أو رجال الفكر و الدين وإفــراد يدافعون عنها وآخرون يدعون للأخذ بها و ان اختلفوا في مجال تطبيقها :
من هم من يرى تطبيق ذلك على المرضى المصابين بآفات لا أمل في شفائها مـتى وصـل المرض إلى مرحلة الأخيرة و رافقته ألام شديدة لتنفع فيها المسكنات بشــرط أن يطلـــب المريض ذلك بنفسه و يكون مالكا لقواه العقلية عند إبداء هذه الرغبة.
ـ بينما تمادى آخرون و طالبوا بالتوسع في تطبيق هذا المذهب بحيث يمكن القضاء على حياة المجانين والمشوهين والعاجزين و كل المرضـى الذين لا أمل في شفائهم و يشكلون عبئا على المجتمع، ولا يخفى ما في هذا الاتجاه من خطر على مستقبل الإنسان لاسيما إذا تصــورنا المشاكل والمآسي التي يمكن أن تحدث إذا تمـادى هؤلاء في الحكم على هذه الأمور طمعا في المادة و المنفعة دون الالتفات إلى الاعتبارات الأخــلاقية كان يطبق ذلك على شخص مريض طمعا في ثروته أو لأخذ احد أعضائه السليمة لبيعها و الاتجار فيها.
ـ رأي أخر يدين هذه الفكرة ويحاربها ويعتبر أن المحافظة على حياة المرضى هدف أساسي لا يجوز أن يحيد عنه الأطباء حيث أن من أهم لوائح آداب مهنة الطب ومن أول واجبات الطبيب احترام الحياة الإنسانية والمحافظة عليها وان تخفيف ألام المرضى هــدف جانبي يسعى الطبيب ويجب أن لا ينسيه الهدف الأساسي وهو المحافظة عـلى حياة المرضى والعودة بهم إلى حالة الصحة.
مشاكل و قضايا تتعلق بالدفن المبكر لحالات الموت الظاهري و تشخيصه على انه موت حقيقي
يفرض الواجب المهني على الطبيب التأكد من حدوث الموت قبل تحرير الشهادة الطبية للوفاة احتياطيا من الوقوع في الخطأ و تشخيص الموت الظاهري على انه موت حقيقي و إلا اعتبر مسئولا عن جريمة مهنية تسمى الإهمال الطبي.
اترك تعليقاً