المحكمة الاتحادية العليا وسيادة الدستور
محمد الشريف
تأسست المحكمة الاتحادية العليا استجابة لرغبة قضائية وشعبية مشروعة وذلك لتأمين رقابة حاكمة على دستورية التشريعات والقرارات ذات الطابع العام التي تصدر عن السلطتين التشريعية والتنفيذية التي تمس كيان الوطن وحقوق المواطن العامة والخاصة .
حيث لم يشهد العراق في تأريخه الحديث ومنذ تشكيل الحكم الوطني محكمة دستورية دائمة تتولى هذه المهمة حتى سنة 2005 حيث أصدرت الحكومة الوطنية الانتقالية بصفتها التشريعية القانون رقم (30) لسنة 2005 (قانون المحكمة الاتحادية العليا) الذي استقيت أحكامه من التجربة العراقية وتجارب الدول العربية والاجنبية ونشر في الوقائع العراقية بالعدد (3996) الصادر بتأريخ 17/3/2005. الذي مازال نافذاً بأحكامه لحد الوقت الحاضر استناداً الى أحكام المادة (130) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 ونصها ((تبقى التشريعات النافذة معمولاً بها ما لم تلغ او تعدل وفقاً لاحكام هذا الدستور .))
وبعد صدور القانون ونفاذه رشح مجلس القضاء الاعلى وعلى مدى جلستين وبالاقتراع السري ثلاثة اضعاف العدد المطلوب من الاعضاء ووفق مواصفات دقيقة حاكمة . لتشكيل المحكمة وقد عرضت تلك الترشيحات على مجلس الرئاسة المشكل من رئيس الجمهورية ونائبيه .
وبعد الدراسة الشاملة والمعمقة توصل المجلس الى اختيار العدد المطلوب وهو تسعة اعضاء من بين المرشحين وسمي منهم رئيس المحكمة والاعضاء الثمانية .
وصدر المرسوم الجمهوري رقم (67) في 30/3/2005 بالتعيين .
وبعد تشكيل الحكومة الوطنية صادق مجلس الرئاسة الجديد المكون من السادة المغفور له جلال الطالباني وعادل عبد المهدي وغازي الياور على تعيين رئيس واعضاء المحكمة الاتحادية العليا وصدر قرار جمهوري بذلك بالعدد (2) وتأريخ 1/حزيران/2005 .
وقد باشرت المحكمة مهامها المنصوص عليها في قانون المحكمة والمهام التي اوكلت اليها بموجب دستور عام 2005 الذي صدر بعد صدور قانونها والذي تكون لأحكامه العلوية في التطبيق وتولت المحكمة القيام , بمسؤليتها وبكل ما تعنيه المسؤولية الوطنية والقضائية من معان وذلك بعدما أدى رئيس واعضاء المحكمة اليمين وفق أصولها أمام رئيس الجمهورية ونائبيه حقاً …
لم تكن المهمة الموكلة الى المحكمة الاتحادية العليا سهلة ولم يكن طريق المسيرة معبداً امامها بل كان الطريق في كثير من الاحيان محوفاً بالعقبات والمخاطر في وجه السائرين عليه , ولكن اصرار المحكمة على تحمل المسؤولية ولكون تجربة القضاء الدستوري تولد في العراق لاول مرة فكان الاصرار على انجاح هذه التجربة عالياً على الرغم من ان الدستور الصادر عام 2005 المكلفة بتفسير نصوصه وتطبيق احكامه كتب بظروف غاية في التعقيد .
وجاءت الكثير من نصوصه حماله أوجه كما كان لتوجه التوازنات السياسية فعلها في محاولة سحب الحكم الدستوري عن مساره القضائي .
ولكن ثبات المحكمة وتضحياتها التي ارتقت الى التضحية بالنفس ووقوف المخلصين الساعين الى ترسيخ مؤسسات الدولة وتطبيق أحكام الدستور كما اراده الشعب حينما اعلن صوته بالاستفتاء العام بتأييده مما سهّل مسيرة المحكمة وتجاوز الصعوبات .
وما الأحكام والقرارات التي أصدرتها المحكمة الاتحادية العليا خلال الفترة القصيرة نسبياً وقياسياً على ما قامت به المحاكم الدستورية المتجذرة في العالم , والتي ضمتها المجلدات الثمانية التي صدرت إلاّ دليلاً مشرقاً على أن المحكمة الاتحادية العليا هيئة قضائية مستقلة بكل ما في ذلك من مدلولات ومعايير أستقر عليها القضاء العراقي العريق في تأريخه وكذلك ما استقر عليه القضاء الدستوري العالمي من معان وقيم.
ونسأل الله والمخلصين الساعين الى سيادة الدستور والقانون وترسيخ استقلال القضاء الى العمل على ترسيخ القضاء الدستوري في العراق.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً