دور مجلس الامن في حل المنازاعات الدولية
حل المنازعات الدولية في إطار مجلس الأمن والجمعية العامة
إن الصلة بين مبدأ حل المنازعات الدولية حلا سلميا ومنع الحرب وحفظ السلام الدولي ، هي صلة قوية ومتلازمة ، فلا يمكن أن نتصور استتباب الأمن والسلم في المجتمع الدولي دون ضمان حل الخلافات التي تنشب بوسائل بعيدا عن استخدام القوة ، وأن من أولى مقاصد الأمم المتحدة التي وردت في المادة الأولى من الميثاق هي تحقيق السلم والأمن الدوليين ، ولتحقيق هذه الغاية فإن المنظمة تتذرع بالوسائل السلمية لتسوية المنازعات الدولية وفقا لمبادئ العدل والقانون كما أن الميثاق يوجب على الدول اللجوء إلى الوسائل السلمية في حل المنازعات الدولية التي من شأنها أن تهدد السلم والأمن الدوليين ، ومما يؤكد الأهمية الكبيرة التي يوليها الميثاق لهدف المحافظة على الأمن والسلم الدوليين هو ورود هذه العبارة أكثر من إحدى وثلاثين مرة في الميثاق، وعلى الرغم من أن الميثاق ليس أول وثيقة دولية تدعو إلى تسوية المنازعات بطريقة سلمية ، إذ سبق وأن دعت إلى ذلك اتفاقية لاهاي 1907 عندما نصت المادة الأولى من تلك الاتفاقية على أنه (بغية تجنب اللجوء إلى القوة قدر الإمكان في العلاقات بين الدول ، تتعهد ببذل أقصى جهودها لضمان الحل السلمي للخلافات الدوليةكما أكدت على ذلك المعاهدة المعقودة في باريس عام 1928 والتي عرفت باسم ميثاق (بريان – كيلوج والتي نصت على أن يتعهد أطراف المعاهدة بعدم تسوية أي خلاف أو نزاع بينهم بغير الطرق السلمية دون اعتبار لطبيعة الخلاف أو النزاع أو مصدره ، نقول على الرغم من ذلك فإن ما يميز ميثاق الأمم المتحدة عن غيره من المواثيق في هذا الجانب أنه يحرم مجرد التهديد باللجوء إلى الحرب والأعمال التي لا تبلغ مرتبتها ، ولا يقتصر فقط على تحريم استعمال القوة واللجوء إلى الحرب ، كما أن الميثاق يمنح مجلس الأمن الدولي الذي هو إحدى هيئات المنظمة الدولية سلطات واسعة لتسوية المنازعات وتحديد التزامات الأعضاء تجاه ذلك، لقد خصص فصل كامل في ميثاق الأمم المتحدة لبيان كيفية حل المنازعات بين الدول بالطرق السلميةوسنتناول في هذا المبحث دور الجهازين الرئيسيين في الأمم المتحدة ونعني بهما (الجمعية العامة ومجلس الأمن الدولي) في تسوية المنازعات الدولية .
المطلب الأول : دور الجمعية العامة في تسوية المنازعات الدولية
تساهم الجمعية العامة في حفظ السلم والأمن الدوليين ، غير أن هذه المساهمة تختلف في طريقتها عن مساهمة مجلس الأمن الدولي ، لقد أعطى الميثاق في المادة العاشرة منه للجمعية العامة سلطات بالقول (للجمعية العامة أن تناقش أي مسألة أو أمر يدخل في هذا الميثاق)، ويفهم من نص المادة المذكورة أنه يحق للجمعية العامة أن تناقش أي نزاع دولي متى ما كان يشكل تهديدا للأمن والسلم الدوليين وأن على الجمعية العامة أن تتخذ كل التدابير اللازمة لتطويق هذا النزاع ريثما تعرضه الأطراف على محكمة العدل الدولية، وتأكيدا للدور الذي تضطلع به الجمعية العامة في حل المنازعات الدولية عاد الميثاق وأكد في الفقرة الثانية من المادة الحادية عشر على أن (للجمعية العامة أن تناقش أي مسألة تكون لها صلة بحفظ السلم والأمن الدولي يرفعها إليها أي عضو من أعضاء الأمم المتحدة أو مجلس الأمن أو دولة ليست من أعضائها)،
وتصدر الجمعية قراراتها في المسائل المهمة بأغلبية ثلثي الأعضاء الحاضرين المشتركين في التصويت، وطبقا للمادة الرابعة عشر من الميثاق فللجمعية العامة أن توصي باتخاذ التدابير اللازمة لتسوية أي موقف مهما كان منشؤه قد يعكر صفو العلاقات الودية بين الأمم ويدخل في ذلك المواقف الناشئة عن انتهاك أحكام الميثاق الموضحة لمقاصد الأمم المتحدة ومبادئها.
لقد أوجب إعلان مانيلا للأمم المتحدة الصادر عام 1982 والخاص بالتسوية السلمية للمنازعات الدولية ، أوجب على الدول أن تفي بكل التزاماتها الواردة في الميثاق وأن تضع التوصيات الصادرة عن الجمعية العامة موضع التطبيقوتجد الإشارة إلى أن نصوص الميثاق المتعلقة بالتسوية السلمية للمنازعات الدولية قد أوجبت على أطراف النزاع البحث عن كل السبل الكفيلة لحله ، فالمادة (33) من الميثاق نصت على أنه (يجب على أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلام الدولي للخطر أن يلتمسوا حله بادئ ذي بدء بطريقة التحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية أو أن يلجئوا إلى الوكالات الدولية والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي تقع عليها اختيارها.
وعلى الرغم من أن الميثاق قد أعطى للجمعية العامة الحق للنظر في المنازعات وتقديم التوصيات اللازمة ، فإنه وتجنبا للازدواجية وتعارض القرارات بين الجمعية العامة ومجلس الأمن الدولي ، أستثنى من ذلك النزاعات التي تكون معروضة أمام مجلس الأمن ، فلا يحق للجمعية العامة النظر فيها ما لم يطلب منها المجلس ذلك ، وقد أوكل إلى الأمين العام أخطار الجمعية العامة حول المسألة التي تكون محل نظر من مجلس الأمن أو فراغه منها، ومع ذلك فإننا نجد أن الجمعية العامة قد قامت في بعض الأحيان بالنظر في مسائل حتى بعد قيام مجلس الأمن بالنظر فيها ، ونورد على ذلك مثلا سنبحثه بإيجاز ألا وهو المسألة الكورية، ففي 12 حزيران عام 1950 قامت جيوش كوريا الشمالية باجتياز حدود كوريا الجنوبية، فعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعا (بناءا على طلب من الولايات المتحدة الأمريكية) لمناقشة المسألة وأصدر قرار تضمن عدة فقرات ، منها الدعوة إلى وقف القتال وقيام كوريا الشمالية بسحب قواتها إلى خط عرض 38ْ ودعوة أعضاء الأمم المتحدة إلى تقديم المساعدة لتنفيذ القرار والامتناع عن تقديم المساعدات إلى سلطات كوريا الشمالية ، وقد فشل المجلس (مجلس الأمن الدولي) في إيجاد حل لهذه المسألة على الرغم من اتخاذ قرارين آخرين ليصبح عدد القرارات المتخذة في المسألة ثلاثة قرارات صدرت بغياب مندوب الاتحاد السوفيتي عن المجلس ، والذي عاد في وقت لاحق (الأول من آب عام 1950) إلى أشغال مقعده في المجلس وحضور المناقشات الخاصة بالمسألة الكورية والتي لم تفلح أيضا في أيجاد حل لهذه المسألة([15])، لذلك قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم طلب إلى الأمين العام للأمم المتحدة ضمنته إدراج المسألة الكورية على جدول أعمال الدورة الخامسة للجمعية العامة ، وقد حصلت الموافقة على الطلب بتاريخ 26 أيلول 1950 ، وبعد مناقشات للمشروعات التي تقدمت بها العديد من الدول والتي كان أحدها مشروعا قصد من خلاله تفسير نصوص الميثاق، فيما يتعلق باختصاصات الجمعية العامة تفسيرا يخولها (في حالة فشل مجلس الأمن الدولي) القيام بالأعمال التي من شأنها حفظ الأمن والسلم الدولي([16])، وقد أصدرت الجمعية العامة قرارا برقم 377 في 3 تشرين الثاني عام 1950 تضمن العديد من المبادئ ، في مقدمتها التأكيد على التزام أعضاء الأمم المتحدة بحل منازعاتهم بالطرق السلمية وأن يسهم الأعضاء الدائميون في مجلس الأمن الدولي (من خلال امتناعهم عن استخدام حق الفيتو) في مساعدة مجلس الأمن على أيجاد الحلول اللازمة للمنازعات ، وأعطى الحق للجمعية العامة بأن تباشر النظر في أية مسألة يعجز مجلس الأمن الدولي عن التوصل إلى إصدار قرار بشأنها بسبب لجوء أحد أعضائه إلى استخدام حق النقض (Veto) ، وقد اصطلح على تسمية هذا القرار بـ (الاتحاد من اجل السلام) ([17]) وقد طبق هذا القرار ومنذ صدوره على العديد من الحالات نذكر منها على سبيل المثال العدوان الثلاثي على مصر 1956، والنزاع بين الهند وباكستان عام 1971، ففي كلتا الحالتين حلت الجمعية العامة محل مجلس الأمن الدولي بسبب عجز الأخير وتقاعسه عن عقد اجتماع أو اتخاذ قرار مناسب([18]).
وتثير المسألة الكورية وما أدت إليه من لجوء الولايات المتحدة الأمريكية عام 1950 إلى الجمعية العامة ، التساؤل الأتي ، ترى لماذا لجأت هذه الدولة (الولايات المتحدة) إلى الجمعية العامة لحل المسألة الكورية في حين نراها اليوم تحاول العكس تماما بل تفعله أي أنها تلجأ إلى مجلس الأمن الدولي لحل المسائل التي تتعلق بمصالحها ؟ ونرى أن الإجابة على هذا التساؤل تكمن في أن الولايات المتحدة لم تعد اليوم تخشى الفيتو (الروسي أو غيره) الذي كان شبحا يطاردها قبل انهيار الاتحاد السوفيتي وما أدى إليه هذا الانهيار من اختلال في توازن القوى ، فروسيا الوريث الفقير للاتحاد السوفيتي غارقة في مشاكلها الاقتصادية والسياسية واستخدامها لحق الفيتو لن يمر دون عقوبات أمريكية أسهلها قطع المساعدات الاقتصادية عنها، أما الدول الأخرى (الدائمة العضوية في المجلس) فلقد ارتضت لنفسها الدوران في فلك الولايات المتحدة، التي فرضت هيمنة مطلقة على العالم ، هذا إذا استثنينا الموقف الصيني الذي يتعامل مع ما يطرح من قضايا في مجلس الأمن من قضايا بحياد مشوب بالحذر ، إن لم يكن الخوف من المارد الأمريكي . وعودة إلى اختصاص الجمعية العامة في حل المنازعات الدولية ، ومن خلال استعراض نصوص بعض المواد الواردة في الفصل السادس من الميثاق يتبين لنا بوضوح أن الميثاق قد أعطى للجمعية العامة الحق في اتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة أي موقف يهدد الأمن والسلم الدولي ، ويمكن القول أن هذه التدابير تتمثل في محاولة أيجاد تسوية سلمية للمنازعات الدولية عن طريق استخدام الوسائل المنصوص عليها في الميثاق ([19]) والمتمثلة بالمفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية والتوصية باللجوء إلى المنظمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيار أطراف النزاع([20]).
الإجراءات المتخذة لتوسيع سلطة الجمعية العامة وتعزيز دورها في تسوية المنازعات الدولية:
ذكرنا أنه وبسبب عجز مجلس الأمن الدولي وفي أحيان كثيرة عن القيام بالمهمة الموكلة إليه (حفظ الأمن والسلم الدوليين) بسبب الاستخدام المتكرر لحق الفيتو وخاصة من قبل الاتحاد السوفيتي ، الأمر الذي أدى إلى تعطيل أحكام الفصلين السادس والسابع من الميثاق وعلى نحو لا يتفق مع روحه (الميثاق) وبالتالي فإن هذا الأمر قد أدى إلى عجز الأمم المتحدة عن صيانة الأمن والسلم الدوليين أو أعادتهما إلى نصابهما عند الإخلال بهما ، لهذا السبب وغيره من الأسباب بدأت تظهر أراء تدعو إلى أيجاد الحلول التي تضمن أعمال نصوص الميثاق بما يجعل المنظمة الدولية قادرة على أداء دورها وتحقيق الغاية التي وجدت من أجلها، وقد اتجهت هذه الآراء إلى تلمس الحل في اختصاصات الجمعية العامة التي هي الجهة الوحيدة التي تشارك مجلس الأمن في حفظ السلم والأمن الدولي أو أعادته إلى نصابه عند اختلاله، فأخذ أصحاب هذا الآراء بدراسة نصوص الميثاق المتعلقة بالجمعية العامة ومجلس الأمن الدولي ويتوسعون في تفسيرها وكان من بين ما ينشدونه القضاء على التمييز بين أعضاء الأمم المتحدة هذا التمييز الذي كرس بشكل واضح في مجلس الأمن الدولي والذي لا يظهر ضمن نطاق الجمعية العامة ، وقد أدت هذه الآراء إلى التوصل إلى نتائج هي :
1. إنشاء الجمعية الصغرى .
2. إنشاء لجنة مراقبة السلم .
3. إنشاء لجنة الإجراءات الجماعية .
4. إصدار قرار الاتحاد من اجل السلام ، والذي ذكرناه سابقا .
أما ما يتعلق بإنشاء الجمعية العامة الصغرى فهو مقترح تقدمت به الولايات المتحدة الأمريكية في الدورة الثانية لانعقاد الجمعية العامة غير أن الهدف الرئيسي للولايات المتحدة كان يتمثل بمحاولة تحقيق مصالحها الاستعمارية عن طريق الجمعية العامة حيث كانت تفرض الولايات المتحدة سيطرتها على الجمعية العامة فيما كان الاتحاد السوفيتي يعرقل مصالحها في مجلس الأمن باستخدامه المستمر للفيتو ، وقد واجه المقترح الأمريكي اعتراضا من قبل الاتحاد السوفيتي ودول أوربا الشرقية باعتباره يخالف أحكام الميثاق ويهدف إلى سلب اختصاص مجلس الأمن الدولي ، وبعد جلسات عديدة أنشئت الجمعية الصغرى في 13 تشرين سنة 1947([21]) ويذهب أستاذنا الدكتور محمد طلعت الغنيمي إلى أن هذه الجمعية ما زالت قائمة من الناحية القانونية ، وذلك لأن الجمعية العامة قد قررت تجديدها وبدون تحديد أجل وذلك في تشرين الأول 1949 ، وقد قاطعها الاتحاد السوفيتي والدول الشيوعية الأخرى مما جعلها من الناحية العملية متوقفة عن الانعقاد وأدى إلى تجميد نشاطها([22]).
أما لجنة مراقبة السلم فقد تم إنشاؤها بقرار من الجمعية العامة عام 1950 وذلك بسبب عجز مجلس الأمن الدولي عن القيام بواجباته في حفظ السلم والأمن الدوليين نتيجة استخدام حق الفيتو وتتولى هذه اللجنة مراقبة الوضع في أية منطقة يوجد فيها ضغط من الممكن أن يؤدي استمراره إلى تهديد السلم والأمن الدوليين وقد أعطيت لمجلس الأمن صلاحية استخدامها وفقاً للميثاق غير أن هذه اللجنة فشلت في أداء مهمتها في المسألة الكورية، كذلك لم تقم بواجبها بمراقبة الحدود الشمالية لليونان عام 1954 بسبب طلب الأخيرة انسحابها من الحدود (انسحاب اللجنة) ، كما اعترض مجلس الأمن على طلب تايلند قيام اللجنة بمراقبة حدودها مع كمبوديا ولاوس عام 1954 وهكذا أصبحت اللجنة بدون فائدة([23])، أما لجنة التدابير الجماعية فقد أنشأتها الجمعية العامة عام 1950 وأوكلت لها مهمة تقديم تقرير إلى مجلس الأمن والجمعية العامة في موعد أقصاه الأول من أيلول عام 1951 على أن يتضمن تقريرها افضل السبل الكفيلة بحفظ الأمن والسلم الدوليين طبقا للمادتين 51،52 من الميثاق بشأن الدفاع الذاتي والتنظيمات الإقليمية وكان عدد أعضاء هذه اللجنة أربعة عشر عضوا ، وقد أنجزت هذه اللجنة أعمالها وقدمت تقريرها إلى الجمعية العامة([24]).
المطلب الثاني: دور مجلس الأمن الدولي في تسوية المنازعات الدولية
يتمتع مجلس الأمن الدولي من بين أجهزة الأمم المتحدة وبموجب الميثاق بسلطات على قدر كبير من الأهمية نتيجة اضطلاعه بتحقيق الهدف الأساسي الذي أنشئت من اجله المنظمة الدولية ، والمتمثل بحفظ الأمن والسلم الدوليين ، والمنازعات الدولية شانها شأن المسائل الدولية الأخرى ، إحدى العوامل التي من الممكن أن تزعزع الأمن والسلم في العالم ، إذا لم تتم تسويتها بطرق سلمية ضمانا لعدم تفاقمها واحتمالات تحولها إلى حروب وما تجره من ويلات ومآسي ، لقد تضمن الفصل السادس من الميثاق النصوص التي تتعلق باختصاصات المجلس وسلطاته فيما يتعلق بالحل السلمي للمنازعات ، فإذا ما وجد المجلس نزاعا من شأنه أن يعرض الأمن والسلم الدوليين للخطر فإنه يطلب من أطراف النزاع العمل على حله بطريق المفاوضات المباشرة والتحقيق …الخ ، فأطراف النزاع هي الأدرى بطبيعته ومن ثم هي الأدرى بوسائل تسويته ، ولا يحق للمجلس أن يفرض على الدول المتنازعة طريقة معينة لتسوية منازعاتها ، إن القول أن وظيفة مجلس الأمن الدولي أن يعنى بأمر أي نزاع من الممكن أن يعرض الأمن والسلم الدوليين للخطر لا يعني أن المنظمة الدولية (الأمم المتحدة) لا تعير أهمية للمنازعات القليلة الأهمية أو الهيمنة للخطر ، بل أن ما يفهم مما ورد في الفصل السادس من أحكام ، هو ترك الفرصة وإتاحتها لأطراف النزاع لحله بما يرونه من الوسائل المناسبة ، وذلك تطبيقا لما التزم به الأعضاء من الفقرة الثالثة من المادة الثانية من الميثاق([25])، والسؤال الذي يرد هو متى يعد النزاع الدولي مهددا للأمن والسلم الدوليين ؟ الحقيقة أن الميثاق لم يحدد الضوابط التي من خلالها يمكن الحكم على النزاع بأنه يشكل تهديدا للأمن والسلم الدوليين ، فالمسألة مسالة تقدير ليس إلا ، وقد جرى العمل في مجلس الأمن الدولي على الاعتماد على ادعاءات الأطراف ، بل الاكتفاء بإدعاء أحدهما ، وليس من الضروري أن يكون النزاع بين دولتين متكافئتين من حيث القوة ، لكي يصدق عليه القول أنه يشكل خطرا أو تهديدا للأمن والسلم الدوليين ، كما قد يعتقد البعض على اعتبار أنه في حالة عدم وجود تكافؤ في موازين القوى بين الأطراف المتنازعة فالسلم والأمن لا يكونان مهددان ، لأن الطرف القوي يكون في موقف يستطيع من خلاله أن يملي موقفه على الطرف الضعيف الذي يقف عاجزا عن أن يحارب الطرف القوي ، ومجلس الأمن يمارس اختصاصه فيما يتعلق بالمنازعات الدولية على مرحلتين ، ففي المرحلة الأولى يقوم المجلس بكل ما من شأنه التأكد من أن النزاع يشكل تهديدا أو خطرا على الأمن والسلم الدوليين ، وتتطلب هذه المسألة دراسة عميقة ودقيقة ، أما المرحلة الثانية فتستند على ما خوله الميثاق للمجلس في المادة الرابعة والثلاثون من سلطات بفحص النزاع وما إذا كان استمراره يشكل خطرا وتهديدا للأمن والسلم الدوليين ، وقد تتطلب هذه المهمة تشكيل لجان للتحقيق أو التوفيق([26]) ومن الأمثلة الحديثة على تشكيل لجان التحقيق ما تم من مشاورات في مجلس الأمن للوصول إلى إصدار قرار بإرسال لجنة دولية للتحقيق في المجازر التي ارتكبتها القوات الصهيونية في مخيم جنين بحق العشرات بل المئات من المدنيين الفلسطينيين اثر اجتياح القوات الصهيونية للأراضي الخاضعة للسلطة الوطنية الفلسطينية ، غير أن المجلس ونتيجة للضغوط الأمريكية المتمثلة بالتهديد باستخدام الفيتو (ضد أي قرار يصدر ضد الكيان الصهيوني) اضطر إلى إصدار قرار أوكل بموجبه للأمين العام للأمم المتحدة مهمة تشكيل لجنة تقصي الحقائق (بدلا من لجنة التحقيق) وقد رفض الكيان الصهيوني أيضا بعد تشكيل اللجنة استقبالها ، وهذا الأمر اضطر الأمين العام في النهاية إلى إصدار قرار بحل هذه اللجنة .
أن القول أن مجلس الأمن الدولي يتمتع بسلطة تقديرية عند نظره المنازعات لا يلغي أبداً الشروط الواجب توافرها في النزاع لكي تنطبق عليه صفة النزاع الدولي ، وتتمثل هذه الشروط كما سبق وأن ذكرناها في الفصل الأول ، بوجود ادعاءات متناقضة بين الأطراف وأن تكون هذه الادعاءات متمثلة بالاختلاف حول مسألة معينة من الواقع أو القانون وأن تكون الادعاءات مستمرة عند عرض النزاع على المجلس ، وأن يكون من شأن استمرار هذا النزاع تعريض الأمن والسلم الدوليين للخطر([27]) ، ولا يشترط اللجوء إلى المجلس عن طريق أحد الأطراف (أطراف النزاع) مع انه الحالة الأكثر شيوعا ، بل أنه قد تطلب أطرافا غيرهم من مجلس الأمن الدولي النظر في النزاع ، والأمثلة على ذلك عديدة ، منها اجتماع مجلس الأمن عام 1980 للنظر في النزاع المسلح بين العراق وإيران بعد أن طلبت ذلك كل من المكسيك والنرويج وهما ليستا طرفاً في النزاع ، أن اللجوء إلى مجلس الأمن قد يكون أحيانا إلزاميا وذلك عندما تفشل الوسائل السلمية التي وردت في المادة (33) من الميثاق في حل النزاع ، أو عندما تجمع الدول الأطراف في النزاع على طلب عرضه على المجلس ، كما أن الدول غير الأعضاء في المنظمة الدولية بإمكانها اللجوء إلى مجلس الأمن في حالة إذا كانت طرفا في نزاع معين شرط ان تعلن سلفا قبولها بالتزامات التسوية التي وردت في الميثاق ، وعندئذ يصبح وضع هذه الدولة مشابها لوضع الدول الأعضاء ، ولقد خول الميثاق المجلس نوعين من الاختصاصات فالأول وقائي ويمثل التدخل بصورة غير مباشرة وذلك بهدف كبح جماح النزاع والحيلولة دون تفاقمه ، أما الثاني فيسمح للمجلس باتخاذ إجراءات القمع بعد أن يستنفذ الوسائل السلمية وفي هذه الحالة يعد التدخل علاجيا أو تأديبيا ([28]) .
أن مسألة عرض النزاع على المجلس لا تعني إدراج النزاع على جدول أعماله بل أن القرار في ذلك يعود إلى المجلس فهو الذي يقرر ( بتسعة أصوات) هذه المسألة([29])، فعند انعقاد المجلس فإن أول أمر يتخذه هو إقرار جدول الأعمال ، وأحيانا قد يثور خلاف بين الأعضاء على جدول الأعمال وبنوده ، وللفترة من عام (1945-1970) انعقد المجلس (1526) مرة دون اعتراض على جدول الأعمال المؤقت إلا في ستة حالات أربعة منها كان الاعتراض على جدول الأعمال خلال السنوات الأولى من تأسيس المنظمة وفي جميع الحالات الستة كانت تثور هناك خلافات بين الأعضاء بسبب مسائل إجرائية أو موضوعية ، وكان القرار أما بعدم اعتماد جدول الأعمال المقترح أو تأجيل الاجتماع وأدناه حالتين من الحالات التي حصل خلاف فيها على جدول أعمال مجلس الأمن الدولي([30]):
1. في آب عام 1948 حصل اعتراض من المندوب الأمريكي على جدول الأعمال عندما انعقد مجلس الأمن للنظر في مسألة النزاع الهندي – الباكستاني وكذلك القضية الفلسطينية، وقد برر المندوب الأمريكي موقفه بأنه سبق وأن تم الاتفاق المجلس على عد م انعقاده (المجلس) في نيويورك (الجمعية العامة كانت توشك أن تنعقد في باريس) ما لم تكن المسألة المدرجة على جدول الأعمال من الأمور العاجلة ولا تتحمل التأجيل وان هاتين المسألتين أي النزاع الهندي الباكستاني والقضية الفلسطينية ليستا عاجلتين (حسب رأي المندوب الأمريكي) وعلى ذلك لم يقر جدول الأعمال بعد التصويت عليه بواقع صوتين ضد تسعة أصوات متحفظة.
2. في 20 آب 1969 دعي المجلس للانعقاد وبطلب من الحكومة الايرلندية وبصفة عاجلة للنظر في الموقف في المناطق الايرلندية ، وقد اعترض مندوب بريطانيا على أدراج هذه المسألة على جدول أعمال المجلس ، وبنى اعتراضه على أساس أن الوضع في هذه المناطق (الايرلندية) هو مسألة داخلية لا يجوز مناقشتها في المجلس ، وتجنبا لهذا الخلاف الإجرائي ، اقترح مندوب زامبيا رفع الجلسة وحصلت الموافقة بالإجماع على المقترح دون التصويت على جدول الأعمال . ولا بد أن نشير إلى أنه قد يحصل لدى البعض خلطا بين مفهومي النزاع والموقف وسنتناول ذلك فيما يأتي :
النزاع والموقف والفرق بينهما : نصت المادة (34) من ميثاق الأمم المتحدة أنه (لمجلس الأمن أن يفحص أي نزاع أو أي موقف قد يؤدي إلى احتكاك دولي أو قد يثير نزاعا لكي يقرر ما إذا كان استمرار هذا النزاع أو الموقف من شأنه أن يعرض للخطر حفظ السلم والأمن الدولي)([31])، أن أيراد كلمتي نزاع أو موقف في المادة المذكورة يعني بالتأكيد أن هناك فرقا بينهما ويتأكد ذلك أيضا من خلال فهم ما ورد في المادة (27) من الميثاق التي قررت امتناع من كان طرفا في نزاع معروض على مجلس الأمن عن الاشتراك في التصويت عندما يتخذ المجلس قرارات طبقا لأحكام الفصل السادس أو المادة (52/3) من الميثاق ، بحيث أنه يفهم من كل ذلك أن من كان طرفاً في نزاع وعرض على المجلس فليس له حق الاشتراك في التصويت أما من كان طرفا في موقف فلا ينطبق عليه الشرط السابق ، إذن فالفرق بين النزاع والموقف يكمن في طبيعة كل منهما أو درجته ، ويذهب بعض الكتاب إلى أن الأمرين هي مسألة واحدة فحين تتم مناقشة خلاف بين دولتين أو أكثر ويتعذر حل هذا الخلاف بالطرق المتبعة في المادة (33) من الميثاق (المفاوضة والتحقيق والوساطة … أو اللجوء إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل التي يقع عليها اختيارها ،، هنا يرتقي إلى مرتبة أعلى من مجرد خلاف بسيط وهي مرتبة الموقف وبذلك يمكن تعريف الموقف بأنه (درجة من درجات يظهر فيها التمييز وتكوين فكرة شبه كاملة عن الخلاف)، فإذا ادعت دولة ادعاء ما ضد دولة أخرى وأنكرت الأخيرة هذا الادعاء كانت المسألة نزاعاً يحمل معنى الخصومة ، أما في حالة الموقف فإن المسألة تنطوي على مشكلات سياسية تتعلق بمصالح عدة دول أو المجتمع الدولي برمته أكثر من اتصالها بأطراف معينة بالذات ، وقد اعتمدت الجمعية العامة في 15 تموز عام 1948 تقريرا قدمته الجمعية المصغرة تعتبر فيه صحة النزاع متوفرة في الأحوال الآتية:
1. حالة ادعاء دولة أو عدد من الدول أن هناك دولا خرقت التزاماتها الدولية أو قامت بعمل يهدد السلم والأمن الدولي وإنكار الدولة أو الدول المشكو منها هذا الإدعاء .
2. حالة ادعاء دولة أن دولة أخرى أخلت بحقوق دولة ثالثة أو بإقرار هذه الأخيرة لهذا الادعاء فتعتبر طرفا في النزاع .
3. حالة الاتفاق بين الأطراف المعنية على وجود نزاع .
وقد أثيرت عدة أراء حول مسألة تكييف الخلافات بين الدول إذ تبنت بريطانيا رأيا مؤداة أن إنكار الدولة لاتهام يوجه لها يخلع عليه صفة النزاع أي أنه يجب أن يكون هناك اتهام وأن يكون هناك إنكار لهذا الاتهام حتى يمكن القول بوجود نزاع أما إذا كان هناك اتهام لدولة ما ، واعترفت بهذا الاتهام ، فتكون أمام موقف ، وقد أكدت هولندا على ضرورة الأخذ برأي الدولة المعنية والاعتداد به ، بحيث إذا قررت الدولة وجود نزاع فإنه يتعين الاعتراف للموضوع بهذه الصفة ، فيما كان رأي الاتحاد السوفيتي السابق يقتضي بأن إطلاق مصطلح موقف أو نزاع على أية مسألة يقتضي اعتبار تلك المسألة موضوعية ، وبالتالي فإن على المجلس أن ينظر في تحديدها وذلك عن طريق التصويت([32]).
وهناك مسألة مهمة تتعلق بالمنازعات القانونية وهي أن على مجلس الأمن وهو يقدم توصياته أن يراعي أن المنازعات القانونية يجب على أطرافها أن يعرضوها على محكمة العدل الدولية([33])، ومن الحالات العملية التي طبقت في هذا المجال القرار الذي أصدره مجلس الأمن في 9 نيسان 1947 والمتعلق بقضية (مضيق كورفو) والذي أوصى فيه أن تقوم كل من ألبانيا والمملكة المتحدة يعرض نزاعهما على محكمة العدل الدولية([34])، هذه المحكمة التي أكد الميثاق أنها الجهاز القضائي للأمم المتحدة ، إذ نصت المادة (92) على أن (محكمة العدل الدولية هي الأداة القضائية الرئيسة للأمم المتحدة ، وتقوم بعملها وفق نظامها الأساسي الملحق بهذا الميثاق وهي مبنية على النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية وجزء لا يتجزأ من الميثاق)([35]).
الإجراءات التي يتخذها مجلس الأمن الدولي في حالة وجود نزاع دولي يهدد الأمن والسلم الدوليين : تضمن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة العديد من الإجراءات التي من الممكن ان يتخذها مجلس الأمن الدولي إذا وقع تهديد للأمن والسلم الدوليين ، وعلى المجلس قبل ان يتخذ أي إجراء ان يقرر فيما إذا كانت المسألة تشكل تهديد للأمن والسلم أو إخلالاً به وذلك طبقاً للمادة (39) من الميثاق والتي تخول المجلس سلطة تقديرية لا حدود لها في تقرير الحالات التي يرى المجلس أنها تشكل تهديداً للأمن والسلم الدوليين([36])، إذ أن الميثاق كما ذكرنا سابقاً لم يضع معياراً أو ضابطاً للأعمال التي تعتبر عند وقوعها مهددة للسلم أو مخلة به كما أن الميثاق لم يضع تعريفاً للعدوان يمكن من خلاله الاسترشاد عند ممارسة المجلس لاختصاصاته وفقاً للفصل السابع من الميثاق ، ويبدو أن واضعي الميثاق قد تعمدوا صياغته بطريقة تمكن الدول الكبرى من أن تتحكم بمجلس الأمن بما يمكنها من تحقيق أهدافها ومصالحها.
إن مسألة إصدار أي قرار من مجلس الأمن الدولي في النزاعات التي تهدد الأمن والسلم الدوليين تعتبر مسألة موضوعية وبالتالي ينبغي أن يتخذ القرار بأغلبية تسعة أصوات من بينها أصوات الأعضاء الدائمين متفقة([37])، ووفقاً للمادة الخامسة والعشرون من الميثاق فإن القرار والحالة هذه عندما يصدر يكون ملزماً للدول الأعضاء في الأمم المتحدة ، لأن الأعضاء قد تعهدوا بقبول قرارات المجلس وتنفيذها طبقاً للميثاق ، ولقد أوضحت المادة الأربعون من الميثاق إن لمجلس الأمن الدولي ومنعاً لتفاقم الموقف أن يدعو المتنازعين للأخذ بما يراه ضرورياً أو مستحسناً من تدابير مؤقتة ، والدعوة كما هو معلوم ليست ملزمة فقد تلبى من قبل المتنازعين أوقد ترفض ، على الرغم من أن لها في ذاتها قوة سياسية كبيرة، كونها تمثل تعبيراً عن الرأي العام العالمي ، فالتوصية إذن تختلف عن القرار والذي يتضمن قوة الإلزام في ذاته في حين أن التوصية لا تتضمن هذا المعنى ، غير إن التوصية تصبح ملزمة إذا أعلنت الهيئة أو الدولة التي وجهت إليها قبولها لها ، ووفقاً لذلك يرى كوجنفنيكوف إن التوصيات التي تتخذها الجمعية العامة بالإجماع تعتبر ملزمة([38])، أما عندما تصدر التوصية بالأغلبية فلا تكون ملزمة إلا للدول التي وافقت عليها([39])، لقد أشارت المادة الأربعون من الميثاق إلى العديد من التدابير المؤقتة شرط أن لا تخل هذه التدابير بحقوق المتنازعين([40]) ، ومن الأمثلة عن ذلك قرار مجلس الأمن الدولي في تشرين الأول عام 1953 الذي تضمن وقف العمل في المنطقة المنزوعة السلاح بين سوريا والكيان الصهيوني أثناء نظر المجلس في الشكوى المقدمة من قبل سوريا ضد الكيان الصهيوني ، إذ قضى القرار المذكور أن وقف العمل يجب ان لا يضر بمطالب وأوضاع الطرفين ، وقد وردت الشكوى السورية على اثر قيام الكيان الصهيوني بتحويل مجرى نهر الأردن ، كما قد يكون من التدابير المؤقتة دعوة المجلس لأطراف النزاع بإبرام هدنة كما في القرار الذي أصدره المجلس في 16 تشرين الثاني عام 1948 والذي طلب منه من أطراف النزاع في فلسطين إلى عقد اتفاق هدنة ، كإجراء مؤقت طبقاً للمادة أربعين من الميثاق وعندما يدعو المجلس في توصية له أطراف النزاع إلى مسألة معينة ويفشل المجلس في تنفيذ التوصية فإنه قد يلجأ إلى اتخاذ تدابير قهرية تحت نطاق المادتين 41 ، 42 من الميثاق هاتين المادتين المتضمنتان نوعين من التدابير ، تدابير غير عسكرية كوقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية وقطع العلاقات الدبلوماسية وعندما لا تفلح هذه التدابير فأن المجلس يتخذ التدابير العسكرية وذلك بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية لحفظ الأمن والسلم الدوليين أو إعادتهما إلى نصابهما.
المطلب الثالث : تقييم دور الأمم المتحدة في تسوية المنازعات الدولية
أعطى مؤسسو الأمم المتحدة في عام 1945 الانطباع بأنهم كانوا يبحثون عن تجسيد آمال وطموحات العالم الذي كان على وشك تحرير نفسه من المخاوف التي خلفتها الحرب ، تلك الحرب التي كانت نتاجاً لعدوان لا مبرر له ، وتحديا للقانون الدولي وحقوق الإنسان ، وميثاق الأمم المتحدة بما يحمله من تحديدات وأحكام انتقالية ، كان مشروعاً لدليل نحو نظام عالمي جديد ، غير ان الأمور لم تيسير على ما يرام فلقد تباين دور الأمم المتحدة وما تؤديه على طريق إحلال الأمن والسلم من فترة زمنية لأخرى وتبعاً للظروف الدولية ، ومن المؤكد أن دور الأمم المتحدة في تسوية المنازعات الدولية قد تباين هو الآخر من مرحلة لأخرى ولهذا سوف نتناول تقييم هذا الدور ضمن مرحلتين مهمتين في حياة الجماعة الدولية ونعني بهما فترة الحرب الباردة والفترة التي تلتها بانهيار الاتحاد السوفيتي وغياب التوازن الدولي الذي كان له الأثر الكبير على مجريات العلاقات الدولية .
أولاً. تقييم دور الأمم المتحدة في تسوية المنازعات الدولية خلال فترة الحرب الباردة
يرى بعض الفقهاء أن قياس نجاح الأمم المتحدة في جهودها لتحقيق الأهداف التي أوجدت من اجلها يتم في ضوء أمرين ، أولهما استجابة الدول الأعضاء وخاصة الدول الأطراف في النزاعات لقرارات المنظمة الدولية ووضع هذه القرارات موضع التنفيذ ، والثاني فاعلية هذه القرارات ليس فقط في تحقيق ما توخته من أغراض خاصة ، بل أيضاً في تحقيق ما قامت عليه الأمم المتحدة من أغراض ومقاصد ولاسيما ما يتعلق بصيانة السلم والأمن الدوليين وإقامة علاقات ودية بين الدول ، وبالنسبة للجمعية العامة فأن معيار الاستجابة لقراراتها هو قيام الأعضاء المعنيين أو مجموعة أعضاء الجمعية العامة أو كليهما بتنفيذ ما تطلبه الجمعية وتوصي به ، أما فاعلية القرارات فهو عدم الاقتصار على إنجاز أغراض معينة، بل توسيع هذا الإنجاز بإحداث تأثير في سياسات رجال السياسة المعنيين في إنهاء الخلاف القائم ، وللفترة من عام 1946 إلى 1962 أصدرت الجمعية العامة تسعة وعشرين قراراً بشأن العديد من المسائل الهامة التي عرضت عليها ، ولقد نجحت الجمعية على حل أنواع كثيرة من المنازعات الدولية ولو من غير طريق الإلزام إذ كانت الجمعية تحاول التوصل إلى تسوية للنزاعات عن طريق التوفيق دون ممارسة أي ضغط عل أي من أطرافها([41])، كما كان التحقيق يساهم في تخفيف التوترات وتجنب قيام نزاع دولي، وقد أعترف بهذه الوسيلة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها المرقم (د-18) المؤرخ في كانون الأول 1963 وموضوعه (مسألة طرق استقصاء الوقائع) إذ أعربت الجمعية العامة في هذا القرار عن اعتقادها في إمكانية فض المنازعات بطريقة سلمية دون قيامها بتقرير إجراء حيادي لاستقصاء الوقائع في إطار المنظمات الدولية وفي الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف، كما كانت الجمعية العامة تحث الدول التي تدخل في منازعات على حلها عن طريق المفاوضات ، وتعتبر المفاوضات من أكثر الوسائل التي أوصت بها الجمعية العامة ويعد قرار الجمعية العامة المرقم 40/9 في 6 تشرين الثاني 1985 من القرارات الهامة التي ناشدت من خلالها الجمعية العامة الدول المتنازعة على حل خلافاتها عن طريق المفاوضات والوسائل السلمية الأخرى([42]) وقد ساهمت الجمعية العامة في تخفيف حدة التوتر خاصة عندما كانت الأمور تتأزم في مجلس الأمن الدولي بين الدول الكبرى بسبب لجوء أحدها إلى استخدام حق النقض (الفيتو) وما كان يؤدي إليه هذا الاستخدام من خلافات داخل المجلس وقد كان قرار الاتحاد من أجل السلم الذي اتخذته الجمعية العامة عام 1950 أبان الحرب الكورية أساساً للعديد من القرارات التي اتخذت في وقت لاحق عندما فشل أيضاً مجلس الأمن الدولي في التوصل إلى اتفاق حول العديد من المسائل كما حصل في مشكلة تأميم قناة السويس وما أدت إليه من عدوان ثلاثي على مصر عام 1956 كذلك أزمة الكونغو عام 1960 والنزاع بين الهند وباكستان عام 1971 ففي جميع هذه الحالات حلت الجمعية العامة محل مجلس الأمن الدولي بسبب تقاعسه عن عقد اجتماع أو اتخاذ قرار مناسب .
لقد كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة الوعاء الأمثل للدبلوماسية على خلاف مجلس الأمن إذ أنه (مجلس الأمن) وبسبب طبيعة تشكيله وعدم وقوف الأعضاء على قدم المساواة سواء في مدة العضوية أو في سلطة الاعتراض على القرارات الموضوعية وبحكم طبيعة الاختصاصات المخولة للمجلس باعتباره الجهاز التنفيذي للأمم المتحدة لكل هذه الأسباب كانت الدبلوماسية تمارس على نطاق ضيق في المجلس([43])، ومع ذلك فإن مجلس الأمن الدولي قد نجح في حل العديد من الأزمات ونزع فتيلها في أوقات حرجة كما حصل في حصار برلين (1949) وأزمة القذائف الكوبية (1962) كما نجح المجلس في إرسال قوات حفظ السلام إلى العديد من مناطق الصراعات إلا أن محاولة القوى الكبرى وسعيها إلى حماية مصالحها كانت تعرقل دور المجلس في حل المنازعات وكانت تلجأ لتحقيق هذه الغاية إلى (الفيتو) كما ذكرنا أو ما يسمى (قوة الفيتو المزدوجة) والتي يتم بموجبها تحديد ما إذا كانت الحالة تستوجب استعمال الفيتو أم لا ، كما إنها (الدول الكبرى) تملك الصوت الحاسم لتقرير ما إذا كانت المسألة المطروحة في المجلس ذات طبيعة (إجرائية) أو (جوهرية) وما إذا كانت تمثل (نزاعاً) أو (موقفاً) ، فإذا كانت نزاعاً فأنه لا يحق للدولة التي هي طرف في النزاع الاشتراك في التصويت ، والقرار المقترح ذو تأثير على التسوية السلمية لهذا النزاع ، ويبدو للوهلة الأولى أن هذه القاعدة قابلة للتطبيق بصورة متساوية بين الأعضاء الدائميين وغير الدائميين ، غير أن المسألة ليست كذلك ، فأي عضو دائم يزعم أنه طرف في نزاع قد ينكر وجود نزاع أصلاً كما أنه قد يدعي أنه ليس طرفاً فيه ومن ثم يستطيع أن يمارس حق التصويت ، كما أن الامتناع عن التصويت لا ينسحب على الإجراءات التنفيذية بل يسرى فقط على القرارات الخاصة بالتسويات السلمية ، وأن جميع القرارات في المسائل الجوهرية خاضعة (للفيتو) الذي يتمتع به الأعضاء الدائمون فقط ، ومن جهة أخرى فأن ومن منطق العدالة يجب أن يكون من المفروض أن يقوم الطرف الضالع في نزاع أو خلاف بإنكار ذلك النزاع أصلاً ، وهكذا فإن المبدأ الأساسي من مبادئ القانون الذي ينص على (أن أي طرف في نزاع أو خلاف لا يحق له أن يكون قاضياً) قد ضرب عرض الحائط([44])، ومع كل ما ذكرناه فأن توازن القوى أبان فترة الحرب الباردة وقبل انهيار الاتحاد السوفيتي كان يسهم والى درجة ما في العمل على الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين وإيجاد التسويات السلمية للمنازعات الدولية .
ثانياً. تقييم دور الأمم المتحدة في تسوية المنازعات الدولية بعد انتهاء الحرب الباردة
الأحداث لا تقع فجأة ، فالتراكمية والشمولية تحتويها ، وما حدث في العالم خلال التسعينات ليس استثناءً من كل هذا ، وانهيار الاتحاد السوفيتي كان الحادث الأبرز ، سواء من حيث سرعته المذهلة أو نتائجه التي قلبت كل الموازين([45])، هذا الحدث الذي أثر بشكل أو بآخر على دور الأمم المتحدة وأداؤها لواجباتها في مختلف المجالات وعلى شتى الأصعدة ، وبديهياً أن يكون التأثير أيضاً على دور الأمم المتحدة في تسوية المنازعات الدولية قانونية كانت أم سياسية ، فالعالم اليوم في ظل قطب واحد ، إذ تتربع الولايات المتحدة الأمريكية على راس أكثر الأنظمة هيمنة وقوة ، وما زال العالم الثالث هذا التعبير القاسي الذي يستعمله الغرب عند رغبته في عقاب دولة من دول العالم الثالث تحاول الخروج عن طوعه ، ما زال هذا العالم يعاني المرار على أيدي الدول الكبرى ، ورغم أن ميثاق الأمم المتحدة قد ينجح في منع الدول الصغرى من الاعتداء على بعضها البعض لكنه يقف في الوقت عينه عاجزاً عن أن يمنع الدول الكبرى من أن تلحق الأذى بالدول الصغرى ، فغدا هذا الميثاق سوطاً يجلد ظهور الضعفاء ورخصة في يد الأقوياء([46]).
أننا نرى أن غياب التوازن الدولي وغياب أحد القطبين المهمين لهذا التوازن ونعني به انهيار الاتحاد السوفيتي السابق له أثره البالغ على الوضع الدولي برمته ، وأن من أخطر تأثيراته على تسوية المنازعات الدولية في الأمم المتحدة هو الانحراف الخطير لمجلس الأمن الدولي في ممارسة سلطاته ممن خلال قراراته التي بدأ ومن خلالها (وبتأثير من الولايات المتحدة الأمريكية) يتدخل في أمور ليست من اختصاصه ، فميثاق الأمم المتحدة صريح جداً في أن مهمة مجلس الأمن هي حفظ الأمن والسلم الدوليين ، واتخاذ التدابير اللازمة لتحقيق هذه المهمة ، وعندما يكون النزاع قانونياً فعلى المجلس أن يراعي أن على أطرافه أن يعرضوه على محكمة العدل الدولية وفعلاً أنتهج المجلس هذا المبدأ قبل التسعينات، ففي عام 1981 وبالتحديد في الخامس من حزيران قام الكيان الصهيوني بالهجوم بالطائرات على مفاعل تموز النووي العراقي ، وقد عقد مجلس الأمن عدة جلسات حول الموضوع أسفرت في النهاية عن إصدار قراره المرقم 487 في 9 حزيران 1981 أدان بموجبه الكيان الصهيوني وأقر المجلس بحق العراق في تعويض مناسب جراء ما لحق المفاعل من تدمير بسبب العدوان، غير أن المجلس لم يخض في تفاصيل آلية التعويض ونسبه، وكان المجلس (مجلس الأمن الدولي) قد فعل الشيء نفسه في قراره المرقم (387) عام 1976 ، بعد عدوان جنوب أفريقيا على أنغولا ، إذا أشار المجلس إلى حق أنغولا في التعويض عن الأضرار التي لحقتها من جراء العدوان دون الخوض في تفاصيل التعويض([47])، غير أن المجلس قد خالف هذه القاعدة في قرارات أصدرها بعد عام 1990 ، فقد أصدر المجلس قراره المرقم 692 في 20 أيار 1991 نص بموجبه على تعويض ضحايا الحرب عن الأضرار الناجمة عن دخول العراق للكويت ، ثم أصدر المجلس في شهر آب عام 1991 قراره المرقم 705 حدد بموجبه نسبة التعويضات التي يتعين على العراق دفعها بـ (30%) من قيمة صادرات النفط السنوية([48])، فما هو التفسير في هذا التناقض في قرارات المجلس الخاصة بالتعويض بين القرارات التي أصدرها فيما يتعلق بعدوان جنوب أفريقيا على أنغولا وعدوان الكيان الصهيوني على مفاعل تموز النووي العراقي وبين القرارات التي أصدرها المجلس فيما يتعلق بالتعويضات في موضوع العراق والكويت ، خاصة إذا علمنا أن مسائل التعويض ونوعه ومداه هي في صلب اختصاص محكمة العدل الدولية طبقاً للفقرة الثانية من المادة السادسة والثلاثون للنظام الأساسي للمحكمة المذكورة([49]).
إن مراجعة سريعة للقرارات التي اتخذها مجلس الأمن الدولي خاصة فيما يتعلق بالوضع بين العراق والكويت تؤكد وبشكل لا يقبل الشك مدى هيمنة الدول الكبرى وبالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية على أهم جهاز في المنظمة الدولية (مجلس الأمن الدولي) وتسخيره لخدمة مصالحها خاصة بعد غياب التوازن الدولي وانتهاء الحرب الباردة بانهيار الاتحاد السوفيتي ، فلو رجعنا إلى القرارات التي أصدرها المجلس فيما يتعلق بترسيم الحدود بين العراق والكويت فإننا نرى ان المجلس قد اصدر قراره المرقم (660) في 2 آب 1990 والذي يقضي بانسحاب العراق من الكويت والبدء فوراً بمفاوضات مكثفة لحل الخلافات بينهم([50]) ، ومن المؤكد أن مسألة الحدود هي إحدى أهم الخلافات بين الطرفين أي أنه ووفقاً للقرار المذكور كان يجب ان تترك مسائل الحدود للمفاوضات بين الطرفين ، إلا إن المجلس عاد واتخذ القرار المرقم (687) في 3 نيسان 1991 قضى بموجبه قيام الأمين العام للأمم المتحدة بتشكيل هيئة لترسيم الحدود بين العراق والكويت وفعلاً تم تشكيل الهيئة المذكورة في 2/5/1991 من ممثل واحد عن كل من العراق والكويت وثلاثة خبراء مستقلين وسكرتير للهيئة ، وبعد (82) اجتماعاً عقدتها الهيئة في كل من جنيف ونيويورك قدم رئيسها تقريراً للأمين العام في 20/5/1993 ضمنه النتائج النهائية لعمل الهيئة وارفق به خارطة توضح ترسيم الحدود بين العراق والكويت ، وقد عرض الأمين العام هذا التقرير على مجلس الأمن الدولي والذي أصدر بدوره القرار المرقم (833) لعام 1993 وفقاً للفصل السابع من الميثاق وصادق بموجب هذا القرار على تقرير الهيئة وأكد بأن قراراته بخصوص الحدود هي نهائية ، وبهذا يكون المجلس قد أكد مرة أخرى تعسفه في استخدام سلطاته وتدخل في مسألة ليست من اختصاصه ، ولقد أعترف الأمين العام السابق للأمم المتحدة (د. بطرس بطرس غالي بأنه ولأول مرة تتدخل الأمم المتحدة من خلال قراراتها في مسائل تخطيط الحدود ، وقد ورد ذلك الاعتراف في التقرير الذي قدمه الأمين العام إلى الدورة الثامنة والأربعين للجمعية العامة في أيلول عام 1993([51]).
أن التجربة الإنسانية تخبرنا أن كل سلطة تجنح نفسياً إلى أن تفيض عن وعائها فإذا لم يكن هناك قانون يقف في مواجهتها ، سواء كان هذا القانون إلهياً أم وضعياً أو ناموساً أخلاقياً فإنها تفيض لا محالة ، ومن ثم فإن ضررها سيكون حتماً ضرراً بليغاً ، خاصة إذا كانت هذه السلطة تحوز على قدرة مكينه ، ومن هذا المنطلق يغدو الأمر بالغ الخطورة في إساءة مجلس الأمن الدولي لسلطاته والانحراف بها ، إذ قد يتخذ المجلس قراراً معيناً لا يراعي من خلاله الحدود المرسومة له إجرائية كانت أم موضوعية فيرتكب عندئذ خطأ تجاوز السلطة ويكون قراره معيباً ولا يمكن – من هنا – خلع الصفة القانونية أو الشرعية عليه([52]) .
لقد كان الأجدر بواضعي الميثاق أن يتجاوزوا والعيب الواضح فيه ، ونعني انعدام وجود نص يفرض رقابة قضائية إلزامية على قرارات مجلس الأمن الدولي وبما يجعل هذا المجلس يؤدي واجباته على وفق الشكل الذي رسمه الميثاق في حفظ الأمن والسلم الدوليين وصونهما ، وما دمنا قد سلمنا بضرورة وجود رقابة على قرارات مجلس الأمن ، فالتساؤل الذي يمكن أن يثار هو من هي الجهة التي يجب ان تقوم بهذا الدور الخطير وما هي الطبيعة القانونية لهذه الرقابة ؟ والتي يجب أن تكون دقيقة ولا تسمح للمجلس بإصدار قرارات متعسفة متجاوزاً من خلالها صلاحياته المنصوص عليها في الميثاق . كما ذكرنا سابقاً فأن الميثاق لم يتطرق إلى هذه المسألة ، والشيء الذي يقال هنا ، أنه ما دام الميثاق هو الدستور المنشئ للمنظمة والمؤسس لكيانها والذي تستمد منه وجودها وترسم من خلاله أهدافها ، والسبل الكفيلة لتحقيق هذه الأهداف ، وما دامت المنظمة الدولية وفقاً للوصف السابق شخصاً معنوياً من أشخاص القانون الدولي العام ومن ثم يحكمها شأنها شأن هذه الأشخاص مبدأ التخصص فلا يجوز والحالة هذه للمنظمة أو أي جهاز من أجهزتها أن يتصرف خارج الحدود والصلاحيات الممنوحة لها ، كما لا يجوز لها أن تحاول تحقيق غايات لم تنط بها لأنها إذا تصرفت وفقاً لهذا المنهج تكون قراراتها كما أشرنا مشوبة بعدم مشروعيتها([53]) .
أن الحقيقة التي لم يعد يختلف عليها اثنان ، هي ضرورة إناطة مهمة الرقابة على قرارات مجلس الأمن بجهة قضائية ، ونرى ان محكمة العدل الدولية هي الجهة التي يمكن أن تقوم بهذه المهمة ، وهذا الأمر بالتأكيد يتطلب تعديل ميثاق الأمم
ان الحقيقة التي لم يعد يختلف عليها اثنان ، هي ضرورة إناطة مهمة الرقابة على قرارات مجلس الأمن بجهة قضائية ، ونرى ان محكمة العدل الدولية هي الجهة التي يمكن أن تقوم بهذه المهمة ، وهذا الأمر بالتأكيد يتطلب تعديل ميثاق الأمم المتحدة والنظام الأساسي للمحكمة من خلال إضافة نصوص تتضمن خضوع أي قرار يصدر عن مجلس الأمن الدولي أو عن الجمعية العامة للرقابة الإلزامية للمحكمة وإعطاء الحق للدول بأن تستأنف القرارات أمام محكمة العدل الدولية خاصة إذا كانت هذه القرارات تتعلق بمسائل إيجاد حلول نهائية للمنازعات التي تحصل بين الدول أو في المسائل التي تخلق وضعاً دائماً ومستقراً بين الدول خاصة أن الأمم المتحدة ، وتحديداً مجلس الأمن الدولي ، قد أضحى خلال عقد التسعينات أكثر نشاطاً من أي عقد مضى ويتضح ذلك من خلال عدد اجتماعاته ومشاوراته وقراراته ، فعلى سبيل المثال أتخذ المجلس خلال فترة سنة ونصف (من كانون الثاني 1992 إلى آب 1993) ما مجموعة قرار في حين أن المجلس لم يتخذ خلال عام كامل (1987) سوى (14) قرار، كما إننا نرى ضرورة تعديل الفقرة (1) من المادة (36) من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية والتي تعطي الدول وحدها ألحق في أن تكون أطرافاً في الدعاوى التي ترفع للمحكمة ، وإن يتضمن التعديل إعطاء الحق للمنظمات الدولية بأن تكون أطرافاً في الدعاوى المرفوعة أمام المحكمة وإعطاء الحق للدول بمقاضاة المنظمات الدولية . إننا إذ ندعو إلى إجراء التعديلات أعلاه على الميثاق والنظام الأساسي للمحكمة فإننا ندرك أن هذه المسألة (إجراء التعديلات) هي ليست سهلة ، إذ تتطلب العديد من الإجراءات وفقاً للمادتين (108 ، 109) من الميثاق إلا أن ذلك ليس مستحيلاً.
اترك تعليقاً