رقابة مجلس النواب على الإدارة المحلية في ضوء قرار المحكمة الاتحادية العليا التفسيري رقم 80 لسنة 2017
القاضي سالم روضان الموسوي
إن الدستور العراقي اقر مبدأ الإدارة اللامركزية في إدارة المحافظات غير المنتظمة بإقليم وعلى وفق ما جاء في الفقرة (ثانياً) من المادة (122) من الدستور النافذ وعلى وفق النص الآتي (تمنح المحافظات التي لم تنتظم في إقليم الصلاحيات الإدارية والمالية الواسعة، بما يمكنها من إدارة شؤونها على وفق مبدأ اللامركزية الإدارية، وينظم ذلك بقانون) وجعل لها نظام إدارة خاص على وفق قانون المحافظات غير المنتظمة بإقليم رقم 21 لسنة 2008 المعدل، كما جعل لها مجلس محافظة يمثل السلطة التشريعية المحلية للمحافظة ومنح عدة مهام منها تشريعية وأخرى رقابية يمارسها على السلطة التنفيذية في المحافظة المتمثلة بالمحافظ وأجهزة المحافظة الأخرى وعلى وفق الصلاحيات الواردة في القوانين النافذة، واعتبر الدستور النافذ بان الرئيس التنفيذي للمحافظة هو المحافظ وعلى وفق نص الفقرة (ثالثا) من المادة (122) من الدستور التي جاء فيها الآتي (يُعد المحافظ الذي ينتخبه مجلس المحافظة، الرئيس التنفيذي الأعلى في المحافظة، لممارسة صلاحياته المخول بها من قبل المجلس) ويخضع لرقابة مجلس المحافظة وعلى وفق نص المادة (2/أولا) من قانون المحافظات غير المنتظمة بإقليم رقم 21 لسنة 2008 المعدل التي جاء فيها الآتي (ولاً: مجلس المحافظة: هو السلطة التشريعية والرقابية في المحافظة وله حق إصدار التشريعات المحلية بما يمكنه من إدارة شؤونها وفق مبدأ اللامركزية الإدارية بما لا يتعارض مع الدستور والقوانين الاتحادية التي تندرج ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية .)
كما له صلاحية انتخاب المحافظ وكذلك له ان يقيله ويحاسبه على وفق ما جاء في المادة (7/سابعا/ثامنا) من قانون المحافظات لكن السؤال الذي ينهض هل يخضع المحافظ لرقابة مجلس النواب حيث لم يرد نص صريح في الدستور او في قانون المحافظات غير المنتظمة بإقليم يشير إلى تلك الصلاحية بينما لمجلس النواب حق الرقابة على مجالس المحافظات على وفق ما جاء في نص المادة (2/ثالثاً) من قانون المحافظات غير المنتظمة بإقليم حيث ذكر بصريح العبارة إلى إنها تخضع لرقابة مجلس النواب، وهذا الغموض في النصوص وعدم وضوحها دعا بعض الجهات التي لها الحق في طلب تفسير النص الدستوري المتعلق بإمكانية خضوع المحافظ إلى رقابة مجلس النواب وهل لهذا المجلس كامل الرقابة التي يتمتع بها تجاه السلطة التنفيذية لان لمجلس النواب أن يمارس رقابته على السلطة التنفيذية بكل الوسائل السؤال والمسائلة والاستجواب وسحب الثقة وغيرها مما ورد ذكره في الدستور والمحكمة الاتحادية العليا بما لها من صلاحية تفسير النصوص الدستورية وان قرارها التفسيري رقم 80 لسنة 2017 في 15/8/2017 له قوة الإلزام فإنها قررت الآتي (لمجلس النواب توجيه الأسئلة النيابية إلى المحافظ والى رئيس مجلس المحافظة) وهذا القرار اوجد مبدأ لم يكن واضح المعالم في النصوص الدستورية النافذة وأصبح ملزم للجميع حيث جعل امتداد رقابة مجلس النواب إلى المحافظ مع إن المحافظة تعمل بمبدأ اللامركزية الإدارية كما أشير إليه سلفاً وللوقوف على هذا المبدأ الذي ورد في القرار التفسيري أعلاه أود أن اعرض الآتي :
1. إن القرار التفسيري لم يتعرض إلى مبدأ اللامركزية الإدارية التي يعمل بها النظام التنفيذي للحكم المحلي في العراق لأنه حدد وجه من أوجه الرقابة فقط التي لا تعطل عمل المحافظ أو تتعارض معه لان القرار التفسيري حصر الأمر بالسؤال البرلماني فقط دون الوسائل الأخرى مثل المسائلة والاستجواب .
2. إن لمجلس النواب حق الرقابة على المحافظ بوصفه جزء من السلطة التنفيذية لأنه الرئيس التنفيذي الأعلى للمحافظة على وفق ما جاء في المادة (122/ثانيا) من الدستور وبذلك فانه جزء من السلطة التنفيذية التي تعد إحدى السلطات الثلاث التي يتكون منها النظام السياسي في العراق لأنه يتكون من ثلاث سلطات (التشريعية والتنفيذية والقضائية) على وفق ما جاء في المادة (47) من الدستور وحيث إن مجلس النواب له حق الرقابة على السلطة التنفيذية بشكل مطلق ولم يحددها بالسلطة الاتحادية او السلطة المحلية للأقاليم أو المحافظات غير المنتظمة بإقليم وعلى وفق نص المادة (61/ثانيا) من الدستور لكن توزيع الاختصاص في الرقابة بين مجلس النواب ومجالس المحافظات حدد نطاق تلك الرقابة بينما يكون مجلس النواب رقيباً على عمل مجالس المحافظات التي هي بالأصل مهمتها الرقابة على عمل المحافظ، فإذا وجد مجلس النواب إن مجلس المحافظة قد قصر في محاسبة المحافظ فان دوره ينهض بمحاسبة مجلس المحافظة وعلى وفق حكم المادة (2/ثالثاً) من قانون المحافظات غير المنتظمة بإقليم رقم 21 لسنة 2008 المعدل التي جاء فيها الآتي ( تخضع المجالس لرقابة مجلس النواب.)
3. حتى يتمكن مجلس النواب من ممارسة مهامه الرقابية على مجلس المحافظة لابد وان يتوفر على معلومات أساسية تتعلق بعمل المحافظ والأجهزة التنفيذية في المحافظة لان مجرد الاتصال بمجلس المحافظة الذي يتهم بالقصور عندما تتم محاسبته، فان من حق مجلس النواب أن يوجه السؤال إلى المحافظ للوقوف على المعلومات المتوفرة لديه حتى يتمكن من ممارسة مهمته في الرقابة على مجلس المحافظة، والقرار التفسيري الذي صدر عن المحكمة الاتحادية العليا قد حصر الأمر بالسؤال النيابي (البرلماني) فقط ولم يتطرق إلى بقية وسائل المحاسبة مثل المسائلة والاستجواب .
4. بما إن الأمر انحصر بالسؤال النيابي (البرلماني) لابد من الوقوف على معنى السؤال البرلماني وأثاره القانونية والدستورية والنتائج التي تترتب عليه فان تعريف السؤال البرلماني جاء بأكثر من صورة في الفقه الدستوري وعلى وفق رؤية الكاتب الذي يفسره، إلا إن التعريف الذي يكاد يكون مستوفٍ لكل شروط السؤال النيابي (البرلماني) والذي اجمع عليه اغلب كتاب الفقه الدستوري هو الآتي (طلب استيضاح يتقدم به أحد النواب للوزير المختص أو الحكومة للحصول على بيانات يجهلها النائب) بينما عرفته بعض القوانين والدساتير بتعريف لا يختلف كثيرا عن التعريف المشار إليه في أعلاه أما في النظام الدستوري العراقي، فان النظام الداخلي لمجلس النواب العراقي قد عرف السؤال النيابي (البرلماني) بأنه (الطلب الذي يتقدم به عضو مجلس النواب إلى الوزير للاستفهام عن أمر لا يعلمه العضو، أو للتحقق من حصول واقعة وصل علمها إليه، أو للوقوف على ما تعتزمه الحكومة في أمر من الأمور) وعلى وفق ما جاء في نص المادة (50) من النظام الداخلي لمجلس النواب، وبذلك فان السؤال النيابي (البرلماني) لا يتعدى الاستفهام وليس للعضو أن يناقش أو يحاسب الشخص الذي قدم إليه السؤال لأنه ليس استجواب وإنما هو مجرد الاستفهام عن أمر لا يعلمه العضو، أو التحقق من حصول واقعة وصل علمه إليها فهو حق يحمل معنى (طلب المعرفة) و (تبادل الرأي) أو (الوصول إلى الحقيقة )، الحصول على المعلومات، أو الاستفسار عن وقائع لا يعلمها أو يجهلها عضو مجلس النواب (البرلمان) ، وهذا هو الغرض من السؤال النيابي (البرلماني) ، لذلك فإن أثر السؤال ينتهي عند حصول العضو على البيانات، والمعلومات التي طلبها سواء اقتنع أم لم يقتنع ولا يعد مسائلة أو طرح موضوع للمناقشة العامة لأنه يكون فقط بين العضو السائل والشخص الذي وجه إليه السؤال.
ومن خلال ما تقدم فان رقابة مجلس النواب تمتد إلى المحافظ ورئيس مجلس المحافظة بواسطة وسيلة واحدة من وسائل الرقابة النيابية (البرلمانية) وقرار المحكمة الاتحادية العليا في العراق اعتمد في أسلوبه التفسيري على وضوح النص وإطلاقه لان النص يكون مطلق إلا إذا تم تحديده بنص مماثل وحيث ان نص المادة (61/ثانياً) من الدستور جاء مطلق عندما جعل الرقابة النيابية على السلطة التنفيذية ولم يرد أي نص آخر في الدستور يحد من حدود هذه الرقابة تجاه كل مفردات السلطة التنفيذية سواء كانت اتحادية أو محلية وكان للقاعدة الفقهية والقانونية التفسيرية المطلق يجري على إطلاقه حضور في منهج المحكمة الاتحادية العليا عند تفسير نص المادة (61/ثانيا) من الدستور
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً