حق السجين فى الشكــــــوى
بقلم / د. أحمد الدسوقى
تحرص وزارة الداخلية على توفير كافة أوجه الرعاية لنزلاء السجون لإيمانها بأهمية احترام حقوق الإنسان والمعايير الدولية للسياسة العقابية المعمول بها فى مختلف المؤسسات العقابية،ومن بين تلك الحقوق التى تحرص الوزارة على احترامها والتأكيد عليها حق السجين فى الشكوى وهذا ما سوف نتعرض له بشىء من التفصيل فيما يلى :
حق المسجون فى الشكوى فى التشريع المصرى
كفل المشرع المصرى الحق للمسجون فى الشكوى، وأظهر ذلك فى العديد من النصوص التشريعية ، كما نص الدستور المصرى على كفالة حق كل مواطن محكوم عليه بعقوبة فى أن تحفظ كرامته وعلى ألا يهان بدنياً أو نفسياً ، حيث نصت المادة ( 4) من الدستور على أن »كل مواطن يقبض عليه أو يحبس أو تقيد حريته بأى قيد تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامة الإنسان ، ولا يجوز إيذاؤه بدنياً أو معنوياً ، كما لا يجوز حجزه أو حبسه فى غير الأماكن الخاضعة للقوانين الصادرة بتنظيم السجون .
مما سبق يتضح أن الدستور المصرى أقر حق كل مواطن مقبوض عليه أو محبوس فى أن يعامل معاملة كريمة ، ومن أوجه المعاملة الكريمة التى قررها الدستور المصرى حق كل مسجون فى الشكوى.
كما تبنى القرار بقانون المشار إليه ولائحته التنفيذية هذين الاتجاهين ، وذلك ضماناً لكفالة حق المسجون فى الشكوى وحماية كرامته، وتلافياً للسلبيات التى قد يتعرض لها داخل السجن ، وذلك على النحو التالى :
الاتجاه الأول
أوجب على مأمورى السجن تلقى الشكاوى من المسجونين وإبلاغها للنيابـة العامـة بالنص عليه بالمادتيـن ( 75 ) و (80) من الفصل الثالث عشر، فقد نصت المادة (٧٥) على أن يكون فى كل سجن عدد من السجلات، من بينها :
(سجل عمومى للمسجونين، ودفتر يومية حوادث السجن، وسجل أمتعة للمسجونين، وسجل تشغيل المسجونين، وسجل الجزاءات ، وسجل الهاربين، وسجل الشكاوى والطلبات المقدمة من المسجونين ، وسجل للزيارات يعد لتدوين ملاحظات الزائرين الذين لهم صفة رسمية ، والسجلات القضائية التى يرى النائب العام ضرورة استعمالها تنفيذاً لأحكام هذا القانون ، ويُنشأ كذلك سجل لكل مسجون به بحث شامل عن حالة المسجون من النواحى الاجتماعية والطبية والنفسية وتتبع حالته وما يطرأ عليه من تحسن أو انتكاس ، وكذلك أى سجل آخر يرى المدير العام للسجون ضرورة استعماله ) .
وتكون هذه السجلات تحت إشراف مدير السجن أو مأموره ورقابته، ويكون مسئولاً عن تنظيمها واستيفائها. كما نصت المادة (80) من القانون ذاته على أنه يجب على مدير السجن أو مأموره قبول أىة شكوى جدية من المسجون شفوية أو كتابية وإبلاغها للنيابة العامة أو الجهة المختصة بعد إثباتها فى السجل المعد للشكاوى. ويلاحظ فى هذا السياق أن قانون السجون المصرى قد أوجب فى نهجه للاتجاه الأول على مأمورى السجون إنشاء سجلات بالسجن خاصة بشكاوى المسجونين والطلبات المقدمة منهم ، وكذلك أوجب عليهم قبول أىة شكوى من المسجون وإبلاغها فوراً للنيابة العامة، الأمر الذى يعكس مدى اهتمام المشرع المصرى بشكوى المسجون، والاهتمام بها حفاظاً على كرامته .
الاتجاه الثانى
وفيه لم يكتفِ المشرع المصرى بما سبق ونص عليه بالاتجاه الأول، بل أضاف عليه المزيد من الضمانات فى الفصل الخامس عشر من القانون رقم 396 لسنة 1956 بشأن تنظيم السجون، ألا وهو الإشراف القضائى على تنفيذ القانون داخل السجون ، وكضمانة لحق المسجون فى تقديم الشكوى أو الطلب ، فقد نصت المادة (٨٥) على أن للنائب العام ووكلائه فى دوائر اختصاصهم حق الدخول فى جميع أماكن السجن فى أى وقت للتحقق من أن أوامر النيابة وقاضى التحقيق فى القضايا التى يُندب لتحقيقها وأحكام المحاكم يجرى تنفيذها على الوجه المبين فيها ، وأنه لا يوجد شخص مسجون بغير وجه قانونى، والتأكد من عدم تشغيل مسجون لم يقض الحكم الصادر ضده بتشغيله، فيما عدا الأحوال المبينة فى القانون، وعزل كل فئة من المسجونين عن الفئة الأخرى ومعاملتهم المعاملة المقررة لفئتهم .
وباستعراض ما سبق نجد أن التشريع المصرى قد كفل العديد من الضمانات لكفالة حق المسجون فى الشكوى ، كما أن اللائحة العامة والتنفيذية للسجون أفردت العديد من القواعد والإجراءات الخاصة بتنظيم هذا الحق والتى من بينها ما يلى : – يخصص فى كل عنبر سجل (النموذج رقم 142 سجون ) لقيد شكاوى المسجونين، ويُعهد به إلى ضابط العنبر ليتولى بنفسه إثبات هذه الشكاوى به والتوقيع عليها ، ثم يقوم بعرض السجل والمسجون على مدير أو مأمور السجن للنظر وإثبات التصرف الذى يقرره حيالها مشفوعاً بتوقيعه.
– يقوم ضابط العنبر بعد ذلك بتقديم السجل والمسجونين للمختصين لتنفيذ ما تقرر، وفى حالة مخابرة جهات خارج السجن يجب على المختصين إثبات رقم وتاريخ المكاتبات التى أُرسلت .
– يحدد يوم الخميس من كل أسبوع لقيد شكاوى المسجونين، أما الشكاوى العاجلة أو ذات الأهمية الخاصة فيجب قبولها وقيدها وعرضها فوراً على المدير أو المأمور للنظر ، واتخاذ الإجراءات اللازمة فيها .
– يجب قيد شكاوى المسجونين ضد الحراس والعاملين المدنيين أو العسكريين بالسجن فى سجل الشكاوى فور تقديمها وعرضها على المدير أو المأمور لاتخاذ اللازم فى شأنها ، إذا لم تستوجب وقائعها إثباتها بسجل البلاغات.
– يُسمح للمسجون بكتابة أىة شكوى يرغب فى عدم إطلاع إدارة السجن عليها ، وأن يضعها فى ظرف يكتب عليه كلمة شكوى ويثبت عليه اسمه ويقدمه للمدير أو المأمور الذى عليه إرسال الظرف للمصلحة بخطاب سرى تدون فيه البيانات القضائية والإدارية والاجتماعية والشخصية للمسجون ومعلومات إدارة السجن عنه.
– يتم صرف ورقة وقلم لمن يرغب فى كتابة شكواه بنفسه تحت إشراف ضابط العنبر أو الضابط المختص، مع ختم كل ورقة تُعطَى للمسجون بخاتم السجن ، ثم يقوم باستلامها منه سواء كانت مكشوفة أو داخل ظرف مغلق ، كما ورد بالمادة السابقة للتأشير عليها بالنظر ثم إثباتها بسجل الشكاوى وعرضها على المدير أو المأمور للتأشير عليها بما يتخذ وفق كل حالة.
حق المسجون فى الشكوى فى الاتفاقيات والمواثيق الدولية
اعتمد مؤتمر الأمم المتحدة الأول لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين- المعقود فى جنيف عام1955- مجموعة قواعد الحد الأدنى لمعاملة المسجونين ، وأقرها المجلس الاقتصادى والاجتماعى فى يوليو 1957 والتى جاء فيها وضع القواعد العامة الواجبة التطبيق لحماية الأشخاص الخاضعين للحبس أو السجن والتى كان من أهمها حق المسجونين فى تزويدهم بالمعلومات وحقهم فى الشكوى؛ حيث نصت القاعدة (٣٥) من تلك القواعد على أن يزود كل سجين – لدى دخوله السجن – بمعلومات مكتوبة حول الأنظمة المطبقة فى السجن ، وقواعد الانضباط فى السجن والطرق المرخص بها لطلب المعلومات وتقديم الشكاوى، وحول أى مسائل أخرى تكون ضرورية لتمكينه من معرفة حقوقه وواجباته على السواء ، وإذا كان السجين أمياً وجب أن تُقدَّم له هذه المعلومات بصورة شفوية .
وباستعراض ماسبق يتضح جلياً أن المواثيق الدولية كفلت حماية الأشخاص الخاضعين للحبس أو السجن خاصةً ما يتعلق بحقهم فى الشكوى ، ولم تكتفِ بذلك فقط ، حيث قررت الكثير من الضمانات التى وضعت للحفاظ على سرية الشكوى وضمان وصولها للسلطات المختصة التى تقررها التشريعات المحلية لتلقى تلك الشكاوى .. والمتابع لهذه الضمانات يلمح اتجاهين رئيسيين حرصت المواثيق الدولية على سلوك أحد منهما ، إن لم يكن كلاهما معاً ، وهما على النحو التالى :
الاتجاه الأول
هو النص على ضمانات »عامة« جامعة تنسحب فى تطبيقها لتشمل سائر ما سبق ذكره من حقوق ، ومن بين تلك الضمانات ما يلى :
١- كفالة تمتع سائر الأفراد بتلك الحقوق دون تمييز أو تفرقة كسبب ما أو لاعتبارات معينة .
٢- الأخذ بنظام التقارير الدولية بشأن الالتزام بالمحافظة على هذه الحقوق والتى تُرفع إلى الجمعية العامة من قِبل الدول الأعضاء منفردة ، أو حين مشاركتها فى المؤتمرات الدولية، ومن قِبل المجالس المتخصصة واللجان والهيئات الدولية المختصة بذلك.
٣- إتاحة الحق فى التقدم بالشكاوى والاعتراضات على ما قد يصادف تمتع المحكوم عليه من المسجونين بالحقوق التى تنص عليها هذه القواعد من منع أو تعطيل.
٤- النص على التزام سائر الدول الأعضاء باتخاذ ما يلزم من تدابير تشريعية أو غير تشريعية للنص على هذه الحقوق وضمان فعاليتها، سواء بتشريعاتها الداخلية أو بدساتيرها الوطنية .
الاتجاه الثانى
خاص بضمانات محددة فى مواجهة حق معين بذاته تتطلب دواعى تنفيذه أو اعتبارات أهميته ، ودون إخلال لما قد ورد بالاتجاه الأول من ضمانات ، ومن بين تلك الضمانات ما يلى :
١- إقرار حق التظلم والشكوى من التعرض لأساليب المعاملة القاسية أو المهينة ولأعمال التعذيب ، وإجراء ما يلزم فى هذا الشأن من تحقيقات.
٢- إنشاء لجنة مختصة تتولى تلقى التقارير الدورية والسنوية من قِبل الدول الأعضاء بشأن التدابير التى اتخذت تنفيذاً لتعهداتها بصدد ضمان هذا الحق وفقاً للنصوص السابق ذكرها .
٣- عقد الدورات التدريبية المنتظمة لزيادة كفاءة الأفراد القائمين على تنفيذ العقوبات، وما بها من حقوق للمحكوم عليهم، مع إحاطتهم الدائمة بطبيعة مهامهم، والعمل – بصفة مستمرة – على تثقيفهم وتأهيلهم علمياً بما تتطلبه طبيعة أعمالهم والتركيز على سبل اختيارهم وإعدادهم وفقاً لمتطلبات احترام حقوق الإنسان وحفظ كرامته.
اترك تعليقاً