حقوق الأرامل والمطلقات
د. إبراهيم بن ناصر الحمود
مفهوم الأرملة والمطلقة:
الأرملة مصطلح يطلق على كل امرأة مات عنها زوجها ولم تتزوج بعده مع فقرها وحاجتها، لأن لفظ أرامل يطلق أيضاً على المساكين من رجال ونساء، لكنه استخدم في النساء أكثر، لأن العرب تقول أرمل فلان إذا نفد زاده وافتقر، والمرأة إذا فقدت زوجها فقد فقدت من ينفق عليها فناسبها الوصف، وقد تكون الأرملة ذات أولاد صغار مما يزيد من عنائها فتكون أرملة وأماً لأيتام، فالعطف، والشفقة عليها أهم لأنها تحملت المسؤولية لوحدها مع عجزها وضعفها.
أما المطلقة: فهي أكثر وضوحاً ولا يخفى أمرها على أحد، لكن المطلقات أنواع حسب لفظ الطلاق، وهي كل امرأة فارقت زوجها في حياته بطلاقه لها، فهناك عامل مشترك بين المطلقة والأرملة وهو: أن كلاً منهما فارق الزوج، وهذه الفرقة حصلت إما بموت أو طلاق، لكن الفرقة بالموت هي الفرقة الكبرى لأنه لا رجعة فيها، أما الفرقة بالطلاق فقد تعود الزوجة إلى زوجها بالرجعة، أو بعقد جديد.
كما أن خفض الجناح لليتامى والبائسين دليل الشهامة والمروءة، ففي الحديث “صنائع المعروف تقي مصارع السوء”.
وحري لكل من وجد قسوة في قلبه أن يعطف على يتيم ويمسح على رأسه.
ومن حقوق الأيتام بعد رعايتهم، وتربيتهم، والإشفاق عليهم، حفظ أموالهم، ومخالطتهم.
قال تعالى: “ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير، وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح”.
فالغاية هي إصلاح اليتيم في نفسه، وماله، وقد توعد الله أصحاب النوايا السيئة الذين يتعدون على أموال اليتامى وينكرونها، فقال جل شأنه: “إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيرا”، وقال جل شأنه: “وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوباً كبيراً”.
فاليتيم قد يكون له نصيب كبير من مال والده بعد موته فهو لصغر سنه لا يستطيع حفظه وتنميته فيطمع وليه في ماله ويعرض نفسه لهذا الوعيد الشديد، يقول السعدي -رحمه الله- (يبعث آكل مال اليتيم).
نظرة المجتمع للمطلقات:
هناك في المجتمع نظرة قاسية دونية للمطلقة كأنها ارتكبت ذنباً أو خطيئة، فهي في نظر المجتمع –غالباً-:
أ. أنها غير صالحة للتزويج، فقد فاتها قطار الحظ.
ب. أنها مصدر للمتاعب والمشاق فقدت دورها في الحياة.
ج. نظرة كره وأنانية من بنات جنسها خوفاً على أزواجهن منها.
تقول إحدى الأرامل:
مات زوجي وبعد خمس سنوات تزوجت من آخر، لم تستمر الحياة معه سوى عامين لمشكلات لا حصر لها مع زوجته الأولى، فهي تعتقد أني خطفت زوجها منها. فكنت مطلقة مما زاد في أحزاني وهمومي.
فعلى كل أرملة أن تصبر وتحتسب، فالصبر مفتاح الفرج “ومن يتق الله يجعل له مخرجاً”.
وكل من يستصغر المطلقة أو يحتقرها فهو مخطئ وامرؤ فيه جاهلية.
أما نظرة الإسلام للأرامل والمطلقات فهي نظرة منصفة لهن ما لغيرهن من الحقوق والواجبات، وقد وضع الإسلام التدابير الواقية من حدوث الطلاق وجعله أبغض الحلال إلى الله.
أمر الإسلام بحسن العشرة بين الزوجين وحث على التسامح والعفو، وأرشد إلى الطريقة المثلى في حال نشوز الزوج، كما حرم التلاعب بالطلاق، وأوصى بالنساء خيراً، وأباح الطلاق إذا تعذر الوفاق.
كفالة الإسلام للأيتام – ومن هو اليتيم:
الأم الأرملة التي مات زوجها ولها منه أولاد صغار فهي أم لأيتام. لأن اليتيم في عرف الشرع من مات أبوه وهو صغير دون سن البلوغ.
فإن مطلق العدالة في الإسلام حفظ الحقوق لأصحابها كما جاء في قول النبي –صلى الله عليه وسلم- “ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا”.
واليتيم في الغالب جمع بين اليتم والمسكنة، ولن يضيع يتيم في كنف الإسلام، فهذا محمد –صلى الله عليه وسلم- نشأ يتيماً فآواه ربه ونصره كما قال سبحانه “ألم يجدك يتيماً فآوى”.
فقد رغب الإسلام في كفالة اليتيم، وحسب كافل اليتيم أن يكون في معية النبي –صلى الله عليه وسلم- في الجنة كما جاء في الحديث “أنا وكافل اليتيم كهاتين وأشار بالسبابة والوسطى” فحق على من سمع هذا الحديث أن يعمل به، فهل هناك مكانة أومنزلة أعظم من هذه المنزلة في الجنة؟!، وهذا يدل على عظم حق اليتيم لضعفه ومعاناته بسبب فقد والده الذي يحنو عليه ويحسن تربيته، وينفق عليه، ويقوم على تعليمه وتأديبه، فهو بأمس الحاجة إلى من يعوضه عما فقده من أصحاب القلوب الرحيمة فيقوم على تربيته والإنفاق عليه، ورعايته، حتى يبلغ مبلغ الرجال.
ولقد عني القرآن الكريم بحق اليتيم ونهى عن قهره وإهماله، فقال تعالى: “فأما اليتيم فلا تقهر”، “كلا بل لا تكرمون اليتيم”، “أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم”.
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم “إني أُحَرِّجُ حق الضعيفين اليتيم والمرأة”، وكان ابن عمر –رضي الله عنهما- لا يجلس على طعام إلا على مائدته أيتام.
فكم من أم لأيتام تعاني مشقة تربيتهم، والإنفاق عليهم، وهي لا حول لها ولا قوة، تنتظر من يأخذ بأيديهم من المحسنين ويمسح دمعتهم ويعوضهم خيراً “وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً”.
بل إن ديننا الإسلامي يأمرنا بتنمية مال اليتيم وحفظه له يقول عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- “اتجروا في أموال اليتامى لئلا تأكلها الصدقة”، حتى إذا بلغ اليتيم وأصبح رشيداً يستطيع أن يتصرف في ماله بنفسه دفع إليه ماله وهو حقه الذي فرضه الله له كاملاً غير منقوص، يقول تعالى: “وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم” وقال سبحانه: “ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن” فكفالة اليتيم نوع من التكافل الاجتماعي الذي يقره الدين الإسلامي، تحقيقاً لوحدة المسلمين، وتعاطفهم، وتراحمهم، وكثيراً ما يشكو بعض الأيتام من ازدراء زملائهم لهم ومضايقتهم لهم في المنزل والشارع والمدرسة، وتعييرهم لهم بالفقر، والحاجة للناس، والضعف، والمسكنة. وهذا أسلوب خطير جداً له أثره على حياة اليتيم النفسية، وسلوكه في الحياة، فإن احتقار اليتيم وإهماله وصرف النظر عنه، يزيد من عنائه بل ربما يؤدي به إلى الجنوح، والانحراف، بسبب غياب السلطة الأبوية.
ولقد خطت المملكة –وفقها الله- خطوة مباركة حين أنشأت الجمعيات الخيرية لكفالة الأيتام التي تساند ما تقوم به وزارة العمل والشؤون الاجتماعية من جهود مباركة في هذا الجانب.
واليتيم على مستوى الأمم والشعوب بحاجة إلى رعاية، وعناية خاصة، ويد حانية، تحتضنه وتخفف من معاناته، فهذا واجب شرعي قبل أن يكون واجباً إنسانياً، فقد أورد الذهبي في ترجمة أبي علي حسان بن سعيد المنيعي المتوفى 463هـ أنه عم الآفاق بخيره وبره ومن ذلك أنه كان يكسو في الشتاء نحواً من ألف نفس.
وفي الحديث الصحيح: “اتقوا النار ولو بشق تمرة” وما أحوج الأرامل، والمساكين إلى عطف المحسنين، ولنا في رسول الله –صلى الله عليه وسلم- القدوة الحسنة، فكان عليه الصلاة والسلام لا يستكثر أن يمشي مع الأرملة والمسكين يقضي له حاجته، وقد وصفه عمه أبو طالب بقوله: “ثمال اليتامى عصمة الأرامل”
أي كافيهم، وناصرهم، ومانعهم عما يضرهم، كانت أم المؤمنين زينب بنت خزيمة تعرف بأم المساكين، لكثرة إحسانها إليهم.
5- حق الأرملة والمطلقة في التزويج:
كما ذكرت سابقاً فإن الأرملة والمطلقة امرأة لها كامل حقوقها الشرعية تحت ظل تعاليم الإسلام السمحة ولا يجوز لأحد من الناس أن يبخسها شيئاً من حقوقها فلها الحق في أن تتزوج بعد فراغ عدتها وهذا أمر شرعه الله.
بل إن المرأة الأرملة والمطلقة تفوق غيرها في رجاحة عقلها وتجربتها في الحياة، فليس فيها ما يعيبها، فهذه زينب بنت جحش –رضي الله عنه- لما طلقها زوجها زيد بن حارثة تزوجت من هو خير منه، رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فأصبحت إحدى أمهات المؤمنين، ولم يتزوج رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بكراً سوى عائشة -رضي الله عنها-، وإن عزوف بعض الرجال عن الزواج بالأرامل والمطلقات ناتج عن الوضع الاجتماعي لهذه المرأة بسبب من تواجههم من بنات جنسها من نظرة قاسية تحرمها من بعض حقوقها في الحياة، كما أنه يتولد لدى المطلقة خاصة خوف من الفشل في الزواج الثاني بسبب تجربتها الأولى، ومتى قوبلت الأرملة والمطلقة بالإعراض وعدم الزواج، فإن لذلك أثره على المجتمع حين يكثر العوانس في البيوت، ولا يتزوج المطلقة والأرملة إلا من يعرف قدرها وقيمتها فهي أم ومربية وواعية ومدركة لكثير من مسؤولياتها الزوجية. وكثير من المطلقات والأرامل تزوجن وأصبحن من أفضل النساء.
ومن المطلقات من سرى إليها داء الظلم والسخرية حتى بعد زواجها الثاني فاتهمت بالأنانية، وإهمال أولادها.
ومن أحسن النية في زواجه بالمطلقة، والأرملة، فإنه يؤجر على ذلك، خاصة إذا كانت أم أولاد، واحتسب الأجر عند الله في تربية أولادها، وتعليمهم، وتنشئتهم النشأة الصالحة، كما أن في زواجه بها إنقاذاً لحياتها من الذل والهوان الذي تلاقيه كل يوم من مجتمع لا يعرف لهذه الإنسانة قدرها.
لكن بعض الأرامل ترفض من يتقدم لخطبتها بحجج واهية، إما وفاءً لزوجها، أو لئلا يتضرر أولادها بزواجها، وهذه الأعذار لا تعادل مصلحة الزواج، بل قد يكون في زواجها مصلحة لأولادها حين تجد زوجاً صالحاً يقوم على رعاية الأولاد، ويكون لهم الأب البار، وقد يكون خيراً لها من زوجها الأول.
6- حقوق المطلقة والأرملة المالية:
المطلقة إذا كانت رجعية، وهي التي يحق لزوجها مراجعتها دون عقد جديد، فحكمها حكم الزوجة، لها ما لها من الحقوق المالية، فيجب لها الآتي:
1- النفقة، والسكنى من مال الزوج لعموم قوله تعالى “وعلى المولود -له رزقهن وكسوتهن بالمعروف” وقوله تعالى: “أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن” وذلك مدة عدتها، حسب يسر الزوج وعسره وبحسب حال الزوجة وما يصلح لأمثالها مما جرى به العرف والعادة، فحق العشرة بينهما لا يزال قائماً، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، والله تعالى يقول: “ولا تنسوا الفضل بينكم”.
والمطلقة البائن، إن كانت حاملاً فلها النفقة من أجل الحمل حتى تضع، وإن كانت غير حامل فلا نفقة لها لكونها أجنبية منه، ولانفصام عقدة النكاح بينهما.
2- وللمطلقة أيضاً: حق المتعة، وهو: مال زائد على النفقة يدفعه الزوج لمن طلقها قبل الدخول بها، جبراً لخاطرها، وهو من محاسن الدين الإسلامي قال تعالى: “لا جناح عليكم إن طلتقم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة، ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعاً بالمعروف حقاً على المحسنين”.
فهذه الآية دلت على استحقاق المطلقة المتعة إذا لم يدخل بها زوجها، ولم يفرض لها المهر.
وتستحب المتعة في حق غيرها من المطلقات لعموم قوله تعالى: “وللمطلقات متاع بالمعروف حقاً على المتقين”.
وهذا الحق المالي للمطلقة قد غفل عنه كثير من الناس اليوم، وقل في الزمن الحاضر من يؤدي متعة النساء، لأن غالب النساء تنشد السلامة والتسريح بإحسان قطعاً للنزاع والخصومة. وقد أرشد الله المؤمنين بقوله: “يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها، فمتعوهن وسروحهن سراحاً جميلاً”.
ويقول جل شأنه مخاطباً نبيه محمداً –صلى الله عليه وسلم- “يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن ترون الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلاً”.
3- حق الصداق: وهو المهر المسمى؛ كله إن طلقها بعد الدخول، وبعد تسمية المهر في العقد، فيجب لها كامل المهر، ولا يحل للزوج أن يأخذ منه شيئاً إلا برضاها، قال تعالى: “وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً. أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً، وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً”.
فإن كان الطلاق بسبب سوء عشرتها وكراهيتها له، فله أن يأخذ ما أعطاها؛ لقوله تعالى: “فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به”.
* أما إن طلقها قبل الدخول وبعد تسمية المهر فيجب لها نصف المهر المسمى في العقد، كما قال تعالى: “وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم”.
* وإن طلقها بعد الدخول، وقبل تسمية المهر فهذه يجب لها مهر المثل لقوله تعالى: “فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة”.
فليتق الله كل زوج في طلقته، ولا يهضم شيئاً من حقها الذي فرضه الله لها.
4- حق الإرث:
فالمطلقة الرجعية، إذا مات زوجها في عدتها ترثه كغيرها من الزوجات، فلها نصيبها الذي فرضه الله لها، ولا يجوز النقص منه، أو المساومة عليه إلا برضاها، وما نسمعه في بعض المجتمعات من حرمان الزوجة من الميراث تبعاً لرغبة الزوج وهواه، هذا خلاف الشرع، وأمر باطل وتعد على حدود الله، وما فرضه الله لا يجوز لأي مخلوق أن يبطله.
5- الحقوق المالية التي في ذمة الزوج:
فللمطلقة كامل حقوقها المالية الواجبة في ذمة الزوج، كالقروض، والديون من عقار ونحوه. فبعض النساء تدفعها الثقة العمياء بالزوج فيستولي على كل أموالها، وعند طلاقه لها، ترجع إلى أهلها بخفي حنين، بعد أن جحد مالها وظلمها حقها، والظلم ظلمات يوم القيامة، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان.
والمرأة بطبيعتها عاطفية فقد يتوسل إليها الزوج بأن تعطيه أموالها ليتاجر فيها حتى إذا استولى على كل ما لديها طلقها، ومنعها حقها، وذهبت أموالها سدى بسبب إهمال الزوجة وتساهلها، وظلم الزوج.
وهناك قصة واقعية لإحدى المطلقات، تقول: عشت مع زوجي خمس سنوات في غاية التفاهم، والسعادة، والتعاون على ظروف المعيشة، حتى أني أسلم له مرتبي الشهري في يده كل شهر، مناولة دون إيصال، مما ساهم في بناء مسكن جيد لنا ولأولادنا، وبعد الفراغ من البناء فاجأني بالطلاق وتزوج بأخرى لتسكن في البيت الذي شيدت معظمه برواتبي، وذهبت إلى أهلي صفر اليدين في غاية الحزن والكآبة والندم على تفريطي، والأسى على زوج لا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً.
فهذه القصة وأمثالها تصور لنا حال بعض الأزواج الذين ظلموا زوجاتهم، وأكلوا أموالهن بغير حق.
كذلك الأرملة:لها حقوق مالية بعد وفاة زوجها، فلها حق الإرث من ماله، ولا يجوز الأخذ منه إلا برضاها، وإن لم يخلف زوجها مالاً يكفيها ويكفي أولادها، فلها حق الصدقة، والبر والإحسان، ومد يد العون والمساعدة من المحسنين، وهذا واجب إنساني وقربة إلى الله -عز وجل- فكم من أرملة تعاني من الفقر والمسكنة وضيق ذات اليد، والحاجة إلى السكن، وقد تقدم قول النبي –صلى الله عليه وسلم- “الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله”.
7- حق المطلقة في الحضانة:
للمرأة المطلقة حق حضانة طفلها، ولها حق النفقة من أجله في الحولين. ولا يحق للزوج أن يأخذ ولدها منها، قال تعالى: “لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده”.
ومتى تم فطام الطفل فللأم المطلقة حق حضانته حتى يبلغ سبع سنين، ما لم تتزوج الأم، فإن تزوجت سقطت حضانتها لقول النبي –صلى الله عليه وسلم- للمرأة التي سألته حضانة ولدها “أنت أحق به ما لم تنكحي”.
وإنما جعل الإسلام حق الحضانة للأم؛ لأنها هي التي تمده بحنانها وتسهر على راحته ومصلحته، وتصبر على أذاه، وهي مصدر غذائه ورعايته.
وإذا تم للولد سبع سنين في حضانة أمه، فإن كان غلاماً خير بين أبيه وأمه، فكان مع من اختار منهما، أما الأنثى فهي بعد السابعة تكون عند أبيها حتى تتزوج في أحد الأقوال؛ لأنه أحفظ لها وأحق بولايتها من غيره.
لكن بعض الأزواج ينتقم من الأم بمنعها من رؤية ولدها منذ الطفولة من باب الإضرار بها دون وازع من دين أو ضمير، حتى شكل هذا الأمر ظاهرة لدى المحاكم الشرعية لكثرة القضايا من هذا النوع، فكم من مطلقة تعاني مرارة بعدها عن ولدها وما يلاقيه هذا المسكين من العذاب والحرمان بسبب بعده عن أمه. وقد يكون تحت زوجة أبيه التي لا ترحم فيزيد ذلك من عنائه وعذابه.
فليتق الله أولئك الآباء الذين قست قلوبهم فهي كالحجارة أو أشد قسوة، فالحضانة حق للأم بحكم الله ورسوله –صلى الله عليه وسلم- ولا يجوز لأحد التعدي على حدود الله، ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه.
تقول إحدى المطلقات:إن لي بنتاً لا أراها إلا في السنة مرة واحدة، أو في يوم العيد، ناهيك عن النزاع والشقاق الذي يحدث بين أهل الزوج وأهل الزوجة بسبب هذا الطفل المسكين الذي أصبح ضحية بين أبويه لا يشعر بالاستقرار عند أحدهما تتنازعه الأيدي من كل جانب، “أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون”.
8- أسباب حالات الطلاق في العصر الحاضر:
وهل ترون عدد المطلقات الآن أكثر من ذي قبل؟
يرجع الطلاق بين الزوجين إلى عدد من الأسباب منها ما يرجع إلى الزوج، ومنها ما يرجع إلى الزوجة، ومنها ما يرجع لهما معاً. ومن أهم تلك الأسباب في الوقت الحاضر:
1- التسرع في الاختيار من الجانبين، وعدم الدقة في التحري، فبعض الشباب عند الاختيار يركزون على جانب واحد كالجمال مثلاً، ويغفلون عما هو أهم من ذلك. وبعض الفتيات تركز على جانب واحد كالمال مثلاً، فتريد زوجاً غنياً وتغفل عما هو أهم من ذلك فينتج عن هذا التسرع وعدم التحري خلاف في المستقبل، شقاق ونزاع، يؤدي بهما إلى الطلاق المبكر.
2- عدم رؤية المخطوبة والخاطب، مع أنه أمر مباح شرعاً ففي غياب الرؤية الشرعية مشاكل كثيرة، وقد قال الرسول –صلى الله عليه وسلم- للمغيرة: “انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما” ومن منع الرؤية فهو جاهل بالشرع، ويقود إلى مشاكل لا تحمد عقباها تنتهي في النهاية بالطلاق.
3- عدم التكافؤ بين الزوجين من حيث المستوى العقلي، والثقافي، والاجتماعي، فاختلاف الطباع يؤدي إلى الشقاق، والنزاع مما يؤدي إلى الطلاق.
4- ارتكاب المعاصي، فكم من زوجة، تركت زوجها لأنه لا يصلي، أو لأنه يتعاطى المخدرات، أو يتعامل بالربا، فتصبر الزوجة مدة من الزمن ترجو توبته وهدايته، فإذا نفذ صبرها طلبت الطلاق.
5- سوء العشرة الزوجية من الزوج، أو الزوجة، والظلم، والجهل، وعدم الإنصاف. كمن يضرب زوجته عند أتفه الأسباب، أو لكونها لم تنجب له ولداً، فيحتدم الخلاف بينهما وينتهي بالطلاق.
تقول إحدى السيدات: تزوجت منذ عشر سنين، وأنجبت أربع بنات ثم تغير علي زوجي وهددني بالطلاق إن لم أنجب له ولداً ذكراً، وتزوج من ثانية فأنجبت له بنتين، وحاولت إقناعه بأن هذه مشيئة الله ولكن لا فائدة.
6- الغيرة المفرطة من جانب الزوج أو الزوجة، فإنها تؤدي إلى هدم البيوت إذا زادت عن حدها المألوف، ووصلت إلى حد الشك بأحد الزوجين، والأصل في الحياة الزوجية الثقة المتبادلة، وحسن الظن، والمودة، والرحمة، والله تعالى يقول: “يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا” والقصد الاعتدال في الغيرة كما كانت عليه أمهات المؤمنين.
تقول إحدى المطلقات: تزوجت من زوج طبيعة عمله تحتم عليه الاختلاط. وكنت أشعر بغيرة عمياء من كل تصرفاته، فساءت علاقتي به وطلبت الطلاق ورجعت إلى بيت أهلي مع طفل يبلغ ثلاث سنوات، ولقد ندمت أشد الندم على ما فعلته.
فالندم شعور يلاحق المطلقة ويلاحق الكثير من الرجال بسبب اتخاذهم هذه الخطوة بسبب الغضب وعدم التروي، والشيطان حريص على أن يفرق بين الرجل وزوجته، كما جاء في صحيح مسلم أنه يرسل أعوانه ويدني منه أشدهم فتنة حتى إذا قال ما تركته حتى فرقت بينه وبين زوجته قال نعم أنت ويدنبه منه.
وهناك أسباب أخرى للطلاق حسب حال الزوج والزوجة.
أما عن عدد المطلقات فهذا لا يمكن معرفته إلا عن طريق الجهات المسؤولة عن هذا الجانب في كل بلد بحسبه. فالطلاق ظاهرة اجتماعية دولية يزيد وينقص بحسب ظروف البلد الاجتماعية والاقتصادية، لكن الدراسات أثبتت أن نسبة الطلاق في العصر الحاضر أكثر من ذي قبل وأنه يقل كلما تقادم العمر بالزوجين، فأكثر حالات الطلاق تقع في السنوات الأولى من الزواج.
ولا شك أن تطور وسائل الاتصال في العصر الحاضر، مع تنوع المفاهيم ودعوى الاستقلال والحرية كل ذلك له دور في زيادة نسبة المطلقات إذا لم تقابل هذه الأمور بروية وحكمة وتعقل.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً