الحرب على الفساد.. رؤية قانونية
إن جريمة الفساد ليست من الجرائم التقليدية، بل هي أعقد مما نتصور، وأحيانا تتجاوز الحدود الجغرافية للوطن وتفوق القدرات الفردية لبعض مؤسسات الدولة بأن تلاحق الفساد والمفسدين، ولذا جاء الأمر الملكي رقم (أ/38) بتاريخ 15/2/1439هـ القاضي بتشكيل لجنة عليا برئاسة ولي العهد ومن عدة جهات أبرزها النيابة العامة وأمن الدولة.
وانتشار جريمة الفساد على مستوى عال في الدولة يعيق تنميتها ويزعزع الثقة العامة بين المواطن ومؤسسات الدولة. وتحمل كلمة الفساد عدة معان باستخدام السلطة والنفوذ للمصالح الشخصية أو الرشوة والاختلاس، ولكن الجديد في الأمر الملكي أنه جرم سوء استخدام المال العام بأن الجهة الحكومية أو المسؤول إذا أساء أو صرف المال العام على خلاف ما خصص له فإنه يكون عرضة للمساءلة والعقاب، وبتأكيد هذا دليل على أن الدولة حريصة على إزاحة كل ما يعيق التنمية وبرامج تحولها الوطني ورؤيتها المستقبلية.
وقد أعطيت اللجنة العليا صلاحيات استثنائية من الأنظمة والتعليمات تتمثل بالكشف عن الحسابات والمحافظ وتتبع الأموال والأصول، ومثل هذه الإجراءات لها مساس بالحرمة الخاصة للأشخاص والكيانات، إلا أن حسم الأمر وترجيح المصلحة العامة والعمل بنصوص الشرع التي استند إليها الأمر الملكي وعدم تعطيل المادة الـ16 من النظام الأساسي للحكم التي تنص على حرمة الأموال العامة وعلى الدولة حمايتها.. يجوز شرعا ونظاما أن تتخذ هذه التدابير، لأن الدولة بصدد خطر يهدد أنظمتها المالية، ويحول مؤسساتها إلى مرتع خصب لكل مسؤول لا يراعي الأمانة في المال العام.
وجريمة الفساد تكييفها بأن يكون محل الاعتداء مالا عاما، وأن يستخدم المسؤول النفوذ وسلطته بالحصول عليه أو لغيره أو تسهيل الحصول عليه بأي شكل من الأشكال أو سوء استخدامه، وأن يكون المال المعتدى عليه من قبل المسؤول مؤتمنا عليه وتحت سلطانه، وهذه تكون من جرائم خيانة الأمانة التي تدخل فيها السرقة أو الرشوة أو تبذير المال في غير مصارفه التي خصصت له.
إن الحرب على الفساد يجب أن تكون في قائمة اهتمامات الدولة، ويجب أن تتحول هذه الحرب إلى قيمة وطنية بأن يكون المواطن أول من يحارب الفساد بالإبلاغ عنه، والتعاون مع الجهات ذات العلاقة. والمأمول من اللجنة العليا ألا تقف عند التدابير الاحترازية، كالقبض – أي التوقيف الموقت – على ذمة التحقيق، أو المنع من السفر أو تجميد الأموال، ومنع نقلها أو تحويلها من قبل الأشخاص، أو الكيانات، بل نطالب بإصدار تنظيم يصنف ويجرم ويضع العقوبات الرادعة لكل من تسول له نفسه المساس بالمال العام، بحيث يعالج التنظيم المستجدات المستقبلية في السلوك الإداري للمؤسسات أو الأفراد.
عبدالله قاسم العنزي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً