ظاهرة زواج القاصر بالمغرب
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
بقلم ذ أنس سعدون
أنس سعدون عضو نادي قضاة المغرب باحث في صف الدكتوراه بجامعة عبد المالك السعدي بطنجة
يبقى عدد طلبات الزواج للقاصرين المرفوضة من قبل قضاة الأسرة المكلفين بالزواج ضئيلا إذ لم يتجاوز 4899 خلال سنة 2011 وهو ما يمثل نسبة 10,44 في المائة من مجموع الطلبات المقدمة، ويلاحظ في هذا السياق أن الإناث القاصرات أكثر إقبالا على الزواج دون سن الأهلية، حيث لم تتعد طلبات الذكور 326 طلبا في سنة 2011 ، مقابل 46 ألفا و601 طلب للإناث، مما يؤكد تأنيث ظاهرة زواج القاصر.
كما يلاحظ أيضا أن أكبر معدل تغيير تم تسجيله كان في سنة 2006، حيث ارتفع بنسبة 22 في المائة مقارنة مع سنة 2005، في حين أن أدنى معدل تغيير عرفته سنة 2008، حيث تم تسجيل نسبة ارتفاع لا تتجاوز 3 في المائة ليعاود هذا الرقم الارتفاع سنة 2009 بنسبة 8 في المائة ثم بنسبة 5 في المائة سنة 2010، ليصل التغيير سنة 2011 إلى نسبة 12 في المائة.
من جهة ثانية فإن طلبات الإذن بزواج القاصر خلال الخمس سنوات الأخيرة تتوزع بين سن 14 و17 سنة بنسب مختلفة، إذ أن طلبات القاصرين الذين يصل سنهم إلى 17 سنة تشكل النسبة الأكبر بمجموع وصل إلى 144 ألفا و346 طلبا خلال السنوات الخمس الأخيرة، في حين بلغت طلبات من يصل سنهم إلى 16 سنة خلال المدة نفسها 55 ألفا و967 طلبا. وبلغت طلبات القاصرين في سن 15 سنة، حسب إحصائيات وزارة العدل والحريات، ما مجموعه 11 ألفا و681 طلبا، في حين لم تتجاوز طلبات من يبلغ سنهم 14 سنة حوالي 1433 في السنة نفسها.
ومن خلال الوقوف على عدد من نماذج مقررات الإذن بزواج قاصرين الصادرة عن أقسام قضاء الأسرة المختلفة يلاحظ أن الأذون الممنوحة في هذا الإطار غالبا ما تكون معللة بما يلي، المصلحة الفضلى للفتيات في الزواج والتحصين وحمايتهن، وانقطاع الفتيات عن الدراسة، وعدم امتهانهن لأي عمل، وضعف الحالة المادية للوالدين، وعادات أهل المنطقة التي دأبت على تزويج الفتيات في سن مبكرة خوفا عليهن من العنوسة..
إن تتبع تنامي ظاهرة زواج القاصرات في المغرب قد يدفع للاعتقاد بأن الأمر تخطى مستوى الظاهرة وأصبح يشكل ثقافة موجودة ومترسخة داخل أوساط عديدة سيما في المناطق القروية التي افتقدت منذ عقود لبرامج اجتماعية تنموية تمكن أولياء الفتيات القاصرات من ضمان مستقبل أفضل لبناتهم إذ يبقى الحل الأوحد المتاح لهم هو تزويجهن للتخلص من أعباء آنية وللهروب من حالة الفقر والتهميش التي يعانون منها، إلا أن واقع الحال قد يؤدي إلى نتائج عكسية في حال فشل هذا الزواج – وهو ما يحدث في كثير من الأحيان بسبب هشاشة الأسر المبنية على حالات زواج قاصر – إذ يضطر أولياء أمور هؤلاء الفتيات إلى تحمل أعباء مضاعفة، حيث تصبح أسرة الفتاة القاصر التي طلقت ملزمة بتحمل أعبائها وأعباء الأبناء الذين قد ينتجون عن علاقة لم تكتب لها فرص النجاح، خاصة أمام هشاشة الأوضاع المادية للأزواج وللأسر عموما، مما يحول زواج القاصرات إلى نواة لظهور أمراض اجتماعية أخرى..
إن النقاش المفتوح على الصعيد الوطني والذي تشارك فيه كل القوى الحية والفاعلة في البلاد وكذا الفعاليات المهتمة بالشأن الأسري والذي يتزامن مع حدثين مهمين : الأول له علاقة بالحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة والذي يروم تقوية سلطة القضاء، والثاني المتعلق بحدث تخليد الذكرى العاشرة لصدور مدونة الأسرة ، هو نقاش يصب في اتجاه محاولة فهم هذه الظاهرة التي أضحت تبرز بقوة داخل عدة أوساط مجتمعية وتثير عدة إشكاليات على مستوى الممارسة والبحث عن سبل مواجهتها بالشكل الأسلم، ولعل أغلب المقترحات المقدمة في هذا الصدد تركز على دور الإصلاح التشريعي في سد الثغرات المسجلة على مستوى التعامل مع ظاهرة زواج القاصرات، حيث تقترح عدة جهات تحديد سن أدنى للزواج لا يتعدى 16 أو 17 سنة، وتقييد السلطة التقديرية الواسعة الممنوحة للقضاة من أجل منح إذن بزواج القاصر، وإلزامية القيام بالخبرة الطبية اللازمة، وإلزامية الاستعانة أيضا بالخبرة الاجتماعية المتخصصة عنصرا أساسيا يدخل ضمن العناصر المكونة للسلطة التقديرية للقاضي.
ومن أهم الحلول المقترحة من أجل ضمان نجاعة مساطر زواج القاصر، توفير الإمكانيات اللازمة لإجراء البحث الاجتماعي المتخصص من الناحية العملية وبالنظر لعدم توفر إمكانة إجراء بحث اجتماعي متخصص للتأكد مما إذا كانت الادعاءات المعتمدة في طلب تزويج القاصر مقبولة قانونا وواقعا، يكتفي قاضي الأسرة في الإذن بتزويجها بالبحث الذي يجريه بنفسه بغرفة المشورة بالاستماع إلى تصريحات الخطيبين وأولياء أمور القاصر، ويستأنس ببعض المعطيات التي تحصلت لديه من خلال هذا البحث ولو من خلال تصريحات الأطراف وذلك من أجل تعليل الإذن الذي يصدره، من قبيل توفر القاصر على القدرة الجسدية لتحمل أعباء وواجبات الزواج (ويستدل على هذه القدرة بأن الفتاة صامت خلال رمضان لسنتين متتاليتين…)، أو وجود روابط عائلية بين المخطوبين، أو أن عادات أهل المنطقة تسمح بتزويج الفتيات في مثل سن الفتاة المعنية،
أو الظروف الاقتصادية والاجتماعية للفتاة القاصر؛ أو اقترابها من السن القانوني للزواج، لكنه على أرض الواقع لا يتأكد من صحة المعطيات التي يطرحها الأطراف ومن مدى وجود مصلحة القاصر في هذا الزواج، ولا حتى من شرط الإمكانيات المالية والاستعداد النفسي وهو ما يفرض بالضرورة الاستعانة بالبحث الاجتماعي المتخصص وتوفير مساعدات اجتماعيات يتولين إعداد تقارير حول ظروف كلا الخطيبين ودراسة أوضاعهما الاجتماعية والعائلية ومدى استعداد كلا الطرفين الراغبين في إبرام عقد زواج لتأسيس أسرة يكون أحد طرفيها لا يزال قاصرا. ولا شك أن التقارير التي ستنجز في هذه الأحوال ستسهم في توفير أرضية صلبة يعتمد عليها القاضي في بناء قناعاته لمنح الإذن بزواج قاصر من عدمه.
ضرورة التنصيص على الزامية الخبرة الطبية؛ إذ تعتبر الخبرة الطبية من المستجدات الهامة التي أتى بها المشرع، وجعلها وسيلة تمكن القاضي من تكوين قناعته فيما يخص منح الإذن بزواج القاصر من عدمه، فهي تمكنه من التأكد من نضج القاصر وأهليته الجسدية الشيء الذي يساعده في اتخاذ ما يراه مناسبا على ضوء ما تأكد له من وجود المصلحة أو انتفائها.
فمن خلال الخبرة الطبية يتأكد القاضي من قابلية القاصر للزواج، ومن المعلوم أن إجراء الخبرة مسألة فنية، يحيل القاضي القاصر بشأنها على خبير محلف، حيث يرجع الحسم فيها إلى ذوي الاختصاص من الأطباء. ويتعين على الخبير إجراء الفحوصات السريرية اللازمة والتي ينجز على ضوئها تقريرا مفصلا يحدد فيه بدقة ووضوح المعطيات التي اعتمدها والخلاصة التي توصل إليها بشأن الحالة المعروضة عليه.
ورغم أهمية الخبرة الطبية فإن المشرع لم ينص على إلزاميتها عند منح الإذن بزواج قاصر رغم أن نتائجها تكون حاسمة خاصة في حال ما إذا أكدت أن القاصر غير مؤهلة للزواج، والحرص على التكوين المستمر للقضاة وتشبعهم بمبادئ حقوق الإنسان للمرأة والنوع الاجتماعي.
بقلم ذ أنس سعدون
أنس سعدون عضو نادي قضاة المغرب باحث في صف الدكتوراه بجامعة عبد المالك السعدي بطنجة
اترك تعليقاً