رابطة السببية في جريمة القتل الخطأ – أحكام واجتهادات قضائية مصرية
الطعن 4716 لسنة 56 ق جلسة 4 / 2 / 1987 مكتب فني 38 ج 1 ق 30 ص 194 جلسة 4 من فبراير سنة 1987
برياسة السيد المستشار/ محمد وجدي عبد الصمد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ إبراهيم حسين رضوان نائب رئيس المحكمة وفتحي خليفة وسرى صيام وعلي الصادق عثمان.
—————–
(30)
الطعن رقم 4716 لسنة 56 القضائية
(1) اختصاص “اختصاص ولائي”. قضاء عسكري. قانون “تفسيره” “تطبيقه”. نقض “أسباب الطعن. ما لا يقبل منها”.
المحاكم العادية صاحبة الولاية العامة بالفصل في الجرائم كافة إلا ما استثنى بنص خاص. أساس ذلك؟
إجازة بعض القوانين إحالة جرائم معينة إلى محاكم خاصة لا يسلب المحاكم العادية ولايتها بالفصل في تلك الجرائم ما دام أن القانون لم يرد به أن نص على انفراد المحكمة الخاصة بالاختصاص سواء كان معاقباً عليها بمقتضى قانون عام أو خاص. أساس ذلك؟
(2)اختصاص “اختصاص ولائي” “تنازع الاختصاص”. دستور. هيئة الشرطة. هيئات قضائية. قضاء عسكري. قانون “تفسيره”.
قانون الأحكام العسكرية الصادر بالقانون رقم 25 لسنة 1966 أو قانون هيئة الشرطة أو أي تشريع آخر لم يرد فيه نص على انفراد القضاء العسكري دون غيره بالاختصاص على مستوى كافة مراحل الدعوى إلا فيما يتعلق بالأحداث الخاضعين لأحكامه. مفاد ذلك؟
النص في المادة 48 من قانون الأحكام العسكرية على أن السلطات القضائية العسكرية هي وحدها التي تقرر ما إذا كان الجرم داخلاً في اختصاصها أم لا. لا يفيد صراحة أو ضمناً انفراد القضاء العسكري وحده بنظر الجرائم المنصوص عليها في ذلك القانون. تحديد اختصاص الهيئات القضائية. أساسه؟
تنازع الاختصاص الإيجابي بين السلطات القضائية العسكرية وبين المحاكم الاستثنائية الخاصة. حكمه؟
(3)اختصاص. “تنازع الاختصاص”. محكمة عسكرية. محكمة استثنائية. محكمة عادية. قانون “تفسيره” “إلغاؤه”. محكمة التنازع “المحكمة الدستورية العليا”.
إلغاء النص التشريعي. عدم جوازه إلا بتشريع لاحق ينص صراحة على الإلغاء أو شموله نصاً يتعارض مع التشريع القديم أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع.
عدم ورود نص تشريعي لاحق ينص صراحة على إلغاء المادة 48 من قانون الأحكام العسكرية. مؤداه؟
التنازع السلبي بين السلطات القضائية العسكرية وبين المحاكم العادية. حكمه؟
(4)قتل خطأ. رابطة السببية.
تقدير الخطأ وتوافر رابطة السببية بينه وبين الإصابة. موضوعي.
(5)قتل خطأ. نقض “أسباب الطعن. ما لا يقبل منها”. دفاع “الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره”. محكمة الموضوع “سلطتها في تقدير الدليل”.
حق المحكمة في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها واطراح ما يخالفها من صور أخرى. شرط ذلك؟
(6)إثبات “بوجه عام”. محكمة الموضوع “سلطتها في تقدير الدليل”. نقض “أسباب الطعن. ما لا يقبل منها”.
الجدل الموضوعي في تقدير أدلة الدعوى وفي الصورة التي استخلصتها المحكمة. غير جائز أمام النقض.
(7) إثبات “معاينة” “خبرة”. دفاع “الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره”. قتل خطأ. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”.
طلب إجراء المعاينة الذي لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة ولا إلى إثبات استحالة حصول الواقعة كما رواها الشهود. لا تلتزم المحكمة بإجابته.
عدم التزام المحكمة إجابة الدفاع مناقشة الطبيب الشرعي. علة ذلك؟
(8)إثبات “بوجه عام”. قتل خطأ. مسئولية جنائية. جريمة “أركانها” محكمة الموضوع “سلطتها في تقدير الدليل”.
السرعة التي تصلح أساساً للمسائلة الجنائية. ماهيتها؟
تقدير ما إذا كانت سرعة السيارة في ظروف معينة تعد عنصراً من عناصر الخطأ أو لا تعد. موضوعي.
——————
1 – استقر قضاء هذه المحكمة على أن المحاكم العادية هي صاحبة الولاية العامة بالفصل في الجرائم كافة إلا ما استثنى بنص خاص عملاً بنص الفقرة الأولى من المادة الخامسة عشرة من قانون السلطة القضائية الصادر بالقرار بقانون رقم 46 لسنة 1972، في حين أن غيرها من المحاكم ليست إلا محاكم استثنائية أو خاصة، وأنه وإن أجازت القوانين في بعض الأحوال، إحالة جرائم معينة إلى محاكم خاصة، إلا أن هذا لا يسلب المحاكم العادية ولايتها بالفصل في تلك الجرائم ما دام أن القانون الخاص لم يرد به أي نص على انفراد المحكمة الخاصة بالاختصاص، يستوي في ذلك أن تكون الجريمة معاقباً عليها بموجب القانون العام أو بمقتضى قانون خاص، إذ لو أراد الشارع أن يقصر الاختصاص على محكمة معينة ويفردها به، لما أعوزه النص على ذلك صراحة على غرار ما جرى عليه في قوانين عدة منها قانون السلطة القضائية سالف الذكر حين نص في المادة 83 منه التي ناطت بدوائر المواد المدنية والتجارية بمحكمة النقض “دون غيرها” الفصل في الطلبات التي يقدمها رجال القضاء والنيابة العامة بإلغاء القرارات الجمهورية والوزارية المتعلقة بشئونهم وفي شأن طلبات التعويض والمنازعات الخاصة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت، وقانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972 حين نص في المادة العاشرة منه على اختصاص محاكم مجلس الدولة “دون غيرها” بالفصل في المسائل التي حددها، والقانون رقم 31 لسنة 1974 بشأن الأحداث حين نص في الفقرة الأولى من المادة التاسعة والعشرين منه على اختصاص محكمة الأحداث “دون غيرها” بالنظر في أمر الحدث عند اتهامه في الجرائم وعند تعرضه للانحراف، أما غير الحدث – إذا أسهم في جريمة من الجرائم المنصوص عليها في قانون الأحداث – فإن الشارع وإن جعل لمحكمة الأحداث اختصاصاً بنظرها بموجب الفقرة الثانية من المادة التاسعة والعشرين سالفة الذكر، إلا أنه لم يفردها بهذا الاختصاص كما فعل في الفقرة الأولى، وبالتالي لم يسلب المحاكم العادية ولايتها بالفصل فيها. وقد التزم الشارع هذا النهج ولم يشذ عنه في اللجان التي أضفى عليها اختصاصاً قضائياً، من ذلك ما نص عليه في المادة 13 مكررة (1) من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعي من تشكيل لجان يكون من مهمتها في حالة المنازعة، تحديد ما يجب الاستيلاء عليه من الأراضي الزراعية طبقاً لأحكام هذا القانون، وأنه “واستثناء من حكم المادة 12 من قانون نظام القضاء، يمتنع على المحاكم النظر في المنازعات المتعلقة بملكية الأطيان المستولى عليها…” وفي المادة الثالثة من القانون رقم 54 لسنة 1966 بشأن لجان الفصل في المنازعات الزراعية من اختصاصها بنظر المنازعات الناشئة عن العلاقة الإيجارية في الأراضي الزراعية وغيرها “وبوجه خاص تختص اللجنة” وحدها “بالفصل في المسائل الآتية: ( أ )…. (ب)….. (ج)….” وفي الفقرة الثانية من المادة السابعة من القانون ذاته من أنه “يمتنع على المحاكم النظر في المنازعات التي تدخل في اختصاص هذه اللجان طبقاً للفقرة 2 من المادة 3″، وفي المادة الخامسة من القانون رقم 43 لسنة 1982 في شأن إنهاء الأحكار على الأعيان الموقوفة من اختصاص اللجنة القضائية المنصوص عليها فيها “دون غيرها” بالفصل في المسائل الواردة في البنود من الأول إلى الخامس منها. وقد أخذ الدستور بهذا المفهوم عندما نص في المادة 175 منه على أن تتولى المحكمة الدستورية “دون غيرها” الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح.
2 – لما كانت المحاكم العسكرية المنصوص عليها في القانون رقم 25 لسنة 1966 بإصدار قانون الأحكام العسكرية ليست إلا محاكم خاصة ذات اختصاص خاص، وأنه وإن ناط بها هذا القانون الاختصاص بنوع معين من الجرائم، ومحاكمة فئة خاصة من المتهمين، إلا أنه لم يؤثرها بهذه المحاكمة وذلك الاختصاص أو يحظرها على المحاكم العادية، إذ لم يرد فيه، ولا في قانون هيئة الشرطة رقم 109 لسنة 1971، ولا في أي تشريع آخر، نص على إنفراد القضاء العسكري بالاختصاص على مستوى كافة مراحل الدعوى ابتداء من تحقيقها وانتهاء بالفصل فيها – إلا فيما يتعلق بالجرائم التي تقع من الأحداث الخاضعين لأحكامه عملاً بنص المادة الثامنة مكرراً منه. ولا يقدح في ذلك، ما نصت عليه المادة الرابعة من مواد إصدار ذلك القانون، من سريان أحكامه على جميع الدعاوى الداخلة في اختصاصه، ما لم تكن قد رفعت إلى الجهات القضائية المختصة، ذلك بأن الشق الأول من النص قد خلا مما يفيد انعقاد الاختصاص بنظر الدعاوى المشار إليها فيه للقضاء العسكري وحده دون غيره، والشق الثاني منه يعالج الحالة التي تكون فيها هذه الدعاوى قد رفعت إلى الجهات القضائية المختصة قبل العمل به في أول يونيه سنة 1966، فأبقى الاختصاص بنظرها معقوداً لتلك الجهات دون أن يشاركها فيه القضاء العسكري. ويؤكد هذا النظر أن الشارع عندما أراد أن يعقد الاختصاص بجرائم الأحداث الخاضعين لأحكام قانون الأحكام العسكرية للقضاء العسكري وحده، فقد نص صراحة في المادة الثامنة مكرراً من هذا القانون – والمضافة بالقانون رقم 72 لسنة 1975 – على أن إفراده بذلك الاختصاص إنما هو استثناء من أحكام القانون رقم 31 لسنة 1974 بشأن الأحداث، وهو ما يتأدى منه أنه باستثناء ما أشير إليه في تلك المادة من جرائم تقع من الأحداث الخاضعين لأحكامه، وكذلك الجرائم التي تقع من الأحداث الذين تسري في شأنهم أحكامه إذا وقعت الجريمة مع واحد أو أكثر من الخاضعين لأحكامه، فإنه لا يحول بين المحاكم العادية وبين الاختصاص بالفصل في الجرائم المنصوص عليها فيه، مانع من القانون، ويكون اختصاص القضاء العسكري بجرائم الأحداث المنصوص عليها في المادة 8 مكرراً سالفة الذكر، إنما هو خروج على الأصل العام المقرر بقانون السلطة القضائية. أما ما عدا هؤلاء الأحداث وتلك الجرائم مما أسبغت سائر نصوص قانون الأحكام العسكرية على القضاء العسكري الفصل فيها، دون أن تفرده بذلك انتزاعاً من المحاكم صاحبة الولاية العامة في القضاء فإنه ليس ثمة ما يحول بين هذه المحاكم وبين الفصل فيها إعمالاً لحقها الأصيل، إذ لا محل للقول باختصاص استئثاري للقضاء العسكري بها، ويكون الاختصاص في شأنها – بالتعويل على ذلك – مشتركاً بين القضاء العسكري وبين المحاكم، لا يمنع نظر أيهما فيها، من نظر الأخرى، إلا أن تحول دون ذلك قوة الأمر المقضي. ولا ينال من هذا النظر، النص في المادة الثامنة والأربعين من قانون الأحكام العسكرية آنف الذكر على أن “السلطات القضائية العسكرية هي وحدها التي تقرر ما إذا كان الجرم داخلاً في اختصاصها أم لا”. ذلك أن هذا النص – وأياً كان وجه الرأي فيه – لا يفيد صراحة ولا ضمناً، انفراد القضاء العسكري وحده بنظر الجرائم المنصوص عليها في قانون الأحكام العسكرية، ذلك أن اختصاص الهيئات القضائية – وعلى ما جرى به نص المادة 167 من الدستور – يحدده القانون، ومن ثم يكون قصارى ما يفيده نص المادة 48 سالفة الذكر، أن السلطات القضائية العسكرية هي وحدها صاحبة القول الفصل عند تنازع الاختصاص، وهو ما يؤكده أن لفظة “وحدها” وردت بعد عبارة “السلطات القضائية العسكرية” ولم ترد بعد لفظة “اختصاصها” في نهاية النص. لما كان ذلك، وكان إعمال مقتضى هذا النص في حالة التنازع الإيجابي بين السلطات المشار إليها فيه، وبين هيئة أو محكمة استثنائية ذات اختصاص قضائي أو محكمة خاصة، أنه متى رفعت الدعوى الجنائية إليها عن جريمة سبق أن قرر القضاء العسكري أنها تدخل في اختصاصه الولائي، تعين عليها أن تحكم بعدم اختصاصها بنظرها، وهو ما لا يسري على المحاكم العادية لأن القضاءين العادي والعسكري قسيمان في الاختصاص بالجرائم المنصوص عليها في قانون الأحكام العسكرية.
3 – لما كان من المقرر وفق القاعدة العامة الواردة في المادة الثانية من القانون المدني أنه “لا يجوز إلغاء نص تشريعي إلا بتشريع لاحق ينص صراحة على هذا الإلغاء أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع “وكان قانون الأحكام العسكرية الصادر بالقانون رقم 25 لسنة 1966، وقانون كلتا المحكمتين العليا والدستورية، بمنزلة سواء في مدارج التشريع، وكانت القوانين سالفة الذكر اللاحقة على قانون الأحكام العسكرية لم تنص صراحة على إلغاء نص المادة 48 من هذا القانون، بل وخلت نصوصها وديباجاتها من أية إشارة إلى قانون الأحكام العسكرية، وكانت القوانين اللاحقة إنما هي تشريعات عامة فيما انتظمته من أحكام في شأن تنازع الاختصاص – إيجاباً وسلباً – بالنسبة للدعاوى التي ترفع عن موضوع واحد أمام مختلف جهات القضاء أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي بعامة، وسواء أكانت تلك الدعاوى مدنية أم إدارية أم جنائية، في حين أن نص المادة 48 من قانون الأحكام العسكرية إنما هو نص خاص ورد في تشريع خاص وقصر ولاية السلطات القضائية العسكرية المنصوص عليها فيه على الفصل في تنازع الاختصاص في الدعاوى الجنائية التي تكون فيها تلك السلطات طرفاً في هذا التنازع فحسب، وكان من المقرر أيضاً أن الخاص يقيد العام، فإن نص المادة 48 من قانون الأحكام العسكرية يكون قائماً لم ينسخه قانون المحكمة العليا الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 1969، ولا قانون الإجراءات والرسوم أمام تلك المحكمة الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1970، ولا قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 والذي خصتها المادة 25 ثانياً منه – دون غيرها – بالفصل في تنازع الاختصاص بتعيين الجهة المختصة من بين جهات القضاء أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي، ويكون لكل من النصين مجال تطبيقه، لا يتداخلان ولا يبغيان. يؤيد بقاء نص المادة 48 من قانون الأحكام العسكرية قائماً، استثناء من النصوص الواردة في التشريعات العامة اللاحقة، إنه ظل ماضياً في تحقيق الغرض منه، سواء في ظل قانون السلطة القضائية الصادر بالقانون رقم 43 لسنة 1965 – من قبل – والذي كان ينص في المادة 17 منه على محكمة تنازع الاختصاص أم في ظل قانون كلتا المحكمتين العليا والدستورية – من بعد – الذي نقل الفصل في تنازع الاختصاص – على التعاقب – إليهما، فقد جرى قضاء هذه المحكمة – محكمة النقض – على تطبيق نص المادة 48 المشار إليه بهذا المفهوم على التنازع السلبي بين السلطات القضائية العسكرية وبين المحاكم العادية، وألزمت هذه المحاكم بالفصل في أية جريمة ترى تلك السلطات عدم اختصاصها بها اعتباراً بأن قرارها في هذا الشأن هو القول الفصل الذي لا يقبل تعقيباً.
4 – إن تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه جنائياً أو مدنياً وتقدير توافر السببية بين الخطأ والنتيجة أو عدم توافره هو من المسائل الموضوعية التي تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب ما دام تقديرها سائغاً ومستنداً إلى أدلة مقبولة ولها أصل في الأوراق.
5 – من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إلى اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق.
6 – إن ما يثيره الطاعن في شأن إغفال دفاعه بارتداد الحادث إلى المجني عليه الذي قفز أمامه فجأة ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير أدلة الدعوى وفي الصورة التي استخلصتها المحكمة لها مما لا يجوز أمام محكمة النقض.
7 – إن المحكمة لا تلتزم بإجابة طلب إجراء المعاينة الذي لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة ولا إلى إثبات استحالة حصول الواقعة كما رواها الشهود، بل كان المقصود به إثارة الشبهة في الدليل الذي اطمأنت إليه المحكمة، كما لا تلتزم بإجابة الدفاع إلى طلبه مناقشة الطبيب الشرعي ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء – وهو الحال في الدعوى.
8 – من المقرر أن السرعة التي تصلح أساساً للمساءلة الجنائية في جريمتي القتل والإصابة الخطأ ليست لها حدود ثابتة وإنما هي التي تجاوز الحد الذي تقتضيه ملابسات الحال وظروف المرور وزمانه ومكانه، فيتسبب عن هذا التجاوز الموت أو الجرح، وأن تقدير ما إذا كانت سرعة السيارة في ظروف معينة تعد عنصراً من عناصر الخطأ أو لا تعد هو مما يتعلق بموضوع الدعوى.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: تسبب بخطئه في موت الطفل …… وكان ذلك ناشئاً عن إهماله وعدم احترازه ومخالفته للقوانين واللوائح بأن قاد الجرار الزراعي بحالة ينجم عنها الخطر فاصطدم بالمجني عليه سالف الذكر وأحدث به الإصابات المبينة بالتقرير الطبي والتي أودت بحياته. ثانياً: قاد الجرار الزراعي بحالة ينجم عنها الخطر. وطلبت عقابه بالمادة 238/ 1 من قانون العقوبات والمواد 3، 5، 63/ 1، 77 من القانون رقم 66 لسنة 1973 المعدل. وادعى والد ووالدة المجني عليه مدنياً قبل المتهم بطلب إلزامه بأن يدفع لهما مبلغ مائة وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنح مركز بنها الجزئية قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام بحبس المتهم سنة مع الشغل وكفالة خمسين جنيهاً لوقف التنفيذ وإلزامه بأن يؤدي للمدعيين بالحق المدني مبلغ مائة وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت. استأنف المحكوم عليه، ومحكمة بنها الابتدائية (بهيئة استئنافية) قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المستأنف والاكتفاء بحبس المتهم ستة أشهر مع الشغل وتأييد الحكم فيما عدا ذلك.
فطعن الأستاذ/…….. المحامي نيابة عن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض… إلخ.
المحكمة
من حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه إنه إذ دانه بجريمة القتل الخطأ وألزمه بالتعويض قد خالف القانون وشابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه صدر من محكمة عادية لا ولاية لها بنظر الدعوى لأن الطاعن من جنود القوات المسلحة الموزعين داخلياً على قسم قوات أمن القليوبية فينعقد الاختصاص بمحاكمته للقضاء العسكري إعمالاً للقانون رقم 25 لسنة 1966 بإصدار قانون الأحكام العسكرية، والذي نصت المادة 48 منه على حق هذا القضاء وحده في تقرير ما إذا كان الجرم داخلاً في اختصاصه أم لا، وأغفل الحكم دفاع الطاعن أن الحادث يرتد إلى خطأ المجني عليه غير المميز الذي قفز فجأة أمام المركبة ووجدت آثار دمائه بمنتصف الطريق، وأعرض عن طلب انتقال المحكمة لمعاينة مكان الحادث لإثبات استحالة حصوله وفق تصوير الشاهد، ومناقشة الطبيب الشرعي في بيان الصلة بين الحادث وبين الصدمة الجراحية والتي لم يستظهرها الحكم، واعتبر قول الطاعن أنه كان يقود المركبة بسرعة ثلاثين كيلو متراً في الساعة اعترافاً بالخطأ مع أن هذه السرعة في حد ذاتها لا تؤدي إلى وقوع الحادث، وعول على عدم تهدئة السرعة عند منعطف الطريق الذي حدثت فيه الواقعة مع أن آثار الدماء وجدت في منتصفه. كل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن المحاكم العادية هي صاحبة الولاية العامة بالفصل في الجرائم كافة إلا ما استثنى بنص خاص عملاً بنص الفقرة الأولى من المادة الخامسة عشر من قانون السلطة القضائية الصادر بالقرار بقانون رقم 46 لسنة 1972، في حين أن غيرها من المحاكم ليست إلا محاكم استثنائية أو خاصة، وأنه وإن أجازت القوانين في بعض الأحوال، إحالة جرائم معينة إلى محاكم خاصة، إلا أن هذا لا يسلب المحاكم العادية ولايتها بالفصل في تلك الجرائم ما دام أن القانون الخاص لم يرد به أي نص على إنفراد المحكمة الخاصة بالاختصاص، يستوي في ذلك أن تكون الجريمة معاقباً عليها بموجب القانون العام أو بمقتضى قانون خاص، إذ لو أراد الشارع أن يقصر الاختصاص على محكمة معينة ويفردها به، لما أعوزه النص على ذلك صراحة على غرار ما جرى عليه في قوانين عدة منها قانون السلطة القضائية سالف الذكر حين نص في المادة 83 منه التي ناطت بدوائر المواد المدنية والتجارية بمحكمة النقض “دون غيرها” الفصل في الطلبات التي يقدمها رجال القضاء والنيابة العامة بإلغاء القرارات الجمهورية والوزارية المتعلقة بشئونهم وفي شأن طلبات التعويض والمنازعات الخاصة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت، وقانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972 حين نص في المادة العاشرة منه على اختصاص محاكم مجلس الدولة “دون غيرها” بالفصل في المسائل التي حددها، والقانون رقم 31 لسنة 1974 بشأن الأحداث حين نص في الفقرة الأولى من المادة التاسعة والعشرين منه على اختصاص محكمة الأحداث “دون غيرها” بالنظر في أمر الحدث عند اتهامه في الجرائم وعند تعرضه للانحراف، أما غير الحدث – إذا أسهم في جريمة من الجرائم المنصوص عليها في قانون الأحداث – فإن الشارع وإن جعل لمحكمة الأحداث اختصاصاً بنظرها بموجب الفقرة الثانية من المادة التاسعة والعشرين سالفة الذكر، إلا أنه لم يفردها بهذا الاختصاص كما فعل في الفقرة الأولى، وبالتالي لم يسلب المحاكم العادية ولايتها بالفصل فيها. وقد التزم الشارع هذا النهج ولم يشذ عنه في اللجان التي أضفى عليها اختصاصاً قضائياً، من ذلك ما نص عليه في المادة 13 مكررة (1) من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعي من تشكيل لجان يكون من مهمتهما في حالة المنازعة، تحديد ما يجب الاستيلاء عليه من الأراضي الزراعية طبقاً لأحكام هذا القانون، وأنه “استثناء من حكم المادة 12 من قانون نظام القضاء، يمتنع على المحاكم النظر في المنازعات المتعلقة بملكية الأطيان المستولى عليها…” وفي المادة الثالثة من القانون رقم 54 لسنة 1966 بشأن لجان الفصل في المنازعات الزراعية من اختصاصها بنظر المنازعات الناشئة عن العلاقة الإيجارية في الأراضي الزراعية وغيرها “وبوجه خاص تختص اللجنة “وحدها” بالفصل في المسائل الآتية: ( أ )…. (ب)….. (ج)….” وفي الفقرة الثانية من المادة السابعة من القانون ذاته من أنه “يمتنع على المحاكم النظر في المنازعات التي تدخل في اختصاص هذه اللجان طبقاً للفقرة 2 من المادة 3″، وفي المادة الخامسة من القانون رقم 43 لسنة 1982 في شأن إنهاء الأحكار على الأعيان الموقوفة من اختصاص اللجنة القضائية المنصوص عليها فيها “دون غيرها” بالفصل في المسائل الواردة في البنود من الأول إلى الخامس منها. وقد أخذ الدستور بهذا المفهوم عندما نص في المادة 175 منه على أن تتولى المحكمة الدستورية “دون غيرها” الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح. لما كان ذلك، وكانت المحاكم العسكرية المنصوص عليها في القانون رقم 25 لسنة 1966 بإصدار قانون الأحكام العسكرية ليست إلا محاكم خاصة – ذات اختصاص خاص، وإنه وإن ناط بها هذا القانون الاختصاص بنوع معين من الجرائم، ومحاكمته فئة خاصة من المتهمين، إلا أنه لم يؤثرها بهذه المحاكمة وذلك الاختصاص أو يحظرهما على المحاكم العادية، إذ لم يرد فيه، ولا في قانون هيئة الشرطة رقم 109 لسنة 1971، ولا في أي تشريع آخر، نص على إنفراد القضاء العسكري بالاختصاص على مستوى كافة مراحل الدعوى ابتداء من تحقيقها وانتهاء بالفصل فيها – إلا فيما يتعلق بالجرائم التي تقع من الأحداث الخاضعين لأحكامه عملاً بنص المادة الثامنة مكرراً منه. ولا يقدح في ذلك، ما نصت عليه المادة الرابعة من مواد إصدار ذلك القانون، من سريان أحكامه على جميع الدعاوى الداخلة في اختصاصه، ما لم تكن قد رفعت إلى الجهات القضائية المختصة، ذلك بأن الشق الأول من النص قد خلا مما يفيد انعقاد الاختصاص بنظر الدعاوى المشار إليها فيه للقضاء العسكري وحده دون غيره، والشق الثاني منه يعالج الحالة التي تكون فيها هذه الدعاوى قد رفعت إلى الجهات القضائية المختصة قبل العمل به في أول يونيه سنة 1966، فأبقى الاختصاص بنظرها معقوداً لتلك الجهات دون أن يشاركها فيه القضاء العسكري. يؤكد هذا النظر أن الشارع عندما أراد أن يعقد الاختصاص بجرائم الأحداث الخاضعين لأحكام قانون الأحكام العسكرية للقضاء العسكري وحده. فقد نص صراحة في المادة الثامنة مكرراً من هذا القانون – والمضافة بالقانون رقم 72 لسنة 1975 – على أن إفراده بذلك الاختصاص إنما هو استثناء من أحكام القانون رقم 31 لسنة 1974 بشأن الأحداث، وهو ما يتأدى منه أنه باستثناء ما أشير إليه في تلك المادة من جرائم تقع من الأحداث الخاضعين لأحكامه، وكذلك الجرائم التي تقع من الأحداث الذين تسري في شأنهم أحكامه إذا وقعت الجريمة مع واحد أو أكثر من الخاضعين لأحكامه، فإنه لا يحول بين المحاكم العادية وبين الاختصاص بالفصل في الجرائم المنصوص عليها فيه، مانع من القانون، ويكون اختصاص القضاء العسكري بجرائم الأحداث المنصوص عليها في المادة 8 مكرراً سالفة الذكر، إنما هو خروج على الأصل العام المقرر بقانون السلطة القضائية. أما ما عدا هؤلاء الأحداث وتلك الجرائم مما أسبغت سائر نصوص قانون الأحكام العسكرية على القضاء العسكري الفصل فيها، دون أن تفرده بذلك انتزاعاً من المحاكم صاحبة الولاية العامة في القضاء فإنه ليس ثمة ما يحول بين هذه المحاكم وبين الفصل فيها إعمالاً لحقها الأصيل، إذ لا محل للقول باختصاص استئثاري للقضاء العسكري بها، ويكون الاختصاص في شأنها – بالتعويل على ذلك – مشتركاً بين القضاء العسكري وبين المحاكم، لا يمنع نظر أيهما فيها، من نظر الأخرى، إلا أن تحول دون ذلك قوة الأمر المقضي. ولا ينال من هذا النظر، النص في المادة الثامنة والأربعين من قانون الأحكام العسكرية آنف الذكر على أن “السلطات العسكرية هي وحدها التي تقرر ما إذا كان الجرم داخلاً في اختصاصها أم لا”. ذلك أن هذا النص – وأياً كان وجه الرأي فيه – لا يفيد صراحة ولا ضمناً، إنفراد القضاء العسكري وحده بنظر الجرائم المنصوص عليها في قانون الأحكام العسكرية، ذلك أن اختصاص الهيئات القضائية – وعلى ما جرى به نص المادة 167 من الدستور – يحدده القانون، ومن ثم يكون قصارى ما يفيده نص المادة 48 سالفة الذكر أن السلطات القضائية العسكرية هي وحدها صاحبة القول الفصل عند تنازع الاختصاص، وهو ما يؤكده أن لفظة “وحدها” وردت بعد عبارة “السلطات القضائية العسكرية” ولم ترد بعد لفظة “اختصاصها” في نهاية النص. لما كان ذلك، وكان إعمال مقتضى هذا النص في حالة التنازع الإيجابي بين السلطات المشار إليها فيه، وبين هيئة أو محكمة استثنائية ذات اختصاص قضائي أو محكمة خاصة، أنه متى رفعت الدعوى الجنائية إليها عن جريمة سبق أن قرر القضاء العسكري أنها تدخل في اختصاصه الولائي، تعين عليها أن تحكم بعدم اختصاصها بنظرها، وهو ما لا يسري على المحاكم العادية لأن القضاءين العادي والعسكري قسيمان في الاختصاص بالجرائم المنصوص عليها في قانون الأحكام العسكرية. لما كان ذلك، وكان من المقرر وفق القاعدة العامة الواردة في المادة الثانية من القانون المدني أنه “لا يجوز إلغاء نص تشريعي إلا بتشريع لاحق ينص صراحة على هذا الإلغاء أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع” وكان قانون الأحكام العسكرية الصادر بالقانون رقم 25 لسنة 1966، وقانون كلتا المحكمتين العليا والدستورية، بمنزلة سواء في مدارج التشريع، وكانت القوانين سالفة الذكر اللاحقة على قانون الأحكام العسكرية لم تنص صراحة على إلغاء نص المادة 48 من هذا القانون، بل وخلت نصوصها وديباجاتها من أية إشارة إلى قانون الأحكام العسكرية وكانت القوانين اللاحقة إنما هي تشريعات عامة فيما انتظمته من أحكام في شأن تنازع الاختصاص – إيجاباً وسلباً – بالنسبة للدعاوى التي ترفع عن موضوع واحد أمام مختلف جهات القضاء أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي بعامة، وسواء أكانت تلك الدعاوى مدنية أم إدارية أم جنائية، في حين أن نص المادة 48 من قانون الأحكام العسكرية إنما هو نص خاص ورد في تشريع خاص وقصر ولاية السلطات القضائية العسكرية المنصوص عليها فيه على الفصل في تنازع الاختصاص في الدعاوى الجنائية التي تكون فيها تلك السلطات طرفاً في هذا التنازع فحسب، وكان من المقرر أيضاً أن الخاص يقيد العام، فإن نص المادة 48 من قانون الأحكام العسكرية يكون قائماً لم ينسخه قانون المحكمة العليا الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 1969، ولا قانون الإجراءات والرسوم أمام تلك المحكمة الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1970، ولا قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 والذي خصتها المادة 25 ثانياً منه – دون غيرها – بالفصل في تنازع الاختصاص بتعيين الجهة المختصة من بين جهات القضاء أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي، ويكون لكل من النصين مجال تطبيقه، لا يتداخلان ولا يبغيان. يؤيد بقاء نص المادة 48 من قانون الأحكام العسكرية قائماً، استثناء من النصوص الواردة في التشريعات العامة اللاحقة، أنه ظل ماضياً في تحقيق الغرض منه، سواء في ظل قانون السلطة القضائية الصادر بالقانون رقم 43 لسنة 1965 – من قبل – والذي كان ينص في المادة 17 منه على محكمة – تنازع الاختصاص أم في قانون كلتا المحكمتين العليا والدستورية – من بعد – الذي نقل الفصل في تنازع الاختصاص – على التعاقب – إليهما، فقد جرى قضاء هذه المحكمة – محكمة النقض – على تطبيق نص المادة 48 المشار إليه بهذا المفهوم على التنازع السلبي بين السلطات القضائية العسكرية وبين المحاكم العادية، وألزمت هذه المحاكم بالفصل في أية جريمة ترى تلك السلطات عدم اختصاصها بها اعتباراً بأن قرارها في هذا الشأن هو القول الفصل الذي لا يقبل تعقيباً. لما كان ما تقدم وكانت النيابة العامة قد رفعت الدعوى الجنائية على الطاعن أمام المحاكم العادية صاحبة الولاية العامة بنظرها، فإن ما يثيره الطاعن من عدم اختصاص المحكمة المطعون في حكمها بنظر الدعوى يكون على غير سند من القانون. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد اعتنق أسباب الحكم الابتدائي وأضاف إليها أسباباً جديدة بعد أن بين واقعة الدعوى بما مفاده أن الطاعن كان يقود جراراً زراعياً ألحقت به مقطورة بسرعة كبيرة لم يهدئها عند دخوله إلى شارع فرعي كان المجني عليه يقف على ناصيته فانحرف نحوه وصدمه بالمركبة فأصابه بإصابات أودت بحياته، خلص إلى أن ركن الخطأ يتمثل في مخالفة الطاعن قواعد وآداب المرور لعدم تهدئة السير عند منعطف الشارع الفرعي القادم إليه من شارع رئيسي بسرعة كبيرة. لما كان ذلك، وكان تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه جنائياً أو مدنياً وتقدير توافر السببية بين الخطأ والنتيجة أو عدم توافره هو من المسائل الموضوعية التي تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب ما دام تقديرها سائغاً ومستنداً إلى أدلة مقبولة ولها أصل في الأوراق، وكان مؤدى ما خلص إليه الحكم من توافر خطأ الطاعن على الصورة المتقدمة وقيام رابطة السببية بينه وبين وقوع الحادث، أنه أطرح دفاع الطاعن – الذي أورده بمدوناته – أن المجني عليه قفز أمامه فجأة، والذي يعتبر من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً صريحاً، اكتفاء بأخذ المحكمة بأدلة الثبوت التي عولت عليها في قضائها بالإدانة، وكان من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إلى اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، فإن ما يثيره الطاعن في شأن إغفاله دفاعه بارتداد الحادث إلى المجني عليه الذي قفز أمامه فجأة ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير أدلة الدعوى وفي الصورة التي استخلصتها المحكمة لها مما لا يجوز أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أورد – أخذاً بأقوال الشاهد ونقلاً عن المعاينة – أن آثار الدماء وجدت بجوار المنزل على جانب الطريق، وهو ما لا ينازع الطاعن في سلامة مأخذه، فإن زعمه أن هذه الآثار وجدت بمنتصف الطريق يكون على غير أساس. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أورد طلب انتقال المحكمة لمعاينة مكان الحادث لإثبات استحالة حصوله وفق تصوير الشاهد ودعوة الطبيب الشرعي لمناقشته في بيان الصلة بين الصدمة الجراحية وبين الحادث، ثم أفصح عن اطمئنانه إلى تصوير الشاهد للواقعة، وإلى قيام علاقة السببية بين خطأ الطاعن وبين وقوع الحادث الذي أدى إلى إصابات المجني عليه التي أودت بحياته، استناد إلى التقرير الطبي الذي أورد مؤداه، وكان ما نقله الحكم عن المعاينة – مما لا يماري الطاعن فيه – لا يتناقض بل يتفق مع تصوير الشاهد الذي اعتنقه الحكم، وكان الطاعن لم يبين وجه استحالة حدوث الواقعة كما رواها الشاهد التي يتغيا إثباتها من المعاينة، وكانت إن المحكمة لا تلتزم بإجابة طلب إجراء المعاينة الذي لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة ولا إلى إثبات استحالة حصول الواقعة كما رواها الشهود، بل كان المقصود به إثارة الشبهة في الدليل الذي اطمأنت إليه المحكمة، كما لا تلتزم بإجابة الدفاع إلى طلبه مناقشة الطبيب الشرعي ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء – وهو الحال في الدعوى، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص يكون غير مقبول. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن السرعة التي تصلح أساساً للمساءلة الجنائية في جريمتي القتل والإصابة الخطأ ليست لها حدود ثابتة وإنما هي التي تجاوز الحد الذي تقتضيه ملابسات الحال وظروف المرور وزمانه ومكانه، فيتسبب عن هذا التجاوز الموت أو الجرح، وأن تقدير ما إذا كانت سرعة السيارة في ظروف معينة تعد عنصراً من عناصر الخطأ أو لا تعد هو مما يتعلق بموضوع الدعوى، فإن الحكم إذ اعتبر القيادة بسرعة ثلاثين كيلو متراً في الساعة عند الدخول من طريق رئيسي إلى طريق فرعي تقع المنازل على جانيه بجرار زراعي ألحقت به مقطورة، خطأ يستوجب المساءلة، يكون قد اقترن بالصواب، ويضحى النعي عليه في هذا الصدد، على غير سند. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً مع إلزام الطاعن المصاريف المدنية.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً