يثور التساؤل عما اذا كان الفعل الذي بعد أن كان جريمة جنائية أصبح جريمة ادارية هل سيتمتع مرتكبها بالضمانات المقررة في القانون الجنائي أم سيفتقدها نتيجة دخول الفعل حيز قانون العقوبات الاداري ؟ كان للمحكمة الأوروبية لحقوق الانسان موقفاً صريحاً في هذا الشأن فلم تنكر الاتجاه السائد في أغلب الدول الأوروبية نحو تطبيق نظام الحد من العقاب ، الا أنها تتطلب دائماً تطبيق كافة المبادئ العامة المتعلقة بالقانون الجنائي عند تطبيق نظام الحد من العقاب .
_ أولاً : مدى تطابق قواعد قانون العقوبات الاداري في ايطاليا مع الاتفاقية الأوروبية لحقوق الانسان ورقابة المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان:
يرى البعض أن الدور الأساسي للمحكمة الأوروبية لحقوق الانسان هو الحفاظ على الضمانات الأساسية للأفراد في نطاق القانون الجنائي . يفرض على المحكمة رقابة مدى تحديد المشرع لكل من الجرائم الجنائية والجرائم الادارية وذلك لتجنب أن يخل المشرع الأوروبي بالضمانات الأساسية لحقوق الدفاع المقررة في اتفاقية أوروبا لحقوق الانسان وذلك اذا ما اعتبر المشرع فعلاً ما جريمة ادارية فانه لا مجال لاعمال المادة 6 من الاتفاقية على الجرائم الادارية والمتعلقة بحقوق وضمانات الدفاع ، فيجب طبقاً لهذا الرأي التوازن بين تضاؤل شدة الجزاءات الادارية وبالتالي عدم الحاجة للضمانات المقررة للقانون الجنائي وبين اعتبار الجزاء الاداري جزاءاً عقابياً رادعاً في حاجة الى قدر معين من الضمانات . وعلى الرغم من ذلك لو عرض الأمر على المحكمة لكان موقفها مخالفاً لما أبداه الرأي السابق ولكن لم يتعرض نظام الجرائم الادارية في القانون الايطالي لرقابة المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان .
_ ثانياً : مدى تطابق قواعد قانون العقوبات الاداري في ألمانيا مع الاتفاقية الأوروبية لحقوق الانسان ورقابة المحكمة :
قررت المحكمة تطبيق المادة السادسة من الاتفاقية على الجرائم الادارية في ألمانيا واعتبرتها جرائم جنائية بالطبيعة لها نفس الضمانات المقررة أصلاً للجرائم الجنائية وأهم تلك الضمانات حقوق الدفاع ، وقرينة البراءة ، واخطار الشخص بالتهم الموجه له ، والاستعانة بمحام ، والاستعانة بمترجم فوري ، ومبدأ الأثر الفوري للنصوص العقابية سواء في القانون الداخلي أو الدولي أو المبادئ العامة للأمم المتحضرة .
1- قضية : OZTURK
وقد تعرضت المحكمة لذلك في قضية تتحصل وقائعها في أن تركي الجنسية قد ارتكب جريمة ادارية طبقاً لنظام الحد من العقاب وهي من جرائم المرور في ألمانيا ، وكان يحتاج لمترجم ورفضت سلطات التحقيق الألمانية تحمل تكاليف المترجم مما اضطر المتهم تحملها . ولجأ الى المحكمة ناعياً على ذلك بأنه خرق للاتفاقية الأوروبية لحقوق الانسان .
2- موقف الحكومة الألمانية أمام المحكمة الأوروبية :
قد قدمت الحكومة الألمانية تقريراً للجنة الأوروبية لحقوق الانسان تبرر فيه عدم خضوع نظام الجرائم الادارية لنص المادة 3/6 من الاتفاقية واستندت لسببين الأول : الجريمة الادارية التي ارتكبها المتهم جريمة خفيفة لا يقرر لها سوى عقوبة الغرامة ، ويمكن في حالات محددة تقرير عقوبة سالبة للحرية كما أن الغرامة الادارية لا يشار اليها في صحيفة السوابق القضائية . والثاني : أن التشريع الألماني لا يعتبر الشخص الخاضع لنظام الجرائم الادارية متهماً بالمعنى المنصوص عليه في المادة 3/6 من الاتفاقية .
3- موقف المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان :
حكمت المحكمة بأنه كان يجب على الحكومة الألمانية تحمل مصاريف الترجمة تطبيقاً لنص المادة 3/6 من الاتفاقية ورفضت السبب الأول وذلك لأن عدد من الدول الأوروبية لايزال يأخذ بنظام المخالفات الادارية ويقرر لها عقوبات جنائية خفيفة وتخضع لرقابة المحكمة . فضلاً أنه في بعض الحالات ترتفع الغرامة كجزاء للجريمة الادارية .
كما أنه هناك ارتباط دائم بين الموضوعات التي تعالج بواسطة القانون الجنائي والموضوعات التي تعالج بواسطة نظام الجرائم الادارية من حيث الاستعانة بالقواعد الاجرائية ومن حيث الغرض من الجزاء وهو الوقاية والردع ، ومن حيث اختلاف نظام الجرائم الادارية عن الجرائم التأديبية ، واستندت المحكمة في حكمها الى أن المشرع الألماني ذاته قرر في نظام الجرائم الادارية ضرورة اتباع نفس الضمانات الخاصة بالقضايا العادلة .
4- مدى التزام المشرع الألماني بحكم المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان :
هل المشرع الألماني ملزم بتعديل نظام الجرائم الادارية لديه بما يتفق مع حكم المحكمة ونصوص الاتفاقية ؟
اعتبرت لجنة الوزراء المختصة بمراقبة تنفيذ أحكام المحكمة الأوروبية عدم التزام ألمانيا بالحكم بتعديل تشريعاتها ، ومع ذلك يرى البعض أنه على ألمانيا التزام شكلي بتعديل التشريع على الرغم من عدم وجود نص في الاتفاقية يلزم الدولة الطرف فيها بذلك . والواقع أن عدم وجود نص ملزم بذلك في الاتفاقية يجعل الأمر مرن متوقف على ارادة الدولة التي صدر ضدها الحكم .
5- أثر الحكم على التزام القاضي الألماني بنصوص الاتفاقية :
أصدرت المحكمة الدستورية الألمانية حكماً بعد القضية السابقة أكدت فيه أنه يلزم عند تفسير الدستور الألماني مراعاة الاتفاقية وذلك يتطلب الاستعانة بأحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان ، وبناء عليه يلتزم القاضي الألماني عند تطبيقه للقانون الداخلي بضرورة احترام الاتفاقية الأوروبية وان حدث العكس يحق لصاحب الشأن اللجوء الى المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان ، ويستطيع القاضي بشكل غير مباشر مراقبة مدى اتفاق نص ما مع الدستور لأن أغلب المبادئ الواردة في الاتفاقية منصوص عليها في الدستور وبالتالي فان احترام الاتفاقية يعد احتياطياً ممكناً للقاضي لتقدير مدى مطابقة القانون بالدستور .
اترك تعليقاً