من روائع الاحكام حكم للهيئه العامه لمحكمة النقض
جلسة 24 من فبراير سنة 1988
برياسة السيد المستشار/ محمد وجدي عبد الصمد رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: صلاح الدين بيومي نصار وقيس الرأي محمد عطيه وحسن جمعة الكتاتني وجمال الدين منصور عوض وأحمد محمود مصطفى هيكل وإبراهيم حسين رضوان ومحمد رفيق البسطويسي وأحمد محمد أحمد أبو زيد ومحمد نجيب صالح ومحمد أحمد حسن.
(1) هيئة عامة
الطعن رقم 3172 لسنة 57 القضائية
(1) ارتباط “عقوبة الجرائم المرتبطة” عقوبة “تطبيقها” “عقوبة الجريمة الأشد”.
مناط تطبيق كل من فقرتي المادة 32 عقوبات وأثر التفرقة بينهما في تحديد العقوبة؟
(2) مواد مخدرة. جلب. جريمة “أركانها”. جمارك “إقليم جمركي” “خط جمركي”.
جريمة جلب الجواهر المخدرة. مناط تحققها؟
الإقليم الجمركي والخط الجمركي. ماهية كل منهما في مفهوم المواد الثلاث الأولى من القانون 66 لسنة 1963؟.
تخطي الحدود الجمركية أو الخط الجمركي. بغير استيفاء الشروط المنصوص عليها في القانون 182 لسنة 1960. يعد جلباً محظوراً.
(3) تهريب جمركي. جريمة “أركانها”. قانون “تفسيره”. جمارك.
التهريب في مفهوم المادة 121 من القانون 66 لسنة 1963. ماهيته؟
(4) مواد مخدرة. جلب. تهريب جمركي. جريمة “أركانها”. عقوبة “تطبيقها”.
الجواهر المخدرة من البضائع الممنوعة. مجرد إدخالها إلى البلاد قبل الحصول على ترخيص. يتحقق به الركن المادي لجريمتي الجلب والتهريب الجمركي. وجوب الاعتداء بالجريمة الأولى ذات العقوبة الأشد دون عقوبة الجريمة الثانية. أصلية كانت أو تكميلية. أساس ذلك؟
(5) إجراءات “إجراءات التحقيق” “إجراءات المحاكمة”. نيابة عامة. نقض “أسباب الطعن. ما لا يقبل منها”.
الأصل أن تجرى إجراءات المحاكمة باللغة العربية. ما لم تر سلطة التحقيق أو المحاكمة الاستعانة بمترجم. طلب المتهم ذلك يخضع لتقديرها.
العبرة في الأحكام. بالإجراءات والتحقيقات التي تجريها المحكمة. تعييب التحقيق السابق على المحاكمة. غير جائز أمام النقض.
مثال لتسبيب سائغ في الرد على دفع ببطلان التحقيقات لعيب في الترجمة.
(6) إثبات “بوجه عام”. محكمة الموضوع “سلطتها في تقدير الدليل”. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”.
تقدير الأدلة بالنسبة لكل متهم. حق لمحكمة الموضوع.
(7) أسباب الإباحة وموانع العقاب “حالة الضرورة” محكمة الموضوع “سلطتها في تقدير توافر حالة الضرورة”. دفوع “الدفع بقيام حالة الضرورة”. نقض “أسباب الطعن. ما لا يقبل منها”.
تقدير توافر حالة الضرورة. موضوعي.
مثال لتسبيب سائغ في إطراح دفع بقيام حالة الضرورة.
(Cool دفاع “الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره”. نقض “أسباب الطعن. ما لا يقبل منها”.
النعي على المحكمة قعودها عن الرد على دفاع لم يثر أمامها. لا يقبل.
(9) نقض “أسباب الطعن. تحديدها. ما لا يقبل منها”.
تفصيل أسباب الطعن بالنقض ابتداء. واجب. تحديداً للطعن. وتعريفاً لوجهه.
(10) إثبات “بوجه عام”. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”. نقض “أسباب الطعن. ما لا يقبل منها”.
عدم التزام المحكمة بالتحدث إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها. إغفال بعض الوقائع. مفاده إطراحها لها.
(11) مواد مخدرة. جلب. فاعل أصلي. نقض “أسباب الطعن. ما لا يقبل منها”.
متى يعتبر الشخص فاعلاً أصلياً في الجريمة؟
مثال في جريمة جلب مواد مخدرة.
(12) استدلالات. محكمة الموضوع “سلطتها في تقدير جدية التحريات”.
تقدير جدية التحريات. لسلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع.
(13) حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”. نقض “أسباب الطعن. ما لا يقبل منها”.
التناقض الذي يعيب الحكم. ماهيته؟.
(14) نقض “أسباب الطعن. ما لا يقبل منها”. “المصلحة في الطعن”.
أوجه الطعن على الحكم. شرط قبولها. أن تكون متصلة بشخص الطاعن وأن يكون له مصلحة فيها. يقبل من الطاعن ما يثيره من قالة فساد الحكم في الرد على الدفع الذي أبداه الطاعن الأول ببطلان تحقيق النيابة العامة معه, فضلاً عن أنه قد سبق الرد على هذا الوجه بصدد أسباب الطعن المقدم من ذلك الطاعن.
(15) إثبات “شهود”. محكمة الموضوع “سلطتها في تقدير الدليل”.
حق محكمة الموضوع في الأخذ بأقوال المتهم في حق نفسه وعلى غيره من المتهمين. متى اطمأنت إلى صحتها.
عدم التزام الحكم أن يورد من أقوال الشهود. إلا ما يقيم عليه قضاءه.
(17) حكم “بيانات التسبيب” “تسبيبه. تسبيب غير معيب “. إثبات “شهود”. محكمة الموضوع “سلطتها في تقدير الدليل”.
عدم التزام المحكمة بروايات الشاهد المتعددة. حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عدا.
(18) محكمة الموضوع “سلطتها في تقدير الدليل”. إثبات “شهود”. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”. نقض “أسباب الطعن. ما لا يقبل منها”.
تضارب الشاهد في أقواله. لا يعيب الحكم متى كانت المحكمة استخلصت الحقيقة من تلك الأقوال بما لا تناقض فيه.
الجدل الموضوعي في تقدير المحكمة للأدلة. عدم جواز إثارته أمام النقض.
(19) مواد مخدرة. جريمة “أركانها”. قصد جنائي. إثبات “بوجه عام”.
ثبوت علم الجاني بأن ما يحرزه مخدرُ. يتوافر به القصد الجنائي في جريمة إحرازه. استظهار هذا القصد. موضوعي.
إقناعية الدليل في المواد الجنائية. مفادها؟
(20) حكم “بياناته” “ما لا يعيبه”. نقض “أسباب الطعن. ما لا يقبل منها”.
الخطأ المادي. متى لا يعيب الحكم؟
مثال:
(21) نقض “نظر الطعن والحكم فيه” “حالات الطعن. الخطأ في القانون”. محكمة النقض “سلطتها”. مواد مخدرة. جلب. تهريب جمركي.
حق محكمة النقض في نقض الحكم من تلقاء نفسها لمصلحة المحكوم عليه عملاً بنص المادة 35 من القانون 57 لسنة 1959. حالاته؟
مثال في جريمتي جلب وتهريب جواهر مخدرة.
1 – إن المادة 32 من قانون العقوبات إذ نصت في فقرتها الأولى على أنه: “إذا كوّن الفعل الواحد جرائم متعددة وجب اعتبار الجريمة التي عقوبتها أشد والحكم بعقوبتها دون غيرها، فقد دلت بصريح عبارتها على أنه في الحالة التي يكون فيها للفعل الواحد عدة أوصاف، يجب اعتبار الجريمة التي تمخض عنها الوصف أو التكييف القانوني الأشد للفعل والحكم بعقوبتها وحدها دون غيرها من الجرائم التي قد تتمخض عنها الأوصاف الأخف والتي لا قيام لها البتة مع قيام الجريمة ذات الوصف الأشد, إذ يعتبر الجاني كأن لم يرتكب غير هذه الجريمة الأخيرة، وذلك على خلاف حالة التعدد الحقيقي للجرائم المرتبطة بعضها ببعض بحيث لا تقبل التجزئة التي اختصت بها الفقرة الثانية من المادة 32 سالفة الذكر, إذ لا أثر لاستبعاد العقوبات الأصلية للجرائم الأخف في وجوب الحكم بالعقوبات التكميلية المتعلقة بهذه الجرائم ضرورة أن العقوبة التكميلية إنما تتعلق بطبيعة الجريمة ذاتها لا بعقوبتها.
2 – إن الجلب في حكم القانون رقم 182 لسنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها ليس مقصوراً على استيراد الجواهر المخدرة من خارج الجمهورية وإدخالها المجال الخاضع لاختصاصها الإقليمي كما هو محدد دولياً، بل إنه يمتد أيضاً إلى كل واقعة يتحقق بها نقل الجواهر المخدرة – ولو في نطاق ذلك المجال – على خلاف الأحكام المنظمة لجلبها المنصوص عليها في المواد من 3 إلى 6 التي رصد لها الشارع الفصل الثاني من القانون المذكور ونظم فيها جلب الجواهر المخدرة وتصديرها. فاشترط لذلك الحصول على ترخيص كتابي من الجهة الإدارية المختصة لا يُمنح إلا للأشخاص والجهات التي بيّنها بيان حصر, وبالطريقة التي رسمها على سبيل الإلزام والوجوب,
فضلاً عن حظره تسليم ما يصل إلى الجمارك من تلك الجواهر إلا بموجب إذن سحب كتابي تعطيه الجهة الإدارية المختصة للمرخص له بالجلب أو لمن يحل محله في عمله, وإيجابه على مصلحة الجمارك في حالتي الجلب والتصدير تسلم إذن السحب أو التصدير من صاحب الشأن وإعادته إلى تلك الجهة، وكان البينِّ من نصوص المواد الثلاث الأولى من قانون الجمارك الصادر بالقرار بقانون رقم 66 لسنة 1963، أنه يُقصد بالإقليم الجمركي, الأراضي والمياه الإقليمية الخاضعة لسيادة الدولة، وأن الخط الجمركي هو الحدود السياسية الفاصلة بين جمهورية مصر والدول المتاخمة، وكذلك شواطئ البحار المحيطة بالجمهورية, وضفتا قناة السويس وشواطئ البحيرات التي تمر بها هذه القناة, ويمتد نطاق الرقابة الجمركية البحري من الخط الجمركي إلى مسافة ثمانية عشر ميلاً بحرياً في البحار المحيطة به, أما النطاق البري فيحدد بقرار من وزير المالية وفقاً لمقتضيات الرقابة ويجوز أن تتخذ داخل النطاق تدابير خاصة لمراقبة بعض البضائع التي تحدد بقرار منه, وهو ما يتأدَّى إلى أن تخطي الحدود الجمركية أو الخط الجمركي بغير استيفاء الشروط التي نُص عليها بالقرار بقانون رقم 182 لسنة 1960 والحصول على الترخيص المطلوب من الجهة الإدارية المنوط بها منحه, يعد جلباً محظوراً.
3 – إن النص في المادة 121 من قانون الجمارك المشار إليه على أن “يعتبر تهريباً إدخال البضائع من أي نوع إلى الجمهورية أو إخراجها منها بطرق غير مشروعة بدون أداء الضرائب الجمركية كلها أو بعضها، أو بالمخالفة للنظم المعمول بها في شأن البضائع الممنوعة” يدل على أنه إذا انصب التهريب على بضائع ممنوعة تحققت الجريمة بمجرد إدخال هذه البضائع إلى البلاد أو إخراجها منها بالمخالفة للنظم المعمول بها. بينما اشترط لتوافر الجريمة بالنسبة إلى غير الممنوع من البضائع أن يكون إدخالها إلى البلاد أو إخراجها منها مصحوباً بطرق غير مشروعة.
4 – لما كانت المادة 33 من القرار بقانون رقم 182 لسنة 1960، المعدلة بالقانون رقم 40 لسنة 1966، تنص على أن “يعاقب بالإعدام وبغرامة من ثلاثة آلاف جنيه إلى عشرة آلاف جنيه ( أ ) كل من صدر أو جلب جواهر مخدرة قبل الحصول على الترخيص المنصوص عليه في المادة 3” وكان الأصل، على مقتضى هذا النص وسائر أحكام القرار بقانون رقم 182 لسنة 1960 سالف البيان، أن الجواهر المخدرة هي من البضائع الممنوعة, فإن مجرد إدخالها إلى البلاد قبل الحصول على الترخيص سالف الذكر, يتحقق به الركن المادي المكون لكل من جريمتي جلبها المؤثمة بالمادة 33 آنفة البيان وتهريبها المؤثمة بالمادة 121 من قانون الجمارك المشار إليه, وهو ما يقتضي إعمال نص الفقرة الأولى من المادة 32 من قانون العقوبات والاعتداد فحسب بالجريمة ذات العقوبة الأشد – وهي جريمة جلب الجواهر المخدرة – والحكم بالعقوبة المقررة لها بموجب المادة 33 من القرار بقانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل, دون العقوبات المقررة لجريمة التهريب الجمركي بموجب المادة 122 من قانون الجمارك المارّ ذكره – أصلية كانت أم تكميلية.
5 – لما كان الأصل أن تجرى المحاكمة باللغة الرسمية للدولة – وهي اللغة العربية – ما لم يتعذر على إحدى سلطتي التحقيق أو المحاكمة مباشرة إجراءات التحقيق دون الاستعانة بوسيط يقوم بالترجمة أو يطلب منها المتهم ذلك ويكون طلبه خاضعاً لتقديرها، فإنه لا يعيب إجراءات التحقيق أن تكون الجهة القائمة به قد استعانت بوسيطين تولى أحدهما ترجمة أقوال الطاعن من الهندية إلى الإنجليزية ثم قام الآخر بنقلها من الإنجليزية إلى العربية, إذ هو أمر متعلق بظروف التحقيق ومقتضياته خاضع دائماً لتقدير من يباشره، وإذ كان الطاعن لم يذهب في وجه النعي إلى أن أقواله قد نقلت على غير حقيقتها نتيجة الاستعانة بوسيطين, وكان رد الحكم على دفع الطاعن في هذا الخصوص كافياً ويستقيم به ما خلص إليه من إطراحه، فإن منعى الطاعن عليه يكون غير سديد, فضلاً عن أنه لا يعدو أن يكون تعييباً للإِجراءات السابقة على المحاكمة بما لا يصلح سبباً للطعن على الحكم، إذا العبرة في الأحكام هي بإجراءات المحاكمة وبالتحقيقات التي تحصل أمام المحكمة.
6 – إن تقدير الأدلة بالنسبة إلى كل متهم هو من شأنه محكمة الموضوع, فلا عليها إن هي استرسلت بثقتها فيها بالنسبة إلى متهم ولم تطمئن إلى الأدلة ذاتها بالنسبة لمتهم آخر دون أن يعد هذا تناقضاً يعيب حكمها ما دام تقدير الدليل موكولاً إلى اقتناعها وحدها بغير معقب عليها من محكمة النقض.
7 – لما كان البين من محضر المحاكمة أن المدافع عن الطاعن قد أثار أن إكراهاً قد وقع عليه من مالك الباخرة، وهو في حقيقته دفع بامتناع المسئولية الجنائية لقيام حالة الضرورة المنصوص عليها في المادة 61 من قانون العقوبات، وكان تقدير توافر حالة الضرورة من إطلاقات محكمة الموضوع. وكان الحكم قد نفى قيام هذه الحالة في قوله: “وأما ما ذكره المتهم الأول من إكراه فإنه لو صح قوله فإن أثر الإكراه يكون قد زال بوصوله إلى المياه المصرية واتصاله بسلطات هيئة القنال وعدم إبلاغه السلطات بما يحمله من مادة محرمة….” وهو رد سديد وكاف في إطراح الدفع, فإن منعى الطاعن في هذا الصدد لا يكون له محل.
8 – لما كان الطاعن لم يتمسك أمام محكمة الموضوع – على ما هو ثابت بمحضر الجلسة – بأن تحريات الشرطة لم تتناوله، فليس له من بعد أن ينعى على المحكمة إمساكها عن الرد على دفاع لم يثره أمامها, فضلاً عن أن الثابت بذلك المحضر أن المدافع عن الطاعن قد أشار إلى أن التحريات لم تحدد دور الطاعن في الجريمة وهو ما ينطوي على التسليم بأنها قد تناولته.
9 – لما كان تفصيل أسباب الطعن ابتداء مطلوب على جهة الوجوب تحديداً للطعن وتعريفاً لوجهه، بحيث يتيسر للمطلع عليه أن يدرك لأول وهلة موطن مخالفة الحكم للقانون أو خطئه في تطبيقه أو موطن البطلان الجوهري الذي وقع فيه أو موطن بطلان الإجراءات الذي يكون قد أثّر فيه، وكان الطاعن لم يفصح عن ماهية أوجه الدفاع التي ينعى على الحكم عدم الرد عليها حتى يتضح مدى أهميتها في الدعوى، فإن ما يثيره في هذا الصدد لا يكون مقبولاً.
10 – لما كان من المقرر في أصول الاستدلال أن المحكمة غير ملزمة بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها وفي إغفالها بعض الوقائع ما يفيد ضمناً إطراحها لها واطمئنانها إلى ما أثبتته من الوقائع والأدلة التي اعتمدت عليها في حكمها، فإن منعى الطاعن على الحكم إغفاله الوقائع التي أشار إليها بأسباب طعنه – وهي بعد وقائع ثانوية يريد الطاعن لها معنى لم تسايره فيه المحكمة فأطرحتها – لا يكون له محل.
11 – لما كانت المادة 39 من قانون العقوبات إذ نصت في البند (ثانياً) على أن يعتبر فاعلاً في الجريمة من يدخل في ارتكابها إذا كانت تتكون من عدة أعمال فيأتي عمداً عملاً من الأعمال المكونة لها، فقد دلت على أن الجريمة إذا تركبت من عدة أفعال سواء بحسب طبيعتها أو طبقاً لخطة تنفيذها، فإن كل من تدخل في هذا التنفيذ بقدر ما يعد فاعلاً مع غيره فيها ولو أن الجريمة لم تتم بفعله وحده بل تمت بفعل واحد أو أكثر ممن تدخلوا معه فيها متى وجدت لدى الجاني نية التدخل تحقيقاً لغرض مشترك هو الغاية النهائية من الجريمة بحيث يكون كل منهم قد قصد قَصْد الفاعل معه في إيقاع تلك الجريمة المعينة وأسهم فعلاً بدور في تنفيذها، وإذ كان مفاد ما أورده الحكم في بيان صورة الواقعة وأثبته في حق الطاعن عن أنه قد تلاقت إرادته والطاعن الأول على جلب الجواهر المخدرة وأن كلاً منهما قد أسهم – تحقيقاً لهذا الغرض المشترك – بدور في تنفيذ هذه الجريمة على نحو ما بينه الحكم، فإنه إذ دان الطاعن بوصفه فاعلاً أصلياً في جريمة جلب الجواهر المخدرة يكون قد اقترن بالصواب ويضحى النعي عليه في هذا المقام غير سديد.
12 – من المقرر أن تقدير جدية التحريات موكول لسلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع، فمتى أقرتها عليها – كما هو الحال في الدعوى – فإنه لا معقب عليها في ذلك لتعلقه بالموضوع لا بالقانون.
13 – لما كان التناقض الذي يعيب الحكم هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما يثبته البعض الآخر فلا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة، وكان ما أثبته الحكم من أن تفتيش الطاعن الأول لم يسفر عن ضبط أية نقود، لا يتعارض مع ما نقله الحكم عنه من أن الطاعن قد عرض عليه عشرين ألف دولار مقابل عدم تخليه عن المخدر, خاصة أنه لم يرد بالحكم أن الطاعن قد نقد الطاعن الأول بالفعل هذا المبلغ أو جزءاً منه، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون على غير سند.
14 – لما كان الأصل أنه لا يقبل من أوجه الطعن على الحكم إلا ما كان متصلاً بشخص الطاعن وكان له مصلحة فيه، فإنه لا يقبل من الطاعن ما يثيره من قالة فساد الحكم في الرد على الدفع الذي أبداه الطاعن الأول ببطلان تحقيق النيابة العامة معه, فضلاً عن أنه قد سبق الرد على هذا الوجه بصدد أسباب الطعن المقدم من ذلك الطاعن.
15 – من المقرر أن لمحكمة الموضوع سلطة مطلقة في الأخذ بأقوال المتهم في حق نفسه وعلى غيره من المتهمين متى اطمأنت إلى صحتها ومطابقتها للحقيقة والواقع ولو لم تكن معززة بدليل آخر.
16 – من المقرر أن الأحكام لا تلتزم بحسب الأصل بأن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاءها.
17 – إن المحكمة غير ملزمة بسرد روايات الشاهد إذا تعددت وبيان أوجه أخذها بما اقتنعت به منها بل حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه, وأن لها أن تعول على أقوال الشاهد في أي مرحلة من مراحل الدعوى ما دامت قد اطمأنت إليها.
18 – لما كان تناقض الشاهد وتضاربه في أقواله لا يعيب الحكم ما دامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من تلك الأقوال استخلاصاً سائغاً بما لا تناقض فيه، كما هو الحال في الدعوى فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن، بفرض صحته، يتمخض جدلاً موضوعياً في تقدير المحكمة للأدلة القائمة في الدعوى وهو من إطلاقاتها ولا يجوز مصادرتها فيه لدى محكمة النقض.
19 – من المقرر أن القصد الجنائي في جريمة إحراز المخدر أو حيازته يتوافر متى قام الدليل على علم الجاني بأن ما يحرزه أو يحوزه هو من الجواهر المخدرة، ولا حرج على القاضي في استظهار هذا العلم من ظروف الدعوى وملابساتها على أي نحو يراه، وأن العبرة في الإثبات في المواد الجنائية هي باقتناع القاضي واطمئنانه إلى الأدلة المطروحة عليه, فقد جعل القانون من سلطته أن يأخذ بأي دليل يرتاح إليه من أي مصدر شاء ما دام مطروحاً على بساط البحث في الجلسة, ولا يصح مصادرته في شيء من ذلك إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه.
20 – لما كان البين من سياق الحكم المطعون فيه أنه نقل عن الطاعن الأول وبعض المتهمين الآخرين أن أفراد طاقم القارب الذي نقل منه المخدر إلى السفينة كانوا مسلحين، فإن ما أورده الحكم – في موضع آخر منه – أن هؤلاء كانون “ملثمين” لا يقدح في سلامته إذ هو مجرد خطأ مادي وزلة قلم لا تخفى.
21 – لما كانت الفقرة الثانية من المادة 35 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959، تخول هذه المحكمة أن تنقض الحكم لمصلحة المتهم من تلقاء نفسها إذا تبين لها مما هو ثابت فيه أنه مبني على مخالفة القانون أو على خطأ في تطبيقه أو في تأويله وكانت جريمتا جلب الجواهر المخدرة وتهريبها اللتان دين الطاعنان بهما – قد نشأتا عن فعل واحد بما كان يتعين معه – وفق صحيح القانون وعلى ما سلف بيانه – تطبيق نص الفقرة الأولى من المادة 32 من قانون العقوبات والحكم عليهما بالعقوبة المقررة لجريمة الجلب باعتبارها الجريمة ذات العقوبة الأشد, دون العقوبات المقررة لجريمة التهريب الجمركي، أصلية كانت أم تكميلية، وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وأوقع على المحكوم عليهما بالإضافة إلى العقوبة الأصلية المقررة لجريمة الجلب, العقوبة التكميلية المقررة لجريمة التهريب الجمركي, فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يوجب تصحيحه بإلغاء ما قضى به من عقوبة تكميلية.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخرين حكم ببراءتهم بأنهم: أولاً: جلبوا إلى أراضي جمهورية مصر العربية جوهري “الأفيون والحشيش” بغير ترخيص كتابي من الجهة الإِدارية المختصة. ثانياً: هربوا المواد المخدرة موضوع التهمة الأولى والمبينة وصفاً ووزناً وقيمة بالتحقيقات بإدخالها إلى المياه الإقليمية لجمهورية مصر العربية بالمخالفة للنظم المعمول بها في شأن البضائع الممنوعة, وأحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة.
وادعى وزير المالية بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الجمارك قبل المتهمين بمبلغ 93.331780.840 جنيهاً. ومحكمة جنايات بور سعيد قضت حضورياً عملاً بالمواد 1، 2، 3، 33/ أ، 42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانونين رقمي 40 لسنة 1966، 61 لسنة 1977 والبندين رقمي 7، 57 من الجدول رقم واحد الملحق والمعدل بقرار وزير الصحة رقم 295 لسنة 1976 والمواد 1، 2، 3، 4، 15، 121/ 1، 123 من القانون 66 لسنة 1963 المعدل بالقانون رقم 75 لسنة 1980 مع إعمال المادة 32 من قانون العقوبات، 17، 36 من ذات القانون.
أولاً: بمعاقبة المتهمين الأول التاسع (الطاعنين) بالأشغال الشاقة المؤبدة وبتغريم كل منهما عشرة آلاف جنيه وبمصادرة المواد المخدرة المضبوطة وبإلزامهما متضامنين مبلغ ثلاثة وتسعين مليوناً وثلاثمائة وواحداً وثلاثين ألفاً وسبعمائة وثمانين جنيهاً وثمانمائة وأربعين مليماً كتعويض لصالح الجمارك.
ثانياً: بمصادرة السفينة (ماريودي) المضبوطة.
فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض… إلخ.
وبجلسة 8 من ديسمبر سنة 1987 قررت المحكمة إحالة الطعن للهيئة العامة للمواد الجنائية للفصل فيه.
وبجلسة 20 من يناير سنة 1988 نظرت الهيئة الطعن ثم قررت تأجيل النطق بالحكم لجلسة اليوم.
المحكمة
من حيث إنه يبين من الأوراق أن الحكم المطعون فيه قضى بمعاقبة كل من الطاعنين بالأشغال الشاقة المؤبدة وبتغريمه عشرة آلاف جنيه وبمصادرة الجواهر المخدرة المضبوطة وبإلزامهما متضامنين بأن يؤديا إلى مصلحة الجمارك ثلاثة وتسعين مليوناً وثلاثمائة وواحداً وثلاثين ألفاً وسبعمائة وثمانين جنيهاً وثمانمائة وأربعين مليماً، وذلك عن جريمتي جلب جواهر مخدرة وتهريبها اللتين دانهما بهما, فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض. وإذ رأت الدائرة الجنائية التي نظرت الطعن العدول عن المبدأ القانوني الذي قررته أحكام سابقة من وجوب الحكم بالعقوبة التكميلية المقررة لجريمة التهريب الجمركي بالإضافة إلى العقوبة الأصلية المقررة لجريمة الجلب، فقد قررت بجلستها المعقودة في الثامن من ديسمبر سنة 1987 إحالة الطعن إلى الهيئة العامة للمواد الجنائية للفصل فيه، وذلك عملاً بنص الفقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية الصادر بالقرار بقانون رقم 46 لسنة 1972.
ومن حيث إن مبنى الأحكام السابقة المراد العدول عن المبدأ القانوني الذي قررته هو أن جريمتي جلب المواد المخدرة وتهريبها تقوم كلتاهما على فعل مادي مستقل وإن ارتبطت إحداهما بالأخرى بحيث لا تقبل التجزئة, ومن ثم فقد أعملت تلك الأحكام نص الفقرة الثانية من المادة 32 من قانون العقوبات وقضت – بالإضافة إلى العقوبة الأصلية المقررة لجريمة الجلب باعتبارها الجريمة ذات العقوبة الأشد – بالعقوبات التكميلية المقررة لجريمة التهريب الجمركي.
ومن حيث إن المادة 32 من قانون العقوبات إذ نصت في فقرتها الأولى على أنه: “إذا كون الفعل الواحد جرائم متعددة وجب اعتبار الجريمة التي عقوبتها أشد والحكم بعقوبتها دون غيرها”، فقد دلت بصريح عبارتها على أنه في الحالة التي يكون فيها للفعل الواحد عدة أوصاف، يجب اعتبار الجريمة التي تمخض عنها الوصف أو التكييف القانوني الأشد للفعل والحكم بعقوبتها وحدها دون غيرها من الجرائم التي قد تتمخض عنها الأوصاف الأخف والتي لا قيام لها البتة مع قيام الجريمة ذات الوصف الأشد, إذ يعتبر الجاني كأن لم يرتكب غير هذه الجريمة الأخيرة. وذلك على خلاف حالة التعدد الحقيقي للجرائم المرتبطة بعضها ببعض بحيث لا تقبل التجزئة التي اختصت بها الفقرة الثانية من المادة 32 سالفة الذكر, إذ لا أثر لاستبعاد العقوبات الأصلية للجرائم الأخف في وجوب الحكم بالعقوبات التكميلية المتعلقة بهذه الجرائم ضرورة أن العقوبة التكميلية إنما تتعلق بطبيعة الجريمة ذاتها لا بعقوبتها. لما كان ذلك، وكان الجلب في حكم القانون رقم 182 لسنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها ليس مقصوراً على استيراد الجواهر المخدرة من خارج الجمهورية وإدخالها المجال الخاضع لاختصاصها الإقليمي كما هو محدد دولياً، بل إنه يمتد أيضاً إلى كل واقعة.
يتحقق بها نقل الجواهر المخدرة – ولو في نطاق ذلك المجال – على خلاف الأحكام المنظمة لجلبها المنصوص عليها في المواد من 3 إلى 6 التي رصد لها الشارع الفصل الثاني من القانون المذكور ونظم فيها جلب الجواهر المخدرة وتصديرها، فاشترط لذلك الحصول على ترخيص كتابي من الجهة الإدارية المختصة لا يمنح إلا للأشخاص والجهات التي بينها بيان حصر, وبالطريقة التي رسمها على سبيل الإلزام والوجوب, فضلاً عن حظره تسليم ما يصل إلى الجمارك من تلك الجواهر إلا بموجب إذن سحب كتابي تعطيه الجهة الإدارية المختصة للمرخص له بالجلب أو لمن يحل محله في عمله, وإيجابه على مصلحة الجمارك في حالتي الجلب والتصدير تسلم إذن السحب أو التصدير من صاحب الشأن وإعادته إلى تلك الجهة، وكان البين من نصوص المواد الثلاث الأولى من قانون الجمارك الصادر بالقرار بقانون رقم 66 لسنة 1963، أنه يقصد بالإقليم الجمركي هو الحدود السياسية الفاصلة بين جمهورية مصر والدول المتاخمة وكذلك شواطئ البحار المحيطة بالجمهورية, وضفتا قناة السويس وشواطئ البحيرات التي تمر بها هذه القناة, ويمتد نطاق الرقابة الجمركية البحري من الخط الجمركي إلى مسافة ثمانية عشر ميلاً بحرياً في البحار المحيطة به, أما النطاق البري فيحدد بقرار من وزير المالية وفقاً لمقتضيات الرقابة ويجوز أن تتخذ داخل النطاق تدابير خاصة لمراقبة بعض البضائع التي تحدد بقرار منه, وهو ما يتأدى إلى أن تخطي الحدود الجمركية أو الخط الجمركي بغير استيفاء الشروط التي نص عليها بالقرار بقانون رقم 182 لسنة 1960 والحصول على الترخيص المطلوب من الجهة الإدارية المنوط بها منحه, يعد جلباً محظوراً. لما كان ذلك، وكان النص في المادة 121 من قانون الجمارك المشار إليه على أن “يعتبر تهريباً إدخال البضائع من أي نوع إلى الجمهورية أو إخراجها منها بطرق غير مشروعة بدون أداء الضرائب الجمركية كلها أو بعضها، أو بالمخالفة للنظم المعمول بها في شأن البضائع الممنوعة” يدل على أنه إذا انصب التهريب على بضائع ممنوعة تحققت الجريمة بمجرد إدخال هذه البضائع إلى البلاد أو إخراجها منها بالمخالفة للنظم المعمول بها. بينما اشترط لتوافر الجريمة بالنسبة إلى غير الممنوع من البضائع أن يكون إدخالها إلى البلاد أو إخراجها منها مصحوباً بطرق غير مشروعة. لما كان ذلك، وكانت المادة 33 من القرار بقانون رقم 182 لسنة 1960، المعدلة بالقانون رقم 40 لسنة 1966، تنص على أن يعاقب بالإعدام وبغرامة من ثلاثة آلاف جنيه إلى عشرة آلاف جنيه ( أ ) كل من صدر أو جلب جواهر مخدرة قبل الحصول على الترخيص المنصوص عليه في المادة 3 وكان الأصل، على مقتضى هذا النص وسائر أحكام القرار بقانون رقم 182 لسنة 1960 سالف البيان، أن الجواهر المخدرة هي من البضائع الممنوعة, فإن مجرد إدخالها إلى البلاد قبل الحصول على الترخيص سالف الذكر, يتحقق به الركن المادي المكون لكل من جريمتي جلبها المؤثمة بالمادة 33 آنفة البيان وتهريبها المؤثمة بالمادة 121 من قانون الجمارك المشار إليه, وهو ما يقتضي إعمال نص الفقرة الأولى من المادة 32 من قانون العقوبات والاعتداد فحسب بالجريمة ذات العقوبة الأشد – وهي جريمة جلب الجواهر المخدرة – والحكم بالعقوبة المقررة لها بموجب المادة 33 من القرار بقانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل, دون العقوبات المقررة لجريمة التهريب الجمركي بموجب المادة 122 من قانون الجمارك المار ذكره – أصلية كانت أم تكميلية.
ومن حيث إنه لما تقدم، فإن الهيئة العامة تنتهي، بالأغلبية المنصوص عليها في المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية, إلى العدول عن الأحكام التي صدرت على خلاف هذا النظر.
ومن حيث إن الفقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية قد خولت هذه الهيئة الفصل في الدعوى المحالة إليها.
أولاً: عن أسباب الطعن المقدم من الطاعن الأول:
من حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمتي جلب جواهر مخدرة وتهريبها قد انطوى على قصور وتناقض في التسبيب وإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن الطاعن دفع ببطلان تحقيق النيابة العامة لعدم الاستعانة بوسيط يتولى الترجمة من اللغة الهندية إلى اللغة العربية مباشرة غير أن الحكم أطرح هذا الدفع بما لا يكفي، وعول على أدلة بذاتها في إدانة الطاعن ولم يأخذ بها في حق من قضى ببراءتهم من المتهمين، وفضلاً عن ذلك فقد التفت الحكم عما تمسك به المدافع عن الطاعن من أن إكراهاً قد وقع عليه وأن تحريات الشرطة لم تتناوله، وكذلك عن أوجه الدفاع العديدة التي أثارها, وكل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن حصل دفع الطاعن ببطلان تحقيقات النيابة العامة في قوله: “ودفع الحاضر مع المتهم الأول ببطلان تحقيقات النيابة لعدم وجود مترجم يجيد الترجمة من اللغة الهندية إلى اللغة العربية مباشرة حيث إن الثابت أن التحقيقات تمت بمعرفة مترجم من اللغة الإِنجليزية ومترجم من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية” أطرحه بقوله: “ومن حيث إنه عن الدفع المبدى من المتهم الأول ببطلان التحقيقات لعيب في الترجمة على نحو ما ذكر فإنه لم يوضح سبب البطلان ولم يدع بأن تحريفاً قد وقع في أقوال موكله ويبقى الدفع لذلك عارياً من سند يقوم عليه ويتعين لذلك رفضه”.
لما كان ذلك، وكان الأصل أن تجرى المحاكمة باللغة الرسمية للدولة – وهي اللغة العربية – ما لم يتعذر على إحدى سلطتي التحقيق أو المحاكمة مباشرة إجراءات التحقيق دون الاستعانة بوسيط يقوم بالترجمة أو يطلب منها المتهم ذلك ويكون طلبه خاضعاً لتقديرها، فإنه لا يعيب إجراءات التحقيق أن تكون الجهة القائمة به قد استعانت بوسيطين تولى أحدهما ترجمة أقوال الطاعن من الهندية إلى الإنجليزية ثم قام الآخر بنقلها من الإنجليزية إلى العربية, إذ هو أمر متعلق بظروف التحقيق ومقتضياته خاضع دائماً لتقدير من يباشره، وإذ كان الطاعن لم يذهب في وجه النعي إلى أن أقواله قد نقلت على غير حقيقتها نتيجة الاستعانة بوسيطين, وكان رد الحكم على دفع الطاعن في هذا الخصوص كافياً ويستقيم به ما خلص إليه من إطراحه، فإن منعى الطاعن عليه يكون غير سديد, فضلاً عن أنه لا يعدو أن يكون تعييباً للإجراءات السابقة على المحاكمة بما لا يصلح سبباً للطعن على الحكم، إذ العبرة في الأحكام هي بإجراءات المحاكمة وبالتحقيقات التي تحصل أمام المحكمة. لما كان ذلك، وكان تقدير الأدلة بالنسبة إلى كل متهم هو من شأن محكمة الموضوع, فلا عليها إن هي استرسلت بثقتها فيها بالنسبة إلى متهم ولم تطمئن إلى الأدلة ذاتها بالنسبة لمتهم آخر دون أن يعد هذا تناقضاً يعيب حكمها ما دام تقدير الدليل موكولاً إلى اقتناعها وحدها بغير معقب عليها من محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان البين من محضر جلسة المحاكمة أن المدافع عن الطاعن قد أثار أن إكراهاً قد وقع عليه من مالك الباخرة، وهو في حقيقته دفع بامتناع المسئولية الجنائية لقيام حالة الضرورة المنصوص عليها في المادة 61 من قانون العقوبات، وكان تقدير توافر حالة الضرورة من إطلاقات محكمة الموضوع. وكان الحكم قد نفى قيام هذه الحالة في قوله: “وأما ما ذكره المتهم الأول من إكراه فإنه لو صح قوله فإن أثر الإكراه قد زال بوصوله إلى المياه المصرية واتصاله بسلطات هيئة القنال وعدم إبلاغه السلطات بما يحمله من مادة محرمة….” وهو رد سديد وكاف في إطراح الدفع. فإن منعى الطاعن في هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان الطاعن لم يتمسك أمام محكمة الموضوع – على ما هو ثابت بمحضر الجلسة – بأن تحريات الشرطة لم تتناوله، فليس له من بعد أن ينعى على المحكمة إمساكها عن الرد على دفاع لم يثره أمامها, فضلاً عن أن الثابت بذلك المحضر أن المدافع عن الطاعن قد أشار إلى أن التحريات لم تحدد دور الطاعن في الجريمة وهو ما ينطوي على التسليم بأنها قد تناولته. لما كان ذلك، وكان تفصيل أسباب الطعن ابتداء مطلوب على جهة الوجوب تحديداً للطعن وتعريفاً لوجهه، بحيث يتيسر للمطلع عليه أن يدرك لأول وهلة موطن مخالفة الحكم للقانون أو خطئه في تطبيقه أو موطن البطلان الجوهري الذي وقع فيه أو موطن بطلان الإجراءات الذي يكون قد أثر فيه وكان الطاعن لم يفصح عن ماهية أوجه الدفاع التي ينعى على الحكم عدم الرد عليها حتى يتضح مدى أهميتها في الدعوى، فإن ما يثيره في هذا الصدد لا يكون مقبولاً. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعين الرفض.
ثانياً: عن أسباب الطعن المقدم من الطاعن الثاني:
من حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتي جلب جوهر مخدر وتهريبه، قد شابه قصور وتناقض في التسبيب وفساد في الاستدلال وخالف الثابت في الأوراق، ذلك بأنه أسقط من واقعة الدعوى ما ورد بمحضر الضبط من أن محرره تولى ضبط الطاعن الأول والمواد المخدرة وكلف زملائه بالتحفظ على أفراد طاقم الباخرة وأنه إذ واجه الطاعن الأول أقر له بالواقعة بينما أنكرها الطاعن. كما أن الحكم اعتبر الطاعن فاعلاً أصلياً دون أن يستظهر دوره في ارتكاب الجريمة أو يدلل على وجود اتفاق بينه وبين الطاعن الأول، وقد تمسك المدافع عن الطاعن بعدم جدية التحريات تأسيساً على أنها انصبت على شخص آخر غير الطاعن بيد أن الحكم التفت عن هذا الدفع. وذهب في موضع منه إلى أن الطاعن قد اتفق مع قبطان السفينة – الطاعن الأول – على أن ينقده مبلغاً لقاء حمل المخدر على متن السفينة مع أنه أورد في موضع آخر أن تفتيش القبطان لم يسفر عن ضبط أية مبالغ، وعول في إدانة الطاعن على الأدلة ذاتها التي أطرحها بالنسبة لمن قضى ببراءتهم وعلى أقوال الطاعن الأول رغم أن ما رد به على الدفع المبدى من هذا الطاعن عن بطلان التحقيق لا يصلح رداً. وعلى تحريات الشرطة مع أنها لا تصلح دليلاً. وعلى قول قبطان السفينة أن الطاعن كان يتحدث مع أفراد طاقم القارب الذي نقلت منه المواد المخدرة إلى السفينة على نحو ينبئ بمعرفة سابقة بهم مع أنه ليس من شأنه أن يؤدي إلى ما رتبه عليه. وعلى قوله أيضاً أن الطاعن أمره بإيقاف السفينة مع أن أحداً لم يؤيد هذا القول، وعلى أن الطاعن هو الوحيد الذي نفى واقعة نقل المواد المخدرة من القارب إلى السفينة رغم تعارض ذلك مع ما هو مقرر من عدم جواز تأثيم الإنسان بناء على قوله. وعلى أقوال العميد… بالتحقيقات وبجلسة المحاكمة رغم تباين أقواله في كلتيهما إذ بينما قرر بالتحقيقات أن الطاعن هو مندوب مالك المواد المخدرة وأنه اتفق مع الطاعن الأول على جلبها فقد جرت أقواله بجلسة المحاكمة بأن أياًً من الطاعن الأول أو أفراد طاقم السفينة لم يخبره بشيء عن الطاعن واستظهر علم الطاعن بكنه المخدر بما لا يؤدي إلى ثبوته. وأطرح برد غير سائغ دفاعه أنه يعمل عتالاً على السفينة. وأخيراً فإن ما ذهب إليه الحكم من أفراد طاقم القارب الذين نقلوا المواد المخدرة كانوا ملثمين لا أصل له في الأوراق، وكل هذا يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله إنها “تتحصل في أنه بتاريخ 25/ 2/ 1985 سطر العميد…. رئيس قسم النشاط الخارجي بالإدارة العامة لمكافحة المخدرات محضر تحريات أثبت فيه أن تحرياته بالاشتراك مع العميد…. وآخرين قد أسفرت عن أن كلاً من أحمد أسعد خير وشهرته….. اللبناني الجنسية واللبناني الجنسية و……. المصري الجنسية و…… المصري الجنسية و……. المصري الجنسية يكونون عصابة من المصريين واللبنانيين لجلب المخدرات والاتجار فيها داخل البلاد وأنهم أعدوا شحنة كبيرة منها في لبنان تقدر بحوالي سبعة أطنان لتهريبها إلى داخل البلاد واتفقوا مع…… على استخدام الباخرة المملوكة له المسماة ماريو – دي وتحمل العلم اللبناني بعد تجهيزها بمخابئ سرية لنقل شحنة المخدرات من الساحل اللبناني إلى ميناء بور سعيد والمرور بها في قناة السويس لإنزالها على ساحل سيناء الجنوبية بمنطقة البانكته في نقطة محددة بمعرفة أفراد العصابة وأوفدوا من قبلهم…… المصري الجنسية لمرافقة شحنة المخدرات أثناء عبورها قناة السويس وإرشاد قبطان الباخرة…… الهندي الجنسية على منطقة الإنزال بالساحل المصري وقد تأكد من التحريات السرية. وصول الباخرة المشار إليها يقودها القبطان الهندي وعلى متنها شحنة المخدرات. ومندوب أفراد العصابة…. وطاقم بحارتها إلى المياه الإقليمية أمام ساحل بور سعيد في انتظار اتصالها بهيئة قناة السويس لتحديد موعد عبورها قناة السويس في طريقها إلى منطقة الإنزال وعرض المحضر على السيد الأستاذ المستشار النائب العام الذي انتدب السيد الأستاذ المستشار….. المحامي العام الأول لإصدار الإذن أن لزم الأمر. وقد أصدر في 25/ 2/ 1985 الساعة 1.55 بعد الظهر إذنه بضبط وتفتيش الباخرة ماريو – دي والتي تحمل العلم اللبناني لضبط ما عليها من مواد مخدرة وضبط وتفتيش قبطانها…… الهندي الجنسية و…… المصري الجنسية أثناء وجوده على هذه الباخرة أو بعد نزوله منها ومن يتواجد معهما من طاقم الباخرة أو غير طاقم الباخرة وذلك لضبط ما يحرزونه أو يحوزونه من مواد مخدرة. وكذلك ضبط وتفتيش شخص وسكن كل من…… الشهير…… اللبناني الجنسية….. اللبناني الجنسية و……. مصري الجنسية والمقيم…… قسم شرطة العجوزة و……. و…. مصري الجنسية والمقيم….. ملك والده بالسويس و….. مصري الجنسية من أهالي بئر العبد محافظة سيناء الشمالية ومن يتواجد مع أيهم وقت تنفيذ الإذن وذلك لضبط ما يحرزونه أو يحرزونه من مواد مخدرة على أن يتم ذلك لدفعة واحدة خلال أسبوع من تاريخ وساعة إصدار هذا الإذن. وبتاريخ 27/ 2/ 1985 وبعد رسو الباخرة ماريو – دي تم مداهمتها وتفتيشها وعثر على كميات من مادتين ثبت من التحليل أنها حشيش وأفيون وبلغ عدد طرب الحشيش 14221 طربة ووزنها 5036 كيلو جرام وبلغ وزن الأفيون 8.5 كيلو جلبها….. و….. وأخفياها في خزان أسفل المكان المخصص لماكينة الإنارة بمقدم السفينة”. ثم أورد الحكم على ثبوت الواقعة على هذه الصورة أدلة مستمدة من أقوال رجال إدارة مكافحة المخدرات ومن تقرير المعمل الكيميائي. لما كان ذلك. وكان من المقرر في أصول الاستدلال أن المحكمة غير ملزمة بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها وفي إغفالها بعض الوقائع ما يفيد ضمناً إطراحها لها واطمئنانها إلى ما أثبتته من الوقائع والأدلة التي اعتمدت عليها في حكمها، فإن منعى الطاعن على الحكم إغفاله الوقائع التي أشار إليها بأسباب طعنه – وهي بعد وقائع ثانوية يريد الطاعن لها معنى لم تسايره فيه المحكمة فأطرحتها – لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكانت المادة 39 من قانون العقوبات إذ نصت في البند (ثانياً) على أن يعتبر فاعلاً في الجريمة من يدخل في ارتكابها إذا كانت تتكون من عدة أعمال فيأتي عمداً عملاً من الأعمال المكونة لها، فقد دلت على أن الجريمة إذا تركبت من عدة أفعال سواء بحسب طبيعتها أو طبقاً لخطة تنفيذها، فإن كل من تدخل في هذا التنفيذ بقدر ما يعد فاعلاً مع غيره فيها ولو أن الجريمة لم تتم بفعله وحده بل تمت بفعل واحد أو أكثر ممن تدخلوا معه فيها متى وجدت لدى الجاني نية التدخل تحقيقاً لغرض مشترك هو الغاية النهائية من الجريمة بحيث يكون كل منهم قد قَصَد قَصْد الفاعل معه في إيقاع تلك الجريمة المعينة وأسهم فعلاً بدور في تنفيذها، وإذ كان مفاد ما أورده الحكم في بيان صورة الواقعة وأثبته في حق الطاعن عن أنه قد تلاقت إرادته والطاعن الأول على جلب الجواهر المخدرة وأن كلاً منهما قد أسهم –
تحقيقاً لهذا الغرض المشترك – بدور في تنفيذ هذه الجريمة على نحو ما بينه الحكم، فإنه إذ دان الطاعن بوصفه فاعلاً أصلياً في جريمة جلب الجواهر المخدرة يكون قد اقترن بالصواب ويضحى النعي عليه في هذا المقام غير سديد. لما كان ذلك, وكان الحكم المطعون فيه قد أفصح عن اطمئنانه إلى أن الطاعن هو المقصود بالتحريات وأنه مندوب العصابة مالكة المخدرات، وكان من المقرر أن تقدير جدية التحريات موكول لسلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع، فمتى أقرتها عليها – كما هو الحال في الدعوى – فإنه لا معقب عليها في ذلك لتعلقه بالموضوع لا بالقانون. لما كان ذلك، وكان التناقض الذي يعيب الحكم هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما يثبته البعض الآخر فلا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة،
وكان ما أثبته الحكم من أن تفتيش الطاعن الأول لم يسفر عن ضبط أية نقود، لا يتعارض مع ما نقله الحكم عنه من أن الطاعن قد عرض عليه عشرين ألف دولار مقابل عدم تخليه عن المخدر, خاصة أنه لم يرد بالحكم أن الطاعن قد نقد الطاعن الأول بالفعل هذا المبلغ أو جزءاً منه، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون على غير سند, أما منعاه على الحكم اتخاذه من الأدلة سنداً لإدانته وإطراحها هي ذاتها بالنسبة لمن قضى ببراءتهم فمردود بما سلف بيانه رداً على أسباب الطعن المقدم من الطاعن الأول.
لما كان ذلك. وكان الأصل أنه لا يقبل من أوجه الطعن على الحكم إلا ما كان متصلاً بشخص الطاعن وكان له مصلحة فيه، فإنه لا يقبل من الطاعن ما يثيره من قالة فساد الحكم في الرد على الدفع الذي أبداه الطاعن الأول ببطلان تحقيق النيابة العامة معه, فضلاً عن أنه قد سبق الرد على هذا الوجه بصدد أسباب الطعن المقدم من ذلك الطاعن. لما كان ذلك. كان منعى الطاعن على الحكم استناده في إدانته إلى كل من تحريات الشرطة وما قرره الطاعن الأول عن حديث الطاعن مع طاقم القارب (اللنش) ونفى الطاعن اشتراكه في نقل الجواهر المخدرة من القارب إلى الباخرة لا يصادف محلاً من الحكم المطعون فيه الذي لم يستند في إدانة الطاعن إلى شيء من ذلك. وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع سلطة مطلقة في الأخذ بأقوال المتهم في حق نفسه وعلى غيره من المتهمين متى اطمأنت إلى صحتها ومطابقتها للحقيقة والواقع ولو لم تكن معززة بدليل آخر.
فإن ما يثيره الطاعن في شأن استناد الحكم إلى أقوال المحكوم عليه الآخر رغم أن أحداً لم يؤيدها ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك. وكان من المقرر أن الأحكام لا تلتزم بحسب الأصل بأن تورد من أٌقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضائها وأن المحكمة غير ملزمة بسرد روايات الشاهد إذا تعددت وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به منها بل حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه, وأن لها أن تعول على أقوال الشاهد في أي مرحلة من مراحل الدعوى مادامت قد اطمأنت إليها. وكان تناقض الشاهد وتضاربه في أقواله لا يعيب الحكم ما دامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من تلك الأقوال استخلاصاً سائغاً بما لا تناقض فيه، كما هو الحال في الدعوى فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن بفرض صحته، يتمخض جدلاً موضوعياً في تقدير المحكمة للأدلة القائمة في الدعوى وهو من إطلاقاتها ولا يجوز مصادرتها فيه لدى محكمة النقض.
لما كان ذلك. وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر علم الطاعن بكنه الجواهر المخدرة في قوله: “ومن حيث إن علم المتهمين الأول والتاسع (الطاعن) بأن المضبوطات من المواد المخدرة فثابت من أقوال الأول بأنه اكتشف كنه المادة على الباخرة ومن وضعهما إياها في مكان غير معد أصلاً لشحن البضاعة ومما ذكره المتهم من أن المتهم التاسع عرض عليه مبلغاً من المال (عشرين ألف دولار) لقاء توصيلها… وكان من المقرر أن القصد الجنائي في جريمة إحراز المخدر أو حيازته يتوافر متى قام الدليل على علم الجاني بأن ما يحرزه أو يحوزه هو من الجواهر المخدرة، ولا حرج على القاضي في استظهار هذا العلم من ظروف الدعوى وملابساتها على أي نحو يراه، وأن العبرة في الإثبات في المواد الجنائية هي باقتناع القاضي واطمئنانه إلى الأدلة المطروحة عليه, فقد جعل القانون من سلطته أن يأخذ بأي دليل يرتاح إليه من أي مصدر شاء ما دام مطروحاً على بساط البحث في الجلسة, ولا يصح مصادرته في شيء من ذلك إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه، ولما كان ما ساقه الحكم فيما سلف تدليلاً على علم الطاعن بكنه الجوهر المخدر سائغاً في العقل والمنطق. فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون غير سديد. لما كان ذلك. وكان الحكم قد عرض لدفاع الطاعن أنه يعمل عتالاً على الباخرة وأطرحه بقوله:
“فإن حسب المحكمة أن شهود الإثبات قد ذكروا أنه (الطاعن) المقصود بالتحريات وأنه مندوب العصابة وما ذكره هو في أقواله من أن القبطان لم يعهد إليه بأي عمل خلال مدة الرحلة ولو صح قوله بأنه يعمل على السفينة بحاراً لكان دوره عليها غير ما ذكر كما أن القبطان قد قرر أنه هو مندوب صاحب الشحنة وأنه هو الذي أصدر إليه التعليمات بالوقوف لمقابلة اللنش كما قرر….. أن المتهم التاسع (الطاعن) كان يتحدث مع رجال اللنش وكان واضحاً من الحديث أنه صديق لهم وأنه على علاقة حسنة بهم….. وهو منه سائغ ويستقيم به ما خلص إليه من إطراح دفاع الطاعن فإن النعي على الحكم فساده في الرد على دفاعه أنه يعمل عتالاً على الباخرة لا يكون سديداً. لما كان ذلك، وكان البين من سياق الحكم المطعون فيه أنه نقل عن الطاعن الأول وبعض المتهمين الآخرين أن أفراد طاقم القارب الذي نقل منه المخدر إلى السفينة كانوا مسلحين، فإن ما أورده الحكم – في موضع آخر منه – أن هؤلاء كانون ملثمين لا يقدح في سلامته إذ هو مجرد خطأ مادي وزلة قلم لا تخفى. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه.
ومن حيث إنه لما كانت الفقرة الثانية من المادة 35 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959، تخول هذه المحكمة أن تنقض الحكم لمصلحة المتهم من تلقاء نفسها إذا تبين لها مما هو ثابت فيه أنه مبني على مخالفة القانون أو على خطأ في تطبيقه أو في تأويله، وكانت جريمتا جلب الجواهر المخدرة وتهريبها اللتان دين الطاعنان بهما – قد نشأتا عن فعل واحد بما كان يتعين معه – وفق صحيح القانون وعلى ما سلف بيانه – تطبيق نص الفقرة الأولى من المادة 32 من قانون العقوبات والحكم عليهما بالعقوبة المقررة لجريمة الجلب باعتبارها الجريمة ذات العقوبة الأشد, دون العقوبات المقررة لجريمة التهريب الجمركي، أصلية كانت أم تكميلية، وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وأوقع على المحكوم عليهما بالإضافة إلى العقوبة الأصلية المقررة لجريمة الجلب, العقوبة التكميلية المقررة لجريمة التهريب الجمركي, فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يوجب تصحيحه بإلغاء ما قضى به من عقوبة تكميلية.
اترك تعليقاً