في ظل القرارات الحكومية بسحب الجنسية الكويتية من بعض المواطنين، تعالت الأصوات المؤيدة والرافضة لتلك القرارات.. ولأنها مرتبطة بتداعيات سياسية، فإن الأمر يبدو أكثر خطورة، لخضوعه لمزاجية حكومية وقمع حرية التعبير وتغيير جوهري في معنى الولاء.
وقد سبق للمحكمة الإدارية أن أصدرت حكماً بإلغاء قرار مجلس الوزراء بسحب الجنسية الكويتية عن مواطن وإعادتها إليه، لعدم صحة الأسباب الداعية لسحب الجنسية منه، وقالت المحكمة في حكمها «ليس صحيحاً أن الجهة الإدارية تتمتع بسلطة مطلقة في ما تترخص فيه بلا معقب عليها، إذ لا تتمتع أي جهة إدارية بسلطة مطلقة، لكنها يمكن أن تتمتع بسلطة تقديرية واسعة، وأنها مهما اتسعت هذه السلطة، فإنها تخضع دوما للرقابة القضائية، ولا يمكن أن تنعدم، وليس في ذلك افتئات على مبدأ فصل السلطات، بل هو إعمال لصحيح هذا المبدأ ولصريح نص المادة 166 من الدستور، الذي عهد القضاء الإداري بممارسة هذا الاختصاص شاملاً ولاية إلغاء وولاية التعويض بالنسبة إلى القرارات المخالفة للقانون».
وإذ تذهب بعض الآراء إلى أن هذه الرقابة القضائية على مسألة الجنسية متعلقة بالإسقاط المقرون، كون المتضرر يحمل الجنسية بالتأسيس فقط، لكون الحصول على هذه الجنسية لا يحتاج إلى قرار حكومي للمنح، على عكس التجنيس، الذي يخضع للجانب السيادي للسلطة، فلا يخضع لرقابة المحكمة في هذه الحالة، تختلف الآراء والتحليلات القانونية، لذلك التقت «الطليعة» مجموعة من المختصين في القضية، وسألتهم عن هذه القرارات.
تقول المدافعة عن حقوق الإنسان الحقوقية هديل بوقريص: «إن القضية شائكة جداً، وستفتح الشهية لسحب جنسية كل من يعارض أو ينتهج نهجا لا يتناسب مع الحكومة.. أما إن كان ذلك تطبيقا للقانون، وفق ما أعلن سابقا عن قضية المزدوجين، التي كانت تفعّل في وقت وتهدأ في وقت آخر، فيجب أن تبحث الحكومة عن آلية أكثر هدوءاً وأقل تصادماً، وخصوصاً أنها اختارت أسماء أولية لتطبيق القانون وتلك الأسماء ليست هامشية، بل لها ثقلها السياسي والاجتماعي».
وأضافت: «حقيقة، نحن لا نعلم إن كانوا سيحتفظون بالجنسية الأخرى هذا إن كانوا مزدوجين والتعامل معهم على أساسها، أو إن الحكومة قد صنعت جيلا جديدا من البدون لتوسع الهوة من جديد عوضا عن حل مشكلة البدون الممتدة لخمسة أجيال».
وفي ما يخص الاتفاقيات الدولية، قالت بوقريص: «منذ 2011 ونحن نشهد قائمة من الانتهاكات، وهناك انحدار شديد، للأسف، في اهتمام المسؤولين في الكويت بحقوق الإنسان، رغم أنها وقعت وانضمت للعديد من الاتفاقيات وصيغت بعض المواد من دستور الدولة بمواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكنا نتمنى التطبيق لا الترديد الخاوي لها، فالمادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص على عدم جواز حرمان شخص من جنسيته تعسفاً او إنكار حقه في تغييرها، كما أن القانون الدولي يحظر حرمان الأفراد من جنسيتهم نظير ممارسة حقهم في التعبير أو المشاركة السلمية في الحياة السياسية وحرمانهم من الطعن أمام المحاكم، فهذا حرمان تعسفي من الجنسية».
صلاحيات واسعة للحكومة
من جانبه، قال المحامي أحمد الصالح: «في ما يخص قانون الجنسية، فإن تطبيق القانون من البداية خطأ، بالإضافة إلى أن القانون نظم حالات لسحب الجنسية، وجعلها حقاً خالصاً للحكومة، من دون حصولها على حكم من المحكمة، ما يعني إمكانية اتهام أي شخص بأنه يروج مبادئ تساعد على تقويض النظام الاقتصادي والاجتماعي في البلد وسحب جنسيته، بالإضافة إلى أنه في حال كانت الحكومة قد استخدمت صلاحياتها في السحب، فالقانون لم يعط الحق للمسحوبة جنسيته أن يلجأ إلى القضاء في هذا الشأن، باعتبار أن مسائل الجنسية من الأمور السيادية في الدولة».
وأوضح الصالح: «باب سحب الجنسية فيه حالات كثيرة موجودة على أرض الواقع، لكن الحكومة لم تفعّل هذا الباب، ولم نرها مرة تطبق نصوص القانون، ونص المادة الذي ينظم السحب بسبب ازدواجية الجنسية نسمع تصريحات الحكومة في هذا الشأن منذ سنين، ولم تتخذ خطوة صريحة وجادة لتفعيله، كما أن هناك فقرة تتيح للحكومة سحب الجنسية ممن تشاء إذا استدعت مصلحة الدولة العليا أو أمنها الخارجي، أي القدرة على سحبها من أي شخص، ووضع الحجة بأن مصلحة الدولة العليا تستدعي هذا السحب وهذا الصلاحية الواسعة خطيرة للغاية، فكم شخصاً حكم عليه بجريمة مخلة بالشرف والأمانة خلال أول خمس سنين من تاريخ منحه للجنسية ولم تُسحب الجنسية منه، لكن تفعيل بعض نصوص القانون في الوقت الحاضر في ظل غياب الحكومة عن بقية النصوص يعد مزاجية في التطبيق وازدواجية في المعايير».
مخالفة دستورية
وحول الأمور القانونية المترتبة على قرار سحب الجنسية، قالت المحامية هيا العدساني: «لابد أن نميز بين سحب الجنسية وإسقاطها، فإسقاط الجنسية ليس له أثر رجعي، فلا تترتب عليه الآثار من تاريخ صدور قرار الإسقاط، وليس من تاريخ استحقاقه للجنسية.. أما سحب الجنسية، فإن له أثراً رجعياً، فتترتب آثاره من تاريخ اكتساب الجنسية، وليس من تاريخ صدور مرسوم أو قرار السحب.. وبناءً عليه، في حال سحب الجنسية يتعيَّن إزالة كل ما ترتب على حصوله عليها في الماضي، من مزايا مادية أو عينية أو أدبية، كوظيفة أو سكن أو أوسمة ونياشين حصل عليها بصفته مواطناً كويتياً في السابق، فتتم إزالة كل هذه الآثار بعد سحب الجنسية وتصبح كأنها لم تكن».
وفي ما يخص التقاضي في هذا الشأن، تقول: إنه «بالنسبة للمقاضاة، فإن القضاء الإداري في الكويت وضع قاعدة في هذا الشأن، مؤداها أن من اكتسب الجنسية اكتسبها بطريق المنح بقرار من الحكومة، فكان هذا القرار يتسم بطابع سياسي يرتبط بكيان الدولة وحقها في اختيار من ينضم إلى جنسيتها بوصفها سلطة حكم لا سلطة إدارة، لذلك أخرجها المشرع من ولاية القضاء فلايجوز النظر بها. أما من استحق الجنسية وفقاً للمادة (2) من المرسوم الأميري رقم 15 لسنة 1959 بقانون الجنسية الكويتية، فيجوز له الطعن لدى المحكمة الإدارية، لأنه استحق هذه الجنسية بقوة القانون لصيقة بواقعة الميلاد، فقرارات الجهه الإدارية، أي وزارة الداخلية، بهذا الشأن تخضع لرقابة القضاء الإداري فيجوز له الطعن بقرار إسقاط الجنسية وفقاً لحكم المحكمة الإدارية».
ولفتت العدساني إلى وجود شبهة دستورية في القانون، وأضافت: «من وجهة نظرنا، إذا كان من الممكن قبول سحب الجنسية من الأصل، فلا يجوز سحبها بالتبعية مِمَن حصلوا عليها وفقاً لأحكام قانون الجنسية، فنرى أنه بعد منح هذه الجهة الإدارية الجنسية بإرادتها المنفردة كسلطة حكم تأتي بسحب الجنسية كمثابة عقوبة لفعل ما، ووفقاً لنص المادة 33 من الدستور الكويتي، فإن «العقوبة شخصية»، كما أن هذه الفقرات الواردة بسحب الجنسية بالتبعية أرى أن فيها شبهة عدم دستورية، وخصوصية العقوبة أيضاً في الشريعة الإسلامية، فالشخص هو وحده المسؤول عن جنايته، ولا يتحمل غيره وزر فعل ارتكبه هو، فلا يؤاخذ بالفعل إلا فاعله، ولا يؤاخذ أحد بجريمة غيره، مهما كانت درجة قرابته منه أو علاقته به، وقد قرر القرآن الكريم هذا المبدأ في آيات كثيرة منها قوله تعالى «ولا تزر وازرة وزر أخرى».
المصطلحات المطاطية
لا يجوز أن تحتوي المواد القانونية على مصطلحات واسعة قابلة للتأويل من الممكن إسباغها على أي مما ترغب فيه السلطة التنفيذية وفق هواها، مصطلحات كالمصلحة العامة، والنظام العام، والعادات المرعية، والآداب العامة، والحياء العام، والمصلحة العليا للدولة، وتكدير الصفو، وتقويض النظام هي مصطلحات يمكن أن يتم استغلالها لتجريم أي فعل لا يناسب هوى السلطة، مصطلحات قد يساء استخدامها. كلما كانت المواد القانوينة أكثر تحديداً كانت أفضل في تحقيق العدالة من دون تدخل لمزاجية أو تأويل، ويجب أن تكون هناك معايير واضحة لتفسير هذه المفاهيم وتحديد أدق لما يندرج تحت هذه المصطلحات، حتى لا تكون أداة للاتهام متى ما أرادت السلطة.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً