سقوط الحق واكتسابه بالتقادم في النظام السعودي

سلبيات سقوط الحق واكتسابه بالتقادم تخف حدتها بوضع الضوابط

إن مبدأ سقوط الحق بالتقادم في القانون الوضعي يرمي إلى استقرار المراكز القانونية، وقد حددت الأنظمة الوضعية مدد السقوط الحق حسب طبيعة المديونية (تجارية أو مدنية أو إدارية). فإذا كانت تجارية فإن مدة السقوط تكون أقصر، أما إذا كانت مدنية فتكون أطول، فلا يحث للتاجر الدائن أن يطالب التاجر المدين بدين انقضى عليه مثلاً أكثر من خمس سنوات، ومن شأن المبدأ أن يحقق الاستقرار في المراكز والأوضاع القانونية في المجتمع، ويؤدي إلى الحد من القضايا والمنازعات أمام الجهات القضائية والتنفيذية وإشغال أجهزة الدولة والمسؤولين به.

ولقد طبقت حكومة المملكة العربية السعودية مبدأ عدم سماع الدعوى ومن ثم سقوط الحق بالتقادم على حقوق المواطن لديها. فقد حددت مددا للطعن في القرارات الإدارية متمشية في ذلك مع الأنظمة الإدارية المعمول بها. كما أقرت عدم سماع الدعوى في المطالبة بالحقوق التي للأفراد على الدولة بعد مضي مدة محددة وبالشروط المنصوص عليها في هذا الشأن.

إن استقرار الأوضاع والمراكز القانونية في المجتمع وسقوط الحق بالتقادم ليس فيه خروج عن أحكام الفقه الإسلامي. بل إن الإسلام يعتبر رائداً في المحافظة على الحقوق واستقرار المراكز القانونية، وإن المفرط في حقه والتارك له لمدد طويلة نسبياً أولى بالخسارة، فإن عدم سماع الدعوى لمضي زمن طويل نسبياً من شأنه أن يحقق حماية واستقرارا للمراكز القانونية قطعاً للحيل أو التزوير أو فقدان المستندات نتيجة تطاول الزمن، ولدلالة الحال على ذلك بترك المطالبة بالحق لمدة طويلة.

ويظن البعض خطأ أن الفقه الإسلامي التقليدي، وخاصة في المشرق العربي لم يكن يعرف أو يعترف بمبدأ سقوط الحق بالتقادم، حيث يرى البعض أن اكتساب الحقوق أو سقوطها بالتقادم حكم ينافي العدالة ويجعل الغاصب أو السارق مالكاً، بعد حيازته لما غصب أو سرق مدة معينة، وأن الزمن ليس من شأنه أن ينشيء حقاً أو يسقط حقاً. وقد قال الإمام مالك في هذا الشأن “فيمن” له شيء ترك غيره يتصرف فيه، ويفعل فيه ما يفعل المالك الدهر الطويل، فإن ذلك مما يسقط الملك ويمنع الطالب من الطلب”.

وعلى العموم فإن السلبيات التي تترتب على سقوط الحق أو اكتساب الحقوق بالتقادم تخف حددتها بوضع الضوابط والقواعد التنظيمية لهذا الأمر، بل إن المشاهد والدارس لسلبيات عدم تطبيق مبدأ سقوط الحق في رفع الدعوى بمضي مدة معينة أكبر بكثير من سلبية احتمالية تملك الغاضب لما حازه بمضي مدة معينة، وعدم تطبيق مبدأ التقادم وسقوط الحق يفرز العديد والكثير من الأمور التي تتنافى مع العدالة والحق.

وقد عالج كتاب شرح مجلة الأحكام موضوع مرور الزمن (التقادم)، والتي تقضي بمنع سماع الدعوى إذا ترك الحق مدة محادة. وقد جاء في الحديث النبوي الشريف أن رسول الله قال “من حاز شيئاً على خصمه عشر سنين فهو أحق به”. وعدم سماع الدعوى لمضي مدة محددة أخذت به الأنظمة السعودية ونجده في نظام المحكمة التجارية المادة (423، 429) حيث حدد النظام خمس سنوات لعدم سماع الدعوى في بعض الحالات، وثلاث سنوات في حالات أخرى (المادة 425)، وسنة واحدة لبعض الدعاوى المادة (427)، وكذلك نظام الأوراق التجارية حدد مددا لعدم السماع. وكل ذلك بهدف استقرار الأوضاع الاقتصادية والمراكز القانونية.

وإنني أدعو مجلس الشورى لدراسة مبدأ الحيازة بالتقادم، ومبدأ سقوط الحق في سماع الدعوى لمضي مدة معينة وتطبيقها على حقوق الأفراد والدولة على حد سواء.

أسامة سعد اليماني

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

Share

اترك تعليقاً

Your email address will not be published.