_ كانت مسألة السلطة التي تملك اصدار لوائح تنفيذية محل خلاف في ظل دستور 1923 ، فقد كانت المادة 37 تنص على أن ” الملك يضع اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين …” ومقتضى ذلك طبقاً لظاهرة النص أن حق اللوائح التنفيذية كان ثابتاً لرئيس الدولة ليمارسه في شكل مراسيم . ومع ذلك فقد ثار التساؤل حول امكان صدورها في شكل قرارات من مجلس الوزراء أو قرارات وزارية .
_ بيد أن الرأي الراجح في الفقه كان يذهب الى تأييد ما جرى عليه العمل من جواز صدور اللائحة التنفيذية في صورة قرار من جلس الوزراء أو قرار وزاري ، وذلك لأن المادة 37 عندما قررت سلطة اصدار اللوائح التنفيذية للملك باعتباره رئيساً للسلطة التنفيذية وممثلاً لها ، ومن ثم فان حق اصدار اللوائح التنفيذية مقرر في الواقع للسلطة التنفيذية ممثلة في شخص الملك شأن ذلك شأن سائر الاختصاصات المقررة لهذه السلطة والمسندة كلها بنصوص الدستور الى الملك . يضاف الى ذلك أنه في نظام ملكي حيث الملك يسود ولا يحكم فان الوزراء ليسوا في حاجة الى نص لممارسة السلطة اللائحية لأنهم يمارسون سلطة الملك ذاته في اصدار اللوائح ، وهو ما يتفق مع التفسير السليم لنصوص الدستور لأن هذه النصوص كانت تقرر اختصاصات معينة للسلطة التنفيذية وكانت تسندها من الناحية الاسمية الى شخص الملك بصفته رئيس هذه السلطة وممثلاً لها ، وبالتالي لم يكن هذا الاسناد ليستتبع حتماً مشاركة الملك لأعضاء السلطة التنفيذية في ممارسة جميع هذه الاختصاصات .
_ وقد وضعت دساتير 1956 ، 1964 ، 1971 ، حداً لهذه المشكلة اذ نصت جميعها صراحةً على الشكل الذي تصدر فيه اللوائح التنفيذية ، حيث نصت هذه الدساتير على أن اللوائح التنفيذية تصدر في شكل قرارات من رئيس الجمهورية وذلك بناء على عرض الوزير المختص ، وأجازت لرئيس الجمهورية أن يفوض غيره في اصدارها ، كما أجازت للقانون أن يعين الشخص أو الهيئة التي تصدر القرارات اللازمة لتنفيذه . ثم نقل دستور 2012 ثم دستور 2014 هذا الاختصاص الى رئيس مجلس الوزراء بدلاً من رئيس الجمهورية .
_ ورغم أن الأصل في اصدار اللوائح التنفيذية في رأي غالبية الفقه هو أن تصدر بقرارات من رئيس مجلس الوزراء الا أن واقع الأمر يشير الى عكس ذلك ، حيث أصبح من النادر أن تصدر القوانين خالية من نص يحدد الهيئة المختصة باصدار الاجراءات التنفيذية اللازمة لها .
_ ويترتب على ذلك أنه اذا حدد القانون الشخص أو الجهة التي يتعين عليها اصدار اللائحة التنفيذية ، كان لهذا الشخص أو تلك الجهة سلطة اصدار اللائحة التنفيذية لذلك القانون ، فاذا سكت القانون عن تحديد هذه الجهة فان المختص باصدار اللائحة التنفيذية لهذا القانون ، هو رئيس مجلس الوزراء باعتباره صاحب الولاية العامة في هذا الاختصاص طبقاً للمادة 170 من الدستور الحالي .
_ غير أنه ينبغي ملاحظة أنه في حالة تحديد القانون للجهة التي ينبغي عليها اصدار اللائحة التنفيذية له فانه يجب أن تصدر اللائحة عن تلك الجهة دون غيرها بمعنى أنه لا يجوز التفويض اطلاقاً في هذه الحالة ولو كان القانون قد حدد رئيس مجلس الوزراء لاصدار اللائحة التنفيذية . وعلى ذلك طبقاً للمادة 170 من الدستور فانه يوجد طريقان لاصدار اللوائح التنفيذية :
أولهما : اصدارها عن طريق رئيس مجلس الوزراء أو من يفوضه ، وذلك في حالة سكوت القانون عن تحديد الجهة المختصة بوضع لائحته التنفيذية .
والآخر : اصدارها عن طريق الجهة التي يحددها القانون ، وذلك اذا ما قام القانون بتعيين هذه الجهة حتى ولو كان رئيس مجلس الوزراء ذاته ، وفي هذه الحالة فليس له أن يفوض هذا الاختصاص الذي يستمده من القانون وليس من الدستور مباشرة احتراماً لنص المادة 170 ذاتها والتي بمقتضاها يمتنع اللجوء للطريق الأول في اصدار اللائحة التنفيذية في حالة قيام القانون بتحديد الجهة المختصة .
اترك تعليقاً