الحقيقة ان هذا اللبس نتج عن سعي دَؤوب من شيوخ المنصر في مغارة علي بابا فيما قبل الثورة ، الذين يطلق عليهم “المطيباتية ، أو بطانات السوء ” ، وهدفهم تهيئة المناخ لسرقة ونهب أموال الدولة .. فالباحث في إنشاء المؤسسات والهيئات العامة ، يجد ان الباعث علي هذا الإنشاء إنما كان لمواكبة ومسايرة دور الدولة المتدخلة في النشاط الإقتصادي .. فكان الهدف الأساسي هو (فقط ) تحرر هذه الكيانات من “الروتين الحكومي ” ، ولتدار بروح القطاع الخاص .
فلم يتضمن هذا الإنشاء تخلي الدولة عن ملكية هذه الكيانات.. ولكن ظلت مملوكة – وحتى الآن – للدولة ؛ فمجلس الإدارة لا يملك سوى أعمال الإدارة.. وهيئة قضايا الدولة منذ إنشائها – قبل ان تنشأ محكمة واحدة في مصر – وهي هيئة قضائية من جنس ونوع المحاكم .. والحكمة من ذلك ان رد الاعتداء على المشروعية ، والحماية والدفاع عن حقوق وأموال الدولة كثيرا ما يكون ضد أهواء الحكام ، وأصحاب النفوذ..ومن ثم ، فلا يجوز القول بوجود دفاع عن الدولة ، إلا من سلطة قضائية عليا .. هذه السلطة هي ركن وجود في الدفاع عن المال العام .
وحسنا فعل الدستور ، عندما اقتصر علي ذكر ان هيئة القضايا تنوب عن “الدولة” .. ولم يستطرد ويذكر عبارة “بكافة شخصياتها العامة ” .. ففي هذا التعميم ، ما يسمح لتتبع أموال وحقوق الدولة ، ليس فقط تحت يد الأشخاص العامة ، بل تحت يد الأشخاص الخاصة ، أو حتى تحت يد الشخص الطبيعي الملتزم بتسيير مرفق عام مثلا… أما قانون الإدارات القانونية ، فقد كان واضحا في ان إنشاء هذه الإدارات يهدف لمعاونة مجلس الادارة .. ولا تتجاوز صلاحية مجلس الإدارة لأعمال الإدارة لمال يظل مملوكا للدولة.
والقانون صريح ايضا في ان إنشاء هذه الإدارات ، لا يخل باختصاصات الهيئات القضائية ، يعنى لا يخل بحق الدولة المالك للشركة ، في التدخل بدعوى المالك ليحمي المال العام .. فللدولة نوعين من الدعاوي بالنسبة لهذه الكيانات .. دعوى أعمال الإدارة ، وتتولاها الإدارات القانونية بتوكيل عن مجلس الإدارة ، بما يوازي سلوك الأشخاص الطبيعيين ، تخلصا من بيروقراطية تسيير العمل في الدولة .. ودعوى حماية الشركة ذاتها وملكيتها وملكية أموالها ، فهي باقية للسلطة القضائية ممثلة في هيئة قضايا الدولة .
إذن ، ليس في القانون ما يخول الإدارات القانونية سلطة حماية المال العام ، ولكن يقتصر دورها في معاونة مجلس الإدارة في أعمال الإدارة من خلال توكيل … ولكن شيوخ المنصر ، هم الذين روجوا لفكرة حجب هيئة قضايا الدولة عن حماية المال العام في هذه الكيانات ، تمهيدا لسرقة الحكام ورؤساء المصالح للمال العام ، على أساس أنه إذا ما حجبت السلطة القضائية عن هذه الحماية ، فإنه من السخرية والسخافة ان يظن عاقل أن بإمكان الوكيل أن يتولى حماية شيء ضــد رغبات موكله.. كانت هذه نزوات من شيوخ المنصر فيما قبل الثورة يجب عدم السماح بتكرارها بعد الثورة .
بقلم المستشار د. عبدالله خلف
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً