بقلم عثمــان الوجـــدي
منتدب قضائي من الدرجــة الثانية بالمحكــمة الابتدائية بطنجــة
باحث بصف الدكتوراه
أغلب الدراسات تتجه إلى دراسة سلطة المشغل التأديبية و تنظير أساسها القانوني ، لما لها من آثار خطيرة على حقوق الأجراء ، لذلك لم تنل سلطته التنظيمية حظا وافرا من البحث و الدراسة ، مع أن السلطة التأديبية ما هي إلا مظهر من مظاهر السلطة التنظيمية للمشغل الذي عندما يلجأ إلى جزاء تأديبي تستوجبه مخالفة قام بها الأجير إنما ذلك بغية تنظيم العمل بمقاولته على الوجه الذي يحقق مصالحه.
و السلطة التنظيمية تثبت للمشغل بموجب ملكيته للمقاولة [1] بغية تنظيمها و إدارة نشاط الأجير أثناء تنفيذ العمل و الإشراف عليه ، فالمشغل هو الذي يضع السياسة العامة لمقاولته ، و هو من يرسم خريطتها الإنتاجية ، لكن نقاشا فقهيا دق بشأن الأساس القانوني للسلطة التنظيمية للمشغل ، فتعددت الآراء و النظريات ، لكن تبقى أهمها نظريتان ، النظرية التقليدية التعاقدية ( المبحث الأول ) و النظرية الحديثة التنظيمية ( المبحث الثاني ).
المبحث الأول : النظرية التقليدي-التعاقدية :
مضمون هذه النظرية يقوم على أساس أن سلطة المشغل التنظيمية تستمد من طبيعة عقد الشغل 2 ذاته ، باعتباره منشئا لعلاقة التبعة بين الأجير و مشغله ،و ما ينتج عن هذه العلاقة من خضوع الأجير للمشغل في كل ما يتعلق بتنفيذ العمل ، لكن داخل نفس النظرية التقليدية انقسم الفقه بين من يعتبر ‘ حق الملكية’ أساسا للسلطة التنظيمية ( المطلب الأول) ، و بين من يرى ‘عقد الشغل’ هو أساسها القانوني ( المطلب الثاني) .
المطلب الأول : حق الملكية كأساس للسلطة التنظيمية :
الشغل عند أصحاب هذه النظرية ما هو إلا عنصر من عناصر الإنتاج ، و المشغل يتمتع بالسلطة التنظيمية مادام أنه المالك للمقاولة ، و حق الملكية هو من يخول صاحبه الحصول على منافع الشيء محل الحق ، باعتباره سلطة يقررها القانون لشخص على شيء معين[2].
و تتضح جليا علاقة الملكية ، بسلطة القرار داخل المقاولة التي تقتضي منح المشغل سلطة التنظيم و الإدارة كامتداد طبيعي لحقة في الملكية.
و من هذا المنطلق _ و حسب هذه النظرية دائما_ فإن حق الملكية حق مطلق يمنح المشغل سلطة الإدارة و التنظيم باعتباره المالك لرؤوس الأموال و لوسائل الإنتاج .
لكن بالمقابل ، يمكن القول أن هذه السلطة التنظيمية لم تعد هي ممارسة الصلاحيات التقليدية فقط ، بل أصبحت سلطة لتنظيم ما تتطلبه الإمكانات المادية و البشرية، و هذا ما أصبح يبرر امتداد الملكية من سلطة المشغل على الأشياء إلى سلطته على الأشخاص .
نقد أطروحـــــة ” حق الملكيــة” كأساس للسلطة التنظيمية
:
إن حق الملكية إذا كان يسمح للمشغل بممارسة السلطة التنظيمية ، فإن هذا لا يسمح بالقول أن هذا الحق هو الأساس العام لتلك السلطة، إنطلاقا من أن الواقع الإقتصادي الراهن أصبح يتجه نحو تقليص حق الملكية الفردية لصالح الوظيفة الإجتماعية للمقاولة ، و نحو اعتبار هذا الحق وسيلة من وسائل الإنتاج المحققة للمصلحة العامة لكل أفراد المقاولة [3].
و هكذا لم يعد ينظر إلى ‘ حق الملكية’ كأساس قانوني يمكن أن يشرعن للمشغل سلطته في التنظيم و الإدارة ، بل إن تطور القواعد و المقتضيات القانونية المنظمة لقطاع الشغل أدى إلى ظهور المقاولة الحديثة المبنية على حتمية إقامة توازن في المصالح بين طرفي علاقة الإنتاج.
كما أن هناك أعمالا تنظيمية يقوم بها المشغل و لا تمس بحق الملكية كإلزامه _ مثلا_ للأجراء بضرورة الحفاظ على الآداب و الأخلاق الحميدة داخل المقاولة ، فهذا تنظيم لا يمس حق الملكية في شيء ، لكن مع ذلك ظل بعض الفقه [4] متشبتا بنظرية حق الملكية في تأسيس السلطة التنظيمية للمشغل قانونا ، وإن اعتبروها الأساس الغالب و ليس العام ، و هو تحول نحو الحديث عن حق ملكية مرن و مندمج مع الأهداف المتوخى من المقاولة تحقيقها ، فقد نسمع ‘بالمقاولة الوطنية'[5] على سبيل المثال و التي وظيفتها الوطنية أهم بكثير من وظيفتها الاجتاعية لأنها تتحمل جانبا من مسؤولية الدولة في الحفاظ على استقرار الشغل و السلم و توفير الإنتاج الإقتصادي للمواطنين[6] .
المطلب الثاني : العقــد كأساس للسلطــــة التنظيميـــة :
يرى أنصار هذه النظرية ، أن أساس سلطة التنظيم و الإدارة هو ‘ عقد الشغل’ الذي يعطي لمتعاقد الذي هو المشغل حقا على المتعاقدين الآخرين الذين هم الأجراء ، و هذا الحق يخول له التمتع ببعض المزايا عليهم، و بالمقابل يفرض على الأجراء الخضوع لأوامر المشغل إنطلاقا من أن عقد الشغل تتولد عنه علاقة التبعية [7] .
حيث نجد بالنسبة لهذه النظرية أن ‘ عقد الشغل’ هو القوة الملزمة للنظام الداخلي و الاتفاقيات الجماعية و للسلطتين التنظيمية و التأديبية ، ذلك أن سلطة الإدارة و الإشراف الناتجة عن علاقة التبعية في حال إفراغها في نظام داخلي يتضمن العقوبات التأديبية فإن ذلك لا يمكن أن يغير من الطبيعة التعاقدية لها ، بل إن العقوبات الواردة في النظام الداخلي لابد و أن تجد لها سندا في عقد الشغل أو النظام الداخلي الذي يعتبر امتدادا لهذا العقد [8] ، كما أن إنهاء عقد الشغل غالبا ما يسند لحق الإدارة و الإشراف الناشئ عن العقد الرابط بين المشغل و الأجير .
و أمام إغفال أغلب عقود الشغل لتحديد جوانب مهمة منها ، فإن مجال المبادرة و النفوذ يفسح أمام المشغل لتنفيذ العمل ، و لنشر مذكرات داخلية آمرة ، ففي هذه النظرية يتمتع المشغل بقدر كبير من السلطات و الحرية على مستوى الممارسة ، بصرف النظر عن حقه في إنهاء العقد بإرادته المنفردة إذا كان غير محدد المدة ، أو فسخه إذا كان محدد المدة فهو يسن بصفة فردية النظام الداخلي الذي بمقتضاه يمنح لنفسه حق زجر المخالفات المرتكبة من طرف الأجير ، و تغيير مكان عمله و تعديل أوقات العمل[9] .
نقد الأطروحــــــة العقديـــة :
لم تسلم هذه النظرية بدورها من النقد ، و من أهم الإنتقادات الموجهة إليها، تلك التي ركزت على سلطة الإدارة و الإشراف المبنية على أساس عقد الشغل ، فإذا كانت سلطة المشغل نابعة من ملكية المقاولة و العقد الرابط بينه و بين الأجير فإن اعتماد هذه السلطة سيؤدي إلى إذعان الأخير إلى كل المقتضيات التي يسنها المشغل أثناء تنفيذ العمل، و هو ما يعرض الأجير إلى التعسف .
و إذا كانت العلاقة الشغلية تقوم من خلال عناصر من بينها عنصر الإدارة و الإشراف المبني على العقد[10] ، و يجعل المشغل رئيسا للمقاولة من الناحية القانونية و يبرر اختصاصه في توقيع العقوبات التأديبية ، فإن هذا الأخير يمكن إجراؤه دون الإرتكاز على حق الإدارة و الإشراف ، إذ يكفي تطبيق القواعد العامة في الفسخ و الإنهاء للوصول إلى هذه النتيجة [11].
كما أن العقد ليس شرطا لقيام حالة التبعية ، إذ يمكن تحقيقها من دون تعاقد كما بالنسبة إلى العمال العرضيين[12] .
أما فيما يخص النظام الداخلي الذي تعتبره النظرية ملحقا لعقد الشغل، فلو افترضنا ذلك لما جاز للمشغل بوضعه و تعديله من دون موافقة الطرف الآخر في العقد الأجير، كما أنه و الحال كذلك لن يستطيع المشغل تطبيق قواعد النظام الداخلي على الأجراء الذين عينوا بعقد باطل _كيفما كان سبب بطلانه_ و لا على الذين التحقوا بالعمل من دون عقد شغل أصلا.
و هكذا فالنظرية العقدية عجزت عن تفسير واضح و شامل لأساس سلطة المشغل التنظيمية بالرغم من كون جل الإنتقادات المسلطة عليها ارتكزت على أهم ما يترتب عن حق الملكية و التبعية القانونية من حقوق ، فهي عجزت عن تقسيم بعض الإجراءات المدعمة لحقوق الأجراء للإستقرار في مناصبهم ، أو دعم المركز القانوني كمتعاقدين مشاركين في تحقيق أهداف المقاولة[13].
المبحث الثاني : النظرية الحديثة- التنظيمية :
على إثر الإنتقادات التي وجهت للنظرية التقليدية ، ظهرت نظرية حديثة تبرر سلطة المشغل التنظيمية ، إنطلاقا من نظرتها إلى ‘ الملكية’ كوظيفة اجتماعية لا كحق شخصي [14]، و من تم النظر إلى المقاولة نظرة جماعية ، لكنها لم تسلم من النقد ، و هذا ما يدفعنا لتقسيم هذا المبحث إلى مطلبين ، نتناول في أولهما محتوى النظرية الحديثة ( المطلب الأول) قبل أن نسرد بعضا من الانتقادات التي طالتها هي الأخرى ( المطلب الثاني ).
المطلب الأول : محتوى النظريــــة الحديثـــة :
يذهب أنصار هذه النظرية إلى اعتبار المقاولة مجتمع صغير يحتاج إلى أنظمة تحكمه و إلى مشغل يشرع هاته الأنظمة حماية لمصلحة المقاولة ، و يفترض مما سبق أن للمشغل حق ممارسة نوع من الإمتياز على أعضائه بغية الوصول إلى الهدف المحدد، و ذلك بتوجيه سلوكههم و ردعهم إن اقتضى الأمرذلك ، أو التنويه بهم، و هذه السلطة الإجتماعية لا تقتصر على المقاولة فقط كتجمع بشري ، بل إنها توجد حتما في كل التجمعات العامة و الخاصة المنظمة على السواء ، كالمدرسة و الأسرة و غيرهما[15] .
و المقاولة حسب هذه النظرية عبارة عن أموال و جهد الأجراء العاملين فيها لتحقيق نتيجة معينة ، و لا يمكن أن تستقيم الحياة داخلها على نحو يحقق الغرض إلا إذا استطاعت فيها سلطة عليا أن تفرض النظام داخلها ، و هذا النظام يفرض على الأجير التزامات اتجاه مشغله و اتجاه الأجراء العاملين بنفس المقولة ، و اتجاه زبائن المقاولة أيضا[16].
ففي أنظمة الإنتاج الحديثة يتوجب لقيام استغلال معين اتحاد قوى بشرية متنوعة لها هيئات تمثيلية[17] مع ما يقدمه المشغل من رأس مال بغية الحصول على الإنتاج .
هذا فالنظرية التنظيمية تذهب عكس ما ذهبت إليه النظرية التعاقدية التي يعتقد أصحابها ألا مكان لفهم سلطة المشغل و تجلياتها أحسن من عقد الشغل، فتستبعد فكرة العقد لأنها فكرة قائمة على فلسفة فردانية ( individualisation ) تفسح المجال لوجود تعارض بين مصالح المجموعة الواحدة ، في حين تقوم النظرية التنظيمية بالتركيز على مزايا مجموعة المستخدمين في المقاولة ( personnel ) لعلاقات الشغل ، و على كون هذه العلاقات تسعى إلى تحقيق أهداف و مصالح مشتركة، حيث يجب أن تتنازل الفردية الخاصة في مواجهة المصالح الجماعية[18] .
نتائج النظريـــة الحديثـــة :
ينتج عن الأخذ بالنظرية الحديثة كمصدر لسلطة المشغل التنظيمية نتائج عديدة كان لها أثر في تطور العلاقة الشغلية ، و يمكن إجمال هذه النتائج بالنقاط الآتية :
أولا: يتمتع المشغل بسلطة تنظيم حقيقة قائمة بذاتها ، بحيث يعتبر مشروعا للمقاولة يمارس سلطاته التشريعية داخلها ، فيضع قانونها المتمثل في النظام الداخلي و يوقع الجزاءات التأديبية [19]، و هكذا تتلاشي فكرة الإلتزامات التبادلية و الحقوق المتساوية النابعة من فكرة العقد ، و يلتزم الأجير بإطاعة مقتضيات النظام الداخلي لا على اعتبار أنها جزء مكمل أو اتفاق لاحق لعقد الشغل ، و إنما على أساس أنها قانون الجماعة التي تمثلها المقاولة ،
حيث يكون عقد الشغل سواء كتابيا أو شفويا ، هو سبب انتماء الأجير إلى المقاولة بحيث بمجرد انضمامه إليها يصبح ملتزما بالمقتضيات التي يتضمنها النظام الداخلي و المذكرات التنظيمية للعمل، و يترتب على الإخلال بها أو عدم الإمتثال للأوامر و النواهي خضوعه للعقوبات التأديبية المنصوص عليها في لائحة الجزاءات[20] .
ثانيا : إن علاقات الشغل تتجه إلى فقدان أساسها التعاقدي ، لتتخذ شكلا تنظيميا ، فلا يخضع الأجير لأحكام عقد الشغل بل لأحكام القانون[21] ، فيرتبط الأجير بالمقاولة أكثر من ارتباطه بمشغله، و من آثار ذلك بقاء بقاء الأجير عضوا في المقاولة بالرغم من تغير المشغل.
ثالثا : إذا كانت سلطة المشغل التنظيمية تستمد أساسها من العلاقات الجماعية بين مجموع الأجراء و المشغل ، و أن هذا الأخير هو من يضع النظام الداخلي[22] للمقاولة بغية حسن سيرها، فإن أرباحها ليست ملكا للمشغل وحده ، بل للأجراء نصيب فيها.
رابعا : إن التشارك و التعاون المفترض حسب هذه النظرية بين المشغل و أجرائه بغية تحقيق أهدافهم المشتركة ، يتطلب فعلا مساهمة الأجراء عن طريق هيئات تمثلهم في إدارة المقاولة، و ألا يستقل المشغل في إصدار القرارات الخاصة بالمقاولة [23].
المطلب الثاني : نقد النظريـــــة الحديــــثة :
بدورها لم تسلم النظرية الحديثة من النقد ، و لعل من أبرز الإنتقادات التي وجهت لها استبعاد فكرة عقد الشغل كمصدر لسلطة المشغل في التنظيم ، مع أن العقد كان و لازال افضل الوسائل التي توصلت إليها التشريعات الإجتماعية لتنظيم علاقات الشغل ، فيكفي أنه الوسيلة التي تمنح المتعاقد حرية الدخول في علاقة شغلية من عدمه ، و وسيلة تحديد نوع العمل و مدته و الأجر..الخ.
كما أن اعتبار المشغل مستمدا لسلطته التنظيمية فقط لكونه المسؤول الوحيد عن تطبيق الأنظمة و القوانين غير كاف ، إذ لابد من إيلاء أهمية لعقد الشغل بحكم أنه النظام القانوني الذي يمكننا من معرفة طبيعة العلاقة بين المشغل و الأجير [24].
من جهة اخرى ، فإن اعتبار النظرية التنظيمية المقاولة بمثابة مجتمع صغير ، و تشبيه المشغل بالمشرع ، فيه كثير من المبالغة ، كما لا يمكن التسليم باعتبار النظام الداخلي مصدرا لقواعد قانونية .
فبالرغم من اعتراف المشرع المغربي للمشغل بسلطة وضع النظام الداخلي[25] فإن ذلك لا يؤدي إلى القول باعتبار هذا الأخير سلطة من السلطات العامة التي تمتلك حق وضع القواعد القانونية ، كما أن النظام الداخلي لا يعتبر مصدرا من المصادر الرسيمة لقانون الشغل ، بل إن هناك من اعتبر النظام الداخلي انحرافا بالقانون[26] .
و تبقى مجمل الانتقادات تتراوح ما بين المذهب الفردي و المذهب الاشتراكي ، فأنصار النظرية التقليدية لا يستسيغون فكرة المقاولة المتضامن أعضاؤها، فهي هنا أشبه بجمعية خيرية لا مقاولة تهدف إلى تحقيق المصالح المادية للمشغل ، بواسطة الأجراء ، فيكون هنا المشغل سيد مقاولته ، و سلطته المنطلقة من عقد الشغل الفردي هي وسيلته لتنظيم مقاولته و لا يحدها إلا انتهاء عقود عماله من دون تعسف منه.
بالمقابل ، و من فكرة التضامن نفسها يعيب أنصارالمذهب الإشتراكي النظرية الحديثة نظرا لتعارض المصالح بين طبقتين غير متساوية في الأصل ، و ما التضامن و التشارك المزعوم سوى غطاء على سلطات المشغل الواسعة داخل المقاولة، التي قد يتعسف بها على الأجراء بدعوى الذود عن مصلحة المقاولة .
خاتمـــــــة :
حاصل القول في الموضوع أن ‘ عقد الشغل’ يبقى هو المبدأ العام في تأسيس السلطة التنظيمية للمشغل من الناحية القانونية ، و أما باقي النظريات الأخرى و رغم وجاهتها في جوانب مهمة منها، فتبقى حالات استثنائية [27].
فالأجير و المشغل على حد سواء لهما حرية الدخول في علاقة شغلية من عدمه ، و لإرادتهما السليمة الحق في التفاوض و المساومة على ظروف العمل و مدته و أجره ..الخ.
و منذ البدء يدرك الطرفان أن تعاقدهما هو من أجل تحقيق غاية معينة ،فالأجير يروم بتعاقده تحقيق دخل مادي ، و المشغل يصبو إلى تحقيق الربح المادي ، و من أجل ذلك يعملان على استقرار و استمرار المقاولة كغاية مشتركة بينهما ، و الذي لا يتأتى إلا من خلال فكرة التضامن التي تقول بها النظرية الحديثة.
و المقاولة لا تقوم إلا باندماج الجهد الأنساني مع رؤوس الأموال ، و لا تستمر إلا باستقرارها، و لا تستقر إلا بتحديد حقوق و التزامات طرفي العلاقة الشغلية ، و هنا يجب الاعتراف للمشغل بسلطته في التنظيم و التأديب ، و بالمقابل يجب الاعتراف للاجراء بحقهم في المساهمة بالتنظيم و الادارة و اتقاء أي تعسف [28]من لدن المشغل.
أخيرا ، فإن تقييد السلطة التنظيمية للمشغل [29]من خلال القوانين و الاتفاقيات الجماعية لا يتم إلا بتوافر شروط و عبر مراحل إجرائية ، مع إعمال مراقبة قضائية و إدارية في الموضوع ، فإذا كان المشرع المغربي قد نص في الفقرة الأخيرة من المادة 42 من مدونة الشغل[30] على خضوع قرارات المشغل للمراقبة القضائية و هو يمارس سلطته التأديبية ، فإن ذلك ينطبق أيضا على السلطة التنظيمية مادامت الأولى تعد مظهرا من مظاهر الثانية كما أشرنا إلى ذلك عند استهلالنا لهذا البحث .
اترك تعليقاً