بحث قانوني عن سياسة التحفيظ العقاري في المغرب بيـن الإشهـار العقاري و التخطيـط الاجتماعي الاقتصادي
إن موضـوع التقرير ينصب على رسالـة محمد بن الحاج السلمي المتعلقة ” بسياسة التحفيظ العقاري في المغرب بيـن الإشهـار العقاري و التخطيـط الاجتماعي الاقتصادي ” وهذه الرسالـة نشرت في سنـة 2002 بعد تنقيحها و تحيينها، وقد نوقشت هذه الرسالة في سنة 1978، والتي قدمـت لنيل دبلوم السلك العالي من المدرسة الوطنية للإدارة العمومية.
وسنحاول في هذا التقرير أن نبرز أهم الإشكاليات التي طرحها الباحث في رسالته وكيفية معالجته لها و الاستنتاجات التي توصل إليها و الحلول التـي اقترحها لمعالجتها وذلك في مبحث أول ، على أن نخصص المبحث الثانـي لتقييم الاستنتاجات التي توصل إليها و الحلول التي اقترحها.
المبحث الأول: الإشكاليات المطروحة في الرسالة وكيفية معالجتها:
لقد اعتمد الباحث في رسالته من جهة على أسلوب تحليلي لبعـض فصول ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بنظام التحفيظ العقاري ، وكذا بعض فصول ظهير 2 يونيو 1915 المحـدد للتشـريع المطـبق على العقارات المحفظـة خصوصا في القسم الأول من هذا الكتاب. كما اعتمد مـن جهـة أخرى على أسلوب آخر ارتكز أساسا على إبراز المكاسب الاجتماعية و الاقتصادية التي يحققـها نظام التحفيظ العقاري ، مع إثارتـه لأهـم الإشكاليات التي تعتري تحقيق الأهداف المنوطة بهذا النظام ، كما عزز رسالتـه بكثير مـن الأحكام و الاجتهادات القضائية في الميدان العقاري ،هذا ولم يهمـل الباحـث جانب الدراسة المقارنة وذلك على سبيـل الاستئناس لإيجاد حلول لبعـض المشاكل التي يثيرها هذا النظام في بلادنا.
لقد طرح الباحث في كتابه عدة إشكاليات حاول الإجابة عنها و أهمها:
– مدى مطابقة مسطرة التحفيظ العقاري للواقع الاجتماعي للمغرب؟
– ما هي طبيعـة قرارات التحفيظ على اعتبار أنـها غير خاضعة لمراقبة المشروعية من طرف المجلس الأعلى و غير قابلة للطعن و لأنها غير معللة؟
– ما هي الأهداف القانونيـة و الاجتماعيـة و الاقتصاديـة و مدى تحققها و الوسائل المستعملة في سبيل ذلك؟
– هل يمكن الحديث عـن سياسـة تخطيطيـة في هذا المـجال في غياب مجموعة من العناصر الأساسية ( كالتعميم و الإجبارية و غياب بنك معطياتي عقاري و سجل هندسي وطني….)
لقد أشار الباحث إلى المنهجية التي اتبعها في بحثه لمعالجة هذه الإشكاليات حيث ورد في مقدمـة رسالتـه ما يلي :« …وذلك مـن خلال تحديد إطار التطور التاريخي للنظام العقاري المغربي ( باب تمهيدي).
بعد ذلك ستنصب دراستـنا هذه من الوجهـة القانونيـة على تحليل نـظام السجلات العقارية أو التحفيظ كتقنية قانونية للإشهار العقاري ( القسم الأول)، حيث سندرس مسطرة التحفيـظ ( في باب أول) و التقييدات ( في باب ثاني) متعرضين من خلالهما لأهم مبادئ النظام و آثاره و مشاكله العملية الأساسية، وذلك دون الدخول في جزئياته من جهة نظر القانون الخاص المحضـة، لكن مع الإشارة إلى بعض الاجتهادات القضائيـة وبعض المقارنات مـع بعـض الأنظمة المعمول بها في دول أخرى.
أما من حيث علاقـة التحفيـظ العقاري بالتخطيـط الاجتماعي الاقتصادي ( القسم الثاني) فإننا سنحاول ( في باب أول) أن نبرز أهم الأهداف القانونيـة و الاجتماعية الاقتصاديـة للتحفـيظ، وتقييم النتائج المحصل عليـها في هذا المجال، ( وفي باب ثاني) أن نتلمـس ضرورات أو مستلزمات التخطيط في هذا الميدان، وذلك حتى نستطيع أخيرا أن نرسم آفاق سياسة واقعيـة في هذا المجال.»
إذن التقسيم الذي اعتمده المؤلف في بحثـه هو كالتالي:
– باب تمهيدي: إطار التطور التاريخي للنظام العقاري المغربي.
– القسم الأول: تقنية قانونية للإشهار العقاري.
– القسم الثاني: التحفيظ العقاري و التخطيط الاجتماعي – الاقتصادي.
وعند تحليل جميع هذه العناصر توصل الباحث إلى الاستنتاجات التاليــة:
+ أن تقنيات نظام الإشهار العقاري الحالي غير مطابقة للواقع الاجتماعي و المفاهيم الاجتماعية للمستفيدين منـه ، وان هذه التقنيات معقدة جدا ومتعددة ومتشعبة، وتستغرق وقتا طويلا يضيع إمكانيات ومجهودات بشريـة وماليـة ضخمة ينبغي استغلالها بكيفية منظمة و معقلنة.
+ أن قرار التحفيظ قد يكون في حالات معينة قرارا تعسفيا غير مشروع ويضفي الشرعية على حقوق غير مشروعة.
+ أن قرار التحفيظ حسب الاجتهاد القضائي هـو قرار إداري من حيـث السلطة المختصة بإصداره رغم انه يفصل في قضايا ذات مصلحة خاصة من حيث مادتـه وموضوعـه.
+ تعدد الآجال التي تعتمد عليها المسطرة و عدم احترامها في كثير مـن الحالات لا يزيد سوى من تعقيد هذه المسطرة و يطيل حتما من عمرها الأمر الذي يجب أن يعمل على تلافيه.
+ التأكيد على مدى خطورة التعقيد الذي تخلقه المشاكل الناتجة عن إهمال التقييدات و عدم احترام اجباريتها و الذي يؤدي إلى ضياع كثير من الحقـوق و تأرجحها على الأقل بين وجودها الفعلي و انعدامها القانوني.
+ نظام التحفيـظ العقاري يشكل بحد ذاته سياسة تهدف إلى القضاء على مفهوم الملكية الإسلامي أو التقليدي و على الملكية الجماعية ، و إلى محاولة التحكـم في الأنظمـة المتعدد و المتشعبـة التي تطبـع الملكية العقارية في المغرب، وتطويرها لأجل فسـح المجال لإرساء أسس الملكيـة الخاصـة بالمفهوم العصري.
+ أن المغرب لا زال بعيدا عن أن يحقق أرضيـة قانونية هندسية صلبة للملكية العقاريـة على مستوى شمولي و على صعيد الاستقرار العقاري العام قصـد قطـع الطريق في وجـه الاغتصاب و السطو و العمليات العقاريـة اللامشروعة ( المغرب لم يحقق هذا الهدف الذي هو خلق هذه الأرضية رغم انه وضع رهن إشارة الملاكين و مؤسسات السلف و الدولة رسوما تشكل بحد ذاتها دليلا كافيا و قاطعا لحق الملكية و الحقوق العينية و التحملات العقاريـة المتعلقة بالعقار المحفظ و تطلع الكل بكيفيـة سهلـة و بسيطة على وضعيته القانونية و المادية).
+ إن هدف توحيد الأنظمة العقارية التي يسعى نظام التحفيظ العقاري إلى إقراره يظل بعيد المنال لأنه مرتبط بتعميم التحفيظ.
+ لا يمكن للسجلات العقارية أن تلعب وحدها دورا فعالا في تنمية السلف الرهني إن لم تكن الشروط الاقتصادية المتعلقـة مباشرة بالقرض في متناول الجميع.
+ التحفيظ الإجمالي أو الجماعي يشكل خطوة عملاقة نحو تعميم التحفيظ ويشكل أساسا قاعديا للتخطيط المعقلن و المحكـم في هذا الميدان.
+ التخطيط بدون معرفة كافيـة تامـة بالواقـع العقاري و بدون توضيح لوضعيته على المستوى الشمولي و بدون أرضية قانونية هندسيـة صلبة غير ممكن و سيكون بدون جدوى.
+ إن اختيارية النظام تشكل عائقا كبيرا في وجه وضع سياسة تخطيطية واضحة المعالم و الأهداف و الوسائل في هذا الميدان.
واقترح الباحث بعض الحلول لهذه الإشكاليات ومنها:
+ إعادة النظر في تقنيات نظام التحفيظ الأساسيـة و تبسيطـها و جعلها أكثر مطابقة و أكثر ملاءمـة مع الواقـع الاجتماعي للمستفيدين منـه و مفاهيمهم الاجتماعية و إمكانياتهم الثقافية و المادية ن جهة ، ومن جهـة أخرى ، على ضرورة إعادة النظر في مبادئـه الرئيسـة حتى يصبـح في مقدورها حصر إمكانية هدر الحقوق المشروعة في حد أدنى ما يمكـن، و بالتالي عدم إصباغ المشروعية و عدم الاعتراف سوى بالحقوق المشروعة فعلا و تمتعها وحدها بحماية الدولة
+ جعل التعويـض مـن طرف الدولـة في كل الحالات سواء كان هناك تدليس أم لا ولا يخشى في هذه الحالـة إعسار الطرف الآخر مادام بامكانـه متابعة صندوق التامين في كل الحالات.
+ جعل التحفيظ قضائيا وخلق جهاز قضائي خاص بالتحفيظ.
+ الأخذ بالاستثناءات المعمول بـها في دول أخرى، كعدم الأخذ بنـظام التطهـير سوى في مواجهـة الغـير، أي الأشخاص غير المتعاقديـن مـع المستفيدين من التحفيـظ و الذيـن لم يطلبـوا إشهار حقوقهـم خلال جريان المسطرة، لان هذه الاستثناءات تحافظ على حقوق كل الأطراف و تجعلها في منأى عن الضياع و الإهدار و التي تتلاءم إلى حد كبير مع مبادئ الشريعـة الإسلامية في ميدان الحقوق العقارية.
+ تقرير رسمية العقود كما هو معمـول بـه في النظام الفرنسي ذلك أن تطبيق العقود العرفية تكون محررة بكيفية سيئة و غامضة و مخالفة للقانون لا من حيث الشكل و لا من حيث الجوهر.
+ إلزام العدول و الموثقين العصريين بالقيام بإجراءات التقييد بالسجلات العقارية و تحت مسؤوليتهم الشخصية.
+ تحديد اجل قانوني للقيام بإجراءات التقييد من جهـة و فرض ذعائـر تصاعدية على المعنيين بالأمر في حالـة عدم احترامهـم لهذا الأجل كما هو الشأن بالنسبة لأداء واجبات التسجيل من جهة أخرى.
+ضرورة إعادة النظـر في التشريـع العقاري و المدني بصفـة عامـة و محاولة التوفيق بين مبادئه و قواعده وبين مبادئ الشريعة الإسلاميـة فـي ميدان المعاملات و الحقـوق، وإخضاع التشريـع العقاري و المدني لهاتـه المبادئ و بالتالي توحيد و خلق تشريع موحد ومطابـق للمفاهيـم الاجتماعية و الاقتصادية للمغرب كبلد مسلم.
+ وضـع سياسـة تخطيطية محكمة و على المستوى الشمولي من اجل تحقيق و تعميم معرفتنا بالواقع العقاري بكل مكوناتـه ومعطياتـه و العوامل الطبيعية و التاريخية و الاجتماعية – الاقتصادية و الاجتماعيـة- السياسيـة المؤثرة فيـه داخلـيا و خارجـيا، وهو في نفس الوقت الشيء الذي لا يمكن تحقيقه إلا بإعادة النظر جذريا في السياسة الرئيسية المنبثقة مباشرة عن نظام التحفيظ بحد ذاته.
+تقرير إلزاميـة التحفيـظ رغـم كـل الصعوبات و المشاكـل الكبرى المطروحة وتأسيس بنك للمعطيات العقاريـة وتبسيط كل مسطرات التعـرف على الواقع العقاري و توضيح وضعيته قصد إرسائها على أسـس قانونيـة و هندسية صلبة من جهة، ومن جهة أخرى تحديد برامج تخطيطية موازيـة من اجل الوصول إلى تتميم معرفتنا بهذا الواقع العقاري ، وإعداد المخططات للتنمية الاجتماعية-الاقتصادية على أسس موضوعية وواقعية.
المبحث الثاني: التقييم العام للرسالة:
حاول الباحث إبراز أهميـة مسطرة التحفيـظ و قد وفـق في ذلك من خلال الإشادة بمجموعة من الأهداف التي تسعى هذه المسطرة لتحقيقها أهمـها من جهة استكـشاف أنواع التملك اللامشروع و خاصـة الترامي على ملك الغير تفاديا لإضفاء المشروعية على الحقوق و الاعتراف بوجودها القانوني ، ومن جهة أخرى تدارك أو منع إغفال الحقوق المشروعـة لتفادي إهدارها . دون أن يخفي الطابع الذي تتصف به هذه المسطرة باعتبارها سلاحا ذو حدين يقي من جهة العقار من الحقوق غير المشروعة بتنبيه الملاك الحقيقييـن و ذوي الحقوق العينية حتى يستطيعوا ضمان حقوقهم . ومن جهة أخرى فانـه يؤدي إلى الاعتراف بالوجـود القانوني للحقوق الظاهرة وقـت التحفيـظ باستثناء الحقوق التي لم تظهر خلاله و التي قد تكون مشروعة مما يؤدي إلى إهدار هذه الحقوق و تضييعها.
مما يجعلنا لا نخفي حجـم المشاكل و العراقيـل التي يفرزها تطبيـق هذه المسطرة ومدى مطابقتها للواقع الاجتماعي و المفاهيم الاجتماعية للمستفيدين منها و ذلك في مختلف مراحلها بدءا بإيداع مطلب التحفيـظ ومرورا بتقنيات الإشهار و عمليات التحديد و كذا الآجال و المدد المنصوص عليـها في إطار هذه المسطرة.
فالأخذ بمسطرة دقيقة لكنها طويلة المدى و غير مجانيـة قد يؤدي إلى عدم تشجيع الملاكين على إخضاع عقاراتهـم للتحفيـظ، كما أن الأخذ بمسطـرة بسيطة و سريعة قد يلحق أضرارا جسيمة بالحقوق المشروعة . مما يكشـف عن تعارض و تضارب بيـن المصالح العامـة و المصالح الخاصـة يستلزم تكييف هذه المسطرة و الواقع الاجتماعي للملاكين و المستفيدين حـتى تؤدي وظيفتها القانونية و الوقائية ووظيفتها في الإشهار العقاري على أحسن وجـه وبأقل تكلفة ، مما سيساهم لا محالة في خلق أرضية قانونية صلبـة للملكيـة العقاريـة و بالتالي سيؤدي هذا إلى تاميـن الاستقرار الذي نتوخـاه كقاعدة أساسية و أن تحد من النزاعات العقارية وتضييق نطاقـها وذلك لخلـق جو ملائم للتنمية الاجتماعية و الاقتصادية وقطـع الطريـق أمام مختلـف صور و أوجه السطو و الاغتصاب و العمليات العقارية اللامشروعة.
وفي مجال التقييدات فان الباحث تناول موضوع التقييدات كمرحلـة ثانيـة لتدخل الدولة عن طريـق نظام التحفيـظ العقاري وذلك بتقييد كل العملـيات القانونية و المادية التي تطرأ على العقار المحفظ خلال حياته القانونية الجديدة بالرسم العقاري الموضوع له.
والتقييدات هي عمليـة إجباريـة يترتب عن عدم الأخذ بـها أو طلبها عدم الاعتراف بالوجود القانوني للحـقوق المتعلقـة بالعقارات المحفظـة و عدم الاحتجاج بها إزاء الأطراف أو الغير، كما أن عدم تقييد الحقوق يؤدي مـن جهة إلى عدم مطابقة الرسم العقاري للواقع الفعلي للعقار من جهة أخرى إلى خلق مشاكل قانونيـة تصـل إلى درجـة كبيرة من التعقيـد تؤدي في بعض الأحيان إلى ضياع بعض الحقوق المشروعة التي يكون من الواجب حمايتها.
ونعتقد أن الباحث كان موفقا في معالجته لموضوع التقييدات وما تطرحـه من إشكاليات تعتبر نتيجة لتظافر مجموعة عوامل منها ما هو ناتج عن عـدم وعي المستفيدين من التحفيظ. ومنها ما هو ناتج عن عدم وعي المستفيدين من التحفيظ ، ومنها ما هو ناتج عن فراغ قانوني وتشريعي يعود لعدم تحديد اجل قانوني لفرض التقييدات و عدم فرض ذعائر مادية في حالة التأخر في التقييد على غرار ما هو جاري به العمل لدى إدارة التسجيل ، ولا يمكنا إلا أن نسلم بان عدم احترام إجبارية التقييدات يؤدي إلى عدم مطابقة السجلات العقاريـة للواقع الفعلي للعقارات المحفظة و بالتالي عرقلة أداء هذه السجلات لوظيفتها الاشهارية بل وعرقلة تحقيق الاستقرار العقاري الذي يتوخاه النظام ككل.
أما بخصوص الإشكالية التي طرحها الباحث في مقدمة الرسالـة بخصوص طبيعة قرار التحفيظ على اعتبار أن قرار التحفيظ هو قرار غير معلل و غير خاضع لمراقبة المشروعية، فنعتقد انه لم يكن ضروريا أن يخصص له فصلا كاملا لأنـه قد توصل إلى نفس النتيجـة التي اجمع عليها الاجتهاد القضائي و الفقه، حيث يعتبر قرار التحفيظ قرارا إداريا من حيث الجهـة المصدرة له على الرغم من انه يفصل في قضايا خاصة، ونتفق مع الباحـث من ضرورة إخضاع قرار التحفيظ لمراقبة المشروعية على اعتبار انه يمكن لهـذا القرار أن يضفي الشرعية على حقوق غير مشروعة.
إن التساؤل الذي طرحه الباحث من خلال الإشكالية المرتبطة بمدى مساهمة نظام التحفيظ العقاري في التنمية الاقتصاديـة و الاجتماعيـة جديرة بالانتباه، حقيقة لقد عبر الباحث على أن هناك العديـد من المقتضيات الواردة في نظام التحفيظ العقاري و التي تثير بعـض المشاكـل سواء في مسطرة التحفيـظ أو مرحلة التقييدات اللاحقـة لهذه المسطرة و التـي تبرز عـدم مسايرتـها للتطورات الاقتصادية و الاجتماعية.
إن الباحث في هذا الصدد قد وقف على العديد من نقاط الضعـف يعانيـها نظام التحفيظ على الصعيد العملي ، على أن ذلك لا يمنع من القول أن نـظام التحفيظ ومن خلال العديد من المبادئ التي يستـقر عليـها يساهـم بكيفيـة أو بأخرى في تحقيـق أهداف جـد هامـة سواء على المستـوى القانوني أو الاقتصادي أو الاجتماعي وهذا ما خصص له الباحث حيزا هاما في بحثه.
فبالنسبة للأهداف القانونية و المتعلقة أولا بخلق أرضية قانونية هندسية صلبة للملكية العقارية من خلال تأسيسها على رسوم عقارية تعكس الحقيقة القانونية و الواقعية للملكية و بالتالي فهذا الوضع ستترتب عليه مجموعـة مـن الآثار أهمها زرع الثقة و الأمن العقاري من خلال إعطاء حجية مطلقـة للرسـوم العقارية وما تضمنه من حقوق لفائدة أصحابها وكذا تشجيـع تداول الملكيـة العقارية إضافة إلى تسهيل مهمة الدولة في الإطلاع على الوضعية الحقيقيـة للملكية العقارية وكذا مراقبة العمليات العقارية وأخيرا التوفر على إحصائيات دقيقة تمكن من إعداد مخططات للتنمية الاقتصادية و الاجتماعية.
لكن المنجزات المحققة في هذا الإطار توضح أن المغرب لم يصل بعد إلى تحقيق هذا الهدف على مستوى شمولي بسب عوامل أخرى أهمها الأخذ بمبدأ فردية التحفيظ واختاريته، وعدم وجود برنامج معقلن على مستـوى التخطيط لتعميم التحفيظ وكذا عدم وجود سجل هندسي يشمل كافة العقارات، وهـذا ما أكد عليه الباحث بمجموعة من الإحصائيات المسلمـة من طرف المحافظـة العقارية وزارة الفلاحة و الإصلاح الزراعي والتي يستنتج منـها أن المغرب لا زال بعيدا عن تحقيق الأرضية القانونية الصلبة للملكية العقارية.
أما فيما يتعلق بالهدف القانوني الثاني و المتمثل في توحيد الأنظمة العقارية فقد أثار الباحث إشكالية تعدد أشكال الأنظمـة العقاريـة وتعقدها في المغرب سواء في فترة الحماية أو بعـد الاستقلال ، فكل ما تغير بعـد الاستقلال هو فصل أملاك الدولة العامة و الخاصة و الاعتراف بملكية الجماعات وإخضاع منطقة طنجة وشمال المملكة لنظام التحفيظ العقاري ، كما أثار الباحث نقطة جد هامة تعكس حسب رأينا أهم النقط السلبية التي تقـف حاجـزا أمام توحيد الأنظمة العقارية وتتجلى في ازدواجية التشريع المطبق على العقارات فهناك ظهير 12/8/1913 بالنسبة للعقارات المحفظـة و الفقـه الإسلامي بالنسبـة للعقارات غير المحفظة.
حقيقـة، هذا الوضع الذي اشر إليه الباحث و الذي نعته بالتخلف العقاري، وهذه الوضعية المعقدة تتداخل فيـه مجموعـة من العوامل السوسيولوجيـة والسوسيو اقتصادية مما يشكل عقبة أمام المهمة التي أنيطت بنـظام التحفيظ العقاري وهي توحيد الأنظمة العقارية وجعلها خاضعة له رغم ما بـذل مـن مجهودات للقضاء على الملكية الجماعية و ملكية الأحباس وذلك عن طريـق جعل هذا النمط من الملكية خاضعا لإمكانية التفويت للخواص.
أما على صعيد الأهداف الاقتصادية و الاجتماعية، فنظام التحفيظ العقاري يلعب دورا أساسيا في تشجيع السلف و الائتمان العقاري ذلك من خلال نظام الإشهار العقاري الذي يمكن الدائنين أو الابناك ومؤسسات السلف من التوفـر على معطيات و عناصر أساسية تتحكـم في منـح أو عـدم منـح القروض و التمويلات.
فمؤسسات السلف تتوخى من تنظيم الإشهار العقاري في إطار التحفيـظ أن تتأكد من عناصر عديدة من بينها تأكدها بكيفية لا غبار عليها أنها تتعاقد مـع المالك القانوني و الحقيقي للعقار، و التعرف على القيمة الحقيقية للعقار بالنظر إلى الحقوق العينية الواقعة على العقار و ألا يكون مرهونا مسبقا لفائدة الغير. وهكذا فما يمكن قوله في هذا الإطار أن التوفر على هذه العناصـر لا يتسنى إلا عن طريق نظام للإشهار العقاري متقن و محكم يكون بامكانـه تسهيـل إطلاع مؤسسات السلف على الوضعية العقارية لطالبي القرض وهذا ما يزكيه لنا الباحث في رسالته، حيث يؤكد على انه كلما كانت الحجية التي تتمتع بـها البيانات الواردة في سجلات الإشهار لأي نظام من أنظمة هذا الإشهار اكبـر وكلنا كان التنظيم المادي و التقني لهذا الإشهار متقنا كلما ازدادت ثقة الابناك و المؤسسات المالية في منح القروض بطريقة سهلة وسريعة.
حقيقة أن هذا الطرح مصادف للصواب وتعززه الإحصائيات الواردة مـن مديرية المحافظة العقارية و التي تؤكد على ارتفاع التسليفات الممنوحة اطرادا مع ارتفاع قيمة المعاملات الجارية على العقارات المحفظة.
و إلى جانب أهميـة نظام التحفيظ العقاري في تنميـة وتشجيـع الائتمـان العقاري يلعب كذلك هذا النظام دورا مهما في تنمية الفلاحـة ، حيث لا يمكن إنجاز أي مشروع أو برنامج للتنمية القروية إذا لم نكـن نتوفر على معرفـة تامة ودقيقة بالهياكل العقارية، وهذا ما يهدف إليه نظام التحفيظ عن طريـق خلق أرضية قانونية صلبة للملكية العقاريـة ، فلا يعقـل إنجاز أي برنامـج للتجهيز القروي من استصلاح الأراضي وتكويـن التعاونيات إذا لم يكن ذلك مسبوقا بجرد وكشف تام لكل العقارات القرويـة التي ستطبـق عليـها هذه البرامج ودون التعرف على ملاكيها الحقيقيين والحقوق العينية و التحـملات المترتبة عليها و كذا على مساحتـها ، وهذا ما يحاول نظام التحفيظ توفيره.
إلا أن أهم دور يلعبه هذا النظام هو خلق هياكل عقارية جديدة عن طريـق برامج ضم الأراضي و التحفيظ الجماعي، وذلك عن طريق تجميع الأراضي المبعثرة و المجزاة قصد تسهيل عملية سقيها و استعمال الوسائل الآلية التقنية العصرية لتحسين إنتاجيتها.
فهذه المساطر من خلال مجانيتـها وجماعيتـها، ومساطرها المتميـزة عن المسطرة العادية للتحفيظ جعل منها أداة أساسية لتعميم نظام التحفيـظ علـى مجموع التراب الوطني.
وإذا كان نظام التحفيـظ يساهـم بشكل أو بآخر في التنميـة الاقتصاديـة و الاجتماعية في صور عديدة لم يتطرق إليها الباحث في عمومـها و اقتصر على مظهرين فقط، في حين أن هناك مظاهر أخرى تم إغفالـها من أبرزها التقليل من النزاعات العقارية و التهيئة العمرانية هذا بالإضافـة إلى تطهيـر الوعاء العـقاري في بعـض الاوراش الوطنيـة على المستـوى السياحـي و الصناعي و الرفع من القيمة المالية للعقارات.
وعلى العموم فقد كان الباحث محقا فيما ذهب إليه من أن اختيارية التحفيظ وتشتت إمكانيات المصالح المكلفـة بالتحفيظ العقاري وتعدد المساطر كلـها شكلت عائقا في وجه كل تخطيط اجتماعي اقتصادي على المستوى الشمولي.
ويرى الباحـث ضرورة إعادة النـظر في العديـد من مقتضـيات مسطرة التحفيظ العادية لكون هذه المسطرة معقدة وطويلة لا تمكن من إعداد سياسـة عقارية واضحة على المدى الطويل، وان إجبارية التحفيظ ضرورة ملحة لكن الباحث تناسى انه لا يمكن أن يتم إقرار الإجبارية لكون معظـم المغاربة لـم تفهم بعد جدوى التحفيظ.
كما أن لجنة التحفيظ التي اقترحتها الباحث كخـطوة جريئـة نحو تعميـم التحفيظ قد تجد بعض الصعوبات على ارض الواقع نظرا لتعـدد وضعـيات الأملاك العقاريـة غير المحفظـة وصعوبـة التميـيز بين الملاك الحقيقيين و الظاهرين لهذه الأملاك.
إننا نشاطر رأي الباحث من أن قلة الإمكانيات المادية و البشريـة للمصالح المكلفة بالتحفيظ وقلة التكوين لأطرها هي التي كانت سببا في تراكم القـضايا المعلقة أضف إلى ذلك سوء توزيـع و استخدام هـذه الإمكانيات.
ولا يسعنا في الختام إلا أن نؤيد ما ذهب إليه الباحـث مـن أن مسطـرة التحفيظ الاختيارية لم تعط النتائج المرجوة منها لم تحقـق الاستقرار العقاري الذي يرمي إليه التحفيظ بل العكس مـن ذلك قـد أدت إلى تشجيـع السـطو و الاغتصاب و الترامي على ملك الغير و المضاربات العقارية
اترك تعليقاً