شذرات تأملية في محكمة الجنايات الدولية
أ/ أحمد أبو زنط
نسلط الضوء عبر شذرات تأملية في هذا المقال حول محكمة الجنايات الدولية، حيث نتناول في البحث معلومات هامة ومركزة عن تأسيس محكمة الجنايات الدولية وتشكيلها ومن ثم ننتقل للحديث عن اختصاصات محكمة الجنايات الدولية .
أولا: تأسيس محكمة الجنايات الدولية
في السابع عشر من شهر تموز من عام 1998 أقرت الجمعة العامة للأمم المتحدة ما يعرف بميثاق روما، حيث أجمعت 120 دولة عضو في اجتماع هيئة الأمم المتحدة المنعقد في إيطاليا على الميثاق الذي حمل اسم العاصمة الايطالية روما ، واعتبرت هذه الاتفاقية اللبنة الاولى في تأسيس محكمة جنائية دولية بشكل دائم، فيما عارضت هذا الميثاق سبع دول، وامتنعت 21 دولة عن التصويت.
وقد ورد في ديباجة ميثاق روما أن الدول الأطراف يضعون في اعتبارهم “أن ملايين الأطفال والنساء والرجال قد وقعوا خلال القرن الحالي ضحايا لفظائع لا يمكن تصورها هزت ضمير الإنسانية بقوة” فيما سلمت الدول الاعضاء “بأن هذه الجرائم الخطيرة تهدد السلم والأمن والرفاء في العالم”
وأكدت ديباجة ميثاق روما على “أن أخطر الجرائم التي تثير قلق المجتمع الدولي بأسره يجب ألا تمر دون عقاب وأنه يجب ضمان مقاضاة مرتكبيها على نحو فعال من خلال تدابير تتخذ على الصعيد الوطني وكذلك من خلال تعزيز التعاون الدولي”
وقد عقدت الدول الموقعة على الميثاق العزم على وضع حد لإفلات مرتكبي هذه الجرائم من العقاب وعلى الإسهام بالتالي في منع هذه الجرائم. وأكدت هذه الدول على واجب كل دولة في ممارسة ولايتها القضائية الجنائية على أولئك المسئولين عن ارتكاب جرائم دولية.
وعلى ذلك تم إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة مستقلة ذات علاقة بمنظومة الأمم المتحدة وذات اختصاص على الجرائم الأشد خطورة التي تثير قلق المجتمع الدولي بأسره. ومكملة للولايات القضائية الجنائية الوطنية.
الجدير بالذكر أن قبل اقرار ميثاق روما سبق وان قامت لجنة خاصة وبناءً على طلب من الجمعية العامة بتقديم مسودتين لنظام المحكمة الجنائية وذلك في مطلع الخمسينيات من القرن الماضي، إلا أن المشروع لم ير النور وبقي حبيس المحافل الدولية بسبب الاحتقان السياسي الذي خيم على العلاقات الدولية ابان الحرب الباردة بين المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية والمعسكر الشرقي بزعامة الاتحاد السوفياتي سابقا.
وبالنتيجة فقد تأسست محكمة الجنايات الدولية قانونيا 2002/7/1 وفقا لميثاق روما، الذي دخل حيز التنفيذ في 2002/4/11 ، وذلك بعد أن صادق أكثر من 60 دولة على الميثاق.
واليوم فقد بلغ عدد الدول التي صادقت على قانون المحكمة حتى الآن 108 دول، وتلتقي في جمعية للدول الأعضاء، وهي هيئة تراقب عمل المحكمة، في حين وقعت 41 دولة أخرى على ميثاق روما إلا انها لم تصادق عليه بعد.
ثانيا: اختصاصات محكمة الجنايات الدولية
1- الاختصاص الموضوعي:
تختص المحكمة الجنائية الدولية بملاحقة الاشخاص المتهمين بـالجرائم التالية:
– جرائم الإبادة الجماعية
وهي جرائم القتل أو التسبب بأذى شديد بغرض إهلاك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية إهلاكا كليا أو جزئيا، وذلك وفقا لميثاق روما.
– الجرائم ضد الإنسانية
وهي أي فعل من الأفعال المحظورة المنصوص عليها في نظام روما، إذا ارتكب بشكل منظم وممنهج ضد مجموعة من السكان المدنيين، مثل القتل العمد والإبادة والاغتصاب والإبعاد والنقل القسري والتفرقة العنصرية والاسترقاق.
– جرائم الحرب
وتعني كل الخروقات المرتكبة بحق اتفاقية جنيف لسنة 1949، وانتهاك قوانين الحرب في نزاع مسلح دولي أو داخلي.
كما يحق للمحكمة الجنائية الدولية نظر قضايا الأشخاص المتهمين بارتكاب هذه الجرائم مباشرة، أو أي اشخاص آخرين لديهم مسؤولية غير مباشرة فيها، كالمسؤولية عن الإعداد أو التخطيط، أو مسؤولية التغطية عنها، أو مسؤولية التشجيع عليها.
– جرائم العدوان
فيما يتعلق بهذه الجريمة فانه لم يتم تحديد مضمون وأركان جريمة العدوان في النظام الأساسي للمحكمة كباقي الجرائم الأخرى. لذلك فان المحكمة الجنائية الدولية تمارس اختصاصها على هذه الجريمة وقتما يتم إقرار تعريف العدوان، والشروط اللازمة لممارسة المحكمة لهذا الاختصاص.
2- الاختصاص الإقليمي
أثناء المفاوضات الدولية حول ميثاق روما، سعت العديد من الدول توسيع نطاق اختصاص محكمة الجنايات الدوليه لجعلها ذات سلطة عالمية. إلا أن هذا الاقتراح باء بالفشل بسبب معارضة الولايات المتحدة. وبالنتيجة فقد تم التوصل إلى تفاهم يقضي بممارسة المحكمة لسلطتها فقط ضمن الظروف المحدودة التالية:
– إذا كان المتهم بارتكاب الجرم مواطنا لإحدى الدول الأعضاء (أو إذا قبلت دولة المتهم بمحاكمته).
– إذا وقع الجرم في أراضي دولة عضو في المحكمة (أو إذا سمحت الدولة التي وقع الجرم على أراضيها للمحكمة بالنظر في القضية).
– إذا أحيلت القضية للمحكمة من قبل مجلس الأمن.
3- الاختصاص الزماني
تستطيع المحكمة النظر فقط في القضايا المرتكبة في أو بعد 2002/7/1 ، وبالنسبة للدول التي انضمت لاحقاً بعد هذا التاريخ، فتقوم المحكمة تلقائيا بممارسة سلطتها القضائية في هذه الدول بعد 60 يوام من تاريخ مصادقة تلك الدولة على الاتفاقية.
4- الاختصاص التكميلي
نصت ديباجة ميثاق روما على إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة مستقلة ذات علاقة بمنظومة الأمم المتحدة وذات اختصاص على الجرائم الأشد خطورة التي تثير قلق المجتمع الدولي بأسره. ومكملة للولايات القضائية الجنائية الوطنية.
وهذا يعني أن الغرض من المحكمة أن تكون ملاذا أخيرا, وبعد فشل المحاكم الوطنية في القيام بذلك.
إن المادة 17 من نظام روما الأساسي تنص على أن القضية ترفض في الحالات التالية:
إذا كانت تجري التحقيق أو المقاضاة في الدعوى دولة لها اختصاص عليها، ما لم تكن الدولة حقا غير راغبة في الاضطلاع بالتحقيق أو المقاضاة أو غير قادرة على ذلك؛
إذا كانت قد أجرت التحقيق في الدعوى دولة لها اختصاص عليها وقررت الدولة عدم مقاضاة الشخص المعني، ما لم يكن القرار ناتجا عن عدم رغبة الدولة أو عدم قدرتها حقا على المقاضاة؛
إذا كان الشخص المعني قد سبق أن حوكم على السلوك موضوع الشكوى، ولا يكون من الجائز للمحكمة إجراء محاكمة طبقا للفقرة 3 من المادة 20؛
إذا لم تكن الدعوى على درجة كافية من الخطورة تبرر اتخاذ المحكمة إجراء آخر.
الفقرة 3 من المادة 20، تنص على أن، الشخص الذي يكون قد حوكم أمام محكمة أخرى عن سلوك يكون محظورا أيضا بموجب المادة 6 أو المادة 7 أو المادة 8 لا يجوز محاكمته أمام المحكمة فيما يتعلق بنفس السلوك إلا إذا كانت الإجراءات في المحكمة الأخرى:
قد اتخذت لغرض حماية الشخص المعني من المسئولية الجنائية عن جرائم تدخل في اختصاص المحكمة؛
أو لم تجر بصورة تتسم بالاستقلال أو النزاهة وفقا لأصول المحاكمات المعترف بها بموجب القانون الدولي، أو جرت، في هذه الظروف، على نحو لا يتسق مع النية إلى تقديم الشخص المعني للعدالة.
ثالثا: تشكيل محكمة الجنايات الدولية
تتكون محكمة الجنايات الدولية من:
1- الرئاسة والتي تتولى امر الادارة العامة للمحكمة، وتضم الرئاسة ثلاثة قضاة ينتخبون من هيئتها القضائية لولاية تمتد حتى ثلاث سنوات.
2- شعبة قضائية، وتتكون من 18 قاضيا متخصصا في القانون الجنائي والقانون الدولي.
3- مكتب للمدعي العام، ويختص بالتحقيق في الاتهامات بالجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة، ويبحث عن الدلائل والوثائق ويفحصها ثم يعرضها على المحكمة.
4- قسم السجل، ويتابع كل الأمور الإدارية غير القضائية، وينتخب المسؤول عنه من قبل قضاة المحكمة لولاية تمتد خمس سنوات.
اترك تعليقاً