الدبلوماسية – و التاريخ الدبلوماسي: –
في التاريخ الدبلوماسي : يقول الدكتور أبو هيف هو دراسة تاريخ الدبلوماسية في ماضيها تتبع المراحل المختلفة التي مرت بها في مجال العلاقات البشرية ومصائر الشعوب و عن طريق هذا التاريخ يمكن معرفة مجريات السياسة الدولية في الماضي و اتجاهها، و دوافع الحرب عن طريق المفاوضات و المعاهدات ان تعيد تنظيم المجتمع الذي يعيش فيه .
*الدبلوماسية القديمة – أهمها :-
1- الدبلوماسية البدائية ( القبلية)- الفئة الأولى تقول أن: –
أ- يقول بلاغا : يرجح تاريخ الدبلوماسية الى الكرسي البابوي حيث كانت الخطوة الاولى للدبلوماسية في ايطاليا قد خطتها الدبلوماسية البابوية، ودبلوماسية المدن الايطالية ( و خاصة دبلوماسية البندقية) .
ب- يقول موات: ان الدبلوماسية بدأت عام 1451 في نهاية حروب المئة عام .
ت- يقول هل : ان الدبلوماسية بدأت مع القرن العشرين أي مع مرحلة الدبلوماسية العلنية .
*الفئة الثانية تقول نشأة الدبلوماسية بنشأة المجتمع وتطوره:-
1- يقول نيوملن: ان التاريخ يذكر ان القبائل البدائية والجماعات البشرية الاولى قد عرفت الحرب والسلم وإجراء الصلح ، و مراسم الاحتفالات الدينية والسياسية والاتصالات التجارية و هذه الجماعات كانت لها مراسم خاصة عند وفاة الزعيم و عند تولي زعيم جديد للسلطة.
2- يقول دوليل : بأن الدبلوماسية ظهرت أثارها على الألواح الآشورية وفي التاريخ الصيني والهندي والاغريقي و الروماني ولكن لا صلة مباشرة بين النظام الحديث وبين ارسال الكنيسة الرومانية الوسطى للمبعوثين.
*تطور العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع القبلي أدى الى بروز بعض القواعد و الأغراض أهمها: –
1- كانت البعثات الدبلوماسية تنشأ عن الاعلان عن تولي زعيم جديد للسلطة او تتويج احد الملوك أو وفاة آخر أو إجراء انتخاب لاختيار زعيم أو رئيس .
2- كان ارسال البعثات والسفراء يجري بهدف القيام بالاتصال والتباحث من أجل المصاهرة والزواج .
3- كانت الدعوة الى عقد الاجتماعات التي تضم القبائل القريبة والبعيدة تهدف إلى بحث عدة شؤون منها الصيد و الأعياد والشعائر الدينية.
4- كانت غاية البعثات تطوير العلاقات الودية ونبذ الحروب و الدعوة للمفاوضات و عقد الصلح والاحتفال بإرساء قواعد السلام.
5- كانت هذه البعثات تشجع على قيام جماعات سياسية من أجل التحالف والمساندة كوسيلة لرعاية السلام(مثل حلف الفضول ” حلف الطيبين” ) .
*حلف الفضول: كانت القبائل العربية في العصر الجاهلي تعقد حلف لنصرة المظلوم إذا ظلم و هو عقد لحماية زائري مكة والحج اليها .
6- كان البعثات الدبلوماسية تقوم بدور في اعلان الحرب أو التهديد بها و الأخطار التي تترتب على وقوعها.
7- مبدأ تبادل الرسل والمبعوثين المؤقتين إقرار مبدأ الحصانات والامتيازات .
8- في بعض المجتمعات البدائية كانت تلقى عمل السفارة على النساء.
*الدبلوماسية في حضارة الشرق الأوسط القديمة: ( حضارة الفراعنة، و حضارة الرافدين) .
كانت الدبلوماسية والعلاقات الدولية في هذه المرحلة ناشطة في الشرق الاوسط حيث قامت في هذه المنطقة مدينات امتدت من أرض ما بين النهرين دجلة، والفرات الى وادي النيل، محاطة بمدن صغيرة ودويلات مدنية أكبرها امبراطورية الكلدانيين او البابليين أو امبراطورية الفراعنة وكانت العلاقات الدولية تتميز بسمات المجتمع الآسيوي التي شكلت قاسماً مشتركاً لحضارات واسعة تمتد من مصر الى سورياو بلاد فارس حتى الهند الصينية
و كانت السلطة مركزة بشكل قوي لإدارة شؤون الحكم وكان الحاكم أو الملك يجسد الدولة فكانت الدبلوماسية والعلاقات الدولية تنفذ لخدمة السياسة الخارجية التي تحدد أهدافها الأباطرة والملوك كما ان جميع المشكلات العامة و الخاصة كانت تحل (عادة بالحرب) أو (بالسلم) ، ضمن اتفاق او تعاهد يجري بعد التفاوض عن طريق مبعوثين او رسل ، مثالاً على ذلك : –
1- مصر كانت تتبع قواعد تقوم على انتهاج سياسية خارجية قائمة على مبدأ التوازن القوي و سياسة تقديم المعونات المالية و الهدايا الى الملوك المجاورين بالإضافة الى المصاهرة و الزواج.
2- كما اكتشف مجموعة من الرسال الدبلوماسية بلغ عددها 360 لوحاً من الصلصال وهي عبارة عن المراسلات الدبلوماسية المتبادلة بين فراعنة الأسرة الثامنة عشرة التي حكمت مصر في القرنين الخامس عشر والرابع عشر وملوك بابل والحثيين وسوريا وفلسطين معظمها كان مكتوباً باللغة البابلية لغة العصر الدبلوماسية.
3- هذا ما تؤكده معاهدة قادش بين الفراعنة والحثيين سنة 1279 ق.م التي أتت نتيجة في القانون الدولي والعلاقات الدبلوماسية، وأهم مبادئ هذه المعاهدة : –
أ- اهمية المبعوثين والرسل والاعتراف بمركزهم في تحقيق السياسة الخارجية .
ب- التأكيد على اقامة علاقات ودية واشاعة السلام القائم على ضمان حرمانه أراضي الدولتين وتحديد التحالف و الدفاع المشترك .
ت- مبدأ رعاية الآلهة للعهد كقسم وتحريم النكث بالعهد .
ث- مبدأ تسليم المجرمين والعفو عنهم إنما دون تمييز بين المجرم العادي و المجرم السياسي.
*و تبرز أهمية هذه المعاهدة ( قادش) في تاريخ العلاقات الدولية في ثلاثة أمور: –
1- هذه المعاهدة تعتبر أقدم وثيقة مكتوبة حتى الآن في تاريخ القانون الدولي .
2- هذه المعاهدة بقيت حتى العصور الوسطى ( النموذج المتبع) في صياغة المعاهدات لما تضمنته من مقدمات ومتن و ختام .
3- هذه المعاهدة ترسم لنا صورة صادقة وأمنية عن اوضاع الممالك في الشرق القديم وعن كيفية انصهار الدولة بشخص الحاكم او الملك.
*الدبلوماسية في حضارة الشرق القديم الهند الصينية : –
الدبلوماسية في الصين القديمة، اتبعت قواعد ومبادئ ارتبطت بنظرتهم الفلسفية و أسبغت عليها هالة من القدسية النابعة من الديانة البوذية والبراهمية، دعا كونفوشيوس الفيلسوف في القرن السادس قبل الميلاد الى اختيار مبعوثين دبلوماسيين يتحلون بالفضيلة ويختارون بناء على الكفاية و ذلك ليتمثل دولهم في الخارج سواء على المستوى الدولي ام جماعة الدول.
و فضل الفيلسوف كوانج شينغ ، اللجوء الى استخدام السلمية على الوسائل الحربية و دعا الى أن تخصص الدولة ثلثي ميزانيتها للانفاق على الاتصالات والبعثات الدبلوماسية واتبعت قواعد الاسبقية، ومراسم الاستقبال واستقصاء مبعوثيها للمعلومات بشكل سري.
*اما الدبلوماسية في الهند القديمة : يمكن الرجوع اليها من خلال كتب الهنود المقدسة خاصة الفيدا والمانوا ،أو قانون مانو الذي يتضمن بعض القواعد الخاصة بالسياسة الخارجية والسفراء و شؤون الحكم وهذه القواعد عن العلاقات الدبلوماسية في حضارة الشرق القديم ، اهمها : –
1- في اختيار السفراء و صفاتهم: – يجب على السفراء ان يلموا بكل القواعد الدينية التي تقدم الكثير من المعلومات للسفراء بشأن التجسس والقضايا النفسية و مسألة النسب الى جانب الاستقامة والمعرفة التاريخية والجغرافية والتمتع بالشجاعة و الفصاحة .
2- تقوم العلاقات الخارجية على عاتق السفير حتى ان الحرب اعتبرت المهمة الأولى للدبلوماسية و عول عليها اكثر من السلم( و في المادة 65 من قانون مانو) بأن الحرب و السلام يعتمدان على السفير).
3- و في مجال التفاوض: يجب على السفيران يفطن الى أهداف الملك الاجنبي من خلال بعض الإشارات و الحركات المتعلقة بالحاكم أو بمبعوثيه السريين كما يجب أن يعرف مشاريعه عن طريق اتصاله بمستشاريه الطامعين او الناقمين هذا الى جانب حنكته في المحافات (و الحصول على المعلومات).
ويقول نيكولسون: بأن قوانين مانو (تمشل مجموعة كاملة لأحكام دبلوماسية نجدها في الحروب تنهي عن قتل اللاجئين من غير المحاربين و حتى عندما يكونوا المحاربين على درجة متساوية من التسلح فيجب على المنتصرين أخذ جرحى الأعداء للعناية بهم.
تقول المادة “66” ما يلي: ا السفير هو الذي يقرب بين الأعداء ويوقع بين الحلفاء .
*الدبلوماسية في عهد الاغريق: –
يقول نيكلسون ان الاغريق طوروا نظماً دقيقاً للاتصال الدبلوماسي. بحيث:-
1- بحيث عرفوا مبدأ التسوية بالتراضي او المصالحة التي تشير الى وقف الأعمال العدواني .
2- لقد عرفوا الاتفاق أي الهدنة المحلية المؤقتة.
3- تبنوا نظام الاتفاقات العلنية وحتى المعاهدات الى جانب التحالفات والهدنة المقدسة التي تعقد في فترة الألعاب الأولمبية و كان عقد الصلح والسلم بالنسبة للإغريق أقرب الاستخدامات والأسماء الى القلوب .
*و قد تميزت أساليب الدبلوماسية وممارستها في عهد الاغريق بثلاث مراحل:-
1- مرحلة المنادين او حملة الاعلام البيضاء قد أسبغت على هؤلاء سلطات شبه دينية و وضعوا تحت حماية الإله هرمس الذي يمثل السحر و الحيلة والخداع ويقوم بدور الوسيط بين العالم العلوي والعالم السفلي حيث كان الدبلوماسي المنادي يستخدم كرسول لاعلان رغبة السيد أو الملك حول موضوع معين والتفاوض بشأن بعض الأمور .
2- مرحلة الخطباء: و هي مستوى أعلى من مستوى المنادي و كان يتم اختيار المبعوثين من بين الخطباء والفلاسفة والحكماء وهي مرحلة الدبلوماسي الخطيب.
3- مرحلة ازدهار حضارة الدولة المدنية وتقدم وسائل الاتصال حيث اعتمدت على أسس ثابتة في مجال السلم و الحرب( ومبدأ الحصانات).
أ- في زمن السلم قامت العلاقات الدبلوماسية على التعاهد والتحكيم وايفاد الممثلين الدبلوماسيين مثلاً نصت المعاهدة المبرمة بين طيبة و اثينا على ان تقوم مدينة لاميا بدور الحاكم بينهما في حال نشأ خلاف حول تفسير المعاهدة.
ب- في زمن الحرب : فقد خضعت العلاقات بين المدن الاغريقية لقواعد خاصة اهمها: –
1- لا تبدأ الحرب إلا بعد الاعلان والحرب لتسوية الخلافات الدولية و كان الاغريق قبل الحرب يلجأون الى المفاوضات الدبلوماسية الفردية وعقد المؤتمرات التي كان يطلق عليها الامفكتونية ويقول نيكلسون :“أن الاغريق قد اوجدوا نظاماً خاصاً للعلاقات الدبلوماسية الدائمة و ان أعضاء البعثات الدبلوماسية منحوا حصانات معينة و كان لهم اعتبار عظيم وانهم اعترفوا بأن العلاقات بين الدول لا يمكن توجيهها فقط عن طريق المكر، والشدة ( فثمة قانون ضمني معين كان فوق المصالح الوطنية المباشرة أو المنافع غير الدائمة.
2- تكون حرمة المعابد و الملاعب مصونة و خاصة كانت بعض المعابد تستخدم لحفظ الوثائق ومحفوظات الدولة كمعبد مترون.
3- لا يعتدى على الجرحى والأسرى: حيث حكموا على صور الوحشية التي ترتكب بحق الجرحى و الموتى في المعركة انها بمثابة امور تليق بالبرابرة .
*العوامل التي أدت الى تأخر استتباب الاستقرار في العلاقات الدبلوماسية بين الدول المدنية الاغريقية خاصة في مجال التمثيل الدبلوماسي اهمها: –
1- ان المدن اليونانية لم يعترف بعضها للبعض بالمساواة في السيادة.
2- ان العلاقات الدبلوماسية بين هذه الدول المدنية كانت في الواقع علاقات داخلية بين مدن ترتبط بروابط الدم واللغة و الدين والجوار أكثر مما كانت علاقات دولية.
3- لم تكن لتلك الدول المدنية القوة التي تمكنها من فرض نظمها على غيرها أو ضم الدول اليها، ولم تبرز هذه القوة إلا إبان عصر الاسكندر المقدوني حيث بلغ مبدأ القوة اليها، و الاخضاع على مبدأ الاقناع والتفاوض أي ( الأسلوب الدبلوماسي).
*تميز الأسلوب والممارسة الدبلوماسية عند الاغريق بعدة خصائص هي: –
1- عدم وجود ممثلين دائمين ، فقد كانت مجالس الشعب او جمعية المدنية هي التي تقوم بتفويض السفراء المؤقتين بمهامهم وتسلمهم خطابات الاعتماد و تقوم باستقبالهم .
2- كانت الديمقراطية الاغريقية تضع مبعوثيها موضع الشك دائماً و لذلك كانت السفارة تتكون غالباً من أكثر من مبعوث واحد بحيث تمثل جميع الأحزاب ومختلف وجهات النظر أي كانت البعثة بشكل عام(جماعية ).
3- كان السفراء يحملون تصريحات بالسفر و الانتقال عبر البلدان كما كانت الدولة تكفل لهم نفقات الاقامة والسفر والمعاملات بسخاء.
4- كان للسفراء حصانات و امتيازات لا يخضعون لسلطة القضاء المدني والجنائي المحلي في البلد الموفد اليه وخاصة ان المبعوث كان يتمتع بحماية الآلهة و كثيراً ما كانت الحرب تعلن بسبب انتهاك حرمة سفيرها او الاعتداء عليه ، *مثال أعلنت الحرب على تساليا لأن سفراء قد اعتقلوا أو سجنوا في تساليا .
5- كان يحرم على السفراء قبول الهدايا مدة القيام بمهامهم .
6- إذا نجح السفير في مهمته وعاد الى وطنه و وافقت الجمعية الوطنية على ما قام به منح حديقة من الزيتون و دعي الى وليمة تقام خصيصاً له دار البلدية وكان موضع حفاوة و تبجيل، اما إذا اخفق فكان يتعرض لأقصى العقوبات الجنائية و كان عليه ان يعيد النفقات التي اقتضتها مهمته .
7- من أبرز ماعرفه اليونان في تاريخ العلاقات الدولية هو نظام القناصل و هكذا يلاحظ ان الاغريق قد مارسوا الدبلوماسية وضرورة اتباع هذه القواعد التي تنظم العمل الدبلوماسي.
اترك تعليقاً