موضوع الإسناد
المؤلف : احمد عبد الحميد عشوش
الكتاب أو المصدر : القانون الدولي الخاص
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
تحديد موضوع الإسناد في مجال الواقع
يرى بعض الفقهاء أن موضوع قواعد الإسناد هو الواقع المادي المجرد من التوصيف القانوني(1). وهذا الرأي في فقه القانون الدولي الخاص يقوم على نقطة أساسية تتعلق بحقيقة الارتباط ما بين الأنظمة القانونية في الدول المختلفة، إذ يرى أنصاره بأن تلك الأنظمة تشهد في الواقع انقطاعاً أو انفصالاً تاماً فيما بينها، حيث أن كل نظام منها معزول عن الأنظمة الأخرى، زيادة على ذلك، أنه، في ظل المعطيات الحالية للنظام القانوني الدولي، لا يوجد نظام قانوني فوق هذه الأنظمة يضع القواعد التي تحدد الاختصاص التشريعي للدول ويحكم العلاقات الخاضعة لأنظمة القانون الخاص بحيث يمكن معه القول بوجود توزيع متبادل للاختصاص التشريعي للدول المختلفة(2).
ويترتب على هذا الانفصال القائم بين الأنظمة القانونية نتيجتان أساسيتان هما تفرد النظام القانوني لكل دولة من جهة، وعمومية هذا النظام أو كليته في علاقته بالواقع الخالص أو بعلاقات الحياة من جهة أخرى. أما التفرد الذي تتسم به الأنظمة القانونية فينبني عليه أن أي نص قانوني أجنبي لا تكون له قيمة قانونية في مواجهة النظام القانوني الوطني بالنظر لأنه ناتج عن مصدر قانوني آخر، وبالتالي فانه يقع خارج إطار هذا النظام القانوني، وهو ما يؤدي بالضرورة إلى استحالة قيام تنازع القوانين من الناحية النظرية. زيادة على ذلك فان كل نظام قانوني لا يمكن أن يُصدر أمراً إلى أي نظام قانوني آخر أو يتلقى أمراً من ذلك النظام، لذا يكون من غير المتصور أن تهدف قواعد الإسناد التي يعينها النظام القانوني الوطني إلى تحديد الاختصاص التشريعي للقوانين الأجنبية المعنية(3)، وبالتالي رفض الرأي القائل بأن موضوع هذه القواعد هو النصوص القانونية الموضوعية الأجنبية.
أما بشأن عمومية الأنظمة القانونية الوطنية في علاقتها بالواقع الخالص فان أصحاب هذا الاتجاه يرون أن هدف كل قاعدة قانونية هو ترتيب الآثار القانونية على الوقائع والعلاقات المتعلقة بالأشخاص الخاضعين للنظام القانوني الذي تنتمي إليه القاعدة. فما دامت القاعدة تنتمي بالنسبة للمصدر الذي أنشأها إلى نظام قانوني معين، فإنها بالضرورة تنتمي إليه بالنظر إلى موضوعها وكذلك بالنظر إلى الأشخاص المخاطبين بأحكامها. ولما كانت قواعد الإسناد تنتمي إلى نظام قانوني وطني فإنه لا يمكن النظر إلى هذه القواعد إلا على نفس المستوى الذي يُنظر من خلاله إلى القواعد المستوحاة من ذات المصدر(4).
معنى ذلك ان قواعد الإسناد هي قواعد تتعلق بالعلاقات بين الأشخاص الخاضعين للنظام القانوني الوطني، أي انها ترتب نشأة الحقوق والالتزامات أو تغييرها أو انقضائها على حدوث وقائع متعلقة بالأشخاص الذين ينتمون إلى المجتمع الإنساني، وكل ما هنالك ان هذه الوقائع والعلاقات التي تهدف قواعد الإسناد إلى تنظيمها تتمتع بخصائص ذاتية تميزها عن تلك التي تعالجها القواعد القانونية العادية.
فقواعد الإسناد إنما تسعى إلى تنظيم الوقائع والعلاقات التي تتصل بطريقة أو بأخرى بالعديد من الأنظمة القانونية والتي تُعد من هذه الزاوية أجنبية عن النظام القانوني الوطني(5)، وهذه الذاتية الخاصة لبعض العلاقات والتي تجعل لها نطاقاً أوسع من ذلك المعهود لعلاقات الحياة الوطنية تقتضي وجود نظام قانوني خاص يجد مصدره من هذه الذاتية التي تتمتع بها تلك العلاقات، وهذا النظام المغاير هو الموضوع الجوهري الذي تنصب عليه قواعد الإسناد.
ولكن مع القول بأن موضوع قواعد الإسناد هو الوقائع والعلاقات التي تتصل بطريقة أو بأخرى بأنظمة قانونية متعددة، فانه يجب الأخذ في الحسبان، وفقاً لهذا الرأي، أن العلاقات الإنسانية الواقعية ليست لها بطبيعتها صلة مفترضة أو تلقائية بنظام قانوني أو أنظمة قانونية معينة، فالصلة أو الرابطة بين علاقة الواقع وأي نظام قانوني ليست أمراً ذاتياً في العلاقة، ولكنها صفة أو وصف يُشتق من النظام القانوني الذي يقترح تنظيم هذه العلاقة(6)، وهي أيضاً نتيجة أو أثر يرتبه النظام القانوني بالنظر للخصائص المادية للعلاقة الواقعية، والتي على أساسها تتم التفرقة بين موضوع قواعد الإسناد وموضوع القواعد القانونية الأخرى المنتمية إلى ذات المصدر الوطني. وبناءً على ذلك فان علاقات الواقع لا تتمتع بالطابع القانوني إلا بعد أن يُضفي عليها نظام قانوني معين هذا الوصف. وحيث ان قواعد الإسناد تتميز عن القواعد الموضوعية الداخلية من حيث انها بطبيعتها لا تنظم بطريقة مباشرة علاقات الحياة الإنسانية إلى تُعد موضوعاً لها، لذلك فإنها لا ترتب على هذه العلاقات أية آثار قانونية مباشرة.
فإذا ما ارتبطت صفة التنظيم غير المباشر لقاعدة الإسناد بصفة الحياد الذي تتسم به هذه القاعدة فانه يمكن القول، حسب هذا الاتجاه، بأن قاعدة الإسناد لا تعدو أن تكون مجرد وسيط بين علاقات الواقع أو وقائع الحياة المادية والنظام القانوني الذي تشير إليه هذه القاعدة، ودون ان تضفي على الوقائع المذكورة أي طابع قانوني(7). فهي تقدم تلك العلاقات أو الوقائع إلى القانون المختص على نحوٍ محايد ليرتب هذا الأخير عليها الجزاء الذي يتضمنه.
وبهذا فان مسألة تحول الواقع المادي موضوع قاعدة الإسناد إلى علاقة قانونية قادرة على ترتيب الآثار القانونية يُعدُّ أمراً خاصاً بالقانون المختص الذي تم تعيينه. وإذ ينحصر دور قاعدة الإسناد في تعيين القانون المختص، فإن هذا التعيين إنما يتم عن طريق استخدام تعبيرات ذات طابع فني قانوني تُستخدم لصياغة الفكرة المسندة في هذه القاعدة وتتميز كأصل عام بطبيعة مرنة، وذلك مثل تعبير العلاقات القانونية الشخصية بين الزوجين، أو الحقوق الواردة على الأموال المنقولة والعقارية وغيرها(8)، وعلى الرغم من ان هذه التعبيرات والاصطلاحات الفنية التي تستخدمها قاعدة الإسناد من أجل تحديد موضوعها تتوافق مع مدركات قانونية معينة فهي لا تعدو مجرد وسيلة من أجل تعيين أو تحديد علاقات الواقع وأن الأمر، بحسب هذا الاتجاه، لا يتعلق بأية قواعد قانونية أو علاقات قانونية.
ووفقاً لذلك، وكما ذهب إليه جانب من الفقه منتقداً الاتجاه محل البحث(9)، فان قاعدة الإسناد لكي تقوم بتعيين الواقع المادي الذي يُعد موضوعاً لها فإن عليها أن تقوم بإخضاع هذا الواقع إلى الفرض القانوني المنصوص عليه في إطار القواعد الداخلية لقانون القاضي التي يمكن إدراجها في إطار الفكرة المسندة لقاعدة الإسناد، حيث ان هذا الواقع المادي المقرر له أن يخضع للقانون الأجنبي كان ستحكمه هذه القواعد الوطنية لولا اتصاف العلاقة بالطابع الأجنبي، عليه وبالنظر للطبيعة المرنة للأفكار والاصطلاحات المستخدمة لصياغة الفكرة المسندة، فإن تعيين الوقائع المادية لن يكون ممكناً إلا عن طريق البحث في الأنظمة القانونية التي تجمعها هذه الأفكار المسندة، وكذلك في القواعد الموضوعية التي تشملها تلك الأنظمة.
فإذا كان الواقع المطروح على نطاق البحث تتوافر فيه الشروط والأوصاف المدرجة في أية قاعدة قانونية من القواعد الموضوعية، فان قاعدة الإسناد تبدأ في الإعمال، حيث ان هذه العلاقة أو الواقع المادي الذي تم حصره يؤخذ بعين الاعتبار ويتم رفعه عن طريق قاعدة الإسناد لكي يحكمه القانون الذي عينته القاعدة المذكورة. لذلك فان المنهج الذي يعتنقه هذا الاتجاه يعتريه عيب جوهري هو قيام المنهج المذكور على تخيل التوافق بين عناصر الفرض في القانون الوطني والقانون الأجنبي، أو بمعنى آخر افتراض التطابق الكامل بين نصوص القانون المختص ونصوص قانون القاضي من ناحية عناصر الواقع التي تخضعانها لحكمهما كشرط جوهري لإعمال قاعدة الإسناد(10)، وهو الأمر الذي قد لا يتحقق بالنظر إلى الاختلاف الذي يمكن أن يفصل بين النصوص الموضوعية للنظامين القانونيين الوطني والأجنبي.
كما ان قبول اقتضاء ذلك التطابق من شأنه حرمان قواعد الإسناد من أساس وجودها. فهذه القواعد إنما وجدت من أجل مواجهة الاختلاف القائم بين الأنظمة القانونية، إذ ان دورها لا يقوم إلا في ظل هذا الاختلاف(11)، أما في حالة التطابق الكامل بين نصوص القانون الوطني ونصوص القانون الأجنبي فلا يكون لإعمالها أي معنى حيث ان إشارتها إلى تطبيق القانون الأجنبي تكون عديمة القيمة. ومن جانب آخر، وفي معرض الانتقاد الموجه للفقه القائل بقصر موضوع الإسناد على ميدان الواقع، فان من الصعب الادعاء بما ذهب إليه الفقه المذكور من كون الوقائع التي تقوم الفكرة المسندة في قاعدة الإسناد بترحيلها إلى القانون المختص ليست إلا وقائع مادية مجردة من كل توصيف قانوني(12).
فالحقيقة هي ان المعيار الذي بموجبه تم إدراج الوقائع والعلاقات في الفكرة المسندة لقاعدة الإسناد ليس مجرد العناصر المشكلة لمادتيها الصرف، وإنما هو العلاقة المتبادلة لتلك الوقائع مع القاعدة المعنية. ذلك ان الذي يربط الواقع المادي بالقاعدة القانونية هو توافقه مع الشروط التي يضعها النص الموضوعي لإعماله والتي تُصاغ في ركن الفرض المكوِّن لهذا النص(13)، وهو ما يجعل الواقعة المادية لا معنى لها إلا من خلال صلتها بالقانون أو بالقاعدة القانونية.
ولما كان الأمر كذلك، وتعريجاً على ما يقوم عليه هذا الاتجاه من افتراض التطابق بين عناصر الفرض في القانون الوطني والقانون الأجنبي، فان الاختلاف المحتمل قيامه بين النصوص الموضوعية لهذين القانونين يجعل القانون المختص لا يتطابق مع الفكرة المسندة في قانون القاضي التي قامت بتعيين هذا القانون لحكم المسألة محل النزاع، وهو ما يعكس انعدام التجانس بين العناصر التي يستند إليها الاتجاه محل البحث(14)، كما يؤدي إلى عدم انسجام قاعدة الإسناد وعدم تناسقها.
فإذا كان السبب الذي من أجله مثلاً تم تعيين القانون الأجنبي لحكم وقائع معينة هو أن تلك الوقائع تُعَد، من وجهة نظر قانون القاضي، تتوافر فيها الخصائص المتطلب توافرها في علاقات الأسرة، فان مبررات هذا التعيين تفقد أساس وجودها فيما لو اتضح ان القانون الأجنبي المشار إليه يَعْتبر العلاقات موضوع الإسناد، من وجهة نظره، داخلة في إطار الفكرة المسندة المتعلقة بالالتزامات التعاقدية، ناهيك عما إذا كان هذا القانون يُدخل تلك العلاقات في إطار أنظمة قانونية مجهولة تماماً بالنسبة للنظام القانوني للقاضي، وهو أمر غير مستبعد الحدوث في النزاعات ذات العنصر الأجنبي.
ويتضح لنا من ذلك ان تطبيق الأفكار الأساسية للرأي القائل بأن موضوع قواعد الإسناد هو الوقائع المادية يجعل من المستبعد أن يكون موضوع هذه القواعد منصباً فقط على الوقائع المذكور، فحيث ان العلاقة بين الواقع والقانون لا يمكن ان تكون فيها أولوية للواقع في مواجهة القانون، بل يوجد بينهما دائماً تلازم وتعاصر، لذا فإن من الصعب الادعاء بأن قواعد الإسناد تعالج الوقائع والعلاقات المجردة تماماً من أي غطاء أو وصف قانوني. وبناءً على ذلك فان المعطيات التي يستند إليها الاتجاه محل البحث يمكنها ان تؤدي إلى ان يكون موضوع قواعد الإسناد منصباً على العلاقات القانونية التي تم تحديد ذاتيتها من خلال المفاهيم التي تضعها القواعد الموضوعية لقانون القاضي(15).
ولعل هذا الأمر هو الذي دفع جانباً من الفقه باتجاه القول ان موضوع قواعد الإسناد إنما ينصب على ميدان القانون، محاولاً تفادي الصعوبات التي قابلها الاتجاه محل البحث في إعمال قاعدة الإسناد. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى ان تباين الآراء حول الموضوع الذي تنصب عليه قاعدة الإسناد ينعكس بدوره على مسألة وثيقة الصلة بإعمال هذه القاعدة، وتلك هي مسألة موضوع التكييف. فعلى اعتبار ان التكييف اللازم لتحديد قاعدة الإسناد ينصب على تحديد مضمون الفكرة المسندة ونطاقها، فان مسألة موضوع التكييف تكون مرتبطة بمسألة تكوين الفكرة المسندة وبموضوع هذه الفكرة ما إذا كان هو الواقع المجرد أو النصوص القانونية(16).
فإذا كانت قاعدة الإسناد تخاطب الواقع فان إعمالها عن طريق التكييف يقتضي ان يكون موضوع هذا التكييف متصلاً بعلاقات الواقع المادي، أما إذا كانت قاعدة الإسناد تواجه المسائل القانونية فان موضوع التكييف بدوره لا بد أن ينصب على النصوص القانونية، وبذلك تكون هناك علاقة تطابق بين موضوع الإسناد وموضوع التكييف(17)، وهو الأمر الذي أدى بفقه القانون الدولي الخاص إلى أن يعتمد في بيان ما ينصب عليه التكييف ذات الآراء التي اعتمدها في بيان ما ينصب عليه الإسناد، فانقسم بذلك إلى قائل باتخاذ موضوع التكييف من ميدان الواقع وقائلٍ باستمداد هذا الموضوع من ميدان القانون(18).
___________________
1- ظهر هذا الرأي في فقه المدرسة الوضعية الايطالية، وهذا الفقه يرى أن علاقات الحياة لا تعدو أن تكون مجموعة من الوقائع المادية الخالية من أي طابع قانوني، وان قواعد الإسناد تقوم بتوزيع هذه الوقائع على القوانين المختلفة التي تعينها، وهذا التوزيع يتم من خلال عملية التكييف، وهي عملية تتخذ من الواقع المجرد أو علاقات الحياة المادية موضوعاً لها. ويُعتبر الفقيه الايطالي آكو Ago من ابرز الذين عبَّروا عن فقه هذه المدرسة. انظر في ذلك د. حفيظة السيد الحداد. محل التكييف في القانون الدولي الخاص، دراسة تحليلية وانتقادية للإتجاهات الفقهية الحديثة وأحكام القضاء. مجلة الحقوق للبحوث القانونية والاقتصادية. كلية الحقوق. جامعة الإسكندرية. العدد الرابع. 1991. ص199 وما بعدها. ومن المناصرين لهذا الرأي في الفقه المصري، د. احمد عبد الكريم سلامة. علم قاعدة التنازع والاختيار بين الشرائع أصولا ومنهجاً. ط1. مكتبة الجلاء الجديدة. المنصورة. 1996. فقرة41. ص48-49.
2- انظر في ترتيب الأنظمة القانونية في الدول المختلفة وعلاقة بعضها بالبعض الآخر د. احمد مسلم. المنطق والواقع في التنظيم الوضعي للروابط الدولية، بحث في أصول القانونين الدولي العام والدولي الخاص. مجلة القانون والاقتصاد للبحث في الشؤون القانونية والاقتصادية. العدد الأول. السنة الحادية والعشرون. 1951. ص65 وما بعدها.
3- د. احمد عبد الكريم سلامة. علم قاعدة التنازع. مصدر سابق. فقرة 43. ص51.
4- راجع في الصفة الوطنية لقواعد الإسناد ما سبق ذكره ص53 وما بعدها.
5- د. صلاح الدين جمال الدين. القانون الدولي الخاص (الجنسية وتنازع القوانين)، دراسة مقارنة. ط1. دار الفكر الجامعي. الإسكندرية. 2008. ص9-10 وانظر في نطاق وظيفة القواعد القانونية بشكل عام د. عبد المنعم فرج الصده. أصول القانون. دار النهضة العربية. بيروت. بدون طبع. ص22 وما بعدها.
6- د. احمد عبد الكريم سلامة. علم قاعدة التنازع. المصدر السابق. فقرة 41. ص49.
7- د. سامي بديع منصور. الوسيط في القانون الدولي الخاص (تقنية وحلول النزاعات الدولية الخاصة). ط1. دار العلوم العربية. بيروت. 1994. فقرة 84-85. ص109-111.
8- د. عز الدين عبد الله. القانون الدولي الخاص. الجزء الثاني (في تنازع القوانين وتنازع الاختصاص القضائي الدوليين). ط7. دار النهضة العربية. القاهرة. 1972. فقرة 74 مكررة. ص166.
9- د. حفيظة السيد الحداد. محل التكييف في القانون الدولي الخاص، دراسة تحليلية وانتقادية للاتجاهات الفقهية الحديثة وأحكام القضاء. مجلة الحقوق للبحوث القانونية والاقتصادية. كلية الحقوق. جامعة الإسكندرية. العدد 4. 1991. ص222 وما بعدها.
10- د. حفيظة السيد الحداد. محل التكييف في القانون الدولي الخاص. مصدر سابق. ص227.
11- د. غالب علي الداوودي. القانون الدولي الخاص. الكتاب الأول (في تنازع القوانين وتنازع الاختصاص القضائي الدولي وتنفيذ الأحكام الأجنبية)، دراسة مقارنة. ط4. دار وائل. عمان – الأردن. 2005. ص101.
12- د. حفيظة السيد الحداد. محل التكييف في القانون الدولي الخاص. مصدر سابق. ص238-239.
13- د. منذر الشاوي. المدخل لدراسة القانون الوضعي. ط1. دار الشؤون الثقافية العامة. بغداد. 1996. ص158.
14- انظر قريب من ذلك د. سامي بديع منصور. الوسيط في القانون الدولي الخاص (تقنية وحلول النزاعات الدولية الخاصة). ط1. دار العلوم العربية. بيروت. 1994. فقرة 437. ص703-705.
15- انظر في هذه النتيجة من زاوية موضوع التكييف اللازم لإعمال قاعدة الإسناد، د. حفيظة السيد الحداد. محل التكييف في القانون الدولي الخاص. مصدر سابق. ص232-234.
16- د. حفيظة السيد الحداد. المصدر ذاته. ص90 وما بعدها.
17- د. عز الدين عبد الله. القانون الدولي الخاص. ج2. مصدر سابق. فقرة 56. ص112.
18- د. احمد عبد الكريم سلامة. علم قاعدة التنازع. مصدر سابق. فقرة 342. ص371-372.
تحديد موضوع الإسناد في مجال القانون
اتفقت مجموعة من الآراء في فقه القانون الدولي الخاص على إنكار ما جاء به الاتجاه الأول من أن موضوع قواعد الإسناد هو وقائع مادية أو مراكز واقعية، وذلك على اعتبار أن وظيفة تلك القواعد إنما هي بيان القانون الواجب التطبيق في مسائل قانونية وليس في وقائع مادية خالية من التوصيف القانوني(1).
وقد أجمعت هذه الآراء على ان موضوع قواعد الإسناد هو نصوص القانون الداخلي الذي تختاره هذه القواعد لحكم العلاقة ذات العنصر الأجنبي. … التطابق بين موضوع قاعدة الإسناد وبين موضوع التكييف اللازم لإعمال تلك القاعدة، لذلك نجد أن الاتجاه الفقهي الذي يَعتبر موضوع قواعد الإسناد منصباً على نصوص القانون الداخلي قد مثله الفقه القائل بأن موضوع التكييف هو تلك النصوص القانونية ذاتها التي ينصب عليها الإسناد، وهو ما يدعونا إلى اعتماد الفقه الأخير في إبراز مضمون الاتجاه محل البحث. ومن تركيز النظر في مسألة تحديد موضوع التكييف بالقواعد القانونية الداخلية يتضح وجود رأيين متباينين حول القانون الذي يخضع له تكييف تلك القواعد القانونية، أحدهما يرى ضرورة إخضاع التكييف للقانون الذي يحكم موضوع النزاع، أما الآخر فيذهب إلى إخضاع التكييف لقانون القاضي وليس للقانون المختص(2). ولذلك سوف نبحث في هذين الرأيين وفي مدى انعكاسهما على موضوع قواعد الإسناد وفقاً للاتجاه الذي يحدد هذا الموضوع في إطار القاعدة القانونية .
أولاً: موضوع الإسناد في ظل إخضاع التكييف للقانون الواجب التطبيق.
ذهب رأيٌ في فقه القانون الدولي الخاص إلى إعطاء الاختصاص بالتكييف للقانون الذي يحكم موضوع النزاع، وهو القانون الذي يتقرر تطبيقه بموجب قاعدة الإسناد في قانون القاضي(3). وينادي هذا الرأي بضرورة التبعية الكاملة من قبل قاعدة الإسناد للنصوص القانونية الداخلية في القانون الواجب التطبيق من حيث التكييفات التي يتبناها ذلك القانون، وهو ما يعني التبعية الكاملة للفكرة المسندة في قاعدة الإسناد للقانون المذكور. وينطلق الرأي محل البحث من مقدمة أساسية هي ضرورة احترام القوانين الداخلية المرتبطة بالمسألة المطلوب إيجاد حل لها، حيث ان احترام تلك القوانين أمر جوهري لأنه يستجيب لاعتبار هام لا يمكن لمنهج تنازع القوانين أن يتحرر منه دون أن يترتب على ذلك فقدانه لذاتيته، وذلك هو منهج الإسناد(4).
فمنهج التنازع بدلاً من أن ينص على قواعد موضوعية مباشرة للسلوك فانه يقوم بتبني قواعد القانون الداخلي لدولة أو أكثر وفقاً للروابط التي تكشف عنها العلاقة مع أحد هذه الدول أو معها جميعاً. وتلك النصوص الموضوعية المستوحاة من الأنظمة القانونية الوضعية هي التي تستمد منها قواعد الإسناد هويتها الأصلية، فلكي تحتفظ قواعد الإسناد بهويتها فانه يجب عليها احترام هذه النصوص.
وبهذا فان دور قاعدة الإسناد، وفقاً لهذا الاتجاه، ينحصر في أداء وظيفة مباشرة هي تحديد نطاق تطبيق القوانين الداخلية التي يقوم ضابط الإسناد بتعيينها، وهو الأمر الذي يتمخض عن اتخاذ قاعدة الإسناد من المسائل القانونية التي يطرحها القانون المختص موضوعاً لها(5)، بمعنى ان وظيفة هذه القاعدة تتحدد في توزيع الاختصاص التشريعي بين القوانين المتزاحمة التي تم تحديدها بواسطة ضوابط الإسناد. هذا ويستند الرأي المعروض إلى حجة مفادها ان ثبوت الاختصاص لقانون معين بشأن فكرة مسندة معينة يقتضي بالضرورة قبول التصوير الذي يعطيه ذلك القانون لهذه الفكرة، ويكون ذلك من قبيل احترام الاختصاص الكامل للقانون الذي تختاره قاعدة الإسناد لحكم النزاع(6)، وهذا الاختصاص يجب أن يشمل إعطاء الوصف القانوني للمسألة المعروضة باعتباره جزءً لا يتجزأ من القاعدة القانونية واجبة التطبيق.
وقد تعرض الرأي محل البحث لعدة انتقادات من جانب الفقه لعل أهمها ذلك الذي يشير إلى أن التكييف هو عملية أولية لازمة لتحديد القانون الواجب التطبيق، وعليه فلا يتسنى إخضاع هذا التكييف للقانون المختص بحكم النزاع في الوقت الذي يجهل فيه القاضي هذا القانون قبل تكييف المسألة المعروضة(7). وهذا الانتقاد يستمد قيمته أساساً انطلاقاً من أن مسألة التكييف سابقة من الناحية الزمنية على إعمال ضابط الإسناد، ولذلك حاول جانب من الفقه المؤيد لهذا الرأي أن يدفع الاعتراض المذكور عن طريق تغيير صياغة قواعد الإسناد ذاتها، وفي ضوء هذه الصياغة يكون الفرض عكسياً، حيث يتدخل ضابط الإسناد أولاً في مرحلة زمنية سابقة على التكييف ويقوم بإعطاء الاختصاص للقانون الذي يتولى تعيينه، في حين يقتصر دور التكييف على تحديد نطاق تطبيق القانون الذي تم تعيينه بواسطة ضابط الإسناد، على أن يكون المرجع في تحديد ضابط الإسناد وتعريفه هو القانون الوطني الذي تنتمي إليه قاعدة الإسناد(8).
فقاعدة الإسناد التي تقرر مثلاً ان “الميراث يخضع لقانون جنسية المتوفى وقت الوفاة” يكفي أن تغير صياغتها لتكون “إذا مات شخص فعلى المحكمة أن تطبق في شأن تركته القواعد السارية في الدولة التي كان يحمل جنسيتها وقت الوفاة والتي يعتبرها قانون هذه الدولة من القواعد الخاصة بالميراث”، وبهذا يتفادى الرأي المذكور الحلقة المفرغة التي تواجهه كعقبة تحول دون أمكانية تطبيقه من الناحية العملية. وفي الواقع فان محاولة الخروج من الحلقة المفرغة تؤدي إلى الوقوع في تناقض آخر، وذلك ان هذا الحل لا يستقيم مع مقدمات الفقه القائل بإخضاع تكييف النصوص القانونية موضوع قاعدة الإسناد للقانون الذي يحكم موضوع النزاع، وهو الفقه الذي يقضي بعدم الرجوع إلى التكييفات المأخوذة من النظام القانوني الوطني(9).
وينجم عن هذا التناقض تبعية الفكرة المسندة في قاعدة الإسناد للقانون الأجنبي الذي قام ضابط الإسناد بتعيينه في الوقت الذي يتحدد فيه ضابط الإسناد بموجب قانون القاضي، وهو الأمر الذي يُظهر التناقض والتباين القائم بين هذين العنصرين من عناصر قاعدة الإسناد. وزيادة على ذلك فان هذا التباين وعدم التجانس بين عنصري الفكرة المسندة وضابط الإسناد قد يترتب في ضوء معطيات أخرى يؤدي إليها الرأي القائل بإخضاع التكييف للقانون الذي يحكم موضوع النزاع، منها اتصاف ضابط الإسناد بالطابع الدولي دون الفكرة المسندة، والتي تبقى أسيرةً للتحديد القانوني الوطني(10). فقد يقوم ضابط الإسناد بتعيين قانون أجنبي لحكم العلاقة محل النزاع، وعندها يتم تطبيق القواعد الموضوعية التي يتضمنها هذا القانون، وذلك دون البحث عما إذا كانت هذه القواعد تتمشى أو لا تتمشى مع الوصف القانوني الذي من أجله تم اختيار القانون الأجنبي للتطبيق.
ومن تلك المعطيات أيضاً التخلي عن الارتباط المستهدف من قبل المشرع الوطني القائم بين الفكرة المسندة وبين ضابط الإسناد، ذلك الارتباط الذي يجعل من ضابط الإسناد بما يتميز به من خصائص محددة أفضل من غيره لحكم مسألة معينة بالذات، كضابط الجنسية مثلاً بالنسبة لمسائل الأحوال الشخصية(11). فحين يطبق ضابط الإسناد على قواعد قانونية لا تتوفر فيها الصفات الجوهرية الكامنة في الأفكار المسندة في قانون القاضي والتي دفعت إلى اختيار هذا الضابط بالتحديد، فان ذلك يؤدي إلى خلق علاقة جديدة بين ضابط إسناد وفكرة مسندة لا وطن لها، حيث لا يمكن الجزم بأن قاعدة الإسناد التي تم خلقها ترتبط بالنظام القانوني للقاضي أو بالنظام القانوني المختص.
ثانياً: موضوع الإسناد في ظل إخضاع التكييف لقانون القاضي.
في مقابل الرأي الأول الذي يُخضع التكييف للقانون الواجب التطبيق، كان هناك رأيٌ آخر ضمن الاتجاه الذي يتخذ من القاعدة القانونية الداخلية موضوعاً للتكييف، ومضمونه ان تكييف القاعدة القانونية يخضع لقانون القاضي وليس للقانون المختص(12). وهذا الرأي ينطلق من ذات المقدمة التي يبتدئ منها الرأي السابق، وتلك هي ضرورة احترام نصوص القوانين الداخلية المرتبطة بالعلاقة محل النزاع باعتبار انها تتضمن الأوصاف اللازمة لتحديد طبيعة تلك العلاقة، وبالتالي يجب إعطاءها الاختصاص الكامل في التكييف وحل النزاع(13)، ولكن مع ذلك فإن الرأي محل البحث يقوم على أفكار مختلفة عن تلك التي يقوم عليها الرأي الأول.
فهذا الرأي يقوم على فكرة أساسية تستند إلى إجراء نوع من القياس تتكون مقدمته الكبرى من الفكرة المسندة لقاعدة الإسناد، والتي يقترن بها ضابط الإسناد الذي يتحقق في المسألة محل النزاع، ومقدمته الصغرى تخاطب النص الموضوعي الذي يصوغه النظام القانوني المعين من قبل ضابط الإسناد لحكم المسألة المعروضة، وهو النص الذي يشكل موضوع قاعدة الإسناد، في حين تستخلص نتيجة القياس من العلاقة بين المقدمة الصغرى والمقدمة الكبرى لهذا القياس.
أما موضوع المقدمة الكبرى فانه ينصب على التعريف المجرد لمضمون الفكرة المسندة، والذي يكون من خلال استجلاء طبيعة القواعد الموضوعية التي تخاطبها تلك الفكرة(14)، ومسألة تعريف طبيعة هذه القواعد تكون من اختصاص قانون القاضي ووفقاً للمفاهيم السائدة فيه، حيث يتم وفقاً لهذا القانون معرفة الوصف الذي جرى من خلاله تحديد القواعد الموضوعية في النظام القانوني الذي عينه ضابط الإسناد لحكم المسألة مثار النزاع. وأما المقدمة الصغرى فموضوعها ينصب على مسألة تحديد كيفية تكوين القاعدة الموضوعية الواجبة التطبيق والتي قد تكون قاعدة وطنية أو أجنبية، وهذه المسألة هي من اختصاص النظام القانوني الذي صاغ النص الذي يتضمن تلك القاعدة الموضوعية(15)، إذ يقع على عاتق ذلك النظام حصر الصفات المميزة للنص القانوني وإبراز الخصائص التي منحه إياها. فإذا كان هذا النص الذي تم فحصه يتفق مع طبيعة القواعد القانونية الموضوعية التي تستغرقها الفكرة المسندة في قاعدة الإسناد، فان هذه القاعدة تقوم بترتيب آثارها، وذلك من خلال تطبيق النص المذكور وحسم النزاع وفقاً لأحكامه.
أما إذا كان النص لا يتفق مع طبيعة القواعد الموضوعية التي تخاطبها الفكرة المسندة، فهذا يعني ان قاعدة الإسناد غير مؤثرة في هذا الشأن وانها بالنتيجة لا تخول تطبيق النص القانوني الذي لا يدخل في إطار الفكرة المسندة. وبناءً على ذلك، ووفقاً لهذا الرأي، فانه ينبغي توزيع المهام بين قانون القاضي والقانون المختص بشأن كلتا مقدمتي القياس المشار إليهما، وذلك بالنظر للطبيعة التي تتسم بها النصوص القانونية الموضوعية التي تشكل موضوع قواعد الإسناد وفقاً للرأي محل البحث(16). ولذلك فان مسألة تحديد النص الموضوعي الذي يشكل المقدمة الصغرى في القياس يختص بها النظام القانوني الذي صاغ النص المذكور، في حين ان مسألة تحديد المقدمة الكبرى في القياس والتعرف على طبيعة القواعد التي تخاطبها الفكرة المسندة تكون من اختصاص قانون القاضي، إذ ان المقصود منها معرفة الوصف الذي من خلاله تم تحديد القاعدة الموضوعية في القانون الذي عينه ضابط الإسناد لحكم المسألة المعروضة.
ومناط فكرة توزيع المهام هو الطبيعة التي تتسم بها النصوص الموضوعية في الأنظمة القانونية المختلفة التي تنتمي إليها تلك النصوص. فالنص القانوني ليس إلا مجرد عنصر في نظام معين، ولا يمكن تحديد مفهوم هذا النص إلا من قبل النظام القانوني الذي صاغه(17)، كما انه ليس بالإمكان فهم المقصود من النص كعنصر في النظام القانوني إلا في ضوء العناصر الأخرى التي تشكل معه ذلك النظام. والواقع إن تحليل النص القانوني الأجنبي موضوع قاعدة الإسناد وفقاً للنظام القانوني الذي ينتمي إليه قد تعتريه العديد من المشاكل، منها إمكان عدم تمتع هذا النص بالخصائص التي تتطلبها الفكرة المسندة المجردة المتشكلة وفقاً لقانون القاضي، زيادة على أن هذا التحليل قد يواجه مشكلة أخرى هي عدم أمكانية إدراك طبيعة القوانين الأجنبية(18)، وهو الفرض الذي لا تتلقى فيه المقدمة الصغرى للقياس التعريف الملائم من قبل المقدمة الكبرى، ما ينجم عنه عدم استغراق هذه المقدمة للمقدمة الأولى، وإن كان هذا الانتقاد الأخير يفقد الكثير من قيمته في ظل فكرة توزيع المهام التي اشرنا إليها آنفاً، ولكن مع ذلك ينبغي عدم إغفال تلك الصِلات والروابط التي تربط ما بين النصوص الموضوعية المنتمية إلى أي من الأنظمة القانونية(19). وهي صلات لا بد من احترامها لغرض تحديد خصائص تلك النصوص وبيان مميزاتها، وإن احترام هذه الصلات من الممكن أن يؤدي إلى آثار سلبية جديرة بالتنويه.
فقد يحدث أن تكون هناك قاعدتان تنتميان إلى نظامين مختلفين ولكنهما تستهدفان تنظيم ذات المسألة وترتبان كلتاهما نفس الآثار، إلا أن الصِلات القائمة بين إحدى هاتين القاعدتين وبين القواعد الأخرى المنتمية إلى ذات النظام القانوني الذي صاغ هذه القاعدة، والتي تسمح بتحديد خصائصها، قد أثرت بشكل مباشر على تلك الخصائص على نحوٍ مغاير للأثر التي تركته مثل تلك الصِلات على القاعدة الأخرى التي تهدف في النظام القانوني الآخر إلى تنظيم المسألة ذاتها. وهذا الأمر يجعل كل واحدة من القاعدتين تُصنف وفقاً للقانون الدولي الخاص للقاضي في فكرة مسندة مغايرة للفكرة التي صُنِّفت فيها القاعدة الأخرى، وهو ما يؤدي من الناحية العملية إلى التعدد في قواعد الإسناد واجبة التطبيق في قانون القاضي أو إلى انعدام هذه القواعد(20).
ويسوق الفقه مثالاً على ذلك مسألة التركة الشاغرة وحق الدولة في الحصول على تركة المتوفى الذي لا وارث له، فبعض الأنظمة القانونية تفسر هذا الحق بوصفه حق سيادي على كل مال أو تركة لا مستحق لها، فتمتلك الدولة ما يوجد على إقليمها من أموال لا صاحب لها بما لها من سيادة إقليمية على رقعتها الجغرافية، وبهذا الوصف يدخل الحق المذكور في فكرة الأحوال العينية(21)، في حين إن هناك أنظمة قانونية أخرى تفسر حق الدولة على انه حق إرث باعتبارها وارثة مَن لا وارث له، فتؤول التركة إلى الدولة التي ينتمي إليها المتوفى باعتبار وجود وارث للتركة وأنها غير شاغرة، وهنا يدخل حق الدولة هذا في مضمون الفكرة الخاصة بالميراث. ويترتب على ذلك أن كل نظام قانوني يعينه أيّ من ضابطي الإسناد المقترنين بهاتين الفكرتين في قانون القاضي يمنح الاختصاص للقواعد القانونية في القانون الأجنبي التي تدخل في إطار الفكرة المسندة التي يقترن بها ذلك الضابط، وهي تلك القواعد المنصبة على حق الدولة في تمليك التركة الشاغرة التي تقدمها الأنظمة القانونية المختلفة، وبهذا ينشأ تعدد في قواعد الإسناد الواجبة التطبيق على هذه المسألة(22).
ومن جهة أخرى فان كل نظام قانوني يعينه ضابط إسناد غير ذلك الضابط المقترن بالفكرة المسندة التي تندرج تحتها القاعدة الواجبة التطبيق لا يكون هناك محل لإعماله، وفي هذا الفرض لا يمكن تطبيق أي قاعدة من القواعد القانونية المتعلقة بالتركة الشاغرة والتي تقترح الأنظمة المتنافسة تطبيقها، وبالتالي فان هناك غياب في قواعد الإسناد الواجبة الإعمال على المسألة المذكورة.
_______________
1- د. عز الدين عبد الله. القانون الدولي الخاص. الجزء الثاني (في تنازع القوانين وتنازع الاختصاص القضائي الدوليين). ط7. دار النهضة العربية. القاهرة. 1972 فقرة 74 مكررة. ص167.
2- إن كل واحد من الرأيين المذكورين له انعكاسه المباشر على قاعدة الإسناد من جهة العلاقة التي تربط عناصر هذه القاعدة بعضها مع البعض الآخر ومقدار التجانس الذي ينبغي أن يسود بين تلك العناصر، وهو الأمر الذي يترك أثره في النهاية على موضوع قاعدة الإسناد ليتم عندئذٍ تحديد مدى صواب الاتجاه الذي يستمد هذا الموضوع من ميدان القانون. وينبغي التنويه إلى أن هناك نظريات متعددة في شأن القانون الذي يخضع له التكييف إلى جانب النظريتين المذكورتين، ومن تلك النظريات إخضاع التكييف للقانون المقارن أو إخضاعه لعلم القانون، وهي نظريات ليس لها تأثير يذكر على مسألة تحديد موضوع التكييف أو موضوع الإسناد وحصره في ميدان القانون، إذ أن هذه النظريات لا تقضي بإخضاع التكييف لأيٍّ من القوانين الوضعية لكي يُصار إلى اعتبار قواعد ذلك القانون موضوعاً ينصب عليه التكييف أو الإسناد. انظر في هذه النظريات د. هشام علي صادق. تنازع القوانين في مسائل المسؤولية التقصيرية المترتبة على التصادم البحري والحوادث الواقعة على ظهر السفن. منشأة المعارف. الإسكندرية. 1977. فقرة40 وما بعدها. ص140 وما بعدها.
3- على رأس القائلين بهذا الرأي في الفقه الفرنسي الأستاذ دسبانييه Frantz Despagnet، انظر في ذلك د. . سامية راشد. قاعدة الإسناد أمام القضاء، بحث في القانون الدولي الخاص المصري والمقارن. مجلة العلوم القانونية والاقتصادية. كلية الحقوق. جامعة عين شمس. العدد الثاني. السنة الرابعة عشر. 1972. ص410. ومن مؤيدي هذا الرأي M.Wolff، op. cit.، p.155.
4- انظر في اعتماد حلول تنازع القوانين على منهج الإسناد د. غالب علي الداوودي. القانون الدولي الخاص. الكتاب الأول (في تنازع القوانين وتنازع الاختصاص القضائي الدولي وتنفيذ الأحكام الأجنبية)، دراسة مقارنة. ط4. دار وائل. عمان – الأردن. 2005. ص61-62.
5- في تحديد نوعية القانون الواجب التطبيق الذي تشير إليه قاعدة الإسناد انظر د. محمد سليمان الأحمد. أهمية الفرق بين التكييف القانوني والطبيعة القانونية في تحديد نطاق القانون المختص. مجلة الرافدين للحقوق. كلية القانون. جامعة الموصل. المجلد 1. العدد العشرون. السنة التاسعة. 2004. ص106 وما بعدها.
6- د. حسن الهداوي. القانون الدولي الخاص، تنازع القوانين (المبادئ العامة والحلول الوضعية في القانون الأردني)، دراسة مقارنة. ط2. مكتبة دار الثقافة. عمان – الأردن. 2001 ص56.
7- د. منصور مصطفى منصور. مذكرات في القانون الدولي الخاص (تنازع القوانين). دار المعارف بمصر. 1957. فقرة 21. ص70-71.
8- صاحبُ هذه المحاولة هو الأستاذ الألماني مارتان وولف M.Wolff في كتابه Private international law، op. cit.، p.156.
9- د. هشام علي صادق. تنازع القوانين. مصدر سابق. فقرة 39. ص140.
10- د. حفيظة السيد الحداد. محل التكييف في القانون الدولي الخاص، دراسة تحليلية وانتقادية للاتجاهات الفقهية الحديثة وأحكام القضاء. مجلة الحقوق للبحوث القانونية والاقتصادية. كلية الحقوق. جامعة الإسكندرية. العدد 4. 1991ص125 وما بعدها.
11- في آلية اختيار ضابط الإسناد وضرورة قيام الصلة بين الفكرة المسندة والقانون الواجب التطبيق انظر د. صلاح الدين جمال الدين. القانون الدولي الخاص (الجنسية وتنازع القوانين)، دراسة مقارنة. ط1. دار الفكر الجامعي. الإسكندرية. 2008. ص262-264.
12- يعتبر الفقيه الألماني Raape صاحب الفضل في إبراز هذا الرأي وصياغته على نحو التفصيل. انظر في ذلك وفي عرض الرأي المذكور. د. حفيظة السيد الحداد. محل التكييف في القانون الدولي الخاص. مصدر سابق. ص161 وما بعدها.
13- انظر في هذا المعنى د. سامية راشد. قاعد الإسناد أمام القضاء. مصدر سابق. ص405-406.
14- د. حفيظة السيد الحداد. محل التكييف في القانون الدولي الخاص. المصدر السابق. ص163.
15- د. حفيظة السيد الحداد. محل التكييف في القانون الدولي الخاص. مصدر سابق. ص165.
16- انظر في فكرة توزيع المهام بين قانون القاضي والقانون المختص. د. حفيظة السيد الحداد. المصدر ذاته. ص170 وما بعدها.
17- في علاقة القاعدة القانونية بالنظام القانوني الذي تنتمي إليه انظر عبد الباقي البكري و زهير البشير. المدخل لدراسة القانون. مديرية دار الكتب. جامعة بغداد. 1989. ص27.
18- انظر في ذلك د. احمد عبد الكريم سلامة. علم قاعدة التنازع والاختيار بين الشرائع أصولا ومنهجاً. ط1. مكتبة الجلاء الجديدة. المنصورة. 1996. فقرة 511 وما بعدها. ص568 وما بعدها.
19- في بيان إجمالي للصلات التي تربط ما بين القواعد القانونية في الأنظمة المختلفة د. احمد مسلم. المنطق الواقع في التنظيم الوضعي للروابط الدولية (بحث في أصول القانونين الدولي العام والدولي الخاص. مجلة القانون والاقتصاد للبحث في الشؤون القانونية والاقتصادية. العدد الأول. السنة الحادية والعشرين. 1951. ص97 وما بعدها.
20- د. حفيظة السيد الحداد. محل التكييف في القانون الدولي الخاص. مصدر سابق. ص185 – 186.
21- هذا هو التحليل المعتمد في الفقه العراقي والمصري والفرنسي والانكليزي. انظر في ذلك ، د. ممدوح عبد الكريم حافظ. القانون الدولي الخاص وفق القانونين العراقي والمقارن. ط2. دار الحرية. بغداد. 1977. ص301. د. احمد عبد الكريم سلامة. علم قاعدة التنازع. المصدر السابق. فقرة 715. ص942، د. محمد كمال فهمي. أصول القانون الدولي الخاص. ط2. مؤسسة الثقافة الجامعية. الإسكندرية. 1978. فقرة 425. ص569.
22- د. حفيظة السيد الحداد. محل التكييف في القانون الدولي الخاص. مصدر سابق. ص185-186.
مزج الواقع بالقانون في موضوع الإسناد
بعد عرضنا للاتجاه الفقهي القائل بأن موضوع التكييف هو النصوص القانونية الموضوعية التي ينصب عليها موضوع الإسناد، يتضح أن أنصار الاتجاه المذكور على رغم ادعائهم عدم الاهتمام إلا بالقواعد القانونية، لكن من المؤكد أنهم لا يتوقفون عند أية قاعدة قانونية، وإنما يقتصرون على القواعد القانونية الموجودة في الأنظمة القانونية المعنية بالمسألة محل البحث، تلك القواعد التي تكون قادرةً على استحواذ الوقائع موضوع المناقشة. والتبصر بهذا الأمر يقود إلى ان الاتجاه محل الحديث، وفي نفس اللحظة التي يؤدي فيها إلى تصنيف النصوص الموضوعية وإدراجها في الأفكار المسندة لقانون القاضي، فإنه يؤدي أيضاً إلى أن يُدخل في إطار ذات الأفكار المسندة الوقائع التي تُخضعها تلك النصوص الموضوعية لأحكامها.
أو بمعنى آخر انه يقوم بفحص الوقائع وفقاً للتصورات المتعددة التي تمنحها إياها القوانين المتنوعة المعنية بالأمر. وعلى هذا النحو فقد رأى بعض الفقهاء أن السير في ركاب الإتجاه الذي يجعل من النصوص القانونية موضوعاً للتكييف ينتهي إلى ان يكون موضوع التكييف عبارة عن علاقة قانونية(1)، وهي علاقة ذات طابع افتراضي يتم النظر إليها من خلال الواقع الذي تجسده أو من خلال القواعد القانونية التي تشكلها.
وهذه العلاقة القانونية التي ينصب عليها التكييف، وحيث أنها لا بد أن تكون علاقة ذات طابع أجنبي، فان هذا الطابع عادة ما يثير التساؤل عما إذا كانت الصلة بين العناصر التي يتضمنها عنصر الفرض في القاعدة القانونية وبين العناصر التي يراد تطبيق الجزاء عليها متوافرةً في واقع الحال. وبناءً على ذلك فان العلاقة القانونية الافتراضية التي تشكل موضوع التكييف تكون في حد ذاتها مسألة قانونية(2)، وهذه المسألة القانونية هي التي يتعلق بها موضوع الإسناد. ومن مجمل ذلك يظهر أن الاتجاه القائل بأن موضوع التكييف هو النصوص الموضوعية يرى في ذات الوقت أن موضوع الإسناد إنما يتعلق بمسألة قانونية، وهذه التفرقة المصطنعة بين موضوع الإسناد وموضوع التكييف التي ينتهي إليها هذا الاتجاه بإمكانها تفادي الانتقاد الذي تلقاه الاتجاه المذكور من أن موضوع التكييف، وكذلك موضوع الإسناد، لا يمكن أن ينصب على علاقة قانونية لِما يؤدي إليه ذلك من الحلقة المفرغة(3).
وعلى العموم فان تلك الصعوبات التي واجهت الاتجاهين السابقين في موضوع قواعد الإسناد قد دفعت جانباً من فقه القانون الدولي الخاص إلى القول بأن موضوع هذه القواعد لا يمكن اتخاذه من ميدان القانون، كما لا يمكن القول بأنه ينصب على ميدان الواقع. فقواعد الإسناد لا يمكن ان تستمد موضوعها من الواقع المجرد الذي لا يصلح في حد ذاته لأن يندرج في إطار الفكرة المسندة، كما لا يمكنها أن تنصب على العلاقة القانونية أو النص القانوني، بل ان موضوع هذه القواعد، بحسب هذا الاتجاه، هو المسألة القانونية التي يثيرها النزاع المعروض على القضاء، وهذه المسألة تتكون من المطالبة التي يتقدم بها المدعي إلى القضاء ومن الوقائع التي يتمسك بها من أجل تأييد تلك المطالبة(4)، أو بمعنى آخر هي مجموعة مزاعم وإدعاءات الخصم في الدعوى، والتي لا تخرج عن كونها علاقات واقعية، أو هي وقائع الدعوى التي تثيرها مسألة معينة(5).
فلو عُرض أمام القضاء الفرنسي نزاع يتعلق بزواج أحد اليونانيين لعدم إتمامه أمام الكاهن المختص، فان موضوع قاعدة الإسناد الخاصة بهذا الفرض لا يتعلق بنصوص القانون اليوناني التي تحظر إبرام الزواج ما لم يتم أمام الكاهن المختص، ولا بنصوص القانون الفرنسي التي تبيح الزواج أمام الموثق المدني، كما انه لا يتعلق بالواقع الذي يتحصل في قيام طرفي النزاع بإبرام الزواج أمام الموثق الفرنسي، بل ان موضوع قاعدة الإسناد ينصب على المسألة القانونية التي يثيرها النزاع المذكور والمتجسد في المطالبة ببطلان هذا الزواج الذي يتمسك به المدعي في الدعوى والذي يدعمه بما يثيره من وقائع. وهذه المسألة القانونية التي يثيرها النزاع وتكون موضوعاً لقاعدة الإسناد تشكل في ذات الوقت موضوعاً للتكييف اللازم لإعمال قاعدة الإسناد المعنية بهذه المسألة(6)، حيث ان موضوع التكييف إنما يتعلق بتمحيص الوقائع المعروضة أمام القضاء من أجل تحديد قاعدة الإسناد الواجبة التطبيق عليها، وأن هذا التمحيص يتم في ضوء الآثار القانونية المطلوب ترتيبها على تلك الوقائع. ومن خلال ذلك يتضح لنا وفقاً لهذا الاتجاه أن الموضوع الذي تنصب عليه قواعد الإسناد لا يتكون فقط من الواقعة، لكن يتكون من المسألة التي تندرج هذه الواقعة في إطارها والتي تتحلل إلى محل الإدعاء ومحل المطالبة. وهذه المسألة المتكونة من الادعاء والمطالبة ليست إلا عملاً فردياً يُنشؤهُ الخصم بادعائه المرفوع أمام القضاء، إلا أنها تُبنى على أساس هيكل يتشابه مع هيكل القاعدة القانونية(7).
بمعنى آخر أن المسألة موضوع قواعد الإسناد بصفتها عملاً فردياً فإنها تتميز عن العلاقات التي يفرضها النظام القانوني عندما يوقف ترتيب الآثار القانونية المنصوص عليها في عنصر الحكم في القاعدة القانونية على حدوث أمور معينة منصوص عليها في عنصر الفرض، ولكن مع ذلك فان هذا العمل الفردي لا بد ان يكون مطابقاً لنموذج القاعدة القانونية لكي يحصل على تصديق النظام القانوني له ويتحول بعد ذلك إلى علاقة قانونية.
وبناءً على ذلك فان المسألة القانونية موضوع الإسناد تنفصل عن الواقع الخالص لتتخذ مكاناً لها في مواجهة القاعدة القانونية، فهذه المسألة تتطابق من جهة مع القاعدة القانونية من حيث انها تُجري تقديراً لعلاقات الواقع، وهي من جهة أخرى تفترق عنها على اعتبار أن المسألة موضوع الإسناد لا تعدو أن تكون مجرد عمل فردي(8).
وهذه الفعالية التي يتسم بها موضوع قواعد الإسناد تظهر لنا من خلال قدرة هذا الاتجاه على تفادي الانتقادات التي وجهها الفقه للاتجاهين السابقين، وهو الأمر الذي يتجلى من نواحٍ متعددة.
فمن ناحية أولى لا تكون هناك قيمة للانتقاد الموجه للرأي الذي يحدد موضوع قواعد الإسناد في مجال الواقع، والقائل بأن هذا الرأي يقود إلى إغفال القانون الأجنبي المختص أو استحالة الوصول إلى حل للمسألة المعروضة بسبب عدم التطابق بين عناصر الواقع المجرد الذي تنظمه النصوص الداخلية في قانون القاضي وبين عناصر الواقع المجرد الذي تنظمه نصوص القانون المختص، كما لا محل أيضاً لما اُخِذ على هذا الرأي من انه يؤدي إلى عدم التطابق بين القانون المختص وبين الفكرة المسندة في قاعدة الإسناد التي أشارت باختصاص ذلك القانون(9).
فقواعد الإسناد حيث تشير باختصاص قانون أجنبي لحكم المسألة القانونية التي يثيرها النزاع ذات الطابع الدولي، فان ذلك يتم دون الالتفات إلى الصلات المنهجية التي ترتبط بها النصوص الداخلية في ذلك القانون. وعلاوة على ذلك فان قاعدة الإسناد عندما تقوم بإخضاع المسألة القانونية للقانون الأجنبي فإن دورها ينحصر في الاعتراف بما يقرره القانون المختص بشأن تلك المسألة دون الاهتمام بالفكرة المسندة في النظام القانوني للقاضي التي يكون ذلك النص داخلاً في إطارها(10)، لذا فلا مانع من تطبيق نصٍّ قانوني بوصفه مندرجاً في إطار الفكرة المسندة الخاصة بآثار الزواج مثلاً على الرغم من انه ينتمي إلى الطائفة المتعلقة بالنظام المالي للزوجين.
من ناحية ثانية، وفي ظل الاتجاه محل البحث، فانه لا مجال للأخذ بالتفرقة المصطنعة بين موضوع الإسناد وبين موضوع التكييف اللازم لإعمال قاعدة الإسناد، والتي ينتهي إليها الاتجاه القائل بان موضوع التكييف هو القواعد القانونية(11). فالقانون الأجنبي المختص، في ظل هذا الاتجاه، إنما يتم تعيينه بناءً على تكييف المسألة القانونية التي سوف تخضع لحكم هذا القانون، أي ان المسألة محل البحث يتم تكييفها ووضعها تحت تقدير القانون الذي يعينه ضابط الإسناد المعمول به في الفكرة المسندة التي تندرج هذه المسألة في إطارها، لذلك فان هناك تطابق واتحاد في موضوع الإسناد وموضوع التكييف.
ومن ناحية أخيرة، فان المسألة القانونية موضوع قاعدة الإسناد تتخذ في مواجهة نظام تنازع القوانين في قانون القاضي شكلاً ثابتاً هو ذلك الشكل الذي صاغها فيه صاحبها أياً كانت هذه الصياغة، وان تكييف هذه المسألة القانونية يتم دون تدخل أو إدماج أي نص موضوعي في القانون الأجنبي الواجب التطبيق على وجه الخصوص(12)، لذلك فان التأثير الذي يمكن أن يمارسه النظام القانوني الذي ينتمي إليه هذا النص على تحديد نطاق امتداد الأفكار المسندة في قانون القاضي قد تم تحاشيه، وبالتالي يختفي أيّ احتمال لتعدد قواعد الإسناد الواجبة الإعمال في قانون القاضي أو انعدامها، وهو الاحتمال القائم في ظل الاتجاه نحو اتخاذ القواعد القانونية الموضوعية موضوعاً لقواعد الإسناد.
____________________
1-B.Ancel، Les conflits de qualifications al’epreuve de la donation entre epoux، Dalloz، Paris، 1977، p.221 أشارت إليه د. حفيظة السيد الحداد.هامش 214. ص256.
2- د. احمد عبد الكريم سلامة. علم قاعدة التنازع والاختيار بين الشرائع أصولا ومنهجاً. ط1. مكتبة الجلاء الجديدة. المنصورة. 1996. فقرة 343. ص372-373.
3- انظر في ذلك د. هشام علي صادق. دروس في القانون الدولي الخاص. دار المطبوعات الجامعية. الإسكندرية. 2004. ص70-71، د. سامية راشد. قاعدة الإسناد أمام القضاء، بحث في القانون الدولي الخاص المصري والمقارن. مجلة العلوم القانونية والاقتصادية. كلية الحقوق. جامعة عين شمس. العدد الثاني. السنة الرابعة عشر. 1972ص412.
4- من الفقه المؤيد لهذا الاتجاه في مصر د. إبراهيم أحمد إبراهيم. القانون الدولي الخاص (تنازع القوانين). من دون نشر. 1997. ص156-157، د. عز الدين عبد الله. القانون الدولي الخاص. الجزء الثاني (في تنازع القوانين وتنازع الاختصاص القضائي الدوليين). ط7. دار النهضة العربية. القاهرة. 1972. فقرة 74 مكررة. ص168.
5- د احمد عبد الكريم سلامة. علم قاعدة التنازع والاختيار بين الشرائع أصولا ومنهجاً. ط1. مكتبة الجلاء الجديدة. المنصورة. 1996. فقرة 343. ص373.
6- د. حفيظة السيد الحداد. محل التكييف في القانون الدولي الخاص. مصدر سابق. ص94.
7- أي مع ما تحتويه القاعدة القانونية من عنصري الفرض والحكم. انظر في هذا المعنى د. إبراهيم أحمد إبراهيم. مصدر سابق. ص156-157.
8- قريب من ذلك د. حفيظة السيد الحداد. الموجز في القانون الدولي الخاص. الكتاب الأول (المبادئ العامة في تنازع القوانين). ط1. منشورات الحلبي الحقوقية. بيروت. 2005. ص106-107.
9- د. . حفيظة السيد الحداد. محل التكييف في القانون الدولي الخاص، دراسة تحليلية وانتقادية للاتجاهات الفقهية الحديثة وأحكام القضاء. مجلة الحقوق للبحوث القانونية والاقتصادية. كلية الحقوق. جامعة الإسكندرية. العدد 4. 1991. ص297 وما بعدها.
10- انظر في ذلك د. سامي بديع منصور. الوسيط في القانون الدولي الخاص (تقنية وحلول النزاعات الدولية الخاصة). ط1. دار العلوم العربية. بيروت. 1994. فقرة 116 وما بعدها. ص173 وما بعدها.
11- د. حفيظة السيد الحداد. محل التكييف في القانون الدولي الخاص. مصدر سابق. ص294.
12- د. حفيظة السيد الحداد. المصدر ذاته. ص295-296.
اترك تعليقاً