إعادة نشر بواسطة محاماة نت
عرفت الكثير من العائلات السورية حالات فقدان أحد أفرادها سواء في المعارك ضد الإرهاب أو جراء الخطف أو غيرها من العمليات التي تقوم بها التنظيمات الإرهابية فلم تستطع معرفة مصيرهم وبيان حياتهم أم موتهم مما خلق الكثير من المعاناة والمشاكل وتعطل مصالح الكثير منهم. فما هو موقف القانون السوري إزاء هذه الحالات وكيف عالجها؟
المفقود لدى عامة الفقهاء هو الغائب عن بيته أو زوجته غيبة منقطعة لا يعلم له فيها مكان ولا يعلم أحيٌ هو أم ميتٌ فإذا عُلمت حياته ومكانه أو علمت حياته دون مكانه فهو غائب وليس بمفقود وهما مختلفان في الحكم. وقد أدخل قانون الأحوال الشخصية السوري في تعريف المفقود الغائب في بعض أحواله وسوى بينهما في بعض الأحكام فقد جاء في المادة /202/ منه: “المفقود هو كل شخص لا تعرف حياته أو مماته أو تكون حياته محققة ولكنه لا يعرف له مكان”، كما جاء في المادة /203/ من ذات القانون إلحاق حالات أخرى من الغيبة بالفقد ونصها: “يعتبر كالمفقود الغائب الذي منعته ظروف قاهرة من الرجوع إلى مقامه أو إدارة شؤونه بنفسه أو بوكيل عنه مدة أكثر من سنة وتعطلت بذلك مصالحه أو مصالح غيره”. هذا وقد عد قانون الأحوال الشخصية السوري من الغائب زيادة على ما تقدم من حُكم بالسجن أكثر من ثلاث سنوات وذلك عملاً بالمادة 109 منه. ونبين فيما يلي الآثار المترتبة على الفقدان والغيبة:
أولاً- تاريخ الحكم بوفاة المفقود:
إذا شهد شاهدان عدل بوفاة المفقود والغائب أثناء غيبتهما حكم بوفاتهما بالشهادة بالاتفاق فإذا لم يشهد أحد بذلك فقد اختلف الفقهاء في التاريخ الذي يجوز أن يحكم فيه بوفاتهما مع اتفاقهم على بقائهما حيين في الحكم حتى صدور حكم قضائي مبرم بوفاتهما.
فذهب أبو حنيفة والشافعي في الجديد وأحمد بن حنبل إلى أن المفقود يبقى حياً في الحكم في حق تركته وزوجته حتى ينقرض أقرانه وهم من كان في سنه من أبناء حيه وقريته هذا إذا كانت غيبته في حال يُظن فيها السلامة كأن غاب في تجارة أو طلب العلم، أما إذا كانت غيبته الغالب فيها الهلاك كأن يُفقد بين صفي القتال أو خرج لقضاء حاجته في السوق ولم يرجع فقد ذهب أحمد في الظاهر من مذهبه إلى أن زوجته تتربص أربع سنين ثم يحكم لها بوفاته إن طلبت ذلك فتعتد عندئذ عدة الوفاة ثم تحل للأزواج وهو قول عمر وعثمان وعلي والحسن والزهري وقتادة والليث وهو مذهب الشافعي القديم. وذهب الحنفية والشافعي في الجديد إلى أنها لا تتزوج حتى يتبين موته أو فراقه لها مطلقاً مهما طالت غيبته وفقده دون تحديد بمدة معينة وهو حي في الحكم باستصحاب الحال ما لم يثبت وفاته بالبينة أو بموت أقرانه وحُكم القاضي بذلك. وللمالكية تقسيم خاص بهم في زوجة المفقود وهو أن المفقود إما أن يفقد في حالة الحرب أو السلم وذلك في دار الإسلام أو في دار الشرك وقد يكون فقده في قتال طائفتين من المسلمين أو بين طائفتين الأولى مسلمة والأخرى مشركة ولكل من هذه الحالات أحكامها الخاصة بها.
أما قانون الأحوال الشخصية فقد نص في المادة /205/ منه على أن: “الفقد ينتهي بعودة المفقود أو موته أو اعتباره ميتاً عند بلوغه الثمانين من العمر هذا إذا لم يكن فقده بسبب عمليات حربية فإذا كان بسبب عمليات حربية أو حالات مماثلة لها مما يغلب معه الهلاك فإنه يجوز الحكم بموته بعد مرور أربع سنوات من تاريخ فقده” وبذلك يكون القانون أخذ بمذهب الحنفية في الأحوال التي تغلب فيها السلامة وبمذهب الحنابلة في الأحوال التي يغلب فيها الهلاك.
آثار الحكم بوفاة المفقود:
للحكم بوفاة المفقود آثار شرعية على زوجته إن كان له زوجة وأموال وهي على الوجه الآتي:
1ـ آثاره على الزوجة:
إذا حُكم بوفاة المفقود بعد بلوغه سن الثمانين أو بعد أربع سنوات على غيبته بحسب التفصيل المتقدم في القانون اعتدت زوجته بعدة الوفاة وهي أربع أشهر وعشرة أيام وإذا كانت حاملاً بوضع الحمل، فإذا أنقضت عدتها حلت للأزواج بعد ذلك. وإذا عاد المفقود حياً بعد الحكم بوفاته أو ثبت بالبينة أنه كان حياً عند الحكم بوفاته انفسخ الحكم بالوفاة سواء أكانت زوجته في العدة أم كانت عدتها قد انقضت هذا ما لم تكن قد تزوجت بعد عدتها من زوج آخر ودخل بها وإلا فأنها للثاني فإذا تزوجت من آخر ولم يدخل بها بعد انتقض زواجها وعادت إلى زوجها الأول وكذلك إذا تزوجها في العدة أو تزوجها بعد العدة وهو يعلم بحياة الزوج الأول فإنها للأول لبطلان العقد الثاني وهذا مذهب جماهير الفقهاء. أما القانون السوري فلم ينص على شيء من ذلك ولهذا وجب تطبيق نص المادة /305/ منه بالرجوع إلى الراجح من مذهب الحنفية.
2ـ آثاره على التركة:
إذا حُكم بوفاة المفقود على الوجه المتقدم عُدّ ميتاً في حق ماله ويوزع ماله على ورثته الموجودين حين الحكم بوفاته أما من مات منهم قبل ذلك فلا يرث لعدم تيقن وفاة المفقود قبل ذلك.
ثانياً- تاريخ الحكم بوفاة الغائب:
اتفق الفقهاء جميعاً على عدم جواز الحكم بوفاة الغائب ما لم يكن مفقوداً، وقد مشى على ذلك قانون الأحوال الشخصية أيضاً ولهذا لا توزع تركته على ورثته مطلقاً حتى يُثبت موته أو يعد مفقوداً فتطبق عليه عندئذ أحكام المفقود، أما زوجته فتبقى على عصمته حتى يموت أو يُفقد ويحكم بموته بعد ذلك. إلا أن بعض الفقهاء أجازوا لها طلب التفريق في بعض الأحوال لما يلحقها من ضرر من بُعده عنها دون الحكم بوفاته، وفقهاء آخرون لم يجيزوا لها طلب التفريق مطلقاً، فذهب الحنفية والشافعية إلى عدم جواز التفريق بين الزوج وزوجته لغيبته مطلقاً وذهب المالكية والحنابلة إلى جواز التفريق بينهما إذا طلبت الزوجة ذلك بشروط اتفقوا في بعضها واختلفوا في بعضها الآخر.
أما قانون الأحوال الشخصية فقد ذهب في المادة /109/ منه إلى جواز التفريق بين الغائب وزوجته بعد مرور سنة من غيبته بشرط أن يكون غيابه بلا عذر مقبول فإذا كان بعذر مقبول لم يجز لها طلب التفريق، ومعنى ذلك أن القانون أخذ بمذهب الحنبلية في عدم التفريق إلا إذا كان الغياب بغير عذر، وأخذ بمذهب المالكية في تحديد الغياب بسنة على الأقل. وقد ألحق القانون بالغائب السجين بشرط أن يكون الحكم بالسجن لمدة ثلاث سنوات فأكثر فإذا كان الحكم بسنتين مثلاً لم يجز لها طلب التفريق بسببه مطلقاً.
وختاماً، لا بد من الإشارة إلى أن القانون عد التفريق للغيبة طلاقاً رجعياً وهو مخالف لما جاء في المذهبين المالكي والحنبلي مصدري القانون في هذا النوع من التفرقة.
اترك تعليقاً