جــرائم اقتصــادية يحاربها الإسلام منذ 15 قرناً
القسم : نصائح شرعية
ضرورة اختيار القيادات في المواقع الاقتصادية على أساس القيم والكفاءة، ودون التأثر بالعواطف والنوازع الشخصية والضغوط الوظيفية وغيرها، مشيرا إلى انه إذا صلح القلب صلح سائر الجسد، وإذا فسدت الرأس فسد كل شيء.
وأكد على ضرورة تنمية الضمير لدى الأفراد لمنع الوقوع في جرائم الفساد الاقتصادي، وذلك من خلال التربية الروحية والخلقية والسلوكية. وقال لا بد من تحرير أجهزة الرقابة من القيود والضغوط لتؤدي دورها في إطار من الحق والعدل والمساواة ونصرة المظلوم والأخذ على يد الظالم المعتدي. وأوضح أن الإسلام بتعاليمه السامية وقيمه الفاضلة سبق إلى وضع قواعد للوقاية من جرائم الفساد الاقتصادي وحماية المجتمع من مخاطرها وآثارها.
وحذر من العديد من صور الفساد الاقتصادي التي تغزو عددا من المجتمعات الإسلامية في الوقت الحالي ومنها الاختلاس، وخيانة الأمانة، عدم الوفاء بالعهود، والإهمال والتقصير والتهرب من حقوق المجتمع.
يقول الدكتور حسين شحاتة في حوار أجرته معه “المستثمرون” : لقد حذّرنا الله عز وجل من الفساد فقال: جل من قائل “ولا تعثوا في الأرض مفسدين”.
ولقد تناول الفقهاء قضية الفساد في أكثر من باب من أبواب الفقه، ولاسيما في باب العقوبات.. ويرى علماء الأمة أن تطبيقها يحقق صلاحاً للمجتمع، وأن التهاون في ذلك يؤدي إلى الفساد بكل صوره وهذا هو واقعنا.
مقاصد الشريعة
ويتناول د. حسين شحاتة مدلول الفساد الاقتصادي في الفكر الإسلامي قائلاً: الفساد في اللغة يعني مخالفة المصلحة وهو نقيض الإصلاح، ويقال تفاسد القوم: أي تدابروا وقطّعوا الأرحام، والمفسدة خلاف المصلحة، والشيء الفاسد هو الذي انتفت منفعته المشروعة?
ومعنى الفساد في القرآن: ضياع المصالح بسبب مخالفة أوامر الله عز وجل، فقد ورد في تفسير قوله تبارك وتعالى: “ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ”.
وخلاصة القول إن معنى الفساد في الفكر الإسلامي يعني ضياع مقاصد الشريعة الإسلامية، وهي حفظ النفس والدين والعقل والعرض والمال، بسبب مخالفة ما نهى الله عنه ورسوله، وأجمع على ذلك الفقهاء.وقد وضعت الشريعة الإسلامية عقوبات ضد مرتكبي الجرائم التي تسبب اعتداء على النفس والدين والعقل والعرض والمال وذلك لحماية الأفراد والمجتمع والنظام العام.
والجريمة في نظر الإسلام هي كل محظور شرعي زجر الله عنه بحد أو تعزير، ويكون ذلك بإتيان عمل منهي عنه أو ترك فعل مأمور به، فالأصل أن ندعو إلى الخير ونأمر بالمعروف وننهى عن المنكر.
ويتوقف أمام نماذج من الجرائم التي تسبّب الفساد الاقتصادي في الفكر الإسلامي، مؤكداً أن الشريعة الإسلامية حرمت بعض المعاملات المالية والاقتصادية لأنها تسبب الفساد الاقتصادي وتحدث ضرراً بالناس والمجتمع.. ومنها:
—
جريمة السرقة
ويقصد بجريمة السرقة أخذ مال الغير على وجه الخفية دون وجه حق.. وهي محرمة لأنها تمثّل إحدى صور أكل أموال الناس بالباطل، ودليل ذلك من القرآن الكريم قول الله تبارك وتعالى: “وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ”.. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده”.
وحد السرقة في الشريعة الإسلامية قطع اليد، وطبّق ذلك على المخزومية. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسامة: “يا أسامة لا أراك تتكلم في حد من حدود الله”، ثم قام وقال: “إنما أهلك من كان قبلكم إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه، والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعتُ يدها”، رواه أحمد وأبو داود والنسائي.
ولا تنفع السارق توبته، إلا أن يرد ما سرقه فإن كان مفلساً تحلل من صاحب المال.. وتطبيق حد السرقة فيه حماية للنفس والمال والمجتمع، وعندما طبق هذا الحد في صدر الدولة الإسلامية انخفضت نسبة السرقات وزاد الخير وعمت البركة واستقرت المعاملات الاقتصادية.
وتنتشر السرقة المباشرة وغير المباشرة في المعاملات الاقتصادية في هذه الأزمنة بصورة خطيرة لكن للأسف يفلت الشريف من العقوبة الضعيفة، ويعاقب الضعيف الفقير بالسجن لسنوات معدودات وهذا ما أدى إلى زيادة انتشارها، ولاسيما في مجال الأعمال المالية والاقتصادية والفكرية، كما تسبب السرقة خللاً في النظام الاقتصادي.
وعقوبة السرقة في الشريعة الإسلامية قطع اليد، فإذا سرق السارق في المرة الأولى قطعت يده اليمنى فإذا عاد إلى السرقة مرة أخرى قطعت رجله اليسرى، وهكذا.
ويقصد بالاختلاس استيلاء العاملين والموظفين ومَنْ في حكمهم في مكان عملهم على ما في أيديهم من أموال ونحوها، سواء أكانت نقدية أم عينية دون سند شرعي وهو صورة من صور السرقة التي ينطبق عليها حكم أكل أموال الناس بالباطل.
ولقد انتشر الاختلاس بصورة بارزة في المؤسسات والمصالح الحكومية ومشروعات وشركات القطاع العام والخاص ولاسيما في المنقول مثل البضاعة وقطع الغيار والخامات والنقدية وغير ذلك في العديد من الدول.
كما انه موجود كذلك في الجمعيات والنوادي والهيئات وما في حكم ذلك.. ويسبب الاختلاس ضياعاً للمال وخللاً في استقرار المجتمع وفساداً في المعاملات الاقتصادية، ويطبق على المختلس حد السرقة، أو العقوبة بالتعزير إذا لم تتوافر كل أركان إقامة حد قطع اليد على النحو الوارد في كتب الفقه تفصيلاً.
خيانة الأمانة
ويقصد بخيانة الأمانة في مجال المعاملات الاقتصادية استيلاء العاملين والموظفين ومن في حكمهم في أماكن عملهم على الأمانات والعهد المسلمة إليهم بحكم مناصبهم في العمل أو المشاركة أو المساعدة في ذلك.
ولقد نهى الشرع عن ذلك وأمر برد الأمانة إلى أصحابها وأصل ذلك من الكتاب قول الله تبارك وتعالى: “فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ”.
وقد حذّرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخيانة فقال: “إياكم والخيانة فإنها بئست البطانة”، وتعتبر خيانة الأمانة من صفات المنافقين التي أشار إليها الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث: “وإذا ائتمن خان وإذا عاهد غدر”.
ومن صور خيانة الأمانة المنتشرة في المعاملات الاقتصادية وغير الاقتصادية في الوقت المعاصر ما يلي:
ـ تعيين العمال ممن هم دون الكفاءة أو يفتقدون القيم والأخلاق والخبرة بسبب المحسوبية والمجاملة، ويوجد من هم أتقى وأكفأ منهم فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: من استعمل رجلاً من عصابة وفيهم من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين.
ـ استخدام العمال للأشياء الموجودة في المكان الذي يعملون فيه لأغراض شخصية مثال ذلك استخدام سيارات المصلحة أو الهيئة أو الشركة لتنقلاتهم وتنقلات أسرهم واستخدام وسائل الاتصال لأغراض شخصية.. واستخدام مطبوعات وأدوات وأجهزة العمل لأغراض شخصية.
ـ المجاملة في ترسية العطاءات والمناقصات عمداً على شخص بعينه، ويوجد من بين المتقدمين من قدم عرضاً أفضل من عرضه.
ـ الحصول على عمولة من المشتري أو من المورد أو من في حكمهم نظير تسهيل بعض الأمور لهم دون علم المالك فهذه من قبيل الرشوة المحرمة شرعاً ويطبق عليها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهما”.
ـ شهادة الزور شفاهة أو كتابة لتسهيل حصول فرد على أموال ليست من حقه ففي ذلك خيانة للأمانة، ومثال ذلك الشهادة زوراً بأن العامل كفء لترقيته، وهو ليس كذلك، أو الشهادة بأن العميل غني ومنتظم في الأداء للحصول على تسهيلات وهو ليس كذلك، أو التزوير في البيانات والمعلومات للحصول على ما ليس من حقه، ولقد نهى الله سبحانه وتعالى عن شهادة الزور .
ـ عدم الاستخدام الرشيد للأموال المتاحة للإنتاج ونحوه، ومثال ذلك من يترك آلة الإنتاج عاطلة دون إصلاح أو من يترك الخامات حتى تفسد أو من يتسبب في الغرامات والتعويضات.. كل هذا يدخل في نطاق خيانة الأمانة بسبب إضاعة المال. ولقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: إن الله كره لكم إضاعة المال.
وعقوبة خيانة الأمانة في التشريع الإسلامي إقامة الحد إذا كُيّفت على أنها سرقة أو التعزير إذا لم تتوافر شروط إقامة الحد، والتعزير معناه التأديب.
فقد جرت الشريعة الإسلامية على عدم تحديد عقوبة لكل جريمة واكتفت بتقرير مجموعة من العقوبات لهذه الجرائم، وتركت للقاضي أن يختار العقوبة أو العقوبات في كل جريمة بما يناسب ظروف الجريمة وظروف المجرم.
جريمة نقض العهود
ويقصد بجريمة نقض العهود في مجال المعاملات المالية أن يقوم المتعاقدون سواء أكانوا موردين أم مقاولين أم عاملين بعدم الوفاء بما اتفقوا عليه، وتعاقدوا على تنفيذه والمماطلة والمغالطة في أداء الحقوق، ويترتب على ذلك ضرر، وهو منهي عنه شرعاً.
ومن صور عدم الوفاء بالعهود في مجال المعاملات الاقتصادية، عدم الانضباط والالتزام بساعات العمل، والتمارض والحصول على إجازات دون حق، وعدم الالتزام بتنفيذ العقود في مواعيدها، والتحايل على النظم واللوائح، والمماطلة في سداد الديون والحقوق.
ويترتب على عدم الوفاء بالعهود والعقود، فساد في المعاملات واعتداء على الأموال، وهذا منتشر بصورة ملحوظة في الدواوين الحكومية والمشروعات والشركات العامة والخاصة ويسبب خسارة وأضراراً بالمجتمع.. وعقوبة نقض العهود هي التعزيز حسبما يراه القاضي حسب الأحوال.
الإسراف والتبذير
ويقصد بجريمة الإسراف والتبذير سوء استخدام الأموال النقدية والعينية وما في حكم ذلك مما يترتب عليه إتلاف الشيء أو وسيلة العمل، وهذا يعد اعتداء على المال فإذا كان دون قصد فمعفي عنه وإذا كان بعمد وقصد وتعد فهذا محرم، وما ينتج عن ذلك من ضياعها بالتلف أو الإسراف من أفعال خيانة الأمانة.
وتنتشر جريمة إتلاف الأموال وضياعها عندما يحين موعد الجرد في الشركات والمصالح لتضييع معالم السرقات والاختلاسات ومن الصور الأكثر شيوعاً إشعال الحرائق في المخازن أو إغراقها بالماء أو إتلاف المستندات أو إخفاؤها.
وعقوبة إتلاف المال بالإسراف والتبذير وضياع الحدود والتعزيرات حسبما يراه القاضي الشرعي، فبعضها يدخل نطاق حد السرقة وحد الحرابة، ومنها ما يقع في نطاق التعزير حسب الأحوال.
جريمة الإهمال والتعدي
ويقصد بجريمة الإهمال والتعدي التقصير والإهمال في أداء العمل ما يترتب عليه إنتاج سلعة رديئة أو تقديم خدمة سيئة، وهذا يرجع إلى أحد أمرين: نقص الخبرة والكفاءة الفنية والإمكانات أو الإهمال والتعدي، وكلاهما يعتبر اعتداءً على المال، ويقود إلى الضياع والخسارة.
وهذا منهي عنه شرعاً، فقد أمر الله عز وجل بإحسان العمل في قوله عز وجل: “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً”.. وحث الرسول صلى الله عليه وسلم على إتقان العمل فقال: “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه”.
ويسبّب الإهمال والتقصير والتعدي خللاً في المعاملات الاقتصادية، وفقد الثقة بين المتعاملين، كما يسبب خسائر وتلفيات وضياعاً في الأموال وهلاكاً في الأنفس.. وعقوبة الإهمال والتقصير والتعدي في الشريعة الإسلامية تتراوح بين إقامة الحد أو التعزير حسب الأحوال.
التهرب من حقوق المجتمع
تعطي الشريعة الإسلامية في بعض الأحيان للدولة الحق في فرض بعض الحقوق على أموال الأفراد مثل الرسوم والضرائب العادلة التي تؤخذ بالعدل والحق، ويعتبر التهرّب من أداء هذه الحقوق جريمة يعاقب عليها المتهرب.
ولقد أجاز فريق من الفقهاء لولي الأمر أن يوظّف على أموال الأغنياء ضرائب بضوابط شرعية للإنفاق منها على الخدمات العامة: مثل الأمن والتعليم والعلاج والإنارة وتوفير المياه وتشغيل العاطلين وما في حكم ذلك وبدونها يصعب أداء تلك الخدمات وإذا أخذت هذه الضرائب بالحق والعدل كانت مشروعة، ومن يتهرّب منها في هذه الحالة يعتبر آثماً في حق المجتمع.. مما يجب التأكيد عليه في هذا المقام ما يلي:
ـ لا يجوز التهرّب من الضرائب والجمارك ونحوهما المنضبطة بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية بحجة أن جزءاً من الحصيلة ينفق في الباطل وفي غير صالح المسلمين، فهذه مسؤولية ولي الأمر التي يسأل عنها أمام الله سبحانه وتعالى.
ـ لا يجوز للدولة أن تكون ظالمة في جباية الضرائب أو الرسوم الجمركية وما في حكم ذلك، لأن ذلك يعتبر اعتداءً على حقوق الأفراد دون مبرر شرعي فالضريبة الظالمة تعتبر من المكوس التي نهى عنها الشرع.
ـ ألا يكون في فرض الضرائب والرسوم الجمركية وما في حكم ذلك مخالفة لأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية ومقاصدها السابق بيانها، وهي حفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال.. وأن تكون المصالح المرسلة مشروعة ومنضبطة بشرع الله عز وجل كذلك.
ـ من حق المسلم الدفاع عن ماله بالسّبل المشروعة إذا فُرضت عليه ضريبة ظالمة أو كان العامل على الضرائب ظالماً ويدخل ذلك في نطاق الدفاع عن المال بالحق فمن قُتل دون ماله فهو شهيد.
ـ تقع على ولي الأمر مسؤولية التزام العاملين على أمور الضرائب والرسوم الجمركية وما في حكمها بالضوابط الشرعية وبالنظم والقوانين والتعليمات المتعلّقة بالضرائب دون تعدٍ وأن تسد جميع الثغرات التي تؤدي إلى ضياع حقوق الدولة أو أخذ أموال الأفراد دون حق، وهذا يدخل في نطاق المسؤولية فالإمام راع ومسؤول عن رعيته.
اترك تعليقاً