شرط مارتينز في القانون الدولي الانساني
ايات محمد سعود
الحوار المتمدن-العدد: 5810 – 2018 / 3 / 9 – 22:12
المحور: دراسات وابحاث قانونية
ظهر شرط مارتينز لإول مرة من خلال الرأي الذي أدلى به فيورد فيورج مارتينز مندوب قيصر روسيا (نيكولاس الثاني) في مؤتمر السلام لسنة 1899 والذي عد وقتها أقوى الحيل الدبلوماسية التي استخدمت في المفاوضات الدولية حول الوضع القانوني للمدنيين( ) ، وذلك بعد أن فشل المندوبون في الإتفاق على مسألة مركز المدنيين الذين يشهرون السلاح بوجه قوات الإحتلال إذ كانت الدول الكبرى ترى طالما أنه لا توجد قواعد قانونية تحكم وضعهم فيجب أن يعامل هولاء على إنهم جنوداً غير نظاميين ويخضعون لعقوبة الإعدام، في حين رأت الدول الصغيرة إنه يجب أن يتم معاملتهم بوصفهم مقاتلين نظاميين ويخضعون لقوانيين الحرب ( ) ، ونتيجة لذلك الخلاف قام مارتينز بطرح رأيه هذا بقوله ” إنه في الحالات غير المشمولة بالأحكام يبقى المدنيون في حماية وسلطان مبادئ قانون الأمم التي استقر عليها الحال بين الشعوب المتمدنة وقوانين الإنسانية ومقتضيات الضمير العام” ( )، ولقد لقي هذا الشرط صدى كبير في الأوساط الدولية حيث تباينت التفسيرات التي قيلت بصدد مفهومه إذ حاول المتخصصون في القانون الدولي الإنساني إعطاءه تفسيرات متباينة تباينت بين تفسير ضيق وواسع وأكثر اتساعاً:
فالتفسير الضيق: يؤكد على أن القانون الدولي العرفي يبقى مطبقاً حتى بعد اعتماد قاعدة تعاهدية،
أما التفسير الواسع : فيقضي بأنه لما كانت المعاهدات الدولية المنظمة لقانون النزاعات المسلحة غير كاملة، فأن كل ما لا يكون محظور صراحة بموجب معاهدة معينة لا يكون مع ذلك مسموحا به، أما التفسير الأوسع نطاقاً: لشرط مارتينز فيقضي بأن سلوك الدول أثناء النزاعات المسلحة لا يحكم عليها وفقا للمعاهدات والأعراف الدولية فقط، وإنما أيضاً وفقا لمبادئ القانون العامة التي يشير إليها شرط مارتينز . ( )
في الحقيقية إن تفسير مبدأ مارتينز تفسيراً واسعاً سيكشف إن الغرض منه هو ليس تنظيم وضع السكان المدنيين أثناء النزاعات المسلحة حصراً وإنما هدفه تغطية الحالات التى لا يغطيها القانون الدولي الإنساني الاتفاقي والعرفي ويمكن إثبات ذلك بالرجوع الى حيثيات مؤتمر السلام المعقود في مدينة لاهاي الهولندية لسنة 1899 فلم يشير مارتينز في عبارته الى حصر نطاق تطبيق مبدئه على موضوع السكان المدنيين في الإراضي المحتلة وانما حاول أن يسد الثغرة التي اعترت القانون الدولي الانساني في هذا المجال ( ) من خلال تسليط الضوء على العادات الراسخة بين الشعوب والقوانين الإنسانية ومقتضيات الضمير العام ، لذلك ذهب البعض الى تسمية شرط مارتينز بالمبدأ ” البديل أو الاحتياطي ” باعتباره مبدأً احتياطياً يطبق عند عدم وجود نص قانوني صريح يحمي الاشخاص المعنيين بالحماية ( )، كما ذهب الدكتور هانز بيتر غارسر الى تسميته بالشبكة القانونية الآمنة (Legal Safety -Net) كونه قد جاء ليصحح العيوب ويسد الثغرات القانونية التي تعتلي الاتفاقيات الدولية عند تنظيمها أستخدام سلاحاً ما بالحظر أو التقيد( ) .
وفقاً لما تقدم نجد أن شرط مارتينز قد قلب الافتراض التقليدي للقانون الدولي إذ لا يمكن أن نقول في القانون الإنساني إن ما لم يحظر صراحة في المعاهدات أو العرف يكون مباحاً لأن مبدأ الإنسانية وما يمليه الضمير العام يمثلان عوامل تقييدية قانونية ولاشك أن هذه العوامل هي التي منعت الدول في الواقع من استخدام الأسلحة التي لا تنظمها الاتفاقيات الدولية.
أخيراً لا بد من أن نشير إلى أن شرط مارتينز يسري على جميع اطراف النزاع سواء كانت طرفاً في الاتفاقيات التي تضمنها الشرط أم ليست كذلك وهذا يرجع الى الطبيعة العرفية والإنسانية، لهذا الشرط فالقانون الدولي الإنساني حسب ماذهبت اليه اللجنة الدولية للصليب الاحمر هو حجر الزاوية ضد الوحشية والرعب اللذان يمكن أن يحدثا خلال الحرب بكل سهولة وإنه يطبق على جميع أطراف النزاع في كل الاوقات وبصورة متساوية( )، كما انه ينطبق على النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية وهذا مايفهم من ديباجة البرتوكول الاضافي الثاني لسنة 1977 بالنص على ” وإذ تذكر أنه في الحالات التي لا تشملها القوانين السارية يظل شخص الإنسان في حمى المبادئ الإنسانية وبما يمليه الضمير العام.
العناصر التي يتضمنها مبدأ مارتينز
يتضمن مبدأ مارتينز ثلاث ركائز قانونية يرجع أصلها الى مصادر قانونية مختلفة ويمكن تحديد هذه العناصر من خلال الرجوع الى تعريف المبدأ وفق المواد القانونية الاتفاقية التي تناولته بالذكر كالمادة 1 ف 2 من البروتوكول الإضافي الأول لسنة 1977 والملحق باتفاقيات جنيف الاربع لسنة 1949 اذ نصت على إنه: “ في حالة عدم وجود قاعدة معينة في القانون التعاهدي يضل المحاربون في حمى وسلطة القانون العرفي ومبادئ الإنسانية وما يمليه الضمير العام” ، وعليه تتمثل الركائز القانونية التي يتضمنها شرط مارتينز بالعادات الراسخة بين الشعوب وباحكام الضمير العام وبقوانين ومبادى الانسانية:
أولا: العادات الراسخة بين الشعوب: ويقصد بها الأفعال المتكررة الراسخة بين الشعوب المتحضرة والمحددة بعبارة ( كما استقر عليها العرف)، فهنالك عادات استقر التعامل الدولي على الاخذ به على مر العصور فاكتسبت بذلك قوة العرف الدولي.
ثانيا: أحكام الضمير العام: تحتل هذه العبارة مكانة مهمة في صميم القانون الدولي الانساني بشكل خاص والقانون الدولي بشكل عام فشرط مارتينز يسلم بضرورة أن يتضمن القانون تعبيراً عن المشاعر العامة القوية المتصلة بالسلوك الانساني، حيث تعرف أحكام الضمير العام على أنها الشعور العام الدولي والذي يتمثل بمجموعة القرارات والاعلانات الدولية والبيانات التي تقدمها شخصيات ومؤسسات مؤهلة تأهيلاً عالياً لتقييم القانون الدولي والتي يبرز دورها في كونها تسلط الضوء على القضايا الدولية كالحملات والرابطات الدولية والمنظمات الدولية غير الحكومية، كرابطة الاطباء الدولين ورابطة المحاميين الدولية المناهضة للاسلحة النووية والرابطة الدولية المناهضة لاستخدام اليورانيوم وكاللجنة الدولية للصليب الاحمر والتي كان لها الدور الاكبر في تسليط الضوء على قضايا دولية إنسانية في مجالات كثيرة مما ترتب عليه إبرام اتفاقيات دولية انصفت تلك القضايا.
ثالثا: القوانين الإنسانية: لقد آشار شرط مارتينز إلى مبادئ الإنسانية باعتبارها جزءً من القانون الدولي التي يحتكم إليها في حالة عدم وجود نص قانوني صريح ، ومن خلال الاطلاع على مراحل تدوين شرط مارتينز نجد إن الاتفاقيات الدولية تارة تذكر عبارة ” قوانين الإنسانية ” وتارة أخرى تذكر عبارة ” مبادئ الإنسانية ” ، وبغض النظر عن الفارق ما بين القانون والمبدأ فكل منهما قد يبنى على اعتبارات انسانية غير إن اللجنة الدولية للصليب الأحمر عرفتها على أنها مجموعة من القواعد الرامية إلى الحـد من آثار النزاعات المسلحة لدوافع إنسانيـة من خلال تقييد حق أختيـار الـوسائل والأساليب المستعملـة في الحرب ( ) ، وهنالك تطبيقات قضائية دولية كثيرة تشير فيها المحاكم الدولية الى أهمية مراعاة الاعتبارات الانسانية ففي قضية مضيق كورفا ( ) لسنة 1949 حكمت محكمة العدل الدولية ” بإن البانيا مسؤولة وفقاً لقواعد القانون الدولي عن الأضرار التي لحقت بالسفن البريطانية كونهـا لم تحذرها بوجود الالغام مشية إلى هذا الشرط وكالاتي : ” إن الالتزامات المترتبة على السلطات الألبانــيـــة … لا تقوم على أساس اتفاقية لاهاي الثانية لسنة 1907 التي تـــــطبــق في وقت الحـــــرب ، وإنما على مبــادئ عامــة معينـــة معتـــرف بها، وهي اعــتــبارات إنسانيـة أساسيــــة… ومنها التــــزام أيـة دولة بعدم السماح بعلمهــــا باستخـدام إقلــــيمها لأعــمال تمس حـــقـــوق الدول الأخـرى” ومماراسات قضائية كثيرة سنسلط الضوء عليها لأحقاً.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً