لجنة حكماء لحل النزاعات الحزبية
—
الأهرام
الصراعات الداخلية هي أكثر ما يشغل أحزابنا السياسية ويلهيها عن دور طال انتظارها لتقوم به, في الوقت الذي يتضاءل الأمل في قدرتها علي الاضطلاع به بدون إيجاد علاج للمرض الذي تمكن منها بدرجات مختلفة. كما أصبح هذا المرض معديا شديد العدوي, إلي حد أنه بات يصيب الحزب فور تأسيسه, وليس بعد بضع سنوات, أو حتي أشهر طويلة, وبسبب هذا المرض اللعين انفجر كثير من الأحزاب من الداخل.
وليس من الصعب فهم لعنة النزاعات التي أصابت الأحزاب في مصر, فظروف النشأة ليست طبيعية, سواء في لحظة تدشين الانتقال من التنظيم الواحد إلي التعدد الحزبي المحكوم من أعلي, أو في لحظات تأسيس معظم الأحزاب التي يستعصي علي المتخصصين أنفسهم تذكر أسماء بعضها.
فالتعقيدات التي تواجه تأسيس أحزاب جديدة أدت إلي ازدياد النزاعات داخل الأحزاب لأنها سدت بابا قد يضع حدا لها, وهو خروج أحد طرفي النزاع لتأسيس حزب جديد, وفي ظل ضآلة احتمال أن يحصل الخارجون من حزب قائم علي حزب جديد, يمكن أن يتحول النزاع داخل هذا المتنازع عليه إلي معركة حياة أو موت إذا لم يكن لدي أحد طرفي النزاع رادع يمنعه من التصعيد إلي هذا المستوي.
ولا ننسي أثر الاحتقان الذي يعانيه المجتمع, ويدفع إلي تنامي الميل إلي العنف, والأحزاب هي جزء من هذا المجتمع الذي أصبحت البلطجة إحدي ظواهره المثيرة للقلق من أكثر من عقد من الزمن.
كما أن ضعف الثقافة الديمقراطية في داخلها, كما في المجتمع بوجه عام, يزيد الخطر المترتب علي تفاقم النزاعات التي تنشب بين طرفين أو أكثر فيها.
فالهيكل التنظيمي يبني علي أساس تسلطي, والاتصال فيه من أعلي إلي أسفل هو الغالب, إلا فيما قل أو ندر, وتداول السلطة معطل, والانتخابات شكلية علي سبيل الاستثناء.
وفي مثل هذا الهيكل يصعب إيجاد آلية فعالة لحل النزاعات الداخلية, سواء عبر المؤتمر العام( أو الجمعية العمومية) بشكل مباشر, أو من خلال هيئة منتخبة من هذا المؤتمر. ففي معظم النزاعات التي شهدتها الأحزاب المصرية ادعي كل من طرفي النزاع أن المؤتمر العام يؤيده, وإذا عجز أحد طرفي النزاع عن اصطناع مؤتمر عام يسانده, يطعن في سلامة تشكيل المؤتمر الذي يؤيد الطرف الآخر.
ولا غرابة في ذلك لأن قدرة أي حزب علي إيجاد آلية فعالة للنظر في نزاعاته الداخلية يرتبط بمستوي الممارسة الديمقراطية في داخله من ناحية, وطبيعة البيئة السياسية والاجتماعية المحيطة به من ناحية أخري. فاعتماد آلية فعالة لحل النزاعات يرتبط بمستوي أعلي من الممارسة الديمقراطية, وبوضع سياسي ـ قانوني ييسر تأسيس أحزاب جديدة, وبالتالي يشجع أحد طرفي النزاع علي تفضيل الانسحاب, وإنشاء حزب آخر.
لذلك, وفي ظل صعوبة الاعتماد علي آليات داخلية لحل النزاعات الحزبية, تشتد الحاجة إلي آلية غير حزبية, لكنها وثيقة الصلة بالأحزاب, ويمكن لهذه الآلية أن تأخذ صورة لجنة حكماء تضم عددا من الشخصيات العامة المستقلة عن الأحزاب يساوي عدد الأحزاب القائمة, بحيث يقوم كل حزب باختيار إحدي هذه الشخصيات دون أن يعني ذلك أن يكون كل عضو في اللجنة ممثلا لأحد الأحزاب. فالمقصود هو أن تشارك الأحزاب نفسها في تشكيل اللجنة التي يتم إعلانها في لقاء يضم رؤساء الأحزاب أو من ينوب عنهم.
وتكون مهمة هذه اللجنة التحقيق في النزاعات التي تحدث في داخل الأحزاب, والسعي إلي حلها بالتوفيق والتراضي, فإذا تعذر ذلك يجوز للجنة أن تعلن نتائج التحقيق الذي أجرته, كما يكون لها أن تحدد, بأغلبية أعضائها, الطرف الذي يقع عليه اللوم في النزاع والتوصيات التي تنصح بها لتجنب تصاعد هذا النزاع وانفجاره, وفي الحالات التي يكون النزاع فيها قد وصل إلي مرحلة الخطر, أو أشرف علي الانفجار وتفجير الحزب, يجوز للجنة أن تحدد الطرف الذي يمتلك الحق من حيث الشرعية أو القبول العام داخل الحزب, والمشروعية أو الأساس القانوني.
وتتوقف فعالية مثل هذه اللجنة علي مدي ما ستحظي به من قبول, وما ستتمتع به من مكانة في المجتمع السياسي والمدني من ناحية, وعلي مدي ارتفاع المصلحة العامة علي المصالح الضيقة لدي أطراف هذا المجتمع, وفي مقدمتها الأحزاب والنقابات والمنظمات الأهلية وغيرها. فالحكم الذي ستصدره اللجنة لمصلحة أحد طرفي النزاع داخل أي حزب لن يكون ملزما, لكنه قد يكون من القوة إلي الحد الذي يحسم النزاع إذا احترمته الأحزاب كلها, والقوي السياسية والمجتمعية, فتعاملت مع الطرف الذي حكمت اللجنة بأحقيته وقاطعت الطرف الآخر إذا أصر علي رفض الحكم.
فالحكم الذي تنتهي إليه اللجنة ليس قضائيا واجب النفاذ, لكن قبول الجماعة السياسية كلها باللجنة يضفي علي أحكامها قوة معنوية وأخلاقية قد تكون أقوي من القانون, ومع ذلك يحسن أن يكون لهذه اللجنة مركز قانوني, ويستلزم ذلك تعديلا في قانون الأحزاب لتضمينه مادة جديدة تحدد تشكيل هذه اللجنة ومهماتها, ومن الضروري أن يشمل هذا التعديل تسهيل عملية تأسيس الأحزاب حتي يمكن لأحد طرفي النزاع في أي من الأحزاب القائمة الخروج, وإنشاء حزب جديد علي نحو يدعم دور لجنة الحكماء في حل النزاعات الحزبية.
اترك تعليقاً