المفهوم القانونى الصحيح للشركات القابضة
معنى شركة قابضة؟ وما خصائصها؟ وما وضعها في نظام الشركات ؟
نحاول الإجابة عن هذه الأسئلة بإيجاز شديد، فنبدأ بتعريف الشركة القابضة Holding Company، فنقول إن القوانين التجارية المقارنة اختلفت حيال تعريف هذه الشركة، ولكن العنصر الأساسي من عناصر التعريف الذي لا خلاف عليه هو أن الغرض الرئيس لهذه الشركة هو المشاركة في رأسمال شركة أو عدة شركات أخرى بغرض السيطرة عليها،
وتسمى هذه الشركات التي تسيطر عليها الشركة القابضة بأنها شركات تابعة أو وليدة Subsidiaries، كما تسمى الشركة القابضة أحيانا باسم «الشركة الأم»، ويطلق على هذه الشركات الواقعة تحت سيطرة شركة قابضة واحدة مصطلح «مجموعة الشركات».
يوجب بعض القوانين أن يقتصر غرض الشركة القابضة على غرض وحيد هو المساهمة في رأسمال شركات أخرى بغرض السيطرة عليها وإدارة حافظة الأوراق المالية التي تمتلكها في الشركات التابعة، ولا تجيز لها أن تمارس أي نشاط اقتصادي آخر ويسمح البعض الآخر من القوانين للشركة القابضة أن تمارس أعمالا أخرى إلى جانب الغرض الأساسي وهو المشاركة في شركات أخرى.
ويرى بعض فقهاء القانون التجاري أن الشركة القابضة ظاهرة قانونية للتركيز الاقتصادي بين المشاريع، فهي وسيلة من وسائل تجمع الشركات، بحيث تعتبر في الواقع إطارا قانونيا للتركز على أساس من الرقابة في الإدارة والمشاركة في رأس المال.
وتتحقق سيطرة الشركة القابضة على الشركات التابعة من خلال السيطرة على سلطة اتخاد القرار في الشركات التابعة عن طريق التمتع بأغلبية التصويت في الجمعيات العمومية للمساهمين أو الشركاء ومجالس إدارات تلك الشركات وتتمكن الشركة القابضة من إحراز هذه السيطرة عن طريق تملكها أغلبية الأسهم في رأسمال الشركات التابعة وتنص بعض القوانين على وجوب أن تتملك الشركة القابضة بنسبة 51 في المائة على الأقل في رأسمال الشركة التابعة، كما يجيز بعض القوانين بأن تتحقق سيطرة الشركة القابضة على الشركة التابعة عن طريق الاتفاق مع باقي المساهمين، تتمتع بموجبه بالسيطرة على الإدارة أيا كانت نسبة الأسهم التي تمتلكها الشركة القابضة في رأسمال الشركة التابعة.
وقد تسيطر الشركة القابضة في دولة ما على شركات تابعة في دول أخرى، كما قد تخضع شركة وطنية في إحدى الدول لسيطرة شركة قابضة أجنبية عن طريق المساهمة في رأسمال الشركة الوطنية من جانب الشركة القابضة الأجنبية، ويترتب عن الوضعين قيام ما يسمى المشروع المتعدد الجنسيات Multinational Enterprise أو الشركة عبر الوطنية Transnational Corporation.
ولا تعتبر الشركة القابضة شكلا قانونيا جديدا يضاف إلى أشكال الشركات ذات الشخصية الاعتبارية المستقلة والمعروفة في القانون التجاري، وهي شركة لمساهمة، شركة التوصية بالأسهم، الشركة ذات المسؤولية المحدودة، شركة التوصية البسيطة وشركة التضامن، وإنما يجوز ـ كقاعدة عامة، أن تأخذ أحد الأشكال السابقة إلا إذا حدد القانون شكلا معينا للشركة القابضة، ويوجب بعض القوانين بأن تتخذ الشركة القابضة شكل شركة المساهمة فلا يجوز لأنواع الشركات الأخرى مثل شركات التضامن وشركات المسؤولية المحدودة أن تكون شركة قابضة.
وتحدد عادة القوانين المقارنة العلاقة المالية والإدارية بين الشركة القابضة والشركات التابعة، ونسوق على ذلك بعض الأمثلة على النحو التالي.
1 ـ حظر قانون الشركات الإنجليزي تملك الشركة التابعة لأسهم الشركة القابضة، وكذلك يحظر قانون الشركات الفرنسي المساهمة المتبادلة بين الشركات القابضة والتابعة حماية للغير ومنعا لصورية رساميل الشركات.
2 ـ يوجب قانون الشركات الإنجليزي على الشركة القابضة أن تبيّن في ميزانيتها أسهم شركاتها التابعة وموطن تأسيسها ونوع الأسهم أو الحصص التي تساهم بها الشركة القابضة فيها، كما ألزم الشركات التابعة أن تبيّن في ميزانيتها ديونها والتزاماتها تجاه الشركة القابضة والشركات الأخرى التابعة للشركة القابضة نفسها.
3 ـ يوجب بعض القوانين أن تعمل الشركة القابضة على أن تتفق السنة المالية لكل شركة من شركاتها التابعة مع السنة المالية للشركة القابضة ذاتها، ومن ثم يجب على الشركة القابضة أن تضع أمام الشركاء فيها في نهاية السنة المالية، وفي اجتماع الجمعية العمومية للشركة القابضة مجموعة حسابات شركاتها التابعة كمجموعة واحدة، وتكون هذه الحسابات في هذه الحالة باسم حسابات المجموعة Group Accounts، والهدف من ذلك إعطاء صورة واضحة لكل شريك أو مساهم في الشركة القابضة عن الوضع المالي للشركة القابضة والشركات التابعة لها.
4 ـ كما أن بعض القوانين يلزم الشركة القابضة بأن تلتزم العدالة في تصرفاتها حيال أقلية المساهمين في شركاتها التابعة، وأن تمتنع عن أي سلوك من شأنه الإضرار بمصالح هذه الأقلية ولهذا تعتبر الشركة القابضة مسؤولة مسؤولية تقصيرية في إدارة الشركة التابعة، وذلك إذا ثبت اتخاذها قرارات من شأنها الإضرار بمصالح الأقلية أو أن الشركة القابضة كانت تهدف من وراء إدارتها إلى تحقيق مصالحها فقط في الشركة التابعة على حساب مصالح المساهمين الآخرين.
5 ـ يجيز بعض القوانين أن يبرم اتفاق بين الشركة القابضة وإحدى شركاتها التابعة تلتزم بمقتضاه الشركة القابضة بأن تقدم العون المالي إلى الشركة التابعة عندما تتعرض الأخيرة لأزمة مالية أثناء قيامها بنشاطها التجاري وفي هذه الحالة يمكن أن ينص الاتفاق على أن تتحمل الشركة القابضة جزءا من الخسائر التي قد تصيب الشركة التابعة بيد أنه ليس ثمة ما يمنع أن يكون مثل هذا الاتفاق عكسيا، بحيث يتفق على أن تقدم الشركة التابعة العون المالي إلى الشركة القابضة عند الضرورة.
6 ـ كما يجيز بعض القوانين أن يتم الاتفاق على أن تقوم الشركة القابضة بتقديم بعض الخدمات الإدارية أو الفنية إلى الشركة التابعة، كأن تبرم اتفاقات تشغيل أو إدارة بين الشركة القابضة والشركة التابعة تتولى الأولى بموجبه أعمال الإدارة اليومية للشركة التابعة، كذلك قد يتضمن الاتفاق النص على تقديم خدمات الشركة القابضة إلى الشركة التابعة فيما يتعلق بعمليات التسويق والمحاسبة أو القيام بالأبحاث الفنية اللازمة لنشاط الشركة التابعة وتهدف مثل هذه الاتفاقيات إلى معاونة الشركات التابعة بما يتوافر لدى الشركة القابضة من خبرة واسعة في مثل تلك الأمور، ما يوفر للشركات التابعة جزءا لا يستهان به من نفقاتها مقابل أن تحصل الشركة القابضة على نسبة معيّنة من النفقات العامة التي تتحملها الشركة التابعة.
وعلى الرغم من أن الشركة التابعة تتمتع بشخصية معنوية مستقلة وذمة مالية منفصلة عن ذمة الشركة القابضة، فإن الاتجاهات القضائية في بعض الدول تذهب إلى تقرير مسؤولية الشركة القابضة عن ديون شركاتها التابعة، على أساس أن الشركة القابضة وشركاتها التابعة تمثل وحدة اقتصادية واحدة وفي مجال العلاقة العمالية يذهب بعض الأحكام القضائية في بعض الدول إلى اعتبار الشركة القابضة هي رب العمل الحقيقي لعمال الشركة التابعة، ومن ثم فإن الشركة القابضة تسأل عن أجور عمال الشركة التابعة، وأنه إذا قامت الشركة القابضة بنقل عمالها للشركة التابعة، فإن الشركة القابضة تظل هي رب العمل الحقيقي.
تلكم لمحة سريعة عن مفهوم الشركة القابضة وخصائصها في القوانين التجارية المقارنة، وإذا نظرنا إلى نظام الشركات في منطقة الخليج ، نجد أنه لم يشر إلى الشركة القابضة، وتبعا لذلك لم يرد فيه أي تنظيم لهذه الشركة وفي الواقع العملي تسمح وزارة التجارة والصناعة بإنشاء شركات قابضة، ولكنها تشترط بأن ينص في عقود تأسيسها بأن من أغراضها المشاركة بنسبة تمكنها من السيطرة على الشركات التي تشارك في ها ولم تكن الوزارة تشترط شكلا معينا من أشكال الشركات ينبغي أن تكتسيه الشركة القابضة،
إلا أنها أصبحت الآن تشترط ألا تكون في شكل شركة من الشركات التي تقوم على الاعتبار الشخصي، وهي شركات التضامن والتوصية البسيطة ويلاحظ أن معظم الشركات القابضة في المنطقة يتخذ شكل الشركة ذات المسؤولية المحدودة، وهو أمر محل نظر، لأن شركة التضامن أقوى من حيث الائتمان أمام الغير من الشركة ذات المسؤولية المحدودة،
لأن الشركاء في شركة التضامن مسؤولون بالتضامن في جميع أموالهم عن ديون الشركة، بعكس الشركاء في الشركة ذات المسؤولية المحدودة، حيث تنحصر مسؤوليتهم في حدود حصصهم في رأسمال الشركة.
ومن جهة أخرى، فإن القاعدة الشرعية تقضي بأن الأصل في الأشياء الإباحة، فطالما لا يوجد نص نظامي يمنع الشركة القابضة من أن تتخذ شكل شركة التضامن فلا يحق لوزارة التجارة أن تمنع ذلك من تلقاء نفسها ومهما يكن من أمر، فإنه إزاء تزايد أعداد الشركات القابضة في المنطقة فقد آن الأوان بأن تنظم هذه الشركات تنظيما قانونيا شاملا أسوة بما هو متبع في العديد من دول العالم وبحيث يشمل هذا التنظيم تعريف الشركة القابضة وأهدافها،
والحد الأدنى لرأسمالها، والشكل القانوني الذي يجب أن تظهر فيه، والعلاقة الإدارية والمالية بينها وبين شركاتها التابعة، وغير ذلك من المسائل ذات الصلة بعلاقة الشركة القابضة بالشركات التابعة.
اترك تعليقاً