بحث في بعض القواعد الفقهية تأصيلها وشرحها اليقين لا يزال بالشك
من كتاب القواعد الفقهية تأليف علي احمد الندوي اليقين لا يزال بالشك
هذه القاعدة الكبري من القواعد اللافتة للنظر في “التمهيد” تناولها الأمام ابن عبد البر بالبحث في مواطن متعددة وأكد على أهميتها ومن الملاحظ أنه تفرد بهذه الصياغة كما تفرد الأمام الخطابي بتعسيره “الشك لا يزحم اليقين” وكل ذلك على أن صياغة الكثير من القواعد خضعت للتحوير والتطوير فعلى سبيل المثال استقرت هذه القاعدة أخيراً بصيغة “اليقين لا يزول بالشك” فهي لا تكاد تذكر الآن إلا بهذه الألفاظ.
نص على هذه القاعدة في تعليقه على حديث ابن عباس قال: قال رسول الله (ص) “لا تصوموا قبل رمضان صوموا للرؤية وأفطروا للرؤية فإن حالت دونه غيابه فأكملوا ثلاثين”.
قال ابن عبد البر: “وفي حديث ابن عباس هذا من الفقه…أن اليقين لا يزيله الشك ولا يزيله إلا يقين مثله ما لأنه (صلى الله عليه وسلم أمر الناس لا يدعوا ما هم عليه من يقين شعبان إلا بيقين رؤية واستكمال العدة وأن الشك لا يعمل في ذلك شيئاً ولهذا نهي عن صوم يوم الشك أصراحا لأعمال الشك وإعلاماً أن الأحكام لا تجب إلا بيقين لا شك فيه وهذا أصل عظيم من الفقه: أن لا يدع الإنسان ما هو عليه من الحال المتيقنة إلا بيقين من انتقالها).
وأعاد الحديث عنها ونبه على تدبرها عقب ذكر الرواية الآتية من المواطأ:
(…. عن عطاء بن يسار أن رسول الله (ص) قال: إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدرك كم صلى ثلاثاً أو أربعاًُ؟ فيصل ركعة وليسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم….)
قال أبو عمر: “وفي هذا الحديث من الفقه أصل عظيم جسيم مطرد في أكثر لأحكام وهو أن اليقين لا يزله الشك وأن الشيء مبنى على أصله المعروف حتى يزيله يقين لا شك معه وذلك أن الاصل في الظهر أنها فرض بيقين أربع ركعات فإذا أحرم بها ولزمه اتمامها وشك في ذلك فالواجب الذي قد ثبت عليه بيقين لا يخرجه منه إلا يقين فإنه قد أدي ما وجب عليه من ذلك.
وأجمع العلماء: أن من ايقن بالحدث وشك في الوضوء: أن شكه لا يفيد فائدة وأن عليه الوضوء فرضاً وهذا بذلك على أن الشك عندهم ملغى وأن العمل على اليقين عندهم.
ثم تطرق إليها لدى بيان تعجيل الفطر وتأجيل السحور في موضوع الصيام وعبر عنها بقوله”الفرض إذا لزم بيقين لم يخرج عنه إلا بيقين” وإليك نص الحديث وتعليق الشارح عليه:
(…عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله “ص” قال: لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر)
قال أبو عمر من السنة تعجيل الفطر وتأخير السحور والتعجيل إنما يكون بعد الاستيقان بمغيب الشمس ولا يجوز لأحد أن يفطر وهو شاك هل غابت الشمس أو لا؟
لان الفرض إذا لزم بيقين لم يخرج عنه إلا بيقين والله عز وجل يقول: “ثم أتموا الصيام إلى الليل” وأول الليل: مغيب الشمس كلها في الأفق عن أعين الناظرين ومن شك لزمه التمادي حتى لا يشك في مغيبها قال(ص) : إذا أقبل الليل من ها هنا يعني المشرق وأدبر النهار من ههنا يعني المغرب وغربت الشمس فقد أفطر الصائم”
وهكذا في مناسبات متعددة وبأساليب متنوعة تراه يشير إلى هذه القاعدة وبها وهنا لا بأس أن أسجل إشاراته لاخر إلى هذا الأصل استكمالاً للموضوع.
“أن اليقين لا يجب تركه للشك حتى يأتي بيقين يزيله”
“….وهذا أصل مستعمل عند أهل العلم أن لا تزول عن أصل أنت عليه إلا بيقين مثله وأن لا يترك اليقين بالشك”
“الشك لا يلتفت إليه واليقين معمول عليه”
ولا يقف الأمر عند هذا الحد في بيان هذه القاعدة لأن الأمام أبن عبد البر لوح إلى قواعد في الشرح تنبثق من هذا الأصل الكبير ومنها أنه ربط موضوع ثبوت الفرائض ووجوبها وأدائها بموضوع اليقين في كثير من المواضع في الشرح فهنا أقدم نصاً كاملاً يتعلق بمسألة وجوب التسمية على الذبيحة او عدم وجوبها فقد أجرى فيه هذا الاصل وأعمله فإليك صيغة القاعدة ثم نص الحديث المقرون بكلام لأمام ابن عبد البر “الفرائض لا تؤدي إلا بيقين”
“الشك والامكان لا يستباح به المحرمات” عن هشام بن عروة عن أبية أنه قال سئل رسول الله(ص) فقيل له يا رسول إن ناساً من أهل البادية يأتوننا بلمحان ولا ندري هل سموا الله عليها أم لا فقال رسول الله “ص” سموا الله عليها ثم كلوا”
قال أبو عمر “في الحديث من الفقه أن ما ذبحه المسلم ولم يعرف هل سم الله عليه أم لا والمؤمن لا يظن به إلا الخير عليه أم لا أنه لا بأس بأكله وهو محمول على أنه قد سمى والمؤمن لا يظن به إلا الخير وذبيحته وصيده أبداً محمول على السلامة حتى يصح فيه غير ذلك من تعمد ترك التسمية ونحوه.
1- الشك لا يزحم اليقين:
ويحسن بي أن استهل الحديث عنها بإحدى القواعد الخمس الأساسية المشهورة وهي “اليقين لا يزول بالشك”.
ولكنك تجد الإمام المذكور يصوغ هذا المعنى العام بصيغة طريقة أخرى وهي: “الشك لا يزحم اليقين” وردت هذه الصيغة في موضعين من “معالم السنن وهذا يدل على أنه أعمل فكره في سبك القاعدة بهذا التعبير المبتكر.
ذكرها أولاًُ عند شرح حديث عباد بن تميم عن عمه: “شكى إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- الرجل في الصلاة يجد الشيء في الصلاة حتى يخيل إليه فقال لا ينفتل حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً”.(1)
فإنه قال عقب الرواية: “ وفي الحديث من الفقه: ان الشك لا يزحم اليقين وفيه دليل على أنه إذا تيقن النكاح وشك في الطلاق كان على النكاح المتقدم إلى ان يتيقن الطلاق.(2)
وتطرق إليها مرة أخرى في كتاب النكاح كما جاء في الفقرة الأتية:
– إن النكاح متى علم بين زوجين فادعت المرأة الفرقة فإن القول في ذلك قول الزوج وإن قولها في إبطال النكاح غير مقبول والشك لا يزحم اليقين”.(3)
شرح قاعدة أساسية “اليقين لا يزول بالشك”
حكمه مشروعيتها:
هذه القاعدة أصل شرعي عظيم عليها مدار كثير من الأحكام الفقهية يتمثل فيها مظهر من مظاهر اليسر والرأفة في الشريعة الإسلامية وهي تهدف إلى رفع الحرج حيث فيها تقرير لليقين باعتباره أصلاً معتبراً وإزالة للشك الذي كثيراً ما ينشأ عن الوسواس لاسيما في باب الطهارة والصلاة ومن المعلوم أن الوسواس داء عضال إذا اشتد بصاحبه لا ينفك عنه فيقع المكلف في المشقة ويكابد عناء في أداء الواجبات.
وكذلك في سائر المسائل والقضايا الفقهية التي تسري فيها هذه القاعدة يتجلى الرفق والتخفيف عن العباد.
سعة مشتملاتها:
ومما سلف تلوح لنا أهمية هذه القاعدة وتظهر سعة آفاقها في الفقه الإسلامي وأصوله فإنها تدخل في معظم أبواب الفقه من عبادات ومعاملات وعقوبات وأقضيه وإن عديداً من القواعد الدائرة في الفقه وأصول الفقه تجدها وثيقة الصلة بها بل ناشئة عنها وذلك في مثل قولهم: الأصل بقاء ما كان على ماكان (م/5) الأصل براءة الذمة (م/8) الأصل في الصفات العارضة العدم (م/9) القديم يترك على قدمه(م/6) وما سواها من القواعد المهمة الأخرى ونظراً لذلك قيل أنها تتضمن ثلاثة أرباع علم الفقه(4) وإلى هذا رمز الإمام النووي رحمة الله بقوله: “هذه قاعدة مطرده لا يخرج منها إلا مسائل”.(5)
ولما كانت هذه القاعدة قاعدة أساسية ولم يكن يسع المجتهد أن يغفل النظر فيها عند استنباط الأحكام تعرض لذكرها به بعض(6) الأصوليين في الألفاظ أنها للحقيقة وفي الاوامر أنها للوجوب وفي النواهي أنها للتحريم ولا يخرج شيء منها عن أصله إلا بدليل خاص يقتضي ذلك في الموضع المعين الذي يستدل به ومن هذا الوجه يمكن رجوع غالب مسائل الفقه إلى هذه القاعدة إما بنفسها أو بدليلها”.(1)
ولكي ندرك مدى شانها وأبعادها في الفقه الإسلامي ينبغي أن نشرحها لغة واصطلاحاً ونقرر مدلولها مع النظر في تطبيقاتها بحيث تتضح معالمها وتبرز سماتها وتتيسر معرفة نظائرها.
اليقين والشك في ميزان اللغة والاصطلاح:
لقد تفاوتت مراتب الإدراك للأشياء كما يلي:
1- اليقين
2- غلبة الظن
3- الظن
4- الشك
فمن الجدير بان تناول هذه الكلمات التي جرت باعتبارها مصطلحات علمية خصوصاً في مجال الفقه والأصول بشيء من الشرح ونبين الفروق المتمايزة الأساسية فيما بينها.
اليقين: قال الجوهري هو: “العلم وزوال الشك منه” يقنت الأمر يقنأ وأيقنت واستيقنت وتيقنت كله بمعنى واحد”.(2)
وجاء في “اللسان” اليقين العلم وإزاحة الشك وتحقيق الامر واليقين ضد الشك…”(3) والشك نقيض اليقين.(4)
وهو في أصل اللغة بمعنى الاستقرار: “يقال يقن الماء في الحوض إذا استقر ودام”.(1)
وقال أبو البقاء في “الكليات”: اليقين هو الاعتقاد الجازم الثابت المطابق للواقع وقيل هو:عبارة عن العلم المستقر في القلب لثبوته من سبب متعين له بحيث لا يقبل الانهدام (2)وقيل :هو سكون الفهم مع ثبات الحكم(3).
واليقين من صفة العلم فوق المعرفة والدارية…يقال عام اليقين ولا يقال: معرفة يقين.(4)
وليس “اليقين” في أصل اللغة مماثلاً للعلم وإن قيل تجوزا إن اليقين العلم الذي لا تررد معه فالفرق بين العلم واليقين ثابت كما قال أبو هلال العسكري:
“إن العلم هو اعتقاد الشيء على ما هو به على سبيل الثقة واليقين هو سكون النفس وثلج الصدر بما علم ولهذا لا يجوز ان يوصف الله تعالى باليقين وقيل الموقن العالم بالشيء بعد حيرة الشك والشاهد أنهم يجعلونه ضد الشك فيقولون شك ويقين وقلما يقال شك وعلم…وسمى علمنا يقيناً لأن في وجوده ارتفاع الشك.(5)
ولا يشترط في تحقق اليقين الاعتراف والتصديق بل يتصور مع الجحود أيضاً كما قال تعالى: “وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلوا”.
بعد هذا التفصيل يمكن أن نخلص إلى أن اليقين: هي كيفية الاستقرار والطمأنينة على حقيقة الشيء بحيث لا يبقى تردد.
غلبه الظن :قال العلامة أبو هلال العسكري “غلبة الظن عبارة عن طمأنينة الظن وهي رجحان أحد الجانبين على الجانب الأخر رجحاناً مطلقاً يطرح معه الجانب الأخر بمعنى أنه لم يبق له اعتبار في النظر لشدة ضعفه.
وتتحقق هذه الكيفية إذا تردد المكلف بين أمرين بحيث ترجح أحدهما وجنح إليه قلبه بطرح الاحتمال الاخر.
حكم الظن الغالب أنه يقوم بمثابة اليقين عند الفقهاء ويجوز بناء الأحكام الفقهية عليه عند عدم وجود اليقين الذي قلما يحصل عند النظر والاستدلال.
الظن: جاء في مفردات الإمام الراغب” الظن اسم لما يحصل عن أمارة ومتى وقويت أدت إلى العلم ومتى ضعفت جداً لم يتجاوز حد التوهم.
وعرفه الحموي في شرح الأشباه فقال :” أنه الوقوف بين شيئين بحيث يترجح أحدهما دون ان يطرح الأخر.
ولكي يتضح الفرق بجلاء بين الظن وغلبة الظن من المفيد ان نسجل هنا ما ذكره ابن عابدين رحمه الله نقلاً عن بعض الفقهاء: أن أحد الطرفين إذا قوى وترجح على الأخر ولم يأخذ القلب ما ترجح به ولم يطرح الاخر فهو الظن وإذا عقد القلب على أحدهما وترك الاخر فهو أكبر الظن وغالب الرأي”.
الشك: نقيض اليقين وهو في اصل اللغة: الاتصال واللزوق.
قال العلامة الفتني في شرح هذا اللفظ: “إن حديث الغامدية: أمر بها فشكت عليها ثيابها ثم رجمت :أي جمعت عليها ولفت لئلا تنكشف في تقلبها…والشك: الاتصال واللزوق”.
ثم عرف هذا اللفظ واشتهر في العرف في معنى التردد قال العلامة سراج الدين ابن الملقن في “الأشباه” المرد بالشك التردد في طرفي الوجود والعدم على التساوي”.
وجاء في شرح الأشباه لابن نجيم: “الشك لغة مطلق التردد وفي اصطلاح الأصول استواء طرفي الشيء وهو الوقوف بين الشيئين بحيث لا يميل القلب إلى أحدهما”.
ونجد الإمام الرازي ينبه إلى الفرق بين الشك والظن والوهم فيقول:
“التردد بين الطرفين إن كان على السوية فهو على الشك وإلا فالراجح: ظن والمرجوح وهم”.
هل الشك والظن في اصطلاح الفقهاء سواء أو يفرق بينهما؟
هنا نقطة مهمة من المناسب أن نسترعي النظر إليها وهي أن الإمام النووي رحمة الله يرى أن الشك عند الفقهاء مطلق التردد لا فرق بين المساوي والراجح وذلك يفضي إلى القول بأن الشك والظن عندهم سواء ونص عبارته كما يلي:
“أعلم أن مراد الفقهاء بالشك في الماء والحدث والنجاسة والصلاة والصوم والطلاق والعتق وغيرها هو التردد بين وجود الشيء وعدمه سواء كان الطرفان في التردد سواء أو احدهما راجحاً فهذا معناه في استعمال الفقهاء في كتب الفقه وأما أصحاب الأصول ففرقوا بينهما فقالوا: التردد بين الطرفين إن كان على السواء فهو الشك وإلا فالراجح ظن والمرجوح وهم”.
وقد جنح إلى هذا الرأي العلامة ابن نجيم أيضاً كما جاء في النص التالي:
” ..إن كان الظن عند الفقهاء من قبيل الشك لأنهم يريدون به التردد بين وجود الشيء وعدمه سواء استويا أو ترجح أحدهما…”.
والظاهر أن هذا القول ليس بسديد على إطلاقه ولذلك تعقب الزركشي كلام النووي ورحمهما الله حيث يقول عند بيان حقيقة الشك:
“وهو في اللغة مطلق التردد وفي اصطلاح الأصوليين تساوى الطرفين فإن رجح كان ظناً والمرجوح وهماً وأما عند الفقهاء فزعم النووي أنه كاللغة في سائر الأبواب لا فرق بين المساوي والراجح وهذا إنما قالوه في الأحداث وقد فرقوال في مواضع كثيرة بينهما…”.
وكذا الحموي رحمة الله اعترض على قول صاحب”الأشباه” ثم قال: “ولا ينبغي الجزم بأنه عند الفقهاء مطلقاً من قبيل الشك لئلا يتوهم ترك استعماله بمعنى الطرف الراجح أصلا فتأمل”.
فالواقع أن الفقهاء لم يتمسكوا بهذه الاصطلاحات تمسكاً شديداً بل تسامحوا فيها ودرجوا على استعمال الظن مقام الشك في كثير من المواضع كما أرادهوا به في بعض المواطن الظن الغالب على سبيل المثال جاء في كشف الأسرار :”الظن عن أمارة دليل من دلائل الشرع كالاجتهاد في الأحكام فيجوز بناء الحكم عليه”.
فالظاهر أن المراد هنا بالظن هو الظن الغالب الذي تسكن إليه النفس ويطمئن به القلب.
التفسير المقبول” لليقين” وبيان مدلول القاعدة:
وفي ختام هذه التفاصيل ينغبي ان ندرك المفهوم الصحيح الذي تتضمنه هذه القاعدة.
فالذي يتبادر إلى الذهن أن معنى اليقين هنا هو الاستصحاب لما تيقن في الماضي وهو الأصل وأطلق عليه اليقين مجازاً والمراد من الشك هو الشك الطارئ بعد حصول اليقين فلا يتعين هنا إلا هذا المفهوم باعتبار أن اليقين لا يتصور مع وجود الشك إذ أنهما نقيضان.
وبجانب ذلك يجب ان يفسر اليقين بمعنى الاستقرار الذي أشار إليه الجرجاني بقولـه: ” يقن الماء في الحوض إذا استقر” كما سلف ولا يراد به المعنى الذي بينه ابن منظور وغيره بأنه نقيض الشك جرياً على اصطلاح علماء المنطق وعرفهم حيث عبروا عنه: بالاعتقاد الجازم المطابق الثابت.
فإن الاعتقاد الجازم يخرج به الظن وغلبه الظن لانه لا جزم فيهما ومن المعلوم أن الظن الغالب يعتد به في الشرع وتنبني عليه الأحكام فلا عبرة بقول المناطقة هنا لأن تفسيرهم لليقين لا ينسجم مع ما يقرره الشرع وذلك لأن الأمر في كثير من الأحيان يكون في نظر الشارع يقيناً لا يزول بالشك في حين أن العقل يجيز أن يكون الواقع خلافه ومثال ذلك : الأمر الثابت بالبينة الشرعية فإنه في نظر الشرع يقين كالثابت بالعيان مع أن شهادة الشهود لا تخرج عن كونها خبر آحاد يجيز العقل فيها السهو والكذب وهذا الاحتمال الضعيف لا يخرج ذلك عن كونه يقيناً لأنه لقوة ضعفه قد طرح أمام قوة مقابلة ولم يبق له اعتبار في نظر الناظر.
والسبب في ذلك أن الأحكام الفقهية تبني على الظاهر والوصول إلى اليقين يتعذر في كثير من الأحيان فجوز الشرع اعتبار الظن الغالب لندرة خطئة وغلبة إصابته.
قال القرافي رحمة الله “الأصل أن لا تنبني الأحكام إلا على العلم لكن دعت الضرورة للعمل بالطن لتعذر العلم في أكثر الصور فثبت عليه الأحكام لندرة خطئة وغلبة إصابته والغالب لا يترك للنادر وبقى الشك غير معتبر أجماعاً….” وهذا ما ذكره المقري أيضاً.
ولنعلم هنا أن الظن في هذه القاعدة يجعل كالشك فلا نقيم له وزناً إزاء اليقين يقول العلامة ابن الوكيل الشافعي رحمة الله “المراد بالشك التردد في طرفي الوجود والعدم على التساوي وليس المراد ذلك في هذا المقام بل سواء كان شكاً أو ظناً لا يرفع اليقين السابق هذا هو المعروف من الجمهور”.
ويساند هذا المعني ما جاء في القواعد والفوائد للعلامة البعلي الحنبلي تحت الفروع المتخرجة على العمل بالظن أنه: “إذا تيقن الطهارة وشك في الحدث أو يتقن الحدث وشك الطهارة قال غير واحد من الأصحاب يبني على اليقين ولا فرق بين أن يغلب ظنه أحدهما أو يتساوى الامران”.
ومعنى القاعدة باختصار تام: أن ما كان ثابتاً متيقناً لا يترفع بمجرد طروء الشك عليه لأن الأمر اليقيني لا يعقل أن يزيله ما هو أضعف منه بل ما كان مثله أو أقوى .
ليس في الشريعة شيء مشكوك فيه:
قبل أن نخلص إلى إيضاح هذه القاعد ببيان الفروع المتخرجة عليها من الخليق بأن نعلم أن الأحكام الشرعية منزهة عن الشكوك والشبهات وإنما المكلف هو الذي يعرض له الشك.
قال ابن القيم رحمة الله:
“ينبغي أن يعلم أنه ليس في الشريعة شيء مشكوك فيه البتة وإنما يعرض الشك للمكلف بتعارض أمارتين فصاعداً عنده فتصير المسألة مشكوكاً فيها بالنسبة إليه فهي شكية عنده وربما تكون ظنية لغيره أو له في وقت أخر وتكون قطعية عند آخرين فكون المسألة شكية أو ظنية ليس وصفاً ثابتاً لها بل هو أمر يعرض لها عند إضافتها إلى حكم المكلف”.
ويعرض الشك للمكلف في المسائل بسبب النسيان أو الذهول أو لعدم معرفته بالسبب القاطع للشك وهذا يقع كثيراً في الأعيان والأفعال وهو الذي تصدى لبيانه الفقهاء في هذه القاعدة.
أما الشك الذي منشؤه تعارض الأدلة فهو ليس موضع بحثنا لأنه يخرج اليقين عن كونه يقيناً مثل قولهم سؤر البغل والحمار مشكوك فيه فيتوضأ به ويتيمم فهذا الشك لتعارض دليلي الطهارة والنجاسة وقد اخرج اليقين عن كونه يقيناً.
بيان اتفاق الفقهاء على أن اليقين لا يزول الشك:
قد اتفقت كلمة الفقهاء والأصوليين على الاعتداد بهذا الأصل قال الإمام القرافي رحمة الله “هذه قاعدة مجمع عليها وهي أن كل مشكوك فيه يجعل كالمعدوم الذي يجزم بعدمه”.
وجاء في أصول السرخسي “إن التمسك باليقين وترك المشكوك فيه أصل في الشرع.
والإجماع ناشئ عن الحديث الوارد في السنة المطهرة الذي سلف ذكره وهو الأساس الذي تنبني عليه هذه القاعدة.
ثم هذا الاتفاق لا يتنافى مع أن يوجد شيء من الخلاف في التفريع على هذه القاعدة حسب اختلاف وجهات النظر وطرائق استنباط كما أشار إلى ذلك الإمام ابن دقيق العيد بعد أن ذكر حديث عبد الله بن زيد المتقدم ذكره بقوله: “والحديث أصل في إعمال الأصل وطرح الشك وكأن العلماء متفقون على هذه القاعدة لكنهم يختلفون في كيفية استعمالها”.
مسألة يظهر فيها خلاف مذهبي بعد الاتفاق على القاعدة:
مثال ذلك: المسألة السالفة التي نص عليها حديث عبد الله بن زيد رضى الله عنه وهي وقوع الشك في الحدث بعد سبق الطهارة فذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة وكذلك الظاهرية إلى إعمال الأصل السابق وهو:الطهارة وطرح الشك الطارئ وأجازوا الصلاة في هذه الحالة لأن الطهارة متيقنة والمشكوك فيه ملغى وفيما يلي نورد النصوص من مصادر المذاهب المذكورة حتى يتضح الامر بجلاء:
1- جاء في “الأشباه” لابن نجيم: “من تيقن الطهارة في الحدث فهو متطهر ومن تيقن الحدث وشك في الطهارة فهو محدث”.
وذكر ذلك العامة ابن عابدين فقال :”إذا علم سبق الطهارة وشك في عروض الحدث بعدها او بالعكس أخذ باليقين وهو السابق”.
2- قال الإمام النووي في “الروضة” تحت عنوان “فرع” “من القواعد التي يبنى عليها كثير من الاحكام استصحاب حكم اليقين والإعراض عن الشك فلو تيقن الطهارة وشك في الحدث او عكسه عمل باليقين فيهما”.
3- جاء في كشاف القناع: “ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث أو تيقن الحدث وشك في الطهارة بنى على اليقين وهو الطهارة في الاولى والحدث في الثانية لحديث عبد الله بن زيد…ولأنه إذا شك تعارض عنده الامران فيجب سقوطهما كالبينتين ويرجع إلى اليقين”.
وهذا ما نص عليه الإمام أحمد بن حنبل رحمة الله عن أبي داود قال: “سمعت أحمد سئل عن رجل يشك في وضوئه؟ قال: إذا توضأ فهو على وضوئه حتى يستيقن بالحدث وإذا أحدث في وضوئه فهو محدث حتى يستيقن انه توضأ”.
4- قال العلامة ابن حزم الظاهري تحت عنوان “مسألة” :“ومن أيقن بالوضوء والغسل ثم شك هل أحدث أو كان منه ما يوجب الغسل أم لا فهو على طهارته وليس عليه أن يجدد غسلاً ولا وضوءاً”.
فهذا ما ذهب إليه جماهير الفقهاء في هذه المسألة مستندين إلى الحديث النبوي كما تقدم.
أما المالكية فسلكوا مسلكا أخر ومنعوا من الصلاة مع الشك في بقاء الطهارة معللين ذلك بأن ترتب الصلاة في الذمة هو الأصل الأول ولا يمكن الخروج عن العهدة والبراءة من الذمة إلا بطهارة متيقنة وإليك النصوص التي تلقي الضوء على هذه المسألة.
قال العلامة أبو العباس القرافي: “شغل الذمة بالصلاة متيقن يحتاج إلى سبب مبرئ والشك في الشرط يوجب الشك في المشروط فيقع الشك في الصلاة الواقعة بالطهارة المشكوك فيها وهي السبب المبرئ والمشكوك فيه ملغى فيستحب شغل الذمة”.
وقد تعرض بعض المالكية المسألة في نواقض الوضوء باعتبار أن الشك الطارئ ينقض الوضوء جاء في شرح الحطاب: “الشك في الحدث إنما يوجبه “الوضوء” لأن الصلاة في الذمة بيقين فلا يبرأ منها بالاتيان بها يقين والطهارة شرط فيها والشك في حصول الشرط يوجب الشك في حصول المشروط”.
ونجد تفصيل المسألة المذكورة عند العلامة أبي البركات الدردير كما جاء في النص التالي:
“…الشك ناقض لان الذمة لا تبرأ مما طلب منها إلا بيقين ولا يقين عند الشك والمراد باليقين ما يشمل الظن والشك الموجب للوضوء ثلاث صور:
الاولى: أن يشك بعد علمه بتقدم طهره هل حصل منه ناقض من حدث أو سبب أو لا؟
الثانية: عكسها وهو ان يشك بعد علم حدثه هل حصل منه وضوء أم لا؟
الثالثة: علم كلاً من الطهر والحدث وشك في السابق منهما”.
وفي الواقع نجم الخلاف هنا عن تعارض الأصلين وهما أصل الطهارة وبراءة الذمة فإن جمهور الفقهاء يعملون أصل الطهارة فإذا صلى في هذه الحالة سقط الفرض عنه والمالكية ذهبوا إلى وجوب الوضوء عليه إعمالاًَ لأصل أخر وهو ترتب الصلاة في ذمته فلا تسقط عنه إلا بطهارة متيقنة كما تبين من هذه النصوص والراجح قول الجمهور عملاً بالحديث الذي ذكرناه فهذا الخلاف ليس إبطالاً لإعمال الأصل بل حدث لمعارضة الأصلين وهما:براءة الذمة والأصل بقاء ما كان على ما كان.
فروع وتطبيقات على القاعدة:
هذه القاعدة كثيرة الفروع وعميقة الجذور في الفقه الإسلامي كما سلفت الإشارة إلى ذلك فأحرى بنا أن نورد هنا طرفاً من الفروع المتخرجة عليها وهي كما يلي:
1- إذا استيقن في ثوب نجاسة بحيث لا يدري مكان النجاسة يغسل الثوب كله لان الشك لا يرفع المتيقن قبله.
وهنا أيضاً خلاف المالكية كما مر في النظير السابق بناءً على الأصل الذي بيناه عندهم فقد جاء في الشرح الصغير:
“وإن شك في إصابتها “أي: النجاسة” لبدن غسل ولثوب أو حصير وجب نضحه”.
وقال الصاوي تحت “تنبيه” :”….يجب الغسل على الراجح لا النضح إذا شك في بقاء النجاسة وزوالها”.
2- “إذا اشترى ثوباً جديداً أو لبيساً وشك هل هو طاهر أو نجس فيبني الامر على الطهارة ولم يلزمه غسله”.
3- “إذا أصابه بلل ولم يدر ما هو لم يجب عليه أن يبحث عنه ولا يسأل من أصابه …وعلى هذا لو أصاب ذيله رطوبة بالليل أو بالنهار لم يجب عليه شمها ولا تعرفها فإذا تيقنها عمل بموجب يقينه”.
4- “إذا شك في الماء هل أصابته نجاسة أم لا؟ بنى على يقين الطهارة ولو تيقن نجاسته ثم شك هل زالت أو لا؟ بقي على يقين النجاسة”.
5- من شك في إنائه أو ثوبه أو بدنه أصابته نجاسة اولا فهو طاهر ما لم يتيقن وكذا الآبار والحياض والحباب الموضوعة في الطرق ويستقي منه الصغار والكبار والكفار بالأيدي الدنسة والجرار الوسخة يجوز الوضوء منها ما لم يعلم نجاسته.
6- “لو رأى حجرا شك في استعماله جاز استعماله لأن الأصل طهارته والمستحب تركه أو غسله ولو علم”أي تيقن” انه مستعمل لأن الأصل طهارته لم يجزا استعماله لأن الأصل بقاء النجاسة عليه”.
7- “إذا استيقن بالتيمم وشك في الحدث فهو على تيممه وكذا لو استيقن بالحدث وشك في التميم أخذ باليقين كما في الوضوء”.
8- “ولو شك هل صلى ثلاثاً أو أربعاً وهو منفرد بنى على اليقين إذ الأصل بقاء الصلاة في ذمته”.
قال العلامة ابن النجار الحنبلي: “يبنى على اليقين من شك في ركن أو عددركعات”.
9- وأن شك هل دخل مع الإمام في الركعة الأولى او في الثانية؟ جعله في الثانية باعتبار ان دخوله في الثانية أمر متحقق يستيقن به.
10- إذا شك في دخول الإمام في الصلاة لم يصل حتى يتيقن دخوله أو يغلب على ظنه ذلك لان اليقين لا يرتفع بالشك.
11- إذا شك الصائم في غروب الشمس لم يجز له الفطر اعتباراً بالاصل وهو بقاء النهار ولو شك في طلوع الفجر جاز له الاكل: لان الأصل بقاء الليل ففي كلتا الحالتين يعتمد على اليقين دون الالتفات إلى الشك.
12- “لو طاف للعمرة ثم شك هل طاف بطهارة أم لا؟ لم يلزمه إعادة الطواف لانه أدى العبادة في الظاهر فلا يسقط حكم ذلك الشك”.
13- “إذا شك هل طاف ستا أو سبعا أو رمى ست حصيات أو سبعاً بنى على اليقين”.
قال الإمام ابن المنذر: “أجمعوا على أنه من شك في طوافه بنى على اليقين:
14- “إذا تيقن الفعل وشك في القليل والكثير حمل على القليل لأنه المتيقن كما لو شك هل طلق واحدة او اثنتين يبنى على واحدة ولا يخفى الورع”.
وجاء في شرح العلامة المحلي على”المنهاج” تحت عنوان “فصل”:
“شك في طلاق منجز أو معلق أي هل وقع عليه أو لا؟ فلا يحكم بوقوعه لان الأصل بقاء النكاح او في عدد كأن شك هل وقع عليه طلقتان أو واحدة؟ فالأقل لأن الأصل عدم الزيادة عليه ولا يخفى الورع”.
15– كذلك إذا شك في عدد الرضعات بنى على اليقين.
16- “أجمعوا على أن زوجة الأسير لا تنكح حتى تعلم يقين وفاته مادام على الإسلام”.
17- إذا شك هل مات مورثه فيحل له ماله أو لم يمت لم يحل له المال حتى يتيقن موته”.
18- “إذا كان إنسان يعلم أن بكراً مديون لعمرو بألف مثلاً فإنه يجوز له أن يشهد على بكر بالألف وأن خامره الشك في وفائها او إبراء الدائن له منها: إذ لا عبرة للشك في جانب اليقين السابق”.
19- “إذا فتحنا حصناً وفيهم ذمي لا يعرف لا يجوز قتلهم لقيام المانع بيقين.
فلو قتل البعض أو أخرج حل قتل الباقي للشك في قيام المحرم”.
فهذه نبذة من الفروع المتخرجة على هذه القاعدة نجدها في طاقة متناسقة هنا بنيت على أصل واحد “اليقين لا يزول بالشك” رغم كونها مختلفة في الموضوع والمعنى.
وصفوة القول إن القاعدة المذكورة جمة الفروع وكثيرة الدوران في كتب الفقه يتمسك الفقهاء بها ويعالجون كثيراً من المسائل على أساسها.
ثم هي متشعبة النواحي إذ تمتد ظلالها وآثارها إلى كثير من الأصول والحقائق المقررة لدى الأصولين كما عرفت من كلام الإمام العلائي ويحسن أن أذكر هنا ما قاله العلامة الفتوحي الحنبلي في معرض بحثه عن هذه القاعدة لمزيد من الإيضاح:
“ولا تختص هذه القاعدة بالفقه بل الأصل في كل حادث عدمه حتى يتحقق كما نقول: الأصل انتفاء الأحكام عن المكلفين حتى يأتي ما يدل على خلاف ذلك والأصل في الألفاظ أنها للحقيقة وفي الأوامر: أنها للوجوب وفي النواهي: أنها للتحريم والأصل بقاء العموم حتى يتحقق ورود المخصص والأصل حكم النص حتى يرد الناسخ.
ولأجل هذه القاعدة: كان الاستصحاب حجة.
ومما ينبني على هذه القاعدة: أن لا يطالب بالدليل لأنه مستند على الاستصحاب كما أن المدعى عليه في باب الدعاوى لا يطالب بحجة على براءة ذمته بل القول في الإنكار قوله بيمينه”.
من صـ282 من كتاب القواعد الفقهية تأليف على أحمد الندوي
الأمور بمقاصدها تاصل وتوضيح هذه القاعدة
إن هذه القاعدة من اهم القواعد وأعمقها جذوراً في الفقه الإسلامي وقد أولاها الفقهاء عناية بالغة فأفضوا في شرحها والتفريع عليها لأن شطراً كبيراً من الأحكام الشرعية بدور حول هذه القاعدة
والاصل فيها قوله”ص” “إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدينا يصيبها أو أمرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه”.
رواة الأئمة المشاهير أما الإمام البخاري فقد ذكره في مواضع متعددة منها في بأن ما جاء أن الأعمال بالنية والحج والصوم هنا ففي ترجمة الباب والحسبه ولكل أمرئ ما نوى فدخل فيه الإيمان والوضوء والصلاة والزكاة وإشارة واضحة إلى ما يتضمنه الحديث والقاعدة الناشئة عنه من الأبواب والأحكام والذي توخاه الفقهاء من وضع هذه القاعدة في ضوء الحديث المذكور هو بيان أن تصرفات الإنسان وأعماله تختلف أحكامها ونتائجها بإختلاف مقصود الإنسان من تلك التصرفات والأعمال وبذلك تجد ان القاعدة تمثل المعاني التي تضمنها الحديث المذكور.
ونجد في كتاب الله والسنة المطهرة من الآيات والأحاديث الكثيرة التي تشهد لهذه القاعدة ويمكن منها إدراك مزيد أهميتها وأثرها في الأعمال والتصرفات منها ما نذكره فيما يلي باختصار تام يقول الله تعالى: “ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفوراً رحيماً”.
ففي هذه الآية إرشاد وتوجيه إلى إخلاص القصد والإرادة قال الإمام ابن جرير الطبري في تفسير الآية المذكورة “ومن يخرج مهاجراً من داره إلى الله ورسوله فقد استوجب ثواب هجرته باحترام المنية إياة” وقيل إن نزول لأية في رجل كان من خزاعة فلما أمروا بالهجرة كان مريضاً فأمر أهله أن يفر شواله على سريره ويحملوه إلى رسول الله (ص) ففعلوا فأتاه الموت وهو بالتنعيم فنزلت هذه الآية فإن إدراك الأجل قبل إكمال العمل لم ينقص شيئاً من ثوابه ومكانته عند الله لوجود النية الصادقة.
وكذلك قوله تعالى: “وما آمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين” و“ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً” وفي موضع أخر”الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله” فجميع هذه الآيات فيها دلالة واضحة على كون النية ركناً اساسياً في قبول الأعمال وصحتها فلما ذكر الله سبحانه وتعالة الصدقة ناط ثوابها بالنية وبالقصد الذي تتجه إليه القلوب.
وفي هذا المعنى قوله تعالى في صورة البقرة:“لا يؤاخذكم الله باللغو في إيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم” وفي سورة الأحزاب: “وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم” فلغوا اليمين لا كفارة فيه ولا اعتبار له في نظر الشارع لانه مما حرى على اللسان عفواً من غير قصد بالقلب.
وقد ذهب ابن حزم إلى وجوب النية في جميع الأعمال والتصرفات فمن الأدلة التي أوردها في هذا الباب قوله تعالى: “لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً” وقوله تعالى”ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيراً الله أعلم بما في أنفسهم” وقوله تعالى “إذ جاءك المنافقون قالوا نشهد أنك لرسول الله والله يعلم أنك لرسوله والله يشهد أن المنافقين لكاذبون”.
وبعد أن ساق هذه الآيات الكريمة وما سواها من الأدلة قال: “فصح بكل ما ذكرنا أن النفس هي المأمورة بالأعمال وأن الجسد آلة لها فإن نوت النفس بالعمل الذي تصرف فيه الجسد وجهاً فليس لها غيره…وقد أخبر الله تعالى على لسان نبيه عليه الصلاة والسلام أنه لا ينظر إلى الصور فإذا لم ينظر إلى الصور فقد بطل أن يجزي عمل الصورة المنفردة من عمل القلب الذي هو النية وصح أنه تعالى إنما ينظر إلى القلب وما قصد به فقط ولا بيان أكثر من تكذيب الله عز وجل “المنافقين في شهادتهم أن محمداً رسول الله وهذا عين الحق وعنصره الذي لا يتم حق إلا به فلما كانوا غير ناوين لذلك القول بقلوبهم صاروا كاذبين فيه وهذا بيان جلي في بطلان كل قول وعمل لم يبؤ بالقلب”.
فهذا كلام حسن يلقي الضوء على أهمية النية ومدى الاعتداد بها في ضوء النصوص أما الأحاديث الأخرى التي توصل هذه القاعدة بجانب الحديث المشهور الذي ذكرناه فهي كثيرة جداً.
منها ما روى في صحيح البخاري “عن أبي موسى قال: جاء رجل إلى النبي (ص) فقال : يا رسول الله ما القتال في سبيل الله فإن أحدنا يقاتل غضباً ويقاتل حمية فرفع إليه رأسه قال: وما رفع إليه رأساًُ إلا أنه كان قائماً فقال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله” ففي هذا الحديث ترى أن النبي (ص) أرشد إلى تصحيح النية في الجهاد ويبين أن أعلا كلمة الله هو الغاية الفصوى التي يطمح إليها عند القتال وأن يكون العمل خالصاُ عن كل شائبة من الرياء والسمعة وحمية الجاهلية وقد أشار الحافظ ابن حجر رحمة الله إلى هذا المعنى في شرح الحديث المذكور فقال: “من قاتل…الخ” هو من جوامع كلمة (ص) لأنه أجاب بلفظ جامع لمعنى السؤال مع الزيادة عليه وفي الحديث شاهد لحديث”الأعمال بالنيات”
ومن شواهد القاعدة من جاء في حديث طويل قوله صلى الله عليه وسلم “يبعثهم الله على نياتهم”.
وهناك أحاديث كثيرة في هذا الباب يعذر حصرها ولا مجال للإطالة في سردها هنا وكلها يبعث على استحضار النية واعتبار القصود وعلى أساسها ينبني كثير من الاحكام وتصرفات العباد في العبادات والمعاملات وبذلك تتجلى أهمية هذا الأصل في الفقه الإسلامي.
والقواعد الفقهية المتفرعة من هذه القاعدة كلها ويثقة الصلة بهذه النصوص وأمثالها.
وتحت عنوان “العبرة في العقود المقاصد والنيات” وهي القاعدة المنبثقة عن ذلك الأصل:”لامور بمقاصدها” وجدنا للإمام ابن القيم رحمة الله كلاماً قيماً يحلو لنا أن نورده هنا باختصار لما فيه من التنوير لما سبق وزيادة في الموضوع يقول:” من تدبر مصادر الشرع تبين له أن الشارع ألغى الألفاظ التي لم بقصد المتكلم بها معانيها بل جرت على غير قصد منه ومن قواعد الشرع التي لا يجوز هدمها أو هدرها أن المقاصد والاعتقادات معتبرة في التصرفات والعبارات كما هي معتبرة في التقربات والعبادات…ودلائل هذه تفوق الحصر فمنها قوله تعالى في حق الأزواج إذا طلقوا أزواجهم طلاقاً رجعياً: “وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن إرادوا إصلاحاً ” وقوله: “ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا” وذلك نص في أن الرجعة إنما ملكها الله تعالى “من بعد وصية يوصي بها أو دين غير مضار” فإنما قدم الله الوصية على الميراث إذا لم يقصد بها الموصي الضرار فإن قصد فللورثة إبطالها وعدم تنفيذها…)
9- الامور بمقاصدها
هذه إحد القواعد الخمس المحكمة الأساسية من قواعد الفقه الإسلامي وهي تنبثق عن قاعدة النية ومن المعلوم ان “النية روح العمل ولبه وقوامه وهو تابع لها يصح بصحتها ويفسد بفسادها والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال كلمتين كفتا وشفتا وتحتهما كنوز العلم وهما قوله: “إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمرئ ما نوى” فبين في الجملة الأولى أن العمل لا يقع إلا بالنية ولهذا لا يكون عمل إلا بنية ثم بين في الجملة الثانية أن العامل ليس له من عمله إلا ما نواه وهذا يعم العبادات والمعاملات والإيمان والنذور وسائر العقود والأفعال”.
والأمور جمع امر وهو لفظ عام للأفعال والأقوال كلها ومنه قوله تعالى:
“وإليه يرجع الأمر كله” “وما أمر فرعون برشيد” أي ماهو عليه من قول أو فعل.
والمراد هنا: أحكام الأمور بمقاصدها باعتبار أن علم الفقه يبحث عن أحكام الأشياء لا عن ذواتها ولذا أوضحت “المجلة” القاعدة بقولها: “يعني أن الحكم الذي يترتب على أمر يكون على مقتضى ما هو المقصود من ذلك الأمر”.
ولقد قرر كثير من العلماء أن هذه القاعدة تمثل قاعدة النية في جملة معانيها ولذلك أدرجوا قواعد عديدة تتعلق بالنية تحت هذه القاعدة مثل قولهم:”شرعت النية لتمييز العبادات عن العادات ولتمييز مراتب العبادات بعضها عن بعض””وما تميز بنفسه لا يحتاج إلى نية” و” كل نية تجب مقارنتها”..وما سواها من المباحث التي تفيض بذكرها كتب القواعد.
وإذا أخذنا القاعدة بهذا الاعتبار فلا شك أنها تتضمن موضوعات واسعة ليس من الميسور الإحاطة بها ولذلك يقول تاج الدين السبكي رحمة الله “وقاعدة النية طويلة الذيل متسعة الإنحاء”.
وبناءً على ذلك المفهوم الشامل تدخل تحت القاعدة أبواب العبادات برمتها لأن النية هي المعيار أو الأساس في صحتها فإنها تعتبر في الوضوء والغسل والتيمم وفي الأغسال المسنونة وكذلك في الصلوات جميعها سواء أكانت فرض عين أم فرض كفاية أو سنة أو نافلة مطلقة.
– وكذلك في الزكاة والصدقة وفي فرض الصيام ونفله وفي الحج والعمرة.
– وكذلك في الضحايا والهدايا والنذور والكفارات.
– وكذلك في الجهاد والعتق والتدبير والكتابة بمعنى أن حصول الصواب في هذه الأربعة يتوقف على قصد التقرب بها إلى الله.
– وكذلك في فصل الحكم بين المتداعيين والمتخاصمين وإقامة الحدود على الجناة وسائر ما يتعاطاه الحكام وأولياء الأمور.
– بل يسرى هذا المعنى إلى سائر المباحات إذا قصد بها التقوي على العبادة أو التوصل إليها كالأكل والنوم واكتساب المال وغير ذلك.
– وكذلك النكاح إذا قصد به الإعفاف أو الرغبة في الذرية الصالحة.
فيندرج في هذا كله ما لا يحصى من المسائل لدخول ذلك كله تحت الكلمة النبوية الجامعة” إنما لكل أمرئ ما نوى”.
وهذا ما ذهب إليه معظم مصنفي القواعد أما مجلة الاحكام العدلية فيبدو عند انعام النظر فيما أوردت تحت هذه القاعدة من الفروع أنها سيقت لبيان ما يترتب على اختلاف المقاصد والنيات من الاحكام والآثار إذ الاحكام الشرعية منها ما يثبت بمجرد النية بدون فعل مثل من قصد أن يكفر ولو لم يقر بالكفر ومنها ما يثبت بالفعل فقط بدون النية مثل البيع المنعقد بصيغة الماضي فإنه يكفي فيه العقد ولا حاجة إلى النية ومنها ما يجمع بين فعل ونية وهو ما ورد في هذه المادة من المجلة وهذا ما يظهر من الفرعين المذكورين فيما يلي:
1- “…. اللقطة إن التقطها ملتقط بنية اخذها لنفسه كان في حكم الغاصب فيضمن إذا تلفت في يده بأي صورة كان تلفها والقول للملتقط بيمينه في النية لو اختلفا فيها”.
2- لو وقع الصيد في شبكة إنسان أو حفرة من أرضه ينظر: فإن كان نشر الشبكة أو حفر الحفرة لاجل الاصطياد بهما فإن الصيد ملكه وليس لاحد أن ياخذه وإن كان نشر الشبكة لتجفيفها مثلاً او حفر حفرة لغرض معين لا لأجل الاصطياد فإنه لا يعتبر من ملكه وساغ لغيره أن يتملكه بالاخذ إذا استبق إليه لأن إحراز المباحات لا يفيد الملك إلا إذا اقترنته النية والقصد.
وأيا كان الامر فإن القاعدة جمة الفروع وتجرى في كثير من الأبواب الفقهية كما سلفت الإشارة فيما أوردناه من كلام الإمام العلائي رحمة الله.
صـ454-455 من كتاب القواعد الفقهية على أحمد الندوي
لا يسنب إلى ساكت قول
يعنى أنه لا يقال لساكت انه قال كذا
ولكن السكوت في معرض الحاجة بيان”يعنى ان السكوت فيما يلزم التكلم إقرار وبيان هذه القاعدة محتويه على فقرتين الاول: حيث إن الشرع ربط معاملات الناس بالعبارات الدالة على المقاصد لم يجعل للسكوت حكماً يبنى عليه شيء كما تبنى الأحكام على الألفاظ وكذلك عدم القول هو المتيقن ودلالة السكوت مشكوك فيها ومن هنا كان الشطر الأول للقاعدة وثيق الصلة بالقاعدة الأساسية “اليقين لا يزول بالشك ” أما الفقرة الثانية فهي بمثابة الاستثناء مما قبلها وهي قاعدة ذكرها علماء الأصول من الحنفية فجعلوا السكوت في حكم النطق وذلك في موضع تمس الحاجة فيه إلى البيان فكما تدرك المعاني وتستخرج الاحكام من الألفاظ والعبارات تؤخذ أحياناً من السكوت لدلالة القرائن المرجحة.
فهذه القاعدة هي أحد أنواع” بيان الضرورة” وفق اصطلاح الأصوليين من الحنفية فإن النوع الثاني منها كما جاء في كشف الأسرار وشرح أصول البردوي هو: “السكوت الذي يكون بدلالة حالة المتكلم” وذلك إذا سكت من عليه البيان على أمر فإنه لو كان يريد خلافه لبينه مثل سكوته صلى الله عليه وسلم على عدم الإذان والإقامه لصلاة العيد ومن هذا القبيل سكوت البكر البالغة عند الاسئتذان بالزواج فإن مثل هذا السكوت جعل بياناً للرضا بسبب وجود مانع الحياء الذي يمنعها عن الإفصاح والنطق في هذه المناسبة.
ولقد تعرض الإمام السمرقندي 539هـ لهذه القاعدة فقال: “السكوت يكون إذناً في مواضع” ثم ذكر عده مسائل تفريغاً على ذلك منها: (…المشترى إذا قبض السلعة بحضره البائع وسكت البائع: يكون إذناً بالقبض).
وكذا إذا سمع الشفيع بالبيع فلم يطلب الشفعة وسكت يكون تسليماً للشفعة ومن هنا يمكن القول بانها قاعدة فقهية وأصولية.
ثم إن الفقرة الأولى هي الأصل باعتبار أن المعاملات مربوطة بالعقود والألفاظ الصريحة فليس لجزئياتها عدد يدخل تحت الحصر بخلاف الفقرة الثانية فإنه محصورة بمسائل معدودة بالاستقراء.
– “الأصل بقاء ما كان على ما كان”
وهذا الأصل يسمى الاستصحاب يعنى أن الذي ثبت على حال في الزمان الماضي ثبوتاً أو نفياًُ يبقى على حالة ولا يتغير ما لم يوجد دليل يغيره.
قال الإمام الونشريسي في المعيار:”الأصل بقاء ما كان على ما كان وهو المسمى في العرف الأصولي باستصحاب الحال وهو أصل من أصول الشريعة تدور عليه مسائل وفروع”.
والاستصحاب: مأخوذ من الاستصحاب اللغوي وهو الملازمة وعدم المفارقة وهو على أقسام كما ذكر ذلك وشرح في كتب أصول الفقه.
وأما بحث الفقهاء فهو عن استصحاب حكم دل الشرع على ثبوته ودوامه كالملك عند جريان السبب المقتضي له وكشغل الذمة عند إتلاف أو التزام إلى ان يثبت معارض راجح على ذلك يرفعه إلى غير ذلك من الأحوال وهذا النوع هو الذي تعرضت له هذه القاعدة وتصدى لبيانه العلماء في كتب القواعد الفقهية وإن لم تخل كتب الأصول عن ذكرها وتفصيلها.
ثم لما كان الاستصحاب حجة للدفع لا للاستحقاق كما ذهب إلى ذلك جماعة من الفقهاء والأصوليين فالمفقود لا يكون استصحاب حياته حجة ملزمة للأرث من غيره.
ففي قولهم “يصلح حجة للدفع” تلميح إلى صلة هذه القاعدة بالقاعدة الأساسية “اليقين لا يزول بالشك” إذ المفقود تجرى عليه أحكام الأحياء فيما كان له فلا يورث ماله ولا تبين أمراته لان حياته حين تغيبه “متيقنة” وموته قبل المدة المضروبة باعتبار الغالب والمعتاد “مشكوك” فيدخل ذلك تحت قاعدة”اليقين لا يزول بالشك”.
ثم إن الاستصحاب يعد من الأدلة المختلف فيها ويعول عليه كثير من الأصوليين والفقهاء عند تعذر المصير إلى القياس.
فإذا وقع التعارض بين السنتين في نظر المجتهد ثم تعذر المصير إلى القياس وأقوال الصحابة رضى الله عنهم ساغ له أن يرجع في الحكم إلى هذه القاعدة كما في سؤر الحمار لما تعارضت الدلائل: قالوا: بانه لا يطهر به تحس ولا يتنحس به طاهر إبقاء لما كان على ما كان ولذلك افتوا بأن: “سؤر الحمار والبغل مشكوك فيهما فإن لم يجد غيرهما توضأ بهما وتيمم”.
خلاصة المقال أن هذه القاعدة”فقهية أصولية” ذات أثار وفروع فقهية متوافرة.
الأصل براءة الذمة والمراد منها أن تكون ذمة كل شخص غير مشغول بواجب او حق إلا بيقين وثبوت وقد تعرض لها الإمام ابن عبد البر في خمسة مواطن من التمهيد ونص عليها بألفاظ متماثلة تقريباً وهي كالأتي :-
– والذمة على براءة ولا يجب أن يثبت فيها شيء … إلا بدليل لا مدفع فيه
– والذمة بريئة فلا يثبت فيها شيء إلا بيقين
– والذمة بريئة فلا يثبت فيها شيء إلا بما لا مدفع فيه
– والذمة بريئة إلا بيقين أو حجة
– الذمة بريئة فلا يجب فيها شيء إلا بيقين
الأشياء على الإباحة :-
هذه قاعدة فقيهيه أصولية معروفه يرجع إليها في تقرير كثير من الأحكام وهي غالباً ما ترد في موضوعيات الخطر و الاباحه وقد نص عليها الإمام ابن عبد البر في ثمانية مواضع في معلمته ” التمهيدية ” وهنا أقدم نصاً فيه دلاله على استنباط القاعدة من الحديث وهناك بيانه:
(( …. عن عبد الله بن عمر إن رسول الله (ص) كان يلبس خاتماً من ذهب ثم قام رسول الله (ص) فنبذه وقال : لا ألبسه أبدا . قال : فنبذ الناس خواتمهم قال الأمام ابن عبد البر في هذا الحديث دلاله على أن الأشياء على الإباحة حتى يرد الشرع بالمنع منها . إلا ترى أن رسول الله (ص) كان يتختم بالذهب وذالك والله اعلم على ما كانوا عليه حتى أمره الله بما أمره به من ترك التحتم بالذهب فنهى رسول الله (ص) عن التختم بالذهب للرجال ))
وهنا لا باس أن أسجل نصوص القاعدة الواردة في أماكن أخرى
– الأصل إن الأشياء على الإباحة حتى يثبت النهي . وهذا في كل شيء
– الأصل في الأشياء الإباحة حتى يصح المنع بوجه لامعا رض له ودليل غير محتمل للتأويل
– اصل الأشياء على الإباحة حتى يرد المنع
– الأشياء أصلها الإباحة
– الأمور أصلها الإباحة حتى يثبت الخطر
– الأصل الإباحة حتى يصح المنع من وجه معارض له
(1) مختصر السنن أبي داود 1/129 وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه.
(2) معالم السنن: 1/129
(3) المصدر نفسه: 3/150
(4) أنظر السيوطي الأشباه والنظائر صـ51
(5) المجموع شرح المهذب : 1/205
(6) أنظر البناني حاشية البناني على جمع الجوامع :2/29 “خاتمة في قواعد تشبه الادلة.
(1) صلاح الدين العلائي “المجموع المذهب في قواعد المذهب “مخطوط” و:21، الوجه الثاني
(2) الصحاح تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار: 6/2219
(3) ابن منظور:لسان العرب”ط. بيروت دار صادر سنة 1956م –1375هـ” 13/457
(4) المصدر نفسه:10/451
(1) الجرجاني كتاب التعريفات صـ259 باب الياء وانظر الكفوي الكليات القسم الخامس: صـ116
(2) الكليات القسم الخامس: صـ116
(3) الراغب الاصفهاني المفردات في غريب القرآن صـ552
(4) المصدر نفسه :صـ552
(5) الفروق في اللغة: صـ63-64
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً