شرط المصلحة
المصلحة شرط أساسي لقبول الدعاوى كافة ومنها دعوى الإلغاء أمام محكمة القضاء الاداري، تعرف المصلحة عموماً بأنها (الفائدة أو المنفعة التي يمكن أن يحصل عليها رافعها في حالة إجابته إلى طلبه )([1]) ومن المستقر قضاءً أنه لا يقبل أي طلب أو دفع لا يكون لصاحبه فيه مصلحة قائمة يقرها القانون.
إلا أن المصلحة في دعوى الإلغاء تتميز عن تلك التي تتطلبها الدعاوى العادية أمام المحاكم العادية أو دعوى القضاء الكامل .
أولاً- طبيعة المصحة في دعوى الإلغاء:
إذا كان المستقر في قوانين المرافعات أن المصلحة التي تبرر قبول الدعوى يجب أن تستند إلى حق اعتدى عليه أو مهدد بالاعتداء عليه، فأن المصلحة في دعوى الإلغاء لا يشترط فيها أن تستند إلى حق لرافعها اعتدت عليه الإدارة أو هددت بالاعتداء عليه .
فقد درج الفقه والقضاء الإداريان على أنه يكفي لقبول دعوى الإلغاء توفر شرط المصلحة الشخصية مباشرة دون الاستناد إلى حق مكتسب للطاعن كما هو الشأن في القضاء المدني .
وعدم اشتراط استناد المصلحة في دعوى الإلغاء إلى حق للطاعن أدى إلى اتساع ميداينها بوصفها دعوى موضوعية تخاصم القرارات الإدارية غير المشروعة، بقصد حماية مبدأ المشروعية . ([2])
وعزز هذا الاتجاه أن المشرع الفرنسي في القانون الأساسي الذي نظم مجلس الدولة الفرنسي الصادر في 24/2/1872، وفي القانون الحالي في للمجلس لم يشترط توفر المصلحة لدى الطاعن في دعوى الإلغاء ثم ليس للقضاء أن يقيد الدعوى بهذا الشرط، مما دفع جانب من الفقه إلى القول بأن دعوى الإلغاء دعوى حسبة . ([3])
غير أن جانب أخر منهم ذهب إلى أن صمت المشرع الفرنسي عن اشتراط المصلحة في دعوى الإلغاء يعود إلى أنه قد ترك لقضاء مجلس الدولة أمر تنظيم دعوى الإلغاء، فهذه الدعوى في معظم أحكامها هي من خلق القضاء . ([4])
وأياً كان الأمر فأن القضاء الإداري في فرنسا و مصر و العراق قد اشترط توافر المصلحة لدى الطاعن بالإلغاء لقبول دعواه .
ثانياً- أوصاف المصلحة في دعوى الإلغاء:
يشترط القضاء توافر أوصاف معينة في المصلحة حتى يتم قبول دعوى الإلغاء، وتتحدد هذه الأوصاف في ضرورة أن تكون هذه المصلحة شخصية ومباشرةً من ناحية وأن تتعلق بمصلحة مادية أو أدبية من ناحية أخرى .
وقد اشترط المشرع العراقي في المادة السابعة من قانون مجلس شورى الدولة أن يكون الطعن المقدم إلى محكمة القضاء الإداري من (ذي مصلحة معلومة وحالة وممكنة …) .
1. المصلحة الشخصية المباشرة:
اتفق الفقه والقضاء على أن المصلحة المبررة لقبول دعوى الإلغاء أمام القضاء الإداري لابد أن تكون مصلحة شخصية فلا تقبل الدعوى من شخص لا مصلحة له في إلغاء القرار الإداري، مهما كانت صلته بصاحب المصلحة .
فالمصلحة الشخصية هي سند قبول دعوى الإلغاء وهي غايتها، وما تحقيق المشروعية في القرار محل الطعن سوى تأكيد هذه المصلحة وحمايتها . ([5])
وتتضح المصلحة الشخصية من خلال الصلة الشخصية للمدعي بالقرار المطعون فيه والضرر الذي تسببه له، وبمعنى آخر أن يكون الطاعن في حالة قانونية يؤثر فيها القرار المطعون فيه تأثيراً مباشراً .
مع ذلك يجوز أن تتحد المصلحة عند مجموعة من الأفراد وتكون المصلحة شخصية تبرر قبول دعوى الإلغاء، مثلما هو الحال في مصلحة المنتفعين من مرفق عام تقرر إلغاؤه ففي هذه الحالة يجوز أن ترفع دعوى واحدة تجمع هؤلاء الإفراد الذين لا ينتمون إلى طائفة أو جماعة تتمتع بالشخصية المعنوية . ([6])
2. المصلحة المادية والمصلحة الأدبية:
استقر القضاء الإداري على أنه يكفي لقبول دعوى الإلغاء أن يكون للطاعن مصلحة شخصية مباشرة، مادية أو أدبية، ومن الأمثلة على المصلحة المادية ” مصلحة الطاعن بإلغاء قرار الإدارة المتعلق بغلق محله التجاري، أو رفضها منحه رخصة مزاولة مهنة معينة ” .
وتتمثل المصلحة الأدبية بقرارات الإدارية التي تمس سمعة الموظف واعتباره، عندما يطلب إلغاء قرار تأديبه المقنع على الرغم من أنه أحيل على المعاش بناءً على رغبته([7])، أو كما لو تعلق القرار بغلق مكان للعبادة أو منع ممارسة الشعائر الدينية فيه .
3. المصلحة المحققة والمصلحة المحتملة:
من المتفق عليه أنه يجب أن يكون لرافع الدعوى مصلحة محققة حتى يمكن قبول دعوى الإلغاء، ويتحقق ذلك بصفة عامة إذا حصل ضرر حال بمصلحة الطاعن سواء من الناحية المادية أو الأدبية .
ويظهر الشك عندما تكون المصلحة محتملة وعندما لا يكون الضرر واقعاً فعلاً على الطاعن وإنما يحتمل الوقوع فترفع الدعوى لا لدفع الضرر الذي وقع بالفعل وإنما لتوقي الضرر قبل وقوعه .
وإذا نظرنا إلى اتجاه المشرع في الدعاوى العادية نجده قد توسع في تفسير المصلحة وسمح بقبول المصلحة المحتملة على سبيل الاستثناء لدفع ضرر محدق أو لاستيثاق حق يخشى زوال دليله .
وإذا كان الأمر كذلك في الدعاوى العادية التي تستند فيها المصلحة إلى حق فأن التوسع في شرط المصلحة في دعوى الإلغاء يكون من باب أولى، لا سيما أن انتظار الطاعن حتى تصبح مصلحته محققة فيه مخاطرة من حيث احتمال فوات مدة الطعن وهي قصيرة غالباً . الامر الذي دعى المشرع العراقي الى أجازة قبول المصلحة المحتملة في دعوى الإلغاء صراحة وذلك في الفقرة (د) من المادة السابعة من قانون مجلس شورى الدولة المعدل رقم (65) لسنة 1979 والتي نصت على (بناء على طعن ذي مصلحة معلومة وحالة ممكنة ومع ذلك فالمصلحة المحتملة تكفي إذا كان هناك ما يدعو إلى التخوف من إلحاق ضرر بذوي الشأن) .
ومن جانب آخر فأن دعوى الإلغاء من حيث طبيعتها تنتمي إلى القضاء الموضوعي وتستهدف تحقيق مصلحة عامة وهذه المصلحة محققة دائماً لأن الجماعة يعنيها أن تتم المشروعية على الوجه الأكمل ([8])،وليس في قضاء محكمة القضاء الاداري ما يخالف هذا الاتجاه .
ثالثاً- وقت توفر المصلحة:
لا خلاف في ضرورة توفر المصلحة عند رفع الدعوى وإلا حكم بعدم قبولها، ويظهر الخلاف حول وجوب استمرار المصلحة حتى الفصل في الدعوى .
فقد استقر مجلس الدولة الفرنسي على الاكتفاء بقيام المصلحة وقت رفع الدعوى وعدم اشتراط استمرارها إلى وقت الفصل فيها . فإذا زالت هذه المصلحة يستمر في نظر الدعوى وإصدار حكمه . ([9])
وأيد الفقه هذا التوجه من المجلس على أساس أن دعوى الإلغاء دعوى موضوعية توجه إلى ذات القرار الإداري وتهدف إلى حماية مبدأ المشروعية وسيادة القانون وهي ترفع لتحقيق مصلحة الجماعة بالإضافة إلى المصلحة الخاصة للطاعن .
أما مجلس الدولة المصري فقد تردد في أحكامه إذ أنه أخذ أحياناً بضرورة توفر المصلحة في وقت رفع دعوى ولا يتطلب استمرارها حتى الفصل فيها .
ويعود في أحيان أخرى ليشترط وجود المصلحة واستمرارها لحين الفصل فيها، ويبدو أن هذا الاتجاه هو الغالب قي القضاء الإداري المصري، فقد ذهبت المحكمة الإدارية العليا في حكم لها إلى أنه : ” يشترط لقبول دعوى الإلغاء أن يتوافر في رافعها شرط المصلحة ويتعين توافر هذا الشرط من وقت رفع دعوى لحين الفصل فيها ” . ([10])
ويؤيد الأستاذ الدكتور سليمان محمد الطماوي هذا الاتجاه فيقول أنه لاعتبارات عملية يفضل المسلك الذي يشترط استمرار المصلحة حتى صدور الحكم في الدعوى لأن ذلك يخفف العبء على كاهل مجلس الدولة من ناحية ولأن رقابة قضاء الإلغاء حديثة نسبياً في مصر من ناحية أخرى . ([11])
وأياً كانت التبريرات فقد جانب هذا الاتجاه الصواب نظراً للطبيعة الموضوعية لدعوى الإلغاء ودورها المهم في الحفاظ على مبدأ المشروعية التي تتطلب استمرار نظر الدعوى وأن زالت المصلحة الشخصية لرافعها أثناء السير فيها لأن هناك مصلحة أخرى تتمثل بحماية مبدأ المشروعية وهذه المصلحة تبقى ولا تزول بزوال الأولى .
ورغم اننا لم نلمس توجة معين من القضاء الاداري في العراق اتجاه هذا الموضوع فأننا نرجو ان يشترط القضاء توافر المصلحة وقت رفعها دون ان يتطلب استمرارها حتى انتهاء الدعوى لما في ذلك من أثر في احترام مبدأ المشروعية وسيادة القانون وتماشياً مع طبيعة دعوى الإلغاء والحجية المطلقة للأحكام الصادرة فيها.([12])
أما حالة سحب الإدارة لقرارها غير لمشروع أثناء سير الدعوى فأن المحكمة تلزم بالتوقف عن الفصل في الدعوى لأن السحب يعدم القرار المطعون فيه منذ صدوره فلم يعد محلاً للطعن فيه وتصبح المصلحة في إلغائه منتفية مما يتأذى معه الحكم بانتهاء الخصومة .
([1]) د. ماجد راغب الحلو ، مصدر سابق ، ص319 .
[2] – د. عبد الغني بسيوني – المصدر السابق – ص 184.
[3] – د. محمد عبد السلام مخلص –نظرية المصلحة في دعوى الإلغاء – المصدر السابق – ص112.
[4] – د. سليمان محمد الطماوي – المصدر السابق – ص 540.
[5] – د. طعيمة الجرف –المصدر السابق – ص 213 .
[6] – ينظر في ذلك :
– د. محمد ماهر أبو العينين – دعوى الإلغاء أمام القضاء الإداري – دار الكتب القانونية – 1998 –ص 365.
– د. محمد عبد السلام مخلص المصدر السابق – ص 35.
– د. طعيمة الجرف – المصدر السابق – ص 153 .
[7] – محكمة القضاء الإداري المصري بتاريخ 18/1/1955 المجموعة الجزء الثاني – 1023.
[8] – ينظر :
– سليمان محمد الطماوي – المصدر السابق – ص 352.
– د. ماجد راغب الحلو – المصدر السابق – ص 298.
[9] – د. عبد الغني بسيوني المصدر السابق – ص 496 .
[10] – حكم المحكمة الإدارية العليا رقم 1915 بتاريخ 4/4/1987 السنة 31 ق المجموعة السنة الثانية والثلاثون – ص118.
[11] – د. سليمان محمد الطماوي – المصدر السابق – ص 442 .
[12] – ينظر في نفس الرأي – د. محمد العبادي – قضاء الإلغاء مكتبة دار الثقافة – ص 136.
اترك تعليقاً