بحث قانوني هام عن شرعية العقوبات التأديبية المدرسية وفقا للقانون المغربي
عرف المغرب، منذ بداية التسعينات، تطورات كثيرة في مجال إحقاق دولة الحق والقانون. فقد تم إنشاء عدة مؤسسات ومجالس تعنى بحماية حقوق المواطنين، كما قام المشرع المغربي بمراجعة وتعديل وإصدار العديد من التشريعات تماشيا مع التزاماته الدولية.
في هذا الإطار، أصدر المشرع المغربي الكثير من القوانين التي تهم قطاع التربية الوطنية، كما أصدرت الحكومة المغربية العديد من المراسيم التطبيقية، وأصدرت الوزارة بدورها عدة قرارات ومذكرات. لكن قراءة متأنية لهذه النصوص تجعل الباحث يقف على الكثير من الثغرات والاختلال القانوني، والنسيان في بعض الأحيان. بعض النصوص يكتنفها الغموض حيث إن صياغتها غير واضحة، فالقراءة القانونية لبعض المراسيم والقرارات تفيد شيء، في حين أن المذكرات الموضحة لها توحي لشيء آخر قد يناقضها في بعض الأحيان أو تضيف شروطا لم تشر إليها النصوص أو تمنع فئة من نساء و رجال التعليم أو التلاميذ من بعض الحقوق.
و إليكم بعض الأمثلة على ذلك :
1.القرار المتعلق بإعادة تنظيم التفتيش التربوي؛
2.قرار رقم 80.05، بتحديد كيفية وضع لوائح الأهلية لشغل مهام الإدارة التربوية بمؤسسات التربية والتعليم العمومي؛
3. مرسوم رقم 2.99.1219، المتعلق بالرخص لأسباب صحية ورخص الولادة؛
4. مرسوم رقم 2.02.854 بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية؛
5. العقوبات التأديبية المدرسية.
إن ضيق الوقت يفرض علينا معالجة موضوع واحد.
إن الإشكالية التي نود مناقشتها معكم تتمثل في: ما مدى شرعية العقوبات التأديبية المدرسية ؟
وانسجاما مع الشروط التي وضعتها اللجنة المنظمة فإن مداخلتي سترصد الاختلال القانوني المتعلق بالعقوبات التأديبية المدرسية (مبحث أول) ثم اقتراح الحلول والتوصيات (مبحث ثاني).
المبحث الأول: رصد مكامن الاختلال المتعلقة بالعقوبات التأديبية المدرسية
إذا كان الفصل 13 من الدستور المغربي لسنة 1996 (كتبت هذه المداخلة قبل صدور دستور 2011) يضمن للمغاربة حق التعليم، فإن هذا الحق ليس مطلقا؛ حيث يمكن للإدارة تجميده لفترة محدودة، كما يمكنها حرمان التلميذ منه نهائيا إذا ما ارتكب هذا الأخير مخالفات تستدعي ذلك. لكن تدخل الإدارة يجب أن يتسم بالشرعية وفق نصوص تشريعية محددة مسبقا و لتي من المفروض أن يكون التلميذ على علم بها، فالدستور المغربي يؤكد في فصله العاشر: » لا يلقى القبض على أحد ولا يعتقل ولا يعاقب إلا في الأحوال وحسب الإجراءات المنصوص عليها في القانون«، والمبادئ العامة للقانون الإداري تؤكد على : » لا عقوبة إلا بنص « . إذن، لا يمكن معاقبة التلميذ المخل بواجباته تجاه مؤسسته إلا بنص قانوني يحدد لائحة العقوبات التأديبية.
ثم إن العقوبات التأديبية المدرسية باعتبارها قرارات إدارية، تؤثر في الوضعية القانونية للتلميذ، لا يمكن أن تصدر إلا من جهة مختصة. إن الفقه المغربي والفرنسي يعرفان الاختصاص بتلك السلطة الشرعية المحددة بنص قانوني أو بتفويض والمخولة لشخص من أجل اتخاذ قرارات في منطقة نفوذ محددة وزمان محدد كذلك.
إن الاختلال ([1]) الذي تمكنا من رصده من خلال هذا البحث المتواضع يكمن في عدم تحديد اللائحة الحصرية للعقوبات (المطلب الأول) وعدم تحديد السلطة المختصة باتخاذ العقوبة التأديبية المدرسية (المطلب الثاني).
المطلب الأول: غياب اللائحة الحصرية للعقوبات التأديبية المدرسية
1.حسب علمي وبعد البحث الذي قمت به، لا يوجد أي نص قانوني يحدد اللائحة الحصرية للعقوبات التأديبية، ويكفي أننا لم نستعمل أية لائحة حصرية للعقوبات خلال اجتماعاتنا كمجالس انضباط. فمثلا إذا أخدنا الجامعات المغربية فالعقوبات التأديبية محددة في المادة 4 من المرسوم رقم 2.06.619 المتعلق بالمجلس التأديبي الخاص بالطلبة[2]، (8 عقوبات: الإنذار، التوبيخ، الإقصاء المؤقت من كل أنشطة المؤسسة الجامعية أو بعضا منها مع المشاركة في الامتحانات وتقييم المعلومات لمدة لا تتجاوز 15 يوما كاملة حسب الرزنامة الجامعية، …….)؛
2. مشروع النظام الداخلي الذي أعدته وزارة التربية الوطنية (وإن كان لا يرقى إلى مستوى نص تشريعي) لم يحدد هو الآخر لائحة العقوبات، فقد أشارت المادة 26 منه إلى عقوبتي الإنذار والتوبيخ مع إشعار ولي الأمر وربطتهما بالغياب المتكرر فقط؛
3.أما المرسوم رقم 2.02.376 بمثابة النظام الأساسي الخاص بمؤسسات التربية والتعليم العمومي[3] فلم يحدد هو الآخر أية لائحة للعقوبات؛
4.مجلس القسم، الذي يجتمع كمجلس تأديبي، قد يكون غير محايد لأنه يتكون من أساتذة القسم، و قد يكون هناك خلاف قديم بين أحد الأساتذة والتلميذ الماثل أمام المجلس فتكون فرصة أمام الأستاذ للانتقام. كما أن مجلس الانضباط يفتقد إلى مبدأ تساوي الأعضاء وتمثيلية التلاميذ داخل المجلس ضعيفة؛
5.عدم وجود مسطرة تأديبية تلتزم الإدارة بإتباعها حفاظا على حقوق التلميذ.
المطلب الثاني: ما هي السلطة المختصة باتخاذ العقوبة التأديبية المدرسية
ينبغي التمييز بين مرحلتين تاريخيتين؛ مرحلة ما قبل 25 يوليو 2002 ومرحلة ما بعد هذا التاريخ. خلال المرحلة الأولى كانت المؤسسات التعليمية تخضع لمرسوم 11 فبراير 1972[4] والذي منح مدير المؤسسة سلطة التأديب، حيث نصت المادة 11 في فقرتها الأولى على:» يتحمل المدير المسؤولية التربوية والإدارية والمالية للمؤسسة ويسهر على سير الدراسة ويحافظ على النظام والتأديب « وقد أكد ذلك الاجتهاد القضائي في كثير من أحكامه وقراراته.
لكن مرسوم 25 يوليو 2002 لم يمنح المدير سلطة التأديب ونعتقد أنها سقطت سهوا من الفقرة 3 من المادة 11 حيث تنص هذه الأخيرة على: » العمل [يقصد المدير] على ضمان حسن سير الدراسة و النظام في المؤسسة وتوفير شروط الصحة والسلامة للأشخاص والممتلكات«. ربما يفهم البعض أن النظام يشمل التأديب، وهذا غير صحيح، فالنظام هو إجراءات مسطرية ينص عليها النظام الداخلي من أجل سير عادي للمؤسسة، في حين أن التأديب هو جزاء عن مخالفة يرتكبها التلميذ تعرقل السير العادي للمؤسسة أو تسيء إلى سمعتها، والتأديب من النظام العام وجب الإشارة إليه بصريح العبارة، ويكون مرتبط بلائحة العقوبات والمسطرة التأديبية.
أما مجلس القسم فليس إلا هيئة استشارية تقترح القرارات التأديبية في حق التلاميذ غير منضبطين وفق مقتضيات النظام الداخلي للمؤسسة[5].
خلاصة المبحث الأول
في غياب اللائحة الحصرية للعقوبات التأديبية وفي غياب مسطرة تأديبية تضمن للتلميذ حقوقه وحيث إن السلطة التأديبية غير محددة فإن العقوبات المتخذة في حق التلاميذ مهما كانت بسيطة وغير جسيمة تفتقد إلى الشرعية وقابلة للإلغاء من طرف القاضي الإداري.
المبحث الثاني: اقتراحات وتوصيات
لتجاوز هذا الإشكال أي عدم شرعية العقوبات التأديبية المدرسية في الوقت الحالي نقترح العمل على:
1 إصدار مدونة التربية الوطنية، تكون على شكل قانون يتطرق إلى كل ما يهم التربية والتكوين على غرار ما هو معمول به في الكثير من الدول المتقدمة مثل فرنسا؛
2.شرعية العقوبة تستوجب إصدار مرسوم يحدد اللائحة الحصرية للعقوبات التأديبية الخاصة بالتلاميذ حسب خطورتها، وأن تدمج في النظام الداخلي لمؤسسة وتنشر حتى يتمكن التلاميذ من الإطلاع عليها، وأن هذا الإجراء يجعل التلميذ يستشعر خطورة ما ينتظره في حالة ارتكابه لمخالفة ويعطي معنى للمقولة (لا يعذر أحد بجهله للقانون) وللمبدأ العام للقانون الإداري (لا عقوبة إلا بنص)[6] والتي ينبغي أن ترمي إلى:
· تحسيس التلميذ بمسؤولياته المرتبطة بتصرفاته وأن تضم العقوبات في طياتها الجانب الجزري والجانب التربوي؛
· الوضوح والانسجام في النظام التأديبي والتي تجعل من التلميذ يتقبل العقوبة الناتجة عن مخالفاته وهي من المقومات التربوية للعقوبة؛
· احترام المبادئ العامة للقانون والتي تعبر عن الممارسة الديمقراطية في تطبيق العقوبات في المؤسسات التعليمية والتي من دونها قد يحس التلميذ أو عائلته بالظلم والذي قد يؤدي، بدوره، إلى هشاشة وعدم مشروعية مفهوم السلطة التربوية التي قد ينتج عنها بعض مظاهر العنف؛
· تتميم وتعديل المرسوم رقم 2.02.376 بمثابة النظام الأساسي الخاص بمؤسسات التربية والتعليم العمومي ومنح مدير المؤسسة الاختصاص المتعلق بتأديب التلاميذ؛
· إصدار قرار وزاري بمثابة مسطرة التأديب الخاصة بالتلاميذ يوازن بين المصالح العليا للحياة المدرسية ومصالح التلميذ. ونتوخى أن تراعي هذه المسطرة الضمانات المرتبطة بالمجلس التأديبي (a) والضمانات المرتبطة المستوحاة من المبادئ العامة للقانون .(b)
-a الضمانات المتعلقة بالمجلس التأديبي
كل مجلس تأديبي ينبغي أن يكون نزيها وأن يحقق مبدأ تساوي الأعضاء، فمجالس التأديب في مؤسساتنا تفتقد إلى هاتين الضمانتين.
إن نزاهة المجلس التأديبي تستوجب أن لا يحضر المجلس إلا الأعضاء، وتوجب كذلك إشعار التلميذ بأعضاء المجلس قبل انعقاده حتى يتسنى له ممارسة حق التجريح.
كما يحب أن يراعى في تكوين المجلس تمثيلية التلاميذ، فهذه الأخيرة لا تتعدى عضوا واحدا لا يستدعى في غالب الأحيان، وإن حضر يتعامل معه على أساس أنه حضر للدفاع عن التلميذ وليس عضوا بحيث يطلب منه مغادرة المجلس مباشرة بعد إدلاء التلميذ بدفاعه ولا يشارك في اتخاذ القرار.
أما في فرنسا ففي التعليم الثانوي مثلا يتكون المجلس التأديبي من : المدير والمساعد الرئيس للمدير ومستشار في التربية والمقتصد و 4 أساتذة وممثل عن الإدارة (ينتخب هؤلاء) ممثلين عن جمعية الآباء و 3 ممثلين عن التلاميذ.
bـ الضمانات المستوحاة من المبادئ العامة للقانون
ينبغي لهذه المسطرة أن تأخذ بعين الاعتبار الحقوق والمبادئ الآتية:
· شرعية العقوبات؛
· الحق في الدفاع: تشعر الإدارة التلميذ بالأفعال المنسوبة إليه والإجراءات المسطرية التي ستطبق عليه ويجوز للتلميذ الاطلاع على ملفه؛
· احترام مبدأ التواجهية Principe du contradictoire؛
· تعليل العقوبات Motivation des sanctions؛
· تناسبية العقوبات والمخالفات Principe de la proportionnalité des sanctions ؛
· فردانية العقوبات Principe de l’individualisation des sanctions
ولتفادي هذا النقص نضع هذه المحاولة المتواضعة رهن إشارة المؤسسات التعليمية
[1] – غياب اللائحة المحددة حصريا للعقوبات التأديبية المدرسية و عدم تحديد السلطة التأديبية يعتبران من النظام العام يمكن للقاضي الإداري إثارتها من تلقاء نفسه و لو لم تثرها الأطراف المتنازعة.
[2] – مرسوم رقم 2.06.619، بتاريخ 28 أكتوبر 2008، المتعلق بالمجلس التأديبي الخاص بالطلبة، ج.ر عدد 5681، بتاريخ 10 نوفمبر 2008، ص. 4130.
[3] – مرسوم رقم 2.02.376، بتاريخ 17 يوليو 2002، بمثابة النظام الأساسي الخاص بمؤسسات التربية و التعليم العمومي، ج.ر عدد 5024، بتاريخ 25 يوليو 2002، ص. 2126.
[4] – مرسوم رقم 2.72.113، بتاريخ 11 فبراير 1972، بمثابة النظام الأساسي الخاص بمؤسسات التعليم الثانوي، ج. ر عدد 3100، بتاريخ 29 مارس 1972، ص. 741.
[5] – الفقرة 5 من المادة 29 من المرسوم رقم 2.02.376، مرجع سابق.
[6] « Il ne peut être prononcé de sanctions ni prescrit de mesures de prévention, de réparations et d’accompagnement que ne prévoirait pas le règlement intérieur », T.A de Clermont-Ferrand, 2ème chambre, jugement n° 051143, du 23/03/2006, Mme Corinne N. C./Recteur de l’Académie de Clermont-Ferrand.
اترك تعليقاً