لقيام مجلس العقد، وتحقيق الحكمة أو الغاية التي تنتج عنه وذلك بتحديد الفترة الزمنية التي يبقى فيها الإيجاب صالحاً لاقترانه بالقبول ومن ثم الوصول إلى عقد سليم صحيح، لا تسوده شائبة من الشوائب التي قد تصيب العقد في أهم مرحلة من مراحله، وهي مرحلة تكوينه بإبرامه بين المتعاقدين، لا بد من توافر شروط قيامه وهذه الشروط هي:-
1-صدور الإيجاب.
2-علم الموجه إليه الإيجاب.
3-الارتباط بين الموجب أو من يمثله والموجه إليه الإيجاب.
ولأهمية هذه الشروط نجد من الضروري تخصيص مطلب لكل شرط منها.
المطلب الأول: صدور الإيجاب .
أولاً:- تحديد معنى الإيجاب
لقد ظهرت العديد من التعريفات لمعنى الإيجاب وتحديد مفهومه، وقد جاء البعض من هذه التعريفات متناقضاً مع غيره من التعريفات، ففي الفقه الإسلامي اختلفت النظرة إلى الإيجاب إلى اتجاهين، فبينما عرفه الحنفية(1). بأنه ما صدر أولاً من أحد المتعاقدين، سواء أكان ممن يكون منه التمليك أو ممن يصير له الملك، يذهب (الشافعية والمالكية والحنابلة)(2). إلى تعريفه بأنه هو ما صدر من المملك سواء صدر أولاً أم ثانياً. أما قانوناً فقد أختار المشرعان العراقي والأردني تعريفاً يتماشى مع الفقه الحنفي بتعريفهم الإيجاب والقبول بأنهما كل لفظين مستعملين عرفاً لإنشاء العقد، وأي لفظ صدر أولاً فهو إيجاب والثاني قبول(3). ويمكن الأخذ على موقف القانونين العراقي والأردني المآخذ الآتية:-
1-لقد أوردت المادتان(77/ف1) عراقي، (91/ف1) أردني تعريفاً للإيجاب، وهذا يخرج عن نطاق اختصاص المشرع. لأن إعطاء التعريفات هو من اختصاص الفقه.
2-لقد استخدمت هذه النصوص المشار إليها آنفاً في تعريفها للإيجاب والقبول عبارة (كل لفظين) وهذا ما ينافي الواقع، لأن الإيجاب والقبول لا يقتصر صدورهما على اللفظ، بل قد يصدر عن طريق الكتابة أو الإشارة أو غيرهما من طرائق التعبير عن الإرادة وهذا ما أكده المشرع العراقي في المادة (79) منه، والمشرع الأردني في المادة (93) منه. أما القانون المدني المصري فقد جاء خالياً من إعطاء تعريف محدد للإيجاب، إلا أنه يمكن القول بأن المشرع المصري قد أورد الأحكام القانونية للتعاقد على أساس بأن الإيجاب هو ما يصدر أولاً، وهذا ما يمكن استنباطه من المواد (100،98،97،96،94،93)(4). وما يؤكد هذا الاتجاه هو قيام اتجاه قضائي في مصر بإعطاء توضيح لمعنى الإيجاب على أنه (العرض الصادر من شخص يعبر به على وجه جازم عن إرادته في إبرام عقد معين بحيث إذا ما أقترن به قبول مطابق انعقد العقد)(5) . أما القانون المدني الفرنسي وعلى الرغم من خلو نصوصه من تعريف للإيجاب فإن مفهومه لا يخرج عن كونه الإرادة التعاقدية الأولى التي تصدر من المتعاقد(6). أما فقهاء القانون فقد وضعوا العديد من التعريفات المختلفة في الألفاظ، إلا أنها متحدة في المعنى والتي تصب في اتجاه واحد يتفق مع ما وضعه الحنفية والقوانين المدنية مدار البحث، ومنها(7). بأنه “هو التعبير البات (غير المعلق على شرط) عن إرادة شخص يعرض على آخر أن يتعاقد معه ” كما عرفه جانب من الفقه الفرنسي(8). بأنه “تعبير بات عن إرادة شخص يعرض على أخر، أو على أفراد الجمهور، إبرام عقد معين وفقاً لشروط محددة، بحيث إذا ما اقترن بهذا العرض قبول مطابق انعقد العقد”. وسوف نسير في دراستنا مع الاتجاه الذي يعتبر بأن الإيجاب هو ما يصدر أولاً للأسباب الآتية:-
1-إن هذا الاتجاه هو الأيسر والأسهل في تحديد الموجب من القابل(9). مسايرة منا لموقف المشرع العراقي والقوانين المقارنة.
2-توحيد معنى المصطلحات التي سترد في هذه الرسالة من أيجاب وقبول، وبالتالي تجنب الخلط ما بين هذه المصطلحات.
فالإيجاب إذاً ” هو أول بيان يصدر من أحد المتعاقدين، معبراً عن جزم إرادته في إنشاء العقد، أياً كان هو البادئ منهما (10). ويجب الإشارة إلى أنه لا بد أن تتوافر في الإيجاب شروطه، وهي أن يكون هذا الإيجاب باتاً وجازماً، ومعبراً عن نية وإرادة باتة في التعاقد. كما ويجب أن يكون الإيجاب كاملاً ومحدداً تحديداً كافياً، بمعنى أن يكون الإيجاب متضمناً لجميع العناصر الأساسية لقيام التعاقد المراد إبرامه، فمثلاً إذا كان الإيجاب يتعلق بعقد بيع، لزم أن يتضمن تحديداً للمبيع والثمن وكيفية أدائه نقداً أم بالأقساط مثلاً، فإذا لم يشتمل العرض على العناصر الأساسية للعقد المراد إبرامه أو على كل شرط آخر يراه الموجب مهماً ويرقى في نظره إلى مرتبة الشروط الجوهرية، مثل مكان التسليم أو زمانه فأن هذا العرض لا يعد إيجاباً وإنما من قبيل الدعوة إلى التفاوض. فيتبين لنا من هذا العرض لشرط صدور الإيجاب ما يأتي:-
3-أن ما يقصد من صدور الإيجاب هو صدور الإرادة الأولى من قبل الأطراف المتعاقدين سواء أكان الطرف الأول ممن يكون منه التمليك أو ممن يصير له الملك(11). أن ما يقصد من الإيجاب هو الإيجاب الذي توافرت فيه الشروط اللازمة لعده إيجاباً صحيحاً تاماً جازماً ومعبراً عن نية الموجب ومشتملاً على جميع العناصر الأساسية للعقد أي بمعنى يجب أن يكون الإيجاب باتاً لكي تترتب عليه أثاره.
ثانياً:- وسائل إصدار الإيجاب
يجب القول بأنه لابد لهذا الإيجاب من وسيلة تعبر عنه وتظهره إلى العالم الخارجي، فلا يتصور عقلاً أن يكون السكوت تعبيراً عن إرادة الموجب، لأن الإيجاب ينطوي على عرض موجه من أحد الطرفين إلى الآخر، وهذا لا يمكن أن يكون إلا وضعاً إيجابياً(12). وقد يكون هذا الوضع الإيجابي (الوسيلة) هو اللفظ أو الكتابة أو الإشارة أو المعاطاة، وللفقهاء في مدى دلالة ذلك على الإيجاب أراء وتفاصيل سنوضحها على الشكل الآتي:-
(1). التعبير عن الإيجاب باللفظ
يعد اللفظ هو الأداة الأولى التي يعول عليها في إصدار التعبير إيجاباً أو قبولاً(13). سواء في الفقه الإسلامي أم في القانون المدني. والأصل أن كل ما أدى المعنى القائم بالنفس صح به الإيجاب بأية لغة كان، لأن الغرض هو الإبانة عن إرادة العاقد، وعلى هذا يصح الإيجاب بالقول ولو كان بلغة العوام أو بلغة غير اللغة العربية، أياً كان العاقد ما دام كلامه مفهوماً يؤدي الغرض المقصود(14). ولكن هل يعني ذلك إن آراء الفقهاء متفقة على أن استخدام أية صيغة تصلح لإصدار الإيجاب؟ أما عن موقف الفقه الإسلامي فقد أولى اهتماماً كبيراً للألفاظ التي يجوز استخدامها في التعاقد، ولا خلاف في الفقه الإسلامي بمذاهبه المختلفة(15). في مسألة التعبير عن الإيجاب بصيغة الماضي، فهذه الصيغة تدل بشكل حتمي على إرادة العاقد، لأن هذه الصيغة وأن كانت للماضي وضعاً لكنها جعلت إيجاباً للحال في عرف أهل اللغة والشرع والعرف قاضٍ على اللغة(16). إذ يتبين منها بصورة واضحة بأنها إرادة قد جاوزت التردد والتفكير والمفاوضة إلى دور الجزم والقطع والبت والحسم(17). أما صيغة المضارع فالأصل أنها لا تدل على إرادة الموجب للتعبير عن أيجابه(18). ومع ذلك فأنه يجوز إصدار الإيجاب بصيغة المضارع إذا دلت هذه الصيغة على الحال أي بمعنى إذا صدر الإيجاب مصحوباً بقرائن تدل على رغبة الموجب في الإيجاب. وهذا ما يستدل مما ذكره بعض الفقهاء(19). “الإيجاب والقبول قد يكون بصيغة الماضي وقد يكون بصيغة الحال … وأما صيغة الحال فهي أن يقول البائع للمشتري أبيع منك هذا الشيء بكذا ونوى الإيجاب، أو قال البائع أبيعه منك بكذا وقال المشتري أشتريه ونويا الإيجاب، يتم الركن وينعقد، وإنما اعتدنا النية ههنا وأن كانت صيغة أفعل للحال هو الصحيح، لأنه غلب استعمالها للاستقبال وأما حقيقة وأما مجازاً فوقعت الحاجة إلى التعيين بالنية” . وهذا ما أكدته أيضاً مجلة الأحكام العدلية(20) ، فالسبب في ذلك إذاً ، إن المضارع يحتمل الحال والاستقبال فتكون النية لرفع المحتمل وهو أن يراد الوعد بالبيع في المستقبل فتكون نية الإيجاب للحال مانعة من إرادة المستقبل(21). أما عن صيغة الأمر والاستفهام والاستقبال، فيبدو أن هنالك اتجاهين في المسألة:-
الاتجاه الأول: المتمثل بالحنفية، الذين يعدون هذه الصيغ جميعها تتمخض للاستقبال، فلا تصلح لأن تعد إيجاباً ولو نوى الموجب الإيجاب. فصيغتا الأمر والاستفهام لدى الحنفية تفيدان طلب الإيجاب وليست إيجاباً في كل الأحوال(22). كما أن صيغة الاستقبال (وهي الصيغة المقرونة بالسين وسوف) أكثر وضوحاً مما سبقها من ذكر للاستقبال، وقد ذكر أحد الفقهاء(23). ما يأتي “أما ما تمخض للاستقبال كالمقرون بالسين وسوف … فلا ينعقد به”. والسبب في ذلك أن الاستقبال ليس فيه معنى الإنشاء، بل هو من قبيل الوعد المجرد، وأن هذا الوعد لا يلزم الوفاء به في رأي المذهب الحنفي ولذا لم تقر المجلة صحة الوعد بالبيع(24).
الاتجاه الثاني: المتمثل بمذاهب بالشافعية والمالكية والحنابلة، التي ترى، بأنـه لا يوجد فرق بين استخدام هذه الصيغ واستخدام صيغة المضارع في إصدار الإيجاب متى دلت هذه الصيغ على إرادة العاقد دلالة ليست محلاً للاحتمال والشك في عرف المتعاقدين وطرائق مخاطبتهم(25). أما عن موقف القانون المدني العراقي والقوانين المقارنة في هذا الخصوص فقد أورد المشرعان العراقي(26). والأردني(27). نصين متطابقين في الحكم والتعبير بقولهم “ويكون الإيجاب والقبول بصيغة الماضي كما يكونان بصيغة المضارع أو بصيغة الأمر إذا أريد بهما الحال”. كما نص المشرع العراقي في المادة (78) منه على أن “صيغة الاستقبال التي هي بمعنى الوعد المجرد ينعقد بها العقد وعداً ملزماً إذا أنصرف إلى ذلك قصد المتعاقدين”. كما أورد المشرع الأردني نص المادة (92) منه التي جاءت بذات الحكم مع اختلاف لغوي بسيط في العبارات.
وبعد استعراض هذه النصوص القانونية يمكن لنا بيان موقف القانونين العراقي والأردني وبيان مدى توافقهما واختلافهما مع الفقه الإسلامي بمذاهبه المختلفة.
أ-يتفق موقف القانونين العراقي والأردني مع الفقه الإسلامي بمذاهبه المختلفة في حالة صدور الإيجاب بصيغة الماضي، في جواز إصدار الإيجاب بهذه الصيغة.
ب-يتفق موقف القانونين العراقي والأردني مع الفقه الإسلامي بمذاهبه المختلفة في حالة صدور الإيجاب بصيغة المضارع، في جواز إصدار الإيجاب بهذه الصيغة بشرط إرادة الحال بها، ووجدت دلائل أو قرائن على ذلك.
ج-يختلف موقف القانونين العراقي والأردني مع المذهب الحنفي، في حالة إصدار الإيجاب بصيغة الأمر. فلا يجوز إصدار الإيجاب بهذه الصيغة في الفقه الحنفي(28). بينما أجازه القانونان المشار أليهما مع أشتراطهما وجود دلائل أو قرائن على ذلك وهذا الاتجاه يتفق مع بقية المذاهب الأخرى ما عدا المذهب الحنفي.
د-يختلف موقف القانونين العراقي والأردني مع المذهب الحنفي، في حالة إصدار الإيجاب بصيغة الاستقبال، فلا يجوز إصدار الإيجاب بهذه الصيغة في الفقه الحنفي(29). بينما يعتبر هذا الإيجاب وعداً ملزماً على أن لا يوجد هنالك شكٌ في دلالة الموجب برغبته في إصدار أيجابه وهذا ما يفهم من المادة (78) عراقي، والمادة (92) أردني. وهذا الاتجاه يتفق مع بقية المذاهب الأخرى ما عدا المذهب الحنفي. أما القانون المدني المصري فلم يورد نصاً مشابهاً يحدد فيه الصيغ الواجب اتخاذها في إصدار الإيجاب، وهو وأن لم يفعل ذلك إلا أنه لا مانع من القول بأنه قد أجاز إصدار الإيجاب بالصيغ كافة على أن تدل على حقيقة المقصود من إرادة الإيجاب في المادة (90) منه، والتي جاء فيها “التعبير عن الإرادة يكون باللفظ وبالكتابة وبالإشارة المتداولة عرفاً، كما يكون باتخاذ موقف لا تدع ظروف الحال شكاً في دلالته على حقيقة المقصود. وكذلك هو الحال بالنسبة للقانون المدني الفرنسي، إذ يجوز أن يكون الإيجاب صريحاً أو ضمنياً، ولا يتحدد الموجب بطريقة أو بصيغة معينة في إصداره(30). وإذا كان المشرع العراقي قد تأثر بآراء الفقهاء المسلمين بشأن صيغ الإيجاب تأثراً واضحاً، فأننا نتفق مع جانب من الفقه(31). بوجوب عدم تحديد المشرع العراقي بصيغة معينة من صيغ التعبير عن الإيجاب، ذلك لأن جمهور الفقهاء لم يحصروا صيغ اللفظ في المضارع والماضي والأمر، إذ رأوا أن الإيجاب يتحقق بكل ما يدل إصداره على رضا الموجب باعتبار عرف الناس احتراما لعاداتهم السائدة، فأي طريق من طرق التعبير المتعارفة في الدلالة على المراد وأي قالب أفرغ فيه ذلك التعبير يحقق الغاية إذا أتفق مع العرف والعادة(32). فيكون الحال بأن تحذف الفقرة الثانية من المادة (77) عراقي ويكتفى بما ورد في المادة (79) منه(33). لأنها ستكون شاملة وغير محددة لصيغ التعبير عن الإرادة. وبذلك سيكون الإيجاب معتبراً سواء أكان ماضياً أم مضارعاً أم أمراً أم استفهاما أم جملة اسمية، لأن دلالة الصيغ تتغير بتغير الوقت والعرف وهذا ما أكدت عليه مجلة الأحكام العدلية(34).
(2) التعبير عن الإيجاب بالكتابة
تعد الكتابة إحدى الطرائق التي لا يمكن أن يكون فيها خلاف في مدى تعبيرها عن الإرادة، لأنها غالباً ما تصدر في ظروف السعة والاختيار(35). ويصح إصدار الإيجاب بهذه الوسيلة سواء أكان التعاقد بين حاضرين أم غائبين، متى تحقق بها الغرض(36). فالكتابة كالألفاظ في دلالاتها فالكتاب كالخطاب(37).
ويصح التعبير بالكتابة في أي شكل من أشكالها سواء أكانت عادية أم رسمية، وفي شكل سند أو رسالة أو نشرة أو إعلان(38). وقد حسم مشرعنا العراقي موقفه في ذلك في نص المادة (79) منه، حيث اعتبر الكتابة طريقة من طرائق التعبير عن الإرادة، كما فعلت القوانين المقارنة(39)(40).
(3) التعبير عن الإيجاب بالإشارة
قد يصدر الإيجاب إما من قبل شخص قادر على النطق والتعبير أو من قبل شخص فاقد للنطق والتعبير (الأخرس)، ويختلف الحال بحسب آراء الفقهاء المسلمين.
(ففي الحالة الأولى) وهي صدور الإيجاب بالإشارة من قبل شخص غير أخرس فقد أختلف الفقهاء المسلمون، فذهب الحنفية والشافعية والحنابلة(41). إلى عدم عد هذه الإرادة ولو كانت مفهومة. وسواء أكان الشخص قادراً على الكتابة أم عاجزاً عنها. لأن الإشارة قد جاءت للضرورة، ولا ضرورة في حق القادر على الكلام أو القادر على الكتابة والكلام. بينما ذهب المالكية(42). إلى أن الإيجاب يكون بلفظ صريح كما يكون بلفظ ضمني، يفهم منه إرادة الموجب كالإشارة ولو من القادر على الكلام.(أما في الحالة الثانية) وهي صدور الإيجاب بالإشارة من قبل شخص أخرس فأن الرأي السائد لدى الفقهاء بأنه يجب الأخذ بهذه الإشارة، لكي لا يغبن حق الشخص في التعبير عن إرادته، فتنتقص إنسانيته. فـ “الإشارة من الأخرس معتبرة وقائمة مقام العبارة في كل شيء(43). كما عبرت عن ذلك المادة (70) من مجلة الأحكام العدلية التي جاء فيها بأن “الإشارات المعهودة للأخرس كالبيان باللسان”. ولقد عد المشرع العراقي الإشارة الشائعة الاستعمال طريقة من طرائق التعبير عن الإرادة ولو صدرت من غير الأخرس. فيبدو بأنه قد خالف المذهب الشافعي والمذهب الحنبلي وحتى الحنفي، على الرغم من أن غالبية نصوصه هي مستنبطة من مجلة الأحكام العدلية باعتبارها تقنيناً للمذهب الحنفي. وقد سلك المشرع العراقي مسلك المذهب المالكي في هذه المسألة، كما سلكت العديد من القوانين المدنية العربية ومنها القانون المدني المصري والأردني(44). ذات الاتجاه.
(4) التعبير عن الإيجاب بالمبادلة الفعلية (المعاطاة)
لقد أختلف الفقهاء المسلمين في كفاية المعاطاة بوصفها وسيلة من وسائل إصدار الإيجاب إلى اتجاهين فذهب الاتجاه الأول (الحنفية والمالكية والحنابلة)(45). إلى جواز ذلك متى كان هذا معتاداً دالاً على الرضا ومعبراً تماماً عن إرادة الموجب “والبيع يصح بكل ما يدل على الرضا، لأن الناس يتبايعون في أسواقهم بالمعاطاة في كل عصر، ولم ينقل إنكاره عن أحد، فكان ذلك إجماعاً، فالقرينة كافية هنا في الدلالة على الرضا(46). بينما ذهب الاتجاه الثاني (الشافعية) إلى عدم جواز إصدار الإيجاب بالمعاطاة وحجتهم هي أن الأفعال غير واضحة في دلالتها على الإرادة. فقد ذكر أحد فقهاء الشافعية(47). “إن الرضا أمر خفي لا يطلع عليه، فأنيط الحكم بسبب ظاهر وهو الصيغة فلا ينعقد بالمعاطاة”. وقد أجاز المشرعون العراقي والمصري والأردني(48). أن يكون التعبير عن الإرادة بالمبادلة الفعلية الدالة على التراضي كما أجاز المشرع الفرنسي اعتبار صدور الإيجاب صريحاً أو ضمنياً، ولم يحدد طريقة أو صيغة معينة في إصداره(49). وهو الاتجاه الجدير بالتأييد الذي ينسجم مع الحياة العملية.
والخلاصة التي تستنتج من طرح الوسائل التي يصدر بها الإيجاب هي أن الراجح شرعاً وقانوناً إن استعمال أية وسيلة للتعبير عن الإيجاب لبداية مجلس العقد هي جائزة ما دام العرف يعدها كذلك. فالعبرة هي بالإفهام، سواء أكان الإيجاب كلاماً أم كتابة أم إشارة أم فعلاً مع ملاحظة أن صدور الإيجاب لا يكفي لعد أن مجلس العقد قائماً بين المتعاقدين بل تبقى إرادة الإيجاب في مرحلة المفاوضات التي تسبق فترة مجلس العقد إذا لم يصل هذا الإيجاب إلى علم الموجه إليه وهو الشرط الذي سنتكلم عنه في المطلب التالي.
المطلب الثاني :علم الموجه إليه الإيجاب .
إن صدور الإيجاب ليس كافياً لقيام مجلس العقد واعتبار البداية لفترته، بل لابد من علم الموجه إليه الإيجاب بهذا الإيجاب، لكي يمكن القول بأن الإيجاب قد أحدث أثاره الإيجابية في بداية المجلس فلا يعد الإيجاب نافذاً إلا عندما يتم إيصاله لمن يعرض عليه(50). إذ يعد إيصال الإيجاب إلى علم الموجه إليه أمراً ضرورياً لكي يتمكن من اتخاذ التدابير الملائمة المتعلقة به إذا ما رغب في ذلك(51). لذا فإن شرط العلم بالإيجاب يعد شرطاً من شروط قيام المجلس، فلا يقوم المجلس شرعاً أو قانوناً ولا تترتب عليه أثاره الشرعية أو القانونية إلا به. لأن الإرادة خفية والعبارة أو ما يقوم مقامها هي الكاشفة عنها والمظهرة لها كما ذكرنا ذلك في المطلب السابق، ولذا لزم أن تكون هذه الوسيلة في التعبير عن الإيجاب واضحة مفهومة، فإن لم تكن كذلك لعدم سماع الموجه إليه الإيجاب هذه العبارة أو عدم فهمه مدلولها، لأنها بغير لغته مثلاً فلا يمكن القول هنا بقيام مجلس العقد وبداية فترته، ولا ينتج الإيجاب أثاره في هذه الحالة، لأن علم القابل بالإيجاب يجب أن يكون قد تم قبل أن يصدر قبوله(52). “فسماع المتعاقدين كلاهما في البيع شرط للانعقاد إجماعاً(53). وقد ذهب جانب من الفقه(54). إلى القول أن “صورة الكتابة أن يكتب إلى رجل أما بعد فقد بعت عبدي فلاناً منك بكذا فلما بلغه الكتاب وقرأه وفهم ما فيه وقبل في المجلس صح البيع”.كما ذكر جانب من الفقه(55). أنه “لا بد أن يوصل كل طرف نيته إلى الطرف الأخر أو إلى الآخرين المعنيين”، ولذلك يمكن القول بأنه لا يجوز عد العقد منعقداً في حالة صدور إيجابين متطابقين متقابلين(56). “فالارتباط بين الإيجاب والقبول وفي جميع الأنظمة القانونية يمنع إبرام العقد نتيجة لإيجابين متبادلين مصادفة، ولا رابط بينهما، حيث لا بد من أن يصدر القبول كاستجابة على إيجاب صادر من الموجب لكي ينشئ العقد(57). فالإيجابان المتقابلان والمتطابقان لا يمكن أن يبرما عقداً في القانون المدني العراقي ولا في القوانين المدنية المقارنة إذ أنه من متطلبات إبرام العقد هو ارتباط القبول بالإيجاب أي بمعنى أخر أن يصدر القبول في مواجهة إيجاب قائم، فمفهوم العقد لا ينصرف إلى اتفاق الطرفين أو تلاقي إرادتيهما بخصوص أمر ما، بل ينصرف إلى ظواهر مادية خارجية، وهي التعبير عن الإرادة الصادر عن كل طرف والارتباط الذي يتم بين هذين التعبيرين، والارتباط هنا هو أن يصدر القبول في مواجهة إيجاب، وهذا يعني أن تعبيري الإرادة الصادرين بصورة مستقلة أحدهما عن الأخر لا يمكن أن ينشأ عنهما عقد. وهذا الاتجاه هو ما يؤكده الفقه الفرنسي(58). وما انتهينا إليه هنا من كون العلم بالإيجاب في المجلس يعد شرطاً من شروط مجلس العقد، هو ما يتفق أيضاً والقوانين المقارنة. فقد نصت المادة (91) من القانون المدني المصري على أنه “ينتج التعبير عن الإرادة أثره في الوقت الذي يتصل فيه بعلم من وجه إليه، ويعتبر وصول التعبير قرينة على العلم به ما لم يقم الدليل على عكس ذلك”، يستفاد من هذا النص أن الإيجاب لا ينتج أثره في بداية المجلس إلا حين وصوله إلى علم من وجه إليه فمنذ هذه اللحظة يصبح صالحاً للقبول. وفي هذا المجال نشير إلى أن نص المادة (91) مصري قد توحي بأنها قد جاءت لتعالج حالة التعاقد بين الغائبين ولكننا نعتقد بأنها قد جاءت لتضع قاعدة عامة للتعاقد بين الحاضرين والغائبين ونستند في ذلك إلى الأسباب الآتية:
1-إن المشرع المصري قد أورد في هذه المادة القانونية نصاً مطلقاً عاماً غير محدد بالقبول في المادة (91) بقوله ” ينتج التعبير عن الإرادة أثره …….. ” ، والمطلق كما هو معلوم يجري على إطلاقه ما لم يحدده من أطلقه(59). ولم يحدده المشرع المصري في نفس المادة أو في مادة قانونية أخرى من القانون المدني المصري.
2-لقد أورد المشرع المصري نصاً قانونياً عالج فيه حالة التعاقد ما بين الغائبين في المادة (97) منه(60). فيتضح بذلك بأنه لو كانت الغاية من المادة (91) هي معالجة حالة التعاقد ما بين الغائبين لما أورد نص المادة (97) لأنها ستكون لغواً ولا حاجة إليها وهذا غير صحيح. أما القوانين المدنية، العراقي والأردني والفرنسي، وعلى الرغم من عدم احتواء متونها على نص مشابه لنص المادة (91) مدني مصري، فمع ذلك يمكن القول بأنها قد اشترطت أن يصل الإيجاب إلى علم الموجه إليه وذلك استناداً إلى ما يأتي:
1-إن الشرط الأساسي في القوانين المشار إليها آنفاً التي يجوز إصدار الإيجاب فيها هو أن تكون هذه الوسائل مفهومة لدى الموجه إليه الإيجاب، مثلما تم توضيحه في المطلب السابق. لذلك لا يعد الإيجاب قائماً إذا لم يعلم به الموجه إليه الإيجاب.
2-إن العدالة التي تهدف إليها القوانين المشار إليها آنفاً تقتضي أن يكون الموجه إليه الإيجاب على علم بالإيجاب لكي تتحقق لديه فترة للتروي والتفكير بالإيجاب.
لذا يجب التمييز إذاً بين وجود الإيجاب وجوداً فعلياً ووجوده وجوداً قانونياً، فالإيجاب يكون له وجود فعلي بمجرد صدوره من الموجب، ولكنه لا يكون له وجود قانوني إلا إذا وصل إلى علم من وجه إليه “وإلى هذا الوقت يعتبر أن الإيجاب لا يزال في حوزة الموجب(61). وبوجوده القانوني يمكن لنا فصل الفترة التي يبدأ بها مجلس العقد عن الفترة التي قد تسبقه من مفاوضات، لأن هذه الفترة هي تمهيد للإيجاب دون أن تختلط به، فالعبرة في الإيجاب إذاً بوجوده القانوني، لأن هذا الوجود وحده هو الذي تترتب عليه الآثار القانونية له. أما بالنسبة إلى فقهاء القانون المدني فقد أثير خلاف فقهي في مدى اشتراط علم الموجه إليه الإيجاب بهذا الإيجاب لقيام مجلس العقد وبدايته، ولبيان هذا الخلاف يجب أن نفرق بين ما إذا كان التعاقد بين حاضرين في مجلس العقد الحقيقي أم كان بين غائبين في مجلس العقد الحكمي.
فإذا كان التعاقد بين حاضرين في مجلس العقد الحقيقي، فنجد أن هناك خلافاً بين الفقهاء في هذه المسألة، إذ ظهر اتجاهان في ذلك.
ذهب أصحاب الاتجاه الأول(62). إلى أن مجلس العقد يبدأ بصدور الإيجاب، ذلك “أن مجلس العقد في التعاقد بين غائبين غير مجلسه في التعاقد بين حاضرين، فالمجلس الثاني هو محل (أي مجلس) صدور الإيجاب(63). وقد أيد جانب من الفقه(64). هذا الاتجاه بقولهم “ويبدأ المجلس بإصدار الموجب لإيجابه”. وقد برر أحد الفقهاء(65). هذا الاتجاه بقوله إن القول بأن مجلس العقد يبدأ بلحظة العلم بالإيجاب يخلط بين شرط تكوين مجلس العقد وبين شرط قيام مجلس العقد صحيحاً فصدور الإيجاب على حد رأيهم يعد شرطاً لتكوين مجلس العقد لا يكون للمجلس وجود فعليٌ إلا به، أما العلم بالإيجاب فيعد شرطاً من شروط قيام مجلس العقد قياماً شرعياً أو قانونياً، يترتب على توافره إنتاج المجلس لأثاره من جواز الرجوع عن الإيجاب وما إلى ذلك. بينما ذهب أصحاب الاتجاه الثاني(66). إلى أن مجلس العقد في التعاقد بين حاضرين يبدأ بالعلم بالإيجاب وليس بصدور الإيجاب.
أما إذا كان التعاقد بين غائبين، عن طريق مجلس العقد الحكمي، فأن مجلس العقد يبدأ بالعلم بالإيجاب، لأن ما يقصد بمجلس العقد في التعاقد ما بين غائبين هو المجلس الذي يتصل فيه الإيجاب بعلم الموجه إليه، سواء عن طريق الكتابة أم بوساطة الرسول(67). ونرجح أن مجلس العقد يبدأ بعلم الموجه إليه الإيجاب بالإيجاب سواء أتم التعاقد بين حاضرين في مجلس عقد حقيقي أم بين غائبين في مجلس عقد حكمي للأسباب الآتية:-
1-أن التبرير الذي ذكره بعض الفقهاء لضرورة التمييز بين شروط تكوين مجلس العقد وشروط قيامه، لا يرتب أية فائدة عملية من ذلك. لأنه يقوم على تصوير مجلس العقد بأنه هيئة مكانية، بينما الاتجاه الذي تم ترجيحه هو أن مجلس العقد وحدة زمانية تتحدد خلالها المدة التي يبقى فيها الإيجاب صالحاً لاقترانه بالقبول.
2-أن الفقهاء الذين يرجحون الاتجاه بأن مجلس العقد الحقيقي يبدأ بإصدار الإيجاب وليس بالعلم يتفقون مع أنصار الاتجاه الأخر في مسألة بداية مجلس العقد الحكمي بالعلم، ومن ثم ستترتب لديهم نتائج منطقية. فأية حكمة ستتحقق من ازدواج المعايير في ذلك. يتبين لنا أن علم الموجه إليه الإيجاب يعد شرطاً من شروط بداية مجلس العقد لا يقوم المجلس إلا به سواء في مجلس العقد الحقيقي أم الحكمي. ونشير في هذا الاتجاه إلى أنه قد يبدو أن الخلاف السابق الذي يتعلق بحالة التعاقد بين حاضرين في مجلس العقد الحقيقي والذي تم طرحه يعد خلافاً نظرياً وظاهرياً وليس خلافاً حقيقياً، لأن لحظة إصدار الإيجاب تكون غالباً هي لحظة العلم بالإيجاب، ولكن في الحقيقة أن هذا القول يفترض أن التعاقد يتم عن طريق اللفظ فقط، بل وبعبارة يفهمها المتعاقد الموجه إليه الإيجاب، ومن المعروف أن اللفظ ليس هو الوسيلة الوحيدة للتعبير عن الإيجاب، فهناك الكتابة والإشارة والمعاطاة، ومن ثم فأنه من المتصور أن يصدر الإيجاب من الموجب ومع ذلك لا يعلم به الموجه إليه في نفس اللحظة، بل بعد فترة معينة طالت أم قصرت وهذا هو ما يحدث في الحالات الآتية:-
1-قد يصدر الإيجاب باللفظ ولكن بلغة لا يفهمها الموجه إليه الإيجاب، ثم يقوم مترجم بعد ذلك بترجمتها إلى اللغة التي يفهمها الموجه إليه الإيجاب، فهنا تنفصل إلى حد ما لحظة الإصدار عن لحظة العلم.
2-قد يصدر الإيجاب بالكتابة، ولكن الموجه إليه الإيجاب لا يعلم به، أما لأن الكتابة بلغة لا يفهمها، وإما لأنه كان لحظة الإصدار على بعد لا يستطيع معه الموجه إليه الإيجاب قراءة هذه الكتابة، ثم يطلع عليها بعد فترة من الزمن.
3-قد يصدر الإيجاب بالإشارة، وقد تكون غير مفهومة للموجه إليه الإيجاب، حتى يقوم شخص ممن له علم بهذه الإشارة بتوضيحها، وقد يمر وقت بين لحظة صدور الإيجاب وبين العلم به.
ففي هذه الافتراضات نجد أن هنالك فترة من الزمن تفصل ما بين إصدار الإيجاب وعلم الموجه إليه الإيجاب به. وهذه الفترة يجب إخراجها من فترة مجلس العقد. ومن ثم ترجيح الاتجاه الذي يعد صدور الإيجاب غير كافٍ لبداية مجلس العقد وقيامه، بل يجب علم الموجه إليه الإيجاب بالإيجاب لكي تبدأ فترة مجلس العقد. وإذا كنا قد انتهينا إلى أن من شروط قيام مجلس العقد، عِلم الموجه إليه الإيجاب بالإيجاب، فإن ذلك يقتضي منا بيان معيار هذا العلم. وفي هذا المجال فقد ذُكر في الفقه الإسلامي(68). بأنه “لا يجوز أن يناديه من بعيد أو من وراء جدار، رجل في البيت فقال للذي في السطح بعته منك بكذا فقال: اشتريت صح إذا كان كل منهما يرى صاحبه ولا يلتبس الكلام للبعد”. فالظاهر من هذا النص أن المعيار في ذلك هو معيار سمعي وبصري في الوقت نفسه ، فالعلم بالإيجاب يتحقق إذا سمع ورأى الموجه إليه الإيجاب الموجب، فإذا سمع كلام الموجب ولكنه لم يرَ الموجب لم يحصل له العلم، وإذا رأى الموجب ولكنه لم يسمع الإيجاب لم يتحقق العلم أيضاً. ونتفق مع جانب من الفقه(69). بأن الأخذ بهذا المعيار ترد عليه انتقادات عديدة ومنها:-
1-قد تكون وسيلة التعبير عن الإيجاب بالكتابة أو بالإشارة أو بالفعل، وهذه الوسائل ترى ولا تسمع، والقول بهذا المعيار يمنع من تحقق العلم في حالة التعاقد بهذه الوسائل لتخلف السماع.
2-إن الأعمى يسمع ولا يرى، فالقول بهذا المعيار يمنع من تحقق العلم له لتخلف الرؤية.
3-إن الأصم يرى ولا يسمع ومن ثم لا ينطبق عليه هذا المعيار.
بينما ذهب جانب أخر من الفقه(70). إلى أنه “قيل في نحو البيع يشترط سماع المشتري … وهذا أوجه، لأن الكلام من الكلم، وهو الجرح، سمي به لأنه يؤثر في نفس السامع، فتكليمه فلاناً لا يحصل إلا بسماعه”. كما أورد أحد الفقهاء(71). أن “سماع المتعاقدين كلاهما في البيع شرط للانعقاد إجماعاً” يتبين من هذين النصين أن أصحابهما يريان أن معيار العلم بالإيجاب هو السماع فقط. وقد برر أحد الفقهاء(72). هذا المعيار بحجة أنه المعيار الذي يستوعب فكرة التعاقد بالتليفون وما إلى ذلك فذكر “إن المعنى المفهوم من اشتراط اتحاد المجلس أن يسمع كل منهما كلام الآخر، ويتبينه، وهذا حاصل بالكلام في التليفون، كما هو، مشاهد لنا، غاية الأمر أنه يحتمل الكذب، وتصنع صوت الغير، لكن هذا الاحتمال موجود في الكتابة والرسالة أيضاً”، كما وقد رجحه جانب من الفقهاء(73). بحجة أن شرط الرؤية يضيق على العاقدين. كما أن أحد الفقهاء(74). قد ذهب إلى القول أن المعيار السمعي هو المعيار الذي يحدد فيما إذا كان التعاقد يتم بين حاضرين أم غائبين. وبذلك وحسب هذا الرأي فإن معيار العلم بالإيجاب في مجلس العقد هو السماع في حالة التعاقد ما بين حاضرين.
ولكن القول بالمعيار السمعي يمكن أن ترد عليه أيضاً انتقادات عديدة منها:-
1-قد تكون وسيلة التعبير عن الإيجاب بالكتابة وهي لا تسمع بل تقرأ، فلو قلنا بالمعيار السمعي لم يحصل العلم في هذه الحالة، ولم يحصل العلم للأصم.
2-قد يكون التعبير عن الإيجاب بالإشارة وهي لا تسمع بل تُرى، ولو قلنا بهذا المعيار ما حصل العلم للأعمى، وما صح التعاقد في البورصات، فنجد أن العرف جرى على أن التعاقد في هذه البورصات قد يكون بإشارات مفهومة ومعروفة في البورصة.
3-قد تكون وسيلة التعبير عن الإيجاب بالفعل (المعاطاة) وهو لا يسمع بل يرى.
وبما أن الرأي الراجح في الفقه الإسلامي فيما يخص التعبير عن الإرادة هو جواز التعبير عنها سواء باللفظ أو بالكتابة أو بالإشارة أو بالفعل، لذلك لا يمكن القول بأن المعيارين (معيار السماع) و (معيار الرؤية) يحققان الغاية المرجوة من وسائل التعبير عن الإيجاب. إذا اعتبر كل معيار منهما قاعدة عامة على أنواع التعاقدات كافة لذلك يمكن القول بأن معيار العلم بالإيجاب يكون بأحد أمرين:-
1-السماع: وذلك في حالة ما إذا كان الإيجاب باللفظ أو قراءة الإيجاب أو كان عن طريق الرسول، فيعتبر سماع الموجه إليه الإيجاب قرينة على العلم به، وكذلك التعاقد عن طريق التليفون وما يشبهه، إذ يكون علم الموجه إليه الإيجاب بسماعه.
2-الرؤية: وذلك في حالة ما إذا كان الإيجاب بالكتابة أو بالإشارة أو بالمعاطاة فإذا كان الإيجاب بإحدى هذه الوسائل فأنه يكفي معيار الرؤية للدلالة على العلم، وتعد هذه الرؤية قرينة على العلم بالإيجاب.
ولما جاءت المادة (79) من القانون المدني العراقي لتوضح وبشكل صريح طرائق التعبير عن الإيجاب والقبول(75). ولتضع لنا قاعدة واسعة ومرنة لطرائق إصدار التعبير عن الإرادة، يتضح لنا بأن المشرع العراقي لم يشترط معياراً محدداً للعلم بالإرادة، لذلك فلا يوجد ما يمنع من الأخذ بمعيار السماع، إذا كان الإيجاب باللفظ، وبمعيار الرؤية إذا كان الإيجاب بالكتابة أو الإشارة أو المعاطاة، لذا يمكن القول بأن المشرع العراقي قد أخذ بمعيار ثنائي (السماع والرؤية). فضلاً عن ذلك فقد جاءت الفقرة الثانية من المادة (87) من القانون المدني العراقي لتعالج حالة التعاقد ما بين الغائبين(76). والتي عدت وصول القبول إلى الموجب قرينة قانونية بسيطة على الإلمام والعلم به. ونعتقد أن هذه القرينة يمكن الأخذ بها في التعاقد ما بين حاضرين للأسباب الآتية:-
1-عدم ورود نص قانوني يعالج معيار العلم ما بين الحاضرين.
2-عدم ورود نص قانوني يتعارض مع الأخذ بتطبيق نص الفقرة الثانية من المادة (87) عراقي.
3-أن تطبيق قرينة الوصول دلالة على العلم بالإرادة، هو أكثر تحقيقاً للعدالة، خاصة وأن هذه القرينة قابلة لإثبات العكس من قبل الموجه إليه الإيجاب. أما المشرع الأردني فقد أجاز في المادة (93) منه إصدار الإيجاب بجميع وسائل التعبير عن الإرادة، إلا أنه لم يأتي بالقرينة القانونية التي جاءت بها المادة (87) عراقي. ويمكن القول إجمالاً بأن المشرع الأردني قد أجاز الأخذ بمعيار (السماع والرؤية) كما أجازه المشرع العراقي، وإلا ما الفائدة من إعطاء المشرع الأردني الحرية المطلقة للموجب في التعبير عن أيجابه. أما المشرع المصري فقد جاء أكثر تأكيداً على جواز الأخذ بهذا المعيار، فقد أورد المشرع المصري المادة (90) منه والتي تشابه نص المادة (79) من القانون المدني العراقي في المضمون مع اختلاف بعض العبارات، كما جاءت المادة (97) بنفس القرينة القانونية التي جاء بها المشرع العراقي في الفقرة الثانية من المادة (87) منه. فضلاً عن ذلك فقد أورد المشرع المصري في المادة (91) منه(77). نصاً مطلقاً على أن وصول التعبير قرينة على العلم به ولم يحدده في التعاقد ما بين غائبين، وكما هو معروف فأن المطلق يجري على إطلاقه(78). وبالتالي لا يوجد ما يمنع من القول بأن القوانين المدنية (العراقي والأردني والمصري) قد أتخذت من المعيار الثنائي (السماع والرؤية) – كل بحسب طريقة التعاقد سواء شفاهاً أو مكاتبةً أو غيرها من طرائق التعبير عن الإيجاب – معياراً للعلم بالإيجاب، ولم نلحظ خلافاً فقهياً مدنياً يمنع من الأخذ بهذا المعيار. وهذا ما يمكن تطبيقه على القانون المدني الفرنسي الذي أعطى للموجب الحرية في التعبير عن إيجابه(79).
المطلب الثالث : الارتباط بين الموجب أو من يمثله والموجه إليه الإيجاب.
يقصد بهذا الشرط هو الارتباط الزماني والمكاني بين الموجب والموجه إليه الإيجاب إذا كان التعاقد بين متعاقدين حاضرين (أي في مجلس عقد حقيقي)، أو الارتباط بين من يمثل الموجب كالرسول أو حامل الرسالة والموجه إليه الإيجاب، إذا كان التعاقد بين متعاقدين متباعدين أحدهما عن الأخر (أي في مجلس عقد حكمي)(80). ولغرض توضيح هذا الشرط سنتناوله عن طريق شرح الارتباط المكاني أولاً ثم الارتباط الزماني ثانياً، وعلى الشكل الآتي:-
أولاً: الارتباط المكاني .
يعد الارتباط المكاني شرطاً جوهرياً، لا يقوم المجلس، إلا إذا كان هناك مكان تنشغل به أطراف مجلس العقد، ومن دون هذا المكان، ليس للمجلس وجود. والمقصود بالمكان الذي يعد شرطاً من شروط قيام مجلس العقد هو الحيز الثابت أو المتحرك الذي يكون فيه المتعاقدان منشغلين بالصيغة والتعاقد(81). وشرط الحضور هذا يجب توافره في الفقه الإسلامي سواء أكنا بصدد تعاقد يجري في مجلس العقد الحقيقي، أم كنا بصدد تعاقد يجري عن طريق مجلس العقد الحكمي. لذلك يمكن القول بأنه كما يكون الحضور حقيقياً يكون حكمياً، بحضور الإرادة المتمثلة في الكتاب أو الرسول، لأن حضور هذه الإرادة بمثابة الحضور بالنفس(82). ولكن يثار التساؤل هنا، هل يشترط حضور المتعاقدين معاً في مجلس العقد الحقيقي أم يكتفى بحضور أحدهما شرطاً لقيام مجلس العقد؟ يذهب جانب من الفقه(83). إلى أنه لا يشترط حضور المتعاقدين معاً في مكان مجلس العقد وأنما يكفي لتحقق شرط الحضور هذا حضور أحدهما، ويستند أصحاب هذا الرأي إلى ما أورده جانب من الفقه(84). من أنه “وإذا قال بعت من فلان الغائب فحضر في المجلس فلان وقال اشتريت يصح كذا في المحيط”. ويبرر أصحاب هذا الرأي استنادهم هذا إلى أن هذا النص قد أطلق لفظ المجلس بحضور أحدهما وقبل حضور الآخر. ولا نتفق مع أصحاب هذا الرأي ونستدل على ذلك بالأسباب الآتية:-
1-أن النص الوارد آنفاً قد يعد دليلاً على أن الموجب قام بإعادة توجيه أيجابه (تكرار الإيجاب) في المجلس بعد حضور الطرفين، وما يؤكد ذلك ما ذكره أحد الفقهاء(85). من أنه “وفي البزازية بعت من فلان الغائب فحضر في المجلس وقبل صح، وهو مشكل لعدم سماع الغائب كلام الحاضر، ولعدم اتحاد المجلس، وحمله على ما إذا أعاد الإيجاب بعد حضوره بعيد كما لا يخفى”.
2-أن النصوص التي وردت آنفاً توضح وبشكل أكيد ضرورة ارتباط الموجب بالموجه إليه الإيجاب في مكان واحد.
3-أن ما ذكره أصحاب هذا الرأي من أن النصوص التي استندوا إليها في تبرير رأيهم قد أطلقت لفظ المجلس بحضور أحدهما وقبل حضور الآخر. يمكن الرد عليه بأن هذه التسمية قد تستعمل مجازاً في بعض الأحيان، كما أستخدم المشرع العراقي(86). وكذلك المشرع الأردني(87). كلمة (المتعاقدان) مجازاً.
ثانياً: الارتباط الزماني .
يعد الارتباط الزماني شرطاً جوهرياً، لا يقل أثراً عن الارتباط المكاني وخصوصاً وأن جانب من الفقه(88). يعد هذا الشرط جوهر مجلس العقد ومن دونه لا يمكن أن يقوم المجلس. ويقصد بالارتباط الزماني هو أن تكون أطراف مجلس العقد على تماس مباشر فيما بينهم ينشغل في أثناءه المتعاقدون أو من يمثلهم بأمور التعاقد، فيجب إذاً أن يبقى هذا الارتباط ما بين المتعاقدين طوال فترة الانشغال بالتعاقد، فإذا لم يتحقق ذلك قبل بداية الانشغال، فمن الطبيعي أن مجلس العقد يكون منعدماً ولا وجود لقيامه، وإذا انفك هذا الارتباط ما بين المتعاقدين فإن ذلك يؤدي إلى انفضاض المجلس ….إن تحديد هذا الارتباط ليس بالأمر السهل، لأن الزمن بطبيعته شيء معنوي وبناءً على ذلك، يجب ربطه بشيئين ماديين(89). وهما:-
1-المكان: من الطبيعي أن اجتماع طرفي مجلس العقد أو من يمثلهما في مكان واحد، يعد قرينة بسيطة تقبل إثبات العكس، على أن الارتباط الزماني متحقق فيما بين المتعاقدين أو من يمثلهم سواء في مجلس العقد الحقيقي أم في مجلس العقد الحكمي. ففي حالة تعاقد شخصين وجهاً لوجه، سيعتبر المتعاقدان في مكان واحد ومن ثم سيعتبر دليلاً على الارتباط الزماني. أما في حالة تعاقد شخصين عن طريق رسول مثلاً، فإن وصول الرسول، ونقله للإيجاب وعلم الموجه إليه الإيجاب يعتبر بأن الوحدة المكانية قد تحققت فيما بين الرسول والموجه إليه الإيجاب، فيعتبر ذلك دليلاً على الارتباط الزماني.
2-صيغ الانشغال بالتعاقد: قد يكون لأقوال المتعاقدين وأفعالهما ، الأثر البالغ في تحديد الارتباط الزماني فيما بينهم، ومن ثم تحديد فترة مجلس العقد، ويقصد بالأثر، معناه بمفهومه الواسع سواء أكان هذا الأثر إيجابياً (في بداية فترة مجلس العقد أو في امتداد فترة المجلس لمدة محددة)، أم سلبياً (في انفضاض المجلس). الأثر الإيجابي: قد يكون لهذه الصيغ الأثر الكبير في بداية فترة مجلس العقد وذلك في حالة إعلان الموجب عن إرادته في إصدار إيجاب معلقاً على أجل أو شرط، ففي هذه الحالة، فإن مجلس العقد لا يبدأ ولا يتحقق الارتباط الزماني بين أطراف المجلس إلا بعد تحقق الأجل أو تحقق الشرط بحسب الأحوال. كما قد يكون لهذه الصيغ الأثر الكبير في امتداد فترة مجلس العقد، وذلك في حالة إصدار إيجاب ملزم(90). يلتزم بمقتضاه الموجب بالبقاء على أيجابه ويعتبر مجلس العقد ممتداً وأن الارتباط الزماني متحققٌ طوال هذه الفترة حكماً. الأثر السلبي: قد يكون لهذه الصيغ الأثر الكبير في نهاية فترة مجلس العقد في حالة التفرق بالأقوال فيما بين أطراف مجلس العقد لدى الرأي الراجح … والذي يؤدي بدوره إلى نهاية الارتباط الزماني بعد تحققه. وتجدر الإشارة إلى أن القانون المدني العراقي قد نص في المادة (82) منه على ضرورة الانشغال بالتعاقد بشكل ضمني، إذ اعتبرت هذه المادة أن صدور أي قول أو فعل من قبل أحد المتعاقدين يدل على الإعراض ويكون مبطلاً للإيجاب ومن ثم سيعتبر مجلس العقد منعدماً وبذلك يفهم ضمناً أن شرط الانشغال بالتعاقد أو الارتباط الزمني هو شرط من شروط قيام مجلس العقد وبدايته.
وقد ورد في القانونين المصري والأردني(91). نفس الحكم الذي جاء في المادة (82) عراقي ومن ثم يمكن القول أن موقف المشرع العراقي ينطبق على هذين القانونين.
_________________________
1- ينظر _ ابن الهمام، شرح فتح القدير، المصدر السابق، ج5، ص74 _ د.عبد الرحمن الجزيري، كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، ج2، دار الكتب العلمية، بيروت، بدون سنة طبع، ص156.
2- ينظر _ من فقهاء الشافعية: شمس الدين محمد بن أبي العباس الرملي، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، دار إحياء التراث العربي، ط3، ج3، بيروت، 1992م، ص375 – إبراهيم الباجوري، حاشية الباجوري على ابن قاسم الغزي، دار إحياء الكتب العربية، ج1، بدون مكان وسنة طبع، ص341 ومن فقهاء المالكية: الخرشي، على مختصر سيدي خليل، ج5، دار الفكر، القاهرة، بدون سنة طبع، ص6 ومن فقهاء الحنابلة: أبن قدامة، المغني، المصدر السابق، ج4، ص3.
3- يراجع المادة (77) الفقرة (1) عراقي، والمادة (91) الفقرة (1) أردني.
4- حيث ورد في هذه المواد القانونية ما يأتي:-
(م93) ” 1- إذا عين ميعاد القبول التزم الموجب بالبقاء على أيجابه … “.
(م94) ” 1- إذا أصدر الإيجاب في مجلس العقد دون أن يعين ميعاد القبول … “.
(م96) ” إذا اقترن القبول بما يزيد في الإيجاب أو … “.
(م97) “يعتبر التعاقد ما بين الغائبين قد تم في المكان وفي الزمان اللذان يعلم فيهما الموجب بالقبول … “.
(م98) ” إذا كانت طبيعة المعاملة أو العرف التجاري أو غير ذلك من الظروف تدل على أن الموجب لم يكن ينتظر تصريحاً بالقبول فإن العقد … “.
(م100) ” القبول في عقود الإذعان يقتصر على مجرد التسليم بشروط مقررة يضعها الموجب … “.
5- نقض مدني مصري، في 19 حزيران 1996م، مجموعة أحكام النقض، السنة 20، رقم 159، ص1017 .
مشار إليه لدى: د.محمد السعيد رشدي، المصدر السابق، ص67.
6-Code Civil ، 2003 ، Dalloz ، Paris ، 2003 ، P.884 .
ينظر – تحت المادة (1101) من القانون المدني الفرنسي.
7- د.فتحي عبد الرحيم عبد الله، المصدر السابق، ص85.
8- Aubert ، Notions et roles de ، Offre et de ، acceptation dans la formation du contract ، Paris ، 1970 ، P.16 .
9- بحوث مؤتمر الأعمال المصرفية الإلكترونية بين الشريعة والقانون، المجلد الخامس، دبي، 2003م، ص2128.
10- مصطفى الزرقا، نظرية العقود في الفقه الإسلامي، بحث منشور في شبكة الانترنيت على الموقع:
http://www.islamon/ina-net/library/arabic/
11- يلاحظ بأنه استخدمنا عبارة (الطرف) وذلك لأن من الممكن صدور الإيجاب بعد الاتفاق عليه من قبل أكثر من متعاقد واحد.
12- والسكوت يختلف بذاك عن التعبير الضمني عن الإرادة، الذي يفترض أن الشخص قد سلك مسلكاً معيناً يمكن أن يقطع في الدلالة على إرادته.
ينظر في هذا المعنى: د.فتحي عبد الرحيم عبد الله، المصدر السابق، ص77.
13- د.عبد الرزاق السنهوري، مصادر الحق في الفقه الإسلامي، ج1، القاهرة، 1967م، ص84.
14- أحمد إبراهيم إبراهيم بك، العقود والشروط والخيارات، المصدر السابق، ص661.
15- ينظر – في الفقه الحنفي: الكاساني، بدائع الصنائع، المصدر السابق، ج5، ص133 وفي الفقه الشافعي: الشيرازي، المهذب، المصدر السابق، ج1، ص264 وفي الفقه المالكي: الخرشي، على مختصر سيدي خليل، المصدر السابق، ج5، ص6 وفي الفقه الحنبلي: ابن قدامة، المغني، المصدر السابق، ج4، ص3.
16- د.وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، ط4 معدلة، ج5، العقود، دار الفكر المعاصر، دمشق، 1997م، ص3311.
17- د.عبد الرزاق السنهوري، مصادر الحق، المصدر السابق، ج1، ص85.
18- د.يوسف قاسم، مبادئ الفقه الإسلامي،ط3، دار الكتاب العربي، القاهرة، 1958م، ص286.
19- الكاساني، بدائع الصنائع، المصدر السابق، ج5، ص133.
وبنفس المعنى ينظر – الشيرازي، المهذب، المصدر السابق، ج1، ص264 – الخرشي، على مختصر سيدي خليل، المصدر السابق، ج5، ص6 – ابن قدامة، المغني، المصدر السابق، ج4، ص3 – ابن نجيم، البحر الرائق، المصدر السابق، ج5، ص264 – أكمل الدين محمد بن محمود البابرتي، شرح العناية على الهداية، بهامش شرح فتح القدير، ط1، المطبعة الكبرى، ج5، القاهرة، 1316، ص75 وما بعدها.
20-ينظر – م(171) من مجلة الأحكام العدلية.
21- د.وهبة الزحيلي، المصدر السابق، ج5، ص3312.
22- شمس الدين السرخسي، المبسوط، دار المعرفة للطباعة والنشر، ج11، بيروت، 1978م، ص109 _ وينظر كذلك (م172) مجلة.
23- الشيخ نظام وجماعة من العلماء، الفتاوى الهندية، المصدر السابق، ج3، ص4.
24- إذ نصت المادة (171) من مجلة الأحكام العدلية على ما يأتي “صيغة الاستقبال التي هي بمعنى الوعد المجرد مثل سأبيع وسأشتري لا ينعقد بها البيع”.
25- ينظر – في الفقه الشافعي: ابو زكريا يحيى بن شرف النووي، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، ج2، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، 1958م، ص4 – وفي الفقه المالكي: أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ط10، دار الكتب العلمية، بيروت، 1988م، ج2، ص168 – محمد عرفة الدسوقي، حاشية الدسوقي، ج3، دار الفكر، بيروت، بلا سنة طبع، ص3 – وفي الفقه الحنبلي: البهوتي، كشاف القناع، المصدر السابق، ج3، ص136.
26- في الفقرة الثانية من المادة (77) منه.
27- في الفقرة الثانية من المادة (91) منه.
28- ينظر نص المادة (172) من مجلة الأحكام العدلية.
29- ينظر نص المادة (171) من مجلة الأحكام العدلية.
30- Gerard Legier ; Droit Civil ; Les Obligations ; Editions ، Dalloz – Siriey ; Paris ، 1992 ; P.22 .
31- أستاذنا الدكتور عباس زبون العبودي، المصدر السابق، ص31.
32- د.عبد السميع إمام، العقود وأهلية المتعاقدين، بحث منشور في مجلة اللغة العربية والدراسات الإسلامية، السنة الأولى، العدد الأول، منشورات جامعة بنغازي، بدون مكان طبع، 1974م، ص158.
33- إذ تنص المادة (79) من القانون المدني العراقي على ما يأتي: “كما يكون الإيجاب أو القبول بالمشافهة يكون بالمكاتبة وبالإشارة الشائعة الاستعمال ولو من غير الأخرس وبالمبادلة الفعلية الدالة على التراضي وباتخاذ أي مسلك أخر لا تدع ظروف الحال شكاً في دلالته على التراضي”.
34- جاء في المادة (168) من مجلة الأحكام العدلية أن “الإيجاب والقبول في البيع عبارة عن كل لفظين مستعملين لإنشاء البيع في عرف البلد والقوم”.
ينظر تفاصيل ذلك لدى: علي حيدر، درر الحكام، المصدر السابق، ص117.
35- د.يوسف قاسم، المصدر السابق، ص288.
36- أحمد إبراهيم إبراهيم بك، العقود والشروط والخيارات، المصدر السابق، ص661.
37- ينظر – أبن الهمام، شرح فتح القدير، المصدر السابق، ج5، ص79.
38- د.عبد المجيد الحكيم، الموجز في شرح القانون المدني، ط2، ج1، مصادر الالتزام، بغداد، 1963م، ص55.
39- ينظر المادتان (90) مصري و (93) أردني وتحت المادة (1101) من القانون المدني الفرنسي.
Code Civil ، 2003 ، Dalloz ، Paris ، 2003 ، P.884 .
40- وتجدر الإشارة إلى ما ورد من حكم قضائي صادر من محكمة النقض الفرنسية إذ جاء فيه بأنه “قرر قضاة الموضوع وذلك بتقدير مطلق بأن رسالة الشركة مع وثيقة تعاقدية موجهة إلى أحد التجار شكلت إيجاباً محدداً كاملاً وصريحاً”.
ينظر – قرار صادر من محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 29/6/1993.
نقلاً عن: Code Civil ، 2003 ، Dalloz ، Paris ، 2003 ، P.884.
41- ينظر – في الفقه الحنفي: الكاساني، بدائع الصنائع، المصدر السابق، ج5، ص135-136 وفي الفقه الشافعي: الرملي، نهاية المحتاج، المصدر السابق، ج3، ص385 وفي الفقه الحنبلي: ابن قدامة، المغني، المصدر السابق، ج4، ص9.
42- الخرشي، على مختصر سيدي خليل، المصدر السابق، ج5، ص5.
43- الخرشي، على مختصر سيدي خليل، المصدر السابق، ج5، ص5.
44- ينظر المادتان (90) مصري و (93) أردني.
45- ينظر في الفقه الحنفي: الكاساني، بدائع الصنائع، المصدر السابق، ج5، ص134 _ ابن الهمام، شرح فتح القدير، المصدر السابق، ج5، ص77 وفي الفقه المالكي: الخرشي، على مختصر سيدي خليل، المصدر السابق، ج5، ص5 _ القرطبي، بداية المجتهد، المصدر السابق، ج2، ص161 وفي الفقه الحنبلي: ابن قدامة، المغني، المصدر السابق، ج4، ص4.
46- د.وهبة الزحيلي، المصدر السابق، ج5، ص3313.
47- النووي، مغني المحتاج، المصدر السابق، ج2، ص3.
48- ينظر نصوص المواد (79) عراقي و (90) مصري و (93) أردني.
49- Gerard Legier ، OP. CIT. P.22 .
50- William R. Ansor ; Principles of the English Law of Contract ; Oxford
Clareuom Press ; Oxford ; 1964 ، P.37 .
وبنفس المعنى: ينظر – د. عبد الواحد كرم علي، المصدر السابق، ص349.
51- Clarernce W. Dunham ، OP. Cit ، P.33
52- د.أحمد فراج حسين، ، الملكية ونظرية العقد، الدار الجامعية، الإسكندرية، 1986م، ص154.
53- ابن نجيم، البحر الرائق، المصدر السابق، ج5، ص288.
54- ابن الهمام، شرح فتح القدير، المصدر السابق، ج5، ص79.
55- George Whitecross paton ; A Text – Book Of jurspradence ; 3rd odition Oxford at the clarendon Press ،1968 ; P. 389
56- كمثال على هذه الحالة، أن يرسل (أ) إلى (ب) يعرض عليه بيته ويحدد فيه جميع شروط البيع كالسعر ووقت التسليم. ثم يقوم بإرسال هذا الإيجاب بالبريد ، ثم لنفرض وقبل علمه بهذا الإيجاب يقوم (ب) بالكتابة إلى (أ) يعرض عليه شراء هذا البيت بالشروط نفسها التي احتواها الإيجاب المقدم من (أ).
57- د.يزيد أنيس نصير، الأرتباط بين الإيجاب والقبول في القانون الأردني والمقارن، بحث منشور في مجلة الحقوق، العدد الثالث، السنة السابعة والعشرون، 2003م، ص79.
58- C. Aubry et C. Rau. Cours De Droit Civil Francais ، IV. 6th ed . No. 343 .
نقلاً عن: د.يزيد أنيس، المصدر السابق، ص78.
59- ينظر – نص المادة (160) من القانون المدني العراقي. إذ نصت على أنه “المطلق يجري على إطلاقه إذا لم يقم دليل التقييد نصاً أو دلالةً “.
60-إذ نصت المادة (97) من القانون المدني المصري على ما يأتي:
“1- يعتبر التعاقد ما بين الغائبين قد تم في المكان وفي الزمان اللذان يعلم فيهما الموجب بالقبول ما لم
يوجد ….”.
61- د.عبد الواحد كرم علي، المصدر السابق، ص349.
62- د.عبد الرزاق السنهوري، مصادر الحق، المصدر السابق، ج2، ص51. – مصطفى الزرقا، المدخل الفقهي العام، المصدر السابق، ص349. – د.جابر عبد الهادي سالم الشافعي، المصدر السابق، ص234.
63- د.عبد الرزاق السنهوري، مصادر الحق، المصدر السابق، ج2، ص51.
64- مصطفى الزرقا، المدخل الفقهي العام، المصدر السابق، ص349.
65- د.جابر عبد الهادي سالم الشافعي، المصدر السابق، ص234.
66- د.صلاح الدين زكي، المصدر السابق، ص24 _ د.عبد السلام التونجي، المصدر السابق، ص100.
67- د.صلاح الدين زكي، المصدر السابق، ص24.
68- الشيخ نظام وجماعة من علماء الهند، الفتاوى الهندية، المصدر السابق، ج3، ص6.
69- د.جابر عبد الهادي سالم الشافعي، المصدر السابق، ص166.
70- محمد أمين ابن عابدين، حاشية رد المحتار على الدر المختار، ج1، ط2، دار الفكر، بيروت، 1386هـ، ص535.
71- ابن نجيم، البحر الرائق، المصدر السابق،ج5 ، ص288.
72- أحمد إبراهيم إبراهيم بك، المصدر السابق، ص656.
73- د.محمد وحيد الدين سوار، الشكل في الفقه الإسلامي، المصدر السابق، ص153.
74- د.عبد السلام التونجي، المصدر السابق، ص121.
75-إذ جاء في المادة (79) من القانون المدني العراقي ما يأتي:
” كما يكون الإيجاب أو القبول بالمشافهة يكون بالمكانية وبالإشارة الشائعة الاستعمال ولو من غير الأخرس وبالمبادلة الفعلية الدالة على التراضي وباتخاذ أي مسلك أخر لا تدع ظروف الحال شكاً في دلالته على التراضي”.
76- إذ جاء في الفقرة الثانية من المادة (87) من القانون المدني العراقي ما يأتي:
” 2- ويكون مفروضاً أن الموجب قد علم بالقبول في المكان والزمان اللذين وصل إليه فيهما”.
77- إذ جاء في المادة (91) من القانون المدني المصري ما يأتي:
” ينتج التعبير عن الإرادة أثره في الوقت الذي يتصل فيه بعلم من وجه إليه، ويعتبر وصول التعبير قرينة على العلم به ما لم يقم الدليل على عكس ذلك “.
78- ينظر – نص المادة (160) من القانون المدني العراقي.
-79 Gerard Legier ، OP. CIT. P.22 .
80- وفي هذا المجال تجدر الإشارة إلى أن شرط الارتباط بموجب القانون المدني العراقي والقوانين المقارنة وكذلك بحسب الآراء الفقهية القانونية يقتصر على حالة التعاقد بين متعاقدين حاضرين في مجلس العقد الحقيقي، وهذا ما نرجحه. وبذلك يكون هذا الشرط متحققاً إذا تم الارتباط بين الموجب والموجه إليه الإيجاب، ويعود السبب في ذلك إلى اختلاف طبيعة مجلس العقد الحكمي في الفقه القانوني عنه في الفقه الإسلامي، والتي سنبينها بشكل مفصل في هذه الدراسة. ولهذا فإن شرح هذا الشرط سيركز على ما أورده الفقه الإسلامي في بيان معناه.
81- وهذا ما يفهم مما جاء في بدائع الصنائع “ولو تبايعا وهما في سفينة ينعقد، سواء أكانت واقفة أو جارية “.
الكاساني، بدائع الصنائع، المصدر السابق، ج5، ص137.
82- ينظر – الكاساني، بدائع الصنائع، المصدر السابق، ج5، ص138 _ ابن الهمام، شرح فتح القدير، المصدر السابق، ج5، ص79.
83- د.جابر عبد الهادي سالم الشافعي، المصدر السابق، ص158.
84- الشيخ نظام وجماعة من علماء الهند، الفتاوى الهندية، المصدر السابق، ج3، ص8.
وبنفس المعنى: ينظر – عبد الرحمن داما افندي، مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر، دار الطباعة المعاصرة، ج2، بدون مكان و سنة طبع، ص6.
85- ابن نجيم، البحر الرائق، المصدر السابق، ج5، ص294.
86- فقد جاء في المادة (82) من القانون المدني العراقي ما يأتي:
” المتعاقدان بالخيار بعد الإيجاب إلى أخر المجلس ، فلو رجع …… “.
نلاحظ أن المشرع العراقي قد أطلق كلمة (المتعاقدان) بالرغم من أن العقد لم ينعقد، أي بمعنى أن الإيجاب لم يقترن بالقبول في هذه الحالة.
87- ينظر نص المادة (96) من القانون المدني الأردني.
88- د.محمد السعيد رشدي، المصدر السابق، ص28.
89- د.جابر عبد الهادي سالم الشافعي، المصدر السابق، ص154.
90- تنظر المواد (84) عراقي و (93) مصري و (98) أردني، ولم يورد المشرع الفرنسي نصاً مشابهاً لهذه المواد.
91- تنظر نصوص المادتين (94) مصري و (96) أردني.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً