شروط مبدأ الثبوت بالكتابة والأثر المترتب على الاعتداد به – مقال قانوني
تعد شهادة الشهود أحد طرق الإثبات الهامة والتي تستخدم في إثبات الأعمال المادية والتصرفات القانونية التي لا تزيد قيمتها عن نصاب معين.
وقد نظم أحكامها الموضوعية في قانون الإثبات في المواد من 60 : 98
والحالات التي تقبل فيها شهادة الشهود كدليل بحسب الأصل، هي:
– الوقائع المادية.
– التصرفات التجارية.
– التصرفات المدنية التي لا تزيد قيمتها عن خمسمائة جنيه.
والحالات التي لا تقبل فيها شهادة الشهود إلا على سبيل الاستثناء، وهي:
– وجود مبدأ ثبوت بالكتابة.
– وجود مانع يحول دون الحصول على دليل كتابي.
– فقد السند الكتابي لسبب أجنبي لا يد للدائن فيه.
ومعني جواز الإثبات بشهادة الشهود “استثناءاً” أننا بصدد حالات الأصل فيها أن يكون إثباتها بالكتابة، سواء لأن قيمتها أزيد من النصاب القانوني للإثبات، أو لكون المراد إثباته يُخالف الثابت بالكتابة أو يجاوزها, ولكن من قبيل الاستثناء أجيز إثبات تلك الحالات بشهادة الشهود. ولقد وردت هذه الحالات الاستثنائية في المادتين 62 , 63 من قانون الإثبات، وأولها: وجود مبدأ ثبوت بالكتابة.
فقد عرف قانون الإثبات مبدأ الثبوت بالكتابة في مادته 62 على أنه: ”
1- يجوز الإثبات بشهادة الشهود فيما كان يجب إثباته بالكتابة إذا وجد مبدأ ثبوت الكتابة.
3- وكل كتابة تصدر من الخصم ويكون من شأنها أن تجعل التصرف المدعي به قريب الاحتمال تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة”.
على هذا يتضح لنا أن تعريف مبدأ الثبوت بالكتابة هو عبارة عن “كتابة صادرة ممن يراد الإثبات ضده، ليست سندا كاملا بما يراد إثباته، وإنما تجعله قريب الاحتمال”. فهو في حقيقة الأمر لا يعدو أن يكون “دليل كتابي” ولكنه دليل كتابي “ناقص” لا يتوافر فيه شروط الدليل الكتابي “الكامل” على النحو الذي يتطلبه القانون.
ومفاد ذلك النص، أنه إذا توافر مبدأ الثبوت بالكتابة، فإنه يجوز في هذه الحالة إثبات التصرف القانوني بشهادة الشهود أو بالقرائن أو بهما معاً، أي أن الإثبات بتلك الوسائل يساند ويعاضد الدليل الكتابي الناقص فيكمله، بحيث يرقى به إلى مرتبة الدليل الكامل في إثبات ما كان يجب إثباته أصلاً بالكتابة، سواء كان تصرف قانوني تزيد قيمته على نصاب معين، أو إثبات ما يخالف الكتابة أو يجاوزها، أو في إثبات تصرف قانوني اشترط القانون بنص خاص أن تكون وسيلة إثباته هي الكتابة من قبيل عقد الصلح وعقد الكفالة.
ومن المُقرر في قضاء النقض أن: “نص المادة 62 من قانون الإثبات يدل – وعلى ما جرى به قضاء النقض – على أن المُشرع قد جعل لمبدأ الثبوت بالكتابة، ما للكتابة من قوة في الإثبات، حين أكمله الخصوم بشهادة الشهود أو القرائن، واشترط لتوافر مبدأ الثبوت بالكتابة أن تكون هناك ورقة مكتوبة، صادرة من الخصم المُراد إقامة الدليل عليه أو ممن يمثله أو ينوب عنه قانوناً، وأن يكون من شأنها أن تجعل الالتزام المدعى به أو الواقعة المُراد إثباتها قريبة الاحتمال. وأن تقرير ما إذا كانت الورقة المُراد اعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة من جهة كونها تجعل التصرف المدعى به قريب الاحتمال من عدمه، يعتبر من مسائل الواقع التي يستقل بها قاضي الموضوع بشرط أن يكون ما استخلصه وبنى عليه قضاءه سائغاً”. (نقض مدني في الطعن رقم 493 لسنة 49 قضائية – جلسة 28/2/1984 مجموعة المكتب الفني – السنة 35 – جـ 1 – صـ 581).
وشروط مبدأ الثبوت بالكتابة، وهي:
أ- وجود كتابة.
ب- صدور الكتابة من الخصم الذي يحتج عليه بها أو ممن يمثله قانوناً.
ج- أن يكون من شأنها أن تجعل وجود التصرف المدعي به قريب الاحتمال.
الشرط الأول- وجود الكتابة:
هذا الشرط عام الدلالة, فلفظ الكتابة هنا يفسر بأوسع معانية, فهو يشتمل على كل كتابة دون اشتراط أي شكل فيها ودون اشتراط وجود توقيع عليها, فقد تكون الكتابة سنداً أو مذكرة شخصية أو مجرد علامة ترمز للاسم أو توقيعاً أو غير ذلك.
ولكن لأنه لابد من وجود كتابة, لذلك لا تكفي القرائن لتكون مبدأ الثبوت بالكتابة.
إلا أنه لا يلزم أن تكون ثمة ورقة واحدة, فقد يتكون مبدأ الثبوت الكتابي من مجموعة أوراق متميزة ومُستقلة.
ويلاحظ أنه يجب ألا تكون الكتابة معتبرة دليلاً كاملاً لأنها في هذه الحالة لا تكون بداية للثبوت, بل يعتبر الثبوت بها تاماً, فمبدأ الثبوت إذن هو دليل كتابي “ناقص”.
على أنه قد يكون ثمة دليل كتابي كامل ويعتبر مبدأ ثبوت كتابي بالنسبة لواقعة أخري غير التي يعتبر دليلاً كاملاً عليها.
ومن البديهي استلزام وجود الورقة بالفعل وأن يقوم صاحب المصلحة بتقديمها إلى المحكمة، فلا يصح إثبات مضمون هذه الورقة بشهادة الشهود أو القرائن وإلا لكان الإثبات كله يتم بهذه الأدلة. على أنه إذا اعترف الخصم في ورقة مكتوبة أنه سبق وقام بتحرير ورقة تتضمن تصرفاً معيناً بحيث تجعل هذه الكتابة الحق المدعى به والمراد إثباته قريب الاحتمال، فإن هذا الاعتراف المكتوب يقوم مقام وجود الورقة المشار إليها فيه ويتيح الإثبات بالشهود والقرائن، ومثال ذلك كما إذا أرسل شخص خطابا يقر فيه بتحرير “ورقة ضد” وضياعها.
وإذن فمبدأ الثبوت هو ورقة مكتوبة تعتبر بالنسبة للواقعة المراد إثباتها دليلاً كتابياً ناقصاً, أو بداية للثبوت.
ومن المُقرر في قضاء النقض أنه: “متى كان الحكم الابتدائي قد قضى بإلزام الطاعن بمبلغ مقابل ثمن أطيان كلف ببيعها من مورث المطعون عليهم، وكان الطاعن قد تمسك في دفاعه لدى محكمة الاستئناف بأنه أوفى ثمن هذه الأطيان للمورث المذكور مستنداً إلى محضري صلح موقعاً عليهما من المورث باعتبارهما ورقتين صادرتين من خصمه في تاريخ لاحق لتاريخ بيع الأطيان، لم ينص فيهما على مديونيته للمورث بأي التزام لا بصفته الشخصية ولا بصفته وكيلاً عنه، وأنهما يصلحان لأن يكونا مبدأ ثبوت بالكتابة ويجعلان دفاعه بعدم مديونيته بثمن الأطيان قريب الاحتمال وطلب إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات هذا الدفاع، فإن الحكم المطعون فيه إذ أغفل الرد على هذا الطلب يكون قد عاره قصور مبطل له بما يستوجب نقضه”. (نقض مدني في الطعن رقم 314 لسنة 20 قضائية – جلسة 9/4/1953).
الشرط الثاني- صدور الكتابة من الخصم:
يجب أن تكون الكتابة صادرة من الخصم، أي من الشخص الذي يراد التمسك عليه بها.
وصدور الكتابة من الخصم له معني خاص: وهو أن تكون الكتابة منسوبة إليه. وفي ذلك ورد قضاء محكمة النقض بأن: “مبدأ الثبوت بالكتابة هو كل كتابه تصدر من الخصم ويكون من شأنها أن تجعل وجود التصرف المدعى به قريب الاحتمال”. (نقض مدني في الطعن رقم 2515 لسنة 52 قضائية، جلسة 27/5/1986).
هذا ولا يشترط أن تكون الكتابة صادرة من الخصم شخصياً، فإن أصدرها نائبه – أي وكيله أو الوصي عليه مثلاً – كان ذلك كافياً.
وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي لقانون المدني في هذا الصدد ما يأتي “والشرط الثاني هو صدور المحرر من الخصم الذي يُحتج عليه به، لا من أحد الأغيار. بيد أن المحرر يُعتبر صادراً من مثل هذا الخصم ولو كان صادراً من غيره، متى كان هذا الغير مُستخلفاً تسري التزاماته على ما يخلفونه خلافة عامة (كالوراثة) وفقاً للقواعد العامة، أو نائباً قانونياً أو اتفاقياً يعمل في حدود نيابته لأن كتابة الموكل تكون حجة على الوكيل وبالعكس”. (مجموعة الأعمال التحضيرية – جـ 3 – صـ 407).
وفي هذا الشأن قضت محكمة النقض بأنه: “يجب، لكي يُعتبر المُحرر – الصادر ممن ينوب عن الخصم المطلوب الإثبات عليه، كوكيل أو ولي أو وصي – مبدأ ثبوت بالكتابة، أن يكون قد صدر منه في حدود نيابته، فإذا كان الحكم قد اقتصر في اعتباره الإقرار مبدأ ثبوت بالكتابة مع كونه صادراً من جد القُصر والوكيل عن الوصية، دون أن يُبين ما إذا كان هذا الإقرار قد صدر في حدود وكالة الجد عن الوصية من ناحية، وفي حدود سلطتها كوصية على القُصر من ناحية أخرى، فإنه يكون قاصر البيان قصوراً يستوجب نقضه”. (نقض مدني جلسة 1/12/1949 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 17 صـ 62).
وقد قضت محكمة النقض بأن: “الفاتورة الصادرة من أحد المحلات التي تعامل الشركة والتي وقعها أحد الشريكين تعتبر بلا شك مبدأ ثبوت بالكتابة في إثبات الشركة ما دام من شأنها أن تجعل ثبوت قيامها في حقه قريب الاحتمال. فإذا أكملت هذه الفاتورة بشهادة الشهود والقرائن فإن شركة التضامن يثبت قيامها بين الشريكين”. (نقض مدني في الطعن رقم 74 لسنة 13 قضائية، جلسة 27/4/1994).
وفي ذات السياق فإن أقوال المحامي أثناء المرافعة والثابتة بمحضر الجلسة أو في مذكراته المكتوبة يمكن اعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة أن لم تكن واضحة الدلالة على التصرف المدعى به، إلى حد اعتبارها إقراراً أي دليلا كاملاً.
كذلك فإن الكتابة الصادرة من السلف تقيد الخلف، فالورقة الصادرة من المورث تقيد الوارث.
وفي هذا الصدد يمكننا أن نتصور صوراً أربعة للورقة التي تعد مبدءاً للثبوت بالكتابة:
الأولي: أن تكون الورقة مكتوبة بخطه بلا توقيع.
الثانية: أن تكون الورقة موقعاً عليها منه فحسب.
الثالثة: أن تكون الورقة بخطه وتوقيعه.
الرابعة: ألا تكون بخطه ولا تكون بتوقيعه.
الصورة الأولي- أن تكون الورقة مكتوبة بخط الخصم بلا توقيع:
ومثالها أن يكتب الشخص بخطه مسودة عقد أو مشروع عقد أو بياناً بحساب دون أن يوقع عليه, وحين تكون الورقة المتضمنة لذلك في حوزة خصمه فيقدمها في الدعوى ضده تكون قرينة على صدق ادعائه بحصول ذلك العقد.
الصورة الثانية- أن تكون الورقة موقعاً عليها من الخصم فحسب:
وهي صورة تفيد قيام الشخص بالتوقيع المنفرد بما ينشئ مبدأ ثبوت الكتابة لأنه إذا وقع شخص على ورقة وكانت مكتوبة بغير خطه فإن توقيعه يجعلها مع ذلك حجة كاملة عليه ولا تعتبر فقط مبدأ ثبوت كتابي, وإذا وقع شخص على ورقة لا تحمل كتابة فمن العسير أن نتصور أن لهذا التوقيع دلالة.
ومع ذلك فمن الممكن أن تعرض حالات تكون الورقة فيها موقعاً عليها من لشخص دون وجود أية كتابة وتكون لها دلالة تجعل منها في مجال الإثبات مبدأ ثبوت الكتابة. ومن أمثلة ذلك: أن يدعي شخصاً أنه كان وكيلاً عن آخر في أمر ويقدم للدلالة على ذلك ورقة موقعاً عليها من ذلك الآخر على بياض, فيدعي من وقع عليها أنه إنما كان يجرب قلماً أو حاول تحسين خطه فوقعت هذه الورقة في يد خصمه, أو أنه وقع على الورقة وسلمها له ليصنع له ختماً (كليشيه) بهذا التوقيع. فهنا يكون كل من التفسيرين محتمل التصديق, فتحال الدعوى إلى التحقيق ليستكمل المدعي بالبينة هذا الدليل الكتابي الناقص, أو ليبين المدعي عليه – بالبينة أيضاً – صدق ما يدعيه في خصوص توقيعه هذا.
ومن المتصور من ناحية أخري – أن تكون الورقة مكتوبة بخط شخص آخر وموقعاً عليها منه, ومع ذلك لا تعتبر دليلاً كتابياً بل يعتبر توقيعه عليها بداية للثبوت, كما لو كان التوقيع غير كامل, أو كما لو كان باسمه دون لقبه أو بمجرد الحروف الأولي, وكذا الحال لو وقع “زيد” سندا لمديونية “عمر” إلي جانب توقيع المدين دون أن يذكر بجوار توقيعه ما إذا كان يوقع بصفته شاهداً أو كفيلاً للمدين.
الصورة الثالثة- أن تكون الورقة بخط الخصم وتوقيعه:
وهي حالة الورقة التي تكون بخط الشخص وتوقيعه ومع ذلك لا تعتبر إلا مبدأ ثبوت بالكتابة, فمثالها أن يرسل شخص لآخر خطاباً بخطه وتوقيعه يطلب منه مهلة للوفاء دون أن يبين ماهية الدين أو مقداره فيكون هذا الخطاب مبدأ ثبوت كتابي على وجود الدين.
أو أن يكون السند خاصاً بشخص فيكتبه آخر بخطه ثم يوقع عليه إلى جانب توقيع الشخص الذي يخصه السند دون أن يبين غرضه من التوقيع.
وكما لو وجدت ورقة مكتوبة بخط شخص وتوقيعه ولكنها متآكلة أو ممزقة وقد جمعت بعضها وألصقت.
ومن المُقرر في قضاء النقض أنه: “إذا قدمت في الدعوى قصاصات ورق مجموعة بعضها إلى بعض بطريق اللصق على أنها تضمنت شروط استرداد العين المبيعة فأسدلت المحكمة منها ومن ترتيب العبارات الواردة بها وخصوصاً ما يتعلق بالعين ومقدارها وحق استردادها، مع اتحاد الخط والحبر والورقة ووجود توقيع بصمة ختم المشتري على إحداها، استدلت من ذلك على أن هذه البقايا هي أجزاء لأصل واحد، فاعتبرتها – لا ورقة ضد كاملة – بل مبدأ ثبوت بالكتابة أكملته بما استخلصته من شهادة الشهود والقرائن التي أوردتها، وبناء على ذلك قضت بأن العقد وإن كتب في صورة بيع بات هو في حقيقته يخفي رهناً، فذلك ليس فيه خطأ في تطبيق القانون”. (نقض مدني في الطعن رقم 197 لسنة 19 قضائية – جلسة 22/11/1951).
ويقاس على ذلك حالة الورقة التي يكون مظهرها مثيراً للشبهة كما لو قدم شخص ورقة يدل شكلها على أنه قد انسكب عليها ماء مثلاً, أو ادعى أنه نسيها في جيب ثوبه فغسلت معه. فإن الخصم لو عارض – وأدعى مثلاً أنه ألقي بها في مجري ماء بعد أن استنفذت أغراضها فألتقطها غريمة ورفع بها دعوى – فإنه ينبغي اعتبارها حينئذ مجرد بداية للثبوت ويتم استكمالها بالبينة.
الصورة الرابعة- ألا تكون الورقة بخط الخصم ولا تكون بتوقيعه:
وهي حالة ألا تكون الورقة محررة بخط الشخص ولا ممهورة بتوقيعه. وتعتبر هذه الورقة (رغم ذلك) في بعض الأحيان مبدأ ثبوت كتابي, وذلك متصور في الأقوال الواردة على لسان الشخص في محاضر التحقيق المدنية أو الجنائية أو محاضر الجلسات سواء كان متهماً أو أحد الخصوم. ومن هذا نري أن “صدور الورقة من الخصم” له معني خاص هو: كون ما ذكر منسوباً إليه, سواء أكانت أو لم تكن بخطه أو بتوقيعه.
لذلك أيضاً تعتبر الورقة صادرة من الخصم – حتى لو لم تكن بخطه ولا توقيعه، ما دامت عرفية ومنسوباً إليه فيها قول – وذلك في حالة ما إذا كانت مقدمة منه في دعوى أو حتى لو كانت مقدمه من خصمه ولكنه استند إليها واتخذها دليلاً لنفسه, لأن ذلك يعتبر قبولاً منه لها فيحتج بها عليه.
ولو وقع شخص كشاهد على ورقة تضمنت أموراً تضر بمصلحته جاز اعتبارها مبدأ ثبوت كتابي ضده في صدد هذه الأمور عند رفع الدعوى بشأنها عليه.
ومن أمثلة ذلك أن تحضر أثناء حصر تركة شخص متوفى فلا تذكر إنك تداينه بدين وتوقع كشاهد على محضر حصر التركة المتضمن بيان الديون التي على المدين المتوفى والذي لم يُذكر فيه دينك, ثم ترفع بعد ذلك دعوى على الورثة بأنك تداين مورثهم فيدفعون دعواك بأن الدين قد سدد وإلا لما سكت عن إثباته في محضر حصر التركة فيعتبر سكوتك وعدم إثبات دينك في محضر حصر التركة وتوقيعك عليه مبدأ ثبوت كتابي في خصوص واقعة سداد الدين. وهنا يكون مبدأ الثبوت بالكتابة سلبياً.
ومن البديهي أن الورقة لا تعتبر صادرة من الخصم، ولا تعتبر بالتالي مبدأ ثبوت بالكتابة، إلا إذا كان هذا الخصم يسلم بها، فإذا جحدها أو طعن عليها، فإنه لا يعتد بها إلا بعد أن تثبت صحتها ونسبتها إلى الخصم بالطرق المقررة لذلك.
ويترتب على ذلك أيضاً أن الطرف الذي يتمسك بالورقة الصادرة من خصمه، في حالة إنكار الخصم لتلك الورقة، وكان الطرف المتمسك بها قد فقد تلك الورقة بسبب أجنبي لا يد له فيه؛ يترتب على ذلك أن هذا الطرف لا يستطيع أن يقيم الدليل على سبق وجود تلك الورقة لديه وفقدها منه، بالبينة، مستنداً في ذلك إلى ما تقضي به المادة 63/ب من قانون الإثبات، لأن هذه المادة تقتصر على الحالة التي يكون المفقود فيها سنداً كتابياً كاملاً. أما إذا اعترف بها الخصم المتمسك بها ضده، قام اعترافه مقام وجودها وتقديمها في الدعوى.
الشرط الثالث- احتمال تصديق الادعاء (جعل التصرف المدعى به قريب الاحتمال):
يشترط أخيراً أن يكون من شأن الكتابة جعل التصرف المدعي به قريب الاحتمال، وليس فقط ممكن أو مُحتمل الحدوث.
وهذا شرط جوهري, لأنه هو حلقة الاتصال بين الكتابة المشار إليها وبين الالتزام المدعي به, إذ يدل على أن الإدعاء ليس مجرد من الأساس تجريداً تاماً بل أن هناك مظنة كتابية على صحته, أو بعبارة أخري دليل كتابي ناقص عليه. فيجوز بهذه المثابة تكملة هذا الدليل الناقص, وتكون هذه التكملة بسماع الشهود أو بالقرائن القضائية، حيث يجوز الإثبات بالقرائن القضائية في الأحوال التي يجوز فيها الإثبات بشهادة الشهود (المادة 100 إثبات). وبعبارة أخرى (وبأسلوب حسابي) فإن:
مبدأ الثبوت الكتابي + شهادة الشهود = دليل كتابي كامل.
ومسألة جعل التصرف قريب الاحتمال أو محتمل التصديق مسألة موضوعية موكولة للقاضي ولا رقابة فيها لمحكمة النقض عليه: لأن قرب الاحتمال بوجود التصرف أو احتمال وجود التصرف أو احتمال تصديق الادعاء هو قرينة يستخلصها القاضي من الأوراق التي تقدم إليه في كل دعوى على حدة.
ولا سبيل إلى وضع قاعدة أو معيار عاماً في هذا الشأن, ولذلك فإن هذا الشرط الثالث لا يتضح إلا باستعراض الأمثلة, وقد ذكرنا العديد منها آنفاً.
أما الشرط الأول المتعلق بوجود “ورقة مكتوبة” قد تحقق في مبدأ الثبوت بالكتابة، أو لم يتحقق، هو من المسائل القانونية التي تخضع لرقابة محكمة النقض. وكذلك الشرط الثاني المتعلق بصدور تلك الورقة المكتوبة من الخصم، أو ممن يمثله أو ينوب عنه قانوناً، هو أيضاً من مسائل القانون ومن ثم يخضع لرقابة محكمة النقض.
بينما الشرط الثالث والمتعلق بكون التصرف المدعى به قريب الاحتمال فهو من مسائل الواقع فتستقل به محكمة الموضوع دون رقابة عليها في ذلك من محكمة النقض شريطة أن يكون استخلاصها سائغاً، حيث أنه من المُقرر في قضاء النقض: “إن القانون لا يتطلب بيانات مُعينة في الورقة لاعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة، ويكفي أن تكون صادرة من الخصم الذي يُحتج عليه بها، وأن تجعل التصرف المدعى به قريب الاحتمال، وأن تقدير ما إذا كانت الورقة التي يُراد اعتبارها كذلك من شأنها أن تجعل الأمر المراد إثباته قريب الاحتمال، هو اجتهاد في فهم الواقع يستقل به قاضي الموضوع ولا رقابة عليه في ذلك من محكمة النقض متى كان استخلاصه سائغاً”. (نقض مدني في الطعن رقم 1371 لسنة 85 قضائية – جلسة 12/5/1993).
الأثر المترتب على الاعتداد بمبدأ ثبوت بالكتابة:
فإذا ما توافرت وتحققت جميع الشروط المتطلبة قانوناً، والسالف ذكرها، فعندئذ يجوز لمن يقع عليه عبء الإثبات، عوضاً عن تقديم دليل كتابي “كامل” – في الأحوال التي تستلزم الإثبات بهذا الدليل – أن يستعيض عنه بالإثبات بالبينة، أو بما يعادلها في قوتها في الإثبات – أي القرائن القضائية – طبقاً لنص الفقرة الأولى من المادة 62 من قانون الإثبات.
أي أنه يترتب على وجود مبدأ ثبوت بالكتابة أنه يجوز الإثبات بشهادة الشهود فيما كان واجباً إثباته أصلاً بالكتابة.
وتقول محكمة النقض في هذا الشأن أن: “النص في المادة 62 من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية رقم 25 لسنة 1968 على أنه “يجوز الإثبات بشهادة الشهود فيما كان يجب إثباته بالكتابة إذا وجد مبدأ ثبوت بالكتابة. وكل كتابة تصدر من الخصم ويكون من شأنها أن تجعل وجود التصرف المُدعى به قريب الاحتمال تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة” يدل على أن المشرع قد جعل لمبدأ الثبوت بالكتابة ما للكتابة من قوة في الإثبات متى أكمله الخصوم بشهادة الشهود، وأن كل كتابة صادرة من الخصم أو من يمثله أو موقعه منه تصلح أن تكون مبدأ ثبوت بالكتابة أياً كان شكلها وأياً كان الغرض منها”. (نقض مدني في الطعن رقم 1995 لسنة 50 قضائية، جلسة 16 /5/1983).
ولكن ليس معنى هذا أن يصبح قبول الإثبات بشهادة الشهود حقاً للمدعي أو المُتحمل بعبء الإثبات, وإنما يكون الأمر جوازياً للمحكمة, فلها أن تقبل الإثبات بشهادة الشهود ولها أن ترفض ذلك. وإذا ما أحالت الدعوى للتحقيق، فلها أن تأخذ بنتيجة التحقيق إن اطمأنت إليها ولها أن تلتفت عنها إن لم تطمئن إليها، كما يجب في هذه الأحوال أن يطلب المدعي أو المُتحمل بعبء الإثبات الترخيص له بالإثبات بالبينة, فليس للمحكمة أن تصرح به من تلقاء نفسها.
ومن المقرر في قضاء النقض أن: “مُجرد تمسك الخصم بورقة مكتوبة صادرة من خصمه باعتبار أنها تكون مبدأ ثبوت بالكتابة، لا يقوم مقام الدليل الكامل فيما يجب إثباته، بل على صاحب المصلحة طلب استكماله بشهادة الشهود أو بالقرائن أو بهما معاً حتى تنظر المحكمة في طلب إحالة الدعوى إلى التحقيق، وإذا كان الثابت أن الطاعنين لم يطلبا الإحالة إلى التحقيق لاستكمال هذا الدليل الناقص، فلا تثريب على الحكم المطعون فيه إن هو التفت عنه”. (نقض مدني في الطعن رقم 1205 لسنة 48 قضائية – جلسة 11/4/1979 مجموعة المكتب الفني – السنة 30 – صـ 107).
وفي حالة ما إذا أحال القاضي الدعوى للتحقيق يجب ملاحظة أن تقدير البينة- شهادة الشهود – والقرائن في هذه الحالة متروك للقاضي, أي أنه يجوز مع وجود مبدأ ثبوت كتابي وبعد سماع الشهود أن يحكم القاضي برفض الدعوى إذا لم يطمئن إلى شهادة الشهود.
وفي ذلك قضت محكمة النقض بأنه: “متى كان الحكم التمهيدي لم يفصل إلا في جواز إثبات الشركة التي كان الطاعن يدعى وجودها استنادا إلى أن الإنذارات المتبادلة بينه وبين المطعون عليه تدل على وجود علاقة بينهما اعتبرتها المحكمة مبدأ ثبوت بالكتابة يجيز سماع البينة المتممة له ولم تقطع في ماهيــة هذه العلاقة. ومتى كان الحكم التمهيدي قد ألقى عبء إثبات شركة المحاصة على من يدعيها وهو الطاعن ولما لم يأخذ الحكم المطعون فيه بشهادة شهوده اعتبر الدعوى عارية عن الدليل، فليس في هذا الذي سلكه الحكم أي قصور في التسبيب إذ بحسبه أن يناقش شهادة شهود من ألقى عليه عبء الإثبات فإن هو اطرح شهادتهم كانت الدعوى بغير دليل دون حاجة منه إلى مناقشة شهود خصمه متى لم يثبت ما يستوجب نفيه من جانبه”. (الطعن رقم 104 لسنة 19 قضائية, جلسة 8/2/1951).
حالة مشابهة لمبدأ الثبوت الكتابي:
وهي حالة ما إذا تخلف الخصم عن الحضور للاستجواب أو حضر وامتنع عن الإجابة وكان تخلفه أو امتناعه بغير عذر مقبول أو مبرر قانوني جاز للمحكمة أن تقبل الإثبات بشهادة الشهود والقرائن في الأحوال التي ما كان يجوز فيها ذلك.
وتنص على ذلك المادة 113 من قانون الإثبات بنصها على أنه: “إذا تخلف الخصم عن الحضور للاستجواب بغير عذر مقبول أو امتنع عن الإجابة بغير مبرر قانوني، جاز للمحكمة أن تقبل الإثبات بشهادة الشهود والقرائن في الأحوال التي ما كان يجوز فيها ذلك”.
وقد قضت محكمة النقض بأن: “مؤدى المادة 113 من قانون الإثبات أنه إذا تخلف الخصم عن الحضور للاستجواب بغير عذر مقبول أو أمتنع عن الإجابة بغير مبرر قانوني، جاز للمحكمة أن تقضي في الدعوى دون ما حاجة أن يطلب الخصم العدول عن حكم الاستجواب، وأن تقبل الإثبات بشهادة الشهود والقرائن في غير الأحوال الجائزة”. (نقض مدني في الطعن رقم 1111 لسنة 48 قضائية – جلسة 12/2/1979 مجموعة المكتب الفني – السنة 30 – صـ 527).
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً