شروط وإجراءات تسوية منازعات التجارة الدولية في القانون العماني

شروط وإجراءات تسوية منازعات التجارة الدولية في القانون العماني
د. عبد القادر ورسمه غالب –

يشهد العالم هذه الأيام شدا وجذبا وتهديدات متبادلة بين أمريكا وغريمتها الصين بسبب الخلافات التجارية بين العملاقين والمستمرة لفترة من الوقت. وهذا الوضع له انعكاسات سلبية حادة على الأسواق، وخاصة البورصات العالمية، التي لا تحتمل مثل هذه المواجهات والتجاذبات بين العمالقة. ومن الجدير بالذكر أنه، سبق أن تقدمت الصين بشكاوى تجارية ضد أمريكا وحصلت على أحكام لمصلحتها من منظمة التجارة ولكن أمريكا لم تلتزم بتنفيذ الأحكام. وظلت الصين تطالب بالتنفيذ ، وكرد فعل يقوم الرئيس الأمريكي الآن بتهديد مسار التجارة مع الصين. وهذا في نظرنا، يرجع لعقيدة ممارسة القوة والغطرسة التي لا تعود بالخير على أحد في العالم.

نظام تسوية منازعات منظمة التجارة العالمية لم يأت من فراغ وهو ليس جديدًا بل ظل مستمرًا منذ قيام «الجات». حيث تضمنت اتفاقية الجات شروط «تسوية المنازعات»، ويتم التعامل مع النزاع بواسطة ممثلين من أطراف النزاع، وتتخذ القرارات على أساس الاتفاق الجماعي. يعرض النزاع على «هيئة خبراء» تضم ثلاثة إلى خمسة من الخبراء المستقلين من الأطراف المتعاقدة باتفاقية الجات وتقدم الهيئة تقريرها لمجلس «الجات»، المكون من كل الأطراف المتعاقدة، ويجب أخذ الموافقة بالإجماع على توصيات الهيئة قبل أن تصير ملزمة على أطراف النزاع.

تطورت إجراءات تسوية المنازعات على مدار السنين بشكل عملي ومنظم وصدرت قرارات واتفاقيات تتعلق بتسوية المنازعات التي تبناها الأطراف. وتم تأسيس مكتب قانوني بالجات، لمساعدة هيئة الخبراء. ونتيجة لذلك تحسنت جودة التقارير، وزادت ثقة الأطراف المتعاقدة في نظام تسوية المنازعات حيث بدأت هيئات التحقيق في استعمال القواعد المعتادة في تفسير القانون والمعاهدات. وتدريجيا تطور نظام تسوية المنازعات الخاص بالجات من نظام أساسه مفاوضات دبلوماسية إلى نظام له سمات عديدة من نظم تسوية المنازعات على أسس قانونية ومن خلال أحكام قضائية. وبالرغم من أن تسوية المنازعات الخاصة بالجات تعتبر بشكل عام ناجحة في الحل الكامل أو الجزئي وبشكل مرض للأطراف، لكن النزاعات أصبحت أكثر حدة منذ التسعينيات. وهنا ظهرت بعض النواقص في النظام تتمثل في أن بعض القرارات ومنها قرار تأسيس هيئة التحقيقات، وقرار تبني تقرير الهيئة، وقرار تأجيل الامتيازات كان يجب إقرارها بالإجماع في مجلس الجات. ومن هنا يصبح في إمكان الطرف المدعى عليه تأخير أو تعليق أي من القرارات وبالتالي يشل أو يبطل نظام تسوية النزاعات. إضافة لذلك، اعتبرت الأطراف المتعاقدة أن عملية تسوية المنازعات غير قادرة على التعامل مع الكثير من المنازعات الحساسة ذات البعد السياسي لذلك سعت بعض الأطراف المتعاقدة، وبشكل خاص أمريكا، القيام بتصرفات من جانب واحد ضد الإجراءات التي تعتبرها خرقًا لقانون اتفاقية الجات.

تحسين نظام الجات لتسوية المنازعات كان في أجندة مفاوضات جولة «أوروجواي». حيث نص الإعلان في هذه المفاوضات على تأكيد تسوية المنازعات بشكل سريع فعال لمصلحة الأطراف المتعاقدة وأن تسعى المفاوضات لتحسين وتقوية القواعد والإجراءات في عملية التسوية، وشملت المفاوضات الترتيبات الكافية للتوقع ومراقبة الإجراءات التي تسهل الامتثال للتوصيات.

وتمكنت المفاوضات من الوصول لاتفاق على مجموعة من التحسينات على نظام الجات لتسوية المنازعات. أكثر الأفكار الجديدة أهمية في نظام اتفاقية الجات لتسوية المنازعات تخص نقطة التبني شبه التلقائي لطلبات التفويض لتأجيل التنازلات، ونقطة إطار الوقت الضيق لمختلف المراحل في عملية المنازعات، وكذلك نقطة إمكانية مراجعة الاستئناف لتقارير الهيئة. والنقطة الأخيرة مرتبطة بشكل كبير بالتبني شبه التلقائي لتقارير الهيئة وهذا يعكس اهتمام الأعضاء لضمان الجودة العالية للتقارير المقدمة من الهيئة.
وعليه تطور نظام منظمة التجارة العالمية لتسوية المنازعات وظل لفترة طويلة يعتبر من أكثر وأفضل أنظمة تسوية المنازعات العالمية في نتائجه، والدليل على ذلك أنه تم عرض الكثير من المنازعات أمام نظام منظمة التجارة العالمية. وفي أكثر المنازعات التي تم عرضها وفق نظام تسوية المنازعات لمنظمة التجارة العالمية، تمكنت الأطراف من الوصول لحل مرض للطرفين من خلال التشاور أو تم حل النزاع بشكل آخر بدون اللجوء للتحكيم والقضاء كما حدث في منازعات أخرى.

إن نظام منظمة التجارة العالمية لتسوية المنازعات يمثل في نظرنا عنصرًا فاعلاً للتكهن بمستقبل نظام عالمي للتجارة متعدد الأطراف ومتماشيا مع الاتفاقية، وأن الأطراف المعنية قامت بتقديم اعتراف صريح بأن التسوية «السريعة للمنازعات بموجب الاتفاقيات المعنية» أمر ضروري للعمل الفعال لمنظمة التجارة العالمية. وكل هذا ينسجم تماما مع نظام منظمة التجارة العالمية لتسوية المنازعات الذي يهدف للوصول «لتسوية مرضية» للمنازعات التي تطرأ طبقا للحقوق والالتزامات التي أسستها الاتفاقية المعنية. ولكل هذا يجب على الجميع الامتثال لما يصدر من قرارات حول المنازعات التجارية، ومن المفروض الاستمرار في نفس النهج والتوجهات لتطوير أسس تسوية المنازعات وتفعيلها، وليس العكس، وذلك حتى تلعب التجارة دورها الهام في التنمية والعمران ودعم التعايش السلمي في عالمنا الواحد الصغير.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

Share

اترك تعليقاً

Your email address will not be published.