بحث في صدى معارضة المدعي المدني في الأمر الصادر من قاضي الإحالة بالأوجه لإقامة الدعوى العمومية
لحضرة الفاضل الأستاذ علي زكي العرابي بك وكيل محكمة مصر الابتدائية
نقدًا لحكم محكمة النقض والإبرام في 6 يونيه سنة 1927 المنشور بهذا العدد تحت رقم (125)
قررت محكمة النقض والإبرام أولاً بأن معارضة المدعي المدني في الأمر الصادر من قاضي الإحالة بأن لا وجه لإقامة الدعوى لعدم كفاية الأدلة ليست قاصرة على حقوقه المدنية بل تتناول الدعوى العمومية فإذا رأت أودة المشورة أن الأمر في غير محله فإنها تلغيه وتحيل المتهم على محكمة الجنايات للحكم عليه بالعقوبة (حكم 2 يونيو 1923 المجموعة س 26 صـ 121)، ولكنها عادت ثانيًا وقررت بعكس ذلك بأن المعارضة من المدعي المدني في الأمر المذكور وقرار أودة المشورة بإلغائه لا يتعديان الحقوق المدنية ولا يؤثران بشيء على الدعوى العمومية فإذا ألغت أودة المشورة الأمر المعارض فيه وأحالت الدعوى على محكمة الجنايات كانت هذه الإحالة قاصرة على الدعوى المدنية ولا تملك محكمة الجنايات الحكم في الدعوى العمومية (2 فبراير 1925 المحاماة س 5 صـ 804 و6 يونيو سنة 1927 المحاماة رقم 125 من هذا العدد).
وقد جاء الحكم الأخير مؤيدًا لحكم محكمة جنايات بني سويف في 16 فبراير سنة 1926 المنشور في مجلة المحاماة س 7 صـ 480، وبهذا المعنى أيضًا حكم محكمة جنايات بني سويف في 15 ديسمبر سنة 926 المحاماة س 7 صـ 883).
وتتلخص الأسباب التي بني عليها الحكمان في أن النيابة العمومية هي وحدها صاحبة الحق في تحويل الدعوى العمومية في الجنايات وهي التي تقدم القضية لقاضي الإحالة فإذا قرر هذا القاضي بأن لا وجه لإقامة الدعوى ولم تطعن النيابة في قراره أصبح القرار المذكور نهائيًا فيما يتعلق بالدعوى العمومية ما لم تظهر أدلة جديدة تبيح رفع الدعوى، وأنه ولو أن المادة (123) من قانون تحقيق الجنايات نصت على أن معارضة المدعي المدني في الأمر الصادر من قاضي التحقيق تعيد الدعوى لحالتها الأصلية إلا أن قانون تشكيل محاكم الجنايات لم يرد به مثل هذا النص بالنسبة لمعارضة المدعي المدني في الأمر الصادر من قاضي الإحالة، ولا يمكن في مواد الجنايات الحكم بالمشابهة والقياس، وقاضي الإحالة لم تكن سلطته تشبه سلطة قاضي التحقيق في القانون الأهلي ولا أية سلطة أخرى في التشريع الأجنبي بل هو سلطة فذة قائمة بذاتها فلا يؤاخذ المتهم إلا بما سن له صريحًا في القوانين، ولا يعترض بأن الدعوى المدنية في هذه الحالة تحال على محكمة الجنايات وحدها بدون الدعوى العمومية فإن هذا جائز قانونًا محافظةً على حقوق المدعي المدني الخاصة وقد نص قانون تحقيق الجنايات بأن الطعن من المدعي المدني في الحكم الصادر من المحكمة بطريق الاستئناف أو بطريق النقض والإبرام يكون قاصرًا على حقوقه المدنية دون غيرها وحينئذٍ تنظر المحكمة الاستئنافية أو المحكمة المحالة عليها الدعوى من محكمة النقض الدعوى المدنية بمفردها، وأخيرًا فإن المادة (42) جنايات تقضي بأن أمر الحفظ الصادر من النيابة يمنع من العود إلى إقامة الدعوى إلا إذا ألغاه النائب العمومي في المدة القانونية أو إذا ظهرت أدلة جديدة فمن باب أولى إذ قرر قاضي الإحالة بأن لا وجه ووافق النائب العمومي على هذا القرار بعدم الطعن فيه أصبح قراره هذا مكتسبًا كل قوة لمصلحة المتهم لا يقوى على العبث بها المدعي المدني برفعه معارضة لا تتعدى حقوقه المدنية.
ومع كل الاحترام الواجب لأحكام محكمة النقض والإبرام نود أن نبدي الملاحظات الآتية على هذا المبدأ الذي قررته أخيرًا.
فيلاحظ قبل كل شيء أن الأمر بأن لا وجه صادر من قاضي الإحالة أو من قاضي التحقيق كأمر الحفظ الصادر من النيابة لا يتعرض لحقوق المدعي المدني ولا يفصل فيها بل ولا يؤثر عليها بأي حال من الأحوال، فللمدعي المذكور رغم صدور هذا الأمر أن يرفع دعواه المدنية للمحكمة المدنية المختصة أصلاً بنظرها ولهذه المحكمة أن تنظرها بتمام الحرية ولا يمكن أن يكون للأمر بأن لا وجه لقوة الشيء المحكوم به أمامها، فلا يتصور كيف يطعن المدعي المدني في هذا الأمر فيما يتعلق بحقوقه المدنية بينما الأمر المذكور يصدر بأن لا وجه لإقامة (الدعوى العمومية) لعدم كفاية الأدلة على وقوع الجريمة أو على نسبتها للمتهم كما هو صريح نص المادة (12) من قانون تشكيل محاكم الجنايات، وهذا الأمر بالذات هو الذي أباحت المادة (12 ج) لكل من النائب العمومي والمدعي المدني الطعن فيه بطريق المعارضة أمام أودة المشورة ويكون المطروح أمام أودة المشورة بهذه المعارضة هو هل هذا الأمر في محله أو في غير محله.
والواقع أن المدعي المدني لا يدخل في التحقيق سواء أمام النيابة أو قاضي الإحالة ليطلب الحكم له بحقوقه المدنية لأن كل منهما غير مختص بالحكم فيها ولكنه يدخل ليساعد النيابة على تقوية الأدلة وإحالة المتهم على محكمة الجنايات، لأنه وقد اكتوى بنار الجريمة وناله ضررها يكون أول من يهمه الاقتصاص من الجاني فأراد القانون أن يستفيد منه في جمع الأدلة لتحقيق العقاب فقبل دخوله في التحقيق لهذه الغاية وحينئذٍ يكون هو والنيابة عاملين يعملان لإثبات التهمة وتقديم الجاني إلى المحكمة لينال جزاؤه فإذا لم ينجحا وصدر قرار بأن لا وجه جاز لكل منهما على السواء أن يطعن في هذا القرار بطريق المعارضة أمام أودة المشورة لنفس الغاية المتقدمة، فقد نصت المادة (12 ج) من قانون تشكيل محاكم الجنايات على أن (للنائب العمومي وللمدعي المدني الطعن بطريق المعارضة أمام المحكمة الابتدائية منعقدة بهيئة أودة مشورة في كل أمر صادر من قاضي الإحالة بأن لا وجه لإقامة الدعوى لعدم كفاية الأدلة)، وظاهر من نص هذه المادة أن المعارضة من كل منهما منصبة على الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى العمومية لعدم كفاية الأدلة وقد أعطى القانون لمعارضة المدعي المدني نفس الأثر الذي أعطاه لمعارضة النائب العمومي حيث نصت المادة بلا تمييز بين الحالتين على أنه (إذا قبلت المعارضة في الأمر الصادر من قاضي الإحالة بأن لا وجه لإقامة الدعوى تحيل المحكمة القضية على النيابة العمومية لإجراء اللازم قانونًا إذا كانت القضية جنحة أو مخالفة أما إذا كانت جناية فتتبع فيها الإجراءات المقررة لقاضي الإحالة) أي تحيلها على محكمة الجنايات بنفس الطريقة المقررة لقاضي الإحالة.
يتضح مما تقدم أن الأمر بأن لا وجه لا يتعرض للحقوق المدنية فلا يتصور إمكان المعارضة فيه من هذه الوجهة، ويكون التجاء المدعي المدني إلى أودة المشورة إذا صرفناه إلى الحقوق المدنية فقط – وإن حصل في شكل معارضة في الأمر بأن لا وجه – هو في الواقع طلب قائم بذاته إلى أودة المشورة بإحالة دعواه المدنية بمفردها على المحكمة الجنائية بعد أن تقرر نهائيًا عدم إحالة الدعوى العمومية وليس له أي معنى غير ذلك، وتكون وظيفة أودة المشورة في هذه الحالة مدنية محضة فلا تنظر في أركان الجريمة بل في توفر أركان الدعوى المدنية فقط وثبوتها، وإذا رأتها متوفرة تحيلها وحدها على محكمة الجنايات وتكون وظيفة المحكمة قاصرة عليها دون سواها، وبذلك تتحول محكمة الجنايات إلى محكمة مدنية عادية، وإذا كان الأمر كذلك فلا نفهم لماذا لا يكون للمدعي المدني – في حالة صدور الأمر بأن لا وجه وصيرورته نهائيًا لعدم الطعن فيه من النائب العمومي – أن يرفع دعواه المدنية مباشرةً لمحكمة الجنايات ولماذا تلزمه بالالتجاء لأودة المشورة لتصرح له بذلك مع أن نظام التحقيق والإحالة لم يوجدا إلا للدعاوى الجنائية ولا دخل لهما في الدعاوى المدنية.
على أن القول بإحالة الدعوى المدنية وحدها على محكمة الجنايات بناءً على معارضة المدعي المدني وحده فيه إخلال بقواعد الاختصاص المقررة للمحاكم فإن الواقع أن المحاكم المدنية هي المختصة أصلاً بنظر الدعاوى المدنية وأما المحاكم الجنائية فإن اختصاصها قاصر على الدعاوى العمومية، ولكن نظرًا للارتباط الوثيق بين الدعوى المدنية الناشئة عن الجريمة والدعوى العمومية عن هذه الجريمة باعتبار أن الجريمة هي منشأ التعويض وأساس العقاب معًا، أجاز القانون للمحكمة الجنائية المطروحة أمامها الجريمة أن تنظر أيضًا في الدعوى المدنية الناشئة عن هذه الجريمة بالذات وتحكم في الدعويين بحكم واحد، وحينئذٍ فعلة اختصاص المحكمة الجنائية بنظر الدعوى المدنية على خلاف القاعدة هي وجود الدعوى العمومية أمامها عن نفس الجريمة التي هي منشأ الدعوى المدنية، وبغير وجود هذه الدعوى العمومية لا يكون هناك أي مبرر لتغيير الاختصاص وإباحة رفع الدعوى المدنية إلى المحكمة الجنائية، لذلك صار من المسلم به أنه لا تقبل الدعوى المدنية أمام المحكمة الجنائية بدون الدعوى العمومية وأن عدم قبول الدعوى المدنية في هذه الحالة هو من النظام العام ويجوز الدفع به من الخصوم في أية حالة كانت عليها الدعوى حتى لأول مرة أمام محكمة النقض والإبرام كما يجب على المحكمة أن تحكم به من تلقاء نفسها (جارو شرح تحقيق الجنايات ج 1 ن 192 ج، وفستان هيلي 2 ن 617 ومنجان ج 1 ن 34)، وبناءً على ذلك لا نرى كيف يمكن التسليم بأن الدعوى العمومية تكون قد انتهت بصدور الأمر بأن لا وجه وعدم معارضة النائب العمومي فيه على قولهم ويكون للمدعي المدني مع ذلك الحق في أن يطلب إحالة دعواه المدنية بمفردها على المحكمة الجنائية.
وأخيرًا فإن المدعي المدني نفسه ليست له أية مصلحة في طرح دعواه المدنية بمفردها أمام المحكمة الجنائية، لأنه مع وجود المحاكم المدنية المختصة أصلاً بالفصل في الحقوق المدنية لا يقصد من تركها والالتجاء للمحاكم الجنائية إلا أن يتمكن من تأييد التهمة على المتهم للوصول إلى عقابه من جهة، ومن جهة أخرى لأنه يخشى أنه لو ترك الدعوى العمومية تنظر بمفردها أمام المحكمة الجنائية قد يصدر الحكم فيها بالبراءة فيؤثر فيما بعد على دعواه أمام المحكمة المدنية، وهذان الفرضان لا يتحققان إلا إذا كانت الدعوى العمومية مرفوعة بالفعل وبدونها لا يكون للمدعي المدني إلا غرض واحد وهو مجرد الحصول على حقوقه المدنية والمحاكم المدنية كفيلة به، وليس من الواضح حينئذٍ لأي غرض يطعن المدعي المذكور في الأمر بأن لا وجه بقصد إحالة مجرد دعواه المدنية على محكمة الجنايات ولا لأي حكمة يخوله القانون هذا الحق.
يتضح مما تقدم أنه لا يوجد أي سبب معقول يدعو لتغيير الاختصاص في هذه الحالة وقبول الدعوى المدنية بمفردها أمام المحكمة الجنائية بدون الدعوى العمومية، بل إن طبيعة الأمر بأن لا وجه، والحكمة من اختصاص المحاكم الجنائية بالدعوى المدنية، ومصلحة المدعي المدني ذاته في الالتجاء لتلك المحاكم، كل ذلك يحتم أن طعن المدعي المذكور في الأمر بأن لا وجه لا يمكن تفسيره إلا بأنه طعن في نفس الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى العمومية بقصد إلغائه وإحالة المتهم على المحكمة الجنائية لمحاكمته وعقابه على الجريمة المنسوبة إليه، ولا يمكن أن ينصرف بأي حال من الأحوال إلى الدعوى المدنية نفسها التي لم يتعرض لها الأمر المذكور ولم يفصل فيها.
من الأسباب التي بني عليها الرأي الذي نعارضه ما ورد في المادتين (176) و(229) من قانون تحقيق الجنايات من أن الطعن من المدعي المدني في الحكم بطريق الاستئناف أو بطريق النقض والإبرام يكون قاصرًا على حقوقه المدنية دون سواها، وإذا لم تكن النيابة قد طعنت هي أيضًا في الحكم فإن وظيفة محكمة الاستئناف أو محكمة النقض والإبرام أو المحكمة المحالة عليها الدعوى من محكمة النقض في حالة قبول النقض تكون قاصرة على نظر الدعوى المدنية بمفردها دون الدعوى العمومية، وقياسًا على ذلك يكون طعن المدعي المدني في الأمر بأن لا وجه قاصرًا على حقوقه المدنية، وإذا قبل الطعن فلا تحال على محكمة الجنايات سوى الدعوى المدنية ولا تملك المحكمة المذكورة الحكم في الدعوى العمومية.
ولكن هذا قياس مع الفارق فإن الدفع بعدم قبول الدعوى شيء والطعن في الحكم الذي يصدر فيها شيء آخر، فالدعوى المدنية لا تقبل ابتداءً أمام المحكمة الجنائية إلا مع الدعوى العمومية وتبعًا لها فإذا رفعت بدونها وجب الحكم بعدم قبولها أما إذا رفعت معها كانت مقبولة ووجب الحكم في موضوعها ولكن يكون هذا الحكم قابلاً للطعن بالطرق القانونية ولا يتوقف الطعن فيه على الطعن في الحكم في الدعوى العمومية فللمدعي المدني أن يطعن في الحكم فيما يتعلق بحقوقه المدنية بطريق الاستئناف أو بطريق النقض والإبرام ولو لم تطعن النيابة في الحكم فيما يتعلق بالعقوبة، لأنه لا يمكن منع المدعي المذكور من التظلم من حكم يعتقد أنه مجحف بحقوقه المدنية لمجرد أن النيابة قبلته فيما يتعلق بالدعوى العمومية، وحينئذٍ يكون الاستئناف أو النقض المرفوع منه قاصرًا على الدعوى المدنية دون سواها، أما القرار بأن لا وجه فإنه لا يفصل في الحقوق المدنية ولا يمسها فلا يتصور الطعن فيه فيما يتعلق بهذه الحقوق.
وقد أشارت المحكمة إلى المادة (126) من قانون تحقيق الجنايات التي تنص على أن المعارضة في أمر قاضي التحقيق بأن لا وجه سواء كانت صادرة من المدعي المدني أو من النيابة تجعل الدعوى في الحالة التي كانت عليها من قبل وقالت إن هذا النص لا يحتج به لأنه نص صريح خاص بالأمر الصادر من قاضي التحقيق ولم يرد مثله بالنسبة للمعارضة في الأمر بأن لا وجه الصادر من قاضي الإحالة، ولا يحكم في مواد الجنايات بالمشابهة والقياس، ونلاحظ على ذلك بأن المحكمة سلمت ضمنًا بأن المادة (126) يؤخذ منها أن معارضة المدعي المدني في الأمر بأن لا وجه الصادر من قاضي التحقيق تعيد الدعوى إلى ما كانت عليه من قبل بالنسبة للدعوى المدنية والدعوى العمومية معًا مع أنها لم تنص على ذلك صراحةً بل قالت فقط أنها تعيد الدعوى إلى ما كانت عليه من قبل، وما دام أن المحكمة ترى أن معارضة المدعي المدني تكون قاصرة على حقوقه المدنية فقط فكان من المنطق أن تفسر هذا النص بأن معارضة المدعي المذكور تعيد الدعوى إلى حالتها الأصلية بالنسبة للحقوق المدنية فقط، ولكنها كما قلنا سلمت بأنها تعيد الدعوى العمومية أيضًا ولا ندري لماذا أبت إعطاء هذه النتيجة لمعارضة المدعي المدني في الأمر بأن لا وجه الصادر من قاضي الإحالة، والواقع أن نصوص قانون تحقيق الجنايات الخاصة بالمعارضة في الأمر بأن لا وجه الصادر من قاضي التحقيق لا تختلف عن نصوص قانون تشكيل محاكم الجنايات الخاصة بالمعارضة في الأمر بأن لا وجه الصادر من قاضي الإحالة، فكلاهما يجيز للنيابة وللمدعي المدني المعارضة في الأمر بأن لا وجه ويوجب رفع هذه المعارضة لأودة المشورة ويقضي بأن أودة المشورة إذا قبلت المعارضة تحيل الدعوى على محكمة الجنايات إذا كانت جناية (انظر المواد (116) و(124) و(126) من قانون تحقيق الجنايات، والمادة (12 ج) من قانون تشكيل محاكم الجنايات)، وفقط زادت المادة (126) من قانون تحقيق الجنايات أن (تقديم المعارضة يجعل الدعوى في الحالة التي كانت عليها)، وهذه العبارة لم ترد في المادة (12 ج) من قانون تشكيل محاكم الجنايات ولكنها في الحقيقة لم تأتِ بشيء جديد بل إن حكمها مستفاد من طبيعة الحال فإن كل معارضة تعيد الدعوى إلى حالتها الأولى وإلا لما أمكن نظر الدعوى ثانيًا، وقد اتفقت النصوص في قاضي التحقيق وقاضي الإحالة على أن أودة المشورة سواء رفعت لها المعارضة عن قرار قاضي التحقيق أو عن قرار قاضي الإحالة تحكم في الحالتين على السواء أما بتأييد الأمر أو بإلغائه وإحالة القضية على محكمة الجنايات إذا كانت جناية، فلا محل للقول بأن معارضة المدعي المدني تشمل الدعوى العمومية إذا كان الأمر بأن لا وجه صادرًا من قاضي التحقيق ولا تشملها إذا كان صادرًا من قاضي الإحالة، بل يجب القول إنه في الحالتين تكون المعارضة في موضوع الدعوى العمومية نفسها.
وهذا هو المقرر في القانون الفرنساوي فإن المادة (135) من قانون تحقيق الجنايات الفرنساوي تجيز للمدعي المدني أن يطعن بطريق المعارضة أمام أودة الاتهام في الأمر بأن لا وجه الصادر من قاضي التحقيق، ومن المسلم به أن هذا الطعن يتناول الدعوى العمومية ويمكن لأودة الاتهام بناءً عليه أن تحيل المتهم على المحكمة للحكم عليه بالعقوبة رغم عدم معارضة النيابة (النقض الفرنساوي 29 مارس 1878، و3 نوفمبر سنة 1899 وأيضًا لبواتفان مادة (135) ن 34 – 36، وملخص جارون 486، وفستان هيلي ج 5 ن 3104 ولابورد ن 950)، حتى أن المدعي المدني إذا تنازل عن معارضته أمام أودة المشورة فتنازله هذا لا يسلبها حق الفصل فيها لأنها قد رفعت لها بطريق قانوني ودخلت في اختصاصها وصار من المحتم صدور قرار في موضوعها (النقض الفرنساوي 10 مارس سنة 1822 ولبواتفان مادة 135 ن 37 ومنجان في التحقيق المكتوب ج 2 ن 46 ولابورد ن 951).
تقول المحكمة إن قاضي الإحالة لم تكن سلطته تشبه قاضي التحقيق في القانون الأهلي ولا أية سلطة أخرى في التشريع الأجنبي بل هو سلطة نافذة قائمة بذاتها، ولكن الواقع أن سلطة التحقيق هي في الأصل سواء في مصر أو في فرنسا من اختصاص قاضي التحقيق وهذه السلطة تشمل كل إجراءات التحقيق كما تشمل التصرف في القضية بعد نهايته فالأمر بأن لا وجه أو بالإحالة على المحكمة هو من اختصاص قاضي التحقيق.
فلما خول القانون سلطة التحقيق للنيابة خولها لها أولاً كاملة فكان لها أن تحقق ثم تقرر أما بإحالة الدعوى على المحكمة أو بحفظها ثم عاد وسلخ منها سلطة الإحالة وأعطاها لقاضٍ مستقل هو قاضي الإحالة.
فالقاضي المذكور قد حل حينئذٍ محل قاضي التحقيق في إحالة الدعوى فصارت النيابة تمثله في التحقيق وهو يمثله في الإحالة، فوجب أن تأخذ الإحالة من قاضي الإحالة حكم الإحالة من قاضي التحقيق إلا إذا نص القانون على غير ذلك، والواقع أن القانون أراد التسوية التامة بين الإحالتين فنص بالمادة (29) من قانون تشكيل محاكم الجنايات على أنه إذا رأى قاضي التحقيق بعد تحقيق قام به أن القضية جناية فيحيلها على محكمة الجنايات بنفس الطرق المقررة لقاضي الإحالة بذلك القانون، لأن الواقع أن سلطة الإحالة هي واحدة سواء بقيت لقاضي التحقيق أو خولت لقاضي الإحالة ولكل من قاضي التحقيق وقاضي الإحالة أن يقرر إما بألا وجه لإقامة الدعوى أو بإحالتها على محكمة الجنايات وللمدعي المدني المعارضة في الأمر بأن لا وجه في الحالتين، وفي مصر ترفع المعارضة لأودة المشورة بالمحكمة الابتدائية وفي فرنسا ترفع لأودة الاتهام بمحكمة الاستئناف فحكمها واحد هنا وهناك ويجب أن نأخذ في مصر بما تقرر في فرنسا.
وبناءً على ما تقدم نأمل أن تعيد محكمة النقض النظر في المبدأ الذي قررته أخيرًا لعلها بعد ذلك تعود إلى مبدئها الأول.
اترك تعليقاً