من موانع المسؤولية الجنائية ( صغر السن في القانون العماني )
ف المجتمعات القديمة التفرقة بين الحكم على الحيوان أو على الإنسان – لكن يوجد بعض الأمثلة في زمن العصور الوسطى تم الحكم فيها على الحيوان بل وعلى الجماد – وكان يمتد الحكم يمتد إلى أسرة وقبيلة الجاني أي إنها لم تعرف مبدأ شخصية العقوبة , ولكن تقدم الحياة وتبلور وتطور أفكار الناس تغير بشكل كبير بعد ظهور الدولة التي كانت ولا زالت تحاول إرساء دعائم السلام والعدالة وبهذا تغير مفهوم المسؤولية الجماعية الظالمة إلى المسؤولية الفردية العادلة ليكون المهيأ لمبدأ (شخصية العقوبة) , وهو ما ساعد على ظهور العديد من المفاهيم والتطبيقات العملية حول مفهوم المسؤولية الجنائية التي تم تنظيمها وفقا للعوائق والموانع التي قد تعتري الإرادة ومنها صغر سن مقترف العمل الجرمي .
إن المسؤولية الجنائية إذ تقوم على عنصرين فبدون كلاهما أو أحدهما لا تقوم هذه المسؤولية ألا وهما القدرة على الإدراك والمتمثلة في معرفة الأفعال التي يقوم بها الشخص ونتائج هذه الأفعال التي قام بها , والثاني هو عنصر القدرة على الاختيار وهو مرتبط بالإرادة المستقلة الواعية نحو توجهها للقيام بعمل ما أو الإحجام عنه .
ووفقا لشروط قيام المسؤولية الجنائية والمتمثلة في حدوث واقعة معينة , وحمل هذه الواقعة صفة الجريمة , ووجود شخص معين يتحمل تبعتها ويلزم كون هذا الشخص في تحمله نتيجة الفعل الجرمي أن يكون هو مرتكب الجريمة أو ساعد على تحقيقها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عن قريب أو من بعيد , كما يلزم في هذا الشخص أن يكون أهلا لتحمل المسؤولية , وبهذا يكون الشخص البالغ العاقل ذو الإرادة المدركة والحرة المختارة هو من يتحمل التبعة الكاملة للأفعال الجرمية .
إلا أنه قد توجد عدة موانع للمسؤولية الجنائية من جرائها ألا يجازى الفاعل عما اقترف أو إنه يعاقب عقوبة مخففة مثل الشخص الواقع في الإكراه , والغلط , وحالة الجنون , أو القوة القاهرة , والنوم , والنسيان , وصغر السن .
وفي هذا المقام سنتناول حالة صغر السن كحالة من موانع المسؤولية الجنائية حيث يسأل الحدث أو الصغير مسؤولية ناقصة أو مخففة وبعد البلوغ يسأل مسؤولية كاملة حيث إن الحدث لا يمتلك الأهلية لتحمل نواتج الفعل الجرمي وكما ذكرنا إنه يشترط أن يكون الشخص أهلا للمسؤولية , ويعرّف الدكتور عبدالله سليمان في مؤلفه شرح قانون العقوبات الجزائري القسم العام الأهلية الجنائية بأنها ( مجموعة من الصفات الشخصية (من عوامل ذهنية ونفسية ) اللازم توافرها في الشخص حتى يمكننا أن ننسب إليه الواقعة الإجرامية التي اقترفها عن إدراك وإرادة .
هذا وقد بيّن الرسول الكريم العوارض التي تعترض المسؤولية بقوله : ( رفع القلم عن ثلاث : الصبي حتى يحتلم , والمجنون حتى يفيق , والنائم حتى يستيقظ ) .
وقد عرّف قانون مساءلة الأحداث الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (30|2008) في مادته الأولى في الفقرة (د) الحدث الجانح بأنه كل من بلغ التاسعة ولم يكمل الثامنة عشرة وارتكب فعلا يعاقب عليه القانون . وهو ما توافق مع قانون الجزاء العماني حين تناول في مواده الجرائم التي يرتكبها الأحداث والذي ابتدأ بسن التاسعة حتى الثامنة عشرة .
وقد قام المشرع العماني بوضع تدرج للمسؤولية الجنائية التي يرتكبها الأحداث والمنظمة في قانون الجزاء العماني على النحو الآتي :
1- من الولادة حتى سن التاسعة .
وقد تناول القانون هذه المرحلة في المادة (104) التي نصت على (لا يلاحق جزائيا من لم يكن عند ارتكابه الجريمة قد أتم التاسعة من عمره . إذا كانت سن المتهم غير محققة قدرها القاضي وتحتسب السن في جميع الأحوال بالتقويم الميلادي )). ويمكن إثبات السن من خلال شهادة الميلاد التي تقوم بإصدارها وزارة الصحة والتي تتعلق بالبيانات الخاصة بالمولود والتي نصت عليها المادة (17) من قانون الأحوال المدنية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (66|99) حيث أوردت البيانات اللازمة قيدها في سجله وهي :
1- يوم الميلاد , وتاريخه الهجري والميلادي بالأرقام والحروف , وساعاتها , ومحلها .
2- نوع المولود ( ذكر أو أنثى ) واسمه .
3- اسم كل من الوالدين ورقمه المدني , وقبيلته , أو اسمه العائلي في حالة عدم وجود القبيلة , وجنسية كل منهما , وديانته , وعنوانه , ومهمته .
2- من سن التاسعة حتى سن الثالثة عشرة .
وجاء في المادة (105) من قانون الجزاء على انه ((من أتم التاسعة من عمره ولم يتم الثالثة عشرة عند ارتكابه الجريمة لا يحكم عليه بعقوبة السجن أو الغرامة بل يوضع بحكم قضائي في مؤسسة للإصلاح يعينها القاضي مدة لا تتجاوز إتمامه الثامنة عشرة . ويمكن للقاضي أن يوبخه في جلسة المحاكمة ويسلمه بعد ذلك ولي أمره لقاء سند يتعهد فيه بتربية القاصر والحيلولة دون ارتكابه جريمة أخرى خلال المدة المحددة بالحكم . إذا أخل الولي بتعهده يتعرض للعقاب المنصوص عليه في الفصل الخاص من هذا القانون المتعلق بتسييب القصر كما يعود للقاضي عند إذن تقرير وضع القاصر في مؤسسة للإصلاح…)) . كما إنه لا يحكم عليه بالغرامة تطبيقا للمادة (10) من قانون مساءلة الأحداث التي جاء فيها (( لا تسجل الأحكام الصادرة ضد الأحداث الجانحين في صحيفة السوابق , ولا تسري عليهم أحكام التكرار المنصوص عليها في قانون الجزاء العماني . ولا يجوز توقيع عقوبة الغرامة بالنسبة لهم )) , وهذا تأكيد لما ورد في المادة السابقة من قانون الجزاء .
وقد تم توضيح الأمور المتعلقة بدار إصلاح الأحداث في المادة (1) من الفقرة (ك) من قانون مساءلة الأحداث حيث جاء فيها (( دار إصلاح الأحداث هي الدار التي تنشأ بالوزارة وتخصص لإيواء ورعاية وتقويم وتأهيل الأحداث الجانحين الذين تحكم أو تأمر المحكمة بإيداعهم فيها , ويصدر بتنظيمها قرار من الوزير , وتتولى وحدة شرطة الأحداث حفظ الأمن والنظام بها )) , كما تجدر الإشارة إلى اختلاف دار إصلاح الأحداث عن دار ملاحظة الأحداث ودار شؤون الأحداث من حيث الاختصاص , حيث إن الأولى هي المختصة بالرعاية وفقا للمادة (105) من قانون الجزاء , والثانية هي الدار التي يودع فيها الجانحون الأحداث حتى وقت تقديمهم للمحاكمة , والثالثة هي المختصة بمحاكمة الأحداث .
3- من سن الثالثة عشرة حتى سن الخامسة عشرة .
حيث قامت بالتنظيم المادة (106) من قانون الجزاء وتناولت العقوبات المخففة للجرائم التي يقترفها الأحداث حيث نصت على أنه (( من أتم الثالثة عشرة من عمره ولم يتم الخامسة عشرة حين ارتكابه الجريمة يعاقب بالسجن إصلاحا للنفس من ثلاث حتى خمس سنوات إذا كانت الجريمة جناية معاقبا عليها قانونا بالإعدام أو السجن المؤبد , ومن سنة واحدة حتى ثلاث سنوات في الجنايات الأخرى . أما إذا كانت الجريمة جنحة فيعاقب بالحبس من عشرة أيام حتى ستة أشهر )) .
4- من سن الخامسة عشرة حتى سن الثامنة عشرة .
جاء في المادة (28 من قانون مساءلة الأحداث (( إذا ارتكب الحدث الذي بلغ السادسة عشرة جريمة عقوبتها الإعدام أو السجن المطلق حكم عليه بالسجن مدة لا تقل عن ثالث سنوات ولا تزيد على عشر سنوات , وإذا ارتكب جريمة عقوبتها السجن المؤقت أو السجن حكم عليه بالسجن مدة لا تتجاوز نصف الحد الأقصى المقرر قانونا للجريمة المرتكبة وبما لا يقل عن ثلاث سنوات في الجنايات …)) . كما بيّنت المادة (37) من نفس القانون وضع الحدث الجانح الذي لم يبلغ سن السادسة عشرة إذا تعدد المتهمون , حيث نصت على أنه (( إذا تعدد المتهمون وكان بينهم حدث لم يبلغ السادسة عشرة وجب إحالته إلى محكمة الأحداث , فإذا كان قد بلغ هذه السن أحيل إلى محكمة الجنايات أو الجنح بحسب الأحوال , وفي هذه الحالة تطبق على الحدث أحكام هذا القانون )) . وجاءت المادة (107) من قانون الجزاء مبينة الوضع القانون لمن هم في هذا السن , (( من أتم الخامسة عشرة من عمره ولم يتم الثامنة عشرة عند ارتكابه الجريمة يعاقب بالسجن من خمس سنوات حتى عشرة إذا كانت الجريمة جناية معاقب عليها قانونا بالإعدام أو السجن المؤبد ومن ثلاث إلى سبع سنوات في الجنايات الأخرى . أما إذا كانت الجريمة جنحة فيعاقب بالسجن من عشرة أيام حتى سنة . يبلغ الحدث الرشد ببلوغه الثامنة عشرة وبهذا يسأل جنائيا مسؤولية كاملة عما يرتكبه من الجرائم )) .
هذا وقد تم الاعتداد بسن الثامنة عشرة لكمال الأهلية في سلطنة عمان ليس في ظروف الأهلية الجنائية فحسب وإنما اعتبره المعيار العام للتعبير عن البلوغ وكمال العقل وتحمل المسؤولية , ويوجد العديد من القوانين التي نصت صراحة على هذا السن منها قانون الأحوال الشخصية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (32|97) في مادته السابعة على أنه (( تكمل أهلية الزواج بالعقل , وإتمام الثامنة عشرة من العمر )) . كما جاء في قانون الخدمة المدنية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (120|2004) في المادة (12) والمتعلقة حول التعيين في الوظائف الدائمة , الفقرة (و) (( ألا تقل سنه عن ثمانية عشر عاما , وتثبت السن بشهادة الميلاد أو بالبطاقة الشخصية )) .
كما يوجد العديد من القوانين العمانية التي اشترطت سن الثامنة عشرة في المواضيع التي صدرت لتنظيمها .
اترك تعليقاً