تضم معظم تشريعات حق المؤلف المقارنة، نصوصاً خاصةً بالمصنفات التي يتعدد فيها المؤلفون، وتبرز من خلال هذه النصوص صيغتان للتعدد وهما المصنف الجماعي، والمصنف المشترك. وان القول بشان تعدد المترجمين او مساهمة اكثر من شخص في انتاج مصنف مترجم يقوم على ذات الاسس التي جاء بها قانون حماية حق المؤلف، وهذا يعني تظافر جهود اكثر من مترجم في ابداع المصنف المترجم ، يشتركون بالانتفاع بحقوق الترجمة على وجه الشيوع.
ونعرض صورتي المساهمة تباعا :-
اولاً: المصنَّف الجماعي المترجم.
يقصد بذلك، النتاج الذي يصدر من مجموعة من الأشخاص مجتمعين بتوجيه شخص معنوي وتحت رقابته وأشرافه(1). وهذا يعني وجود رابطة التبعية بين الشخص المعنوي والمترجمين، و أساس هذه الرابطة الرقابة والأشراف والعمل وفق ما يضعه الشخص الاعتباري وتوجيهه، مما يترتب على ذلك حصولهم على اجر مقابل جهدهم الذهني، اما حقوق التاليف او الترجمة واستغلالها فتكون للشخص الاعتباري. والقول بإسناد حقوق الترجمة واستغلالها او الانتفاع بها من الشخص المعنوي ، فيه نظر. فالإبداع ما هو الا عمل يصدر عن ذهن الشخص الطبيعي وقريحته وهذا يتنافى والشخصية الاعتبارية التي لا تمتلك مثل هذه القدرة على الإبداع والابتكار (2) وهذا يعني ان الشخص الاعتباري يمنح مثل هذه الامتيازات من باب المجاز القانوني لتسهيل المهام التي يقوم بها والحفاظ قدر الإمكان على تدفق النتاج الفكري. ويذهب راي في الفقه الى إمكانية إعطاء المشترك في مثل هذا النتاج حق الانتفاع المالي والادبي في الجزء الذي قام بابداعه متى امكن فصل ما قام بإنتاجه وتميز عمله بقيمة ادبية او علمية على ان لا يؤثر ذلك على حق الشخص الاعتباري باستغلال المصنف الجماعي(3)، وفي هذا ترديد لاحكام المصنفات المشتركة التي يمكن فيها فصل عمل كل من المشتركين عن غيره وبالتالي امكانية انتفاع كل منهم بالجزء الذي قام بإنتاجه – ترجمته- متى كان هذا المصنف قابل للانقسام(4). ويلاحظ ان منح هذه الحقوق للشخص الاعتباري انما هو امر مخالف للواقع القانوني وفيه خروج على القواعد الخاصة بالاستغلال او الانتفاع بالنتاج الفكري، وخرق لقواعد الحق الادبي الذي لا يكون الا لصاحب النتاج، لانه يتصل بشخصيته اتصالا وثيقا ولا يجوز باي حال فصله او التصرف فيه من الغير، وتقاضي الاجر او المقابل المالي للقيام بعملية الترجمة لصالح الشخص الاعتباري لا يعني اباحة التصرف في الحق الادبي من الشخص الاعتباري، لان مثل هذا الإسناد لا يكون الا للشخص الطبيعي. ولتحديد مصير الحق الأدبي ، يمكن القول ان للمترجم على اقل تقدير التمتع بالحقوق الأدبية، بذكر اسمه على المصنف المترجم وامكانية تعديل الترجمة التي قام بها وحق السحب متى ما كان المصنف غير جدير بالنشر اما حق نشر المصنف المترجم والانتفاع به واستغلاله ماليا يكون للشخص الاعتباري، فحق عائدية الابداع لأي كان لا يجوز التنازل عنه او العوض فيه باي حال من الاحوال. ومن الجدير بالاشارة في هذا الصدد الى المادة(5)من النظام الداخلي لجمعية المترجمين العراقيين الفقرة(أ) منها، والتي جاء فيها((تكتسب الجمعية الشخصية المعنوية عند تسجيلها..))وايضا القانون رقم (29) لسنة 2001 (5)، الذي تم بموجبه تأسيس الدار الجامعية للطباعة والنشر والترجمة التابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والذي تم بموجبه منح الدار الحق بامتلاك حقوق التاليف والترجمة التي تعود لحسابها او للغير(6). ولابد من التنويه، بان الدار لها الحق في ابرام العقود للقيام بالمهام التي اسست من اجلها مع الاخصائيين والاساتذة وبتوجيه من قبلها حول ماهية المواضيع التي يمكن تاليفها او ترجمتها (7) وهذا يعني ان الدار تمتلك الحق المطلق في استغلال المصنفات المؤلفة والمترجمة باعتمادها على الجهود الذهنية للاساتذة والمختصين، الا ان هذا لا يعني حرمانهم من الحق الادبي في نسبة المصنف اليهم.
ثانياً : المصنف المترجم بالاشتراك .
تبدو هذه الصورة واضحة عند ظهور المصنف الى الوجود نتيجة تظافر جهود اكثر من شخص في انتاج مصنف ما، بحيث يكون لكل منهم حقوق على المصنف، وهذا يعني ان الاشتراك مساهمة اكثر من شخص في تأليف المصنف – ترجمته- (8). فالمساهمة عن طريق الاشتراك في الترجمة، يعني ان يساهم اكثر من مترجم في ترجمة فكرة معينة، بحيث يكون لكل منهم الحق في المصنف المترجم بالاستغلال و الانتفاع. وهذا يعني ضرورة أن تكون هناك فكرة مشتركة يقوم بمعالجتها اكثر من مترجم ولا يشترط ان يكون لكل منهم جزء مستقل من الفكرة يعمل على ترجمته، فالمهم هو الاشتراك الفعلي في معالجة الفكرة مهما كان الجزء الذي قام الشريك الاخر بترجمته(9).
وهذا الاشتراك يتجسد في صورتين:-
1-الاشتراك التام في الترجمة.
في هذا النوع من الاشتراك يصعب تحديد نصيب كل من ساهم في ترجمة المصنف، لاندماج نصيب كل مساهم وتداخله مع نصيب المترجم او المترجمين الاخرين (10). فهذا النوع يجمع بين جهود جميع المشتركين في انتاج المصنف على نحو يكون من العبث معه امكانية تحديد نصيب كل منهم في المصنف فيصعب عندئذ انقسام المصنف او حتى قابليته لذلك(11)، وهذا الوضع يجعل من جميع المشتركين متساوين في ممارسة الحقوق على المصنف المترجم ما لم يكن هناك اتفاق يقضي بغير ذلك(12). وكنتيجة لهذا الاندماج يكون لكل منهم ممارسة الحقوق التي يخولها هذا النوع من الاشتراك، فيعملون معاً على استغلال المصنف ماليا وعلى نشره او وقف عملية النشر او سحب المصنف او تعديله ولا يكون لاحدهم منفردا القيام بذلك دون موافقة الاخر، ما لم يكن مخولا بذلك من الطرف الاخر(13).وهذا النوع من الاشتراك تكون فيه مسألة تحديد نصيب المشتركين في ترجمة المصنف مسألة وقائع قد يتفق عليها الشركاء وقد لا يتفق، فيعد كل منهم شريكا بالتساوي مع الآخرين ،ومسألة اندماج المصنف وعدم امكانية فصله يرجع امر البت فيها الى سلطة القاضي التقديرية اذا ما طرح الامر امامه يمكن له استخلاصها من نية المشتركين ومن طبيعة المصنف والفكرة التي تمت ترجمتها.
2-الاشتراك الناقص في الترجمة
وهذا يعني ان يستقل كل شريك بنصيبه بحيث لا يؤثر ذلك على المصنف .(14) فلكل شريك ساهم في ترجمة فكرة ما ان يستغل نصيبه منها وان ينتفع به بحيث لا يؤثر هذا الاستغلال او الانتفاع على كيان المصنف او على حقوق الغير عليه. وهذا القول جائز متى ما لم يؤدِ إلى الأضرار بحقوق الشركاء الآخرين او لم يكن هناك اتفاق على تخويل احدهم القيام باستغلال المصنف والانتفاع به.(15) ومن الملاحظ ان مثل هذا النوع من الاشتراك لا يثير إشكالا في معرفة نصيب كل شريك اذا ما عرض مثل هذا الأمر أمام القضاء، مادامت هناك قاعدة مفادها ، ان لكل شريك استغلال الجزء الذي ترجمه من المصنف دون الاضرار بالشريك الآخر . ولابد من تساؤل واجب علينا طرحه في هذا السياق بشان عمليات الدوبلاج او ترجمة الافلام السينمائيه او المصنفات الإذاعية .فهل يعدُّ واضع الدبلجة او المترجم شريكا في المصنف.؟ ويذهب الراي الراجح في الفقه إلى عدم اعتبار مترجم الفلم السينمائي او المصنف الاذاعي سواء عن طريق الدبلجة او السبتايتل اسفل الشاشه شريك في مصنف ، انما يعتبر مترجم وله حقوق المترجم لا حقوق الشريك.(16) لكن ما هو الحكم لو قام المترجم بترجمة قصه لفلم سينمائي او عمل تلفزيوني او اذاعي ثم الف السيناريو او الحوار (17)،فهل يعتبر شريكا ؟ يمكن بعد الجمع بين أحكام الاشتراك والمساهمة في المصنفات القول بان المترجم يستحق حقوق الترجمة باعتباره مترجما لنص سينمائي ،وشريكا في مصنف سينمائي باعتباره مؤلفا للسيناريو او واضع الحوار، وبما ان حقوق الاشتراك ادق واشمل من حقوق الترجمة التي تحدد بالاجر في هذه الفرضيات، فان مترجم المصنف السينمائي الذي يضع الحوار والسيناريو يعتبر شريكاً في المصنف ويستحق حقوق الشريك لا حقوق المترجم . ومن الجدير بالإشارة إلى أن هناك راي في الفقه، ينتقد عدم اعطاء حقوق الاشتراك للمترجمين المساهمين في الإنتاج السينمائي. ويذهب الى ضرورة إعطائهم مثل هذا الحق لاسيما اذا كان دورهم ذا طابع مؤثر في إخراج المصنف الى الوجود ،فضلا على ان العديد من المترجمين يشترطون نسبة مئوية معينة من الأرباح تجعل منهم بمرتبة الشريك وان لم ينص على ذلك صراحة .(18) هذا يعني ان إعطاء صفة الشريك في العمل السينمائي للمترجم يستوجب ان يكون للمترجم دورٌ بارزٌ في اخراج المصنف السينمائي للوجود، هذا من ناحية، ثم ان يكون المترجم قد اشترط حصوله على نسبة من ارباح المصنف كحق مالي للجهد الذي بذله في اخراج الترجمة، وبالتالي اخراج المصنف ـ وهذا ما نؤيده ـ خصوصا اذا ما كانت الترجمة على درجة من الإتقان والرصانة بحيث تجعل من المصنف اكثر رواجا وانتشارا فيما لو كانت عبارات المصنف او العمل السينمائي مرتبكة و مضطربة لا تمت إلى الفكرة التي يعالجها المصنف بصلة من ناحية اخرى.
___________________________
– خاطر لطفي ،ص 80.
2-د. تركي صقر، ص99.
3- د.عبد المنعم فرج، ص316.
4- استاذنا ،زهير البشير ،ص60.
5- منشور في الوقائع العراقية ،عدد 3871 في 26/3/2001 ص 193 .
6- انظر المادة 3 / فقرة 2 ، فقرة 3 .
7- انظر المادة 3 / فقرة 2 ، فقرة 3.
8- د. خالد حمدي عبد الرحمن، ص 386 .
9- د. السنهوري ،ج8 فقرة 196، ص 337 ، بالهامش رقم (1).
0- د.نواف كنعان ،حق المؤلف ، ص288 .
1- خاطر لطفي ، ص77.
2- فقد يتفق الشركاء على ان يستغل كلا منهم بجزء من المصنف، كما لو اتفقا على ان يكون لاحدهما ربع المصنف او ثلثه او ثلاثة ارباعه فتكون حصة كلا منهم على الشيوع مع الاخرين ، انظر د. السنهوري ، الجزء 8، فقرة 196 ، ص337 –338 .
3- د. السنهوري ، ج8 ، فقرة 196، ص338 .
4- د.نواف كنعان، ص288 .
5- د. خالد حمدي عبد الرحمن ،ص288.
6- د.السنهوري ، الجزء الثامن ،فقره 201،ص347،د. نواف كنعان، حق المؤلف ،ص300 .
7- يقصد بمؤلف السيناريو، الشخص الذي يؤلف القصه ويرتب احداثها وينظم فصولها، انظر خاطر لطفي ،ص91 . اما مؤلف الحوار فهو الذي يقوم بوضع الكلام الذي يجري على السنة الممثلين ، انظرد. نواف كنعان، ص293 .
8- د.محمد حسنين ،الوجيز في الملكية الفكرية ،الجزائر 1985ص53.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً